2017-05-05

الهمزية في مدح خير البرية

الهمزية في مدح خير البرية 
شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري (مصر 1212 – 1296م)
يا سماء ما طاولتها سماءُ
كيف ترقى رُقِيّك الأنبِياءُ
 سنى مِنك دُونهُم وسناءُ
لم يُساوُوك فِي عُلاك وقد حال
كما مثّل النُّجُوم الماءُ
إِنّما مثّلُوا صِفاتِك لِلنّاسِ
إِلاّ عن ضوئِك الأضواءُ
أنت مِصباحُ كُلِّ فضل فما تصدُر ُ 
 ومِنها لآدم الأسماءُ
لك ذاتُ العُلُومِ مِن عالِمِ الغيب
لك الأُمّهاتُ والآباءُ
لم تزل فِي ضمائِر ِالكونِ تُختارُ
بشّرت قومها بِك الأنبِياءُ
مامضت فترة من الرُّسل إلاّ
بِك علياءُ بعدها علياءُ
تتباهى بِك العُصُورُ وتسمُو
مِن كرِيم آباؤُهُ كُرماءُ
وبدا لِلوُجُودِ مِنك كرِيم
قلّدتها نُجومها الجوزاءُ
 نسب تحسِبُ العُلا بِحُلاهُ


أنت فِيهِ اليتِيمةُ العصماءُ
حبّذا عِقدُ سُؤدد وفخار
أسفرت عنهُ ليلة غرّاءُ
ومُحيّا كالشّمسِ مِنك مُضِيء
سُرُور بِيومِهِ وازدِهاءُ
ليلةُ المولِدِ الذِي كان لِلدِّينِ
وُلِد المُصطفى وحقّ الهناءُ
وتوالت بُشرى الهواتِفِ أن قد
آية مِنك ما تداعى البِناءُ
وتداعى إِيوانُ كِسرى ولولا
كُربة مِن خُمُودِها وبلاءُ
وغدا كُلُّ بيتِ نار وفِيهِ
لِنِيرانِهِم بِها إِطفاءُ
وعُيُون لِلفُرسِ غارت فهل كان
وبال عليهِمُ ووباءُ
مولِد كان مِنهُ فِي طالِعِ الكُفر
الذِي شُرِّفت بِهِ حوّاءُ
فهنِيئا بِهِ لآمِنة الفضلُ
أحمد أو أنّها بِهِ نُفساءُ
من لِحوّاء أنّهاحملت
مِن فخار مالم تنلهُ النِّساءُ
يوم نالت بِوضعِهِ ابنةُ وهب
حملت قبلُ مريمُ العذراءُ
وأتت قومها بِأفضل مِمّا
وشفتنا بِقولِها الشّفّاءُ
شمّتتهُ الأملاكُ إِذ وضعتهُ
إِلى كُلِّ سُؤدد إِيماءُ
رافِعا رأسهُ وفِي ذلِك الرّفعِ
عينِ من شأنُهُ العُلُوالعلاءُ
رامِق اطرفُهُ السّماء ومرمى
فأضاءت بِضوئِها الأرجاءُ
وتدلّت زُهرُ النُّجُومِ إليهِ
يراها من دارُهُ البطحاءُ
وتراءت قُصِورُ قيصر بالرُّومِ
ليس فِيها عنِ العُيُونِ خفاءُ
وبدت فِي رضاعِهِ مُعجِزِات
قُلن مافِي اليتِيمِ عنّا غناءُ
إِذ أبتهُ لِيُتمِهِ مُرضِعات
قد أبتها لِفقرِها الرُّضعاءُ
فأتتهُ مِن آلِ سعد فتاة
وبنِيها ألبانهُنّ الشّاءُ
أرضعتهُ لِبانها فسقتها
ما بِها شائِل ولا عجفاءُ
أصبحت شُولا عِجافا وأِمست
إِذ غدا لِلنّبِيِّ مِنها غِذاءُ
أخصب العيشُ عِندها بعد محل
عليها مِن جِنسها والجزاءُ
يا لها مِنّة لقد ضُوعِف الأجرُ
لسعِيد فإِنّهُم سُعداءُ
وإِذا سخّر الإِلهُ أُناسا
لديهِ يستشرِفُ الضُّعفاءُ
حبّة أنبتت سنابِل والعصفُ
وبِها مِن فِصالِهِ البُرحاءُ
وأتت جدّهُ وقد فصلتهُ
فظنّت بِأنّهُم قُرناءُ
إِذ أحاطت بِهِ ملائِكةُ اللهِ
لهِيب تصلى بِهِ الأُحشاءُ
ورأى وجدهابِهِ ومِن الوجدِ
ثاوِيا لا يُملُّ منهُ الثّواءُ
فارقتهُ كرها وكان لديها
مُضغة عِند غسلِهِ سوداءُ
شُقّ عن قلبِهِ وأُخرج مِنهُ
أُودِع ما لُم تُذع لهُ أنباءُ
ختمتهُ يُمنى الأمِينِ وقد
الفضُّ مُلِمّ بِهِ ولا الإِفضاءُ
صان أسرارهُ الخِتامُ فلا
وة طِفلا وهكذا النُّجباءُ
ألِف النُّسك والعِبادة والخل
نشِطت لِلعِبادةِ الأعضاءُ
وإِذا حلّتِ الهِدايةُ قلبا
ب حِراساوضاق عنهاالفضاءُ
بعث اللهُ عِند مبعثِهِ الشُّه
عِ كما تطرُدُ الذِّئاب الرِّعاءُ
تطرُدُ الجِنّ عن مقاعِد للسّم
ت مِن الوحيِ مالهُنّ انمِحاءُ
فمحت آية الكهانةِ آيا
زُّهدُ فِيهِ سجِيّة والحياءُ
ورأتهُ خدِيجة والتُّقى وال
ح أظلّتهُ مِنهُما أفياءُ
وأتاها أنّ الغمامة والسّر
اللهِ بِالبعثِ حان مِنهُ الوفاءُ
وأحادِيثُ أنّ وعد رسُولِ
سن مايبلُغُ المُنى الأذكِياءُ
فدعتهُ إِلى الزواجِ وما أح
ولِذِي اللُّبِّ فِي الأُمُورِ ارتِياءُ
وأتاهُ فِي بيتِها جبرئِيلُ
أهُو الوحيُ أم هُو الإِغماءُ
فأماطت عنهاالخِمارلِتدرِي
لُ فماعاد أو أُعِيد الغِطاءُ
فاختفى عِندكشفِها الرّأس جِبرِي
الذِي حاولتهُ والكِيمياءُ
فاستبانت خدِيجة أنّهُ الكن
وفِي الكُفرِ نجدة وإِباءُ
ثُمّ قام النّبِيُّ يدعُوإِلى اللّه
فداءُ الضّلالِ فِيهِ عياءُ
أُمما أُشرِبت قُلُوبُهُمُ الكُفر
وإِذا الحقُّ جاء زال المِراءُ
ورأينا آياتِه فاهتدينا
نُور تهدِي بِها من تشاءُ
ربِّ إِنّ الهُدى هُداك وآيات
هِم ما ليس يُلهمُ العُقلاءُ
كم رأيناماليس يعقِلُ قد أُل
لِ ولم ينفعِ الحِجاوالذّكاءُ
إِذ أبى الفِيلُ ماأتى صاحِبُ الفِي
رِس عنهُ لأحمدالفُصحاءُ
والجماداتُ أفصحت بِالذِي أُخ
ألِفتهُ ضِبابُها والظِّباءُ
ويح قوم جفوا نبِيّا بِأرض
وقلوهُ وودّهُ الغُرباءُ
وسلوهُ وحنّ جِذع إِليهِ
وحمتهُ حمامة ورقاءُ
أخرجُوهُ مِنها وآواهُ غار
ماكفتهُ الحمامةُ الحصداءُ
وكفتهُ بِنسجِها عنكبُوت
هُ ومِن شِدّةِ الظُّهُورِالخفاءُ
واختفى مِنهُمُ على قُربِ مرآ
قت إِليهِ مِن مكّة الأنحاءُ
ونحاالمُصطفى المدِينة واشتا
أطرب الإِنس مِنهُ ذاك الغِناءُ
وتغنّت بِمدحِهِ الجِنُّ حتّى
وتهُ فِي الأرضِ صافِن جرداءُ
واقتفى إِثرهُ سُراقةُ فاسته
ف وقد يُنجِدُ الغرِيق النِّداءُ
ثُمّ ناداهُ بعدما سِيمتِ الخس
تُ العُلا فوقها لهُ إِسراءُ
فطوى الأرض سائِرا والسّموا
فِيها على البُراقِ استِواءُ
فصِفِ اللّيلة التِي كان لِلمُختارِ
وتِلك السِّيّادةُ القعساءُ
وترقّى بِهِ إِلى قابِ قوسينِ
كُلّ شمس مِن دُونِهِنّ هباءُ
وتلقّى مِن ربِّهِ كلِمات
إِدراكِها العُلماءُ والحُكماءُ
زاخِراتِ البِحارِ تعجزُ عن
دُونها ما وراءهُنّ وراءُ
رُتب تسقُطُ الأمانِيُّ حسرى
إِِذ أتتهُ مِن ربّهِ النّعماءُ
ثُمّ وافى يُحدِّثُ الّنّاس شُكرا
أو يبقى مع السُّيُولِ الغُثاءُ
وتحدّى فارتاب كُلُّ مُرِيب
شقّ عليهِ كُفر بِهِ وازدِراءُ
وهو يدعُوإلى الإِلهِ وإن
وهو المحجّةُ البيضاءُ
ويدُلُّ الورى على اللهِ بِالتّوحِيدِ
صخرة مِن إِبائِهِم صمّاءُ
فبِما رحمة مِن الله لانتِ
بعد ذاك الخضراءُ والغبراءُ
واستجابت لهُ بِنصر وفتح
العرباءُ والجاهِلِيّةُ الجهلاءُ
وأطاعت لأمرِهِ العربُ
عليهِم والغارةُ الشّعواءُ
وتوالت لِلمُصطفى الآيةُ الكُبرى
تلتهُ كتِيبة خضراءُ
وإِذا ما تلا كِتابا مِن الله
نبِيّا مِن قومِهِ استِهزاءُ
وكفاهُ المُستهزِئِين وكم ساء
البيتِ فِيها لِلظّالِمِين فناءُ
ورماهُم بِدعوة مِن فِناءِ
والرّدى مِن جُنُودِهِ الأدواءُ
خمسة كُلُّهُم أُصِيبُوا بِداء
عمى ميِّت بِهِ الأحياءُ
فدهى الأسود بن مُطّلِب أيُّ
أن سقاهُ كأس الرّدى استِسقاءُ
ودهى الأسود بن عبدِ يغُوث
قصّرت عنها الحيّةُ الرّقطاءُ
وأصاب الولِيد خدشةُ سهم
العاصِي فلِلّهِ النّقعةُ الشّوكاءُ
وقضت شوكة على مُهجةِ
بِها رأسُهُ وساء الوِعاءُ
وعلى الحارِثِ القُيُوحُ وقد سال
فكفُّ الأذى بِهِم شلاّءُ
خمسة طُهِرت بِقطعِهِمُ الأرضُ
إِن كان لِلكِرامِ فِداءُ
فُدِيت خمسةُ الّصّحِيفةِ بِالخمةِ

يال أمر أتاهُ بعد هِشام
زمعة إنّهُ الفتى الأتّاءُ
وزُهير والمُطعِمُ بنُ عديّ
وأبُوالبُحتُرِيِّ مِن حيثُ شاءُوا
نقضُوا مُبرم الصّحِيفةِ إِذ شدّت
عليهِم مِن العِدا الأنداءُ
أذكرتنا بِأكلِها أكل مِنساةِ
سُليمان الأرضةُ الخرساءُ
وبِها أخبر النّبِيُّ وكم أخرج
خبئا لهُ الغُيُوبُ خِباءُ
لا تخل جانِب النّبِيِّ مُضاما
حِين مسّتهُ مِنهُمُ الأسواءُ
كُلُّ أمر ناب النّبِيئِين فالشِّدّةُ
فِيهِ محمُودة والرّخاءُ
لو يمسُّ النُّظار هون مِن النّارِ
لما اختِير للِنُّظارِ الصِّلاءُ
كم يد عن نبِيِّهِ كفّها الله
وفِي الكُفرِ نجدة وإِباءُ
إِذ دعا وحدهُ العِباد وأمست
مِنهُ فِي كُلِّ مُقلة أقذاءُ
همّ قوم بِقتلِهِ فأبى السّيفُ
وفاء وفاءتِ الصّفواءُ
وأبُوجهل إذ رأى عُنُق الفحلِ
إِليهِ كأنّهُ العنقاءُ
واقتضاهُ النّبِيُّ دين الأراشِيِّ
وقد ساء بيعُهُ والشِّراءُ
ورأى المُصطفى أتاهُ بِما لم
يُنجِ مِنهُ دُون الوفاءِ النّجاءُ
هُو ما قد رآهُ مِن قبلُ لكِن
ما على مِثلِهِ يُعدُّ الخطاءُ
وأعدّت حمّالةُ الحطبِ الفِهر
وجاءت كأنّها العنقاءُ
يوم جاءت غضبى تقولُ أفِي
مِثلِي مِن أحمد يُقالُ الهِجاءُ
وتولّت وما رأتهُ ومِن أين
ترى الشّمس مُقلة عمياءُ
ثُمّ سمّت لهُ اليهُودِية الشّاة
وكم سام الشِّقوة الأشقِياءُ
فأذاع الذِّراعُ ما فِيهِ مِن
سُمّ بِنُطق إِخفاؤُهُ إِبداءُ
وبِخُلق مِن النّبِيِّ كرِيم
لم تُقاصص بِجرحِها العجماءُ
منّ فضلا على هوازِن إِذ كان
لهُ قبل ذاك فِيهِم رباءُ
وأتى السّبيُ فِيهِ أُختُ رضاع
وضع الكُفرُ قدرها والسِّباءُ
فحباها بِرّا توهّمتِ النّاسُ
بِهِ أنّما السِّباءُ هِداءُ
بسط المُصطفى لها مِن رِداء
أيُّ فضل حواهُ ذاك الرّداءُ
فغدت فِيهِ وهي سيِّدةُ النِّسوةِ
والسّيِّداتُ فِيهِ إِماءُ
فتنزّه فِي ذاتِهِ ومعانِيهِ
اجتِلاء إِن عزّ مِنها اجتِلاءُ
واملإِ السّمع مِن محاسِن يُملِيها
عليك الإِنشادُ والإِنشاءُ
كُلُّ وصف لهُ ابتدأتُ بِهِ استوعب
أخبار الفضلِ مِنهُ ابتِداءُ
سيِّد ضِحكُهُ التّبسُّمُ والمشيُ
الهُوينا ونومُهُ الإِغفاءُ
ما سِوى خُلقِهِ النّسِيمُ ولاغيرِ
مُحيّاهُ الرّوضةِ الغنّاءُ
رحمة كُلُّهُ وحزم وعزم
ووقار وعِصمة وحياءُ
لاتحُلُّ البأساءُ مِنهُ عُرى الصّبرِ
ولا تستخِفُّهُ السّرّاءُ
كرُمت نفسُهُ فما يخطُرُ السُّوءُ
على قلبِهِ ولا الفحشاءُ
عظُمت نِعمةُ الإِلهِ عليهِ
فاستُقِلّت لِذِكرِهِ العُظماءُ
جهِلت قومُهُ عليهِ فأغضى
وأخُوالحِلمِ دأبُهُ الإِغضاءُ
وسِع العالمِين عِلما وحِلما
فهو بحر لم تُعيِهِ الأعباءُ
مُستقِل دُنياك أن يُنسب
الإِمساكُ مِنها إِليهِ والإِعطاءُ
شمسُ فضل تحقّق الظّنُّ فِيهِ
أنّهُ الشّمسُ رِفعة والضِّياءُ
فإِذا ما ضحا محى نُورُهُ الظِّلّ
وقد أثبت الظّلال الضّحاءُ
فكأنّ الغمامة استودعتهُ
من أظلّت مِن ظِلِّهِ الدُّففاءُ
خفِيت عِندهُ الفضائِلُ وانجابت
بِهِ عن عُيُونِنا الأهواءُ
أمع الصُّبحِ لِلنُّجُومِ تجلّ
أم مع الشّمسِ لِلظّلامِ بقاءُ
مُعجِزُ القولِ والفِعالِ كرِيمُ
الخلقِ والخُلقِ مُقسِط مِعطاءُ
لا تقِس بِالنّبِيِّ فِي الفضلِ خلقا
فهُو البحرُ والأنامُ إِضاءُ
كُلُّ فضل فِي العالمِين فمِن فضلِ
النّبِيِّ استعارهُ الفُضلاءُ
شُقّ عن صدرِهِ وشُقّ لهُ البدرُ
ومِن شرطِ كُلِّ شرط جزاءُ
ورمى بِالحصى فأقصد جيشا
ما العصا عِندهُ وما الإِلقاءُ
ودعا لِلأنامِ إِذ دهمتهُم
سنة مِن مُحُولِها شهباءُ
فاستهلّت بِالغيثِ سبعة أيّام
عليهِم سحابة وطفاءُ
تتحرّى مواضِع الرّعيِ والسّقيِ
وحيثُ العِطاشُ تُوهى السِّقاءُ
وأتى النّاسُ يشتكُون أذاها
ورخاء يُؤذِي الأنام غلاءُ
فدعا فانجلى الغمامُ فقُل فِي
وصفِ غيث إِقلاعُهُ استِسقاءُ
ثمّ أثرى الثّرى فقرّت عُيُون
بِقُرُاهُا وأُحيِيت أحياءُ
فترى الأرض غِبّهُ كسماء
أشرقت مِن نُجُومِها الظّلماءُ
تُخجِلُ الدُّرُّ واليواقِيت مِن نورِ
رُباها البيضاءُ والحمراءُ
ليتهُ خصّنِي بِرُؤيةِ وجه
زال عن كُلِّ من رآهُ الشّقاءُ
مُسفِر يلتقِي الكتِيبة بسّا
ما إِذا أسهم الوُجُوه اللِّقاءُ
جُعِلت مسجِدا لهُ الأرضُ فاهتزّ
بِهِ لِلصّلاةِ فِيها حِراءُ
مُظهِر شجّة الجبِينِ على البُرءِ
كما أظهر الهِلال البراءُ
سُتِر الحُسنُ مِنهُ بِالحُسنِ
فاعجب لِجمال لهُ الجمالُ وِقاءُ
فهو كالزّهرِ لاح مِن سجفِ
الأكمامِ والعُودِ شُقّ عنهُ اللِّحاءُ
كاد أن يُغشي العُيُون سنى
مِنهُ لِسِرّ حكتهُ فِيهِ ذُكاءُ
صانهُ الحُسنُ والسّكِينةُ أن
تُظهِر فِيهِ آثارها البأساءُ
وتخالُ الوُجُوه إِن قابلتهُ
ألبستها ألوانها الحِرباءُ
فإِذا شِمت بِشرهُ ونداهُ
أذهلتك الأنوارُ والأنواءُ
أو بِتقبِيلِ راحة كان للهِ
وبِاللهِ أخذُها والعطاءُ
تتّقِي بأسها المُلُوكُ وتحظى
بِالغِنا مِن نوالِها الفُقراءُ
لا تسل سيل جُودِها إِنّما يك
فِيك مِن وكفِ سُحبِها الأنداءُ
درّتِ الشّاةُ حِين مرّت عليها
فلها ثروة بِها ونماءُ
نبع الماءُ أثمر النّخلُ فِي عام
بِها سبّحت بِها الحصباءُ
أحيتِ المُرمِلِين مِن موتِ جهد
أعوز القوم فِيهِ زاد وماءُ
فتغذّى بِالصّاعِ ألف جِياع
وتروّى بِالصّاعِ ألف ظِماءُ
ووفى قدرُ بيضة مِن نُظار
دين سلمان حِين حان الوفاءُ
كان يُدعى قِنّا فأعتق لمّا
أينعت مِن نخِيلِهِ الأقناءُ
أفلا تعذُرُون سلمان لمّا
أن عرتهُ مِن ذِكرِهِ العُرواءُ
وأزالت بِلمسِها كُلّ داء
أكبرتهُ أطِبّة وإِساءُ
وعُيُون مرّت بِها وهي رُمد
فأرتها ما لم تر الزّرقاءُ
وأعادت على قتادة عينا
فهي حتّى مماتِهِ النّجلاءُ
أو بِلثمِ التُّرابِ مِن قدم لانت
حياء مِن مشيِها الصّفواءُ
موطِئُ الأخمُصِ الذِي مِنهُ لِلقل
إِذا مضجعِي أقضّ وِطاءُ
حظِي المسجِدُ الحرامُ بِممشاها
ولم ينس حظّهُ إِيلياءُ
ورِمت إِذ رمى بِها ظِلم اللّيلِ
إِلى اللهِ خوفُهُ والرّجاءُ
دمِيت فِي الوغى لِتُكسِب طِيبا
ما أراقت مِن الدّمِ الشُّهداءُ
فهي قُطبُ المِحرابِ والحربِ كم دا
رت عليها فِي طاعة أرحاءُ
وأُراهُ لو لم يُسكِّن بِها قبلُ
حِراء ماجت بِهِ الدّأماءُ
عجبا لِلكُفّارِ زادُوا ظلالا
بِالذِي لِلعُقُولِ فِيهِ اهتِداءُ
والذِي يسألُون مِنهِ كِتاب
مُنزل قد أتاهُمُ وارتِقاءُ
أولم يكفِهِم مِن اللهِ ذِكر
فِيهِ لِلنّاسِ رحمة وشِفاءُ
أعجز الإِنس آية مِنهُ والجِنّ
فهلاّ تأتِي بِها البُلغاءُ
كُلّ يوم يُهدي إِلى سامِعِيهِ
مُعجِزات مِن لفظِهِ القُرّاءُ
تتحلّى بِهِ المسامِعُ والأفواهُ
فهو الحُلِيُّ والحلواءُ
رقّ لفظا وراق معنى فجاءت
فِي حُلاها وحليِها الخنساءُ
وأرتنا فِيهِ غوامِض فضل
رِقّة مِن زُلالِها وصفاءُ
إِنّما تُجتلى الوُجُوهُ إِذا ما
جُلِيت عن مِرآتِها الأصداءُ
سُور مِنهُ أشبهت صُورا
مِنّا ومِثلُ النّظائِرِ النُّظراءُ
والأقاوِيلُ عِندُهُم كالتّماثِيلِ
فلا يُوهِمنّك الخُطباءُ
كم أبانت آياتُهُ مِن عُلُوم
عن حُرُوف أبان عنها الهِجاءُ
فهي كالحبِّ والنّوى أعجب
الزُّرّاع مِنهُ سنابِل وذكاءُ
فأطالُوا فِيهِ التّردُّد والرّيب
فقالُوا سِحر وقالُوا افتِراءُ
وإِذا البيِّناتُ لم تُغنِ شيئا
فالتِماسُ الهُدى بِهِنّ عناءُ
وإِذا ضلّتِ العُقُولُ على عِلم
فماذا تقُولُهُ النُّصحاءُ
قوم عِيسى عاملتُمُ قوم مُوسى
بِالذِي عاملتكُمُ الحُنفاءُ
صدّقُوا كُتبكُمُ وكذّبتُمُ كُتبهُمُ
إِنّ ذا لبِئس البواءُ
لو جحدنا جُحُودكُمُ لاستوينا
أو لِلحقِّ بِالضّلالِ استِواءُ
مالكُم إِخوة الكِتابِ أُناسا
ليس يُرعى لِلحِقِّ مِنكُم إخاءُ
يحسُدُ الأوّلُ الأخِير وما زال
كذا المُحدثُون والقُدماء
قد علِمتُم بِظُلمِ قابِيل هابِيل
ومظلُوم الإِخوةِ الأتقِياءُ
وسمِعتُم بِكيدِ أبناءِ يعقُوب
أخاهُم وكُلُّهُم صُلحاءُ
حِين ألقوهُ فِي غيابةِ جُبّ
ورموهُ بِالإِفكِ وهو براءُ
فتأسّوا بِمن مضى إِذ ظُلِمتُم
فالتّأسِّي لِلنّفسِ فِيهِ عزاءُ
أتراكُم وفّيتُمُ حِين خانُوا
أم ترتكُم أحسنتُمُ إِذ أساءوا
بل تمادت على التّجاهُلِ آباء
تقفّت آثارها الأبناءُ
بيّنتهُ توراتُهُم والأناجِي
يلُ وهُم فِي جُحُودِهِ شُركاءُ
إِن تقُولُوا ما بيّنتهُ فما زالت
بِهِ عن عُيُونِهِم غشواءُ
أو تقُولُوا قد بيّنتهُ فما
لِلأُذنِ عمّا تقُولُهُ صمّاءُ
عرفُوهُ وأنكرُوهُ وظُلما
كتمتهُ الشّهادة الشُّهداءُ
أو نُور الإِلهِ تُطفِئُهُ الأفواهُ
وهو الذِي بِهِ يُستضاءُ
أو لا يُنكِرُون من طحنتهُم
بِرحاها عن أمرِهِ الهيجاءُ
وكساهُم ثوب الصّغارِ وقد طُللت
دِما مِنهُمُ وصِينت دِماءُ
كيف يهدِي الإِلهُ مِنهُم قُلُوبا
حشوُها مِن حبِيبِهِ البغضاءُ
خبِّرُونا أهل الكِتابينِ مِن أين
أتاكُم تثلِيثُكُم والبداءُ
ما أتى بِالعقِيدتينِ كِتاب
واعتِقاد لا نصّ فِيهِ ادِّعاءُ
والدّعاوِي ما لم تُقِيمُوا عليها
بيِّنات أبناؤُها أدعِياءُ
ليت شِعرِي ذِكرُ الثّلاثةِ والواحِدِ
نقص فِي عدِّكُم أم نماءُ
كيف وحّدتُمُ إِلها نفى
التّوحِيد عنهُ الآباءُ والأبناءُ
أألِه مُركّب ما سمِعنا
بِإِله لِذاتِهِ أجزاءُ
أفلِكُلّ مِنهُم نصِيب مِن المُلكِ
فهلاّ تُميّزُ الأنصِباءُ
أتُراهُم لِحاجة واضطِرار
خلطُوها وما بغى الخُلطاءُ
أهُو الرّاكِبُ الحِمار فيا عج
ز إِله يمسُّهُ الإِعياءُ
أم جمِيع على الحِمارِ لقد جلّ
حِمار بِجمعِهِم مشّاءُ
أم سِواهُم هُو الإِلهُ فما نِس
بةُ عِيسى إِليهِ والإِنتِماءُ
أم أردتُم بِها الصِّفاتِ فلِم
خُصصت ثُلاث بِوصفِهِ وثُناءُ
أم هُو ابن للهِ ما شاركتهُ
فِي معانِي البُنُوّةِ الأنبِياءُ
قتلتهُ اليهُودُ فِيما زعمتُم
ولأمواتِكُم بِهِ إِحياءُ
إِنّ قولا أطلقتُمُوهُ على اللّهِ
تعالى ذِكرا لقول هُراءُ
مِثل ما قالتِ اليهُودُ وكُلّ
لزِمتهُ مقالة شنعاءُ
إِذ هُمُ استقرءُوا البداء وكم ساق
وبالا إِليهِمُ استِقراءُ
وأراهُم لم يجعلُوا الواحِد القهّار
فِي الخلقِ فاعِلا ما يشاءُ
جوّزُوا النّسخ مِثل ما جوّزُوا
المسخ عليهِم لو أنّهُم فُقهاءُ
هُو إِلاّ أن يُرفع الحُكمُ بِالحُكمِ
وخلق فِيهِ وأمر سواءُ
ولِحُكم مِن الزّمانِ انتِهاء
ولِحُكم مِن الزّمانِ ابتِداءُ
فسلُوهُم أكان فِي نسخِهِم
مسخ لآياتِ اللهِ أم إِنشاءُ
وبداء فِي قولِهِم ندِم اللّهُ
على خلقِ آدم أم خطاءُ
أم محا اللهُ آية اللّيلِ ذُكرا
بعد سهو لِيُوجد الإِمساءُ
أم بدا لِلإِلهِ فِي ذبحِ إِسحاق
وقد كان الأمرُ فِيهِ مضاءُ
أو ما حرّم الإِلهُ نِكاح الأُختِ
بعد التّحلِيلِ فهو الزِّناءُ
لا تُكذِّب أنّ اليهُود وقد
زاغُوا عنِ الحقِّ معشر لُؤُماءُ
جحدُوا المُصطفى وآمن بالطّاغُوتِ
قوم هُم عِندهُم شُرفاءُ
قتلُوا الأنبِياء واتّخذُوا العِجل
ألا إِنّهُم هُمُ السُّفهاءُ
وسفِيه من ساءهُ المنُّ والسّلوى
وأرضاهُ الفُومُ والقِثّاءُ
مُلِئت بِالخبِيثِ مِنهُم بُطُون
فهي نار طِباقُها الأمعاءُ
لو أُرِيدُوا فِي حالِ سبت بِخير
كان سبتا لديهِمُ الأربِعاءُ
هو يوم مُبارك قِيل لِلتّصرِيفِ
فِيهِ مِن اليِهُودِ اعتِداءُ
فبِظُلم مِنهُم وكُفر عدتهُم
طيِّبات فِي تركِهِنّ ابتِلاءُ
خُدِعُوا بِالمُنافِقِين وهل يُنفقُ
إِلاّ على السّفِيهِ الشّقاءُ
واطمأنُّوا بِقولِ الأحزابِ
إِخوانِهِمُ إِنّنا لكُم أولِياءُ
حالفُوهُم وخالفُوهُم ولم أدرِ
لِماذا تخالف الحُلفاءُ
أسلمُوهُم لأوّلِ الحشرِ لا
مِيعادُهُم صادِق ولا الإِيلاءُ
سكن الرُّعبُ والخرابُ قُلُوبا
وبُيُوتا مِنهُم نعاها الجلاءُ
وبِيومِ الأحزابِ إِذ زاغتِ
الأبصارُ فِيهِ وظلّتِ الآراءُ
وتعدّوا إِلى النّبِيِّ حُدُودا
كان فِيها عليهِمُ العدواءُ
ونهتهُم وما انتهت عنهُ قوم
فأُبِيد الأمّارُ والنّهّاءُ
وتعاطوا فِي أحمد مُنكر القو
لِ ونُطقُ الأراذِلِ العوراءُ
كُلُّ رِجس يزِيدُهُ الخُلُقُ السُّو
ءُ سِفاها والمِلّةُ العوجاءُ
فانظُرُوا كيف كان عاقِبةُ القو
مِ وما ساق لِلبذِيِّ البذاءُ
وجد السّبّ فِيهِ سُمّا ولم يد
رِ إِذِ المِيمُ فِي مواضِع باءُ
كان مِن فِيهِ قتلُهُ بِيديهِ
فهو فِي سُوءِ فِعلِهِ الزّبّاءُ
أو هُو النّحلُ قرصُها يجلِبُ الحت
إِليها وما لها إِنكاءُ
صرعت قومهُ حبائِلُ بغي
مدّها المكرُ مِنهُمُ والدّهاءُ
فأتتهُم خيل إِلى الحربِ تخ
تالُ ولِلخيلِ فِي الوغى خُيلاءُ
قصدت فِيهِمُ القنا فقوافِي
الطّعنِ مِنها ما شانها الإِيطاءُ
وأثارت بِأرضِ مكّة نقعا
ظُنّ أنّ الغُدُومِنها عِشاءُ
أحجمت عِندهُ الحجُونُ وأكدى
عِند إِعطائِهِ القلِيل كُداءُ
ودهت أوجُها بِها وبُيُوتا
مُلّ مِنها الإِكفاءُ والإِقواءُ
فدعوا أحلم البرِيّةِ والعفوُ
جوابُ الحلِيمِ والإِغضاءُ
ناشدُوهُ القُربى التِي مِن قُريش
قطعتها التِّراتُ والشّحناءُ
فعفا عفو قادِر لم يُنغِّصهُ
عليهِم بِما مضى إِغراءُ
وإِذا كان القطعُ والوصلُ لِلهِ
تساوى التّقرِيبُ والإِقصاءُ
وسواء عليهِ فِيما أتاهُ
مِن سِواهُ الملامُ والإِطراءُ
ولو انّ انتِقامهُ لِهوى النّفسِ
لدامت قطِيعة وجفاءُ
قام للهِ فِي الأُمُور فأرضى
الله مِنهُ تبايُن ووفاءُ
فِعلُهُ كُلُّهُ جمِيل وهل
ينضحُ إِلاّ بِما حواهُ الإِناءُ
أطرب السّامِعِين ذِكرُ عُلاهُ
يا لراح مالت بِهِ النُّدماءُ
النّبِيُّ الأُمِّيُّ أعلمُ مُن أسند
عنهُ الرُّوّاةُ والحُكماءُ
وعدتنِي ازدِيارهُ العام وجناءُ
ومنّت بِوعدِها الوجناءُ
أفلا أنطوِي لها فِي اقتِضائِيهِ
لِتُطوى مابيننا الأفلاءُ
بِألُوفِ البطحاءِ يُجفِلُها النِّيلُ
وقد شفّ جوفها الإِظماءُ
أنكرت مِصر فهي تنفِرُ ما لاح
بِناء لِعينِها أو خلاءُ
فأفضّت على مُبارِكِها
بِركتُها فالبُويبُ فالخضراءُ
فالقِبابُ التِي تلِيها فبِئرِ
النّخلِ والرّكبُ قائِلُون رِواءُ
وغدت أيلة وحِقل وقرّ
خلفها فالمغارةُ الفيحاءُ
فعُيُونُ الأقصابِ يتبعُها النّبكُ
وتتلُوكفافة العوجاءُ
حاورتهاالحوراءُ شوقا فيُنبُوع
فرقّ اليُنبُوعُ والحوراءُ
لاح بِالدّهنوينِ بدر لها
بعد حُنين وحنّتِ الصّفراءُ
ونضت بزوة فرابغُ فالجُحفةُ
عنها ما حاكهُ الإِنضاءُ
وأرتها الخلاص بِئرُ علُيّ
فعقابُ السُّويقِ فالخُلصاءُ
فهي مِن ماءِ بِئرِ عُسفان أو مِن
بطنِ مرّ ظمآنة خمصاءُ
قرّب الزّاهِرُ المساجِد مِنها
بِخُطاها فالبُطءُ مِنها وحاءُ
هذِهِ عِدّةُ المنازِلِ لا ما
عُدّ فِيهِ السِّماكُ والعوّاء
فكأنِّي بِها أُرحِّلُ مِن مكّة
شمسا سماؤُها البيداءُ
موضِعُ البيتِ مهبِطُ الوحيِ مأوى
الرُّسلِ حيثُ الأنوارُ حيثُ البهاءُ
حيثُ فرضُ الطّوافِ والسّعيِ
والحلقِ ورميِ الجِمارِ والإِهداءُ
حبّذا حبّذا معاهِدُ مِنها
لم يُغيِّر آياتِهِنّ البلاءُ
حرم آمِن وبيت حرام
ومقام فِيهِ المُقامُ تلاءُ
فقضينا بِها مناسِك لا
يُحمدُ إِلاّ فِي فِعلِهِنّ القضاءُ
ورمينا بِها الفِجاج إِلى
طيبة والسّيرُ بِالمطايا رِماءُ
فأصبنا عن قوسِها غرض القُربِ
ونِعم الخبِيئةُ الكوماءُ
فرأينا أرض الحبِيب يغُضُّ
الطّرف مِنها الضِّياءُ واللّألاءُ
فكأنّ البيداء مِن حيثُ ما
قابلتِ العينُ روضة غنّاءُ
وكأنّ البِقاع ذُرّت عليها
طرفيها مُلاءة حمراءُ
وكأنّ الأرجاء ينشُرُ نشر
المِسكِ فِيها الجنُوبُ والجِربِياءُ
فإِذا شِمت أو شممت رُباها
لاح مِنها برق وفاح كِباءُ
أيُّ نُور وأيّ نور شهِدنا
يوم أبدت لنا القِباب قُباءُ
قرّ مِنها دمعِي وفرّ اصطِبارِي
فدُمُوعِي سيل وصبرِي جُفاءُ
فترى الرّكب طائِرِين مِن الشّوقِ
إِلى طيبة لهُم ضوضاءُ
فكأنّ الزُّوّار ما مسّتِ البأساءُ
مِنهُم خلقا ولا الضّرُّاءُ
كُلُّ نفس مِنها ابتِهال وسُؤل
ودُعاء ورغبة وابتِغاءُ
وزفِير تظُنُّ مِنهُ صُدُورا
صادِحات يعتادُهُنّ زُقاءُ
وبُكاء يُغرِيهِ بِالعينِ مد
ونحِيب يحُثُّهُ استِعلاءُ
وجُسُوم كأنُّما رحضتها
مِن عظِيمِ المهابةِ الرُّحضاءُ
ووُجُوه كأنّما ألبستها
مِن حياء ألوانها الحِرباءُ
ودُمُوع كأنّما أرسلتها
مِن جُفُون سحابة وطفاءُ
فحططنا الرِّحال حيثُ يُحطُّ
الوِزرُ عنّا وتُرفعُ الحوباءُ
وقرأنا السّلام أكرم خلقِ
اللهِ مِن حيثُ يُسمعُ الإِقراءُ
وذهِلنا عِند اللِّقاءِ وكم أذهل
صبّا مِن الحبِيبِ لِقاءُ
ووجمنا مِن المهابة حتّى
لا كلام مِنّا ولا إِيماءُ
ورجعنا ولِلقُلُوبِ التِفاتات
إِليهِ ولِلجُسُومِ انثِناءُ
وسمحنا بِما نُحِبُّ وقد يسمحُ
عِند الضّرُورةِ البُخلاءُ
يا أبا القاسِمِ الذِي ضِمنُ
إِقسامِي عليهِ مدح لهُ وثناءُ
بِالعُلُومِ التِي عليكُ مِن اللهِ
بِلا كاتِب لها إِملاءُ
ومسِيرِ الصّبا بِنصرِك شهرا
فكأنّ الصّبا لديك رُخاءُ
وعلِيّ لمّا تفلت بِعينيهِ
وكِلتاهُما معا رمداءُ
فغدا ناظِرا بِعيني عُقاب
فِي غزاة لها العُقابُ لِواءُ
وبِريحانتينِ طِيبُهُما مِنك
الذِي أُودِعتهُما الزّهراءُ
كُنت تُؤوِيهِما إِليك كما
آوت مِن الخطِّ نُقطتيها الياءُ
مِن شهِيدينِ ليس يُنسِينِي الطّفُّ
مُصابيهِما ولا كربلاءُ
ما رعى فِيهِما ذِمامك مرءُوس
وقد خان عهدك الرُّؤساءُ
أبدلُوا الوِدّ والحفِيظة فِي القُربى
وأبدت ضِبابها النّافِقاءُ
وقست مِنهُمُ قُلُوب على من
بكتِ الأرضُ فقدهُم والسّماءُ
فابكِهِم ما استطعت إِنّ قلِيلا
فِي عظِيم مِن المُصابِ البُكاءُ
كُلّ يوم وكُلُّ أرض لِكربِي
مِنهُمُ كربلا وعاشُوراءُ
آل بيتِ النّبِيِّ إِنّ فُؤادِي
ليس يُسلِيهِ عنكُمُ التّأساءُ
غير أنِّي فوّضتُ أمرِي إِلى اللهِ
وتفويضِي الأُمُور براءُ
رُبّ يوم بِكربلاء مُسِيء
خفّفت بعض رُزئِهِ الزّوراءُ
والأعادِي كأنّ كُلّ طرِيح
مِنهُمُ الزِّقُّ حُلّ عنهُ الوِكاءُ
آل بيتِ النّبِيِّ طِبتُم فطاب
المدحُ لِي فِيكُمُ وطاب الرِّثاءُ
أنا حسّانُ مدحِكُم فإِذا نُحتُ
عليكُم فإِنّنِي الخنساءُ
سُدتُمُ النّاس بِالتُّقى وسِواكُم
سوّدتهُ البيضاءُ والصّفراءُ
وبِأصحابِك الذِين هُمُ بعدك
فِينا الهُداةُ والأوصِياءُ
أحسنُوا بعدك الخِلافة فِي
الدِّينِ وكُل لِما تولّى إِزاءُ
أغنِياء نزاهة فُقراءُ
عُلماء أئِمّة أُمراءُ
زهِدُوا فِي الدُّنا فما عُرِف الميلُ
إِليها مِنهُم ولا الرّغباءُ
أرخصُوا فِي الوغى نُفُوس مُلُوك
حاربُوها أسلابُها إِغلاءُ
رضِي اللهُ عنهُم ورضُوا عنهُ
فأنّى يخطُوإِليهِم خطاءُ
كُلُّهُم فِي أحكامِهِ ذُواجتِهاد
وصواب وكُلُّهُم أكفاءُ
جاء قوم مِن بعدِ قوم بِحقّ
وعلى المنهجِ الحنِيفِيِّ جاءُوا
ما لِمُوسى ولا لِعِيسى حوارِيُّن
فِي عدِّهِم ولا نُقباءُ
بِأبِي بكر الذِي صحّ لِلنّاسِ
بِهِ فِي حياتِك الإِقتِداءُ
والمُهدِّي يوم السّقِيفةِ لمّا
أرجف النّاسُ إِنّهُ الدّأداءُ
أنقذ الدِّين بعد ما كان لِلدِّينِ
على كُلِّ كُربة إِشفاءُ
أنفق المال فِي رِضاك ولا من
وأعطى جمّا ولا إِكداءُ
وأبِي حفص الذِي أظهر اللّهُ
بِهِ الدِّين فارعوى الرُّقباءُ
والذِي تقرُبُ الأباعِدُ فِي
اللهِ إِليهِ وتبعُدُ القُرباءُ
عُمر بنِ الخطّابِ من قولُهُ
الفصلُ ومن حُكمُهُ السّوِيُّ السّواءُ
فرّ مِنهُ الشّيطانُ إِذ كان فارُوقا
فلِلنّارِ مِن سناهُ انبِراءُ
وابنِ عفّان ذِي الأيادِي التِي
طال إِلى المُصطفى بِها الإِسداءُ
حفر البِئر جهّز الجيش أهدى
الهدي لمّا أن صدّهُ الأعداءُ
وأبى أن يطُوف بِالبيتِ إِذ لم
يدنُ مِنهُ إِلى النّبِيِّ فِناءُ
فجزتهُ عنها بِبيعةِ رِضوان
يد مِن نبِيِّهِ بيضاءُ
أدب عِندهُ تضاعفتِ الأع
مالُ بِالتّركِ حبّذا الأُدباءُ
وعلِيّ صِنوِ النّبِيِّ ومن دِي
نُ فُؤادِي وِدادُهُ والولاءُ
ووزِيرِ ابنِ عمِّهِ فِي المعالِي
ومِن الأهلِ تسعدُ الوُزراءُ
لم يزِدهُ كشفُ الغِطاءِ يقِينا
بل هُو الشّمسُ ما عليهِ غِطاءُ
وبِباقِي أصحابِك المُظهِرِ التّرتِيب
فِينا تفضِيلُهُم والولاءُ
طلحة الخيرِ المُرتضِيهِ رفِيقا
واحِدا يوم فرّتِ الرُّفقاءُ
وحوارِيِّك الزُّبيرِ أبِي القرمِ
الذِي أنجبت أسماءُ
والصّفِيّينِ توأمِ الفضلِ سعد
وسعِيد إِذ عُدّتِ الأصفِياءُ
وابنِ عوف من هوّنت نفسُهُ
الدُّنيا بِبذل يُمِدُّهُ إِثراءُ
والمُكنّى أبا عُبيدة إِذ يعزِي
إِليهِ الأمانة الأُمناءُ
وبِعمّيك نيِّري فلكِ المجدِ
وكُل أتاهُ مِنك إِتاءُ
وبِأُمِّ السِّبطينِ زوجِ علِيّ
وبنِيها ومن حوتهُ العباءُ
وبِأزواجِك اللّواتِي تشرّفن
بِأن صانهُنّ مِنك بِناءُ
الأمان الأمان إِنّ فُؤادِي
مِن ذُنُوب أتيتُهُنّ هواءُ
قد تمسّكتُ مِن وِدادِك بِالحبلِ
الذِي استمسكت بِهِ الشُّفعاءُ
وأبى اللهُ أن يمسّنِي السُّوءُ
بِحال ولِي إِليك التِجاءُ
قد رجوناك لِلأُمُورِ التِي
أبردُها فِي قُلُوبِنا رمضاءُ
وأتينا إِليك أنضاء فقر
حملتنا إِلى الغِنا أنضاءُ
وانطوت فِي الصُّدُورِ حاجاتُ نفس
ما لها عن ندى يديك انطِواءُ
فأغِثنا يا من هُو الغوثُ والغيثُ
إِذا أجهد الورى اللّأواءُ
والجوادُ الذِي بِهِ تُفرجُ الغُمّةُ
عنّا وتُكشفُ الحوباءُ
يارحِيما بِالمُؤمِنِين إِذا ما
ذهِلت عن أبنائِها الرُّضعاءُ
ياشفِيعا لِلمُذنِبِين إِذا أشفق
مِن خوفِ ذنبِهِ البُرآءُ
جُد لِعاص وما سِواي هُو
العاصِي ولكِن تنكِيرِي استِحياءُ
وتداركهُ بِالعِنايةِ ما دام
لهُ بِالذِّمامِ مِنك ذِماءُ
أخّرتهُ الأعمالُ والمالُ عمّا
قدّم الصّالِحُون والأغنِياءُ
كُلّ يوم ذُنُوبُهُ صاعِدات
وعليها أنفاسُهُ صُعداءُ
ألِف البِطنة المُبطِّئة السّيرِ
بِدار بِها البِطانُ بِطاءُ
فبكى ذنبهُ بِقسوةِ قلب
نهتِ الدّمع فالبُكاءُ مُكاءُ
وغدا يعتِبُ القضاء ولا عُذر
لُعاص فِيما يسُوقُ القضاءُ
أوثقتهُ مِن الذُّنُوبِ دُيُون
شدّدت فِي اقتِضائِها الغُرماءُ
ما لهُ حِيلة سِوى حِيلةِ
المُوثقِ إِمّا توسُّل أو دُعاءُ
راجِيا أن تعُود أعمالُهُ السُّوءُ
بِغُفرانِ اللهِ وهي هباءُ
أو تُرى سيِّئاتُهُ حسنات
فيُقالُ استحالتِ الصّهباءُ
كُلُّ أمر تُعنى بِهِ تُقلبُ
الأعيانُ فِيهِ وتعجبُ البُصراءُ
رُبّ عين تفلت فِي ماءِها المِلحِ
فأضحى وهو الفُراتُ الرّواءُ
آهِ مِمّا جنيتُ إِن كان يُغنِي
ألِف مِن عظِيمِ ذنب وهاءُ
أرتجِي التّوبة النّصُوح وفِي القلبِ
نِفاق وفِي اللِّسانِ رِياءُ
ومتى يستقِيمُ قلبِي ولِلجِسمِ
اعوِجاج مِن كِبرتِي وانحِناءُ
كُنتُ فِي نومةِ الشّبابِ فما
استيقظتُ إِلاّ ولِمّتِي شمطاءُ
وتماديتُ أقتفِي أثر القومِ
فطالت مسافة واقتِفاءُ
فورا السّائِرِين وهو أمامِي
سُبُل وعرة وأرض عراءُ
حمِد المُدلِجُون غِبّ سُراهُم
وكفى من تخلّف الإِبطاءُ
رِحلة لم يزل يُفنِّدُنِي الصّيفُ
إِذا ما نويتُها والشِّتاءُ
يتّقِي حُرُّ وجهِي الحرّ والبرد
وقد عزّ مِن لظى الإِتِّقاءُ
ضِقتُ ذرعا مِمّا جنيتُ فيومِي
قمطرِير وليلتِي درعاءُ
وتذكّرتُ رحمة اللهِ فالبِشرُ
لِوجهِي أنّى انتحى تِلقاءُ
فألحّ الرّجاءُ والخوفُ بِالقلبِ
ولِلخوفِ والرّجا إِحفاءُ
صاحِ لا تاس إِن ضعُفت عنِ
الطّاعةِ واستأثرت بِها الأقوِياءُ
إِنّ للهِ رحمة وأحقّ   النّاسِ
مِنهُ بِالرّحمةِ الضُّعفاءُ
فابق فِي العُرجِ عِند مُنقلبِ الذّو
ففِي العودِ تسبِقُ العرجاءُ
لا تقُل حاسِدا لِغيرِك هذا
أثمرت نخلُهُ ونخلِي عفاءُ
وأتِ بِالمُستطاعِ مِن عملِ البرِّ
فقد يُسقِطُ الثِمار الإِتاءُ