قوارير
من فضة قدروها تقديرا
الدكتور منصور
أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لم يسبق
أحد من البشر القرآن الكريم في طرح فكرة تحويل المعادن العاكسة للضوء إلى مواد
شفافة للضوء مع الاحتفاظ بخصائصها المعدنية. فلقد أكد القرآن الكريم أن أكواب الماء
والشراب ستكون في الجنة من الفضة الشفافة وليس من الزجاج وذلك في قوله تعالى "وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ
قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)" الإنسان. وما كان لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
أن يتردد في تبليغ البشر هذه الحقائق التي قد تبدو لهم مستحيلة أو ضربا من الخيال
رغم التكذيب والسخرية التي كان يلاقيها من الكفار مصداقا لقوله تعالى "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ
تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)"
يونس وقوله تعالى "بَلْ عَجِبْتَ
وَيَسْخَرُونَ (12)"
الصافات. وبعد مرور ما يقرب من أربعة عشر قرنا من نزول القرآن الكريم طرحت بعض
أفلام الخيال العلمي كفلم ستار تريك (star
trek) في عام
1986م فكرة استخدام ألمنيوم شفاف للضوء
كنوافذ متينة للمركبات الفضائية. وفي نهاية القرن العشرين بدأ العلماء في مجال علم
المواد (material science) بالبحث الجاد عن تقنيات تمكنهم من تصنيع
مواد معدنية شفافة للضوء لاستخدامها في تطبيقات كثيرة أهمها في نوافذ المركبات
والطائرات العسكرية وفي شاشات اللمس في الهواتف الذكية. ولقد تمكنوا في البداية من
تصنيع نوع من أنواع الألمنيوم الشفاف (Transparent
aluminum) وهو سيراميك
نتريد أكسيد الألمنيوم (Aluminium oxynitride or ALON). وفي عام 2009م تمكن بعض الباحثين من تحويل الألمنيوم الخالص إلى
ألمنيوم شفاف لفترات قصيرة جدا من خلال قذف ذراته بنبضات ليزرعالية الطاقة عملت
على إزالة إلكترون من كل ذرة منتجين بذلك حالة رابعة للمادة. ومع استمرار البحث
وجد العلماء أن معدن الفضة قد يكون المرشح الأقوى كمعدن شفاف للضوء وذلك لامتلاك الفضة
أعلى موصلية للحرارة والكهرباء وكذلك قابليتها العالية للطرق والتشكيل. ولقد تمكن الباحثون في السنوات العشرة الماضية من
تصنيع أشكال مختلفة من الفضة الشفافة تعتبر أفضل الموصلات الشفافة (transparent conductors) والتي تدخل في صناعات الخلايا الشمسية (solar cells) وشاشات
اللمس (touch screen) والشاشات
المرنة (flexible displays) وشاشات السيارات (automotive displays) وغيرها الكثير.
لقد أكدت الآية القرآنية عنوان هذه المقالة على أن تصنيع
أكواب شفافة من الفضة العاكسة للضوء يحتاج إلى تقدير بالغ في تصنيعها (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا).
فلقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يخلق جميع مكونات هذا الكون وفق القوانين والخصائص
التي أودعها سبحانه فيها لكي يتعرف البشر على مدى علم الله عز وجل وقدرته وإبداعه
مصداقا لقوله تعالى "وَخَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)"
الفرقان وقوله تعالى "قُتِلَ
الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ
خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)"
عبس وقوله تعالى "إِنَّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)"
القمر. ولا يوجد خلاف بين أغلب مفسري
القرآن الكريم على أن المقصود بالقوارير في قوله تعالى "قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ" هو الزجاج الشفاف للضوء والذي تصنع منه أكواب الماء والشراب التي يرى
ما في باطنها من ظاهرها. فلقد تم استخدام
الزجاج لصناعة الأكواب قبل نزول القرأن الكريم بزمن طويل وأكد هذا المعنى قوله تعالى "قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً
وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ
قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (44)" النمل.
فلقد كان بلاط الصرح الذي أمرت ملكة سبأ بدخوله مصنوع من الزجاج الشفاف فبدا لها
كأنه بركة من الماء ولذلك قامت برفع أطراف لباسها عندما همت بالمشي خلاله. ولكن
المفسرين أشكل عليهم معنى كلمة (كانت) في قوله تعالى "وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا" وعلى من يعود المفعول به وهو حرف الهاء في جملة قوله تعالى "قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا".
فالفخر الرازي يقول في تفسيره حول معنى
كلمة كانت بأن القوارير قد تكونت بتكوين الله عز وجل لها أي أن الفعل كان في الآية
مشتق من الفعل يكون بينما يقول مفسرون أخرون أن كان هو الفعل الناقص المعروف. أما
حول جملة قوله تعالى "قَدَّرُوهَا
تَقْدِيرًا" فقد قال
بعضهم أن الولدان الذين يسكبون الشراب في الأكواب يقدرون كمية الشراب على حسب حاجة
الشارب لا تزيد ولا تنقص بينما قال آخرون أن الأكواب قد صنعت بحيث يكون حجمها على
قدر حجم يد الشارب. وأرى أن المراد والله أعلم بمراده بجملة "وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا" هو أن
الأصل في الأكواب أن تصنع من الزجاج ولقد كان هذا هو الحال في الحياة الدنيا ولكن
في الآخرة سيتم صناعتها من فضة شفافة. أما الهاء في قوله تعالى "قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا"
فتعود على أكواب الفضه كما يقتضي سياق الجملة وليس كما ذهب إليه المفسرون بأنها
تعود على كمية الشراب أو حجم الكوب.
فإذا
كان تحديد كمية الشراب الذي يصب في الأكواب أو تحديد حجم الأكواب يحتاج لمثل هذا التقدير
البالغ فمن باب أولى أن يحتاج تحويل الفضة العاكسة للضوء إلى فضة شفافة للضوء إلى
مثل هذا التقدير البالغ الذي يرقى لتأكيد الله عز وجل عليه. ومما يدحض ما ذهب إليه
المفسرون من أن حجم الأكواب يقدر بحسب حجم كف الشارب هو أن أهل الجنة سيكونون على طول
وحجم واحد كما أشارت إلى ذلك بعض الأحاديث النبوية. وكذلك ما هي الحكمة المرجوة من
أن يصب في الكوب من شراب بقدر حاجة الشارب وفي الجنة أنهار من ماء وعسل ولبن وخمر ومختلف
أنواع الشراب كما نصت على ذلك الآيات القرآنية. إن تحديد الله عز وجل الفضة بالذات
وليس غيرها من المعادن ليصنع منها أكواب شفافة للضوء هو لإطلاع البشر على مدى علم
الله سبحانه وتعالى وإحاطته بأسرار مخلوقاته في هذا الكون مصداقا لقوله تعالى
"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ
أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)" الطلاق. ولكي تكون حجة الله عز وجل على البشر أبلغ تأثيرا شاء سبحانه أن يكون كشف كثير من أسرار الكون على
أيدي غير المؤمنين بهذا القرآن الكريم وذلك لكي يوقنوا أنه منزل من عنده سبحانه
عندما يطلعوا على الحقائق العلمية المذكورة فيه مصداقا لقوله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)"
فصلت.
إن بحث
العلماء والمهندسون عن معادن شفافة للضوء ليس ترفا فكريا بل لحاجتهم الماسة إليها في كثير من الصناعات الحديثة. ففي الصناعات
العسكرية تحتاج المركبات والطائرات الحربية نوافذ مقاومة للرصاص والمعادن الشفافة
هي الحل الأمثل إن وجدت. وتتطلب بعض
الصناعات وجود طبقة رقيقة من مادة تتصف بخاصيتين وهما أن تكون ذات توصيل جيد
للكهرباء وان تكون كذلك شفافة للضوء أو ما يسمى بالموصلات الشفافة (transparent conductors). ومن هذه
الصناعات الخلايا الشمسية (solar
cells) وشاشات
اللمس (touch screen) في الهواتف والساعات الذكية والحواسيب والشاشات
المرنة (flexible displays) وشاشات السيارات (automotive displays) وغيرها الكثير. إن أكثر
المواد استخداما في هذه الصناعات هي مادة أكسيد القصدير والإنديوم (indium tin oxide) ولكن بسبب
ارتفاع سعر هذه المادة وذلك لندرة عنصر الإنديوم بدأ العلماء البحث عن بدائل أرخص
ثمنا. ولقد اكتشف العلماء حديثا أن أشكال مختلفة من الفضة يمكن أن تكون الموصل
الشفاف المطلوب لهذه الصناعات. كما في رزم
الفضة (silver stacks) أسلاك الفضة النانوية (silver nanowires) وجسيمات الفضة النانوية (silver nanoparticles) ورقائق الفضة المطعمة (Doped Silver Films). ففي رزم
الفضة وجد العلماء أن رقائق الفضة تصبح شفافة للضوء بدرجة عالية إذا قل سمكها عن
ثلاثين نانومتر ومن خلال وضع طبقات من هذه الرقائق الفضية بين طبقات مواد أخرى
شفافة للضوء يمكن تصنيع ألواح بالسماكة المطلوبة للتطبيقات المختلفة. وفي أسلاك
الفضة النانوية يتم تصنيع أسلاك دقيقة جدا بأقطار وأطوال تقاس بالنانومتر ومن ثم
يتم رشها بشكل عشوائي أو مرتب على رقائق بلاستيكية لتصنيع الألواح المطلوبة. وإذا
ما نجحت تقنية الحالة الرابعة التي نجحت في تحويل رقائق من الألمنيوم إلى حالة
الشفافية لفترات قصيرة من الزمن فإنها ستطبق على عناصر أخرى كالفضة التي ثبت
تفوقها على بقية العناصر في الموصلات الشفافة.
يطاف
عليهم بآنية من فضة
ليس جميع المعادن المتوفرة في القشرة الأرضية تصلح
لتصنيع أواني الطعام لأن هذه الأواني تتطلب توفر مواصفات معينة في المعدن المستخدم
لتتم عملية الطبخ بالكفاءة المطلوبة. إن أهم مواصفة من مواصفات آواني الطبخ هي
الموصلية الحرارية (thermal
conductivity) حيث أن
سرعة نقل الحرارة من الموقد إلى الطعام الموجود في داخل الإناء يؤدي إلى توزيع الحرارة
على كامل الإناء وتقليل مدة الطهو وكذلك توفير
كمية الطاقة المستهلكة . وتعتبر الفضة أفضل المعادن على الإطلاق في موصليتها للحرارة (W/(m.K) 428 ) يليها
النحاس (401) ثم الالمنيوم (235) ثم النيكل (91) ثم الحديد (67) ثم الفولاذ
الكربوني (50) ثم الرصاص (35) ثم الفولاذ المقاوم للصدأ (16). أما المواصفة
الثانية فتتعلق بالتفاعلية الكيميائية (chemical reactivity) حيث يتطلب من إناء الطبخ أن لا يتفاعل مع مكونات الطعام المطبوخ
وخاصة تلك التي لها درجة حموضة عالية وإلا سيؤدي التفاعل إلى دخول كميات من معدن
الإناء إلى الطعام والذي قد يكون ساما. وتعتبر الفضة أقل المعادن تفاعلا مع الطعام
يليها الفولاذ المقاوم للصدأ ثم الحديد أما أواني النحاس والألمنيوم والرصاص فإنها
تتفاعل مع المكونات الحامضة في الطعام منتجة مواد ضارة وقد تكون سامة لجسم
الإنسان. وأما المواصفة الثالثة للأواني فهي تتعلق بمقاومتها للصدأ (rust) والتآكل (corrosion) وتعتبر
الفضة والفولاذ المقاوم للصدأ أقل المعادن تآكلا بينما تتعرض معادن الحديد والنحاس والألمنيوم والرصاص لأنواع مختلفة من
التآكل عند تعرضها للهواء والماء. وأما المواصفة الرابعة فهي تحمل الأواني لدرجات الحرارة
العالية قبل أن تطرى ثم تذوب فالنيكل له
أعلى درجة ذوبان (melting point) وتبلغ 1452 درجة مئوية ثم الفولاذ 1371
درجة ثم الحديد 1204 درجة ثم النحاس 1083
درجة ثم الفضة 951 درجة ثم الالمنيوم 659 درجة ثم الرصاص 327 درجة. ويوجد مواصفات
أخرى للمعادن المستخدمة في أواني الطعام كقابلية المعدن للطرق (malleable) واللمعان ( shiny or lustrous) ومقاومة الخدش أو
الصلابة (strength) وخفة الوزن ورخص الثمن.
وتعتبر الفضة أفضل المعادن تحقيقا لمعظم المواصفات
المطلوبة لأواني الطعام ولكن بسبب ارتفاع ثمنها الباهض فإنها لا تستخدم إلا كطلاء
رقيق على سطوح بقية المعادن. وتتميز الفضة على بقية المعادن بخصائص عجيبة عند
استخدامها كآنية للأكل والشرب منها أن البكتيريا لا تعيش على سطحها (Silver is 100% bacteria free) وكذلك مقاومة للفيروسات والفطريات (anti-viral and anti-fungal) وغير سامة (non toxic) وتقوي جهاز المناعة (boost immunity) لدى الإنسان عند دخول كميات قليلة منها للجسم. ولكن بسبب ندرتها
واستخدامها لأغراض الزينة والنقود فقد ورد في الحديث النبوي النهي عن استخدامها هي
والذهب في أواني الأكل والشرب لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا
في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " متفق عليه. ويأتي الفولاذ المقاوم للصدأ في المرتبة الأولى في
صناعة أواني الطعام لتحقيقه كثير من الشروط المطلوبة إلا أن موصليته المتدنية
للحرارة هي أكبر عيوبه ولكن تم التغلب على هذه المشكلة من خلال استخدامه كغلاف (clad) لمعادن ذات
موصلية عالية للحرارة كالألمنيوم. ويستخدم النحاس في كثير من أواني الطهي رغم
ارتفاع ثمنه بسبب موصليته العالية جدا للحرارة ولكن بسبب سميته العالية يتم طلاؤه
بطبقة رقيقة من معادن مختلفة كالقصدير والنيكل والفضة والفولاذ المقاوم للصدأ. أما
الحديد فيستخدم في الأواني التي قد تتعرض لدرجات حرارة عالية وللتغلب على عيبه
الأكبر وهو الصدأ فإنه يلزم تعتيقه بالدهون الحارة (seasoning) لتتكون على سطحه طبقة من الدهن المبلمر الذي
تملأ مسامات الحديد وتمنع تعرض الحديد للهواء والماء المسببة للصدأ.
Staff writers (27 July 2009). "Transparent aluminum is
'new state of matter'". Phys Org. Retrieved 21 January 2012.
https://scienceandtechnologyresearchnews.com/ultrathin-transparent-silver-layers-for-solar-cells/
http://ift.tt/1WC13VQ
Amazing Health Benefits of Drinking Water in Silver
بارك الله فيك يادكتور وزادا علما وفضلا
ردحذفبارك الله فيك دكتور وزادك علما
ردحذفجزاك الله خيرا و وفقك لما يحب و يرضى
ردحذفاللهم انا نسالك علما نافعا و رزقا طيبا عملا متقبلا