2021-02-18

وحمله وفصاله ثلاثون شهرا

 

وحمله وفصاله ثلاثون شهرا

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 




                لقد كان لقوله عز من قائل "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا" في سورة الأحقاف الأثر الأكبر في درء االطعن في أعراض النساء أو تطليقهن أو حتى قتلهن  بتهمة الزنى بسبب الإعتقاد السائد أن مدة حمل المرأة لا بد وأن تكون تسعة أشهر تزيد أو تنقص قليلا. ولطالما تساءل البعض عن السبب الذي جعل القرآن الكريم يحدد مدة الرضاع بعامين ولم يحدد مدة الحمل بشكل صريح ولكن جمعها مع مدة الرضاع لتكون ثلاثين شهرا. ولو كان القرآن الكريم من تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لقام بتحديد مدة الحمل المعروفة لدى جميع البشر وهي تسعة أشهر وترك تحديد مدة الرضاع التي لم يحددها البشر إلا  في هذا العصر من قبل منظمة الصحة العالمية. ولكن هذه الآية تؤكد على أن من أنزلها مشرع لا حدود لعلمه وحكمته سبحانه وتعالى يعلم تمام العلم أنه لو تم تحديد مدة الحمل بتسعة أشهر لترتب على ذلك مشاكل لا حصر لها بين الأزواج. وتتجلى حكمة المشرع سبحانه وتعالى في أنه قام بتحديد مدة الرضاع وذلك ليتمكن البشر من معرفة أقل مدة للحمل وذلك في قوله تعالى "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)" لقمان. وعند مقارنة الآيتين يتبين أن مدة الحمل هي ستة أشهر وهو حاصل طرح أشهر الرضاع الأربعة والعشرين من مجموع أشهر الرضاع والحمل البالغ ثلاثين شهرا. ولكن بما أن البشر يعلمون تمام العلم أن مدة الحمل الطبيعي هي تسعة أشهر فقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم أن مدة الأشهر الستة للحمل الواردة في الآية هي أقل مدة للحمل وتيقنوا أنه يمكن للمرأة أن تضع حملها في أقل من تسعة أشهر بدون أي شبهة.



        ولمقارنة هذه الحقيقة العلمية التي أوردها القرآن الكريم حول أقل مدة للحمل مع ما اكتشفه العلم الحديث فإنا نحتاج لمعرفة الطريقة التي يتم بها تحديد بداية الحمل وبالتالي تحديد مدة الحمل. ويوجد ثلاثة طرق رئيسية لتحديد بداية الحمل ففي الطريقة الأولى وهي تقريبية يتم حساب مدة الحمل أو العمر الحملي (gestation age) ابتداءا من اليوم الأول لآخر دورة شهرية للمرأة (the first day of the woman’s last period) وتبلغ مدة الحمل فيها أربعين أسبوعا (280 يوم) أو ما يعادل تسعة أشهر قمرية ونصف الشهر. أما الطريقة الثانية فهي المبنية على الإباضة (ovulation-based length of gestation) والتي تعطي مدة الحمل الحقيقي أو العمر الجنيني (fetal age) وفيها يتم حساب مدة الحمل ابتداءا من خروج بويضة المرأة من المبيض والتي يجب أن تلقح من الحيوان المنوي داخل قناة فالوب خلال يوم من خروجها ليتم بذلك الحمل (conception). وتبلغ مدة الحمل الطبيعي في هذه الطريقة 38 أسبوعا (266 يوم) أو ما يعادل تسعة أشهر قمرية تماما حيث أن متوسط طول الشهر القمري 29,53 يوما وهي تقل عن الطريقة الأولى بأسبوعين حيث أن البويضة تخرج من المبيض بعد 14 يوما من بدء الدورة الشهرية. أما الطريقة الثالثة فهي المبنية على التعلق أو الانغراس (Implantation-based length of gestation) وفيها يتم حساب مدة الحمل ابتداءا من انغراس البويضة الملقحة في جدار الرحم. وتبلغ مدة الحمل الطبيعي في هذه الطريقة 258 يوما وهي أقل بثمانية أو تسعة أيام عن الطريقة المبنية على الإباضه وهي المدة التي تستغرقها البويضة الملقحة للنزول من قناة فالوب حتى تتعلق بجدار الرحم.

        إن الستة أشهر التي ذكرها القرآن الكريم كأقل مدة للحمل مقاسة حسب رأيي على أساس العد المبني على الإباضة (ovulation-based length of gestation) وفيها تكون مدة الحمل الطبيعي تسعة أشهر قمرية. والدليل على هذا أن القرآن الكريم اعتبر مرحلة النطفة وهي البويضة الملقحة إحدى مراحل خلق الإنسان في أكثر من آية قرآنية كما في قوله تعالى "هَوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)" غافر. وبما أن استخدام الأسابيع أو الأيام لوصف المراحل التي يمر بها خلق الطفل أكثر دقة من الأشهر فإن الستة أشهر القمرية التي تمثل أقل مدة للحمل تساوي 177 يوما أو 25 أسبوع ويومين. وبما أن معظم الدراسات المتعلقة بالحمل تستخدم العمر الحملي فإن الستة أشهر القمرية التي حددها القرآن الكريم لأقل مدة حمل  تناظر 27 أسبوعا ويومين باستخدام العمر الحملي. صنف الأطباء الولادة التي تتم بعمر حملي أقل من 37 أسبوعا على أنها ولادة مبكرة أو غير ناضجة (premature or preterm birth) ويحتاجون لعناية خاصة في المستشفيات أو  في البيوت حتى يبقوا على قيد الحياة. وتم تصنيف الولادة المبكرة إلى ثلاثة أنواع وهي الولادة المبكرة المعتدلة (moderate preterm) ما بين 32 و37 أسبوعا والولادة المبكرة البالغة (very preterm)  بين 28 و 32 أسبوعا والولادة المبكرة المفرطة (extremely preterm) بين 23 و 28 أسبوعا. ولقد وجد الأطباء أن فرصة نجاة الأطفال في الولادة المبكرة المفرطة قليلة جدا وتحتاج لعناية شديدة باستخدام أجهزة حضانة معقدة وغالبا ما يعاني الأطفال الناجين من مشاكل مرضية عديدة بسبب عدم اكتمال نمو بعض أجهزة الجسم وخاصة الجهاز التنفسي. أما في الولادة المبكرة البالغة فإن نسبة نجاة الأطفال تزيد عن تسعين بالمائة وفي الغالب لا يعاني الأطفال الناجين من مشاكل مرضية جوهرية وكذلك الحال مع الولادة المبكرة المعتدلة التي تزيد نسبة النجاة عن 95 بالمائة. ويتضح لنا من هذه التصنيفات أن تحديد القرآن الكريم ستة أشهر لأقل مدة للحمل جاء متطابقا بشكل كبير مع ما حدده الأطباء للعمر الحملي الأقل للولادة المبكرة التي تكون فرص نجاة المواليد فيها عالية. 



إن طريقة احتساب أقل مدة للحمل تحتاج لتحديدها معرفة المراحل التي تمر بها بويضة المرأة خلال الدورة الشهرية وكذلك الجنين خلال الحمل. وتبدأ  الدورة الشهرية (menstrual cycle) والتي تمتد على مدى 28 يوما في المتوسط عندما تقوم الغدة النخامية بإفراز الهرمون المحفز للحويصلات بكميات كبيرة فيعمل على تحفيز مجموعة من الحويصلات الأولية (Ovarian follicles) الموجودة في مبايض المرأة على النمو.  وبعد مرور ستة أيام تكون إحدى هذه الحويصلات قد نمت بشكل أسرع من البقية فتقوم بإفراز هرمون الأستروجين () الذي يثبط نمو بقية الحويصلات والتي تبدأ بالتقلص تدريجيا ثم تموت بينما تستمر الحويصلة الكبرى في النمو.  ومن ثم تبدأ هذه الحويصلة بالتحول إلى ما يسمى جراب أو حويصلة دوغراف Follicle of De Graaft) ) حيث تتكاثر فيه الخلايا  المحببة (Granulosa) وتفرز سائلا يدعى  السائل الجريبي. ويتم دفع البويضة الاولية إلى أحد جوانب الجراب والذي يتحول بدوره إلى منطقة شفافة (zona pellucid) مغطاة بخلايا محببه تدعى الاكليل  الشعاعي  (corona radiate). ويبطن الجدار الداخلي لجراب دوغراف  أيضا خلايا محببة ولذا يسمى الغشاء المحبب  (Membrane Granulosa ) بينما تتطور الخلايا خارج هذا الغشاء المحبب لتشكل طبقة تدعى  الغلاف الداخلي ( Theca Interna)  وهو الذي يقوم بإفراز الهرمونات الأنثوية. وبعد ذلك تبدأ البويضة الأولية بالانقسامات الاختزالية التي شرحناها آنفا لتنتج الطليعة البويضية والتي تبدأ بالنمو لتتحول إلى بويضة ناضجة ينشق جراب دوغراف عنها من جهة منطقة الاكليل الشعاعي لتخرج من سطح المبيض في اليوم الرابع عشر من بداية الدورة. وتقوم الأهداب المحيطة برأس قناة فالوب بسحب هذه البويضة إلى داخل القناة لتكمل رحلتها خلالها نحو الرحم.


وبعد حدوث عملية الإباضة (ovulation) يتقلص جراب دوغراف وتتحول الخلايا المحببة التي في  داخله إلى خلايا أصفرية Luteal cells))  بينما يتحول الغلاف الداخلي إلى خلايا الغلاف الأصفري (Theca Lutein Cells) وبهذا يتحول الجراب إلى ما يسمى الجسم الاصفر (corpus luteum) ليقوم بعملية افراز الهرمونات الأنثوية كهرمون الاوستروجين والبروجسترون. ويتزامن مع عملية الإباضة عملية نمو لبطانة الرحم تحت تأثير هرمون الأستروجين فتزداد في داخلها الأوعية الدموية والخلايا الإفرازية فيزداد سمكها تدريجيا وتبدأ هذه الدورة الرحمية مع بداية الدورة البيضية وتصل إلى أقصى سماكة لها في اليوم الرابع عشر أيضا. إن عملية تلقيح البويضة من قبل الحيوانات المنوية يتم في الثلث العلوي من قناة فالوب والذي لا يتجاوز فترة مرور البويضة فيه 24 ساعة. وإذا لم تنجح عملية تلقيح البويضة فإن الجسم الاصفر يبدأ بالضمور ويتحول بعد عشرة أيام أي في اليوم الرابع والعشرين من الدورة إلى ما يسمى بـالجسم الابيض (corpus albicans) وهو عبارة عن ندبة ميتة تظهر على سطح المبيض. وبتوقف الجسم الأصفر عن إفراز الهرمونات الأنثوية تبدأ الأوعية الدموية المغذية لبطانة الرحم بالتقلص فيقل إمداد خلاياه بالدم فيبدأ بالتساقط والانفصال عن جدار الرحم لتخرج على شكل دم من المهبل وهو ما يسمى بدم الطمث أو الحيض (Mensis) والذي يستمر لمدة أربعة أيام أي أنها تنتهي مع نهاية اليوم الثامن والعشرين منذ بدء الدورة لتبدأ بعدها دورة جديدة. أما إذا حدث التلقيح فإن الجسم الاصفر يستمر في النمو ليبلغ حجمه 3 سم مكعب ويستمر في افراز هرمون البروجستيرون حتى الشهر الثالث من الحمل إلى أن تتكون المشيمة في الرحم والتي تأخذ دور إفراز هذا الهرمون عن الجسم الأصفر. ويعمل هرمون البروجستيرون على الحفاظ على بطانة الرحم لحين يتم تعلق البويضة المخصبة بها وكذلك يعمل على تثبيط عمل الهرمون المحفز للحويصلات حتى لا ينتج المبيض بويضات ناضجة جديدة طوال فترة الحمل وحتى أثناء فترة الرضاعة.



والبويضة جسم كروي الشكل  يتراوح  قطرها بين 120 و 200 ميكرومتر ويمكن رؤيتها بالعين المجردة. وتتكون البويضة من غشاء سميك وشفاف يسمى (zona pellucida) ومن المح (yolk or oöplasm) والذي يتكون من السيتوبلازم العادي (cytoplasm) الموجود في جميع الخلايا ومن السيتوبلازم المغذي (deutoplasm) والذي يوجد فقط في الخلايا البيضية.  وفي مركز البويضة توجد نواة كبيرة (nucleus)  تختلف في تركيبها عن أنوية الخلايا العادية ولذلك تسمى الحويصلة الجرثومية (Germinal Vesicle) حيث تحتوي على نصف عدد الكروموسومات إلى جانب أن نويتها (nucleolus) محددة بشكل واضح وتسمى البقعة الجرثومية (germinal spot).  ويوجد على السطح الداخلي لغشاء البويضة حبيبات صغيرة تلعب دورا مهما في مساعدة الحيوان المنوي على اختراق البويضة تسمى  الحبيبات القشرية (cortical granules). ويحيط بغشاء البويضة ثلاثة طبقات من الخلايا مرتبة بحيث تبرز كالأشعة من سطح البويضة ولذلك تسمى الاكليل الشعاعي (corona radiata). إن عملية إنتاج البيوض عملية أكثر تعقيدا وأدق توقيتا من إنتاج الحيوانات المنوية فبينما تنتج الخصيتان الحيوانات المنوية بشكل مستمر وبأعداد لا حصر لها فإن المبيضين لا ينتجان معا إلا بيضة واحدة في كل شهر تقريبا ويتزامن مع إنتاج هذه البويضة نمو لبطانة الرحم لكي تستقبل هذه البويضة إذا ما تم تلقيحها من قبل الحيوان المنوي. إن الهرمونات المحفزة للمبيضين هي نفس الهرمونات المستخدمة لتحفيز الخصيتين والتي تفرز من الغدة النخامية (pituitary) وهما الهرمون المحفز للحويصلات (Follicle-stimulating hormone (FSH)) والذي يحفز المبيضين على إنضاج بويضة واحدة ودفعها إلى الرحم والهرمون الأصفري (Luteinizing Harmone (LH)) والذي يحفز المبيضين على إنتاج الهرمونات الأنثوية. وكذلك فإن الغدة النخامية لا يمكنها أن تنتج هذين الهرمونين إلا من خلال هرمون عصبي  يأتيها من غدة الوطاء أو الهيبوثالاموس (Hypothalamus) وهو الهرمون المفرز للجونادوتروبين (Gonadotropin-releasing hormone (GnRH)).




وأما الحمل (Pregnancy) فهو المرحلة التي يتم خلالها تلقيح البويضة من قبل الحيوان المنوي (Fertilization) ليبدأ بعدها تحول البويضة الملقحة (fertilized egg or zygote) إلى جنين كامل داخل رحم الأنثى في مدة تبلغ 266 يوما أو ما يعادل تسعة أاشهر قمرية في المتوسط. وفي  خلال فترة الحمل تقوم البويضة المخصبة والخلايا الناتجة عنها من خلال الانقسام المحكوم  بأوامر تصدر من البرامج المخزنة على الأشرطة الوراثية بتصنيع جميع أجهزة الجسم المختلفة لتكون جاهزة للعمل بشكل كامل مع انتهاء فترة الحمل وخروج الجنين سالما من رحم أمه. ويبدأ الحمل (conception) في منتصف الدورة الشهرية (menstrual periods) وذلك عندما تقوم المبايض بعملية الإباضة (ovulation) حيث تخرج من سطحه بويضة ناضجة تدخل في قناة فالوب متجهة نحو الرحم. إن عملية تلقيح البويضة من قبل الحيوانات المنوية يتم في الثلث العلوي من قناة فالوب والذي لا يتجاوز فترة مرور البويضة فيه 24 ساعة. وقد تم تقسيم الحمل إلى ثلاث مراحل رئيسية وهي مرحلة النطفة الأمشاج (zygote  period) ومرحلة المضغة (embryonic period) والمرحلة الجنينية (fetal period). ولقد حدد القرآن الكريم  هذه المراحل بشكل دقيق في قوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)" المؤمنون.



فمرحلة النطفة الأمشاج (zygote or Germinal period) تمتد من لحظة الإخصاب أو التلقيح إلى أن تنغرس النطفة في بطانة الرحم بعد مرور ما معدله تسعة أيام. والنطفة الأمشاج هي البويضة الملقحة الناتجة عن اتحاد كرموسومات البويضة وكروموسومات الحيوان المنوي وهي المقصود في قوله تعالى "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)" الإنسان.  وتقوم البويضة المخصبة خلال سيرها في قناة فالوب بعدد من الانقسامات لتنتج ما متوسط مجموعه 36 خلية من الخلايا المتشابه تظهر على شكل كتلة كروية تسمى التوتة (morula) لها نفس حجم البويضة الأصلية وتتغذى خلال هذه الفترة على ما في  مح البويضة الأصلية من مواد غذائية. ومن ثم يقوم قسم من هذه الخلايا بالاصطفاف لتكوين جدار بسمك خليتين يسمى الأريمة الغاذية (trophoblast) بحيث تصبح التوتة على شكل الكرة المفرغة وتحتوي على سائل يتخلله كتلة صغيرة من الخلايا الجذعية (embryonic stem cells) ويسمى الناتج بالكيس الأريمي (blastocyst).  وفي نهاية الأسبوع الأول تكون الأريمة قد نزلت من قناة فالوب إلى الرحم والذي قد أعد مسبقا لاستقبال هذه الأريمة وتبدأ بالتخلص من الجدار الشفاف الذي كان يحيط بالبويضة بما يشبه عملية التفقيس ولذا تسمى الأريمة المفقسة (hatched blastocyst) ومن ثم تبدأ بمحاولات الدخول في ثنايا طيات بطانة الرحم في الثلث العلوي منه وهو غني بالغدد والأوعية الدموية.



وإذا ما تمكنت الأريمة من التعلق أو الانغراس (implantation) بهذا البطانة ضمن فترة زمنية محددة فإنها تكون قد نجت من الموت جوعا وتبدأ باستمداد غذائها من البطانة من خلال عملية الانتشار (diffusion) وهذه هي بداية الحمل المبني على الإنغراس أو التعلق (Implantation-based length of gestationl).  وقد أطلق القرآن الكريم على هذه الأريمة المتعلقة ببطانة الرحم اسم العلقة والتي ذكرها القرآن الكريم في أكثر من آية كما في قوله تعالى "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)" القيامة. وفي هذه المرحلة يتوالى انقسام الخلايا والتي تبدأ بالتخصص فتقوم  الأريمة الغاذية (trophoblast) بتصنيع المشيمة (placenta) والحبل السري (umbilical cord) والتي ستمد الجنين بما يحتاجه من غذاء طوال فترة الحمل وكذلك تصنيع الأغشية المغلفة للجنين (extra-embryonic membranes) والذي يسمى الكيس الأمنيوني (amniotic sac) وما فيه من السائل الأمنيوني (amniotic fluid). ويتكون الكيس الأمنيوني  (amniotic sac) من غشائين شفافين رقيقين ومتينين يعمل بما فيه من سائل على حماية الجنين من الصدمات التي قد يتعرض لها جسم الأم إلى جانب وظائف أخرى.  أما الخلايا الجذعية الموجودة في داخل الكيس الأريمي فستقوم كل واحدة منها بتصنيع أحد أجهزة الجنين (embryo) وذلك حسب البرنامج الموجود في شريطها الوراثي. وفي نهاية هذه المرحلة تتشكل العلقة لتصبح على شكل قرص مفلطح مستطيل مكون من طبقتين من الخلايا (bilaminar (two-layered) disc)  يظهر في منتصفها ثلم بدائي (primitive streak) ينصفه إلي نصفين متماثلين ويسمى خط التماثل. 



 والمشيمة (placenta) قرص لحمي مستدير مثبت على جدار الرحم الداخلي عند الجهة الظهرية ويصل  متوسط قطرها في نهاية الحمل إلى 22 سم بينما يبلغ متوسط سمكها عند المنتصف 2 سم وعند الأطراف نصف سنتيمتر أما متوسط وزنها فيبلغ 500 غرام. ومن خلال المشيمة يتم تزويد الجنين بالغذاء والأكسجين من دم الأم ونقل مخلفات الأيض وثاني أكسيد الكربون من جسمه إلى دم الأم أيضا. ويتم ذلك من خلال شريانين إثنيين ووريد واحد موجودان في الحبل السري (umbilical cord) الذي يرتبط أحد أطرافه بالمشيمة عند منتصفها بينما يرتبط الطرف الآخر بجسم الجنين عند منطقة السرة في منتصف البطن ويبلغ طوله عند نهاية الحمل ما يقرب من 60 سم وقطره 2 سم.  وتقوم المشيمة بوظائف أخرى بالغة الأهمية منها منع الجهاز المناعي للأم من رفض الجنين والمشيمة باعتبارهما أجساما غريبة عنها وذلك من خلال إفراز أنواع معينة من المركبات كالنيركاينين (Neurokinin ). وتعمل كذلك على تحويل نوع الدم حيث أن نوع دم الجنين قد يختاف في الأغلب عن نوع دم أمه. وتعمل المشيمة أيضا كمخزن للدم النقي المزود بالغذاء لتزويد الجنين به إذا ما حصل تذبذب في كميات الغذاء في دم الأم. وتقوم  المشيمة كذلك بإفراز عدد من الهرمونات الأنثوية كهرمون (Human Chorionic Gonadotropin (hCG)) الذي يعمل على الحفاظ على بطانة الرحم من الانفصال عن جداره  وهرمون (Human Placental Lactogen (hPL) الذي يعمل على إدرار الحليب من ثدي الأم عند اقتراب موعد الولادة وكذلك تسريع النمو وهرمون البروجسترون (Progesterone) الذي يعمل على الحفاظ على بطانة الرحم طوال فترة الحمل.



أما المرحلة الثانية فهي مرحلة المضغة (embryonic period) وتمتد من بداية الاسبوع الثالث الى نهاية الاسبوع الثامن وفيها تبدأ عملية التمضغ (Gastrulation) حيث يتحول القرص إلى قرص بثلاثة طبقات من الخلايا (trilaminar (three-layered) disc) تمثل الطبقات الجرثومية الثلاث. فالطبقة الداخلية (endoderm) ينشأ منها الأعضاء الداخلية كالجهاز الهضمي والتنفسي والدوري والبولي والتناسلي  والطبقة الخارجية (ectoderm) والتي ينشأ منها الجلد والجهاز االعصبي والطبقة الوسطى (mesoderm) والتي ينشأ منها العظام والعضلات. ففي الأسبوع الثالث يظهر الحبل الظهري (notochord) في منتصف القرص كبداية للعمود الفقري ثم يظهر ثلم فوق هذا الحبل بسمى الثلم العصبي (neural groove) كبداية للحبل الشوكي (spinal chord) مع وجود انتفاخ في أحد أطرافه لتكون بداية  تكون الرأس وما فيه من نواة عصبية ثم تظهر سلسلة من الانتفاخات على جانبي الحبل تمثل الفقرات وتسمى  (somite or primitive segment) ومع نهاية هذا الأسبوع يكون طول المضغة 4 ملليمتر. وفي الأسبوع الرابع يبدأ القلب بالتكون كانتفاخ في الجزء العلوي من المضغة وتبرز براعم اليدين وتظهر فتحتي الأذنين كنقطتين على جانبي الرأس ويظهر العصعص كالذنب وتظهر آثار لمعظم مكونات الجسم الداخلية ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 9 ملليمتر. وفي الأسبوع الخامس يبدأ الدماغ بالتكون وتظهر فتحات العيون والأنف والفم كنقاط على السطح وتبدأ الأرجل بالتبرعم وتبدأ الأوعية الدموية البدائية بالظهور مع سريان ما يشبه الدم فيها ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 13 ملليمتر. وفي الأسبوع السادس تبدأ الرئتان بالتشكل وتصبح الأيدي والأرجل البدائية ظاهرة وتبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية والنظام الليمفاوي بالتكون ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 18 ملليمتر.  وفي الأسبوع السابع والثامن من مرحلة المضغة تكون معظم أجهزة الجسم قد بدأت بالتكون بشكل بدائي وتبدأ فيه بصيلات الشعر بالتكون وفيه يبدأ القلب بالنبض وينمو الرأس بشكل أسرع من بقية الجسم ليصبح حجمه نصف حجم الجسم وتبدأ عظام الجمجمة بالتصلب (ossification) ومع نهاية الأسبوع الثامن يكون طول المضغة 3 سم ووزنها 5 غرامات.



إن مرحلة المضغة تعتبر من أخطر مراحل الحمل ففيها يتم تخليق جميع أجهزة الجسم وإذا ما حصلت أخطاء تخليقية جذرية فيها فإن المضغة غير المخلقة تقوم من خلال آليات معقدة بإسقاط نفسها (miscarriage) لتقليل نسبة المواليد المشوهة جسديا. ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة العجيبة (مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) ليبين لنا مدى علم الله عز وجل وقدرته ولطفه بمخلوقاته وذلك في قوله عز من قائل "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)" الأنبياء.



أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة الجنينية (fetal period) وتمتد من بداية الاسبوع التاسع الى نهاية الاسبوع الثامن والثلاثين أو من بداية الشهر الثالث إلى نهاية الشهر التاسع وهي نهاية الحمل. ففي الشهر الثالث يبدأ الجسم بالنمو بشكل متسارع ويقل حجم الرأس بالنسبة لبقية الجسم ليظهر الجنين بشكله الآدمي وتبدأ قاعدة الأظافر بالتشكل وتنمو أعضاء الجسم الحيوية كالجهاز الدوري والجهاز البولي والكبد بشكل أسرع من غيرها وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 6 سم ووزنه 15 غم. وفي الشهر الرابع تكون المشيمة قد تطورت تماما وتكون معظم أجهزة الجسم قد اكتمل تخليقها وتظهر الأصابع  بوضوح وتتكون كذلك فروة الرأس وفي نهاية الشهر يبلغ طول الجنين 18 سم ووزنه 120 غرام. وخلال الشهر الخامس  يبدأ شعر  الزغب بالنمو على جميع أنحاء جسمه ويظهر شعر الرأس والحواجب والرموش بلون أبيض ويمكن سماع دقات قلبه وتبدأ عملية تجدد الخلايا أو ما يسمى بالأيض الجنيني وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 25 سم ووزنه 300 غرام. وفي الشهر السادس يكون جلد الجنين رقيقا وناعما وتبدأ الجفون بالانفصال وتظهر بصمات أصابعه وفي نهاية الشهر يبلغ وزنه 32 سم ووزنه 750 غرام. وفي الشهر السابع يبدأ الدماغ بالتحكم بالأعضاء ويتكون الشحم تحت الجلد ويكون الجلد متغضنا وشفافا ووردي اللون وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 37 سم ووزنه 1000 غرام ويمكن للجنين أن يعيش إذا ما ولد ولكن تحت العناية المركزة بسبب عدم اكتمال نمو الرئتين تماما. وفي الشهر الثامن تبدأ أدمة الجلد بالتطور وتختفي تجاعيده ويتسارع تطور الدماغ بحيث يمكن للجنين أن يسمع ويرى وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 40 سم وزنه 1800 غرام. وفي الشهر التاسع يكتمل تطور الرئتين وينمو الشعر بشكل أسرع وفي نهاية الشهر يبلغ طول الجنين 50 سم ووزنه 3 كيلوغرام وهو جاهز للولادة.  لقد وصف القرآن الكريم  هذه الرحلة المعقدة والعجيبة في آيات كثيرة كما في قوله تعالى "هَوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)" غافر وقوله تعالى "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)" الزمر. والظلمات الثلاث التي ذكرت في الآية الأخيرة هي ظلمة جدار البطن وظلمة جدار الرحم ومن ثم ظلمة جدار الكيس الأمنيوني وسواء أكان البشر يعرفون هذه الحقائق في عصر نزول القرآن أم لا فإن مجرد لفت أنظار البشر للتفكر في هذه المعجزة كافية للتدليل على أن الذي أنزل هذا القرآن عليم خبير.



المراجع

كتاب (إبداع الرحمن في جسم الإنسان ) الدكتور منصور أبوشريعة العبادي

http://jamalon.com/ar/catalog/product/view/id/18928175

2021-02-09

أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت

 

أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية


 

        لقد إزداد اهتمام العلماء حديثا في مختلف تخصصات الأحياء والطب البيطري والطب البشري بدراسة الخصائص البيولوجية والفسيولوجية العجيبة للإبل التي مكنتها من تحمل الجوع والعطش لما يزيد عن عشرة أيام في الصحاري القاحلة ولما في ألبانها من شفاء لكثير من الأمراض. ولقد قال أحد الباحثين حول هذا الموضوع ما نصه (إن قدرة الإبل على العيش تحت الظروف الصحراوية والبقاء في البيئة الصحراوية بالغة القساوة  يعود لخصائصها البيولوجية والفسيولوجية الفريدة) ( The capacity of the dromedary to live under desert conditions and to survive in the incredibly hard environment of the Sahara is due to its biological and physiological particularities). ولقد تم إجراء كثير من الدراسات والتجارب على أجسام الإبل وكذلك تم نشر آلاف الأبحاث العلمية كشفت أسرار عجيبة في الأجهزة المختلفة لأجسام الأبل لا توجد في بقية الحيوانات الثديية. ومن هذا الأسرار التي سنشرحا لاحقا هو أن درجة حرارة جسم الجمل تتغير على مدى سبعة درجات مئوية مقابل درجتين في بقية الحيوانات. ويوجد في معدة الجمل أكياس مائية تتسع لثلاثين لتر من الماء الصافي يخزنها الجمل لحين الحاجة إليها عند شح الماء.  ووجد العلماء أن كمية الدم فيها تزيد بمرة ونصف لكل كيلوغرام من وزنها عن بقية الحيوانات وأن كريات الدم الحمراء فيها لها شكل بيضاوي بدل الشكل الكروي الموجود في بقية الثدييات. ووجدوا كذلك أن تركيز البول فيها يزيد عن تركيز ماء البحر المالح  مما يمكنها من شربه عند الحاجة وأن كمية البول المخرج بحدود لتر واحد في اليوم مقابل عشرات اللترات في الأبقار. ومن أسرار أجسام الإبل أنها قادرة على تكثيف ماء الزفير في أنوفها وأن مستوى السكر واليوريا في الدم قد يزيد بعدة أضعاف دون أن تتسمم وأن أجسامها تحتوي على أجسام مضادة نانوية لا توجد في غيرها من الحيوانات.  ولقد اكتشف الباحثون أيضا  فوائد غذائية وعلاجية فريدة في حليب الإبل وتم نشر أبحاثهم في مجلات علمية مرموقة فجاء ذلك تصديقا للأحاديث النبوية الشريفة التي أشارت لهذا الأمر.


        لقد أشار القرآن الكريم إلى وجود معجزات خلقية في أجسام الإبل ودعا البشر إلى التفكر فيها ليوقنوا بوجود خالق حكيم خبير يقف وراء خلقها القائل عز من قائل "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"  الغاشية. ويتضح من نص الآية أن الأمر للنظر إلى الإبل هو التفكر في كيفية خلق مكونات أجسامها وليس فقط  في شكلها الخارجي. إن هذه الدعوة للتفكر في خلق الإبل من بين كل الحيوانات لا يمكن أن تصدر إلا عن من خلقها سبحانه وتعالى وقام سبحانه بإجراء هذه التعديلات في أجهزة أجسامها لتتحمل العيش في المناطق الصحراوية القاحلة والحارة. وتعد الإبل الوسيلة الأولى لنقل الأحمال لمسافات طويلة وخاصة في المناطق الصحراوية وهي من الأنعام المستخدمة للركوب والتحميل التي ذكرت في قوله تعالى "وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)" النحل. وتعد الإبل من أكثر الأنعام فائدة للبشر حيث لا يقتصر دورها على الركوب والتحميل بل يستفاد من لحومها وألبانها وأوبارها وجلودها كما جاء في قوله تعالى "وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)" المؤمنون وقوله تعالى "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)" النحل.



تنتمي الإبل أو الجمال إلى فصيلة الجمليات (Camelus) والتي تتكون من الجمال الحقيقية (true camels) وموطنها جزيرة العرب والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأشباه الجمال وهي اللاما (llama) والألبكة (alpaca) والغوناق (guanaco) والفيكونيا (vicuña) وموطنها أمريكا الجنوبية. ويوجد ثلاثة أنواع رئيسية من الجمال الحقيقية وهي الجمل ذو السنام الواحد (one-humped dromedary) أو الجمال العربية (Arabian camels)  وتشكل أكثر من أربعة وتسعين بالمائة من الجمال والجمل ذو السنامين (two-humped Bactrian camel) والجمل البري ( Wild Bactrian camel ). والإبل من رتبة ذوات الظلف أو شفعيات الأصابع (even-toed) حيث تتكون أقدامها من إصبعين فقط وهما الثالث والرابع بينما ضمرت بقية الأصابع الخمس. وتتميز الإبل عن بقية الثدييات (mammals) بوجود السنام (hump) المكون من الشحوم الخالصة والذي يلعب دورا كبيرا في تحملها للجوع والعطش. والإبل من الحيوانات المستأنسة (domesticated) وتعد من الأنعام ( livestock) التي يستخدمها البشر وخاصة سكان المناطق الصحراوية القاحلة للركوب وحمل الأثقال وكذلك لأكل لحومها وشرب ألبانها والإستفادة من أوبارها وجلودها. ويطلق اسم الجمل وجمعها جمال أو البعير وجمعها البعران والأبعر والبعارين على ذكور الإبل واسم الناقة وجمعها نوق على إناثها بينما يطلق على صغارها أسماء متعددة حسب عمرها كالحوار والقعود وغير ذلك.  



        تتميز الإبل بتفرد شكل جسمها عن بقية أجسام الحيوانات الثديية بضخامة أجسامها وطول أرجلها وضخامة أخفافها وطول أعناقها واعوجاجها ووجود السنام لها. ويتراوح وزن الجمل بين 300 و 1000 كيلوغرام ويبلغ متوسط طولها من رأسها إلى ذيلها ثلاثة أمتار بينما يبلغ ارتفاعها عند كتفها 185 سم وعند سنامها 215 سم. وتتميز الإبل على بقية الأنعام بطول عمرها الذي يصل إلى خمسين عام بينما لا يتجاوز العشرين عام في الأبقار و15 عام في الماعز و 12 عام في الضأن أو النعاج.  وتتفوق الإبل كذلك على الخيل والبغال والحمير في سرعة مشيها وجريها لمسافات طويلة وعلى تضاريس مختلفة حيث يمكنها الركض بسرعة 40 كيلومتر في الساعة لعدة ساعات و65 كيلومتر في الساعة لفترات قصيرة.  ومما تتميز بها الإبل على حيوانات الركوب كالخيل والحمير والبغال هو سهولة إنقيادها وكذلك إناختها لوضعية الجلوس وذلك لكي يسهل ركوبها وتحميلها. ويمكن للإبل أن تحمل على ظهورها ما يزيد عن نصف وزنها حيث يتراوح وزن الحمل بين 150 و 300 كيلوغرام وذلك تبعا لوزن الجمل ولذلك أطلق عليها اسم سفن الصحراء (ships of the desert).



ويوجد في عيون الإبل ثلاثة جفون (eyelids) فالجفنان الخارجيان يرتبط كل منها برموش غليظة (eyelashes) أما الجفن الداخلي فهو شبه شفاف ويعمل على تنظيف قرنية العين من الغبار ويمكن أن يرى الجمل من خلاله. أما آذان الإبل فهي صغيرة الحجم ومليئة من داخلها بالشعر الذي يمنع دخول الرمل إلى داخلها.  وتتغذى الإبل على جميع نباتات الأرض خاصة تلك التي لا يمكن لبقية الحيوانات العشبية أكلها وهي النباتات الشوكية والنباتات المالحة. إن قدرة الإبل على أكل النباتات الشوكية تعود للخصائص الموجودة في شفاهها حيث أنها كبيرة الحجم ومبطنة بتجاعيد صلبة وتتميز بمرونة حركتها بسبب الشق الموجود في شفتها العليا. وتشرب الإبل كذلك جميع أنواع المياه بما فيها مياه البحر المالحة ومياه المستنقعات الملوثة والتي لا يمكن لأي حيوان آخر أن يقوم بشربها. وعلى الرغم من أن طعام الإبل يقتصر على النباتات الصحراوية إلا أن الأبحاث العلمية بينت أن محتويات لحومها وألبانها من العناصر الغذائية تتفوق على تلك الموجودة في الأبقار والأغنام بل إن في ألبانها شفاء لكثير من الأمراض كالسرطان والتوحد والسكري وغيرها الكثير.



إن أهم ما يميز الإبل على جميع الحيوانات الثديية والمجترة هو قدرتها على تحمل الجوع والعطش لفترات زمنية طويلة حيث يمكنها أن لا تشرب الماء لمدة أسبوعين في الأجواء الصحراوية الحارة ولا تأكل الطعام لمدة عشرة أيام. أما في الأجواء معتدلة الحرارة والمنخفضة فيمكنها العيش بدون ماء لعدة أشهر وكذلك الحال إذا كانت تتغذى على الأعشاب الخضراء الطرية. ومما يميزها كذلك هو قدرتها على شرب كميات كبيرة من الماء فالجمل العطشان يمكنه شرب مائة وخمسين لترا من الماء في أقل من خمس عشرة دقيقة يتم تخزين جزء منها في أكياس مائية في المعدة لوقت الحاجة. ولقد وجد الباحثون أن كمية إنتاج الحليب في الإبل لا تتأثر كثيرا عند حرمانها من شرب الماء لعشرة أيام بينما يقل إنتاج الحليب عند البقر والغنم بشكل كبير عند حرمانها من الماء ليومين أو ثلاثة.  إن قدرة الإبل على تحمل الجوع والعطش لفترات زمنية طويلة وكذلك قدرتها على شرب المياه المالحة وأكل النباتات المالحة تطلب إجراء عدد من التعديلات الفيسيولوجية  الجوهرية (physiological adaptations) في أجهزة أجسامها المختلفة وخاصة الأجهزة البولية والهضمية والدورية والتنفسية.



        إن التعديل الأول والأهم الذي مكن الإبل من تحمل العطش لفترات زمنية طويلة هو التركيب العجيب للكلى فهي قادرة على فلترة الدم من المخلفات الأيضية بحيث يكون تركيزها في البول أعلى من تركيز ماء البحر المالحة ولذا فهو قادر على شرب ماء البحر ولكن ليس لفترات طويلة. وبناء على هذا فإن كمية البول التي يخرجها الجمل في اليوم الواحد لا يتجاوز اللتر والنصف مقارنة بما يزيد عن عشرين لتر في الأبقار المساوية لها في الحجم. إن رفع الضغط الأسموزي للبول (osmolarity of urine) قد تم من خلال عدة تحويرات في تركيب الكلية أهما زيادة طول أنشوطة هينلي (long loop of henle) حيث يزيد طولها من أربعة إلى ستة أضعاف طولها في الأبقار (four to six times longer than in cattle).  أما التحوير الثاني فهو زيادة نسبة سمك نخاع الكلية لقشرتها ((the ratio medulla: cortex) مقارنة بكلى الحيوانات الأخرى. أما التحوير الثالث فهو قيام الهايبوثالموس (hypothalamus) عند ارتفاع أسموزية الدم (blood osmolarity) بإفراز كميات زائدة من هرمون مضاد الإدرار (Anti-diuretic hormone (ADH)) الذي يحفز الكلى على إعادة إمتصاص الماء عند تعرض الإبل للجفاف (dehydration). ويحتفظ الجمل كذلك بالبول في المثانة طالما أنه في حاجة إلى الماء حيث تقوم الأوعية الدموية في المثانة بإمتصاص البول مرة أخرى وتنقله إلى المعدة حيث تقوم بكتريا خاصة بتحويل البولينا إلى أحماض أمينية وماء. وقد وجد العلماء أن الجمال قادرة على إعادة تدوير النيتروجين بنسبة 90 بالمائة مقارنة بنسب لا تتجاوز 20 بالمائة في بقية الحيوانات وذلك لتأمين إنتاج البروتين في غياب الطعام لفترة طويلة (Camelids can recycle up to 90% of blood ureic nitrogen,).  



        أما التعديل الثاني فهو يتعلق ببعض مكونات الجهاز الهضمي وخاصة المعدة والأمعاء الغليظة وتتكون معدة الجمل من ثلاث حجرات فقط وهو على خلاف بقية الحيوانات المجترة والتي تتكون معدها من أربعة حجرات. وقد وجد العلماء أن المعدة الرئيسية أو الكرش (rumen) في الإبل تتميز عن بقية الحيوانات الثدية  بوجود عدد كبير من الأكياس المائية (water sacs) في جدارها الداخلي يحتوي كل منها على 45  خلية مائية أساسية (primary aquatic cells) مزودة بصمامات يتم فتحها عند الحاجة. وتحتل الأكياس المائية ما يقرب من خمسة بالمائة من مساحة سطح المعدة ويوجد فيها ما يقرب من ألف خلية مائية تتسع لثلاثين لتر من ماء صافي ونقي غير ممزوج بالطعام (full  of  a  clear  and  pure  water  away  from  mixing  with  the  food.). ولتوفير استهلاك الماء في الإبل تم زيادة طول الأمعاء الغليظة بشكل كبير وذلك لكي تمتص أكبر كمية ممكنة من الماء لدرجة أن بعر الإبل يخرج على شكل كرات جافة يستخدمها البدو للوقود مباشرة دون تجفيفها.



        أما التعديل الثالث فقد تم على بعض مكونات الجهاز الدوري كي يتمكن من ضمان عمل أجهزة الجسم المختلفة في حالة الجفاف الحادة (dehydration) التي يتعرض لها جسم الجمل بعد فقده لما يقرب من ثلاثين بالمائة من وزنه. ومن هذه التعديلات هو أن كريات الدم الحمراء لها شكل بيضاوي (oval shape) في الإبل بينما لها شكل كروي في بقية الحيوانات الثديية ولهذا الشكل البيضاوي عدة ميزات على الشكل الكروي. فمن هذه الميزات أن الشكل البيضاوي يسمح بحركة الكريات الحمراء بسهولة في الأوعية الدموية عند تضيقها بسبب الجفاف وزيادة لزوجة الدم. أما الميزة الثانية فإن كرية الدم بشكلها البيضاوي يمكنها أن تتمدد ليصبح حجمها 250 بالمائة من حجمها الطبيعي مقارنة بحجم كرية الدم الدائرية الموجودة في بقية الحيوانات والتي لا يمكنها أن تتمدد لأكثر من 150 بالمائة. إن هذا الخاصية العجيبة لكريات الدم الحمراء في الإبل هي التي تمكنها من شرب أكثر من مائة لتر من الماء في أقل من ربع ساعة والذي يتم تخزين جزء كبير منه في مكونات الدم بما فيها كريات الدم الحمراء. ويساعد الشكل البيضاوي لكريات الدم على زيادة عددها في الدم دون إعاقة حركتها حيث وجد أن الإبل تمتلك أعلى نسبة كريات دم حمراء في الدم من بين جميع الحيوانات. ولزيادة كمية الماء في جسم الجمل فقد تم زيادة حجم الدم في الجهاز الدوري حيث تبلغ نسبته  93 ملليلتر لكل كيلوغرام من وزنه  وهي أعلى نسبة بين جميع الحيوانات الثديية حيث تبلغ في البقر 55 وفي الغنم 60 وفي الخيل 76 ملليلتر لكل كيلوغرام.  ولخفض معدل التبول عند الإبل في غياب الماء فقد وجد العلماء أن تركيز السكر واليوريا في الدم يمكن أن يرتفع إلى عدة أضعاف معدله الطبيعي دون أن تصاب بالتسمم وهذا لا يوجد في أي حيوان آخر.



        أما التعديل الرابع وهو من أغرب التعديلات فهو أن درجة حرارة جسم الجمل تتغير بشكل مستمر حيث تبدأ عند 34 درجة مئوية في الصباح وترتفع تدريجيا لتصبح 41 درجة مئوية عند غروب الشمس أي بفارق سبعة درجات مئوية. وهذه الظاهرة لا توجد في بقية الحيوانات ذوات الدم الحار (warm blooded) حيث أن الفارق بين أعلى درجة وأقل درجة حرارة لأجسامها لا يزيد عن درجتين مئويتين حول درجات حرارتها المتوسطة وأي زيادة عن هذا الحد يؤدي بها إلى الموت. إن هذا المدى الواسع لتغير درجة حرارة جسم الجمل يساعد على منع التعرق وذلك للحفاظ على الماء في الجسم وقد وجد أن الجمل لا يتعرق إلا إذا زادت درجة الحرارة عن 42 درجة مئوية. وبما أن أدمغة الحيوانات تحتاج لدرجة حرارة ثابتة لعملها فإن هذا التفاوت الكبير في درجة حرارة جسم الجمل سيسبب مشاكل لدماغه ولكن كان الحل من اللطيف الخبير سبحانه وتعالى أن هناك نظام تحكم معقد يعمل على ضبط درجة حرارة الدماغ ضمن الحدود المسموح بها. ومن هذه الآليات وجود شبكة تبادل حراري (rete mirabile) في دماغ الجمل تتكون من شبكات كثيفة من الأوعية الدموية الشريانية والوريدية المتجاورة حيث يقوم الدم البارد في الأوردة بامتصاص الحرارة من دم الشرايين الحار الذاهب للدماغ.



ويستخدم الجمل كذلك آليات أخرى للحفاظ على درجة الحرارة المناسبة لجسمه ومنها أن جسمه معزول بطبقتين من الوبر الداخلية منهما شعرها قصير وناعم بينما الخارجية طويل وخشن ويميل لون الوبر إلى الأبيض ليعكس أشعة الشمس وتقليل الحرارة اتي يمتصها جسم الجمل. أما الآلية الثانية فهي أن الجمل يتتبع الشمس باستمرار بحيث يكون رأسه متجه نحو الشمس عند جلوسه ورعيه وهذا يقلل من كمية الحرارة التي تسقط على جسمه. وبسبب أرجله الطويلة فإن جسمه يبقى بعيدا عن سطح الأرض التي قد تصل لسبعين درجة مئوية في الصحراء أثناء النهار وحتى عند بروكه (جلوسه) فإن جسمه يبقى مرفوعا عن الأرض بسبب وجود وسادة قرنية سميكة كبيرة تحت صدره (pedestal) تسمح بمرور الهواء من تحت جسمه لتبريده. وعند إشتداد الحرارة بشكل كبير تقوم منطقة في مؤخرة رأس الجمل بفرز سائل ملحي يعمل عند تبخره بتبريد دماغ الجمل وذلك بديلا للعرق وذلك لتوفير الماء.



أما التعديل الخامس فهو في الجهاز التنفسي حيث وجد أن أنف الجمل الطويل يحتوي على تعرجات كثيرة وذلك لزيادة السطح الداخلي للتجويف الأنفي الذي يصل إلى ألف سنتيمتر مربع وهي أكبر بكثير من تلك التي لبقية الحيوانات. وقد تمكن العلماء من كشف سر هذه الزيادة في المساحة وهو أنه يستخدم لتكثيف بخار الماء الموجود في هواء الزفير وإعادته إلى الجسم وهو ما أطلق عليها ظاهرة الهايجروسكوبك (A camel’s hygroscopic surface will absorb water from air that passes by it). ويستخدم السطح الكبير للتجويف الأنفي أيضا لتبريد الدم الحار في الشرايين الذاهبة إلى الدماغ حيث تم تمديد بعض أوردة الدماغ خلف هذه السطح لتبريد الدم فيها والتي تقوم بدورها بتبريد دم شرايين الدماغ من خلال شبكة تبادل حراري بين الشرايين والأوردة. وعندما يتعرض الجمل للجفاف فإن معدل التنفس ينخفض عن معدله الطبيعي لتقليل كمية الماء المفقود في بخار الزفير. ومما يميز أنف الجمل على بقية أنوف الحيوانات هو أنه يتم غلقه بين كل لشهيق وزفير مما يحول دون دخول رمال الصحراء إلى الرئتين بكميات كبيرة. 


 

        أما التعديل السادس في الإبل فهو وجود السنام (hump) في منتصف ظهورها وهو كتلة من الشحم التي قد يصل وزنها إلى 40 كيلوغرام ويقوم بإمدادها بالغذاء والطاقة وحتى الماء في غياب توفر الطعام الذي قد يمتد لعشرة أيام أو أكثر.   إن تركز شحوم الإبل في السنام  بدلا من أن تكون موزعة على جميع سطح الجسم يسهل من عملية  إشعاع حرارة الجسم إلى الخارج حيث أن الشحوم مادة عازلة للحرارة. وعندما يتم حرق شحم السنام كبديل عن الطعام فإنه ينتج سكر الجلوكوز الذي يمد الجسم بالطاقة وينتج كذلك الماء الذي يعوض نقص الماء في الجسم حيث أن حرق كيلوغرام واحد من الشحم ينتج كيلوغرام ونيف من الماء. والسنام يعطي كذلك منظرا جماليا للإبل ويسهل كذلك من وضع الأحمال والأوثار والهوادج عليها. وعندما يتم استهلاك شحم السنام فإنه يبدأ بالتهدل ويميل على أحد جانبيه إلا أنه سرعان ما يعود لوضعه القائم بعد تغذية الإبل لفترات زمنية قصيرة.  

        أما التعديل السابع فهو في الجهاز المناعي للإبل التي قد تتعرض لهزال شديد نتيجة لقلة الطعام والماء لأشهر عديدة وبالتالي تكون فريسة لمختلف أنواع الفيروسات والمايكروبات الممرضة. ففي عام 1989م تمكن طالبا دراسات عليا في جامعة بلجيكية من إكتشاف نوع نادر من الأجسام المضادة لا يوجد إلا في أجسام الإبل وكذلك حيوانات العائلة الجملية أطلق عليها الأجسام المضادة الجملية (Camelid antibodies). وتتكون الأجسام المضادة العادية الموجودة في الإنسان وبقية الحيوانات من سلسلتين ثقيلتين (heavy chain) ترتبطان على شكل الشعبة أو حرف الواي بالانجليزية ومن سلسلتين خفيفتين (light chain) ترتبطان بحافتي الشعبة. أما الأجسام المضادة الجملية فتتكون من سلسلتين ثقيلتين فقط ويبلغ حجمها عشر حجم الأجسام المضادة العادية ولذا يطلق عليها أيضا اسم الأجسام النانوية (nanobodies). وتتميز الأجسام المضادة الجملية نتيجة لصغر حجمها بقدرتها للنفاذ إلى داخل خلايا وأنسجة الجسم بكل سهولة (penetration rate) وثباتها الحراري العالي (high thermostability) وقصر عمرها وغيرها من الخصائص المميزة التي أحدثت وستحدث ثورة في طرق علاج وتشخيص الأمراض المختلفة.             

 

المراجع

1-   Mulu Gebreselassie Gebreyohanes and Awol Mohammed Assen “Adaptation Mechanisms of Camels (Camelus dromedarius) for Desert Environment: A Review” Journal of Veterinary Science & Technology, November 06, 2017.

2-  Gamal Allouch “Anatomical Study of the Water Cells Area in the Dromedary Camels Rumen (Camelus dromedarius)" Nova Journal of Medical and Biological Sciences, March 2016.

3-   A.O.Elkhawad “Selective brain cooling in desert animals: The camel (Camelus dromedarius)” Comparative Biochemistry and Physiology Part A: Physiology, Volume 101, Issue 2, 1992, Pages 195-201.

4-  Bornstein, S. (1990). The ship of the desert. The dromedary camel (Camelus dromedarius), a domesti- cated animal species well adapted to extreme conditions of aridness and heat camelus spp origins of the camelidae. Rangifer 10, 231–236.

5-   Hoter, A., e t l Cellular and Molecular Adaptation of Arabian Camel to Heat Stress” Frontiers in Genetics, 2019.

6-  Souilem Ouajd  “Physiological Particularities of Dromedary (Camelus dromedarius) and Experimental Implications” Scand. J. Lab. Anim. Sci. 2009 Vol. 36 No. 1 .

7-   Schmidt-Nielsen K, EC Crawford & HT Hammel: Respiratory water loss in camels. Proceedings of the Royal Society of London B Biological Sciences, 1981, 211, 291-304.

8-   Yadav AK, Kumar R, Priyadarshini L, Singh J (2015) Composition and medicinal properties of camel milk: A Review. Asian Journal of Dairy and Food Research 34: 83-91.

9-  Levy A, Steiner L, Yagil R (2013) Camel milk: disease control and dietary laws. Journal of Health Science 1: 48-53.

10-              Shabo Y, Yagil R (2005) Etiology of autism and camel milk as therapy. International Journal on Disability and Human Development 4: 67-70.

11-              Agrawal R, Beniwal R, Kochar D, Tuteja F, Ghorui S, et al. (2005) Camel milk as an adjunct to insulin therapy improves long-term glycemic control and reduction in doses of insulin in patients with type-1 diabetes: a 1 year randomized controlled trial. Diabetes Res Clin Pract 68: 176-177.

12-              Wernery U (2007) Camel milk-new observations. Proceeding of International Camel Conference, 200-204.

13-              el Agamy EI, Ruppanner R, Ismail A, Champagne CP, Assaf R (1992) Antibacterial and antiviral activity of camel milk protective proteins. J Dairy Res 59: 169-175.