2014-10-21

قصيدة جبران خليل جبران في الهجرة النبوية


جبران خليل جبران

(لبنان 1883 -1931م)

 

هل الهلال فحيوا طالع العيد
حيوا البشير بتحقيق المواعيد
يا أيها الرمز تستجلي العقول به
لحكمة الله معنى غير محدود
كأن حسنك هذا وهو رائعنا
حسن لبكر من الأقمار مولود
لله في الخلق آيات وأعجبها
تجديد روعتها في كل تجديد
فتيان مصر وما أدع بدعوتكم
سوى مجيبين أحرار مناجيد
سوى الأهلة من علم ومن أدب
مؤملين لفضل غير مجحود
المستسر شعار المقتدين به
العاملين بمغزى منه مقصود
ما زال من مبدإ الدنيا ينبئنا
أن التمام بمسعاة ومجهود
فإن تسيروا إلى الغابات سيرته
إلى الكمال فقد فزتم بمنشود
يا عيد جئت على وعد تعيد لنا
اولى حوادثك الأولى بتأييد
بل كنت عيدين في التقريب بينهما
معنى لطيف ينافي كل تبعيد
رددت يوما يسر المؤمنون به
ولم تكن بادئا يوما لتعييد
رسالة الله لا تنهى بلا نصب
يشقي الأمين وتغريب وتنكيد
رسالة الله لوحلت على جبل
لاندك منها وأضحى بطن أخدود
ولوتحملها بحر لشب لظى
وجف وانهال فيه كل جلمود
فليس بدعا إذا ناء الصفي بها
وبات في ألم منها وتسهيد
ينوي الترحل عن أهل وعن وطن
وفي جوانحه أحزان مكبود
يكاد يمكث لولا أن تداركه
أمر الإله لأمر منه موعود
فإذ غلا القوم في إيذائه خطلا
وشردوا تابعيه كل تشريد
دعا الموالين إزماعا لهجرته
فلم يجبه سوى الرهط الصناديد
مضى هوالبدء والصديق يصحبه
يغامر الحزن في تيهاء صيخود
موليا وجهه شطر المدينة في
ليل أغر على الأدهار مشهود
حتى إذا اتخذ الغار الأمين حمى
ونام بين صفاه نوم مجهود
حماه وشي بباب الغار منسدل
من الأولى هددوه شر تهديد
يا للعقيدة والصديق في سهر
تؤذيه أفعى ويبكي غير منجود
يا للعقيدة إن صحت وزلزلها
مفني القرى فهي حصن غير مهدود
أما الصحاب الذين استأخروا فتلوا
سارين في كل مسير غير مرصود
ما جند قيصر أوكسرى إذا افتخروا
كهؤلاء الأعزاء المطاريد
كأنهم في الدجى والنجم شاهدهم
فرسان رؤيا لشأن غير معهود
كأنهم وضياء الصبح كاشفهم
آمال خير سرت في مهجة البيد
في حيطة الله ما شعت أسنتهم
فوق الظلال على المهرية القود
عانى محمد ما عانى بهجرته
لمأرب في سبيل الله محمود
وكم غزاة وكم حرب تجشمها
حتى يعود بتمكين وتأييد
كذا الحياة جهاد والجهاد على
قدر الحياة ومن فادى بها فودي
أدنى الكفاح كفاح المرء عن سفه
للاحتفاظ بعمر رهن تحديد
ليغنم العيش طلقا كل مقتحم
وليبغ في الأرض شقا كل رعديد
ومن عدا الجل المحتوم مطلبه
عدا الفناء بذكر غير ملحود
لقد علمتم وما مثلي ينبئكم
لكن صوتي فيكم صوت ترديد
ما أثمرت هجرة الهادي لأمته
من صالحات أعدتها لتخليد
وسودتها على الدنيا بأجمعها
طوال ما خلقت فيها بتسويد
بدا وللشرك أشياع توطده
في كل مسرح باد كل توطيد
والجاهليون لا يرضون خالقهم
إلا كعبد لهم في شكل معبود
مؤلهون عليهم من صناعته
بعض المعادن أوبعض الجلاميد
مستكبرون أباة الضير غر حجى
ثقال بطش لدان كالأماليد
لا ينزل الرأي منهم في تفرقهم
إلا منازل تشتيت وتبديد
ولا يضم دعاء من أوابدهم
إلا كما صيح في عفر عباديد
ولا يطيقون حكما غير ما عقدوا
لذي لواء على الأهواء معقود
بأي حلم مبيد الجهل عن ثقة
وأي عزم مذل القادة الصيد
أعاد ذاك الفتى الأمي أمته
شملا جميعا من الغر الأماجيد
لتلك تالية الفرقان في عجب
بل آية الحق إذ يبغى بتأييد
صعبان راضهما توحيد معشرهم
وأخذهم بعد إشراك بتوحيد
وزاد في الأرض تمهيدا لدعوته
بعهده للمسيحيين والهود
وبدئه الحكم بالشورى يتم به
ما شاءه الله عن عدل وعن جود
هذا هوالحق والإجماع أيده
فمن يفنده أولى بتفنيد
أي مسلمي مصر إن الجد دينكم
وبئس ما قيل شعب غير مجدود
طال التقاعس والأعوام عاجلة
والعام ليس إذا ولى بمردود
هبوا إلى عمل يجدي البلاد فما
يفيدها قائل يا أمتي سودي
سعيا وحزما فود العدل ودكم
وإن رأى العدل قوم غير مودود
لا تتعبوا لا تملوا إن ظمأتكم
إلى غدير من الأقوام مورود
تعلموا كل علم وانبغوا وخذوا
بكل خلق نبيه أخذ تشديد
فكوا العقول من التصفيد تنطلقوا
وما تبالون أقداما بتصفيد
مصر الفؤاد فإن تدرك سلامتها
فالشرق ليس وقد صحت بمفؤود
الشرق نصف من الدنيا بلا عمل
سوى المتاع بما يضني وما يودي
والغرب يرقى وما بالشرق من همم
سوى التفات إلى الماضي وتعديد
تشكوالحضارة من جسم أشل به
شطر يعد وشطر غير معدود
أبناء مصر عليكم واجب جلل
لبعث مجد قديم العهد مفقود
فليرجع الشرق مرفوع المقام بكم
ولتزه مصر بكم مرفوعة الجيد
ما أجمل الدهر إذ يأتي وأربعنا
حقيقة الفعل والذكرى بتمجيد
والشرق والغرب معوانان قد خلصا
من حاسد كائد كيدا لمحسود
صنوان بران في علم وفي عمل
حران من كلا تقييد وتعبيد
لا فعل يخطيء فيه الخير بعضهما
إلا تداركه الثاني بتسديد
ولا خصومة إلا في استباقهما
لما يعم بنفع كل موجود
هذي الثمار التي يرجوالأنام لها
من روضكم كل نام نضار العود
لمصر والشرق بل للخافقين معا
دع زعم كل عدوا الحق مريد
جوزوا على بركات الله عامكم
فقد تبدل منحوس بمسعود
رجاؤكم أبدا ملء النفوس فما
ينفى بحسنى ولا يوهى بتهديدا
بدا الفلاح وفي هذا الهلال لكم
بشرى التمام لوقت غير ممدود
غدا نرى البدر في طرس السماء محا
بخاتم النور زلات الدجى السود