2018-01-27

أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها

أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

جاء في القرآن الكريم آيات عديدة  تتحدث عن  بعض علامات الساعة وعن حال الأرض وأهلها في نهاية الزمان وقبيل قيام الساعة كنبؤات تؤكد صدق هذا القرآن  وذلك عند تحقق وقوعها. ولقد أكدت الآيات القرانية على بدء ظهور علامات الساعة مع مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى " يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)"  الأحزاب  وقوله تعالى " فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)"  محمد وقوله تعالى " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)" الانعام.  ومن هذه العلامات خروج الدابة التي تكلم الناس وذلك في قوله تعالى " وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)"  النمل.   وخروج يأجوج ومأجوج وذلك في قوله تعالى " حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)" الأنبياء.  وانشقاق القمر  في قوله تعالى " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)" القمر .  وقد جاء في الاحاديث النبوية  الشريفة من التفاصيل الدقيقة التي تدعم هذه النبؤات التي وردت بشكل مجمل في القرآن الكريم
أما الآية التي تتحدث عن الحال التي ستكون عليها الأرض قبيل قيام الساعة فهي قوله تعالى "إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)" يونس. إن حال الأرض في هذا العصر  وما أنجز  البشر  عليها من إنجازات قد يصفها من لم يشهدها بأنها ضربا من الخيال تم تصويرها تصويرا دقيقا في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا).  فلم يسبق للأرض كل الأرض أن تكون على هذه الحال من الزخرفة والزينة إلى جانب ثقة البشر  الزائدة بأنهم قادرون على إنجاز مزيد من الانجازات الخارقة التي قد يستبعدها حتى بعض من يعيش في هذا العصر .   إن جملة (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) لا يمكن أن تصدر  عن بشر  كسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عاش في بيئة تفتقر  لكثير من مقومات الحضارة التي تبين قدرة البشر  على تسخير  ما في الأرض من خيرات. ولقد جاءت آية قرآنية أخرى لتؤكد هذا الحال وهي قوله تعالى "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)" الأنعام.  ولقد شرحت بشيء من التفصيل مختلف الأبواب التي فتحها الله عز وجل في هذا العصر في مقالة (فتحنا عايهم أبواب كل شيء).
فمع بداية القرن التاسع عشر  بدأت أبواب كل شيء تفتح على البشر  بشكل ملفت للنظر وبشكل متسارع بحيث أن المرء لا يكاد بصدق لأول وهله عندما يسمع عن هذه الفتوح الجديدة  سواء في العلوم أو في تطبيقاتها. وكان أول هذه الفتوح اختراع المحركات الميكانيكية ففي  القرن الثامن عشر  تم اختراع الآلة البخارية ليتم ولأول مرة في تاريخ البشرية استخدام آلة ميكانيكية تعمل على استغلال الطاقة الكيميائية المخزنة في أنواع مختلفة من الوقود المتوفر في الطبيعة وتحولها إلى طاقة حرارية ومن ثم  إلى طاقة حركية تفوق قدرتها بشكل كبير الطاقة الحركية التي تنتجها أجسام الإنسان والحيوان. وفي بداية القرن التاسع تم استخدام القطارت العاملة بالآلات البخارية لنقل الركاب والبضائع بين المدن يسرعات وقدرات تفوق بكثير  قدرات الخيل والبغال. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر تم اختراع محرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل على الوقود السائل وكذلك المحرك الكهربائي والتي تتميز بصغر حجمها مقارنة بالآلة البخارية. لقد أدى ظهور المحركات الميكانيكية والكهربائية إلى ثورة كبيرة في حياة البشر حيث حلت هذه الآلات محل الإنسان والحيوان في القيام بكثير من المهام التي كانت تثقل كاهل الإنسان كما في المصانع والمناجم ووسائل النقل المختلفة كالقطارات والمركبات والطائرات والسفن.
وفي عام 1850م بدأت الشركات بالتنقيب عن البترول والغاز واستخراجها وتكريرها وكانت في البداية  لأغراض الإنارة والتدفئة وفي ما بعد أصبحت مشتقات البترول والغاز مصدر الطاقة المفضل للقطارات والسيارات والطائرات والآلات الزراعية والمصانع ومولدات الطاقة الكهربائية. إن الطاقة الموجودة في الفحم الحجري والبترول والغاز واليورانيوم طاقة غير متجددة أي أنها ستنتهي مع انتهاء المخزون المتوفر في الأرض والذي يتوقع أن ينفد خلال خمسين سنة للبترول  ومائتي سنة للفحم الحجري  والغاز ولعدة مئات من السنين لليورانيوم. إن البديل لهذه المصادر غير المتجددة هو مصادر الطاقة المتجددة  أو المستدامة كطاقة الشمس وطاقة مياه الأنهار وطاقة الرياح وطاقة المد والجزر وطاقة جوف الأرض وهي طاقة نظيفة لا تترك أي مخلفات تضر بالبيئة كما هو الحال مع مصادر الطاقة الأخرى.  ويمكن تحويل الطاقة الشمسية مباشرة إلى طاقة كهربائية  باستخدام الخلايا الشمسية المكونة من المواد شبه الموصلة. وقد بدأت الشركات مع مطلع القرن الواحد والعشرين بإنشاء محطات توليد الطاقة الكهروشمسية في مختلف دول العالم وخاصة تلك التي تسطع فيها الشمس على مدار العام.  وتستخدم طاقة مياه الأنهار في الغالب لإنتاج الطاقة الكهربائية حيث تنتج المحطات الكهرومائية ما يقرب من سبعة بالمائة من مجموع إنتاج الطاقة العالمي وتمكن البشر كذلك من استغلال طاقة الرياح باستخدام طواحين الهواء في الأماكن التي تشتد فيها سرعة الرياح على مدار العام حيث تتكون طاحونة الهواء من توربينات هوائية مثبتة على أبراج عالية وتقوم هذه التوربينات بإدارة المولدات الكهربائية لإنتاج الطاقة الكهربائية.   
وفي عام 1840م تم إرسال الأخبار والرسائل بين المدن في لمح البصر أو سرعة البرق  باستخدام نظام التلغراف ( البرق)  بعد أن  كانت تستغرق الساعات والأيام. وفي عام 1875م بدأ البشر  يتحدثون مع بعضهم البعض رغم تباعد المسافات بينهم باستخدام نظام التلفون (الهاتف). وفي عام 1880م  بدأ بتوليد الطاقة الكهربائية من طاقة المياه والرياح ومن ثم المحركات الميكانيكية  العاملة بالفحم ومن  ثم بالبترول.  وفي نفس العام تم استخدام الكهرباء لأغراض الإضاءة وتشغيل المحركات الكهربائية التي استخدمت في الثلاجات والغسالات  والمراوح وفي المصانع وغيرها. وفي عام 1890م تم اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية وظهور عصر اللاسلكي حيث أصبح بالإمكان نقل إشارات التلغراف والتلفون بدون أسلاك بين القارات ومهد الطريق لتطبيفات جديدة كالبث الإذاعي والتلفزيوني وأنظمة الرادار.
وفي عام 1890م ظهرت أول سيارة بمحرك احتراق داخلي يعمل على الوقود ومع نهاية القرن التاسع عشر اصبحت السيارات متاحة تجاريا.  لقد سهلت المركبات بمختلف أنواعها من السيارات والباصات والشاحنات وناقلات المياه والوقود والدراجات حياة البشر  بشكل كبير حيث اصبحت سرعة تنقل البشر ونقل بضائعهم وحاجياتهم تزيد بعشرات الأضعاف عن سرعتهم أو سرعة الحيوانات وكذلك أراحتهم من عبء العناية اليومية  بالحيوانات التي كانت تخدمهم.  ومع انتشار المركبات بدأ البشر بشق الطرق المعبدة التي تسهل حركة هذه المركبات بين الدول والمدن والقرى فازدادت بذلك حركة البشر  والتجارة بين جميع دول العالم. وفي مقابل المركبات المدنية ظهرت المركبات العسكرية بمختلف أنواعها من دبابات ومدرعات وناقلات جند وغيرها. وكذلك ظهرت أنواع لا حصر لها من المركبات أو الآلات  الزراعية لأغراض الحراثة والحصاد والفطف والرش وغير ذلك من المهام.
وفي القطاع الزراعي تم استخدام مختلف أنواع الآلات الزراعية لحرث الأرض وتسميدها وبذار وحصاد المحاصيل الزراعية المختلفة وكذلك ضخ المياه من الآبار والأنهار وطحن الحبوب.  وبما أن قوة هذه الآلات الزراعية تفوق بعشرات أو ربما بمئات المرات قوة الحيوانات فإنها قادرة على إنجاز مهامها بأسرع بكثير فيما لو تم إنجازها من قبل الإنسان والحيوان. ولقد ترتب على ظهور الآلات الزراعية زيادة كبيرة في رقعة المساحات المزروعة بمختلف أنواع المحاصيل الزراعية مما زاد من معدلات إنتاجها بشكل كبير. ومن عجيب الصدف أن يتزامن ظهور هذه الآلات الزراعية مع الزيادة الكبيرة في أعداد البشر ولو لم يقدر الله ظهورها في هذا الوقت لما تمكن البشر باستخدام الحيوانات من سد حاجاتهم من الطعام ولحدثت مجاعات قاتلة في شتى دول العالم.
وفي قطاع الإنشاءات تم استخدام المحركات الميكانيكية القوية لتشغيل أنواع مختلفة من الآليات الجبارة  لم تكن لتظهر إلى الوجود بدون هذه المحركات كالجرافات والحفارات والرافعات والكسارات والخلاطات والقلابات والمداحل. لقد أدى استخدام هذه الآليات الضخمة إلى حدوث ثورة في شتى قطاعات الإنشاءات كقطاعات المباني والجسور والسدود والطرق والأنفاق والمطارات والمناجم وآبار الماء والبترول والغاز. وللقارئ أن يتخيل في غياب هذه الآليات كم يلزم من العمال ومن الوقت لإنشاء شبكة الطرق العالمية والتي يقدر طولها بعشرين مليون كيلومتر أو شبكة سكك القطارات البالغ طولها ما يزيد عن مليون كيلومتر وكذلك إنشاء مئات الآلاف من ناطحات السحاب والجسور والسدود والأنفاق.
وبسبب حاجة الصناعات المختلفة لمختلف أنواع المواد بدأ البشر  باستخراج جميع أنواع العناصر المتوفرة في القشرة الأرضية والبالغ عددها 92 عنصر. ويعود السبب في حاجة الإنسان لهذا العدد الكبير من العناصر هو التفاوت الكبير في خصائصها فهنالك الخصائص الفيزيائية والتي تشمل الخصائص الكهربائية والمغناطيسية والضوئية والحرارية والميكانيكية وهنالك الخصائص الكيميائية التي تحدد طبيعة التفاعلات بين مختلف العناصر والتي ينتج عنها مركبات لا حصر لها بخصائص جديدة تختلف عن خصائص العناصر المكونة لها. وقد تبين للإنسان  في هذا العصر فقط أهمية وجود مثل هذا العدد الكبير من العناصر الطبيعية حيث أن كل صناعة من الصناعات الحديثة تحتاج لعناصر معينة وبخصائص محددة لا يمكن لبقية العناصر القيام بالدور الذي تقوم به. فعلى سبيل المثال يستخدم الحديد في بناء هياكل ومحركات السفن والطائرات والمركبات والمعدات والأجهزة وفي  المباني والجسور والسدود. والنحاس والألمنيوم  والرصاص في الصناعات  الكهربائية والسيلكون والجرمانيوم في صناعة الإلكترونيات.   
وفي عام 1910م بدأ البشر باستخدام الطائرات وكانت في البداية للأغراض الحربية ومن ثم تم تطويرها لنقل الركاب والبضائع والرسائل وبذلك قفزت سرعة تنقل البشر  بعدة أضعاف عنها باستخدام القطارات والسيارات حيث لا تقل سرعتها عن خمسمائة كيلومتر في الساعة وقد تصل إلى ألفي كيلومتر في الساعة, ومع ظهور الطائرات الحربية والمدنية كانت الحاجة ماسة لاختراع جهاز يمكنه كشف وجود الطائرات في الجو  وبعد محاولات بدأت في بداية القرن العشرين تمكن المهندسون في عام 1930م من تصنيع أول رادار  عملي لكشف الطائرات من مسافات بعيدة.لقد خفف الرادار  كثيرا من ويلات الحروب حيث يتم الإنذار  عن قدوم الطائرات المعادية فبل وقت كافي من ضربها لأهدافها. لقد ساعد الرادار على تنظيم حركة الطائرات في المطارات والسفن في الموانيء وفي الأرصاد الجوية لرصد حركة السحب والأعاصير والعواصف الرملية وفي الكشف عن ما في داخل الأرض من ثروات وغير ذلك.
وفي عام 1920م بدأ بإنشاء محطات البث الإذاعي  لنقل الأخبار والبرامج المختلفة وذلك بعد اختراع أول عنصر الكتروني وهو  الصمام الثلاثي المفرغ  وذلك في عام 1906م.  وباختراع الصمام الإلكتروني بدأ ما يسمى بعصر الإلكترونيات الذي فتح على البشر أبوابا لا حصر لها في شتى مجالات الحياة.  وفي عام 1935م بدأ بإنشاء محطات البث التلفزيوني غير الملون  لنقل الأخبار  المصورة والبرامج الترفيهية والألعاب الرياضية ومن ثم ظهر البث التلفزيوني الملون في عام 1950م. وفي عام 1945م  تم تصنيع  أول حاسوب رقمي وذلك باستخدام الصمامات الإلكترونية ولكن بسبب كبر حجم الصمامات واستهلاكها العالي للطافة كانت قدرات هذا الحاسوب محدودة.  ومع اختراع الترانزستور في عام 1948م كبديل للصمام الإلكتروني والذي يتميز  بصغر حجمه وقلة استهلاكه للطاقة بدأت تظهر  تطبيقات جديدة للمعدات الإلكترونية خصوصا بعد اختراع ما يسمى بالدوائر  المتكاملة في عام 1958م والتي يتم فيها وضع عدد كبير من الترانزستورات على شريحة بالغة الصغر بدأت بعشرات الترانزستورات وبلغت اليوم عدة بلايين على الشريحة الواحدة. لقد كان الحاسوب الرقمي أهم مستخدمي الدوائر المتكاملة فأصبحت الحواسيب أصغر حجما وأشد ذكاءا وأكثر انتشارا ولذلك بدأت المعدات الإلكترونية الذكية بالظهور في شتى المجالات.
وفي منتصف الأربعينات من القرن العشرين تمكن البشر  ولأول مرة في تاريخ البشرية من تفجير الذرة  وإخراج طاقة هائلة من روابطها حيث أن الطاقة الناتجة عن انشطار كيلوجرام واحد من اليورانيوم تعادل الطاقة التي تنتج عن حرق ما يقرب من خمسة آلاف طن من الفحم الحجري.  ومن المؤسف أن يكون أول استخدام لهذه الطاقة في إنتاج القنابل الذرية حيث تم مع نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945م  إلقاء قنبلتين ذريتين  على مدينتين يابانيتين تبلغ قوة كل منهما ما يزيد عن عشرة آلاف طن من المواد المتفجرة التقليدية وذهب ضحيتها ما يزيد عن مائتي ألف إنسان. وفي منتصف الخمسينات تمكن الإنسان من ترويض الطاقة الذرية واستغلها لإنتاج الطاقة الكهربائية من خلال استخدام المفاعلات الذرية التي تقوم باستخراج الطاقة من قلب ذرات اليورانيوم بعد انشطارها على شكل طاقة حرارية تعمل على تشغيل التوربينات والمولدات الكهربائية.
وفي عام 1954م وبعد تقدم تكنولوجيا الحواسيب والإلكترونيات تم تصنيع الروبوت أو ما يسمى بالإنسان الآلي الرقمي والذي يستطيع أن يقوم ببعض المهام التي يقوم بها الإنسان. وكان الاستخدام الأكثر  لهذه الروبوتات في خطوط الإنتاج في المصانع. ومع التقدم المذهل في الإلكترونيات والحواسيب وبرامج الذكاء الصناعي في بداية القرن الواحد والعشرين  تم تصنيع روبوتات بالغة الذكاء على هيئة إنسان يمكنها التحرك دون الاصطدام بالأشياء المحيطة وكذلك التحدث مع الإنسان وباستطاعتها تقديم بعض الخدمات في كثير من التطبيقات أهمها  في الأماكن الخطرة كحقول الألغام والمنشئات النووية والمصانع الكيميائية  وكذلك إجراء العمليات الجراحية الدقيقة وغيرها.  
وفي عام 1957م تم وضع أول قمر  صناعي تجريبي في مدار منخفض حول الأرض وبدأ بذلك فتح أبواب جديدة من التطبيقات التي لم تكن تخطر على البال. ففي خلال سنوات معدودة تم استخدام الأقمار الصناعية لنقل المكالمات الهاتفية الدولية والبرامج التلفزيونية ومراقبة مناخ الأرض وكشف ثرواتها واستشعار  ما يجري عليها وتصوير تضاريسها وتحديد مواقع الطائرات والسفن والمركبات والأفراد ومراقبة الفضاء الخارجي وغيرها الكثير. وفي عام 1961م  تم إرسال إنسان في مركبة فضائية إلى الفضاء الخارجي حول الأرض والعودة سالما إلى الأرض ومن ثم تمكن البشر في عام 1969م من الهبوط على القمر  والعودة بسلام إلى الأرض. ولقد تم إرسال مئات المركبات الفضائية غير المأهولة إلى الشمس  وجميع كواكب المجموعة الشمسية مر بعضها قريبا منها وحط بعضها عليها وذلك لجمع المعلومات عن تضاريس وجو هذه الكواكب.
وفي عام 1960م تم اختراع الليزر الذي أحدث ثورة في مجالات لا حصر لها كما في الاتصالات الضوئية وأنظمة المساحة ورادارات قياس السرعة وفي قص المعادن ولحمها وتوجيه الصواريخ وفي معالجة الأمراض خاصة أمراض العيون وغير ذلك الكثير. وفي بداية الثمانينات من القرن العشرين بدأ انتشار الحواسيب الشخصية وبدأت أحجامها تتقلص وقدراتها تزداد بشكل متسارع وكذلك بدأ البث التلفزيوني المباشر من الأقمار الصناعية والتقاطها بمعدات بسيطة ورخيصة. وفي التسعينات بدأ استخدام الهواتف المحمولة والتي تحولت فيما بعد إلى هواتف ذكية لا تقتصر  وظيفتها على نقل المكالمات الصوتية بل تم استخدامها  لنقل المكالمات المرئية وللاتصال بشبكة الإنترنت وتم تزويدها بالكاميرات والحساسات المختلفة وتحديد الموقع.
وفي منتصف التسعينات تم تتويج إنجازات تكنولوجيا المعلومات بظهور ما يسمى شبكة المعلومات العالمية أو الشبكة الرقمية للخدمات المتكاملة  (الإنترنت) التي بدأت بتوفير  خدمات بسيطة ولكنها تطورت بشكل متسارع  لتقدم للبشر في بداية القرن الواحد والعشرين خدمات لم تكن لتخطر  على بال مطوريها أنفسهم. فمن خلال هذه الشبكة يمكن التراسل مع أي شخص في العالم بسرعة البرق من خلال خدمة البريد الإلكتروني. ومن خلالها يمكن إجراء المكالمات الصوتية والمرئية والمقابلات التلفزيونية ومشاهدة المحطات التلفزيونية والاستماع للمحطات الإذاعية. ومن خلالها يتم نقل ودفع الأموال وإجراء المعاملات الإلكترونيةالمختلفة. ومن خلالها  يمكن الدخول إلى اعداد لا حصر  لها من المكتبات الإلكترونية التي تحتوي على ملايين الكتب والأبحاث الإلكترونية إلى جانب مئات الملايين من الكتب المجانية والأبحاث العلمية التي يقدمها الأفراد على مواقعهم الإلكترونية. ومن خلالها  يتم تقديم خدمات التعليم عن بعد والدراسة عن بعد والعمل عن بعد والتطبب عن بعد والسياحة عن بعد والترفيه عن بعد والتحكم عن بعد والمراقبة عن بعد وغير ذلك من الخدمات. ومن خلالها يتم النقل المباشر  للمباريات الرياضية والمهرجانات والفعاليات والأحداث والفعاليات بمختلف أنواعها.  ومن خلالها يمكن الوصول إلى المواقع الإلكترونية المتعلقة بالحكومات والمؤسسات والشركات والمنظمات والهيئات والأفراد.  
ومن الأبواب التي فتحها الله عز وجل على البشر باب الأجهزه الطبية وهي أجهزه كهربائية وميكانيكية تساعد الأطباء على تشخيص الأمراض وعلاجها. فالأجهزة التشخيصية تستخدم لتشخيص الأمراض كأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير الطبقي المحوري والتصوير بأشعة اكس  وأشعة غاما والتصوير بالامواج فوق صوتية وأجهزة إشارات القلب والدماغ والسماعات والمناظير والمجاهر الطبية وأجهزة قياس الحرارة والضغط والتنفس وأجهزة التحاليل المختلفة كتحليل الدم والبراز والبول والهرمونات وغيرها. أما الأجهزة العلاجية فهى أجهزة تستخدم لعلاج الامراض كمنظم ضربات القلب وجهاز الصدمة الكهربائية وجهاز غسيل الكلى وأجهزة القلب والتنفس الاصطناعية وأجهزة علاج الأسنان وأجهزة علاج العين وتصحيح النظر وأجهزة العلاج بالأشعة وأجهزة تفتيت الحصى والأطراف الاصطناعية وغيرها الكثير. وكذلك فتح الله عز وجل باب الأدوية فما من مرض يصيب الإنسان أو الحيوان إلا وتمكن البشر  من تصنيع الدواء الذي يشفيه بإذن الله أو يقلل من آلامه.   
إن اعتقاد  كفار البشر  بأنهم قادرون على تطويع ما في هذا الكون لمصلحتهم وأن ما يكتشفونه من علوم أو ما يحققونه من إنجازات في شتى مجالات الصناعة والزراعة والنقل وتقنيات الاتصالات والمعلومات والتطبيب أو ما يستخرجونه من كنوز هذه الأرض إنما هو نتيجة حتمية لعلمهم وجهدهم وليس إنعاما من الله عز وجل عليهم. إن هذا الإدعاء والفرح يشابه إدعاء وفرح قارون بما جمع من أموال وكنوز بعلمه وجهده وعليه فإن له الحق أن يتصرف فيها كيفما يشاء كما جاء ذلك في قوله تعالى "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)" القصص.  ولذلك سيكون عاقبة هذا الإدعاء والاستكبار والجحود من البشر بما أنعم الله عز وجل عليهم كعاقبة قارون الذي خسف الله به وبما يملك من ثروات إلى باطن الأرض كما جاء ذلك في قوله تعالى "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)" القصص.  
إن الإنسان المؤمن العاقل لا يغتر بعلمه ولا بجهده إذا ما فتح الله عليه بابا من أبواب خيراته وعليه أن ينسب الفضل إلى الله عز وجل لا إلى نفسه. فالله عز وجل هو الذي خلق للإنسان العقل المفكر والحواس والأيدي الماهرة التي تترجم ما في العقل من أفكار إلى مختلف أشكال الأعمال وصدق الله العظيم القائل "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)" النحل. هذا إلى جانب أن الله عز وجل هو الذي قام بتوفير كل ما يلزم من المواد والطاقة والظروف التي مكنت الإنسان من إنتاج ما يزرع من مزروعات وما  يصنع من مصنوعات مصداقا لقوله تعالى "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)" لقمان وقوله سبحانه "وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)" الأعراف.
                لقد أودع الله عز وجل في هذه الكون من خزائن الخير مالا يعلم عدد أنواعها ومقاديرها إلا هو سبحانه ولكن لحكمة أرادها سبحانه فإنه لا ينزل على البشر من هذه الخزائن إلا بقدر معلوم وذلك مصداقا قوله تعالى "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)" الحجر. ومن البديهي أن يتساءل المرء عن السبب في أن الله عز وجل ينزل الخيرات من خزائنه على عباده بهذا القدر المعلوم.  وتأتي الإجابة على هذا السؤال في قوله تعالى "وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)" الشورى. إن زيادة الرزق للأفراد وللدول عن الحد المقدر من الله عز وجل قد لا يعود عليهم  دائما بالخير المرجو  بل يعتمد ذلك على الطريقة التي يتصرفون بها بهذا الرزق فقد يقود هذا البسط في الرزق هؤلاء إلى البغي والعدوان والتطاول والعلو على الآخرين.  وتكفي نظرة بسيطة إلى الطريقة التي يتصرف فيها كثير من الأغنياء اليوم دولا كانوا أم أفرادا لنستوعب حكمة الله في إنزال الرزق على البشر بمقادير محددة بحيث تضمن بقاء الحياة البشرية مستمرة على هذه الأرض وبالطريقة التي أرادها الله لها.
أما وإن حياة البشر  على الأرض قد شارفت على نهايتها فقد أذن الله عز وجل أن تفتح أبواب كل شيء على البشر في هذه العصور الأخيرة من عمر البشرية. ومن المؤسف أن البشر بمجملهم بدأوا  يبتعدون عن منهج الله عز وجل وبدأت تشيع فيهم مختلف أشكال الفواحش والمنكرات والبغي والظلم  وظنوا أن ما حققوه من إنجازات هو بفضل علمهم وجهدهم ولم ينسبوا الفضل إلى الله عز وجل فحق عليم   قوله تعالى "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)" الأنعام وقوله تعالى "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)" يونس.