2021-03-29

وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه

 

وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه

        الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

        لقد أنعم الله عز وجل على خليله ونبيه إبراهيم عليه السلام بقوة الحجة وسرعة البديهة وقدرته على إفحام وإبهات خصومه من كفار قومه وخاصة الملك الذي عاش في عصره وهو المسمى بالنمرود. ولقد ذكر القرآن الكريم عدد من قصص المحاججة التي تمت بينه وبين أبيه وقومه وكذلك مع النمرود الذي ادعى أنه لا إله إلا هو وكانت الغلبة لإبراهيم عليه السلام في تلك المحاججات. وورد كذلك عدد من قصص سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه في الصحف المنسوبة إليه (THE APOCALYPSE OF ABRAHAM) والتي عثر على نسخ منها باللغة السلوفاكية وتم ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية في عام 1919م. ولقد أشار القرآن الكريم إلى صحف إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى "أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)" النجم وقوله تعالى "إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)" الأعلى. وتتحدث الصحيقة في بدايتها عن قصص إبراهيم عليه السلام مع أصنام أبيه وعمه وقومة والذي كان دائم السخرية منها واستخدام مختلف الأساليب المضحكة والمهبتة لإقناع أبيه وقومه بأنها تماثيل لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع. ولقد جاءت القصص الواردة في هذه الصحف متوافقة مع القصص القرآني الذي أكثر من قصص إبراهيم عليه السلام مع الأصنام  لتكون موعظة لكفار قريش والعرب الذين كانوا يعبدون الأصنام .  

        ولد إبراهيم عليه السلام وعاش فترة شبابه في أور جنوب العراق وذلك أبان حكم سلالة أور الثالثة (Third Dynasty of Ur) وهي أسرة سومرية حكمت بلاد الرافدين بعد إنهيار  الإمبراطورية الأكدية (The Akkadian Empire). ومن المرجح أن إبراهيم عليه السلام قد ولد في فترة حكم الملك شولجي (Shulgi) أو النمرود الذي استلم الحكم بعد أبيه لمدة 48 عاما وذلك من عام 2030 إلى 1982 قبل الميلاد. ويعد النمرود من أقوى ملوك هذه الأسرة وقد توسعت رقعة مملكته بشكل كبير ولذلك أطلق على نفسه أسماء كملك الجهات الأربعة (the king of the four-quarters) وكذلك ملك سومر وأكاد ("King of Sumer and Akkad). وتؤكد الدراسات التاريخية على أن النمرود قد ادعى الألوهية في السنة الثالثة والعشرين من حكمه (He proclaimed himself a god in his 23rd regnal year) وهذا ما أكده القرآن الكريم في قصة المحاججة التي تمت بين إبراهيم عليه السلام وبين النمرود بعد إدعائه الألوهية (divinity) إلا أن إبراهيم عليه السلام تمكن من إفحامه كما سنبين ذلك لاحقا.

        وقد جاء في التوراة  على أن نسب إبراهيم عليه السلام هو إبراهيم بن تارخ  ( آزر) بن ناحور بن ساروغ بن راغو  بن فالغ  بن عابر (هود)  بن شالخ بن أرفخشد  بن سام  بن نوح عليه السلام.  ولقد أكد القرآن الكريم على أن إبراهيم عليه السلام هو من شيعة أو ذرية نوح عليه السلام  وذلك في قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)) الصافات. ومن الضروري التأكيد على أن ليس كل البشر الذين يعيشون اليوم هم من ذرية نوح عليه السلام فلقد أمن معه قليل من قومه حملهم معه في السفينة كما جاء في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)) هود. وأكد كذلك على أن النبوة قد انحصرت في ذرية نوح أولا ثم في ذرية إبراهيم عليهما السلام كما جاء في قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)) الحديد. وأورد القرآن الكريم كذلك اسم أبي إبراهيم عليه السلام على أنه آزر في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)) الأنعام. وقد جاء في التوراة على أن اسم أبي إبراهيم عليه السلام  هو تارح وقد أشغل بعض المؤرخين ومفسرو القرآن الكريم أنفسهم في هذا الاختلاف وهم يعلمون أن الشخص حتى في عصرنا هذا قد يكون له أكثر من اسم أو لقب.  

يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا

        لقد هدى الله عز وجل إبراهيم عليه السلام منذ طفولته إلى معرفة أن الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع وهي بذلك لا يجب أن تعبد كما جاء ذلك في قوله تعالى (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)) مريم.  ولقد كان أبا إبراهيم آزر صانعا لهذه الأصنام وكان إبراهيم عليه السلام يساعد أبيه في بيعها إلى الناس طاعة له إلا أنه كان دائم السخرية منها ومن قلة حيلتها. ولقد ورد كثير من قصص إبراهيم عليه السلام مع الأصنام في الصحف المنسوبة إليه فقد قام بوضع صنم خشبي عند حافة نار مشتعله عله يهرب منها ولكن النار أحرقته ووجد كذلك صنم حجري كبير قد وقع على وجهه على الأرض وانتظر ليقوم بنفسه فلم يقم فنادى أباه لكي يقيماه وغير ذلك من القصص. وعندما تبين له أن هذه الأصنام ليس بوسعها أن تنفع نفسها فأنى لها أن تنفع من يعبدها من البشر قال لأبيه ساخرا (يأبت إنه حري بهذه الأصنام أن تعبدك لا أن تعبدها أنت فأنت من صنعها وأنت من ينقلها من مكان إلى مكان). ولكي يشكك أباه في الأصنام التي يصنعها ويعبدها قال له يوما أنه من الأجدر له أن يعبد الأصنام التي يصنعها عمه فهي مصنوعة من الذهب والفضة وأصنامه مصنوعة من الخشب والحجر. وفي أحد الأيام كان يبيع الأصنام في متجر أبيه فمر رجل كبير السن ليشتري صنما له وبعد أن اختار الرجل أحد الأصنام قال له إبراهيم كم عمرك قال سبعين عاما قال إبراهيم إن هذه الصنم صنعه أبي قبل يومين أفلا تستحي أن تعبد صنما عمره يومين وأنت عمرك سبعين عاما فأستحى الرجل وأنصرف.

قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ

لقد كان منظر وقوف البشر الذين يسمعون ويبصرون ويتحركون أمام أصنام من الحجارة والخشب لا تسمع ولا تبصر ولا تتحرك يثير الحنق والغضب في نفس إبراهيم عليه السلام. وكان إبراهيم عليه السلام يمر عليهم صباحا ومساءا مبينا لهم أن هذه الأصنام لا يمكنها أن تستجيب لأدعيتهم وليس بيدها نفعكم ولا ضركم كا جاء في قوله تعالى  "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)" الشعراء.

قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ

لم يكن بوسع إبراهيم عليه السلام أن يتخيل بفطرته السليمة أن يقوم شخص بصنع تمثال من الحجر أو الخشب بيديه ثم يقوم بعبادته وطلب المعونة منه. وكان يمر على الأصنام فيقدم لها الطعام فلا تأكل ويحاورها فلا تستجيب له فقام بتحطيمها  كما جاء في قوله تعالى "وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) " الصافات.

 

وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ

لم يترك إبراهيم عليه السلام طريقة إلا واستخدمها لإقناع أبيه وقومه بترك عبادة الأصنام فكان يقول لهم لما لا تعبدون النار التي أحرقت صنم أبي وحولته إلى رماد بل لما لا تعبدون الماء الذي يطفيء النار بل الأرض التي تبتلع الماء بل الشمس التي تجفف الأرض ولكن حتى الشمس يجب أن لا تعبد لأنها تغيب في الليل وتحجبها الغيوم وكذلك القمر والنجوم. ومن ثم قال مخاطبا أبيه وقومه كما ورد في صحيفته بالنص (ولكن إسمع يا أبي تارح وليكن بعلمك أن الله هو الذي خلق كل شيء وليس من تعتبرونهم آلهة! من هو وكيف هو؟ هو الذي خلق السموات وجعل الشمس ضياء والقمر نورا ومعهما النجوم وجعل الأرض يابسة في وسط كثير من المياه) (But hear this Terah my father; for  I will make known to thee the God who hath made everything, not these we consider as gods. Who then is He? or what is He? Who hath crimsoned the heavens, and made the sun golden, And the moon lustrous, and with it the stars; And hath made the earth dry in the midst of many waters). ولقد أورد القرآن الكريم هذا الطرح الفريد في الوصول إلى معرفة أنه لا وجود لخالق لهذا الكون سوى الله عز وجل كما في قوله تعالى (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنالنبوةَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)) الأنعام

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ

        ولما أصبح إبراهيم عليه السلام في عمر الفتوته بدأ بدعوة أبيه وقومه لترك عبادة الأصنام وعبادة رب السموات والأرض والناس وهددهم بتحطيم أصنامهم ليثبت أنه لا يمكن لها أن تدفع عنها الضرر. وقد قام عليه السلام بفكرة ذكية وهي أنه قام بتحطيم جميع الأصنام إلا أكبرهم الذي علق الفأس في رقبته وعندما سألوه عمن حطم أصنمهم أجاب بأنه هو الصنم الأكبر وقد كان جوابه مفحما لهم بحيث أنهم اعترفوا بسفاهة أحلامهم للوهلة الأولى إلا أنهم عادوا عن ذلك وقرروا إحراق إبراهيم عليه السلام في النار إنتصارا لأصناهم كما جاء ذلك في قوله تعالى  (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)) الأنبياء.

فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ

وبعد أن إنتشر خبر إبراهيم عليه السلام بين الناس استدعاه الملك النمرود الذي آتاه الله عز وجل ملك أرض العراق وما حوله وذلك ليثبت له أنه هو رب الناس وليس الإله الذي يدعو إليه إبراهيم عليه السلام. لقد بدأ إبراهيم عليه السلام المحاججة بأن الله عز وجل يحي ويميت فكان جواب النمرود أنه يستطيع فعل ذلك بأن يأمر حراسه بقتل شخص ثم يقوم بالعفو عنه فلما أدرك إبراهيم سخافة عقل النمرود قال له إن الله عز وجل يأتي بالشمس من المشرق فأت به من المغرب فبهت النمرود من هذا السؤال ولم يتمكن من الجواب كما جاء في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)) البقرة.

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا

وفي محاججة أخرى مع قومه والذين خوفوا إبراهيم عليه السلام  من عقاب آلهتهم له فقال لهم إنهم هم الأحرى بالخوف من الله عز وجل فهو يعبد ربا واحدا وهم يعبدون آلهة متعددة من صنع أيديهم كما جاء في قوله تعالى (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)) الأنعام.