2013-08-24

أبومسلم البهلاني في مسألة التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما


أبو مسلم البهلاني العماني
(عمان  1860 – 1920م )


أشعة الحق لا تخفى عن النظر
وانما خفيت عن فاقد البصر
وكلمة الله لم تنزل محجبة
عن البصائر بين الوهم والفكر
نادى المنادي بها بيضاء نيرة
حنيفة سمحة لم تعي بالفطر
أقامها الله دينا غير ذي عوج
جاء البشير بها للجن والبشر
والجاهلية في غلواء عارضة
من جهلها ومن الأشراك في غمر
فقام مضطلعا ثقل الرسالة مج
دود العزائم فردا خيرة الخير
والوحي يأتي نجوما معجزا قيما
والشرك يكبت والإسلام في ظفر
وكلمة الله تعلو فوق جاحدها
وآية الحجر تمحو آية الحجر
حتى تجلى منار الدين منبلجا
بصادع الذكر والصمصامة الذكر
وآمنت برسول الله طائفة
أعطاهم السبق فيه سابق القدر
زكى قلوبهم النور المبين كما
يزكو النبات بما يلقى من المطر
لاقى صدورهم الإيمان فانشرحت
له وقاموا به في عزم منتصر
تأزروا شعب الإيمان وانتبهوا
بين الجهادين منهم أنفس العمر
أحاطهم وأمين الله فانتشئوا
بين الأمينين والقرآن في وزر
غذاهم الوحي في مهد الرسالة من
طور إلى آخر كالماء في الشجر
نور بواطنهم نور ظواهرهم
نور خلائقهم في الفعل والخبر
تضائق الملأ الأعلى مكانتهم
في فطرة الله لا في فطرة البشر
كم جاء جبريل في أحزابه مددا
من السماء على المعتاقة الضمر
خير القرون قرين المصطفى وكذا
حكم القرينين لا ينفك من أثر
فمات عنهم رسول الله عدتهم
كالأنبياء عدول الحكم والسير
وكلهم أولياء غير مقترف
كبيرة لم يتب منها فمنه بري
ومن مصوب ذي بطل لدى فتن
لا واقف جاهلا من بالصواب حري
وعالم الحق في حزن توقف عن
علم فذاك وقوف غير مغتفر
تشهيا أو رجوعا عن بصيرته
فالحكم يبرأ من هذا بلا حذر
وهم وإن شرفوا من أجل صحبته
فحكم تكليفهم كالحلم في البشر
ومدحه لهم فرع استقامتهم
في طاعة الله لا مدحا على الغير
وللموفين في الإيمان متجه
ما جاء من مدحهم في محكم السور
وفي البراءة من أبقى ولاية ذي
بطل المحض عموم المدح في الزبر
والحب والبغض فرضان استحقهما
خصمان في الله من بر ومن فجر
والأمر يبنى على الأعمال كيف جرت
والمدح والذم بحتا غير معتبر
وأكرم الخلق أتقاهم فليس إذا
للمدح والذم بالأهواء من أثر
فيم المحاباة ما قربي بمزلقة
من دون تقوى ولا بعدي على خطر
لا نسل لا أهل لا أصحاب يفرقهم
دينا عن الخلق حكم ما من الصور
نادى العشيرة في رأس الصفا علنا
وصاح فيهم رسول الله بالنذر
فأنظر إلى حكمة التخصيص كيف أتت
للأقربين من أهل البدو والحضر
ليعلموا أنه التكليف لا نسب
يغني ولا فيه دون الله من وزر
لو كان بالشرف التكليف مرتفعا
إذا تعطل عدل الله في الفطر
وحجة الله بالتكليف لازمة
سيان في الأمر مفضول وذو الخطر
للرسل والملأ الأعلى وأشرفهم
بالاستقامة تكليف بلا عذر
الكل في قرن التكليف مؤتسر
ما بال من ليس معصوما من الغير
لا نبخس الناس بالأهواء حقهم
ولا نبالي بقدح الخاتر الأشر
قد جاءنا الله بالقرآن بينة
وسنة الحق والاجماع والأثر
فما وجدنا بحكم الله عاصية
لمحض قرباه معدودا من البرر
ولا تقيا لأمر الله متبعا
بالحب حكما لأجل البعد غير حري
كمال توحيد ربي حب طائعه
وبغض أعدائه في السر والجهر
يا من أعاب على الأبرار نحلتهم
أعيت ويلك دين الله عن بصر
هم حجة الله أهل الاستقامة ما
خامت عزائمهم عن آية الزمر
متى جهلت أبا السبطين خطته
وأنت أعلم أهل الطين والوبر
حاكمته بعد ما ألحمته قرما
بعقر سبعين ألفا عقرة الجزر
حاكمته بعد عمار وروحته
إلى الجنان وبعد السادة الطهر
حاكمته بعد حكم الله فيه بما
يشفي الغليل وقد أيقنت بالظفر
أقمت في البغي حد الله أولها
ففيم تستن بالتحكيم في الأخر
أصبت في حربك الباغين ثغرتها
بحكم ربك لم تضلل ولم تجر
قبلت عوراء من عمرو يفت بها
سواعد الدين فت العصف بالحجر
ولم تعر نصحاء الدين واعية
وليت للأشعث الملعون لم تعر
فأصرف أعنتها صوب العراق فقد
سدت عليك ثغور الشام بالبدر
فطالبو الدين قد نابذت عصمتهم
والأمر من طالبي الدنيا على ضرر
فيم الحكومة أخزى الله ناصبها
لم يترك الله هذا الحكم للبشر
ولست في ريبة مما عنيت به
ولا القضاء قياسي على صور
فما قتالك بعد الحكم راضية
وما قتالك من لم يرض بالنهر
قد ارتكبت أبا السبطين في جلل
وفاتك الحزم واستأسرت للحذر
وما قتال ابن صخر بعدما انسكبت
خلافة الله في بلعومه البحر
حكمته في حدود الله ينسفها
نسف العواصف مندوفا من الوبر
بأي أمريك نرضى يا أبا حسن
تحكيم قاسطهم أم قتلة البرر
أم بانقيادك عزما خلف أشعثها
يفري أديمك لا يألو بلا ظفر
أرضعته درة الدنيا فما مصحت
وأنت من دمها ريان في غمر
ما زال ينقب خيل الله مشئمة
فاعرقت صهوات الخيل بالدبر
ألم تقاتله مرتدا فمذ علقت
به البراثن ألقى سلم محتضر
يلقى شراشره مكرا عليك وما
ينضم من حنق الأعلى سعر
أصبحت في أمة أوترت معظمها
بهيمة الله بين الذيب والنمر
تسدد الرأي معصوما فتنقضه
بطانة السوء مركوسا إلى الحفر
تنافرت عنك أوشاب النفاق إلى
دنيا بني عبد شمس نفرة الحمر
محكمين براء من معاوية
ومن علي يا ليت الأخير بري
والقاسطين أبي موسى وصاحبه
عمرو اللعين فتى قطاعة البظر
وقاسطي الشام والراضي حكومتهم
من أهل صفين والراضي على الأثر
ليت الحكومة ما قامت قيامتها
وليتها من أبي السبطين لم تصر
ملعونة جعلتها الشام جنتها
من ذي الفقار وقد أشفت على الخطر
عجت بتحكيم عمرو بعدما حكمت
همدان فيما بحكم البيض والسمر
تبا لها رفعت كيدا مصافحها
ومقتضاهن منبوذ على العفر
مهلا أبا حسن إن التي عرضت
زوراء في الدين كن منها على حذر
ضغائن اللات والعزى رقلن بها
تحت الطليق وعثمانية الأشر
لا تلبسن أبا السبطين مخزية
فذلك الثوب مطوي على غرر
لم تنتقل عبد شمس من نكارتها
دم الكبود على أنيابها القذر
فما صحيفة صفين التي رقمت
إلا صحيفة بين الركن والحجر
نسيت بدرا وأحدا يا أبا حسن
وندوة الكفر ذات المكر والغدر
ويوم جاءك بالأحزاب صخرهم
فاندك بالريح صخر القوم والذعر
وفتح مكة والأعياص كاسفة
وأنت حيدرة الإسلام كالقدر
والقوم ما أسلموا إلا مؤلفة
والرأي في اللات بين السمع والبصر
متى ترى هاشم صدق الطليق بها
وثغرة الجرح بين النحر والفقر
ما لابن هند بثار الدار من عرض
له مرام وليت الدار في سقر
لقد تقاعد عنها وهي محرجة
حتى قضت فقضى ما شاء من وطر
تربص الوغد من عثمان قتلته
فقام ينهق بين الحمر والبقر
ينوح في الشام ثكلى ناشرا لهم
قميص عثمان نوح الورق بالسحر
حتى إذا لف أولاها بآخرها
بشبهة ما تغطى نقرة الظفر
أتاك يقرع ظنبوب الشقاق له
روقان في الكفر من جهل ومن بطر
تعك عك نفاقا خلف خطوته
كأنها ذنب في عجمه الوضر
يدير بين وزيريه سياسته
عمرو وابليس في ورد وفي صدر
وعزك الجد والتوفيق فانصدعت
سياسة الدين صدعا سيء الأثر
قد كنت في وزر ممن فتكت بهم
أحسن عزاءك لست اليوم في وزر
ما ذنب عيبة نصح الدين إذ عصفت
بهم رياحك لا تبقى ولم تذر
بقية الله قد هاضت عظائمهم
عرارة الحرب أو هوان في السحر
اقعصتهم في صلاة لا بواء لهم
هلا مشابرة والقوم في حذر
قد حكموا الله لم يفلل عزيمهم
عن نصرة الله قرع الصارم الذكر
رميت سهمك عن كبداء في كبد
حرى من الذكر والتسبيح والسور
إن القلوب التي ترمي تطير بها
مصاحف الذكر والإيمان لم يطر
ما علقوها على أعناقهم غرضا
فاكفف سهامك واكسرها عن الزبر
أعظمتها يوم أهل الدار ترفعها
واليوم ترمي كرمي العفر والبقر
هانت عليك جباه ظلت ترضخها
لطالما رضختها سجدة السحر
لم تقتل القوم عن سوء بدينهم
وانما الأمر مبني على القدر
قتلتهم بروايات تقيم بها
عذر القتال وليست عذر معتذر
ماذوا الثدية الا خدعة نصبت
للحرب توهم فيها صحة الخبر
وما حديث مروق القوم معتبر
فيهم لمن سلك الإنصاف في النظر
خلصت نفسك بالتحكيم منخدعا
وأنت أولى بها من سائر الفطر
فحكموا الله واختاروك أنت لها
فكان قولهم نوعا من الهذر
وقلت قد مرقوا اذ هم على قدم
صدق من الحق لم يبطر ولم يجر
مضوا به قدما جريا على سنن
للمصطفى وأبي بكر إلى عمر
ما بدل القوم في دار ولا جمل
وهم على العهد ما حالوه بالغير
شفيت نفسك من غيظ بها بدم
من مهجة الدين والإيمان منفجر
دم ابن وهب وحرقوص وحبرهم
زيد ابن حصن خيار الأمة الطهر
دماء عشرين ألفا وقت جمعتهم
وسط الصلاة همت كالوابل الهمر
ليهنك الدم يا منصور قد رجفت
منه السموات والارضون من حذر
لو ان رمحك في حرقوص اشتركت
فيه الخليقة أرادهم إلى سقر
يا فتنة فتكت بالدين حمتها
تذوب من هولها ملمومة الحجر
ما ساءني أن أقول الحق أنهم
قوم قتلتهم بغيا بلا عذر
وانهم أولياء الله حبهم
فرض وبغضهم من أفظع النكر
صلى الإله على أرواحهم وسقى
أجداثهم روحه بالأصل والبكر

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق