2017-01-07

تفسير لمفهوم تمدد وتقلص الزمن في نظرية النسبية

تفسير لمفهوم تمدد وتقلص الزمن في نظرية النسبية
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

لقد شرحت في مقالة سابقة عن النسبية الخاصة لألبرت أينشتاين تاريخ تطور النسبية ومبادئها الأساسية ومفهوم نسبية الزمان والمكان وتأثيرها على الظواهر الفيزيائية عند مشاهدتها في الأطر المرجعية المتحركة بسرعات ثابتة. ولا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة النسبية ناتجة عن محدودية سرعة نقل الأحداث بين الأطر  المختلفة وهي سرعة الضوء في الفراغ  والتي تبلغ ثلاثمائة ألف كيلومتر  في الثانية تقريبا. وسأقدم في هذه المقالة تفسيرات لمفهوم تمدد وتقلص الزمن من خلال ضرب أمثلة تعتمد على التقنيات الحديثة. وستساعد هذه الأمثلة على توضيح بعض التصورات الخاطئة عن نظرية النسبية الخاصة وخاصة فيما يتعلق بزيادة عمر الإنسان عند السفر بسرعات عالية. وأود أن أشير إلى أني استخدمت قوانين مبسطة لحساب الفترات الزمنية وهي أعلى قليلا من قيمتها المحتسبة من القوانين الصحيحة في النسبية الخاصة وذلك لتسهيل ضرب الأمثلة.

كيف يبدو صوت المسافر لمن يستمع إليه على الأرض
مع توفر التقنيات الحديثة أصبح من السهل فهم النتائج المترتبة على تمدد أو تقلص الزمن في نظرية النسبية. فعلى سبيل المثال نفترض أن شخصا ما سافر من الأرض على متن صاروخ يسير بسرعة مائة وخمسين ألف كيلومتر في الثانية أي نصف سرعة الضوء وطلب منه أن يتكلم لمدة ساعة من بداية انطلاقه وذلك عبر نظام اتصالات لاسلكي موجه إلى الأرض.  إن المستمع على الأرض سيسمع أول كلمة عند بداية انطلاق الصاروخ أما آخر كلمة في خطاب المسافر فستصل إلى الأرض بعد مرور نصف ساعة من تلفظه بها. ويعود السبب في ذلك إلى أن الصاروخ أصبح على بعد خمسمائة وأربعين مليون كيلومتر من الأرض عندما انتهى المسافر من خطابه وعليه وبسبب محدودية سرعةانتشار الموجات الكهرومغناطيسية الحاملة لصوت المسافر  وهي سرعة الضوء فستصل آخر كلمة بعد مرور نصف ساعة وهي المدة التي تقطعها الموجة لهذه المسافة.  وعلى هذا فإن خطاب المسافر الذي امتد على مدى ساعة من الزمن مقاسا بساعته سيمتد على مدى ساعة ونصف لمن يستمع إليه على الأرض مقاسا بالساعة الأرضية. وقد يبدو لمن لا يعرف تفسير هذه الظاهرة أن هناك إشكالا أو تناقضا في هذه المسألة فكيف يمكن لنفس الخطاب  أن يكون طوله ساعة لمن يستمع إليه في الصاروخ وساعة ونصف لمن يستمع إليه على الأرض!
والجواب على هذا أن المستمع للخطاب على الأرض يحتاج فعلا لساعة ونصف ولكنه سيلاحظ أن صوت المسافر أصبح بطيئا وثخينا فالكلمة التي يحتاج لفظها إلى ثانية واحدة مثلا ستستغرق  ثانية ونصف وهكذا لبقية كلمات الخطاب وسكناته وبذلك سيمتد الخطاب على ساعة ونصف. ولمزيد من التوضيح فلو أن هذا الخطاب قد تم تسجيله على شريط مسجل كاسيت وتم الاستماع إليه على نفس المسجل فسيكون مدة الاستماع ساعة واحدة ولكن إذا تم الاستماع إليه على مسجل آخر ولسبب ما كانت سرعة محركه ثلاثة أرباع سرعة المسجل الأول فإن الخطاب سيستغرق ساعة ونصف ولكن الصوت كما ذكرنا آنفا سيكون بطيئا وثخينا.
كيف يبدو صوت العائد من السفر لمن يستمع إليه على الأرض
لنفترض أن المسافر  الذي ذكرناه آنفا قد قرر العودة إلى الأرض بعد أن قطع مسافة خمسمائة وأربعين مليون كيلومتر وهي المسافة التي قطعها الصاروخ في ساعة واحدة حيث افترضنا أنه يسير بسرعة مائة وخمسين ألف كيلومتر في الثانية. ولقد طلب من المسافر أن يتكلم لمدة ساعة ابتداء من أول لحظة في رحلة العوده ومن خلال نظام الاتصالات اللاسلكي لكي يستمع إليه من على الأرض. إن أول كلمة ينطق بها المسافر  ستصل إلى الأرض بعد مرور  نصف ساعة وذلك لأن الموجة الكهرومغناطيسية التي تحمل صوت المسافر  تسير بسرعة الضوء وهي ضعف سرعة الصاروخ. وأما آخر كلمة من الخطاب فستصل إلى المستمع على الأرض بعد ساعة واحدة وهي اللحظة التي سيصل فيها الصاروخ إلى الأرض. وعليه فإن مدة الخطاب لمن يستمع إليه على الأرض ستكون نصف ساعة فقط بينما طول مدة الخطاب حسب ساعة المسافر  هو ساعة واحدة وهو ما يسمى بتقلص الزمن في نظرية النسبية. وفي هذه الحالة سيبدو صوت المسافر  للمستمع الأرضي سريعا ورقيقا بسبب ضغط محتويات الخطاب في نصف ساعة وبدون فقد لأي من معلومات الخطاب.   إن هذا التقليص لمدة الخطاب يناظر  زيادة سرعة محرك مسجل الكاسيت إلى ضعف سرعته الاعتيادية في المثال الذي ضربناه آنفا.
تأثير دوبلر  وتفسير  ظواهر  تمدد وتقلص الزمن في نظرية النسبية
لقد ذكرت في مقالة النسبية الخاصة أن تأثير  دوبلر (Doppler effect) هو أحد أشكال نظرية النسبية الخاصة. وملخص هذا التأثير  أن قيمة تردد الموجة (frequency) الذي يقيسه مراقب ما يزيد أو ينقص عن التردد الذي يولده مصدر هذه الموجات في حالة وجود حركة نسبية بين المراقب والمصدر  حيث يزداد التردد عند تقاربهما وينقص عند تباعدهما. ويمكن تفسير  ظواهر تمدد وتقلص الزمن باستخدام تأثير دوبلر  لمن عنده خلفية في علم الإشارات الكهربائية (electric signals). فمثال تمدد خطاب المسافر  من ساعة إلى ساعة ونصف  يمكن تفسيره على أن الترددات  المكونة للطيف الترددي لصوت المتكلم قد انخفضت بسبب تأثير دوبلر إلى ثلثي قيمتها الأصلية بسبب الحركة النسبية بين المتكلم في الصاروخ وبين المستمع على الأرض. إن أحد قوانين علم الإشارات الكهربائية ينص على أن التقلص في عرض نطاق ترددات الإشارة يقابله تمدد في زمن إرسالها بحيث يبقى حاصل ضربهما ثابت. وعليه فإن تقلص عرض النطاق لصوت المسافر  إلى الثلثين يتطلب زيادة زمن الإرسال إلى مرة ونصف أي ساعة ونصف في مثالنا السابق. وأما بالنسبة للعائد من السفر  فإن عرض النطاق سيزيد إلى الضعف بسبب تقارب مرسل ومستقبل الإشارات وعليه فإن زمن الإرسال سيقل إلى النصف أي نصف ساعة في المثال.
كيف تبدو  صورة المسافر  أو العائد  لمن يراه على الأرض
 لمعرفة تأثير  النسبية على صورة المسافر يتم تثبيت كميرة تلفزيونية في الصاروخ الذي يحمل مسافرنا في مثالنا السابق  ليتم نقل صورته وصوته إلى الأرض من خلال نظام اتصالات لاسلكي. ومن السهل توضيح ما سيحدث لصورة المسافر عند سفره بسرعة مائة وخمسين ألف كيلومتر في الثانية باستخدام تأثير  دوبلر. فلو افترضنا أن عرض نطاق الإشارة التلفزيونية الملتقطة للمسافر  بالنسبة لإطاره المرجعي وهو الصاروخ يساوي ستة ميغاهيرتز فإن عرض النطاق للمشاهد على الأرض سينخفض إلى أربعة ميغاهيرتز  أي ثلثي القيمة الأصلية بسبب تأثير دوبلر. وبما أن زمن إرسال الإشارة يتناسب عكسيا مع عرض النطاق فإنه سيزيد بمرة ونصف عن زمن الإرسال في الإطار المرجعي الأصلي أي أن الإشارة التلفزيونية التي مدتها ساعة في داخل الصاروخ ستستغرق ساعة ونصف لمشاهدتها على الأرض. وكما هو الحال مع الصوت  في المثال السابق سيرى المشاهد الأرضي أن جميع حركات المسافر  بطيئة بالنسبة لحركاته الفعلية. وأما العائد من السفر  إلى الأرض بنفس السرعة فإن مدة إرسال الإشارة ستنخفض إلى النصف أي نصف ساعة بدلا من ساعة وستبدو حركات المسافر  سريعه كما هو الحال مع صوته.    
هل يطول عمر الإنسان عند السفر بسرعات عالية
لنفترض أنا قمنا بإرسال إنسان منذ ولادته إلى الفضاء على ظهر مركبة فضائية تسير بسرعة مائة وخمسين ألف كيلومتر  في الثانية وقمنا بوضع كميرة تلفزيونية تقوم بإرسال صوره إلى الأرض من خلال نظام اتصالات لاسلكي.  ولو افترضنا أن هذا الإنسان قد عاش ستين عاما وذلك حسب الساعة الموجودة في المركبة فإن عمره لمن يشاهده على الأرض سيكون تسعين عاما وذلك بناءا على الحسابات التي قمنا بها في الأمثلة السابقة. إن جميع الحركات والسكنات التي مرت على هذا الإنسان في المركبة سيشاهدها المراقب الأرضي إلا أنها تمت في مدى ستين عاما في المركبة وفي مدى تسعين عاما على شاشة التلفزيون على الأرض. وأعتقد أن القارئ بعد قراءته للأمثلة السابق أصبح قادر على التوفيق بين هاتين الحالتين المتناقضتين  وذلك لعلمه أن الأحداث التي يشاهدها المراقب الأرض تبدو بطئية بالمقارنة بما يجري داخل المركبة!