2019-10-26

وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم


وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية




          لقد سبق القرآن الكريم البشر في كشف حقيقة أن الفضاء المحيط بالأرض يحتوي على قطع حجرية كثيرة يمكن أن يسقطها الله عز وجل على الأرض عقابا للبشر. بل إنه قد كشف حقيقة علمية بالغة الغرابة وهي الشكل الذي سيبدو عليه سقوط قطعة حجرية ضخمة عند مرورها في الغلاف الجوي واقترابها من سطح الأرض.   فلقد بقي البشر حتى بداية القرن التاسع عشر يجهلون أن الشهب التي يشاهدونها في الليل  ساقطة من السماء هي عبارة عن الضوء الناتج عن احتراق حجارة قادمة من الفضاء الخارجي للأرض. وفي عام  1807م  نشر عالم الكيمياء الأمريكي بنايمين سيليمان مقالة علمية يعتقد فيها أن الشهب قد يكون لها منشأ  كوني  وليس ظاهرة جوية منشأوها  الغلاف الجوي للأرض كظاهرة البرق كما كان هو الاعتقاد السائد.  ولقد قوبلت هذه الفكرة بالسخرية في البداية إلا أن عاصفة الشهب الهائلة التي حدثت في أميركا الشمالية في عام 1833م دفعت العلماء لدراسة ظاهرة الشهب بشكل مستفيض وتأكدوا من حقيقة المنشأ الكوني لها. وباستخدام التلسكوبات الكبيرة تمكن العلماء من اكتشاف قطع حجرية ومعدنية بمختلف الأحجام والأنواع تسبح في مدارات مختلفة في فضاء المجوعة الشمسية ومن أهم هذه المدارات هو ما يسمى بحزام الكويكبات الرئيسي الذي يقع بين مداري المريخ والمشتري. ولقد وجد العلماء أن هذه الحزام يقذف بشكل مستمر بكميات كبيرة من الكويكبات والنيازك نحو الكواكب الداخلية للمجموعة الشمسية حيث تسبح هذه الأجسام في مدارات حول الشمس ويتقاطع بعضها مع مدارات الكواكب ومنها الأرض مما يؤدي لاصطدام هذه الاجسام بها.  


          وفي المقابل نجد أن القرآن الكريم قد أكد في آيات كثيرة وجود حجارة منتشرة في السماء وأن الله عز وجل قادر على إسقاط بعض هذه الحجارة على سكان الأرض كشكل من أشكال العذاب لهم إذا ما انحرفوا عن الطريق القويم الذي رسمه الله عز وجل لهم. ففي قوله تعالى "أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)" سبأ تأكيد على وجود قطع من الصخور والحجارة في السماء قد تكون مصدرا لعذاب أهل الأرض. وتبين آيات أخرى تكذيب الكفار لوجود مثل هذه الحجارة في السماء وطلبوا من أنبيائهم أن يسقط عليهم هذه الحجارة إن كانوا صادقين كما في قوله تعالى "أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)" الإسراء وكذلك قوله تعالى "فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) " الشعراء وقوله تعالى "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)" الأنفال. وأكدت آيات أخرى أن هذه الحجارة قد تسقط على شكل كميات كبيرة من الحصا  كما في قوله تعالى "أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)" الأسراء وقوله تعالى "أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) " الملك. بل أكدت آية أخرى حتمية مرور الأرض في سحابة من الغبار الكوني فيملأ الغلاف الجوي للأرض بالدخان وهي قوله تعالى "فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)" الدخان.


أما الآية عنوان هذه المقالة فتصور الشكل الذي ستبدو فيه مثل هذه القطع الصخرية الكبيرة عند دخولها الغلاف الجوي وهي قوله تعالى "وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)" الطور. إن سقوط قطعة بحجم حبة الرمل تظهر عند دخولها الغلاف الجوي على شكل شهاب عادي يمكن مشاهدته عن بعد مائة كيلومتر وإذا ما زاد حجم القطعة إلى حجم حبة الحمص فإنها تبدو ككرة نارية لها ذيل طويل وهكذا كلما زاد حجم القطعة زاد حجم الشهب والكرات النارية. إن سقوط قطعة صخرية بقطر مئات الأمتار أو عدة كيلومترات حدث نادر الحدوث ولم يشاهد البشر الشكل الذي ستبدو عليه عند دخولها الغلاف الجوي ولكن العلماء قاموا برسم صورة مبدئية لمثل هذا المشهد الرهيب. فمثل هذا الكويكب الضخم عندما يدخل الغلاف الجوي بسرعة قد تصل إلى 200 ألف كيلومتر في الساعة سيبدأ بالإحتراق الشديد مطلقا سحابة كثيفة من الرماد الأسود الذي سيغلف الكويكب ويمتد كذيل طويل وضخم  خلفه. وسيزداد  منظر الكويكب الساقط والمحترق رعبا إذا ما دخل الغلاف الجوي بشكل موازي لسطح الأرض (earth grazing asteroids) حيث سيمكث طويلا في جو الأرض قبل أن يسقط عليها. ولقد صور القرآن الكريم هذا المشهد بشكل واضح ومعبر وهو أن مرور هذه الكويكب  في الغلاف الجوي سيظهر للناس كقطعة من السحاب الركامي ذي اللون البني الغامق ومن الواضح أنه مطابق تمام التطابق لما رسمه العلماء له وكما يظهر في الصور المرفقة. ويؤكد العلماء بأن سقوط كويكب بقطر يزيد عن الكيلومتر على الأرض واقع لا محالة ولكن لا يعلمون متى يحدث ذلك كما أنذر الله عز وجل بذلك البشر وسيعلم البشر حينئذ صدق هذا الإنذار "فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) " الملك






الكويكيبات والنيازك والمذنبات

إن  أكثر ألأجرام السماوية خطرا على الأرض هي تلك الأجرام الصغيرة غير الكواكب التي تسبح ضمن المجموعة الشمسية والتي تم تصنيفها حسب حجمها وتركيبها إلى ثلاثة أنواع وهي الكويكبات (Asteroids) والنيازك (Meteoroids) والمذنبات (Comets). فالكويكبات والنيازك هي أجسام صخرية أو معدنية غير  منتظمة الشكل في الغالب تدور في مدارات محددة حول الشمس. وتتكون الكويكبات والنيازك من مواد صخرية ومعدنية مختلفة وقد صنفها العلماء إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي الصخور السيليكية (silicate) والمعدنية (metallic) والغنية بالكربون (carbon-rich). إن الفرق بين الكويكبات والنيازك هو فقط في حجمها فقد أطلق اسم النيازك على القطع الصخرية الفضائية (space rocks) التي لا يزيد قطرها عن المتر الواحد بينما أطلقوا اسم الكويكبات على تلك التي يزيد قطرها عن المتر. وقد يصل قطر  بعض الكويكبات إلى ألف كيلومتر ولذلك يسمي البعض  الكويكبات التي يزيد قطرها عن مائة كيلومتر  الكواكب الصغيرة (minor planets or planetoids).  ويوجد معظم الكويكبات والنيازك في ما يسمى بحزام الكويكبات الرئيسي (main asteroid belt) الذي يقع مداره بين مداري المريخ والمشتري.  ويوجد في هذا الحزام عشرات الملايين من الكويكبات والنيازك منها ما يقرب من مليوني كويكب يزيد قطرها عن الكيلومتر وأربعة منها يزيد قطرها عن مائة كيلومتر. ويوجد حزام آخر يحتوي على أعداد ضخمة من الكويكبات والنيازك  وهو حزام كيوبر (Kuiper belt)  والذي يقع مداره بعد مدار كوكب نبتون. وتختلف الكويكبات والنيازك الموجودة في هذا الحزام عن تلك في الحزام الرئيسي بأنها تتكون من جليد الماء والميثان والأمونيا ولذلك فإن هذا الحزام هو مصدر معظم المذنبات. ويعتقد أيضا وجود بلايين الكويكبات والنيازك الجليدية في ما يسمى سحابة  أورت (Oort cloud) والتي تقع على حافة النظام الشمسي.



وتوجد الكويكبات والنيازك أيضا ولكن بأعداد أقل في نفس مدارات بعض الكواكب أطلق عليها اسم التروجان (trojan). وتتجمع هذه الأجرام في أماكن محددة في مدار الكوكب  تسمى نقاط لاجرينج (Lagrangian points) وهي نقاط  جذب مستقرة تتساوى عندها جاذبية الشمس وجاذبية الكوكب بحيث تبقى هذه الكويكبات فيها لفترات زمنية طويلة دون أن تنجذب نحو الكوكب المجاور. ونقاط لاجرينج تقع في الغالب على بعد ستين درجة قبل موقع الكوكب وكذلك بعده أي أنه يوجد موقعين للتروجان في مدار الكوكب. إن أكثر كويكبات التروجان موجودة في كوكب المشترى حيث يوجد ما يزيد عن مليون كويكب بقطر أكبر من كيلومتر بينما لا يوجد في مدار الأرض إلا كويكب واحد وتسعة في مدار المريخ واثنين وعشرين في مدار نبتون. ولقد تم اكتشاف التروجان الوحيد للأرض في عام 2010 وقد قدر قطره بثلاثمائة متر وهو على بعد 157 مليون كيلومتر عن الأرض.


أما بقية الكويكبات والنيازك  فتوجد في مدارات بيضاوية الشكل ولذلك فإن مداراتها قد تتقاطع مع مدارات معظم كواكب المجموعة الشمسية ومنها الأرض.  إن منشأ هذه الكويكبات والنيازك هو حزام الكويكبات الرئيسي حيث يؤدي الرنين المداري (orbital resonances) إلى إفلات بعض هذه الأجرام من مدارهذه الحزام  لتتخذ مدار خاص بها حول الشمس. وتسمى الكويكبات التي تتقاطع مداراتها مع مدار الأرض أو تكون قريبة منه  بالكويكبات القريبة من الأرض (Near-Earth asteroids) وهي أكثر الكويكبات والنيازك خطرا على الأرض. وقد تم التعرف على أكثر من عشرين ألف كويكب من هذا النوع منها عشرة آلاف يزيد قطرها عن مائة متر ومنها ألف كويكب يزيد قطرها عن الكيلومتر وأطلق عليها اسم الكويكبات الخطرة المحتملة (potentially hazardous asteroids). وقد تم تقسيم الكويكبات القريبة من الأرض إلى عدة أنواع بعضها يقع كامل مدارها داخل مدار الأرض أو خارجه وبعضها يتقاطع مدارها مع مدار الأرض. إن خطورة هذا النوع من الكويكبات هو أن مداراتها تتغير بشكل مستمر بسبب جاذبية الكواكب الواقعة عليها ولذا فإنها لا بد في نهاية المطاف  من السقوط على أقرب الكواكب إليها.  
 

أما المذنبات فهي أجسام جليدية تتكون في الأغلب من جليد الماء بنسبة كبيرة مع خليط من جليد كثير من الغازات والمواد المتطايرة كأول وثاني أكسيد الكربون والميثان والأمونيا وكذلك كمية كبيرة من الغبار المختلط بالجليد. وتتكون معظم المذنبات من المواد المتطايرة من حزام كيوبر الذي يقع مدارة بعد مدار كوكب نبتون والذي يتكون في الغالب من الكويكبات والنيازك الجليدية.  تسير أغلب المذنبات   في مدارات واسعة بيضاوية الشكل عالية الانحراف المركزي وتميل في الغالب بزاوية كبيرة عن مستوى مدارات كواكب المجموعة الشمسية. وعند اقتراب هذه المذنبات من الشمس فإن بعض  جليدها السطحي يبدأ بالذوبان فتتحرر الغازات والغبار فيه وكذلك تتأين ذرات الغاز بسبب الإشعاعات الشمسية. ونتيجة لضغط الرياح الشمسية على ذرات الغاز والغبار فإنها تندفع بعيدا عن الشمس مكونة  ذيلا طويلا يمتد في السماء مع اتجاه الرياح الشمسية. وعلى هذا فإن المذنب يتكون من النواة الجليدية الصلبة ومن هالة من الغبار والغاز المتبخر من سطح النواة ومن الذيل الطويل المتكون من سيل من الغازات المتأينة والغبار المندفعة بعيدا عن النواة.  ويتراوح قطر نواة المذنب بين عشرات الأمتار وعشرات الكيلومترات بينما قد يصل قطر الهالة إلى عشرات الآلاف من الكيلومتر أي بحجم  الكواكب وربما بحجم الشمس وأما الذيل فقد يمتد إلى مئات الملايين من الكيلومترات. ويقدر العلماء عدد المذنبات في النظام الشمسي  بمئات وربما آلاف الملايين إلا أن عدد التي تم رصدها حتى الآن يقدر بسبعة آلاف مذنب.  وتتراوح مدة دورات المذنبات من عدة سنوات أرضية إلى آلاف السنوات وذلك تبعا للمصدر التي خرجت منه كحزام كيوبر أو سحابة  أورت (Oort cloud) فمذنب هالي المشهور  يكمل دورته كل 76 سنة. إن أخطر المذنبات على الأرض تلك التي تتقاطع مداراتها مع مدار الأرض والتي يقدر عددها بعدة عشرات.


سقوط الكويكبات والنيازك والمذنبات على الأرض

يعيش البشر  على هذه الأرض آمنين مطمئنين منذ آلاف السنين رغم أن هذه الأرض تقع في كون شاسع  يحتوي على مئات البلايين من المجرات والتي يحوي كل منها على مئات البلايين من النجوم وما يتبعها من كواكب وكويكبات ونيازك ومذنبات وغبار كوني. إن هذا الأمان لم يكن ليتم لولا حماية الله عز وجل وحفظه لهذه الأرض وما عليها من كائنات حية وعلى رأسها الإنسان بطرق مختلفة مصداقا لقوله تعالى "وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)" الأنبياء وقوله تعالى "فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)" فصلت. إن أول طرق الحماية التي حمى الله عز وجل بها الأرض هو المسافات الهائلة التي تفصل الأجرام السماوية عن بعضها البعض فأقرب المجرات لمجرتنا هي مجرة المرأة المسلسلة  أو الأندروميدا (Andromeda)  وهي تبعد 2,36 مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 22 بليون بليون كيلومتر. أما أقرب النجوم  لمجموعتنا الشمسية هو النجم ألفا سنتوريا (Alpha Centauri)  4,23 سنة ضوئية أو ما يعادل 40 ألف بليون كيلو متر . وأما الشمس فتبعد عن الأرض حوالي 8 دقائق وثلث ضوئية أو ما يعادل 150 مليون كيلومتر  وأما أقرب الكواكب فهو كوكب الزهرة  ويبعد مداره عن مدار الأرض 40 مليون كيلومتر .  وأما طريقة الحماية الثانية فهي أن  جميع الأجرام السماوية تسير في مسارات أو مدارات محددة  لا تحيد عنها إلا إذا  تعرضت  لاصطدام من جرم  يوازيها حجما فالأقمار تدور حول الكواكب والكواكب تدور حول النجوم والنجوم تدور حول مراكز  المجرات والمجرات تدور حول بعضها أو  مندفعة متباعدة عن بعضها البعض في الفضاء الكوني.


إن الخطر الأكبر على الأرض يأتي من الكويكبات والنيازك والمذنبات وذلك بسبب التغيير المستمر لمدارات هذه الأجرام الصغيرة بسبب صغر حجمها النسبي وتأثرها بجاذبية الشمس والكواكب وكذلك بسبب كثرة أعدادها التي تصل لعشرات الملايين. ويزداد خطر هذه الأجرام عندما تتقاطع مداراتها مع مدار الأرض مما يزيد من احتمالية اصطدامها بالأرض.  إن هذه الأجرام  قد تسبب دمارا كبيرا على سطح الأرض على الرغم من صغر حجمها وذلك بسبب سرعتها الهائلة التي قد تصل إلى مئات الآلاف من الكيلومترات في الساعة. وقد يتسبب نيزك بكتلة لا تتجاوز عدة مئات من الكيلوجرامات دمارا لا يقل عن الدمار الذي يسببه تفجير قنبلة نووية. ومن لطف الله بالبشر أنه حمى الأرض من هذه الأجرام الصغيرة بعدة آليات أهمها وجود عدد كاف من الكواكب الخارجية التي تقوم بجذب النيازك إليها قبل أن تصل إلى الأرض كما يفعل ذلك كوكب المشتري الذي يفوق حجمه حجم الأرض بألف وثلاثمائة مرة  ولذلك فقد أطلق العلماء  عليه اسم صياد النيازك. أما ما تبقى من النيازك الصغيرة التي تفلت من جاذبية الشمس والكواكب الخارجية والداخلية وتصل إلى الأرض فإن الغلاف الجوي يتكفل بحرق معظم كتلتها قبل وصولها إلى سطح الأرض بسبب الاحتكاك الشديد بينها وبين الهواء. 

تصطدم الأرض يوميا بما يقرب من خمسة وعشرين مليون جسم تسبح في الفضاء الخارجي التي تمر الأرض عليه أثناء دورانها حول الشمس. ولحسن الحظ أن معظم هذه الأجسام لاتتجاوز في حجمها حبات الرمل حيث أنها تتألف إما من نيازك ميكروية (micrometeoroids) تطايرات في الفضاء بسبب إصطدامات الكويكبات بالكواكب وإما من المخلفات التي تتركها المذنبات في مساراتها وإما من الغبار الكوني المنتشر بين الكواكب. ولذلك قدر العلماء وزن ما يسقط على الأرض من هذه الملايين من الأجسام الصغيرة بخمسة عشر ألف طن في اليوم الواحد.  إن هذه الأجسام رغم  صغر حجمها إلا أنها تحمل طاقة حركية كبيرة بسبب سرعتها الهائلة التي تتراوح بين 72 و 150 ألف كيلومتر في الساعة مضافا إليها سرعة الأرض التي تبلغ 108 آلاف كيلومتر في الساعة إذا ما حصل الاصطدام وجها لوجه. إن الإصطدام بين هذه الأجسام والأرض يحدث في أعلى الغلاف الجوي على ارتفاعات تتراوح بين 75 و 120 كيلومتر عن سطح الأرض وينتج عنه احتراق هذه الأجسام بالكامل نتيجة الاحتكاك الشديد بينها وبين ذرات مكونات الغلاف الجوي. إن هذا الاحتراق يظهر لمدة ثانية أو أكثر على شكل سهم ضوئي يتحرك باتجاه الأرض بزوايا مختلفة وهو ما يسمى بالشهاب (meteor). ويمكن لأي إنسان مشاهدة هذه الشهب في الليل من أي مكان على سطح الأرض حيث أنها تتكرر في المكان الواحد كل عدة ثواني ضمن أفق المشاهد.  


          إن طول الشهاب ومدة وميضه يعتمد على حجم النيزك الساقط فكلما زاد حجمه كلما زاد طوله ومدة مكوثه في السماء وكذلك اقترابه من سطح الأرض. وإذا ما زاد قطر الجسم الساقط عن الملليمتر الواحد فإن الشهاب يتحول إلى ما يسمى بالكرة النارية (fire ball) أو الشهاب الثاقب (very bright meteor) حيث يظهر الشهاب ككرة نارية يتبعها ذيل ويستمر بالظهور لمدة عشر ثواني.  ويقدر عدد الكرات النارية التي تظهر في جو الأرض بخمسين ألف كرة في اليوم ولكن من النادر مشاهدتها لتوزعها على  أنحاء الكرة الأرضية وفي الليل والنهار. وإذا ما زاد قطر الجسم الساقط عن المتر وحتى 25 متر فإن الشهاب الثاقب أو الكرة النارية تزداد حجما لتظهر كالقمر ثم تنفجر عند اقترابها من سطح الأرض منتجة انفجار هوائي (air blast) وقد أطلق العلماء على هذا النوع من الشهب الشهاب المتفجر (bolide). إن  الأجسام الساقطة التي يقل قطرها عن العشرين مترا غالبا ما تحترق بالكامل في الغلاف الجوي ويسقط من حطامها الشيء القليل إلى سطح الأرض.  وإذا ما تجاوز قطر الجسم عشرين متر فإنه سيتعرض في البداية للاحتراق في الغلاف الجوي العلوي الخفيف وعندما يصل ما تبقى منه للغلاف الجوي السفلي الكثيف فإن سرعته ستقل بشكل سريع  مما يقلل من احتراق المتبقي منه ليسقط على سطح الأرض كحجر نيزكي (meterorite). 


          وتسقط الشهب كذلك على شكل مجموعات من نفس الاتجاه في السماء وتسير بشكل متوازي ولذلك أطلق عليها الزخات الشهبية (meteor showers).  وتحدث هذه الظاهرة نتيجة مرور الأرض على مسارات بعض المذنبات التي تترك بعض الحطام المتبخر منها في هذه المسارات. وعند اصطدام  الأرض بهذا الحطام المكون في الغالب من حبيبات صخرية وجليدية فإنها تخترق الغلاف الجوي بسرعة الأرض البالغة 108 آلاف كيلومتر في الساعة وتحترق مكونة شهبا بعدد هذه الحبيبات وتستمر الزخة إلى أن تتجاوز الأرض مسار المذنب. وتحدث هذه الظاهرة بشكل متكرر في كل عام وفي وقت محدد لكل مذنب من المذنبات التي تمر الأرض على مسارات وهناك عدد كبير من الزخات الشهبية التي تحدث كل عام تم تسميتها باسم البرج التي تنطلق منه هذه الشهب كشهب الأسديات والجباريات والشجاعيات والتواميات والدبيات والثوريات والتنينيات والحوتيات والبرشاويات والقوسيات وغيرها الكثير التي تم تحديد ظهورها بكل دقة خلال العام. 




إن أخطر الأجسام الساقطة على الأرض هي الكويكبات الكبيرة والمذنبات القريبة من الأرض (Near-Earth asteroids and comets) والتي قدر عددها بعشرين ألف منها مائة مذنب والبقية كويكبات. وقد قدر عدد الكويكبات  الخطرة التي يزيد قطرها عن الكيلومتر بتسعمائة كويكب والتي تزيد عن 140 متر بثمانية آلاف كويكب والبقية أكبر من متر واحد.  لقد قام العلماء المهتمين بهذا الشأن بوضع نماذج كثيرة لتحديد احتمالات تعرض الأرض لسقوط الكويكبات عليها فقد قدر أحد هذه النماذج أن جرم بقطر أربعة أمتار قد يسقط على الأرض كل عام وبقطر سبعة أمتار كل خمس سنوات وبقطر ستين متر كل 1300 عام وبقطر كيلومتر واحد كل نصف مليون سنة وبقطر خمسة كيلومترات كل 18 مليون سنة.  


إن الطاقة التي يحملها جسم بقطر أربعة أمتار ويسير بسرعة ستين ألف كيلومتر في الساعة تعادل الطاقة الناتجة من انفجار ثلاثة كيلوطن من التينتي (TNT) وعندما يدخل الغلاف الجوي سيحترق مكونا كرة نارية تنفجر على ارتفاع 40 كيلومتر عن سطح الأرض بطاقة واحد كيلوطن من التينتي. وإذا كان قطره 20 متر فسينفجر على ارتفاع 22 كيلومتر بطاقة 230 كيلوطن وهي تعادل طاقة عشرة قنابل ذرية كتلك التي ألقيت على هورشيما اليابانية وإذا كان قطره 70 متر فسينفجر على ارتفاع ثلاثة كيلومترات ونصف بطاقة 15 ميجاطن.  وعندما يصل قطر الجسم الساقط مائة متر فما فوق  فسينفجر على سطح الأرض بطاقة 4 ميجاطن تاركا فوهه (crator) بقطر كيلومتر تقريبا. وسيكون قطر الفوهه النيزكية ثلاثة كيلومترات إذا كان قطر الجسم 200 متر وستة كيلومترات لجسم بقطر 400 متر وعشرة كيلومترات لجسم بقطر 700 متر ومائة كيلومتر لجسم بقطر خمسة كيلومترات.  لقد تمكن العلماء من التعرف على عدة آلاف من الفوهات النيزكية الناتجة عن سقوط الأجسام الفضائية على سطح الأرض منها 60 فوهة بأقطار تزيد عن مائة كيلومتر حصلت في فترة ال 600 مليون سنة الأخيرة. إن الخطر الناتج عن اصطدام كويكبات بأقطار تزيد عن الكيلومتر بالأرض لا يقتصر أثرها على المنطقة المحيطة بمكان الاصطدام بل يؤثر على جميع الكرة الأرضية حيث تسبب كميات الغبار الهائلة التي تتناثر منه في حجب الشمس عن مساحات هائلة من سطح الأرض لفترات طويلة مسببة هبوط حاد في درجات الحرارة. لقد أدى اصطدام كويكب بقطر يزيد عن عشرة كيلومترات بالأرض قبل 65 مليون سنة بانقراض ثلاثة أرباع الكائنات الحية بما فيها الدينوصورات.