2014-03-29

وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم


وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية



 


 
 
 


تمكن علماء الجيولوجيا أخيرا من كشف سر كبير كان يحيرهم وهو عدم تآكل جذور مناطق محددة في كل صفيحة من الصفائح القارية أطلقوا عليها إسم مشتق من اللاتينية والذي معناه الثبات والمتانة (cratons) وذلك رغم تكونها مع بداية تكون القشرة الأرضية قبل أربعة بلايين سنة. وقد أطلق القرآن الكريم على هذه المناطق قبل أربعة عشر قرنا إسم أكثر دقة وهو الرواسي والذي يوحي معناها بالدور الذي تقوم به هذا الرواسي في تثبيت القشرة الأرضية القارية. فالصفائح المحيطية التي لا تحتوي على مثل هذه الرواسي تتجدد كل مائة مليون سنة تقريبا حيث تتآكل أطرافها عندما تغوص في طبقة الوشاح السائلة والحارة التي تقع تحتها. أما الصفائح القارية فقد حافظت على بنيتها إلى حد ما بسبب وجود هذه الرواسي التي تتميز بقلة كثافتها وصلابة صخورها وبعض الخصائص الكيميائية لصخورها التي تحول دون تآكل جذورها. وقد تبين للعلماء أيضا أن هذه الرواسي لها جذور عميقة جدا تمتد لما يزيد عن ثلاثمائة كيلومتر في طبقة الوشاح السائلة وتعمل هذه الجذور كعوارض أو كوابح (keels) تحد من حركة الصفائح القارية التي تطفو على طبقة الوشاح السائلة. وقد أشار أحد الباحثين كما سنبين ذلك لاحقا إلى أن هذه الرواسي قد تكون سقطت من السماء على شكل نيازك ضخمة واستقرت في القشرة الأرضية. لقد أشار القرآن الكريم إلى وجود مثل هذه الرواسي والدور الذي تلعبه في حفظ إستقرار القشرة الأرضية وخاصة القارية وأنها ألقيت من السماء كما جاء في قوله تعالى (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) النحل). وكذلك أشار لوجود جذور لهذه الرواسي والتي تعمل كأوتاد مغروسة في طبقة الوشاح فتحول دون إنزلاق القشرة الأرضية القارية فوق طبقة الوشاح كما جاء في قوله تعالى (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) النبأ). إن مثل هذه المعلومات عن جولوجية الأرض لا يمكن أن تصدر عن بشر عاش قبل أربعة عشر قرنا في أمة أمية ولا يوجد مبرر يدفعه للحديث عن أمور لا علم له بها بل صدرت عن عليم خبير أحاط علمه بكل شيء وصدق الله العظيم القائل (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) الطلاق).   إن مدلولات الآيات القرآنية المتعلقة بالمسائل العلمية لا يمكن فهمها إلا بعد فهم هذه المسائل بناءا على ما أكتشفه العلماء من حقائق حولها ولذا لا بد من شرح مبسط لتركيب الأرض وما يجري في داخلها من ظواهر.  

تكونت الأرض قبل 4500 مليون سنة مع بقية أجرام المجموعة الشمسية من كتلة ضخمة من السديم (nebula) حيث بدأت الشمس بالتكون في مركز السحابة وقامت بسحب معظم هذا السديم بينما تشكلت الكواكب حول الشمس في مدارات مختلفة من السديم المتبقي.  لقد كانت الأرض عند بداية تكونها كرة ملتهبة من مادة سائلة أو شبه سائلة مكونة من جميع العناصر الطبيعة بنسب متفاوته  وذلك بسبب التصادمات العنيفة بينها وبين النيازك والشهب التي تسقط عليها من الحطام المتناثر  في الفضاء. ولقد كان من الضروري أن تكون مادة الأرض عند بداية تكونها على شكل سائل أو شبه سائل وذلك لكي تأخذ الشكل الكروي الذي هي عليه الآن فالشكل الوحيد الذي تتخذه كتلة من المادة السائلة في الفضاء الكوني هو الشكل الكروي. وعند وجود هذه الكتلة السائلة في مجال جاذبية جسم ما كالشمس فإن تبعجا سيحدث في شكل هذه الكرة باتجاه قوة الجذب ويمكن إزالة مثل هذا التبعج من خلال تدوير هذه الكرة بسرعة مناسبة حول محور متعامد مع اتجاه القوة الجاذبة وهذا بالضبط ما حصل مع الأرض عند بداية تكونها.   أما الحكمة الثانية من ضرورة أن تكون الأرض البدائية على شكل كتلة سائلة فهي لتمكين العنصر  الثقيلة وخاصة الحديد والنيكل من التجمع في مركز  الأرض  وكذلك تمكين كثير من العناصر والمركبات الضرورية للحياة للطفو على سطح الأرض أو التجمع كغازات لتكون الغلاف الجوي للأرض. إن وجود قلب كبير من الحديد والنيكل في مركز الأرض ضروري لإنتاج مجال مغناطيسي قوي حول الأرض وقد تبين للعلماء أن هذا المجال المغناطيسي لم يخلق عبثا بل هو الدرع الذي يحمي سطح الأرض من وصول إشعاعات الشمس الضارة إلى سطحها والتي لا بد وأن تدمر أي شكل من أشكال الحياة عليها.  ومع تضاؤل كمية هذا الحطام وتوزعه على كواكب المجموعة الشمسية بدأت الكميات  التي تقع منه على الأرض تقل بشكل تدريجي وبدأ سطح الكرة الأرضية يبرد شيئا فشيئا نتيجة الإشعاع الحراري للفضاء الخارجي ولكن لا زال  باطنها يغلي ويفور بالمواد المنصهرة والتي كانت الأرض تقذف بها على شكل براكين رهيبة إلى خارج سطحها. ولكن سطح الأرض شبه السائل  لم يكن ليقوي على حمل الكتل  الضخمة من المواد المنبعثة من هذه البراكين حيث سرعان ما تغوص إلى داخل الأرض. ولكن مع تواصل الإشعاع الحراري من سطح الأرض الملتهب بدأ سطحها يبرد شيئا فشيئا إلى أن بدأ بالتجمد مكونا قشرة صلبة ولكنها رقيقة نسبيا ولكن سمك هذه القشرة بدأ بالازدياد مع مرور الزمن إلى أن وصل لعدة عشرات من الكيلومترات في الوقت الراهن.  

وعندما أصبح سمك القشرة الأرضية بالقدر الكافي بدأت المواد التي تقذف بها البراكين من جوف الأرض بالتراكم فوقه ليبدأ بذلك تكون الجبال والتي لا زال مشهد تكونها من البراكين قائما إلى يومنا هذا.  وعندما برد سطح الأرض بدأ بخار الماء بالتكثف ليغمر معظم سطح الأرض مكون محيط هائل من الماء. ولو أن الأرض بقيت على شكل كرة ملساء كما كان حالها عند بداية خلقها لغطت كمية الماء الموجودة على سطحها فقط جميع سطح الأرض بارتفاع  ثلاثة كيلومترات. ولكن بتقدير من الله  عز وجل وبسبب ضغط الماء الهائل على قشرة الأرض التي كانت طرية ورقيقة عند بداية تكونها فقد بدأ جزء من سطح الأرض بالانخفاض تحت وطأة هذا الضغط ممّا جلب مزيدا من الماء لهذا الجزء الذي واجه مزيدا من الانخفاض. وقد توالت هذه العملية حتى تجمع الماء في جهة واحدة من سطح الأرض وانحسر عن الجزء المتبقي من السطح الذي ارتفع مستواه بسبب الضغط المعاكس على القشرة من  داخل الأرض مكونا اليابسة. ولقد تأكدت هذه الحقيقة بعد اكتشاف علماء الجيولوجيا إلى أن المحيطات الحالية كانت محيطا واحدا  وكذلك القارات التي كانت قارة واحدة (Pangea) ولكن وبسبب حركة الصفائح التي تتكون منها القشرة الأرضية بدأت القارة الأولية بالانقسام إلى عدة قارات بشكل بطيء جدا بما يسمى ظاهرة انجراف القارات (continental drift).

والأرض لها شكل كروي بتبعج ضئيل حول خط الإستواء حيث يبلغ نصف قطرها عند خط الإستواء 6378 كيلومتر ويقل بمقدار 21 كيلومتر فقط عند القطبين وهو تبعج لا يكاد يلاحظ. ويبلغ وزن الأرض ستة آلاف بليون بليون طن تقريبا  (5.98×1024 kg) ومتوسط كثافتها 5,5 غرام لكل سنتيمتر مكعب (5.515 g/cm3). وتحتوي الأرض على جميع عناصر الطبيعة  البالغة 92 عنصرا  ولكن بنسب متفاوته حيث يشكل الحديد 32 % من وزن الأرض يليه الأوكسجين بنسبة 30% ثم السيليكون بنسبة 15% ثم المغنيسيوم بنسبة 14 % ثم الكبريت بنسبة 3 % ثم النيكل والكالسيوم بنسبة 2 % لكل منهما ثم الألمنيوم بنسبة 1 % بينما تشكل العناصر المتبقية النسبة المتبقية وهي 1 %. إن نسب العناصر الطبيعية في القشرة الأرضية يختلف كثيرا عن نسبها في الأرض ككل وذلك بسبب غوص العناصر الثقيلة كالحديد والنيكل إلى باطن الأرض وطفو العناصر الخفيفة وبعض مركبات العناصر الثقيلة إلى السطح حيث تبلغ نسبة الأوكسجين في القشرة الأرضية 47 % يليه السيليكون بنسبة 28 % ثم الألمنيوم بنسبة 8% ثم الحديد بنسبة 5 % ثم الكالسيوم بنسبة 4 % ثم الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم بنسبة 2% لكل منها ثم بقية العناصر بنسبة 2 %. وتوجد العناصر في القشرة الأرضية على شكل مركبات كيميائية حيث تشكل السيليكا (SiO2) ما نسبته 60 % من القشرة القارية تليها الألومينا (Al2O3) بنسبة 15% ثم أكاسيد الحديد (FeO &  Fe2O3) بنسبة 6,6% ثم أكسيد الكالسيوم (CaO) بنسبة 5,5% ثم المغنيسيا (MgO) بنسبة 3,1% ثم أكسيد الصوديوم (Na2O) بنسبة 3% ثم أكسيد البوتاسيوم (K2O) بنسبة 2,8% ثم الماء (H2O) بنسبة 1,4% ثم ثاني أكسيد الكربون (CO2) بنسبة 1,2%.

ومن عجائب التقدير أن البشر يعيشون آمنين مطمئنين على ظهر كرة ملتهبة من المواد المنصهرة تبلغ درجة حرارتها عند مركز الأرض ستة آلاف درجة ويزيد نصف قطرها عن ستة آلاف كيلومتر ولا يعزلهم عن حرارتها إلا قشرة رقيقة من الصخور لا يتجاوز سمكها عشرات الكيلومترات. ولكن هذه القشرة الرقيقة هي التي ساعدت على بقاء مواد الأرض في حالتها المنصهرة حيث عملت كطبقة عازلة حالت دون إشعاع حرارة الأرض الداخلية إلى الفضاء الخارجي الذي تصل درجة حرارته قريبا من الصفر المطلق.  وفي الإبقاء على مواد الأرض الداخلية في حالة الانصهار حكمة بالغة حيث أن هذه المواد المنصهرة التي تخرج على شكل براكين من حين لآخر هي التي تزود سطح الأرض بالمواد اللازمة للكائنات الحية التي تعيش على سطح الأرض كالماء وثاني أكسيد الكربون وغيرها من العناصر الطبيعية.  ولو أن القشرة الأرضية قد تكونت وكانت بسمك لا يسمح بخروج المواد المنصهرة منها على شكل براكين فسيبقى سطح الأرض كرة ملساء  جامدة وقاحلة لا تضاريس عليها كما هو الحال مع أسطح كثير من كواكب المجموعة الشمسية. إن مصدر الحرارة الرئيسي الذي يسخن باطن الأرض هو العناصر المشعة حيث ينتج عن التحلل الإشعاعي لهذه العناصر كميات ضخمة من الطاقة أبقت على مواد باطن الأرض في حالة الإنصهار وهذه العناصر هي اليورانيوم 238 واليورانيوم 235 والثوريوم 232 والبوتاسيوم 40 والتي يقدر ما تنتج من الطاقة في الوقت الحالي بثلاثين مليون ميجاوات.   

تتكون الأرض من ثلاثة طبقات رئيسية وهي القشرة (crust) والوشاح (mantle) والقلب (core) وهي أشبه ما تكون بالبيضة والتي تتكون بدورها من ثلاثة طبقات وهي القشرة والزلال واللب. فالقشرة هي الطبقة الخارجية للأرض وهي طبقة صلبة يتراوح سمكها بين خمسة كيلومترات وسبعين كيلومتر وهي رقيقة جدا إذا ما قورنت بنصف قطر الكرة الأرضية الذي يبلغ 6378 كيلومتر أي أنها كنسبة وتناسب أرق من قشرة البيضة. وتتكون القشرة الأرضية بشكل رئيسي من مركبات السيليكا وأكاسيد الصوديوم والكالسيوم وتتراوح كثافتها بين 2,7 و 3 غم لكل سم مكعب وتشكل ما نسبته نصف(0,47)  بالمائة من وزن الأرض. ويوجد اختلاف واضح بين خصائص القشرة القارية (continental crust) والقشرة المحيطية (oceanic crust). فالقشرة المحيطية أقل سماكة من القشرة القارية حيث تتراوح سماكتها بين خمسة وعشرة كيلومترات وهي مكونة بشكل رئيسي من صخور بازلتية (basalt) والتي تتكون من السيليكا بنسبة خمسين بالمائة وأكاسيد المغنيسيوم والكالسيوم والحديد والألمنيوم والتيتانيوم  ويبلغ متوسط كثافتها 3 غم لكل سم مكعب. أما القشرة القارية فهي أكثر سماكة من القشرة المحيطية حيث تتراوح سماكتها بين عشرة كيلومترات وسبعين كيلومتر وهي مكونة بشكل رئيسي من صخور جرانيتية (granite) والتي تتكون من السيليكا بنسبة سبعين بالمائة والبقية من أكاسيد الألمنيوم والمغنيسيوم والصوديوم والكالسيوم والحديد ولذلك فهي أقل كثافة من القشرة المحيطية حيث تبلغ 2,8 غم لكل سم مكعب. وتزداد درجة حرارة مادة القشرة الأرضية مع مقدار عمقها حيث تصل إلى 600 درجة مئوية عند أسفلها.

 والقشرة الأرضية ليست كتلة واحدة متماسكة بل تتكون من عدد كبير من الصفائح التكتونية (tectonic plates) والتي تطفو على سطح طبقة الوشاح شبه السائلة التي تقع تحتها. ويوجد سبعة صفائح رئيسية تتراوح مساحتها بين أربعين ومائة مليون كيلومتر مربع وهي صفيحة المحيط الهادي وهي الأكبر حجما تليها الصفيحة الأفريقية ثم صفيحة أمريكا الشمالية ثم الصفيحة الأوروبية الأسيوية ثم صفيحة القطب الجنوبي ثم الصفيحة الهندية الأسترالية ثم صفيحة أمريكا الجنوبية. وأما الصفائح الثانوية فهي الصفيحة العربية والصفيحة الكاريبية وصفيحة نازكا التي تقع غرب أمريكا الجنوبية وصفيحة سكوشا التي تقع جنوب المحيط الأطلسي. وهذه الصفائح تتحرك ببطء شديد نتيجة لحركة تيارات الحمل التي تحدث في مادة الوشاح التي تقع تحتها وذلك بسبب التفاوت الكبير في درجة حرارة الوشاح عند الأعماق المختلفة وكذلك نتيجة لدوران الأرض حول محورها وتأثير جاذبية القمر والشمس. وتتحرك الصفائح المحيطية بسرعات أكبر حيث تتراوح  بين 50 و 70 ملليمتر في السنة بينما تتراوح بين 20 و 30 ملليمتر في السنة للصفائح القارية وذلك بسبب أن جذور الرواسي تلعب دورا كبيرا في إستقرار حركة القارات كما سنبين ذلك لاحقا. وبسبب حركة هذه الصفائح في الإتجاهات المختلفة فإنها إما تتصادم (Convergent boundaries) فتنتج الجبال أو تتباعد (Divergent boundaries) فتنتج الصدوع التي يتم ملؤها بمواد تخرج من طبقة الوشاح شبه السائلة أو تتراكب (Transform boundaries) حيث تنزلق صفيحة فوق الأخرى فتغوص الصفيحة السفلى في طبقة الوشاح (subduction).
 

وأما طبقة الوشاح فهي الطبقة الوسطى والتي تقع فيما بين القشرة والقلب ويبلغ سمكها 2900 كم وتتراوح كثافتها بين 3,3 و 5,6 غرام لكل سم مكعب وتشكل ما نسبته 67 بالمائة من وزن الأرض وهي تتكون من مركبات السيليكات وأكاسيد الحديد والمغنيسيوم والألمنيوم.  وتنقسم طبقة الوشاح  بدورها إلى طبقتين رئيسيتين وهما الوشاح العلوي (upper mantle) والوشاح السفلي (lower mantle). فالوشاح العلوي يتكون أيضا من طبقتين فالطبقة المجاورة للقشرة يطلق عليه مع القشرة إسم الغلاف الصخري (lithosphere) وهي طبقة صخرية كما هو الحال في القشرة ولكنها أكثر كثافة حيث تصل كثافتها إلى 3,3 غم لكل سم مكعب بسبب الإختلاف في تركيب صخورهما. وبسبب الإختلاف في الكثافة والتركيب الكيميائي لصخور كل من القشرة وهذه الطبقة فإنه يوجد حد فاصل وهمي بينهما يطلق عليه اسم حد موهو (Moho discontinuity). ويتراوح سمك هذه الطبقة تحت القارات بين 50 و 200 كيلومتر وتحت المحيطات بين 50 و 100 كيلومتر وتتراوح  درجة حرارتها بين 600 و 1000 درجة مئوية.

وتزداد سماكة طبقة الغلاف الصخري تحت مناطق معينة في القارات  وهي الرواسي (cratons) حيث تصل إلى 350 كيلومتر وذلك على شكل جذور (cratonic mantle roots) تغوص في الطبقة شبه السائلة التي تقع تحتها وهي طبقة  الغلاف الواهي (asthenosphere). والرواسي (cratons) هي الأجزاء المستقرة والقديمة من الغلاف الصخري القاري وهي عبارة عن صخور متبلورة شديدة الصلابة لها كثافة أقل من كثافة المناطق الأخرى وقد تشكلت عند بداية تكون القارات قبل بلايين السنين. وغالبا ما تقع الراواسي في منتصف الصفائح التكتونية (tectonic plates) وبالتحديد في المناطق التي  يسمى بالدروع (shields) كما جاء تعريفها في الويكيبيديا:

Cratons are generally found in the interiors of tectonic plates. They are characteristically composed of ancient crystalline basement rock, which may be covered by younger sedimentary rock. They have a thick crust and deep lithospheric roots that extend as much as several hundred kilometeres into the Earth's mantle.

أما الطبقة الثانية من طبقات الوشاح العلوي فهي ما يسمى بالغلاف الواهي (asthenosphere) وهي تمتد إلى عمق 700 كم تحت سطح الأرض وتبلغ درجة حرارتها 1000 درجة مئوية عند سطحها وتزداد حتى تصل إلى 1500 درجة عند قاعدتها وأما ضغطها فيتراوح بين 5000 و 15000 ميجاباسكال. وبسبب إرتفاع درجة حرارة هذه الطبقة فإن كثير من مكونات صخورها تكون في حالة السيولة ولذلك فإن الجزء الأعلى منها عالي اللزوجة  (highly viscous) ثم تقل اللزوجة في الأجزاء السفلى رغم إرتفاع درجة حرارة بسبب الضغط العالي الواقع عليها. ومن هذه الطبقة تخرج الحمم البركانية من خلال الشقوق (faults) التي تحدث في طبقة الغلاف الصخري وفيها تحدث تيارات الحمل (convection currents) التي تقوم بتحريك المواد من أسفل الطبقة إلى أعلاها بسبب الفارق الكبير في درجات الحرارة. وتعمل تيارات الحمل التي تتحرك بشكل موازي لسطح الأرض على تحريك الصفائح التكتونية معها مما يؤدي إلى إحداث شقوق فيها تخرج منها البراكين وكذلك إحداث تصادمات بينها مسببة الزلازل. وأما طبقة الوشاح السفلي (lower mantle) فيبلغ سمكها 2200 كم وتتراوح درجة حرارتها بين 1500 درجة مئوية عند أعلاها و 4000 درجة عند أسفلها وهي طبقة صلبة رغم إرتفاع درجة حرارتها بسبب الضغط الهائل الواقع عليها الذي يصل إلى 140 جيقاباسكال عند أسفلها.

وأما قلب الأرض فبيلغ نصف قطره 3400 كم أي ما يزيد قليلا عن النصف من نصف قطر الأرض البالغ 6378 كم وهو يتكون من طبقتين وهي القلب الداخلي (inner core) والقلب الخارجي (outer core). فاالقلب الداخلي على شكل كرة صلبة يبلغ نصف قطرها 1200 كم وهو مكون بشكل رئيسي من الحديد ونسبة قليلة من النيكل ولذلك فإن متوسط كثافته تبلغ 13 غرام لكل سم مكعب وتشكل ما نسبته 1,7 بالمائة من وزن الأرض. وتتراوح درجة حرارة القلب بين 5000 و 6000 درجة مئوية وهي درجة حرارة كافية لصهر جميع أنواع العناصر والمركبات ولكن بسبب الضغط الهائل الواقع على العناصر المكونة للقلب فإنها تبقى في حالة الصلابة حيث يصل الضغط إلى 360 جيقاباسكال. أما طبقة القلب الخارجي فيبلغ سمكها 2200 كم وتتكون كذلك من الحديد بشكل رئيسي والنيكل والكبريت وتبلغ متوسط كثافتها 10غرام لكل سم مكعب وتشكل ما نسبته 31 بالمائة من وزن الأرض. وتتراوح درجة حرارة هذه الطبقة بين 4000 و 5000 درجة مئوية وهي في  حالة السيولة حيث يخف الضغط إلى درجة تسمح بذوبان الحديد والنيكل. وبسبب الحالة السائلة لهذه الطبقة وتفاوت درجة حرارتها فإنه يوجد تيارات حمل تقوم بتحريك مادتها من أسفلها إلى أعلاها وهذه الحركة تولد تيارات كهربائية دوامة ضخمة تنتج المجال المغناطيسي للأرض وهو الذي يقوم بحماية الأرض من الرياح الشمسية (solar winds) التي تحمل كميات ضخمة من الجسيمات المشحونة كالبروتونات والإلكترونات.

وكما هو واضح من الشرح السابق فإن الأرض لها تركيب بالغ التعقيد فقشرتها الرقيقة نسبيا تطفو على طبقة شبه سائلة وهي الوشاح العلوي وكذلك فإن القلب الداخلي الصلب مغموس في داخل القلب الخارجي السائل مما يعني أن كلا من القشرة والقلب الداخلي قابلة للتحرك إذا ما تعرضت لأي قوة تؤثر عليهما. إن أول هذه القوى هي دوران الأرض حول محورها والتي قد تتسبب في إنزلاق هذه القشرة  حول الطبقة السائلة التي تفصلها عن الجسم الكلي للارض. فهذه القشرة تشكل أقل من نصف بالمائة من وزن الأرض وهذا يعني أن العزم الزاوي لهذه القشرة قليل جدا إذا ما قورن مع العزم الزاوي الكلي للأرض ومن المعروف أن العزم الزاوي للجسم يقاوم تأثير القوى التي قد تؤثر عليه. أما القوة الثانية فهي تيارات الحمل التي تحدث في طبقتي الوشاح والقلب الخارجي فهذه التيارات تصعد بالصخور المذابة من الطبقات السفلى للوشاح إلى أن تصل إلى الحد الأسفل للقشرة ثم تتحرك بشكل موازي للقشرة ثم تغوص إلى الأسفل بعد أن تبرد. إن تحرك هذه التيارات الضخمة بشكل موازي لسطح الأرض يعمل على سحب صفائح القشرة الأرضية معه وذلك حسب إتجاه هذه التيارات. أما القوة الثالثة فهي جاذبية القمر والني تحدث تيارات مد وجزر في طبقات الأرض السائلة أو شبه السائلة مما يحدث ضغطا على السطح الداخلي للقشرة الأرض فيعمل على تكسيرها وتحريكها. وكذلك فإن جاذبية القمر تعمل على تحريك القلب الداخلي الصلب في داخل القلب الخارجي السائل وهذه التحرك للقلب بإتجاه جاذبية القمر يعمل على دفع مواد الوشاح بإتجاه القشرة الأرضية. أما القوة الرابعة فهي الناتجة عن تصادم الصفائح التكتونية مع بعضها البعض والتي تحدث زلازل قوية في هذه الصفائح.

وبناء على ما تقدم فإنه يلزم تثبيت القشرة الأرضية بشكل قوي بطبقة الوشاح التي تحتها للتقليل من حركة صفائح القشرة الأرضية وخاصة الصفائح القارية المأهولة بالكائنات الحية وذلك عند تعرضها لمثل هذه القوى المختلفة. ومن الواضح أن الطريقة الوحيدة التي يمكن إستخدامها لتقليل حركة الصفائح التكتونية عند تعرضها لأي قوة هو أن يكون السطح الداخلي للقشرة  بالغ الخشونة وذلك على شكل تعرجات أو جذور عميقة تغوص في طبقة الوشاح العلوي شبه السائلة لتزيد من قوة الإحكتاك بينهما عند حدوث الحركة أي أنها تعمل كماص للصدمات (shock absorber). وهذا بالفعل ما تم إكتشافه في هذا العصر وما أشار إليه القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا وذلك للتدليل على أن هذا الكون قد تم تصميمه وخلقه من قبل مبدع لا حدود لقدرته وإبداعه. لقد تبين للعلماء أولا أن سمك الغلاف الصخري (lithosphere) للكرة الأرضية والذي يتكون من القشرة والطبقة العليا من الوشاح العلوي يتراوح بين 50 و 300 كيلومتر بينما لا يتجاوز التفاوت في تضاريس سطح الأرض الخارجي عشرة كيلومترات وعليه فإن التفاوت في تضاريس السطح الداخلي يصل لمئات الكيلومترات مما يعني أنه سطح بالغ الخشونة إذا ما قورن بالسطح الخارجي. وقد وجد العلماء أيضا أن أطراف بعض الصفائح التكتونية (subduction slabs) وخاصة المحيطية منها تغوص في طبقة الوشاح لأعماق بعيدة قد تصل لعدة مئات من الكيلومترات مما يزيد من تثبيت القشرة الأرضية بما تحتها من طبقات الأرض.

أما الإكتشاف الأكثر إثارة والذي يعمل على تثبيت القشرة الأرضية فهو وجود ما أسماه العلماء بالرواسي (cratons) والتي تقع في منتصف الصفائح القارية وتتملك جذور (keels or roots) قد تمتد إلى عمق 350 كيلومتر في طبقة الوشاح. وكما شرحنا سابقا فإن هذا الرواسي تتكون من صخور بالغ القساوة وجافة وأقل كثافة من صخور المناطق المحيطة بها مما يحول دون غوصها في طبقة الوشاح وكذلك دون تآكل هذا الجذور من أثر الحرارة العالية لطبقة الوشاح رغم أنها تكونت مع بداية تكون القشرة الأرضية قبل أربعة بلايين سنة. إن هذه الرواسي هي الأنوية التي تشكلت حولها القارات المختلقة حيث أنها بقيت طافية فوق طبقة الوشاح بسبب قلة كثافتها وكذلك صمدت جذورها ضد التآكل بسبب صلابة صخورها وخصائصها الكيميائية والفيزيائية العجيبة. لقد أثبت العلماء بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الرواسي تلعب دورا كبيرا في إستقرار القشرة الأرضية كما يتبين من النص التالي المأخوذ من الويكيبيديا (يوجد تحت الأجزاء الأقدم من الغلاف الصخري القاري والمسماة الرواسي مناطق سميكة وقليلة الكثافة وهي جذور الرواسي تساعد على إستقرار تلك المناطق):

) The oldest parts of continental lithosphere underlie cratons, and the mantle lithosphere there is thicker and less dense than typical; the relatively low density of such mantle "roots of cratons" helps to stabilize these regions.[2](.

وبسبب هذا الجذور العميقة وجد العلماء أن الصفائح القارية تتحرك بسرعات أقل بكثير من الصفائح المحيطية حيث تتراوح  في القارية بين 20 و 30 ملليمتر في السنة وما بين 50 و 70 ملليمتر في السنة في المحيطية.

وقد أكد باحثان جولوجيان في بحث نشر لهما عام 2002م بعنوان(On the relation between cratonic lithosphere thickness, plate motions, and basal drag, Artemieva I.M. and Mooney W.D. Tectonophysics, v. 358, 211-231, 2002) الدور الذي تلعبه الرواسي في التقليل من سرعة حركة الصفائح القارية. وقد بين البحث أن البيانات المأخوذة من الرواسي تدعم نموذج السحب القاعدي (“basal drag” model)  والذي تنبأ بأن سماكة الغلاف الصخري تتناسب عكسيا مع الجذر التربيعي لسرعة الصفيحة وهذا هو النص الأصلي:

The data for the Archean cratons supports the “basal drag” model,
which predicts the lithospheric thickness to be inverse proportional
to the square root of the plate velocity.

وقالا أيضا أن هذه الجذور إذا ما تآكلت بحيث يصبح طولها أقل من 200 كيلومتر بدلا من طولها الحالي وهو 350 كيلومتر سيؤدي إلى سهولة تحرك الصفيحة فوق طبقة الوشاح بسبب إنخفاض مقاومة هذه الجذور لحركة الصفيحة كما جاء بالنص في البحث المذكور:

  (Due to the viscosity-depth structure of the upper mantle, thinning of the Archean lithospheric keel will reduce basal drag and therefore resistance to plate motion. This will permit faster movement of the craton with respect to the underlying mantle, which, in turn, will enhance lithosphere erosion by the basal drag. If an Archean keel is thinned to significantly less than 200 km, the remaining lithospheric column will be a candidate for strong deformation in a collisional environment and for modification by metasomatism (i.e. invasion by volatiles and relatively enriched mantle magmas)

ولا زال العلماء يبحثون عن الآليات التي تكونت بها هذه الرواسي (cratons) وبهذه المواصفات العجيبة فمنهم من يقول أنها تكونت نتيجة للحرارة العالية التي كانت عليها طبقة الوشاح عند بداية تكون القشرة الأرضية. ولقد عثرت على بحث حول أحد هذه الرواسي في القارة الأفريقية يعتقد الباحث فيه أن أصله وأصل بقية الرواسي قد يكون من الفضاء والتي سقطت كنيازك ضخمة على الأرض وذلك بعد أن تكونت القشرة الأرضية البدائية والبحث بعنوان:

 (Kochemasov, G.G. 1983. The Congo craton: an old impact structure? Lunar and Planetary Institute, NASA Astrophysics Data System(

 ويقول هذا الباحث (إنه من المغري إقتراح أن أصل المنصات الأرضية لما قبل العصر الكامبري قياسا على رواسي الكنغو قد نتج عن إصطدام نيازك ضخمة قديمة والتحامها بالقشرة الأرضية البدائية بعد أن ذابت ثم تجمدت في موقع الإصطدام في القشرة وفي جزء من الوشاح العلوي) وهذا هو النص الإنكليزي لما قاله هذا الباحث حول أصل الرواسي:

)It is tempting to suggest that origin of  Earth's precambrian platforms by analogy with the Congo caraton is related to consolidation of the primitive crust by old (4,5-3,8 Myr) gigantic impacts melting and condensing at the impact site of the crust and some part of the upper mantle.(

وأخيرا نعود لشرح حل اللغز الذي جعل جذور هذه الرواسي تصمد لبلايين السنين ولم تتآكل وهي مغموسة في داخل وشاح سائل تزيد درجة حرارته عن ألف درجة مئوية وذلك لكي تقوم بوظيفتها في حفظ استقرار القارات ومنعها من أن تميد بسكانها. ومن جملة ما قال الباحثون حول هذا اللغز قولهم (إن الثبات الظاهر للرواسي وكذلك جذورها لبلايين السنين يصعب تفسيرها بنماذج الديناميكا الأرضية) وقولهم كذلك (إن من أكبر التحديات وضع نماذج جيوديناميكية يمكنها الحفاظ على جذور مستقرة للرواسي في داخل وشاح متطور ومتجدد لعدة بلايين من السنين).

"The apparent stability of Archean cratons and cratonic keels for billions of years is a difficult observation for geodynamic modeling to explain.23 "It has been quite challenging to produce geodynamical models that maintain stable cratonic keels in a convecting mantle over several billion years of mantle evolution."23

 ولقد تمكن مجموعة من الباحثين من وكالة ناسا ومن جامعات أمريكية من حل هذا اللغز في بحثهم المعنون (المحتوى المائي للأوليفين في القشرة القارية وطول عمر الرواسي)

Olivine water contents in the continental lithosphere and the longevity of cratons, Anne H. Peslier,1, 2 Alan B. Woodland,3 David R. Bell4 & Marina Lazarov3Journal name: , NatureVolume:, 467,Pages: 78–81Date published:, (02 September 2010)


وهذه ترجمة بتصرف لملخص بحثهم المبين أسفل هذه الترجمة  (تحتوي الرواسي التي هي المراكز القديمة للقارات على أقدم قشرة ووشاح على الأرض أي ما يزيد عن بليوني سنة. وتمتد هذه الرواسي سطحيا لمئات الكيلومترات وتغوص لأعماق تتراوح بين 180 و 250 كيلومتر على شكل جذور لها تركيب كيميائي وفيزيائي يختلف عن تلك التي للوشاح المحيط بها. وتعتبر الرواسي أسمك غلاف صخري في كوكبنا وتعمل كعوارض صلبة معزولة عن الوشاح السائل المتدفق حولها وكان التساؤل كيف بقيت هذه الرواسي معزولة طول هذه الفترة الزمنية عن الوشاح السائل. وفي بحثنا هذا أثبتنا من خلال صخر الأولوفين المأخوذ من أحد الرواسي الأفريقية أنها فقيرة بالماء وتمتلك تباين كافي في درجة اللزوجة عن محيطها مما يحقق معيار الإستقرار الذي تتطلبه حسابات الديناميكا الأرضية. لقد حلت نتائج دراستنا السر المحير وهو لماذا قاومت القارات القديمة إعادة التجديد وذلك على العكس من الصفائح المحيطية ذات العمر القصير)

(DOI:

Cratons, the ancient cores of continents, contain the oldest crust and mantle on the Earth (>2Gyr old)1. They extend laterally for hundreds of kilometres, and are underlain to depths of 180–250km by mantle roots that are chemically and physically distinct from the surrounding mantle2, 3, 4. Forming the thickest lithosphere on our planet, they act as rigid keels isolated from the flowing asthenosphere5; however, it has remained an open question how these large portions of the mantle can stay isolated for so long from mantle convection. Here we show that olivine in peridotite xenoliths from the lithosphere–asthenosphere boundary region of the Kaapvaal craton mantle root are water-poor and provide sufficient viscosity contrast with underlying asthenosphere to satisfy the stability criteria required by geodynamic calculations9. Our results provide a solution to a puzzling mystery of plate tectonics, namely why the oldest continents, in contrast to short-lived oceanic plates, have resisted recycling into the interior of our tectonically dynamic planet.)

لقد أشار القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا إلى مسألة عدم إستقرار القشرة الأرضية في غياب ما يمكن أن يثبتها رغم أن البشر في ذلك العصر وحتى معظم الناس في هذه العصر لا يعلمون أن القشرة الأرضية التي يعيشون عليه تطفو على بحر من الصخور الذائبة وهي معرضة للحركة فوقه إذا ما أثرت عليها قوة ما. لقد أطلق القرآن الكريم إسم الرواسي على الأجسام التي تقوم بثبيت القشرة الأرضية فوق طبقة الوشاح شبه السائلة وهذا الإسم مشتق من الفعل رسى والذي يعني الثبات والرسوخ فهذه القشرة ترسو فوق الوشاح كما ترسو السفينة في الميناء بعد أن تلقي مرساتها في قاع البحر. ولقد ذكر القرآن الكريم الرواسي في آيات كثيرة للتدليل على أهميتها وأكد على الدور الذي تلعبه في تثبيت القشرة الأرضية في آيتين وهما في قوله تعالى (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) النحل) وقوله تعالى (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) الأنبياء). فهاتان الآيتان تؤكدان على أن الدور الرئيسي الذي تقوم به الرواسي هو منع القشرة الأرضية من أن تميد بمن عليها من سكان. والميد هو تحرك الشيء واضطرابه وهو أشد من التزلزل فالتزلزل ينتج عنه إهتزاز القشرة الأرضية دون أن تنزاح عن مكانها أما الميد فقد ينتج عنه إنزياح القشرة عن مكانها. إن إستخدام كلمة ألقى في الأية الأولي قد يشير إلى أن هذا الرواسي أو بعضها قد سقط من السماء على شكل إرتطامات ضخمة كما أشار إلى ذلك أحد الباحثين في هذا المجال بينما قد يكون إستخدام كلمة جعلنا إلى أن الرواسي قد تشكلت من القشرة الأرضية تحت ظروف معينة لا زال العلماء يبحثون عن طبيعتها. وقد وردت كلمتي ألقى وجعل في آيات أخرى كما في قوله تعالى (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) ق) وقوله تعالى (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)الحجر) وقوله تعالى (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)فصلت) وقوله تعالى (أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) النمل) وقوله تعالى (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) النازعات) وقوله تعالى (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) المرسلات).

أما الأية التي تحدد الآلية التي تعمل من خلالها الرواسي في تثبيت القشرة الأرضية فهي قوله تعالى (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) النبأ). وهذه الآية رغم أنها تتكون من كلمتين فقط إلا أنها تلخص مئات الأبحاث التي قام بها علماء الجيولوجيا لكشف الآلية التي تحول دون إنزلاق القشرة الأرضية فوق طبقة الوشاح شبه السائلة رغم وجود قوى كثيرة تؤثر عليها كدوران الأرض حول محورها وتصادم الصفائح التكتونية ببعضها البعض وحركة تيارات الحمل في طبقة الوشاح وغيرها. فجذور الجبال أو الرواسي الصلبة تغوص في طبقة الوشاح السائلة كما تغوص الأوتاد في التراب والتي تثبت الخيم وبيوت الشعر عند دقها في الأرض وربط الحبال بها. وتتم عملية تثبيت جذور الرواسي للقشرة الأرضية من خلال الإحتكاك العالى (drag) بين هذه الجذور وطبقة الوشاح المحيطة بها. وكما أشرنا إلى ذلك سابقا فإن اللغز الكبير الذي كان يحير العلماء هو صمود هذه الجذور ضد التأكل رغم وجودها في وشاح سائل تزيد حرارته عن ألف درجة مئوية لما يزيد عن أربعة بلايين سنة بينما يذيب هذه الوشاح بقية الصخور الموجودة في بقية القشرة الأرضية. وأخيرا نختم بوصف دقيق لأهمية جذور الرواسي في حفظ إتزان القارات مأخوذ من أحد المواقع الإلكترونية والذي ينص: (في هذا العالم يوجد مناطق قديمة من القشرة الأرضية تسمى الرواسي والتي قاومت التآكل من قبل كوكبنا المتغير, وشكرا لجذور هذه الرواسي التي يظهر أنها السبب في مقاومة هذه المناطق الجيولوجية للتغيرات الكبيرة التي حدثت للقشرة الأرضية, وجذور الرواسي هي جزء من الوشاح تقع تحت الرواسي وتمتد كما يمتد جذر السن في الوشاح الذي تحته) وهو ترجمة للنص الإنجليزي التالي:

(Throughout the world there exist regions of ancient crust, referred to as cratons, which have resisted being recycled into the interior of our tectonically dynamic planet. These geologic anomalies appear to have withstood major deformation thanks to the presence of mantle roots. A mantle root is a portion of Earth’s mantle that lies beneath the craton, extending like the root of a tooth into the rest of the underlying mantle.)