2019-11-21

قوارير من فضة قدروها تقديرا


قوارير من فضة قدروها تقديرا

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية


          لم يسبق أحد من البشر القرآن الكريم في طرح فكرة تحويل المعادن العاكسة للضوء إلى مواد شفافة للضوء مع الاحتفاظ بخصائصها المعدنية. فلقد أكد القرآن الكريم أن أكواب الماء والشراب ستكون في الجنة من الفضة الشفافة وليس من الزجاج  وذلك في قوله تعالى "وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)" الإنسان. وما كان لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يتردد في تبليغ البشر هذه الحقائق التي قد تبدو لهم مستحيلة أو ضربا من الخيال رغم التكذيب والسخرية التي كان يلاقيها من الكفار مصداقا لقوله تعالى "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)" يونس وقوله تعالى "بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)" الصافات. وبعد مرور ما يقرب من أربعة عشر قرنا من نزول القرآن الكريم طرحت بعض أفلام الخيال العلمي كفلم ستار تريك (star trek) في عام 1986م  فكرة استخدام ألمنيوم شفاف للضوء كنوافذ متينة للمركبات الفضائية. وفي نهاية القرن العشرين بدأ العلماء في مجال علم المواد (material science) بالبحث الجاد عن تقنيات تمكنهم من تصنيع مواد معدنية شفافة للضوء لاستخدامها في تطبيقات كثيرة أهمها في نوافذ المركبات والطائرات العسكرية وفي شاشات اللمس في الهواتف الذكية. ولقد تمكنوا في البداية من تصنيع نوع من أنواع الألمنيوم الشفاف (Transparent aluminum) وهو سيراميك نتريد أكسيد الألمنيوم (Aluminium oxynitride or ALON). وفي عام 2009م تمكن بعض الباحثين من تحويل الألمنيوم الخالص إلى ألمنيوم شفاف لفترات قصيرة جدا من خلال قذف ذراته بنبضات ليزرعالية الطاقة عملت على إزالة إلكترون من كل ذرة منتجين بذلك حالة رابعة للمادة. ومع استمرار البحث وجد العلماء أن معدن الفضة قد يكون المرشح الأقوى كمعدن شفاف للضوء وذلك لامتلاك الفضة أعلى موصلية للحرارة والكهرباء وكذلك قابليتها العالية للطرق والتشكيل.  ولقد تمكن الباحثون في السنوات العشرة الماضية من تصنيع أشكال مختلفة من الفضة الشفافة تعتبر أفضل الموصلات الشفافة (transparent conductors) والتي تدخل في صناعات الخلايا الشمسية (solar cells) وشاشات اللمس (touch screen) والشاشات المرنة (flexible displays) وشاشات السيارات (automotive displays) وغيرها الكثير. 
   

لقد أكدت الآية القرآنية عنوان هذه المقالة على أن تصنيع أكواب شفافة من الفضة العاكسة للضوء يحتاج إلى تقدير بالغ في تصنيعها (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا). فلقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يخلق جميع مكونات هذا الكون وفق القوانين والخصائص التي أودعها سبحانه فيها لكي يتعرف البشر على مدى علم الله عز وجل وقدرته وإبداعه مصداقا لقوله تعالى "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)" الفرقان وقوله تعالى "قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)" عبس وقوله تعالى "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)" القمر.  ولا يوجد خلاف بين أغلب مفسري القرآن الكريم على أن المقصود بالقوارير في قوله تعالى "قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ" هو الزجاج الشفاف للضوء والذي تصنع منه أكواب الماء والشراب التي يرى ما في باطنها من ظاهرها.  فلقد تم استخدام الزجاج لصناعة الأكواب قبل نزول القرأن الكريم  بزمن طويل وأكد هذا المعنى قوله تعالى "قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)" النمل. فلقد كان بلاط الصرح الذي أمرت ملكة سبأ بدخوله مصنوع من الزجاج الشفاف فبدا لها كأنه بركة من الماء ولذلك قامت برفع أطراف لباسها عندما همت بالمشي خلاله. ولكن المفسرين أشكل عليهم معنى كلمة (كانت) في قوله تعالى "وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا" وعلى من يعود المفعول به وهو حرف الهاء  في جملة قوله تعالى "قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا".  فالفخر الرازي يقول في تفسيره حول معنى كلمة كانت بأن القوارير قد تكونت بتكوين الله عز وجل لها أي أن الفعل كان في الآية مشتق من الفعل يكون بينما يقول مفسرون أخرون أن كان هو الفعل الناقص المعروف. أما حول جملة قوله تعالى "قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا" فقد قال بعضهم أن الولدان الذين يسكبون الشراب في الأكواب يقدرون كمية الشراب على حسب حاجة الشارب لا تزيد ولا تنقص بينما قال آخرون أن الأكواب قد صنعت بحيث يكون حجمها على قدر حجم يد الشارب. وأرى أن المراد والله أعلم بمراده  بجملة "وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا"  هو أن الأصل في الأكواب أن تصنع من الزجاج ولقد كان هذا هو الحال في الحياة الدنيا ولكن في الآخرة سيتم صناعتها من فضة شفافة. أما الهاء في قوله تعالى "قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا" فتعود على أكواب الفضه كما يقتضي سياق الجملة وليس كما ذهب إليه المفسرون بأنها تعود على كمية الشراب أو حجم الكوب. 




          فإذا كان تحديد كمية الشراب الذي يصب في الأكواب أو تحديد حجم الأكواب يحتاج لمثل هذا التقدير البالغ فمن باب أولى أن يحتاج تحويل الفضة العاكسة للضوء إلى فضة شفافة للضوء إلى مثل هذا التقدير البالغ الذي يرقى لتأكيد الله عز وجل عليه. ومما يدحض ما ذهب إليه المفسرون من أن حجم الأكواب يقدر بحسب حجم كف الشارب هو أن أهل الجنة سيكونون على طول وحجم واحد كما أشارت إلى ذلك بعض الأحاديث النبوية. وكذلك ما هي الحكمة المرجوة من أن يصب في الكوب من شراب بقدر حاجة الشارب وفي الجنة أنهار من ماء وعسل ولبن وخمر ومختلف أنواع الشراب كما نصت على ذلك الآيات القرآنية. إن تحديد الله عز وجل  الفضة بالذات وليس غيرها من المعادن ليصنع منها أكواب شفافة للضوء هو لإطلاع البشر على مدى علم الله سبحانه وتعالى وإحاطته بأسرار مخلوقاته في هذا الكون مصداقا لقوله تعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)" الطلاق. ولكي تكون حجة الله عز وجل على البشر أبلغ تأثيرا  شاء سبحانه أن يكون كشف كثير من أسرار الكون على أيدي غير المؤمنين بهذا القرآن الكريم وذلك لكي يوقنوا أنه منزل من عنده سبحانه عندما يطلعوا على الحقائق العلمية المذكورة فيه مصداقا لقوله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)" فصلت.  
   

          إن بحث العلماء والمهندسون عن معادن شفافة للضوء ليس ترفا فكريا بل لحاجتهم الماسة إليها  في كثير من الصناعات الحديثة. ففي الصناعات العسكرية تحتاج المركبات والطائرات الحربية نوافذ مقاومة للرصاص والمعادن الشفافة هي الحل الأمثل إن وجدت.  وتتطلب بعض الصناعات وجود طبقة رقيقة من مادة تتصف بخاصيتين وهما أن تكون ذات توصيل جيد للكهرباء وان تكون كذلك شفافة للضوء أو ما يسمى بالموصلات الشفافة (transparent conductors). ومن هذه الصناعات الخلايا الشمسية (solar cells) وشاشات اللمس (touch screen) في الهواتف والساعات الذكية والحواسيب والشاشات المرنة (flexible displays) وشاشات السيارات (automotive displays) وغيرها الكثير.  إن أكثر المواد استخداما في هذه الصناعات هي مادة أكسيد القصدير والإنديوم (indium tin oxide) ولكن بسبب ارتفاع سعر هذه المادة وذلك لندرة عنصر الإنديوم بدأ العلماء البحث عن بدائل أرخص ثمنا. ولقد اكتشف العلماء حديثا أن أشكال مختلفة من الفضة يمكن أن تكون الموصل الشفاف المطلوب لهذه الصناعات.  كما في رزم الفضة (silver stacks) أسلاك الفضة النانوية (silver nanowires) وجسيمات الفضة النانوية (silver nanoparticles)  ورقائق الفضة المطعمة (Doped Silver Films). ففي رزم الفضة وجد العلماء أن رقائق الفضة تصبح شفافة للضوء بدرجة عالية إذا قل سمكها عن ثلاثين نانومتر ومن خلال وضع طبقات من هذه الرقائق الفضية بين طبقات مواد أخرى شفافة للضوء يمكن تصنيع ألواح بالسماكة المطلوبة للتطبيقات المختلفة. وفي أسلاك الفضة النانوية يتم تصنيع أسلاك دقيقة جدا بأقطار وأطوال تقاس بالنانومتر ومن ثم يتم رشها بشكل عشوائي أو مرتب على رقائق بلاستيكية لتصنيع الألواح المطلوبة. وإذا ما نجحت تقنية الحالة الرابعة التي نجحت في تحويل رقائق من الألمنيوم إلى حالة الشفافية لفترات قصيرة من الزمن فإنها ستطبق على عناصر أخرى كالفضة التي ثبت تفوقها على بقية العناصر في الموصلات الشفافة. 




يطاف عليهم بآنية من فضة

ليس جميع المعادن المتوفرة في القشرة الأرضية تصلح لتصنيع أواني الطعام لأن هذه الأواني تتطلب توفر مواصفات معينة في المعدن المستخدم لتتم عملية الطبخ بالكفاءة المطلوبة. إن أهم مواصفة من مواصفات آواني الطبخ هي الموصلية الحرارية (thermal conductivity) حيث أن سرعة نقل الحرارة من الموقد إلى الطعام الموجود في داخل الإناء يؤدي إلى توزيع الحرارة على كامل الإناء  وتقليل مدة الطهو وكذلك توفير كمية الطاقة المستهلكة . وتعتبر الفضة  أفضل المعادن على الإطلاق في موصليتها للحرارة (W/(m.K) 428 ) يليها النحاس (401) ثم الالمنيوم (235) ثم النيكل (91) ثم الحديد (67) ثم الفولاذ الكربوني (50) ثم الرصاص (35) ثم الفولاذ المقاوم للصدأ (16). أما المواصفة الثانية فتتعلق بالتفاعلية الكيميائية  (chemical reactivity) حيث يتطلب من إناء الطبخ أن لا يتفاعل مع مكونات الطعام المطبوخ وخاصة تلك التي لها درجة حموضة عالية وإلا سيؤدي التفاعل إلى دخول كميات من معدن الإناء إلى الطعام والذي قد يكون ساما. وتعتبر الفضة أقل المعادن تفاعلا مع الطعام يليها الفولاذ المقاوم للصدأ ثم الحديد أما أواني النحاس والألمنيوم والرصاص فإنها تتفاعل مع المكونات الحامضة في الطعام منتجة مواد ضارة وقد تكون سامة لجسم الإنسان. وأما المواصفة الثالثة للأواني فهي تتعلق بمقاومتها للصدأ (rust) والتآكل (corrosion) وتعتبر الفضة والفولاذ المقاوم للصدأ أقل المعادن تآكلا بينما تتعرض معادن الحديد  والنحاس والألمنيوم والرصاص لأنواع مختلفة من التآكل عند تعرضها للهواء والماء. وأما المواصفة الرابعة فهي تحمل الأواني لدرجات الحرارة العالية قبل أن تطرى ثم تذوب فالنيكل  له أعلى درجة ذوبان (melting point) وتبلغ 1452 درجة مئوية ثم الفولاذ 1371 درجة ثم الحديد 1204 درجة  ثم النحاس 1083 درجة ثم الفضة 951 درجة ثم الالمنيوم 659 درجة ثم الرصاص 327 درجة. ويوجد مواصفات أخرى للمعادن المستخدمة في أواني الطعام كقابلية المعدن للطرق (malleable) واللمعان ( shiny or lustrous) ومقاومة الخدش  أو الصلابة (strength) وخفة الوزن ورخص الثمن.

          وتعتبر الفضة أفضل المعادن تحقيقا لمعظم المواصفات المطلوبة لأواني الطعام ولكن بسبب ارتفاع ثمنها الباهض فإنها لا تستخدم إلا كطلاء رقيق على سطوح بقية المعادن. وتتميز الفضة على بقية المعادن بخصائص عجيبة عند استخدامها كآنية للأكل والشرب منها أن البكتيريا لا تعيش على سطحها (Silver is 100% bacteria free) وكذلك مقاومة للفيروسات والفطريات (anti-viral and anti-fungal) وغير سامة (non toxic) وتقوي جهاز المناعة (boost immunity) لدى الإنسان عند دخول كميات قليلة منها للجسم. ولكن بسبب ندرتها واستخدامها لأغراض الزينة والنقود فقد ورد في الحديث النبوي النهي عن استخدامها هي والذهب في أواني الأكل والشرب لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " متفق عليه. ويأتي الفولاذ المقاوم للصدأ في المرتبة الأولى في صناعة أواني الطعام لتحقيقه كثير من الشروط المطلوبة إلا أن موصليته المتدنية للحرارة هي أكبر عيوبه ولكن تم التغلب على هذه المشكلة من خلال استخدامه كغلاف (clad) لمعادن ذات موصلية عالية للحرارة كالألمنيوم. ويستخدم النحاس في كثير من أواني الطهي رغم ارتفاع ثمنه بسبب موصليته العالية جدا للحرارة ولكن بسبب سميته العالية يتم طلاؤه بطبقة رقيقة من معادن مختلفة كالقصدير والنيكل والفضة والفولاذ المقاوم للصدأ. أما الحديد فيستخدم في الأواني التي قد تتعرض لدرجات حرارة عالية وللتغلب على عيبه الأكبر وهو الصدأ فإنه يلزم  تعتيقه بالدهون الحارة (seasoning)  لتتكون على سطحه طبقة من الدهن المبلمر الذي تملأ مسامات الحديد وتمنع تعرض الحديد للهواء والماء المسببة للصدأ.  



Staff writers (27 July 2009). "Transparent aluminum is 'new state of matter'". Phys Org. Retrieved 21 January 2012.




https://scienceandtechnologyresearchnews.com/ultrathin-transparent-silver-layers-for-solar-cells/


http://ift.tt/1WC13VQ Amazing Health Benefits of Drinking Water in Silver




2019-11-04

فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين


فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية



          اكتشف علماء الفلك حديثا أن الأرض قد مرت مرات عديدة وستمر حتما في المستقبل بسحب دخانية من مختلف الأحجام والأنواع والتي تنتشر بكثرة في الفضاء الكوني الفسيح. وتتعرض الأرض أتناء مرورها خلال هذه السحب الدخانية إلى تغييرات مناخية متفاوتة في خطرها على حياة الكائنات الحية. فقد أدى مرور الأرض في سحب جزيئة عالية الكثافة إلى ظهور عصور جليدية جزئية أو كاملة أدت إلى إنقراض أنواع كثيرة من الكائنات الحية. وقد أكتشفوا أيضا أن الأرض قد مرت بتكرار أكثر في ذيول وهالات بعض المذنبات مما أدت إلى كوارث بيئية قاتلة للكائنات الحية كما حدث في أمريكا الشمالية قبل 13 ألف عام.  ولقد كشف القرآن الكريم وكذلك الاحاديث النبوية الشريفة هذه الحقيقة قبل ألف وأربعمائة عام من كشف البشر لها. ففي القرآن الكريم سميت سورة باسم هذا الدخان وجاءت آيات فيها تؤكد حتمية مرور الأرض في أحد هذه السحب الدخانية أو ذيول المذنبات وستسبب عذابا أليما للبشر وهي قوله تعالى "فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)" الدخان. وهذه الآيات تؤكد استحالة أن يكون هذا القرآن من تأليف بشر فكيف يمكن لشخص عاش قبل أربعة عشر قرنا أن يشطح به الخيال وينذر البشر بإمكانية أن يعذبوا بدخان يأتيهم من السماء وليس من الأرض كدخان حرائق الغابات أو الدخان المنبعث من البراكين أو غير ذلك. ولقد تمكن العلماء من كشف طبيعة العذاب الأليم الذي يمكن أن يتعرض له سكان الأرض إذا ما دخلت في سحابة دخانية كثيفة أهمها هبوط حاد في درجة حرارة الأرض فيهلك البرد الناس ومزروعاتهم وحيواناتهم وكذلك يسود الظلام الأرض في وضح النهار وغير ذلك. ومن رحمة الله عز وجل بعباده أنه سيكشف هذا العذاب عن الناس إلى حين بعد أن أبدوا التوبة من كفرهم وذنوبهم مصداقا لقوله تعالى "إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)" الدخان.



وأما الأحاديث النبوية الشريفة فقد أكدت على أن ظهور الدخان هو من علامات الساعة الكبرى فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول الآيات الدجال، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر؛ تقيل معهم إذا قالوا، والدخان. قال حذيفة: يا رسول الله! وما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)، يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن؛ فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر؛ فيكون بمنزلة السكران؛ يخرج من منخريه وأذنيه ودبره).
رواه ابن جرير. وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: (اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة. قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات... -فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها)
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن. وعن عبد الله بن أبي مليكة؛ قال: (غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت. قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب؛ فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وهذا الحديث الأخير يؤكد على أن هناك أحاديث نبوية لم يتم تدوينها تربط بين ظهور الدخان وظهور أحد المذنبات وعلى هذا فقد يكون الدخان نتيجة لمرور الأرض في ذيل أو هالة هذا المذنب. إن هذا الربط بين ظهور الدخان مع ظهور أحد المذنبات في حديث بن أبي مليكة له ما يبرره بناءا على الاكتشافات العلمية في هذا العصر كما سنبين ذلك بعد قليل. 


إن السحب الدخانية في داخل فضاء المجموعة الشمسية قليلة جدا حيث أن الدرع الشمسي الذي يحيط  بالغلاف الشمسي يحد من ترسب الغبار الكوني  والرياح النجمية من الفضاء الكوني. فالسحابة الوحيدة التي تنتشر بين كواكب المجموعة الشمسية هي ما تسمى بسحابة غبار ما بين الكواكب (interplanetary dust cloud)  أو سحابة البروج (zodiacal cloud). وتتكون هذه السحابة من الغبار الناتج عن تحلل المذنبات والكويكبات والنيازك عند تصادمها مع الكواكب وكذلك من الغبار الكوني المتسرب من خلال الدرع الشمسي. وهذه السحابة هي المسؤولة عن ضوء البروج (zodiacal light) والذي يمكن مشاهدته في الليالي المعتمة حيث يقوم غبار السحابة بعكس ضوء الشمس نحو الأرض. إن مرورالأرض في داخل هذه السحابة لا يشكل أي خطر يذكر ولذلك  فإن الاحتمال الأكبر لظهور الدخان في جو الأرض هو دخول الأرض في ذيل (tail) أو هالة (coma) أحد المذنبات العملاقة (giant comet) وهذا ما حصل في التاريخ الماضي للأرض. فقد ورد في مجلة البيولوجيا الفلكية (Astrobiology Magazine) مقالة بعنوان اللسعة المميتة لذيل مذنب  (The deadly sting of a comet tail) لخصت بحثا لأحد علماء الفلك في المجلة الفلكية الملكية بعنوان (هل كان مذنب عملاق هو المسؤول عن كارثة شمال أميركا الشمالية (Was a giant comet responsible for a North American catastrophe in 11,000 BC?).  فقد أشار العالم في بحثه إلى أنه  قبل 13 ألف عام مرت الأرض في ذيل أحد المذنبات وأدى الدخان الذي عم الأرض وحجب الشمس عنها إلى هبوط درجة حرارة الأرض بثمان درجات وزحف الجليد على أميركا الشمالية وأدى إلى هلاك وانقراض أنواع كثيرة من الكائنات الحية (According to his model, the Earth ran into a dense trail of material from a large disintegrating comet). والمذنبات هي أجسام جليدية لا يتجاوز قطر نواة معظمها 50 كيلومتر تدور في مدارات بيضاوية حول الشمس وينطلق معظمها من حزام كوبير (kuiper) الذي يقع بعد مدار كوكب نبيتون. وعندما يقترب المذنب من الشمس فإن الجليد المكون من الماء والأمونيا والميثان والغبار يبدأ بالتبخر مكونا هالة  ضخمة من البخار قد تصل إلى حجم الشمس وينبعث منه كذلك ذيل طويل قد يصل طوله مائتي مليون كيلومتر وبسمك آلاف الكيلومترات. وبما أن مدار عدد لا بأس به من المذنبات يتقاطع مع مدار الأرض فإنه من المحتمل مرور الأرض في هالة أو ذيل أحد المذنبات  كل حين من الزمن. 
  

          إن الفضاء الواقع بين المجرات وما بين النجوم وكذلك ما بين الكواكب والمسمى بوسط ما بين النجوم (interstellar medium (ISM)) ليس فراغا تاما ولكنه يحتوي على كميات ضخمة من المادة والإشعاعات ولكن بكثافة متدنية إذا ما قورنت مع كثافة الهواء في الغلاف الجوي. وتتكون مادة هذا الوسط في أغلبه من الغاز (gas) بنسبة 99 في المائة ومن الغبار (dust) بنسبة واحد بالمائة ويشكل الهيدروجين تسعين بالمائة من الغازات يليه الهيليوم بنسبة 9 بالمائة وبنسب متدنية من الأوكسجين والنيتروجين وغيرها.  أما الغبار فيتكون فهو على شكل حبيبات بالغة الصغر لا يتجاوز قطر أغلبه عشر الميكرومتر وهو بذلك أقرب للدخان منه إلى الغبار الذي نشاهده على الأرض. ويتكون أغلب انواع الغبار من السيلكيت والجرافيت  وغالبا ما تكون حبيبة الغبار مغلفة بجليد الماء والأمونيا والميثان. إن مصادر مادة وسط ما بين النجوم هو بقايا الانفجار العظيم من الهيدروجين والهيليوم ومخلفات النجوم المنفجرة في آخر عمرها أو ما يسمى بالمستعرات العظمى (supernova) والمواد المتطايرة من تصادم المجرات والنجوم والكواكب والكويكبات ببعضها البعض. 


          إن مادة وسط ما بين النجوم ليست موزعة بانتظام في الفضاء بل تتوزع على شكل سحب كونية (cosmic clouds) أو ما يطلق عليها  السدم (nebulae) بأحجام وكثافات ودرجات حرارة ومكونات مختلفة وذلك حسب موقعها في الفضاء الكوني. فمن حيث الكثافة فإنها تتراوح من  جسيم  واحد أو أقل إلى عدة ملايين جسيم في السنتيمتر المكعب ومن حيث درجة الحرارة فإنها تتراوح بين 10 إلى عشرة ملايين درجة كلفن. وتصنف السحب الكونية تبعا لمكوناتها فهناك السحب الجزيئية (molecular cloud) والتي تتكون من جزيئات الهيدروجين والهيليوم وهي متعادلة كهربائيا والوسط المتعادل البارد (cold neutral medium) والوسط المتعادل الحار (hot neutral medium) وكليهما تتكونان من ذرات الهيدروجين والهيليوم المتعادلة كهربائيا والوسط المتأين الحار (hot ionized medium) والذي يتكون من أيونات الهيدروجين والهيليوم. وتصنف أيضا لكثافتها وتفاعلها مع الضوء فهناك السدم السوداء (Dark Nebulae) الكثيفة التي لا تسمح بمرور الضوء من خلفها وتلك التي تبعثر الضوء أو تعكسه كالسدم المبعثرة (diffuse nebulae) والسدم العاكسة (Reflection Nebulae) وغيرها.  


تسبح الشمس مع كواكبها  في الوسط ما بين نجمي بسرعة 720 ألف كيلومتر في الساعة وذلك أثناء  دورانها حول مركز مجرة درب التبانة. ويلزم في هذا الحال حماية المجموعة الشمسية وخاصة الأرض المأهولة بالحياة من خطر دخول الغبار الكوني والرياح النجمية () المحملة بمختلف أنواع الجسيمات الذرية والإشعاعات القاتلة.  وقد أبدع الله عز وجل آلية حمايةعجيبة لهذا الغرض وهي ما يسمى بالغلاف الشمسي (heliosphere) والذي يحيط بالمجموعة الشمسية ككرة متطاولة يتراوح نصف قطرها بين 80 و 100 وحدة فلكية (الوحدة الفلكية هي المسافة بين الأرض والشمس وتساوي 150 مليون كيلومتر تقريبا). ويتكون الغلاف الشمسي من المجال المغناطيسي للشمس والرياح الشمسية (solar winds) التي تنطلق من الشمس وكذلك من المجالات المغناطيسية التي تنشأ حول تيارات الجسيمات المشحونة التي تنطلق بسرعات عالية. يتكون عند وصول الرياح الشمسية إلى الوسط ما بين نجمي ما يسمى بحد صدمة الانتهاء (termination shock) حيث تهبط سرعتها من ما يقرب من ثلاثة ملايين كيلومتر في الساعة إلى أقل من ألف كيلومتر في الساعة. وبعد هذا الحد تتكون منطقة من الرياح الشمسية المضغوطة عالية الكثافة تسمى الدرع الشمسي (helioshealth) وهو الذي يحد من دخول مكونات الوسط ما بين نجمي وخاصة الرياح النجمية إلى داخل المجموعة الشمسية. وتوجد بعد الدرع الشمسي منطقة تسمى التوقف الشمسي (heliopause) يتساوى فيها ضغط الرياح الشمسية مع ضغط الرياح النجمية. ويعمل الغلاف الشمسي كفقاعة (bubble) تحيط بالمجموعة الشمسية وتقوم بحمايتها من مخاطر مكونات السحب الكونية ويتغير حجم هذه الفقاعة تبعا لضغط الوسط ما بيني نجمي الذي تمر به المجموعة الشمسية وصدق الله العظيم القائل "وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)" الأنبياء.


إن أجرام الكون كالمجرات والنجوم والكواكب تسير في مسارات ومدارات محددة تمنعها من الاصطدام ببعضها البعض إلا في حالات نادرة أما السدم أو السحب الكونية فإنها تسبح في الفضاء بطريقة غير مستقرة حيث تعمل الرياح النجمية (stellar winds) بدفعها بعيدا عن النجوم كما تسوق الرياح سحب الغيوم في جو الأرض.  وتمر المجموعة الشمسية أثناء دورانها حول مركز المجرة بأنواع مختلفة من السدم والسحب الكونية وقد يتسبب مرورها ببعض السحب عالية الكثافة من دخول مكونات هذه السحب إلى داخل الغلاف الشمسي وقد يصطدم بكواكبها خاصة الأرض فيهدد الحياة عليها. فقد اكتشف علماء  الفلك أن الأرض قد تمر في سحابة جزيئية ضخمة (giant molecular cloud (GMC)) متوسطة الكثافة (≥330 H atoms cm−3) كل مائة مليون سنة وعالية الكثافة (2 × 103 H atoms cm−3) كل بليون سنة. ولقد قام عدد من علماء الجيوفيزياء بدراسة الآثار المترتبة لمرور الأرض في مثل هذه السحب الجزيئية على الحياة على الأرض. ففي أحد هذه الأبحاث تبين للباحثين أن مرورها  في سحابة متوسطة الكثافة (330–103 H atoms/cm3) قد تتسبب في تغير مناخي (significant climate impact) أهم أحد أشكاله تجلد (glaciations) المناطق المحيطة بقطبي الأرض (ice‐line at 50–60° latitude). وأما إذا ما مرت في سحابة عالية الكثافة فقد تتسبب في تغير مناخي مثير (dramatic climate change) كظهور عصر جليدي (ice ages) أو (global snowball glaciations). وفي هذه الدراسة توصل الباحثون إلى أن الأرض من المحتمل أنها قد مرت على الأقل مرتين في سحب جزيئية عالية الكثافة وتعرضت بسبب ذلك لعصور جليدية إتنين منهما حدثا قبل 600 و 750 مليون سنة (600 Myr ago and 750 Myr ago)



1-    (The Deadly Sting of a Comet Tail) Astrobiology Magazine, Apr, 2010.

2-    Bill Napier, "Was a giant comet responsible for a North American catastrophe in 11,000 BC?"  Royal Astronomical Society (RAS), Apr, 2010.

3-    Alexander A. Pavlov etl “Passing through a giant molecular cloud: “Snowball” glaciations produced by interstellar dust", Geophysical Research Letters,  Vol. 32, issue 3, 2005.