2015-12-05

وينزل من السماء من جبال فيها من برد


وينزل من السماء من جبال فيها من برد

الدكتور منصور أبو شريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
 
 
 


إن أحد أهم أوجه الإعجاز في القرآن الكريم هو  الوصف العلمي الدقيق للظواهر الطبيعية في هذا الكون والذي جاء متوافقا مع  ما تم اكتشافه من حقائق علمية في هذا العصر. إن هذا التطابق بين ما جاء به القرآن الكريم وما اكتشفه العلماء من حقائق علمية ينفي نفيا قاطعا أن يكون هذا القرآن من تأليف البشر بل هو منزل من لدن عليم خبير سبحانه وتعالى. وفي هذه المقالة سنشرح كيف أن القرآن الكريم قد أكد على أن البرد (Hail) لا يتكون إلا في داخل نوع واحد من السحب تسمى المزن الركامية (cumulonimbus)  لها امتدادات في السماء تظهر لمن يراها من بعيد أو من أعلاها كأنها الجبال وهو ما أظهرته الصور التي تم التقاطها من الطائرات والأقمار الصناعية.  ولقد جاء العلم الحديث بعد مرور أربعة عشر قرنا ليصف هذا النوع من الغيوم بنفس الوصف الذي وصفه القرآن الكريم ففي معجم الطقس  (Weather Glossary) جاء تعريف المزن الركامية على النحو التالي ( توصف سحب المزن الركامية بتطور عمودي قوي على شكل جبال أو أبراج ضخمة تنتهي على الأقل جزيئا بسندان مسطح وأملس وربما منفوش وتعرف أيضا بالعامية المقدمة الرعدية (العاصفة الرعدية)   )   (CB (strictly Cb)Abbreviation for cumulonimbus, Cumulonimbus cloud, characterized by strong vertical development in the form of mountains or huge tower stopped at least partially by a smooth, flat, often fibrous anvil. Also known colloquially as a "thunderhead).
 
 
 
والسحاب المسخر بين السماء والأرض

إن السحب أو الغيوم التي تتكون في جو السماء هي إحدى الظواهر الطبيعية الكثيرة التي حث القرآن الكريم البشر النظر إليها والتفكر في خلقها لعلهم يهتدوا إلى أن لها خالقا لا حدود لعلمه وقدرته فقال عز من قائل "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)" البقرة.  ولقد ورد في القرآن الكريم أيات كثيرة تتحدث عن طريقة تشكل هذه السحب والدور الذي تلعبه الرياح في إثارة هذه السحب من سطوح البحار ومن ثم نقلها إلى اليابسة ومن ثم تشكلها بمختلف الأشكال والأحجام وأخيرا تلقيحها ليسقط الماء منها حيث يشاء الله عز وجل. بل إن بعض الآيات القرآنية أوردت حقائق علمية حول هذه السحب لم يتمكن البشر من كشفها إلا في هذا العصر كما شرحنا بعضها في مقالة (وينشيء السحاب الثقال) وكما سنشرح لاحقا حقيقة تكون البرد في أحد أنواع هذه السحب. 
 
 
 
 
فتثير سحابا

تتحدث إحدى الآيات القرآنية عن أول مراحل تشكل السحب وهي قوله عز من قائل " وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)" فاطر.  إن المادة الخام اللازمة لتشكل السحب هو بخار الماء الذي يصعد من المسطحات المائية المختلفة وعلى الأخص المحيطات وذلك بفعل حرارة الشمس التي تقوم بتبخير الماء بدون أن يتم رفع درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان. وبما أن بخار الماء أقل كثافة من الهواء فإنه يصعد إلى الأعلى ليختلط بالهواء الملامس للمسطحات المائية فيصبح الهواء رطبا.  إن كمية بخار الماء التي يمكن للهواء أن يحتويها تزداد مع زيادة درجة الحرارة فالمتر المكعب من الهواء يمكنه أن يحمل  30 غرام من البخار عند 30 درجة مئوية كحد أقصى وتسعة غرامات عند عشرة درجات مئوية ويسمى هذا الحد بحد التشبع أو ما يسمى بنقطة الندى (Dewpoint). ويترتب على هذه الحقيقة أن الهواء المشبع ببخار الماء عندما يبرد يحول بخار الماء الزائد عن حد الندى عند درجة الحرارة الجديدة إلى قطرات من الماء فالمتر المكعب من الهواء المشبع تماما بالبخار عند درجة 30 مئوية ينتج 21 غرام من الماء عندما يبرد إلى درجة 10 مئوية.
تتشكل السحب في جو السماء عندما يبرد الهواء الرطب بحيث يصل إلى حد التشبع فيتحول الماء الزائد عن هذا الحد إلى حبيبات دقيقة من الماء أو البلورات الثلجية التي لا يزيد قطرها  عن 20 ميكرومتر.  ويمكن رؤية هذه الحبيبات المائية بالعين المجردة على شكل سحب بيضاء أو رمادية وذلك تبعا لكثافتها وكذلك حجمها. ومن الجدير بالذكر أن البخار لكي يتكثف يلزمه وجود مواد صلبة بالغة الصغر يطلق عليها اسم نوى التكاثف (Condensation nuclei) وهي متوفرة بكثرة في الجو كالغبار والدخان وحبوب اللقاح وأملاح البحر التي تعلق ببخار الماء عند تبخره ولا يتجاوز قطر هذه الجسيمات الميكرومتر الواحد. وتتشكل السحب في الطبقة الدنيا للغلاف الجوي (Atmosphere) وهي طبقة التروبوسفير (Troposphere) التي تمتد من سطح الأرض إلى إرتفاع يبلغ في المتوسط 12 كيلومتر  حيث يزداد فوق خط الإستواء إلى 15 كيلومتر  وينزل إلى ما دون عشرة كيلومترات عند القطبين.  ومن الخصائص المميزة لهذه الطبقة أن درجة حرارة الجو تقل تدريجيا مع ارتفاعه عن سطح البحر حيث تقل بمعدل ستة درجات مئوية تقريبا لكل كيلومتر في الارتفاع حتى تصل إلى ستين درجة تحت الصفر عند نهايته ثم تثبت عند هذه الدرجة في طبقة التروبوبوز (Tropopause) ثم تعاود في الإرتفاع في طبقة الستراتوسفير (Stratosphere) إلى أن تصل إلى درجة الصفر عند نهايته. إن هذه الخاصية هي التي تساعد على تحويل بخار الماء المنبعث من أسطح المحيطات إلى سحب ومن ثم إلى ماء ليعود إلى الأرض ثانية ولولا هذا التقدير في الخلق لاختفى الماء من الأرض منذ زمن بعيد حيث أن بخار الماء أخف من الهواء ولذا فإنه سيهرب إلى الفضاء الخارجي لولا هذه الخصائص العجيبة لطبقات الغلاف الجوي.
إن تحول الهواء المشبع ببخار  الماء إلى سحب يتم من خلال ثلاث آليات أولها من خلال التيارات الهوائية الصاعدة والتي تتولد عندما يسخن سطح الأرض فيتمدد الهواء الملامس له فتقل كثافته ويرتفع إلى الأعلى حاملا معه بخار الماء والذي يتكثف ليكون السحاب على ارتفاعات مختلفة وذلك حسب درجة رطوبة الهواء والتي كلما قلت كلما ازداد ارتفاع السحب المتكونة, أما الطريقة الثانية فهي من خلال قيام الرياح بحمل البخار من المحيطات وعندما تصل إلى السلاسل الجبلية على اليابسة فإنها ترتفع نتيجة لاصطدامها بها فتصل إلى طبقات الجو الباردة فيتكثف البخار وتتكون السحب.  وأما الطريقة الثالثة فهي من خلال التقاء جبهتين هوائيتين أحدهما دافئة رطبة والأخرى باردة جافة وعند اصطدامهما ترتفع الجبهة الدافئة فوق الباردة بسبب خفة وزنها فتصل بما فيها من البخار إلى طبقات الجو الباردة ليتحول إلى سحاب, وأما الطريقة الرابعة فهي من خلال هبوط درجة حرارة الهواء المشبع بالبخار إلى ما دون الدرجة الحرجة من خلال الإشعاع فيتحول بخار الماء إلى سحاب أو ضباب أو ندى.

أقلت سحابا ثقالا

إن بخار الماء المنبعث من المحيطات سيعود إليها حتما أثناء ارتفاعه إلى الأعلى بسبب نكثفه إلى ماء مع انخفاض درجة حرارة الجو  ولكن الله عز وجل سخر الرياح لتسوق السحب المحملة بالماء إلى اليابسة فبدونها ستبقى اليابسة صحراء مقفرة لا حياة عليها رغم وفرة المياه في المحيطات. وتلعب الرياح أدوارا مهمة في كل من تشكل السحب وفي نقل الماء الذي تحمله من المحيطات إلى اليابسة ومن ثم إنزاله إلى الأرض.  إن ظاهرة الرياح على الأرض ظاهرة عجيبة لا يمكننا أن نخوض في تفصيلاتها في هذه المقالة ولكن سنشرح بعض خصائصها التي ستساعدنا على شرح ظاهرة السحب. وتنشأ الرياح بسبب اختلاف درجة حرارة سطح الأرض فهو أشد حرارة عند خط الاستواء وتقل تدريجيا كلما تحركنا باتجاه القطبين. وبما أن كثافة الهواء تقل مع ارتفاع درجة الحرارة فإن الضغط الجوي عند خط الاستواء أقل منه عند القطبين مما يعمل على تحرك الهواء من القطبين باتجاه خط الاستواء بسرعات عالية منتجا ظاهرة الرياح. ويكون اتجاه الرياح من الشمال إلى الجنوب في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ومن الجنوب إلى الشمال في النصف الجنوبي. ولكن وبسبب دوران الأرض وما حولها من الغلاف الجوي حول محورها فإن اتجاه حركة الرياح ينحرف إلى الغرب قليلا عند القطبين مما يؤدي إلى ظهور ثلاثة أنماط مسيطرة من اتجاهات الرياح في كل نصف من الكرة الأرضية. ولكن وبسبب اختلاف الحرارة النوعية بين البر والبحر وبسبب وجود تضاريس معقدة على البر وبسبب تأرجح محور دوران الأرض فإن حركة الرياح عند سطح الأرض تشذ عن هذه الحركة العامة في كل منطقة من الأرض منتجة أنماط لا حصر لها من حركة الرياح تتحدد حسب موقع المنطقة وفي أي وقت من السنة. وبسبب هذا التعقيد في العوامل التي تحدد حركة الرياح فإنه من الصعب التنبؤ باتجاه حركتها وكذلك سرعتها بشكل دقيق.
 
 
إن هذا التنوع في أنماط حركة الرياح تكفل وصول السحب المحملة بالماء إلى معظم مناطق اليابسة ولكن بكميات متفاوتة لتضمن ظهور بيئات مختلفة تعيش فيها كائنات حية من نباتات وحيوانات غاية في التنوع كما في المناطق الإستوائية والصحراوية والجبلية والسهلية. ولقد أكد القران الكريم على الدور الذي تلعبه الرياح في نقل الماء من المحيطات إلى اليابسة وذلك في قوله تعالى "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)" الأعراف وقوله سبحانه (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)) السجدة والقائل عز من قائل (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)) الفرقان والقائل سبحانه (أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)) النمل  والقائل عز من قائل (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)) الروم.

وأرسلنا الرياح لواقح

يتحول بخار الماء الذي تحمله السحب إلى ماء بمختلف أشكاله إذا ما تعرض إلى درجات حرارة متدنية تخفض من حد التشبع فيتكثف الماء الزائد إلى قطرات الماء أو الجليد وذلك حسب درجة الحرارة.  إن تكون المطر يتم بنفس الآليات التي تشكلت بها السحب وهي من خلال التيارات الهوائية الصاعدة التي تحمل السحب إلى إرتفاعات عالية أو من خلال إصطدام السحب بالسلاسل الجبلية التي ترفعها إلى طبقات الجو الباردة أو من خلال التقاء جبهتين هوائيتين أحدهما دافئة رطبة والأخرى باردة جافة أو من خلال هبوط درجة حرارة السحب المشبع بالبخار إلى ما دون الدرجة الحرجة من خلال الإشعاع فيتحول بخار الماء إلى أحد أشكال الهطل.  ولا يقتصر دور الرياح على إثارة السحب من أسطح المحيطات وسوقها إلى مناطق اليابسة بل يقوم بدور كبير  أيضا في عملية إنزال الماء من هذه السحب إلى الأرض من خلال قيام هذه الرياح بحمل لما يسمى بنوى التكاثف (Condensation nuclei) إلى طبقات الجو الباردة التي تتكون فيها السحب . وعند وصول هذه السحب إلى المناطق الباردة فإن بخار الماء يتجمع على نوى التكاثف ليكون قطرات الماء والتي يزداد حجمها نتيجة تصادمها مع بعضها البعض إلى أن يصل إلى الحد الذي يجعلها تسقط إلى الأرض بفعل الجاذبية وصدق الله العظيم القائل "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)" الحجر. وينزل الماء من السحب بأشكال مختلفة بما يسمى أنواع الهطل (Precipitation) وهي المطر (Rain) وهو على شكل قطرات ماء يتراوح قطرها بين عشر الملليمتر  وقد يصل إلى 10 ملليمتر  أو حبات البرد التي قد يصل قطرها لعدة سنتيمترات أو رقاقات الثلج ذات الأشكال الهندسية العجيبة.

 

فيبسطه في السماء كيف يشاء

إن منظر السحب على صفحة السماء من أجمل المناظر الطبيعة التي يمكن للإنسان  أن يشاهدها فهي لا تقل روعة عن منظر النجوم التي تزين السماء في ليلة صافية وبعيدة عن الأضواء الصناعية.  إن أشكال وأحجام السحب التي يمكن أن نشاهدها في السماء لا حصر لعددها ولذلك أكد سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على أنه يبسطها في السماء كيف يشاء للتدليل على كثرة أشكالها وذلك في قوله تعالى "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)" الروم.  لقد تم تصنيف السحب من قبل علماء الأرصاد إلى أنواع مختلفة وذلك حسب شكلها وارتفاعها عن سطح الأرض وكذلك فيما إذا كانت ماطرة أو غير ماطرة.  
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
وقد صنف العالم الانجليزي هوارد السحب من حيث شكلها إلى ثلاثة أنواع أساسية وهي السحب الركامية (cumulus) والسحب الطبقية (stratus) والسحب السمحاقية أو القزعية (cirrus).  فالسحب الركامية هي سحب كثيفة لها شكل الصوف المنفوش وقد تكون متقطعة وتغير شكلها بشكل سريع وعادة ما تتكون من عدة طبقات تتراكم فوق بعضها البعض وسمكها في المتوسط عدة كيلومترات وقد يصل ارتفاع قمة بعض أنواعها إلى خمسة عشر كيلومتر, وأما السحب الطبقية  فهي سحب رقيقة ومتصلة رمادية أو بيضاء اللون وتكون على شكل طبقة واحدة لا يتجاوز سمكها عدة مئات من الأمتار, وأما السحب السمحاقية أو القزعية فهي سحب عالية وخفيفة بيضاء اللون تكون على شكل قطع صغيرة تخرج منها امتدادات على شكل ذيل الفرس. أما من حيث الإرتفاع فقد تم تصنيفها إلى ثلاثة أنواع وهي السحب المنخفضة  والتي لا يتجاور ارتفاعها عن سطح الأرض كيلومترين اثنين والسحب المتوسطة (Alto) والتي يتراوح ارتفاعها بين كيلومترين وستة كيلومترات والسحب العالية (Cirro)  والتي يتراوح ارتفاعها بين ستة كيلومترات وخمسة عشر كيلومتر. ولا توجد السحب السمحاقية (cirrus) إلا عند الارتفاعات العالية بينما يمكن أن توجد السحب الركامية والطبقية عند جميع الارتفاعات فهناك السحب الركامية العالية (Cirrocumulus) والمتوسطة (Altocumulusِِ) والمنخفضة (cumulus) وكذلك الحال مع السحب الطبقية. وأما من حيث المطر فقد أطلق العلماء على السحب التي يمكن أن ينزل منها المطر اسم السحب الماطرة أو المزن (nimbus) فالسحب السمحاقية غير ماطرة بينما بعض السحب الركامية والطبقية تكون ماطرة وفي هذا الحال تسمى المزن الركامية (Cumulonimbus) والمزن الطبقية (nimbostratus).  ولقد تمكن العلماء من تحديد عشرة أنواع رئيسية من السحب أربعة منها سحب منخفضة وهي السحاب الطبقي أو الرهج Stratus))  والسحاب الركامي الطبقي Stratocumulus)) والسحاب الركامي (Cumulus)  والمزن الركامية‏‏ أو الصيب ( (Cumulonimbus  وثلاثة متوسطة وهي‏ السحاب الركامي المتوسط (Altocumulus) والسحاب الطبقي المتوسط Altostratus)) والمزن الطبقية ‏ (Nimbostratus) وثلاثة عالية وهي‏ السحاب السمحاقي أو القزع(Cirrus) ‏ والسحاب الركامي المرتفع ((Cirrocumulus والسحاب الطبقي المرتفع(Cirrostratus).

 

 
يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما

أما الآية القرآنية التي تشرح بطريقة علمية دقيقة خطوات تشكل أحد نوعي السحب الماطرة وهي  السحب الركامية المزنية (Cumulonimbus) فهي قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)" النور.  وسنشرح هذا النوع من السحب لنرى مدى التوافق بين ما أوردته الآية القرآنية عن مواصفاتها وما اكتشفه العلماء عنها. فالسحب الركامية المزنية أو ما يطلق عليها أيضا السحب أو العواصف الرعدية (Thunderstorm)  تنمو بشكل رأسي وتكون قاعدتها على ارتفاع يتراوح بين 300 و 1500 متر عن سطح الأرض وقد تمتد قمة السحابة إلى ما يزيد عن خمسة عشر كيلومتر وهي داكنة اللون عند أسفلها وبيضاء عند أعلاها. وتتكون مثل هذه السحب الرعدية في حالة عدم استقرار الجو وفي الغالب عند التقاء كتلتين هوائيتين أحدهما باردة جافة والأخرى دافئة رطبة مما يدفع الكتلة الهوائية الدافئة للصعود إلى الأعلى مكونة مثل هذه السحب التي تتميز بوجود تيارات هوائية صاعدة وأخرى هابطة في داخلها. وتبدأ السحب الركامية المزنية  بالتكون أولا على شكل سحب ركامية (Cumulus)وهي سحب منخفضة ومتفرقة (Detached clouds) وغير ماطرة ولكنها تتحول إذا ما توفرت الشروط المناسبة إلى سحب ركامية مزنية نتيجة تراكم السحب الركامية فوق بعضها البعض بفعل التيارات الهوائية الصاعدة, 
 
  
وتتشكل السحب الركامية المزنية أو العواصف الرعدية في الغالب على شكل خلايا (Multicell cluster storms) يبلغ قطر الواحدة منها مابين 2 إلى 5 كيلومتر وهذه الخلايا تتكون تباعا وليس في نفس الوقت. وفي بعض خلايا السحب الرعدية يظهر في مقدمة السحابة من أسفلها جزء اسطواني الشكل ينتج عن الدوامات الهوائية في داخلها كما يظهر في قمة السحابة جزء على شكل السندان (anvil) وذلك بعد أن تضعف شدة العاصفة.  وفي كل خلية يحمل التيار الهوائي الصاعد الذي قد تصل سرعته إلى مائة وسبعين كيلومتر في الساعة بخار الماء من أسفل السحابة إلى طبقات الجو العليا ذات درجات الحرارة المتدنية التي قد تصل إلى خمسين درجة تحت الصفر.  ويتحول بخار الماء  إلى ماء فائق البرودة (supercooled water)  أو برد  أو ثلج والتي تنزل بشكل كثيف إلى الأرض مع تيار الهواء الهابط التي قد تصل سرعته إلى ثلاثين كيلومتر في الساعة. وتعتمد كمية الماء في الخلية الواحدة على نصف قطرها وارتفاعها فخلية بقطر ثلاثة كيلومترات وارتفاع ستة كيلومترات قد تحتوي على ما يقرب من نصف مليون طن من الماء وصدق الله العظيم القائل (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)) الرعد .
 
 
 
 
 
 


 

 
وينزل من السماء من جبال فيها من برد

إن أهم ما يميز  السحب الركامية المزنية إلى جانب إرتفاعها الشاهق وكمية الأمطار الهائلة التي تحملها هو أن البرد (Hail) لا يتكون إلا في داخلها. ويتكون البرد عندما تقوم التيارات الهوائية الصاعدة بحمل بلورات جليدية (Ice crystals) صغيرة إلى الأعلى فتعمل كنواة يتجمد عليها الماء فائق البرودة على شكل طبقات فيزداد حجمها تدريجيا.  وعندما يصل وزن حبة البرد إلى الحد الذي لا يمكن للتيار الهوائي الصاعد حملها فإنها تبدأ بالسقوط إلى الأسفل وقد يزداد حجمها أثناء السقوط نتيجة لتجمد مزيد من الماء عليها. وقد تتعرض حبات البرد النازلة إلى هبات هوائية قوية فتعاود الإرتفاع في داخل السحابة فيزداد حجمها وبالتالي وزنها ومن ثم تبدأ بالسقوط إلى الأرض. ويتراوح قطر حبة الرد بين نصف سنتيمتر  وخمسة عشر سنتيمترات وذلك تبعا لمواصفات السحابة التي أنتجتها من حيث حجمها وارتفاعها وسرعة التيارات الهوائية ودرجات الحرارة في طبقاتها والمدة التي تبقى فيها حبة البرد داخل السحابة والتي قد تزيد عن نصف ساعة.  ولقد بلغ الرقم القياسي المسجل لأكبر حبة برد إلى ما يقرب من عشرين سنتيمتر وبوزن يقل قليلا عن الكيلوغرام وذلك في عام 2010م في ولاية داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن البرد قد يتكون في معظم السحب الركامية المزنية إلا أنه في الغالب ينزل على شكل مطر نتيجة لذوبانه أثناء نزوله في الطبقات السفلى الدافئة للسحابة.
 
 
يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار

وتتميز  السحب الركامية المزنية كذلك بكثرة حدوث البروق فيها وكذلك شدة هذه البروق. ويحدث البرق في السحب نتيجة لتكون الكهرباء الساكنة في داخل هذه السحب والتي تنتج عن الاحتكاك بين مكونات هذه السحب من بلورات جليدية وماء وتلج وبرد وانفصالها عن بعضها البعض بسبب التيارات الهوائية. فالتيارات الهوائية الصاعدة تحمل معها البلورات الجليدية (Ice crystals) الخفيفة فتحتك ببقية المكونات الثقيلة كقطرات الماء وحبات البرد وقطع الثلج   فتتولد في البلورات شحنات كهربائية موجبة بينما تتولد شحنات كهربائية سالبة في المكونات الثقيلة. ونتيجة لصعود البلورات الجليدية المشحونة إلى الطبقات العليا من السحابة فإن هذه الطبقات ستكون مشحونة شحنات كهربائية موجبة بينما تكون الطبقات السفلى مشحونة بشحنات كهربائية سالبة. وبسبب قرب الطبقات السفلى من الأرض فإن شحنتها السالبة ستقوم بتوليد شحنات موجبة على سطح الأرض من خلال مبدأ الحث الكهربائي (electric induction).  إن كمية الشحنات المتولدة تعتمد على حجم السحابة واالمسافة بين أعلاها وأسفلها وكمية الهطل فيها وكذلك شدة الرياح فيها وغير ذلك من العوامل. ونتيجة لانفصال الشحنات الموجبة والسالبة عن بعضها فإن فرقا في الجهد  الكهربائي (Electric potential difference)  سيتولد بين الشحنات الكهربائية الموجبة في أعلى السحابة وبين الشحنات السالبة في أسفلها وكذل فرقا في الجهد بين الشحنات السالبة في أسفل السحابة وبين الشحنات الموجبة في سط الأرض.  ويتراوح فرق الجهد الكهربائي المتولد في داخل السحب من عشرة ملايين فولت إلى ما يزيد عن مائة مليون فولت وذلك حسب مواصفات السحابة.  
ويحدث البرق نتيجة للتفريغ الكهربائي (electric discharge)  إما بين الشحنات الموجبة في أعلى السحابة وما بين الشحنات السالبة في أسفلها أو ما بين الشحنات السالبة في أسفل السحابة وما بين الشحنات الموجبة في سطح الأرض أو ما بين سحابتين. ويحدث البرق في داخل السحابة (Intracloud lightning) إذا كان فرق الجهد بين شحنتيها أعلى من فرق الجهد بين السحابة والأرض بينما يحدث البرق بين السحابة والأرض (cloud-to-ground lightning) إذا كان الحال عكس ذلك وقد يحدث البرق بين سحابتين متجاورتين (cloud-to-cloud lightning).  إن آلية حدوث البرق آلية معقدة جدا لم يتمكن العلماء من كشف كثير من أسرارها فالتفريغ الكهربائي عبر الهواء يحتاج لفرق جهد مقداره ثلاثة ملايين فولت لكل متر  وهذا يعني أن سحابة على ارتفاع كيلومتر  عن سطح الأرض تحتاج  لثلاثة آلاف مليون فولت لكي تتمكن من تفريغ شحنتها إلى الأرض. ولكن يكفي في الواقع فرق جهد بعشرة ملايين فولت لإحداث التفريغ حيث وجد العلماء أن التفريغ لا يتم إلا بعد تكون قناة هوائية متأينة (Ionized air channel) بين السحابة والأرض لا يتجاوز قطرها ثلاثة سنتيمترات وبطول فد يصل لعدة كيلومترات.  وتقوم هذه القناة  بتسهيل عملية التفريغ من خلالها عند هذا الجهد المنخفض نسبيا. إن تكون القناة المتأينة يتم في عدة ثواني ولكن التفريغ الكهربائي أي البرق يتم في أقل من خمسين ميكروثانية من خلال تيار كهربائي يتراوح مقداره بين عشرين وثلاثين ألف أمبير.
 
إن هذا التيار الكهربائي العالي يقوم بتسخين جزيئات الهواء داخل القناة إلى درجة حرارة قد تصل إلى ثلاثين ألف درجة مئوية أي تزيد بأربعة أضعاف عن درجة حرارة سطح الشمس. إن هذه الحرارة البالغة العلو  تعمل على توهج جزيئات الهواء التي ينطلق منها ضوء ساطع على طول قناة التفريغ وهو ضوء البرق. وبسب الحرارة العالية فإن الهواء في داخل قناة التفريغ سيتمدد بشكل مذهل لينتشر في الهواء المحيط بالقناة على شكل موجات صدمية صوتية (supersonic shock wave) منتجة دويا عاليا وهو صوت الرعد.  وتتراوح كمية الطاقة التي يولدها البرق ما بين عشرة ملايين وعشرة بلايين جول أي ما يعادل ثلاثة كيلووات_ساعة كحد أدنى وثلاثة آلاف كيلووات_ساعة كحد أعلى تقريبا. وتحدث البروق بمعدل خمسين برقا في الثانية في جميع أنحاء العالم أي ما يقرب من ألف وخمسمائة مليون برق في السنة وتقتل ما معدله عشرة آلاف شخص في السنة. ولكن في المقابل فإن البروق تنتج في العام ما يقرب من خمسة عشر مليون طن من أكاسيد النيتروجين والتي تغذي النباتات بما يلزمها من عنصر النبتروجين البالغ الأهمية لحياة الكائنات الحية.   
ونأتي الآن على شرح الآيات القرآنية السابقة والمتعلقة بتشكل السحاب على ضوء الحقائق العلمية التي شرحناها آنفا, فالحقيقة الأولى التي أكدت عليها الآيات القرآنية هو أن الرياح تلعب الدور الرئيسي في عملية تكون السحب فهي التي تقوم بنقل بخار الماء من فوق البحار إلى اليابسة وهي التي تقوم برفعه إلى طبقات الجو الباردة لكي يتكثف ويتحول إلى ماء أو برد أو ثلج وهي التي تجلب ذرات الرمال والغبار اللازمة لعملية تكثيف البخار كما في قوله تعالى "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا" وقوله تعالى " وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ". أما الحقيقة الثانية فهي أن السحاب يأخذ أشكالا لا حصر لها في جو السماء تدعو للتدبر والتأمل وتثير البهجة في النفوس لقوله تعالى "فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ". أما الحقيقة الثالثة فهي ضرورة تجميع كميات كبيرة من بخار الماء في حيز واحد لكي يتم الحصول على كميات ماء كافية وهذا يتم من خلال تراكم الغيوم فوق بعضها البعض لقوله تعالى "ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا". أما الحقيقة الرابعة فهي أن البرد لا يمكن أن يتكون إلا في طبقات الجو الباردة جدا وهذا يلزم رفع الغيوم لارتفاعات عالية تصل لما يزيد عن عشرة كيلومترات ولذا نجد أن بعض خلايا السحب الرعدية تبرز كالجبال فوق مستوى السحابة حيث يتكون البرد فيها لقوله تعالى "وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ". أما الحقيقة الخامسة التي ذكرتها الآيات القرآنية وهي الأعجب أن السحب الرعدية يجب تقسيمها إلى خلايا لكي تتمكن من تكثيف ما بها من بخار بكفاءة عالية وفي وقت قصير وذلك مصداقا لقوله تعالى "وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ".  أما الحقيقة السادسة فهي تأكيد الآيات على حقيقة وجود سحب ثقيلة تحمل كميات كبيرة من الماء تقاس بملايين الأطنان وذلك في قوله تعالى "حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا". أما الحقيقة السابعة فهي ربط حدوث البروق الشديدة مع هذا النوع من السحب الرعدية كما قال تعالى " يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ".