أحمد شوقي
(مصر 1868 – 1932م)
سلام مِن صبا بردى أرقُّ
|
ودمع لا يُكفكفُ يا دِمشقُ
|
ومعذِرةُ اليراعةِ والقوافي
|
جلالُ الرُزءِ عن وصف يدِقُّ
|
وذِكرى عن خواطِرِها لِقلبي
|
إِليكِ تلفُّت أبدا وخفقُ
|
وبي مِمّا رمتكِ بِهِ الليالي
|
جِراحات لها في القلبِ عُمقُ
|
دخلتُكِ والأصيلُ لهُ اِئتِلاق
|
ووجهُكِ ضاحِكُ القسماتِ طلقُ
|
وتحت جِنانِكِ الأنهارُ تجري
|
ومِلءُ رُباكِ أوراق ووُرقُ
|
وحولي فِتية غُرّ صِباح
|
لهُم في الفضلِ غايات وسبقُ
|
على لهواتِهِم شُعراءُ لُسن
|
وفي أعطافِهِم خُطباءُ شُدقُ
|
رُواةُ قصائِدي فاعجب لِشِعر
|
بِكُلِّ محلّة يرويهِ خلقُ
|
غمزتُ إِباءهُم حتّى تلظّت
|
أُنوفُ الأُسدِ واضطرم المدقُّ
|
وضجّ مِن الشكيمةِ كُلُّ حُر
|
أبِي مِن أُميّة فيهِ عِتقُ
|
لحاها اللهُ أنباء توالت
|
على سمعِ الولِيِّ بِما يشُقُّ
|
يُفصِّلُها إِلى الدُنيا بريد
|
ويُجمِلُها إِلى الآفاقِ برقُ
|
تكادُ لِروعةِ الأحداثِ فيها
|
تُخالُ مِن الخُرافةِ وهي صِدقُ
|
وقيل معالِمُ التاريخِ دُكّت
|
وقيل أصابها تلف وحرقُ
|
ألستِ دِمشقُ لِلإِسلامِ ظِئرا
|
ومُرضِعةُ الأُبُوّةِ لا تُعقُّ
|
صلاحُ الدينِ تاجُك لم يُجمّل
|
ولم يوسم بِأزين مِنهُ فرقُ
|
وكُلُّ حضارة في الأرضِ طالت
|
لها مِن سرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
|
سماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتاب
|
وأرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رقُّ
|
بنيتِ الدولة الكُبرى ومُلكا
|
غُبارُ حضارتيهِ لا يُشقُّ
|
لهُ بِالشامِ أعلام وعُرس
|
بشائِرُهُ بِأندلُس تدُقُّ
|
رُباعُ الخلدِ ويحكِ ما دهاها
|
أحقّ أنّها درست أحقُّ
|
وهل غُرفُ الجِنانِ مُنضّدات
|
وهل لِنعيمِهِنّ كأمسِ نسقُ
|
وأين دُمى المقاصِرِ مِن حِجال
|
مُهتّكة وأستار تُشقُّ
|
برزن وفي نواحي الأيكِ نار
|
وخلف الأيكِ أفراخ تُزقُّ
|
إِذا رُمن السلامة مِن طريق
|
أتت مِن دونِهِ لِلموتِ طُرقُ
|
بِليل لِلقذائِفِ والمنايا
|
وراء سمائِهِ خطف وصعقُ
|
إِذا عصف الحديدُ احمرّ أُفق
|
على جنباتِهِ واسودّ أُفقُ
|
سلي من راع غيدكِ بعد وهن
|
أبين فُؤادِهِ والصخرِ فرقُ
|
ولِلمُستعمِرين وإِن ألانوا
|
قُلوب كالحِجارةِ لا ترِقُّ
|
رماكِ بِطيشِهِ ورمى فرنسا
|
أخوحرب بِهِ صلف وحُمقُ
|
إِذاما جاءهُ طُلّابُ حق
|
يقولُ عِصابة خرجوا وشقّوا
|
دمُ الثُوّارِ تعرِفُهُ فرنسا
|
وتعلمُ أنّهُ نور وحقُّ
|
جرى في أرضِها فيهِ حياة
|
كمُنهلِّ السماءِ وفيهِ رِزقُ
|
بِلاد مات فِتيتُها لِتحيا
|
وزالوا دون قومِهِمُ لِيبقوا
|
وحُرِّرتِ الشُعوبُ على قناها
|
فكيف على قناها تُسترقُّ
|
بني سورِيّة اطّرِحوا الأماني
|
وألقوا عنكُمُ الأحلام ألقوا
|
فمِن خِدعِ السِياسةِ أن تُغرّوا
|
بِألقابِ الإِمارةِ وهي رِقُّ
|
وكم صيد بدا لك مِن ذليل
|
كما مالت مِن المصلوبِ عُنقُ
|
فُتوقُ المُلكِ تحدُثُ ثُمّ تمضي
|
ولا يمضي لِمُختلِفين فتقُ
|
نصحتُ ونحنُ مُختلِفون دارا
|
ولكِن كُلُّنا في الهمِّ شرقُ
|
ويجمعُنا إِذا اختلفت بِلاد
|
بيان غيرُ مُختلِف ونُطقُ
|
وقفتُم بين موت أوحياة
|
فإِن رُمتُم نعيم الدهرِ فاشقوا
|
ولِلأوطانِ في دمِ كُلِّ حُر
|
يد سلفت ودين مُستحِقُّ
|
ومن يسقى ويشربُ بِالمنايا
|
إِذا الأحرارُ لم يُسقوا ويسقوا
|
ولا يبني الممالِك كالضحايا
|
ولا يُدني الحُقوق ولا يُحِقُّ
|
ففي القتلى لِأجيال حياة
|
وفي الأسرى فِدى لهُمُ وعِتقُ
|
ولِلحُرِّيّةِ الحمراءِ باب
|
بِكُلِّ يد مُضرّجة يُدقُّ
|
جزاكُم ذوالجلالِ بني دِمشق
|
وعِزُّ الشرقِ أوّلُهُ دِمشقُ
|
نصرتُم يوم مِحنتِهِ أخاكُم
|
وكُلُّ أخ بِنصرِ أخيهِ حقُّ
|
وما كان الدُروزُ قبيل شر
|
وإِن أُخِذوا بِما لم يستحِقّوا
|
ولكِن ذادة وقُراةُ ضيف
|
كينبوعِ الصفا خشُنوا ورقُّوا
|
لهُم جبل أشمُّ لهُ شعاف
|
موارِدُ في السحابِ الجُونِ بُلقُ
|
لِكُلِّ لبوءة ولِكُلِّ شِبل
|
نِضال دون غايتِهِ ورشقُ
|
كأنّ مِن السموألِ فيهِ شيئا
|
فكُلُّ جِهاتِهِ شرف وخلقُ
|
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق