2018-11-10

خمسة وعشرون دليلا على كروية الأرض ودورانها


خمسة وعشرون دليلا على كروية الأرض ودورانها
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

من المفارقات العجيبة أن تجد  في عصر النهضة العلمية الحديثة  من يرفض نظرية الأرض الكروية ويتبنى نظرية الأرض المسطحة التي أسست على نموذج بني من نسج الخيال. ويعتقد غالبية أنصار  الأرض المسطحة أن العلوم الحديثة النظرية منها والتطبيقية تم وضعها لمحاربة وهدم الأديان  وينكرون كذلك كثير من المخترعات التي لا يرونها بأم أعينهم  كالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية. ولقد إنصب سخط هؤلاء بالتحديد على وكالة الفضاء الأمريكية ناسا التي قالوا أنها تقود مؤامرة عالمية ضد الدين وتقوم بتضليل الناس من خلال اختلاق صور وأفلام حول الأرض وبقية أجرام الكون. وعلى الرغم من أن جمعية الأرض المسطحة قد ظهرت في الغرب إلا أن بعض جهلة المتدينين وأشباه المتعلمين من المسلمين بدأوا بتبني فكرة الأرض المسطحة وفسروا الآيات القرآنية المتعلقة بالكون بما يدعم هذه الفكرة. وبسبب التخوف من إنتشار  مثل هذه الخرافات في أوساط المسلمين قمت بكتابة مقالة سابقة بعنوان (الأرض المسطحة والأرض الكروية) أوردت فيها معتقدات أنصار الأرض المسطحة والرد عليها من خلال سرد بعض الأدلة التي تثبت كروية الأرض.  وفي هذه المقالة سأشرح بشيء من التفصيل خمسة وعشرين دليلا من الأدلة العلمية والعملية  التي تثبت أن الأرض كروية وليست مسطحة وأنها تدور حول محورها وكذلك حول الشمس. لقد اقتنع حجة الإسلام أبو حامد الغزالي بدليل واحد فقط على صحة كروية الأرض وهو قدرة نموذج الأرض الكروية على التنبؤ بمواعيد  الكسوف والخسوف فقال في كتابه تهافت الفلاسفة (إن كسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب وإن كسوف الشمس وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس عند اجتماعهما في العقيدتين على دقيقة واحدة. فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابيَّة لا يبقى معها ريبة فمن تطلَّع عليها ويتحقَّق أدلّتها حتى يُخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء إذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع وضرر الشرع ممَّن ينصره لا بطريقه أكثر من ضرره ممّن يطعن فيه بطريقة وهو كما قيل: عدوّ عاقل خير من صديق جاهل).
نموذج الأرض المسطحة
ومن الضروري أن نشرح النموذج الذي رسمه أنصار الأرض المسطحة لهذا الكون لكي يتسنى للقاريء مقارنته مع نموذج الكون المتعارف عليه اليوم ويتبين له مدى سخافته.  فلا يوجد عند هؤلاء  أدلة علمية معتبرة تثبت صحة النموذج الذي وضعوه لهذا الكون بل يعتمدون على التفسير  السطحي لما ورد في الكتب المقدسة من نصوص.  وتقوم عقيدة المؤمنين بالأرض المسطحة على ثلاثة ركائز الأولى هي الإيمان بالحقائق الواردة في الكتب المقدسة حول بنية الكون والثانية التصديق فقط بما تمليه عليهم حواسهم  والثالثة رفض معظم قوانين الفيزياء التي تحكم الكون.  ويتكون الكون عندهم من الأرض التي يعتبرونها أكبر ما في هذا الكون وهي على شكل قرص دائري مسطح تقع تضاريس الأرض على أحد وجهيه وتحيط بهذا الوجه نصف قبة معدنية وتحيط بالأرض من الأسفل وكذلك القبة محيط من المياه. ويوجد داخل القبة السماوية الشمس والقمر والنجوم وهم مختلفون في طبيعة هذه الأجسام هل هي مادية أو   وهمية وهل  تشع الضوء من ذاتها أم من شقوق في سطح القبة.  أما ارتفاع القبة السماوية فقد كان لا يتجاوز المائة كيلومتر  في تقديراتهم القديمة ولكن تم تعديل هذا الرقم إلى خمسة آلاف كيلومتر فيما بعد أن قاموا بقياس ارتفاع الشمس من خلال  طول الظل مقلدين بذلك علماء الفلك ولكن بطريقة مغلوطة لا تمت للطرق العلمية بأي صلة. ويقع القطب الشمالي في منتصف الأرض المسطحة  بينما يحيط القطب الجنوبي بكامل أطراف الأرض وهو على شكل جدار جليدي يبلغ ارتفاعه ما يقرب من خمسين متر.  ويبلغ قطر  الأرض المسطحة أربعين ألف كيلومتر  ليتساوي بذلك مع محيط الأرض الكروية وعلى الرغم من ذلك لم يتمكن أحد من البشر من الوصول إلى الجدار الجليدي المحيط بها.

وأما أكثر التصورات غرابة فهو ما يتعلق بالشمس والقمر فقطر الشمس وكذلك القمر  يبلغ في نموذجهم خمسين كيلومتر  وهما على ارتفاع خمسة آلاف كيلومتر  عن سطح الأرض.  وتدور الشمس وكذلك القمر في مدارات دائرية حول محور القطب الشمالي وبما أن طول اليوم ثابت على 24 ساعة اضطروا  إلى القول بأن الشمس  تخفض  من سرعتها عندما تكون شمال خط الإستواء وتزيد من سرعتها  جنوب هذا الخط بسبب اختلاف قطر المطار.  إن مثل هذا التصور يتناقض مع قانون الجاذبية فالشمس والقمر  لا بد وأن يسقطا على الأرض في مثل هذه الحالة وكذلك كيف يمكن لشمس بمثل هذا الحجم الصغير  أن تنتج هذه الكميات الهائلة من الحرارة. ولتبرير  هذا الهذيان اضطروا لإنكار  قانون الجاذبية وقالوا أن الشمس لا  تنتج الحرارة بل يوجد ما يسمى بالتنفس الكوني (cosmic breath) الذي يرسل حرارة إلى الأرض في الصيف وبرودة في الشتاء وهو مرتبط  بحركة الشمس فقط وليس لها أي دور في التسخين والتبريد.  أما الطامة الكبرى في هذا النموذج فهو  الطريقة التي يفسرون فيها وجود الليل والنهار  على هذه الأرض المسطحة فلو  أن شمسهم هذه تشع ضوئها في كل الاتجاهات كما هو الحال مع الشمس الحقيقية لكانت أرضهم نهار دائم ولا ليل فيها. ولذلك قالوا أن شمسهم تشع ضوئها بما يشبه المصباح اليدوي فهي تضيء المنطقة التي تقع تحتها فقط فيكون النهار بينما يبقى باقي سطح الأرض في  الليل,ومن غرائب معتقداتهم أن المطر لا ينزل من الغيوم بل من الماء المحيط بهذه القبة من شقوق فيها.  أما البرق عندهم فلا يحدث في داخل الغيوم بل  يحدث في  داخل القبة السماوية  وأما الشهب فهي مظاهر ضوئية تحدث على سطح القبة السماوية وإلى غير ذلك من التخاريف,

نموذج الأرض الكروية
لقد كان اهتمام البشر  في فهم ما يجري في السماء من ظواهر  هو الدافع في معرفة فيما إن كانت الأرض مسطحة أم كروية كطلوع الشمس من المشرق ثم غيابها في المغرب ثم طلوعها من جديدمن المشرق وغير ذلك من الظواهر الفلكية. وحتى القرن السادس قبل الميلاد كان البشر يؤمنون بأن الأرض مسطحة الشكل وهذا  بالطبع ما تمليه عليهم حواسهم ومع ظهور الفلسفة الطبيعية في العصر اليوناني والاهتمام بمختلف أنواع العلوم طرح الفيلسوف اليوناني فيثاغورس فكرة  الأرض الكروية وذلك في منتصف القرن السادس قبل الميلاد.  وقد  تبني معظم الفلاسفة اليونانيين اللاحقين كسقراط وأفلاطون وأرسطو  فكرة الأرض الكروية وقاموا بإيراد كثير من الأدلة التي تدعم هذه الفكرة.  وفي القرن الثالث قبل الميلاد قام  الفلكي اليوناني إراتوستينس بقياس محيط الأرض من خلال قياس طول الظل في مدينة الاسكندرية عندما كانت الشمس متعامدة تماما على مدينة أسوان في مصر. ومنذ ذلك الحين  تم تبني نظرية الأرض الكروية في مختلف الأوساط العلمية وانحسار نظرية الأرض المسطحة.  إن تبني نظرية الأرض الكروية من قبل الأوساط العلمية لا يعني أن جميع الناس مؤمنين بها فعامة الناس على مر العصور لا يهمهم فيما إذا  كانت الأرض كروية أو مسطحة ومن الصعب كذلك إقناعهم بأمور قد تتناقض مع ما تراه أعينهم. ولقد تمكن البشر  على مدى ما يزيد عن ألفي عام من استخدام طرق عديدة  لإثبات كروية الأرض وقاموا بقياس قطرها بدقة عالية وتمكنوا بذلك من تفسير كثير من الظواهر  بناء هذه الحقيقة. 


وإذا كان دافع العلماء في السابق  فيما إن كانت الأرض مسطحة أو كروية هو  حب الاستطلاع إلا أنه في العصر الحديث أصبحت معرفة هذه الحقيقة بالغة الضرورة لكثير من التطبيقات الحديثة التي سهلت من حياة البشر  كحركة الطائرات والسفن واطلاق مختلف أنواع الأقمار الصناعية  والمركبات الفضائية لتقديم خدمات لا حصر لها للبشر. إن نموذج الأرض الكروية ودورانها حول نفسها وحول الشمس استخدمه المشتغلون في المجالات التي تحتاج لمثل هذه النموذج كعلماء الفلك ومهندسي الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والرادارات  والاتصالات بكل دقة في تصميم أنظمتهم المختلفة.  ولا اعتقد أن أي من هؤلاء العلماء أو المهندسين يخطر في باله فكرة أن تكون الأرض مسطحة حيث أن نموذج مثل هذه الأرض المزعومة لا يمكنه حتى في تحديد أوقات الكسوف والخسوف ناهيك عن أبعاد مدارات الأقمار الصناعية ومسارات المركبات الفضائية وارتفاعات أبراج الرادارات والاتصالات وغيرها.
دوران الأرض حول محورها وحول الشمس
                على الرغم من أن فكرة الأرض الكروية فسرت كثير من الظواهر الفلكية إلا  أنها فشلت في تفسير كثير من حركات النجوم والكواكب التي كان يعتقد أنها تدور حولها. ولقد دفعت هذه الظواهر الغريبة بعض الفلكيين بطرح فكرة أن الأرض ربما هي التي تدور حول نفسها وليس الشمس والنجوم والكواكب. وكان أول من أثار  هذه القضية أبو الريحان البيروني في أوائل القرن الحادي عشر  ومن ثم نصير الدين الطوسي في القرن الثالث عشر  وابن الشاطر  في القرن الرابع عشر  والذي فسر كثير من حركات النجوم على افتراض أن الأرض هي التي تدور.  وفي عام 1539م قام الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس بوضع نظرية مركزية الشمس التي نشرها في كتابه (حول دوران الأجرام السماوية) والتي أكد فيها أن الأرض وبقية الكواكب هي التي تدور حول الشمس وليس العكس وأن الأرض أيضا تدور حول نفسها كل يوم مرة واحدة. وفي عام  1609م قام  الفلكي الالماني يوهانز كبلر  بوضع ثلاثة قوانين تجريبية (empirical) تحكم حركات الكواكب التي تدور حول الشمس أو أية أجرام أخرى. وفي عام 1687م أثبت العالم الانجليزي اسحق نيوتن نظريا قوانين كبلر التجريبية باستخدام قانون الجاذبية وقوانين الحركة التي اكتشفها بنفسه.  وقد قام العلماء فيما بعد بالاعتماد على قوانين نيوتن بتحديد خصائص الشمس وجميع  الكواكب حولها وكذلك أقمارها من حيث أحجامها وأوزانها وأشكال وأبعاد مدراتها وتحديد مسارات المذنبات ودراسة مجرات ونجوم الكون المرئي. وفي القرن العشرين اكتشف البشر أن الشمس مع كواكبها تدور حول مركز مجرة التبانة والتي تحتوي على مئات البلايين من الشموس المختلفة الأحجام   وأنه يوجد مئات البلايين من المجرات التي تملأ الفضاء الكوني.

أدلة كروية الأرض ودورانها
لقد اعتمد العلماء القدامي والمحدثين على عشرات الظواهر الطبيعية لإثبات كروية الأرض ودورانها حول محورها وكذلك حول الشمس. وسأشرح فيما يلي كثير  من الأدلة  العلمية والعمليةالتي استخدمها العلماء لإثبات  هذه الحقائق مبتدأ بالأدلة العلمية المعتمدة على الظواهر الطبيعية ومن ثم  الأدلة العملية المعتمدة على الوسائل التقنية الحديثة.
تعاقب شروق الشمس وغروبها
إن أول ما أثار إهتمام  البشر  في طبيعة شكل الأرض هو  طلوع الشمس من المشرق وتحركها في السماء باتجاه الغرب لمدة نصف يوم حتى تغيب ومن ثم طلوعها من جديد من المشرق بعد غياب لمدة نصف يوم تقريبا. ومع استبعاد فكرة طلوع شمس جديدة كل يوم فإن التفسير المنطقي لهذه الظاهرة هو إما أن الشمس قد دارت حول  الأرض أو أن الأرض قد دارت حول محورها لينتج بذلك ظاهرة الليل والنهار. ومن خلال الاستدلال بظواهر فلكية آخرى تبين أن الأرض هي التي تدور حول محورها مرة كل يوم ولكن يبدو ظاهريا أن الشمس هي التي تدور حول الأرض بسبب بعدها الهائل عن المشاهد على الأرض.

تغير مكان شروق وغروب الشمس
  من الظواهر التي يعرفها معظم الناس أن مكان شروق وغروب الشمس يتغير يوميا حيث تشرق الشمس من الشرق تماما عند الاعتدال الربيعي ثم يتحرك مكان الشروق شمالا حتى يصل إلى أقصى نقطة عند الانقلاب الصيفي ثم يعود إلى الجنوب حتى يصل إلى الشرق تماما عند الاعتدال الخريفي ثم يتحرك جنوبا حتى يصل إلى أقصى نقطة عند الانقلاب الشتوي ليعود بعدها شمالا حتى يصل إلى الشرق تماما في الاعتدال الربيعي بعد مرور سنة شمسية كاملة.  إن هذه الظاهرة تم تفسيرها بعد معرفة أن الأرض كروية وأنها تدور حول الشمس مرة واحدة كل سنة وأن محور دوران الأرض يميل بزاوية تبلغ 23.5 درجة عن العمود القائم على مستوى دوران الأرض حول الشمس.

الدوران الظاهري اليومي لأجرام السماء حول الأرض
مما لفت إنتباه العلماء عند مراقبة حركة الأجرام السماوية أن جميعها باستثناء بعض النجوم تكمل دورتها الظاهرية حول الأرض في مدة يوم واحد.  وبما أن هذه الأجرام تتفاوت تفاوتا كبيرا في بعدها عن الأرض وكذلك في أحجامها وكتلها فإنه من المستحيل أن تكمل هذه الأجرام جميعها دوراتها في يوم واحد.  وفي هذا الحال فإن الحل المنطقي لهذه الظاهرة الغريبة هو أن الأرض هي التي لا بد أن  تدور حول محورها في مدة يوم واحد وأن دوران هذه الأجرام حول الأرض هو دوران ظاهري وليس حقيقي.  

جميع أجرام السماء كروية الشكل
يمكن للمشاهد بالعين المجردة أن يتأكد من أن الشمس والقمر لها شكل كروي وباستخدام التلسكوبات يمكنه التأكد من  أن جميع كواكب المجموعة الشمسية وكذلك النجوم لها أيضا شكل كروي. وعلى هذا فإنه من السهل الاستدلال أن الأرض لا بد وأن يكون لها شكل كروي كبقية أجرام السماء وخاصة أن حجمها مقارب لأحجام بقية الكواكب وذلك على عكس ما يعتقد مدعي الأرض المسطحة بأن الأرض هي أكبر ما في هذا الكون.

ثبات حركة النجم القطبي
من النجوم التي تشذ عن الدوران الظاهري اليومي حول الأرض هي النجوم التي تقع حول امتداد محور دوران الأرض أي باتجاه القطبين الشمالي والجنوبي حيث أنها تبدو  ثابتة في مكانها على مدار اليوم. فالنجم القطبي الشمالي يقع تماما على امتداد محور دوران الأرض والذي يشاهده في الليل من النصف الشمالي للكرة الأرضية يراه ثابتا لا يتحرك ولذلك استخدمه البشر للاستدلال على اتجاه الشمال. إن مثل هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها إلا على افتراض أن الأرض كروية وأنها تدور حول محورها كل يوم مرة.


شذوذ الحركة الظاهرية لبعض الأجرام السماوية
 لاحظ العلماء أن بعض الأجرام السماوية كالقمر وكواكب المجموعة الشمسية تبدي بعض الشذوذ في حركتها الظاهرية حول الأرض. فالقمر على سبيل المثال يدور ظاهريا حول الأرض في يوم واحد من الشرق إلى الغرب كما هو الحال مع بقية الأجرام إلا أنه يتحرك من الغرب إلى الشرق بمقدار  13 درجة كل يوم. وقد تم تفسير هذه الظاهرة بكل سهولة بعد معرفة أن الأرض تدور حول محورها من الغرب إلى الشرق دورة واحدة في اليوم وأن القمر أيضا يدور حول الأرض من الغرب إلى الشرق دورة واحدة في كل شهر  قمري. ولقد تم أيضا تفسير الحركات الشاذة لكواكب المجموعة الشمسية بعد معرفة أن الأرض وهذه الكواكب تدور حول الشمس في مدارات مختلفة وتكمل دوراتها كذلك بمدد مختلفة.
إختلاف طول الليل والنهار
لقد لاحظ البشر  أن مجموع طول كل من الليل والنهار  يساوي رقما ثابتا وهو 24 ساعة إلا أن نسبة طولهما يتغير  بمقدار يعتمد على الموقع الجغرافي وكذلك على تاريخ اليوم في السنة. فعند المواقع المحيطة بخط الإستواء يتساوى طول الليل والنهار  تقريبا على مدار السنة بينما يتزايد طول النهار على حساب طول الليل كلما ابتعدنا عن خط الاستواء وذلك في فصل الصيف وعكس ذلك في فصل الشتاء. ويستثنى من ذلك المناطق المحيطة بقطبي الأرض الشمالي والجنوبي حيث يبلغ طول كل من الليل والنهار ستة أشهر وذلك فوق خط العرض 66.7 شمالا أو جنوبا. وبناء على حقيقة كروية الأرض وميل محور دورانها بمقدار 23.5 درجة  عن العمود القائم على مستوى دورانها حول الشمس تمكن العلماء من تحديد مواعيد شروق وغروب الشمس بدقة عالية  لأي مكان على سطح الأرض ولجميع أيام السنة.  إن مثل هذا التنبؤ الدقيق بمواعيد الشروق والغروب يؤكد صحة فرضيات كروية الأرض ودورانها حول محورها وحول الشمس ويدحض فرضية الأرض المسطحة التي لا يمكن لأنصارها  أن يقوموا بمثل هذه الحسابات.  

اختلاف طول ظلال الأشياء
لقد تم دحض فكرة الأرض المسطحة من خلال قياس طول الظل عند خطوط عرض مختلفة وعند نفس خط الطول وفي نفس الوقت. ولقد وجد العلماء أن العلاقة بين طول الظل ومقدار خط العرض  دالة أسية (exponential function)  تبدأ بالصفر للخط الذي يقع تحت الشمس تماما وينتهي بطول لانهائي للخط الذي يتماس فيه شعاع الشمس مع سطح الأرض وهذا لا يتم إلا في فصل الشتاء. وعند حساب طول الظل نظريا على افتراض أن الأرض كروية الشكل وبمقدار القطر الصحيح تبين أن العلاقتين العملية  والنظرية متطابقتان تماما. وبسبب هذه الظاهرة يصل طول الليل إلى 24 ساعة في المناطق التي تقع شمال خط عرض ستةوستين درجة ونصف وذلك في الشتاء سواء كان ذلك في القطب الشمالي أو الجنوبي.  إن مثل هذه العلاقة الأسية لطول الظل لا يمكن الحصول عليها بأي شكل من الأشكال في نموذج الأرض  المسطحة فبحساب بسيط يتبين أن العلاقة خطية (linear). إن أول محاولة لقياس محيط الأرض كان بالاعتماد على هذه الظاهرة ففي القرن الثالث قبل الميلاد قام  الفلكي اليوناني إراتوستينس بقياس محيط الأرض من خلال قياس طول الظل في مدينة الاسكندرية عندما كانت الشمس متعامدة تماما على مدينة أسوان في مصر وكان النتيجة بنسبة خطأ لا تتجاوز عشرة بالمائة بسبب تدني الدقة في قياس المسافات.  وفي عام 830م كلف الخليفة المأمون العباسي مجموعة من العلماء المسلمين لقياس محيط الأرض من خلال قياس الظلال في مدينتي تدمر والرقة في سوريا وكانت النتيجة هي  40248 كيلومتر  وهو قريب جدا من الرقم الحالي وهو 40068 كيلومتر.

توسع الأفق مع الارتفاع
يعرف الأفق (Horizon) بأنه أقصى مسافة أو مدى يمكن أن ترى من الأرض من قبل مشاهد على ارتفاع ما  في منطقة مفتوحة خالية من المعيقات البصرية كما في البحار والصحارى. وعند نهاية هذه المسافة يرى  المشاهد خط التقاء السماء بالأرض.  ومن السهل باستخدام حساب المثلثات  اشتقاق علاقة بين مدى الأفق وارتفاع المشاهد في حالة الأرض الكروية ومع مقارنة نتائج هذه العلاقة مع القياسات العملية وجدت أنها متطابقة تماما مما يؤكد صحة افتراض كروية الأرض. وفي المقابل يجب أن يكون مدى الأفق لا نهائي على الأرض المسطحة بغض النظر عن الارتفاع وهو ما يناقض الواقع ولا يوجد حجة مقنعة لدى أنصار الأرض المسطحة لحل هذا التناقض. ويلاحظ تأثير  مدى الأفق في حالات كثيرة كاختفاء السفن في عرض البحر  عند ابتعادها عن الشاطيء واختفاء الطائرات عن شاشات الرادارات عند ابتعادها عن المطارات. وبناء على هذه الظاهرة  قام العالم المسلم أبو الريحان البيروني في أوائل القرن العاشر  بقياس نصف قطر الأرض حيث اختار  جبل عالي في وسط صحراء مفتوحة ومنبسطة  وقام بقياس ارتفاع الجبل عن سطح الأرض وقياس الزاوية بين الخط العمودي المار برأس الجبل والخط الواصل بين رأس الجبل وخط الأفق.  وباستخدم معادلة المثلت القائم الزاوية  قام بحساب نصف قطر الأرض الذي بلغ 6339,6 كيلومتر  وهي أقل بمقدار 31,4 كيلومتر  عن القيمة الوسطية الحديثة والبالغة 6371 كيلومتر.

إختلاف النجوم المشاهدة من مناطق الأرض
لفت انتباه الفيلسوف الشهير أرسطو  والذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد  إمكانية مشاهدة  بعض نجوم السماء من مصر وقبرص ولا يمكن مشاهدتها من الدول الأوروبية. ولقد فسر أرسطو  هذه الظاهرة بناء على كون الأرض كروية معطيا بذلك مزيد من الدعم لاقتراح الفيلسوف اليوناني فيثاغورس لفكرة  الأرض الكروية وذلك في منتصف القرن السادس قبل الميلاد. وقد قام الفلكيون فيما بعد برسم خرائط لجميع نجوم السماء المرئية من مخنلف مناطق الأرض  وأثبتوا أن النجوم التي يشاهدها سكان النصف الشمالي للأرض تختلف عن تلك التي يشاهدها سكان النصف الجنوبي.  وهذه الظاهرة تدحض أيضا فرضية الأرض المسطحة لأن المشاهد من السطح المستوى أينما كان مكانه بإمكانه مشاهدة جميع نجوم السماء,
كسوف الشمس وخسوف القمر
                إن كسوف الشمس وخسوف القمر  من الظواهر  التي احتار  قدامى البشر  في سبب حدوثها واختلقوا مختلف أنواع الأساطير  حولها. ومع اكتشاف كروية الأرض ودورانها حول الشمس أصبح تفسير هاتين الظاهرتين بمنتهى السهولة فالشمس تنكسف عندما يقع القمر  بينها وبين الأرض فيحجب ضوء الشمس كليا أو جزئيا عن الأرض والقمر ينخسف عندما تقع الأرض بينه وبين الشمس فتحجب ضوء الشمس كليا أو جزئيا عنه. وعند خسوف القمر يشاهد بكل وضوح ظل الأرض الدائري على سطح القمر  مما يؤكد على كرويتها.

الفصول الأربعة
                بعد أن تمكن العلماء من اكتشاف كروية الأرض في القرن السادس قبل الميلاد  واكتشاف دوران الأرض حول محورها وحول الشمس في القرن السادس عشر  أصبح  بالإمكان تقديم تفسير مقنع لظاهرة الفصول الأربعة.  لقد وجد العلماء أن محور دوران الأرض وهو الخط الواصل بين قطبيها يميل بزاوية مقدارها ثلاثة وعشرين درجة ونصف عن العمود القائم على مستوى دورانها حول الشمس.  ووجد العلماء كذلك أن محور دوران الأرض يتجه باستمرار نحو  نجوم محددة في السماء كالنجم القطبي الشمالي. وعندما يكون القطب الشمالي مائلا نحو الشمس يكون النصف الشمالي من الأرض صيفا والنصف الجنوبي شتاءا وتكون الشمس عمودية على مدار السرطان (خط عرض 23.5 شمال). وعندما يكون القطب الجنوبي مائلا نحو الشمس يكون النصف الشمالي من الأرض شتاءا والنصف الجنوبي صيفا وتكون الشمس عمودية على مدار الجدي (خط عرض 23.5 جنوب). وعندما يكون الخط الواصل بين الشمس والأرض عموديا على محور الدوران وعلى خط الأستواء يحدث الاعتدال الربيعي أو الخريفي وبهذا تحدث ظاهرة الفصول الأربعة والتي تظهر جليا في المناطق الواقعة شمال مدار السرطان وجنوب مدار الجدي.

المد والجزر
لفتت ظاهرة المد والجزر انتباه البشر  منذ القدم وحاول فلاسفتهم وعلماؤهم إيجاد تفسير لحدوث مثل هذه الظاهرة الغريبة. وظاهرة المد هي حصول ارتفاع في مستوى  سطح المحيطات والبحار  بعدة أمتار  عن مستواه الطبيعي فيغمر  جزء من اليابسة على الشواطيء بينما يحصل في الجزر انخفاض في مستواه عن المستوى الطبيعي بعدة أمتار.  ولقد تمكن كثير  من الفلاسفة القدامى من ربط هذه الظاهرة بحركة القمر  إلا أن التفسير  العلمي الصحيح لها  لم يتم إلا بعد اكتشاف قانون نيوتن للجذب العام وكذلك اكتشاف دوران القمر حول الأرض ودوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. وتلعب جاذبية القمر الدور  الأكبر  في ظاهرة  المد والجزر بسبب قربه من الأرض تليها جاذبية الشمس بسبب بعدها الكبير ثم بقية الكواكب. ويحدث في الغالب مد وجزر واحد في اليوم مما يؤكد على دوران الأرض حول محورها كل يوم وقد يحدث مدان وجزران في اليوم الواحد في بعض المناطق بسبب المواقع النسبية لكل من الشمس والقمر وتغير مستوى مداراتها بالنسبة لمستوى خط الاستواء.  ولقد تمكن العلماء باستخدام قانون الجاذبية وحركات الشمس والقمر من عمل جداول ورسم خرائط كثيرة لمختلف شواطيء العالم تحدد أوقات ومناسيب المد والجزر. 

ثبات الجاذبية على سطح الأرض
                مما يثبت أن الأرض كروية هو أن وزن الجسم يبقى ثابتا عند أي مكان على سطح الأرض وهذا يدل على أن قوة الجذب على ذلك الجسم هي نفسها في كل مكان من سطح الأرض. وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا كانت الأرض كروية وبحيث يقع مركز ثقلها في مركز  الأرض ولهذا يكون الجذب دائما باتجاه مركز الأرض. ولو أن الأرض كانت مسطحة لكانت قوة الجذب في المناطق المحيطة بالقطب الشمالي تتكون من مركبتين أحدهما عمودية  على سطح الأرض والأخرى موازية له بحيث تقل المركبة العمودية كلما ابتعدنا عن القطب الشمالي وهذا غير الواقع.

شدة واتجاه المجال المغناطيسي الأرضي
                إن من أبسط الطرق لإثبات كروية الأرض وكذلك دورانها في هذا العصر  هو في قياس شدة واتجاه المجال المغناطيسي للأرض في أماكن متفرقة على سطح الأرض. ويتولد المجال المغناطيسي في الأرض نتيجة لتولد تيارات كهربائية في القلب الحديدي الخارجي نتيجة دوران هذا القلب شبه الذائب مع دوران الأرض.  ومن المعروف أن اتجاه المجال المغناطيسي المتولد من التيار  الكهربائي يكون عموديا على اتجاه دوران التيار ولهذا كان اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي عموديا على اتجاه دوران الأرض أي باتجاه محور دوران الأرض تقريبا.  وتنبثق خطوط المجال المغناطيسي كحزمة من جهة القطب الجنوبي ثم تتفرق وتسير بموازاة سطح الأرض في الفضاء الخارجي ثم تتجمع لتدخل كحزمة من جهة القطب الشمالي.  وعند قياس شدة المجال على سطح الأرض عند خط الاستواء نجد أنها أقل ما تكون حيث تبلغ 25 نانوتسلا وتزداد شدة المجال كلما ابتعدنا شمالا أو جنوبا لتصل إلى 60 نانوتسلا. وعند قياس اتجاه المجال عند خط الاستواء نجد أنه موازي تماما لسطح الأرض  وعمودي على هذا الخط وعند قياسه بعيدا عن خط الاستواء نجد أن الاتجاه يشير  إلى جهة محددة وهي القطب الشمالي في مناطق الشمال والقطب الجنوبي في مناطق الجنوب.

اتجاهات الرياح السائدة
                يؤكد التماثل في اتجاهات الرياح السائدة في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي أن الأرض كروية وأن النصف الشمالي يماثل النصف الجنوبي من حيث الشكل وإلا لما حصل مثل هذا التماثل في أنماط الرياح السائدة. فالرياح التجارية الشمالية الشرقية في الشمال يقابلها الرياح التجارية الجنوبية الشرقية في الجنوب حول خط الاستواء والرياح الغربية الشمالية في الشمال يقابلها الرياح الغربية الجنوبية في الجنوب وذلك فوق مداري الجدي والسرطان.  

اتجاه دوران الأعاصير
                لقد لاحظ العلماء  أن اتجاه دوران الأعاصير  يكون بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة في النصف الشمالي للكرة الأرضية ومع عقارب الساعة في النصف الجنوبي.  وهذه الظاهرة تم تفسيرها بناء على  تأثير أو قوة كورالس (Coriolis force or effect) حيث يعمل دوران الأرض حول محورها على إمالة اتجاه حركة الرياح إلى اليسار في شمال خط الاستواء وإلى اليمين في جنوبه.

شدة الإشعاع الشمسي على سطح الأرض
                إن أبسط طريقة عملية للتأكد من كروية الأرض هو في قياس شدة الإشعاع الشمسي الساقط على متر مربع  عند خطوط عرض مختلفة ومقارنتها مع تلك المقاسة عند خط الاستواء حينما تكون الشمس عمودية عليه.  وعند حساب العلاقة الرياضية بينهما نجد أنها لا تصح إلا على افتراض أن الأرض كروية وليست مسطحة.

دوران اتجاه تأرجح البندول ودوران  الأرض
                لاحظ الفيزيائي الفرنسي ليون فوكلت  ( Léon Foucault) في عام 1851م أن اتجاه تأرجح البندول يتغير باستمرار  ليكمل دورة كاملة في مدة زمنية محددة ولذلك سميت هذه الظاهرة ببندول فوكلت (Foucault pendulum). ولقد تم إثبات أن هذه الظاهرة مرتبطة بدوران الأرض حول محورها فعندما تم وضع هذا البندول عند القطب الشمالي أو الجنوبي تبين أنه يكمل دورته في 24 ساعة تماما وهي مدة دورة الأرض حول محورها. وعند وضع البندول عند خط الاستواء فإن هذه الظاهرة تختفي تماما وعند وضعها عند خطوط عرض مختلفة فإن مدة الدوران تزيد عن اليوم الواحد تبعا لمعادلة معروفة تعتمد على زاوية خط العرض ويكون اتجاه الدوران مع عقارب الساعة في الشمال وعكسها في الجنوب.


نظام تحديد الموقع العالمي
                باشر  سلاح الجو الأمريكي في عام 1978م بإنشاء نظام ملاحة عالمي (Global navigation system) باستخدام الأقمار الصناعية كبديل عن أنظمة الملاحة الأرضية التي كانت تستخدم الإشارات الراديوية المرسلة من محطات أرضية لا يمكنها تغطية كامل سطح الأرض. وبدأ مشروع نظام تحديد الموقع العالمي (Global Positioning System (GPS)) باطلاق تسعة أقمار صناعية لتصبح في عام 1995م  24 قمر  وضعت في ستة مدارات  على ارتفاع 18 ألف كيلومتر تقريبا تغطي كامل سطح الأرض. وتقوم هذه الأقمار  المزودة بساعات ذرية عالية الدقة بإرسال إشارات توقيتية محددة وعندما يقوم جهاز  الاستقبال الأرضي باستلام هذه الإشارات من أربعة أقمار  موجودة فوقه يمكنه حساب إحداثيات الموقع بدقة قد تصل إلى عدة سنتيمترات في الأجهزة الدقيقة. لقد سهل هذا النظام الملاحي الدقيق من حياة البشر من خلال تحديد مسارات السفن والطائرات والسيارات وحتى الأفراد ناهيك عن استخدامها في المساحة وتحديد الأهداف العسكرية وغيرها. إن هذا النظام قد صممه المهندسون  بحسابات بالغة الدقة على أفتراض أن الأرض  كروية  وأنها تدور حول محورها وحول الشمس ولا ينكر هذه الحقيقة البينة إلا جاهل أو مكابر.

الخرائط المصورة لكامل سطح الأرض
                لقد تم استخدام الأقمار الصناعية التي تم وضعها في مدارات  قطبية دائرية منخفضة لا تتجاوز 700 كيلومتر  فوق سطح الأرض لأخذ صور عالية الدقة لكامل سطح الأرض بلا استثناء. ولقد قامت بعض الشركات بتجميع هذه الصور وتركيبها على هيئة الكرة الأرضية وبنفس الأبعاد التي تم أخذها من نظام تحديد الموقع العالمي كما هو الحال مع تطبيق جوجل إيرث (Google Earth) المشهور.  ومن خلال هذا التطبيق يمكن مشاهدة أدق التفاصيل عن تضاريس الأرض لأي موقع على سطح الأرض وكذلك مشاهدة المباني والطرق من ارتفاعات مختلفة. ومن خلال هذا التطبيق وكذلك نظام تحديد المواقع يمكن أيضا تحديد المسافة السطحية بدقة بالغة بين أي موقعين على سطح الأرض وتحديد أقصر الطرق المعبدة التي تصل بينهما خاصة في داخل المدن.  إن مثل هذه الصور لكامل سطح الأرض لا يمكن أن تؤخذ بهذا الكم  إلا من خلال أقمار صناعية تدور بسرعات هائلة حول الأرض مما يؤكد على كرويتها.

إنتشار الموجات الكهرومغناطيسية
لو كانت الأرض مسطحة كما يدعي مؤيديها لكان تصميم أنظمة الاتصالات المختلفة في غاية السهولة ولما احتاج مهندسي الاتصالات لهذه الحلول المعقدة والمكلفة لأنظمتهم. فالموجات الكهرومغناطيسية تسير في خطوط مستقيمة وإذا كانت الأرض مسطحة فيمكن لهذه الموجات الوصول إلى أي مكان على سطح الأرض المسطحة إذا ما تجنبنا العوائق وتم وضع الهوائيات على رؤوس الجبال العالية. ولكن مهندسي الاتصالات يصممون أنظمتهم بناءا على أن الأرض كروية وبنصف قطر معلوم تماما. فقبل ظهور أنظمة الأقمار الصناعية استخدم المهندسون الموجات المنخفضة الطول لنقل إشارات التلغراف للسفن في المحيطات وهذه الموجات المنخفضة يمكنها الانتشار  متتبعة سطح الأرض الكروي بسبب ظاهرة حيود الموجات ولهذا تسمى الموجات الأرضية.  ويمكن لبعض هذه الموجات الأرضية أن تدور حول الأرض دورة أو أكثر إذا ما كانت قدرة المرسل كافية ولقد تم التأكد من كروية الأرض من خلال هذه الأنظمة حيث تم توجيه هوائي الإرسال إلى الغرب وهوائي الاستقبال إلى الشرق وتم استلام الإشارة المرسلة بكل وضوح.

وفي أنظمة البث الراديوي قصير الموجة تم استخدام طبقات الأينوسفير  الموجودة في أعلى الغلاف الجوي لعكس الموجات الموجهة لهذه الطبقات نحو  أماكن بعيدة على سطح الأرض لا يمكن الوصول إليها إذا ما تم توجيه الهوائيات بموازاة سطح الأرض.  وباستخدام مثل هذه الموجات والتي تسمى الموجات السماوية يمكن الوصول إلى مناطق بعيدة جدا كما بين القارات متغلبة بذلك على إعاقة تكور الأرض.  وتم أيضا التأكد من كروية الأرض باستخدام هذه الأنظمة من خلال ما يسمى الأنظمة متعددة القفزات (multihop) حيث تنعكس الموجات من سطح طبقة الأينوسفير أولا ثم من سطح الأرض ثانيا وهكذا دواليك حتى تعود إلى المكان الذي اطلقت منه ولكن من الاتجاه المعاكس لاتجاه الاطلاق. وقي أنظمة الموجات الدقيقة أو الميكروييف يضطر  مهندسي الاتصالات لوضع برج كل مسافة لا تزيد عن سبعين كيلومتر  بين المرسل والمستقبل حتى لو كانت الأرض بينهما منبسطة وخالية من أية عوائق. ويعود السبب في ذلك إلى كروية الأرض التي تحدد مدى الأفق لكل برج والتي لا تزيد عن سبعين كيلومتر  لأعلاها.

أنظمة الرادار
تستخدم معظم أنواع الرادار  الموجات  الدقيقة أو ما يسمى بالميكرويف في تحديد أهدافها كالسفن في البحار والطائرات والصواريخ في الجو. وتنتشر  مثل هذه الموجات في خطوط مستقيمة أو ما يسمى خط النظر (line of sight) فهي لا تتأثر  بحيود الأرض للموجات ولا بطبقة الأينوسفير .  ولهذا فإن مدى الرؤيا لهذه الرادارات تحكمه كروية الأرض وارتفاع الأبراج عن سطح الأرض وهو في الغالب لا يتجاوز المائة كيلومتر . ولو كانت الأرض مسطحة كما يزعمون لكان لا حدود لمدى رؤية الرادارات إذا ما وضعت على ارتفاع مناسب عن سطح الأرض.

حركة الطائرات والسفن
تمكن المستكشف البرتغالي فرناندوا ماجلان وفريقه من الدوران حول الأرض  في أسطول من السفن في عام 1522م وكان هذا أول إثبات عملي لكروية الأرض. ومع ظهور الطائرات في بداية القرن العشرين قام كثير من المستكشفين بالطيران حول الأرض لإثبات كرويتها.  وكذلك فإنه يتم تحديد مسارات الطائرات وأطوالها بناءا على كون  الأرض كروية وليست مسطحة  ولا أعتقد أنه يوجد بين عشرات الآلاف من الطيارين ومهندسي الطيران من يعتقد بكون الأرض مسطحة. 


الأقمار  الصناعية
لقد كان لوضع الاتحاد السوفيتي لقمرهم الصناعي سبوتنيك في مدار بيضاوي منخفض حول الأرض  في عام 1957م تتويجا لجهود العلماء  الذين ساهموا في اكتشاف هذا النموذج الرائع لبناء أجرام الكون. لقد تم وضع  هذا القمر في مداره بالاعتماد على  نموذج كوبرنيكوس لمركزية الشمس وقوانين كبلر  لمدارات الأجرام السماوية وقوانين نيوتن في الجاذبية والحركة . ومنذ ذلك الحين تم اطلاق آلاف الأقمار  الصناعية لمختلف التطبيقات كالمناخ والتصوير والتجسس والانقاذ وكشف ثروات ومشاكل الأرض وتحديد المواقع والبث التلفزيوني والاذاعي وخدمة الهواتف المتنقلة والتلسكوبات  الفضائية وغيرها. لقد قطعت الأقمار الصناعية كل شك حول كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس. فالأقمار الصناعية المنخفضة والتي تمر فوق  قطبي الأرض كل ساعة ونصف يمكن مشاهدتها بالعين المجردة كنجم يتحرك بسرعة كبيرة فوق الأرض وخاصة عند الغروب.   والأقمار الصناعية المتزامنة التي تقع على ارتفاع ستة وثلاثين ألف كيلومتر  والتي تبدو ثابتة  بالنسبة للأرض يمكن أن  نلتقط منها البرامج التلفزيونية والمكالمات الهاتفية بهوائيات صحنية ثابتة التوجيه. وباستخدام 66 قمر صناعي على ارتفاع  800 كيلومتر تقريبا موزعة على ستة مدارات  تمكنت شركات الاتصالات من توفير  خدمة الهواتف المتنقلة لأي مكان على سطح الأرض.  وباستخدام 24 قمر صناعي على ارتفاع  متوسط يمكن للأشخاص والسفن والطائرات والسيارات أن يحددوا مواقعهم بكل دقة في أي مكان على سطح الأرض.  وعلى الرغم  من وجود آلاف الأقمار الصناعية التي تم اطلاقها من  قبل  كثير من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والدول الأوروبية واليابان والهند  إلا أن أنصار الأرض المسطحة ينكرون وجودها لأنها تتعارض مع نموذجهم المزعوم ويعتقدون أن  هذه الخدمات تقدم من خلال أبراج مقامة على سطح الأرض!  

المركبات الفضائية واستكشاف الفضاء
لم يكتفي البشر  بوضع أقمار صناعية حول الأرض بل قاموا بإرسال مركبات فضائية مأهولة وغير مأهولة إلى القمر  والشمس وجميع كواكب المجموعة الشمسية.  ففي عام 1961م  قام الاتحاد السوفيتي بإرسال مركبة فضائية (Vostok 1) تحمل إنسان (Yuri Gagarin )  لتدور حول الأرض ومن ثم إعادة رائد الفضاء سالما إلى الأرض بينما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بخطوة مماثلة في عام 1962م والصين في عام 2003م.  وفي عام 1959م  قام  السوفيت بإنزال أول مركبة على سطح القمر ( Luna 2) ووضع قمر صناعي حول القمر ( Luna 9) في عام 1966م. وفي عام 1969م  تمكن الأمريكان من إرسال مركبة تحمل ثلاثة من رواد الفضاء ( Apollo 11) نزل إثنان منهم على سطح القمر بمركبة ثانية عادت بهم إلى المركبة الأم والتي كانت تدور حول القمر ثم عادت بهم سالمين إلى الأرض مع بعض تراب القمر. ولقد تم إرسال منذ بدء غزو الفضاء مئات المركبات الفضائية لجميع كواكب المجموعة الشمسية وقامت بعضها بجمع معلومات وصور عن هذه الكواكب. وفي عام 1971م تمكن السوفييت من وضع أول محطة فضاء مأهولة  ( Salyut 1) في مدار منخفض حول الأرض واستمرت بالعمل حتى عام 1986م حيث تم استبدالها محطة فضاء جديدة (MIR) والتي انتهت مهمتها عام 2001م. وفي عام 1998م تم إنشاء محطة الفضاء الدولية (International Space Station) بالتعاون بين السوفيت والأمريكان والتي لا زالت تعمل حتى الآن ويتم إرسال رواد الفضاء إلى المحطة والعودة إلى الأرض باستخدام مكوك الفضاء الأمريكي (space shuttle).  لقد تم التقاط كثير  من الصور للأرض من قبل المركبات الفضائية والأقمار الصناعية  الأمريكية والسوفيتية والصينية وغيرها وأكدت على كروية الأرض وأظهرت أدق التفاصيل لمكونات سطحها.