يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار
الدكتور منصور أبوشريعة
العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لقد
أثبتت الأبحاث العلمية في هذا العصر بما
لا يدع مجالا للشك أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من نأليف بشر بل هو تنزيل ممن
أحاط علمه بكل شيء سبحانه وتعالى القائل "سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ
يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) " فصلت. ومن هذه الأبحاث العلمية المثيرة تلك التي أجريت على زبت الزيتون لأغراض تمييزه عن بقية
أنواع الزيوت النباتية وتحديد درجة نقاءه بل وحتى تحديد مكان إنتاجه. ولقد اعتمدت
أحدث الطرق المستخدمة لهذه الأعراض على خاصية فريدة تميز بها زيت الزيتون على بقية الزيوت وهي امتلاكه
لما يسمى بالتألق أو البريق الفلوري (Fluorescence) عند مجموعة من الأطوال الموجيه.
والتألق الفلوري ظاهرة موجودة في بعض المواد الحية وغير الحية حيث تقوم بعض الذرات
والجزيئات والمركبات بامتصاص طاقة بعض الموجات
الضوئية القصيرة ومن ثم تقوم باطلاق موجات أكبر طولا في النطاق المرئي
للضوء فيبدو للناظر أن هذه المواد تشع
ضوءا من ذاتها. وتوجد هذه الظاهرة في بعض
حيوانات البحر وبعض النباتات وفي الأحجار
الكريمة. وقد تم استخدام هذه الظاهرة في تصنيع كثير من أنواع الليزر التي تشع ضوءا
بألوان مختلفة كليزر الياقوت ذي اللون الأحمر الصافي.
لقد أكدت
هذه الأبحاث على حقائق علمية وردت في جملة قوله تعالى (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ) والتي وردت في قوله تعالى "اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)" النور. فهذه الآية تشير أولا بلغة علمية فريدة إلى ظاهرة التألق أو
البريق الفلوري لزيت الزيتون (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ), فمن المعروف أن الضوء يتم الحصول عليه من خلال عمليات حرق أو تسخين
المواد بمختلف أنواعها من خلال ظاهرة التوهج الحراري (Incandescent). أما الآية القرآنية فتؤكد على
أن زيت الزيتون قد يضيء بدون حرقه (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ). ومن دقة التعبير العلمي في هذه الآية أنها لم تنص على
أن الزيت يضيء بل أضافت كلمة يكاد (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) للتدليل على أن الضوء الذاتي الذي قد يشعه زيت الزيتون
يحتاج لمصدر إثارة غير الحرارة وهو كما ذكرنا ضوء ذي موجات قصيرة كالضوء البنفسجي
المرئي والضوء فوق البنفسجي غير المرئي. ويمكن التأكد من هذه الظاهرة في زيت
الزيتون النقي عند وضعه في إناء زجاجي ومشاهدته في ضوء الشمس أو تسليط ضوء مصدر
ضوء صناعي كالليزر مثلا.
أما الحقيقة الثانية التي أشارت إليها الآية فهي أن ظاهرة البريق في
زيت الزيتون تعتمد على نوعية الزيت حيث تتفاوت شدة البريق من زيت إلى آخر وهذا ما
أكدته الأبحاث العلمية. وقد جاء ذكر في
قوله تعالى (يُوقَدُ
مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ )
والتي تؤكد على أن الموقع الجغرافي لشجرة
الزيتون يحدد نوعية الزيت وبالتالي درجة البريق. ومن المتفق عليه في تفاسير
القرآن الكريم أن المقصود بالزيتونة التي
لا هي شرقية ولا هي غربية هو أن هذه الزيتونة معرضة لأشعة الشمس طول النهار فلا هي
في السفح الشرقي أو الغربي لجبل بل في أعلاه أو
في سهول ممتدة. وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن شجرة الزيتون تحتاج لست ساعات
على الأقل من ضوء الشمس المباشر لتعطي
زيتا جيدا وكلما زادت مدة تعرض الشجرة لضوء الشمس كلما ازدادت جودة الزيت. وبعد
هذا العرض هل يمكن لبشر كسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤلف هذه الآية الزاخرة
بالحقائق العلمية والبالغة الدقة في تعبيرها وهو رجل في غاية الإنشغال بدعوته لدين
جديد ومطارد من قبل أعدائه في مكة المكرمة ومحاربا لهم في المدينة المنورة. ومن المعلوم أن شجر الزيتون غير متوفر في مكة المكرمة والمدينة المنورة وغالبا ما
يحصلون على كميات قليلة من زيت الزيتون من بلاد الشام. لقد أشار القرآن الكريم
لظاهرة الإشعاع الضوئي من زيت الزيتون قبل ثلاثة عشر قرنا من اكتشاف العلماء لها
في بداية القرن العشرين فقد ذكر في أحد الأبحاث ما نصه (على الرغم من قدرة زيت
الزيتون على إطلاق إشعاع فلوري قد عرفت منذ بداية القرن إلا أنه في عام 1925م فقط تم استغلال هذه الظاهرة لتحديد أصالة زيت
الزيتون باستخدام مصباح الزئبق المزود بمرشح وود )
(Although the ability of
olive oil to emit fluorescence radiation has been known from the beginning of
this century, it was only in 1925, when the mercury lamp equipped with the Wood
filter was made commercially available, that this property was applied for
authenticity determination of olive oil )
لقد تم نشر
أبحاث لا حصر لعددها تتعلق بظاهرة البريق الفلوري الموجودة في زيت الزيتون واستخدامها
في تطبيقات عديدة. ففي مجموعة من هذه
الأبحاث تم تحديد أطوال الموجات التي يشعها زيت الزيتون ومقارنتها مع مجموعة من
أنواع الزيوت الأخرى وقد تبين أن زيت الزيتون يتفرد عن بقية الزيوت بطيف مميز. فقد
جاء في أحد هذه الأبحاث ما نصه (تم فحص طيف البريق الفلوري لبعض الزيوت النباتية
الشائعة كزيت الزيتون بأنواعه وزبوت الذرة والصويا وعباد الشمس والقطن في حالتها
الطبيعية بعد إثارتها بإشعاع ذي طول موجة يبلغ 360 نانومتر. وأظهرت جميع الزيوت
باستثناء زيت الزيتون فائق البكارة بريق فلوري قوي في النطاق الممتد من 430 إلى
450 نانومتر. أما زيت الزيتون فائق
البكارة فقد أعطى طيف بريق فلوري مختلف ولكنه مثير للاهتمام فهو يتألف من ثلاثة
نطاقات أحدها ثنائي ذو شدة منخفضة عند 440 و 455 نانومتر وثانيهما قوي عند 525
نانومتر وثالثهما بشدة متوسطة عند 681 نانومتر) (Fluorescence
spectra of some common vegetable oils, including olive oil, olive residue oil,
refined olive oil, corn oil, soybean oil, sunflower oil, and cotton oil, were
examined in their natural state, with a wavelength of 360 nm used as excitation
radiation. All oils studied, except extra virgin olive oil, exhibited a strong
fluorescence band at 430–450 nm. Extra virgin olive oil gave a different by
interesting fluorescence spectrum, composed of 3 bands: one low intensity
doublet at 440 and 455 nm, one strong at 525 nm, and one of medium intensity at
681 nm.).
وفي
أبحاث أخرى تم التأكد على أن طيف البريق
الفلوري لزيت الزيتون يعتمد على نوعية الزيت فقد جاء في أحد هذه الأبحاث ما نصه
(بالاعتماد على البيانات المنشورة يمكن أن نستنتج أن خصائص البريق الفلوري تعتمد
على نوعية زيت الزيتون. فلكل صنف مختار يظهر الطيف فروق طفيفة بين العينات لكن السمات العامة
تبقى متشابهة مما يسمح بتحديد وتوثيق عينات الزيت
) (Based on the published data, one may conclude
that the fluorescence properties depend on the quality grade of olive oils
(Kyriakidis&Skarkalis, 2000; Poulli et al., 2006; Guimet et al., 2004a).
For a selected quality category, the spectra may show minor differences between
samples, however, the general features remain similar, permitting
identification and authentication of oil samples.).
أما الأبحاث الأكثر إثارة فتلك المتعلقة بتحديد المنطقة الجغرافية التي ينتج منها زيت الزيتون فقد جاء في أحدث الأبحاث ما نصه (يعتبر المصدر
الجغرافي ذا أهمية للمنتجين والمستوردين والمستهلكين. فقد طور ديوبي طريقة لتمييز
زيت الزيتون تبعا للمصدر الجغرافي ) (geographical
origin is of great importance for the producers, importers, and consumers.
Dupuy et al. (2005) developed a method to discriminate olive oils according to
their geographic origin.).
ويستخدم الطيف المميز لزيت الزيتون كذلك لكشف الزيوت المغشوشة
بدقة عالية فقد جاء في أحد الأبحاث ما نصه (يعتبر غش زيت الزيتون البكر عمل نصب شائع من خلال إضافة زيوت رخيصة تشمل
زيوت زيتون بنوعية متدنية أو زيوت نباتية أخرى. ويمكن باستخدام
معايير التحليل الحالية لزيت الزيتون من كشف وجود جميع المواد الزائفة
) (Adulteration of virgin
olive oils has been a common fraud practice that involves addition of cheaper
oils, including olive oils of lower quality or other plant oils. The current
analytical standards for olive oil enable detection of the presence of almost
all of the possible adulterants).
المراجع
1-
Kyriakidis
N. B. & Skarkalis P. (2000). Fluorescence Spectra Measurement of Olive Oil
and Other Vegetable Oils. Journal of AOAC International, Vol.83, No.24, pp.
1435-1439, ISSN 1944-7922.
2-
Zandomeneghi
M.; Carbonaro L. & Caffarata C. (2005). Fluorescence of Vegetable Oils:
Olive Oils. Journal of Agricultural and Food Chemistry, Vol.53, No.3, pp.
759-766, ISSN 1520-5118
3-
Glantz
A. L. (1930). Fluorescence of Olive Oil Under Ultra-Violet Light. Industrial
& Engineering Chemistry Analytical Edition, Vol.2, No.3, pp. 256-258, ISSN
0096-4484
4-
Dupuy
N.; Le Dreau Y.; Ollivier D.; Artaud J.; Pinatel C. & Kister J. (2005).
Origin of French Virgin Olive Oil Registered Designation of Origins Predicted
by Chemometric Analysis of Synchronous Excitation-Emission Fluorescence
Spectra. Journal of Agricultural and Food Chemistry, Vol.53, No.24, pp.
9361-9368, ISSN 1618-2650
5-
Poulli
K. I.; Mousdis G. A. & Georgiou C. A. (2007). Rapid Synchronous
Fluorescence Method for Virgin Olive Oil Adulteration Assessment. Food
Chemistry, Vol.105, No.1, pp. 369-375, ISSN 0308-8146
6-
Dankowska
A. & Małecka M. (2009). Application of Synchronous Fluorescence
Spectroscopy for Determination of Extra Virgin Olive Oil Adulteration. European
Journal of Lipid Science and Technology, Vol.111, No.12, pp. 1233-1239, ISSN
1438-9312
ماشاء الله تبارك الله بارك الله فيك دكتور وافاد الأمة بعلمك ونفعك به الله يقويك
ردحذفصدق الله العظيم
ردحذف