2014-08-29

قصائد إبن الفارض في الغزل الصوفي

شرف الدين عمر بن علي ابن الفارض(مصر 1181 – 1235م)

أبرق بدا من جانِبِ الغورِ لامعُ
أم ارتفعت عن وجه ليلى  البراقِعُ
نعم اسفرت ليلى فصار بوجهها
نهارا به نور المحاسن ساطع
أنارُ الغضا ضاءت وسلمى بذي الغضا
أمِ ابتسمت عمّا حــكتهُ المدامعُ
أنشرُ خزامي فاح أم عرفُ حاجر
بأمّ القُرى  أم عِطرُ عزّة  ضائِعُ
ألا ليت شعري هل سليمي مقيمة
بِوادي الحِمى  حيثُ المُتيّمُ والِعُ
وهل لعلع الرّعدُ الهتونُ بلعلع
وهل جادها صوب من المُزنِ هامِعُ
وهل أردن ماء العذيبِ وحاجر
جِهارا وسِرُّ اللّيلِ بالصّبحِ شائِعُ
وهل قاعةُ الوعساءمخضرّة  الرّبى
وهل ما مضى فيها من العيش راجعُ
وهل برُبى نجد فتوضِح مُسنِد
أُهيل النّقا عمّا حوتهُ الأضالِعُ
وهل بلوى سلع يسل عن متيّم
بكاظمة  ماذا بهِ الشّوقُ صانعُ
وهل عذباتُ الرّندِ يقطفُ نورها
وهل سلمات بالحجازِ  أيانعُ
وهل أثلاثُ الجزعِ مثمرة  وهل
عُيونُ عوادي الدّهرِ عنها هواجِعُ
وهل قاصِراتِ الطّرفِ عِين بعالج
على عهدي المعهودِ أم هوِ ضائعُ
وهل ظبيات الرّقمتينِ بعيدنا
أقمنا بها أم دون ذلك مانعُ
وهل فتيات بالغُويرِ يُرينني
مرابع نُعم نِعم تلك المرابعُ
وهل ظلُّ ذاك الضّالِ شرقيّ ضارج
ظليل فـقد روّتهُ منّي المدامعُ
وهل عامر من بعد نا شعبُ عامر
وهل هو  يوما للمُحبّين جامِعُ
وهل أمّ بيت اللهِ يا أمّ مالك
عريب لهم عندي جميعا صنائعُ
وهل نزل الرّكبُ العِراقي مُعرِّفا
وهل شرعت نحو الخيامِ شرائعُ
وهل رقصت بالمأزمينِ قلائص
وهل للقبابِ البيضِ فيها تدافعُ
وهل لي بجمعِ الشّملِ في جمع مسعد
وهل لليالي الخيفِ بالعمرِ بائعُ
وهل سلّمت سلمى على الحجرِ الّذي
بهِ العهدُ والتفّت عليهِ الأصابعُ
وهل رضعت من ثديِ زمزم رضعة
فلا حُرّمت يوما عليها المراضِعُ
لعلّ أُصيحابي بِمكّة  يُبرِدُوا
بذِكرِ سُليمى  ما تُجِنّ الأضالعُ
وعلّ الُّلييلاتِ الّتي قد تصرّمت
تعودُ لنا يوما فيظفر طامعُ
ويفرح محزُون ويحيا مُتيّم
ويأنس مشتاق ويلتذ سامعُ


قلبي يُحدّثُني بأنّك مُتلِفي
روحي فداك عرفت أم لم تعرفِ
لم أقضِ حقّ هواك إن كُنتُ الذي
لم أقضِ فيهِ أسى  ومِثلي من يفي
ما لي سِوى روحي وباذِلُ نفسِهِ
في حبِّ من يهواهُ ليس بمسرفِ
فلئن رضيت بها فقد أسعفتني
يا خيبة  المسعى إذا لم تسعفِ
يا مانِعي طيب المنامِ ومانحي
ثوب السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ
عطفا على رمقي وما أبقيت لي
من جِسمي المُضنى  وقلبي المُدنفِ
فالوجدُ باق والوِصالُ مُماطِلي
والصّبرُ فان واللّقاءُ مُسوّفي
لم أخلُ من حسد عليك فلاتُضع
سهري بتشنيعِ الخيالِ المُرجِفِ
واسأل نُجوم اللّيلِ هل زار الكرى
جفني وكيف يزورُ من لم يعرِفِ
لا غرو إن شحّت بِغُمضِ جُفونها
عيني وسحّت بالدُّموعِ الدُّرّفِ
وبماجرى في موقفِ التّوديعِ من
ألمِ النّوى  شاهدتُ هول الموقِفِ
إن لم يكُن وصل لديك فعِد بهِ
أملي وماطل إن وعدت ولاتفي
فالمطلُ منك لديّ إن عزّ الوفا
يحلوكوصل من حبيب مسعفِ
أهفولأنفاسِ النّسيمِ تعلّة
ولوجهِ من نقلت شذاهُ تشوُّفي
فلعل نار جوانحي بهُبوبِها
أن تنطفي وأودّ أن لا تنطفي
يا أهل ودِّي أنتمُ أملي ومن
ناداكُمُ يا أهل وُدّي قد كُفي
عُودوا لما كُنتم عليهِ من الوفا
كرما فإنِّي ذلك الخلُّ الوفي
وحياتكم وحياتكم قسما وفي
عُمري بغيرِ حياتِكُم لم أحلِفِ
لو أنّ روحي في يدي ووهبتها
لمُبشّري بِقدومِكُم لم أنصفِ
لا تحسبوني في الهوى متصنِّعا
كلفي بكم خلق بغيرِ تكلُّفِ
أخفيتُ حبّكمُ فأخفاني أسى
حتى  لعمري كِدتُ عني أختفي
وكتمتُهُ عنّي فلوأبديتُهُ
لوجدتُهُ أخفى من اللُّطفِ الخفي
ولقد أقولُ لِمن تحرّش بالهوى:
عرّضت نفسك للبلا فاستهدفِ
أنت القتيلُ بأيِّ من أحببتهُ
فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
قل للعذولِ أطلت لومي طامعا
أنّ الملام عنِ الهوى مستوقفي
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى
فإذا عشقت فبعد ذلك عنِّفِ
برح الخفاءبحُبّ من لو في الدّجى
سفر الِّلثام لقلتُ يا بدرُ اختفِ
وإن اكتفى غيري بِطيفِ خيالِهِ
فأنا الّذي بوصالهِ لا أكتفي
وقفا عليهِ محبّتي ولِمِحنتي
بأقلّ مِن تلفي بِهِ لا أشتفي
وهواهُ وهو أليّتي وكفى بِهِ
قسما أكادُ أُجِلّهُ كالمُصحفِ
لو قال تِيها:قِف على جمرِ الغضا
لوقفتُ ممتثلا ولم أتوقفِ
أو كان من يرضى  بخدّي موطِئا
لوضعتهُ أرضا ولم أستنكفِ
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإن
هو بالوصالِ عليّ لم يتعطّفِ
غلب الهوى  فأطعتُ أمر صبابتي
من حيثُ فيهِ عصيتُ نهي معنِّفي
مني لهُ ذُلّ الخضوع ومنهُ لي
عزُّ المنوعِ وقوّة ُ المستضعفِ
ألِف الصّدود ولي فؤاد لم يزل
مُذ كُنتُ غير وِدادِهِ لم يألفِ
ياما أميلح كلّ ما يرضى بهِ
ورضابهُ ياما أحيلاهُ بفي


شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة
سكِرنا بها من قبلِ أن يُخلق الكرمُ
لها البدرُ كأس وهي شمس يديرها
هِلال وكم يبدو إذا مُزِجت نجمُ
ولولا شذاها ما اهتديتُ لحانها
ولولا سناها ما تصوّرها الوهمُ
ولم يُبقِ مِنها الدّهرُ غير حُشاشة
كأنّ خفاها في صُدورِ النُّهى كتمُ
فإن ذكرت في الحيِّ أصبح أهلهُ
نشاوى ولا عار عليهم ولا إثمُ
ومن بينِ أحشاءِ الدِّنانِ تصاعدت
ولم يبق مِنها في الحقيقةِ إلاّ اسمُ
وإن خطرت يوما على خاطِرِ امرِىء
أقامت بهِ الأفراحُ وارتحل الهمُ
ولو نظر النُّدمانُ ختم إنائِها
لأسكرهم من دونها ذلك الختمُ
ولو نضحوا مِنها ثرى قبرِ ميت
لعادت إليهِ الرُّوحُ وانتعش الجسمُ
ولو طرحوا في فئِ حائطِ كرمها
عليلا وقد أشفى لفارقهُ السُّقمُ
ولو قرّبوا من حلها مقعدا مشى
وتنطقُ من ذكري مذاقتها البكمُ
ولو عبقت في الشّرقِ أنفاسُ طيبها
وفي الغربِ مزكوم لعاد لهُ الشّمُّ
ولو خضبت من كأسها كفُّ لامس
لما ضلّ في ليل وفي يدهِ النّجمُ
ولو جليت سرّا على أكمه غدا
بصيرا ومن راووقها تسمعُ الصُّمُّ
ولو أنّ ركبا يمّموا تُرب أرضِها
وفي الرّكبِ ملسوع لما ضرّهُ السمُّ
ولو  رسم الرّقي حروف اسمها على
جبينِ مصاب جنّ أبرأهُ الرّسمُ
وفوق لِواء الجيشِ لو رُقِم اسمُها
لأسكر من تحت الِّلوا ذلك الرّقمُ
تُهذّبُ أخلاق النّدامى  فيهتدي
بها لطريقِ العزمِ من لا لهُ عزمُ
ويكرُمُ من لم يعرِفِ الجود كفُّهُ
ويحلُمُ عِند الغيظِ من لا لهُ حِلمُ
ولو نال فدمُ القومِ لثم فِدامِها
لأكسبهُ معنى شمائِلِها اللّثمُ
يقولون لي صفها فأنت بوصفها
خبير أجل! عِندي بأوصافِها عِلمُ
صفاء ولا ماء ولُطف ولا هوا
ونور ولا نار  وروح ولا جسمُ
تقدّم كلّ الكائناتِ حديثها
قديما ولا شكل هناك ولا رسمُ
وقامت بِها الأشياءُ ثمّ لحِكمة
بها احتجبت عن كلِّ من لا لهُ فهمُ
وهامت بها روحي بحيث تمازجا
اتّـحادا ولا جرم تخلّلهُ جرمُ
وكرم ولا خمر ولي أُمُّها أُمُّ
وكرم ولا خمر وفي أم‍ِّها أمُّ
ولُطفُ الأواني في الحقيقةِ تابِع
للطفِ المعاني والمعاني بها تنمو
وقد وقع التّفريقُ والكُلُّ واحِد
فأرواحنا خمر وأشباحنا كرمُ
ولا قبلها قبل ولا بعد بعدها
وقبليّةُ الأبعادِ فهي لها حتمُ
وعصرُ المدى من قبلِهِ كان عصرها
وعهدُ أبينا بعدها ولها اليتمُ
محاسِنُ تهدي المادِحينِ لِوصفِها
فيحسُنُ فيها مِنهمُ النّثرُ والنّظمُ
ويطربُ من لم يدرِها عند ذِكرِها
كمُشتاقِ نُعم كلّما ذُكِرت نُعمُ
وقالوا شربت الإثم كلاّ وإنّما
شرِبتُ التي في تركِها عندي الإثمُ
هنيئا لأهلِ الديرِ كم سكروا بها
وما شربوا منها ولكنّهم همُّوا
وعندي منها نشوة  قبل نشأتي
معي أبدا تبقي وإن بلى  العظمُ
عليك بها صرفا وإن شئت مزجها
فعدلك عن ظلمِ الحبيبِ هو الظُّلمُ
فدونكها في الحانِ واستجلِها بهِ
على نغمِ الألحانِ فهي بها غنمُ
فما سكنت والهمّ يوما بِموضِع
كذلِك لم يسكُن مع النّغمِ الغمُّ
وفي سكرة  منها ولو عمر ساعة
ترى الدّهر عبدا طائِعا ولك الحُكمُ
فلا عيش في الدُّنيا لمن عاش صاحيا
ومن لم يمت سكرا بها فاتهُ الحزمُ
على نفسهِ فليبكِ من ضاع عمرهُ
وليس لهُ فيها نصيب ولا سهمُ


هل نارُ ليلى بدت ليلا بِذي سلمِ
أم بارق لاح في الزّوراءِ فالعلمِ
أرواح نعمان هلاّ نسمة  سحرا
وماء وجرة  هلاّ نهلة  بفمِ
يا سائق الظّعنِ يطوي البيد معتسفا
طيّ السّجِلّ بذاتِ الشّيحِ من إضمِ
عُج بالحِمى يا رعاك اللّهُ مُعتمدا
خميلة  الضّالِ ذات الرّندِ والخزمِ
وقِف بِسِلع وسِل بالجزعِ هل مُطرت
بالرّقمتينِ أثيلات بمنسجمِ
ناشدتُك اللّه إن جُزت العقيق ضُحى
فاقر السّلام عليهِم غير مُحتشِمِ
وقُل تركتُ صريعا في دِيارِكُمُ
حيّا كميِّت يعيرُ السُّقم للسُّقمِ
فمِن فُؤادي لهيب ناب عن قبس
ومن جفوني دمع فاض كالدِّيمِ
وهذهِ سنّةُ العشّاقِ ما علقوا
بِشادِن فخلا عُضو من الألمِ
يالائما لا مني في حبِّهم سفها
كُفّ الملام فلوأحببت لم تلُمِ
وحُرمةِ الوصلِ والوِدِّ العتيقِ
وبالعهدِ الوثيقِ وما قد كان في القدمِ
ما حلتُ عنهم بسلوان ولا بدل
ليس التّبدُّلُ والسُّلوانُ من شيمي
ردُّوا الرُّقاد لجفني علّ طيفكمُ
بمضجعي زائر في غفلة ِ الحلمِ
آها لأيّامنا بالخيفِ لو بقِيت
عشرا وواها عليها كيف لم تدمِ
هيهات واأسفي لو كان ينفعني
أو كان يجدى على ما فات واندمي
عني إليكم ظباء المنحنى كرما
عهِدتُ طرفي لم ينظُر لِغيرِهِمِ
طوعا لقاض أتى في حُكمِهِ عجبا
أفتى بسفكِ دمي في الحلِّ والحرمِ
أصمّ لم يسمعِ الشّكوى  وأبكم لم
يُحر جوابا وعن حالِ المشوقِ عمِي