2013-07-18

عصام العطار يصف غربته

عصام العطار (سوريا 1927 - ؟)

طـــال اغـتـرابـي ومــــا بـيـنــي بمـقـتـضـب
والدهـر قـد جـدّ فـي حربـي وفـي طلـبـي
والـشـوق فـــي أضـلـعـي نـــار تُـذوِّبُـنـي 
مــا أفـتـك الـشـوق فـــي أضـــلاع مغـتــرب
أيـــــن الأحــبـــة مـــــا بــيــنــي وبـيـنــهــم
لــــج الـبـحــار وأطــــراف الـقـنــا الـسـلــب
عـــــزّ الــلــقــاء فــــــلا لــقــيــا ولا نـــظـــر
ولا حـــديـــث عـــلـــى بـــعـــد ولا قـــــــرب
كــم ذا أحــن إلــى أهـلــي إلـــى بـلــدي
إلـــى صـحـابـي وعـهــد الــجــدّ والـلـعــب
إلـــى الـمـنـازل مـــن ديـــن ومــــن خــلــق
إلـــى الـمـنـاهـل مــــن عــلــم ومــــن أدب
إلـــى المـسـاجـد قـــد هـــام الـفــؤاد بـهــا
إلــــى الأذان كـلـحــن الـخـلــد مـنـسـكــب
الله أكـــبـــر هــــــل أحـــيــــا لأسـمــعــهــا
إن كـــان ذاك فـــيـــا فــــوزي ويــــا طــربــي
إنــــي غــريــب غــريــب الـــــروح مـنــفــرد
إنـــي غـريــب غــريــب الــــدار والـنـســب
ألــقــى الـشـدائــد لـيـلــي كــلــه ســهـــر
ومــا نـهــاري ســـوى لـيـلـي بـــلا شـهــب
أكابـد السقـم فـي جسمـي وفــي ولــدي
وفـــــي رفـيــقــة درب هـــدّهـــا خـــبـــبي
قــــال الـطـبـيـب وقـــــد أعـيــتــه حـالـتـنــا
ولـــم يـغــادر لـمــا يــرجــوه مــــن ســبــب
كـيــف الـشـفـاء بـعـيــش جــــد مـضـطــرب
والفكـر فــي شـغـل والقـلـب فــي تـعـب!
مـــا دمـــت فـــي بـهــرة الأيــــام منـتـصـبـا
لـلـطـعـن والــضــرب لا رجــــوى لـمـرتـقــب
ولـــو مـلـكـت خــيــاري والــدّنــا عــرضــت
بــكــل إغـرائــهــا فـــــي فـنــهــا الـعــجــب
لـمــا رأت غـيــر إصـــراري عـلــى سـنـنــي
وعـادهــا الـيــأس بـعــد الـجـهـد والـنـصــب
قـلـبـي خـلّــيّ عـــن الـدنـيـا ومـطّـلـبـي
ربــي فـلـيـس ســـراب الأرض مـــن أربـــي
وطـالـبـيـن هــلاكــي حـشــوهــم ضــغـــن
وقـــد بـــدا غـدرهــم لـــي غــيــر مـنـتـقـب
يـتـابـعــون خـــطـــا لـــيـــث أضــــــرّ  بــــــه
ريـــب الـزمــان بــجــرح الــدهــر مـخـتـضـب
يـتــابــعــون خـــطــــا لــــيــــث عــزائـــمـــه
عـــلــــى نـــوازلــــه أورى مــــــــن اللهب
ألـفـاظـهـم عـــــرب والـفــعــل مـخـتـلــف
وكــم حــوى اللـفـظ مــن زور  ومـــن كـــذب
إن الــعــروبــة ثـــــــوب يــخــدعـــون بـــــــه
وهـــم يـرومــون طــعــن الــديــن والــعــرب
واحـســرتــاه لـقــومــي غـــرّهـــم قــــــرم
سـعــى إلـيـهـم بـجـلـد الـمـنـقـذ الــحــدب
حـــتـــى إذا أمـكـنــتــه فـــرصـــة بـــــــرزت
حـمــر المـخـالـب بـيــن الـشــك والـريــــب
ومـــزّق الـجـلــد عــــن وحــــش أضـالـعــه
حـقـدا كلـيـل رهـيــب قـاتــم الـسـحـب
وأعــمـــل الــنـــاب لا شـــــرع ولا خـــلـــق
فـي الجسـم والنفـس والأعـراض والنسب
وحــــارب الــديـــن والإســـــلام قــاهـــره
وكــم خـــلا مـثـلـه فـــي سـالــف الـحـقـب
إذا قــضـــى الله أن أحــيـــا حـيــيــت لـــــه
وإن قضـى المـوت لــم أخـسـر ولــم أخــب
يـــا سـائـريـن عــلــى درب الـيـقـيـن كــمــا
تـمـشـي الأســـود بـقـلـب غـيــر مـضـطـرب
وطـالـعـيـن عــلــى (الأعـــــواد) خـاشــعــة
وقـد رنــا الـكـون فــي شــك وفــي رهــب
وراحـــلـــيـــن وعــــيـــــن الله تــرمــقــهـــم
وجـنـة الخـلـد فـــي شـــوق وفـــي رغـــب
وتـاركـيــن عــلــى الأيــــام مـــــن دمــهـــم
(مـعـالـمـا) لـطـريــق الــحــق لــــم تــغــب
وخـالـديــن عــلــى رغــــم الـطـغــاة بــمـــا
جــادوا مــن الــروح أو صـاغـوا مــن الـكـتـب
كــم قــد طـــوت لـجــة النـسـيـان طـاغـيـة
وسـاطـع الفـكـر لــم يشـجـب ولــم يـجــب
أواه يــــا راحــــل الأحــبــاب مــــن كــبــدي
لم يبق منهـا علـى شجـوي سـوى الوصـب
أبـكــي علـيـكـم وهـــذا منـتـهـى عـجـبــي
والقلـب مــن ذكـركـم فــي نـشـوة الـطـرب
أحـــنّ شــوقــا إلــــى أيـامـنــا ومضت  قد
 أقــوتِ الــدار مــن أصحـابـي النُّـجُـب
مــا غــاب وجـهُـكُـمُ عـــن عـيــن مـدّكــر
ولا رقـــا جـرحـكـم فـــي قـلــب محـتـسـب
تـجــري الـدمــوع بـعـيـن الـلـيــث سـاكـبــة
وعـيــن ريــــم بـسـتــر الــصــوت مـحـتـجـب
والطفـل فـي المهـد لـم يعلـم لــم انقلـبـت
حـيــاتــه بــعـــد بــشـــر شـــــرّ مـنـقــلــب
والـلـيــل مـــــن رقـــــة تــنـــدى جـوانــحــه
ولا يــــرق لـشـكــوى الـعـاشــق الــوصـــب
أرض الــشــهــادة لا يــــــأس ولا وهـــــــن
لا تـبـيـتـي عــلــى يــــأس وتنـتـحـبـي
كـم أنبتـت دوحــة الإســلام مــن (حـسـن)
وأطلـعـت فــي بهـيـم اللـيـل مــن (قـطـب)
مــاذا أعـــدد مـــن شـجــوي ومـــن ألـمــي
والـدهـر مستلـئـم فـــي جـيـشـه الـلـجـب
إذا رمـــى الـسـهــم بـالـبـأسـاء أقـصـدنــي
وإن رمــى الـسـهـم بالنـعـمـاء لـــم يـصــب
فــي كــل يـــوم عـلــى الأحـبــاب مخـتـضـب
 مــن مـدمـع القـلـب يـجـري إثـــر مخـتـضـب
والـمُـدّعـون هـــوى الإســــلام سـيـفـهـم
مــــع الأعــــادي عــلــى أبـنـائــه الـنــجــب
يــخــادعـون بـه أويــتـــقـون بــــــــه
ومـــا لـــه مـنـهـمُ رفـــد ســـوى الـخـطـب
أعـمـالـهــم حــجـــة الأعـــــداء إن ضــربـــوا
كــانــت بـكـفـهـم أمــضــى مــــن الـقـضــب
فدتـك نـفـس (أبــا الأعـلـى وهــل سلـمـت
نفسي لأفديـك مـن (أهـل) ومـن (صحـب)!
أمـا استحـى السجـن مـن شـيـخ ومفـرقـه
نـــور بـغـيـر طـــلاب الـحــق لــــم يــشــب
أنـــــت الـمــنــارة لــلإســـلام إن خـبــطــت
سفـيـنـة الـفـكـر فــــي داج مــــن الــريــب
إيــــه أبــــا زاهــــد يــــا قــمــة شـمــخــت
بالـعـلـم والـفـضـل يـــا كــنــزا لمـكـتـسـب
مــاذا عــن الصـحـب والإخــوان فــي حـلـب
يـا طـول سهـدي علـى الإخـوان فـي حلـب
مــا قــرّ جنـبـي وقـــد أقـــوت مضاجـعـكـم
كــــأن جـنـبــي مــطــويُّ عــلــى قــضــب
مـــاذا تـعـانـون مـــن عـســر ومـــن رهــــق
مــاذا تقـاسـون مــن سـجـن ومــن حــربِ
يـــا أوفـيــاء ومـــا أحــلــى الــوفــاء عــلــى
تـقـلــب الــدهــر مــــن مــعــط ومـسـتـلـب
أفـديــكــمُ عــصــبــة لله قــــــد خــلــصــت
فـمــا تـغـيّــرُ فــــي خــصــب ولا جــــدب
ربــي لــك الحـمـد لا أحـصــي الجـمـيـل إذا
نفثـتُ يومـا شـكـاة القـلـب فــي كـربـي
فـــــلا تـــؤاخـــذ إذا زلّ الــلــســان ومــــــا
شيء سوى الحمد في الضراء يجمُلُ بي
لـــك الـحـيـاة كـمــا تــرضــى بشـاشـتـهـا
فـيـمـا تـحــب وإن بـاتــت عــلــى غــضــب
رضــيــت فـــــي حــبـــك الأيـــــام جــائـــرة
فعـلـقـم الـدهــر إن أرضــــاك كـالـضــرّب
شــكــرا لـفـضـلـك إذ حـمّــلــت كـاهـلـنــا
مـمــا وثـقــت بـنــا مـــا كـــان مـــن نُــــوب

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق