الهمزية في مدح خير البرية
شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري (مصر
1212 – 1296م)
يا سماء ما طاولتها سماءُ
|
كيف ترقى رُقِيّك الأنبِياءُ
|
سنى مِنك دُونهُم وسناءُ
|
لم يُساوُوك فِي عُلاك وقد حال
|
كما مثّل النُّجُوم الماءُ
|
إِنّما مثّلُوا صِفاتِك لِلنّاسِ
|
إِلاّ عن ضوئِك الأضواءُ
|
أنت مِصباحُ كُلِّ فضل فما تصدُر ُ
|
ومِنها لآدم الأسماءُ
|
لك ذاتُ العُلُومِ مِن عالِمِ الغيب
|
لك الأُمّهاتُ والآباءُ
|
لم تزل فِي ضمائِر ِالكونِ تُختارُ
|
بشّرت قومها بِك الأنبِياءُ
|
مامضت فترة من الرُّسل إلاّ
|
بِك علياءُ بعدها علياءُ
|
تتباهى بِك العُصُورُ وتسمُو
|
مِن كرِيم آباؤُهُ كُرماءُ
|
وبدا لِلوُجُودِ مِنك كرِيم
|
قلّدتها نُجومها الجوزاءُ
|
نسب تحسِبُ العُلا بِحُلاهُ
|
أنت فِيهِ اليتِيمةُ العصماءُ
|
حبّذا عِقدُ سُؤدد وفخار
|
أسفرت عنهُ ليلة غرّاءُ
|
ومُحيّا كالشّمسِ مِنك مُضِيء
|
سُرُور بِيومِهِ وازدِهاءُ
|
ليلةُ المولِدِ الذِي كان لِلدِّينِ
|
وُلِد المُصطفى وحقّ الهناءُ
|
وتوالت بُشرى الهواتِفِ أن قد
|
آية مِنك ما تداعى البِناءُ
|
وتداعى إِيوانُ كِسرى ولولا
|
كُربة مِن خُمُودِها وبلاءُ
|
وغدا كُلُّ بيتِ نار وفِيهِ
|
لِنِيرانِهِم بِها إِطفاءُ
|
وعُيُون لِلفُرسِ غارت فهل كان
|
وبال عليهِمُ ووباءُ
|
مولِد كان مِنهُ فِي طالِعِ الكُفر
|
الذِي شُرِّفت بِهِ حوّاءُ
|
فهنِيئا بِهِ لآمِنة الفضلُ
|
أحمد أو أنّها بِهِ نُفساءُ
|
من لِحوّاء أنّهاحملت
|
مِن فخار مالم تنلهُ النِّساءُ
|
يوم نالت بِوضعِهِ ابنةُ وهب
|
حملت قبلُ مريمُ العذراءُ
|
وأتت قومها بِأفضل مِمّا
|
وشفتنا بِقولِها الشّفّاءُ
|
شمّتتهُ الأملاكُ إِذ وضعتهُ
|
إِلى كُلِّ سُؤدد إِيماءُ
|
رافِعا رأسهُ وفِي ذلِك الرّفعِ
|
عينِ من شأنُهُ العُلُوالعلاءُ
|
رامِق اطرفُهُ السّماء ومرمى
|
فأضاءت بِضوئِها الأرجاءُ
|
وتدلّت زُهرُ النُّجُومِ إليهِ
|
يراها من دارُهُ البطحاءُ
|
وتراءت قُصِورُ قيصر بالرُّومِ
|
ليس فِيها عنِ العُيُونِ خفاءُ
|
وبدت فِي رضاعِهِ مُعجِزِات
|
قُلن مافِي اليتِيمِ عنّا غناءُ
|
إِذ أبتهُ لِيُتمِهِ مُرضِعات
|
قد أبتها لِفقرِها الرُّضعاءُ
|
فأتتهُ مِن آلِ سعد فتاة
|
وبنِيها ألبانهُنّ الشّاءُ
|
أرضعتهُ لِبانها فسقتها
|
ما بِها شائِل ولا عجفاءُ
|
أصبحت شُولا عِجافا
وأِمست
|
إِذ غدا لِلنّبِيِّ مِنها غِذاءُ
|
أخصب العيشُ عِندها بعد
محل
|
عليها مِن جِنسها
والجزاءُ
|
يا لها مِنّة لقد ضُوعِف الأجرُ
|
لسعِيد فإِنّهُم سُعداءُ
|
وإِذا سخّر الإِلهُ أُناسا
|
لديهِ يستشرِفُ الضُّعفاءُ
|
حبّة أنبتت سنابِل والعصفُ
|
وبِها مِن فِصالِهِ البُرحاءُ
|
وأتت جدّهُ وقد فصلتهُ
|
فظنّت بِأنّهُم قُرناءُ
|
إِذ أحاطت بِهِ ملائِكةُ اللهِ
|
لهِيب تصلى بِهِ الأُحشاءُ
|
ورأى وجدهابِهِ ومِن الوجدِ
|
ثاوِيا لا يُملُّ منهُ الثّواءُ
|
فارقتهُ كرها وكان لديها
|
مُضغة عِند غسلِهِ سوداءُ
|
شُقّ عن قلبِهِ وأُخرج مِنهُ
|
أُودِع ما لُم تُذع لهُ أنباءُ
|
ختمتهُ يُمنى الأمِينِ وقد
|
الفضُّ مُلِمّ بِهِ ولا الإِفضاءُ
|
صان أسرارهُ الخِتامُ فلا
|
وة طِفلا وهكذا النُّجباءُ
|
ألِف النُّسك والعِبادة والخل
|
نشِطت لِلعِبادةِ الأعضاءُ
|
وإِذا حلّتِ الهِدايةُ قلبا
|
ب حِراساوضاق عنهاالفضاءُ
|
بعث اللهُ عِند مبعثِهِ الشُّه
|
عِ كما تطرُدُ الذِّئاب الرِّعاءُ
|
تطرُدُ الجِنّ عن مقاعِد للسّم
|
ت مِن الوحيِ مالهُنّ انمِحاءُ
|
فمحت آية الكهانةِ آيا
|
زُّهدُ فِيهِ سجِيّة والحياءُ
|
ورأتهُ خدِيجة والتُّقى وال
|
ح أظلّتهُ مِنهُما أفياءُ
|
وأتاها أنّ الغمامة والسّر
|
اللهِ بِالبعثِ حان مِنهُ الوفاءُ
|
وأحادِيثُ أنّ وعد رسُولِ
|
سن مايبلُغُ المُنى الأذكِياءُ
|
فدعتهُ إِلى الزواجِ وما أح
|
ولِذِي اللُّبِّ فِي الأُمُورِ ارتِياءُ
|
وأتاهُ فِي بيتِها جبرئِيلُ
|
أهُو الوحيُ أم هُو الإِغماءُ
|
فأماطت عنهاالخِمارلِتدرِي
|
لُ فماعاد أو أُعِيد الغِطاءُ
|
فاختفى عِندكشفِها الرّأس جِبرِي
|
الذِي حاولتهُ والكِيمياءُ
|
فاستبانت خدِيجة أنّهُ الكن
|
وفِي الكُفرِ نجدة وإِباءُ
|
ثُمّ قام النّبِيُّ يدعُوإِلى اللّه
|
فداءُ الضّلالِ فِيهِ عياءُ
|
أُمما أُشرِبت قُلُوبُهُمُ الكُفر
|
وإِذا الحقُّ جاء زال المِراءُ
|
ورأينا آياتِه فاهتدينا
|
نُور تهدِي بِها من تشاءُ
|
ربِّ إِنّ الهُدى هُداك وآيات
|
هِم ما ليس يُلهمُ العُقلاءُ
|
كم رأيناماليس يعقِلُ قد أُل
|
لِ ولم ينفعِ الحِجاوالذّكاءُ
|
إِذ أبى الفِيلُ ماأتى صاحِبُ الفِي
|
رِس عنهُ لأحمدالفُصحاءُ
|
والجماداتُ أفصحت بِالذِي أُخ
|
ألِفتهُ ضِبابُها والظِّباءُ
|
ويح قوم جفوا نبِيّا بِأرض
|
وقلوهُ وودّهُ الغُرباءُ
|
وسلوهُ وحنّ جِذع إِليهِ
|
وحمتهُ حمامة ورقاءُ
|
أخرجُوهُ مِنها وآواهُ غار
|
ماكفتهُ الحمامةُ الحصداءُ
|
وكفتهُ بِنسجِها عنكبُوت
|
هُ ومِن شِدّةِ الظُّهُورِالخفاءُ
|
واختفى مِنهُمُ على قُربِ مرآ
|
قت إِليهِ مِن مكّة الأنحاءُ
|
ونحاالمُصطفى المدِينة واشتا
|
أطرب الإِنس مِنهُ ذاك الغِناءُ
|
وتغنّت بِمدحِهِ الجِنُّ حتّى
|
وتهُ فِي الأرضِ صافِن جرداءُ
|
واقتفى إِثرهُ سُراقةُ فاسته
|
ف وقد يُنجِدُ الغرِيق النِّداءُ
|
ثُمّ ناداهُ بعدما سِيمتِ الخس
|
تُ العُلا فوقها لهُ إِسراءُ
|
فطوى الأرض سائِرا والسّموا
|
فِيها على البُراقِ استِواءُ
|
فصِفِ اللّيلة التِي كان لِلمُختارِ
|
وتِلك السِّيّادةُ القعساءُ
|
وترقّى بِهِ إِلى قابِ قوسينِ
|
كُلّ شمس مِن دُونِهِنّ هباءُ
|
وتلقّى مِن ربِّهِ كلِمات
|
إِدراكِها العُلماءُ والحُكماءُ
|
زاخِراتِ البِحارِ تعجزُ عن
|
دُونها ما وراءهُنّ وراءُ
|
رُتب تسقُطُ الأمانِيُّ حسرى
|
إِِذ أتتهُ مِن ربّهِ النّعماءُ
|
ثُمّ وافى يُحدِّثُ الّنّاس شُكرا
|
أو يبقى مع السُّيُولِ الغُثاءُ
|
وتحدّى فارتاب كُلُّ مُرِيب
|
شقّ عليهِ كُفر بِهِ وازدِراءُ
|
وهو يدعُوإلى الإِلهِ وإن
|
وهو المحجّةُ البيضاءُ
|
ويدُلُّ الورى على اللهِ بِالتّوحِيدِ
|
صخرة مِن إِبائِهِم صمّاءُ
|
فبِما رحمة مِن الله لانتِ
|
بعد ذاك الخضراءُ والغبراءُ
|
واستجابت لهُ بِنصر وفتح
|
العرباءُ والجاهِلِيّةُ الجهلاءُ
|
وأطاعت لأمرِهِ العربُ
|
عليهِم والغارةُ الشّعواءُ
|
وتوالت لِلمُصطفى الآيةُ الكُبرى
|
تلتهُ كتِيبة خضراءُ
|
وإِذا ما تلا كِتابا مِن الله
|
نبِيّا مِن قومِهِ استِهزاءُ
|
وكفاهُ المُستهزِئِين وكم ساء
|
البيتِ فِيها لِلظّالِمِين فناءُ
|
ورماهُم بِدعوة مِن فِناءِ
|
والرّدى مِن جُنُودِهِ الأدواءُ
|
خمسة كُلُّهُم أُصِيبُوا بِداء
|
عمى ميِّت بِهِ الأحياءُ
|
فدهى الأسود بن مُطّلِب أيُّ
|
أن سقاهُ كأس الرّدى استِسقاءُ
|
ودهى الأسود بن عبدِ يغُوث
|
قصّرت عنها الحيّةُ الرّقطاءُ
|
وأصاب الولِيد خدشةُ سهم
|
العاصِي فلِلّهِ النّقعةُ الشّوكاءُ
|
وقضت شوكة على مُهجةِ
|
بِها رأسُهُ وساء الوِعاءُ
|
وعلى الحارِثِ القُيُوحُ وقد سال
|
فكفُّ الأذى بِهِم شلاّءُ
|
خمسة طُهِرت بِقطعِهِمُ الأرضُ
|
إِن كان لِلكِرامِ فِداءُ
|
فُدِيت خمسةُ الّصّحِيفةِ بِالخمةِ
|
يال أمر أتاهُ بعد هِشام
|
زمعة إنّهُ الفتى الأتّاءُ
|
وزُهير والمُطعِمُ بنُ عديّ
|
وأبُوالبُحتُرِيِّ مِن حيثُ شاءُوا
|
نقضُوا مُبرم الصّحِيفةِ إِذ شدّت
|
عليهِم مِن العِدا الأنداءُ
|
أذكرتنا بِأكلِها أكل مِنساةِ
|
سُليمان الأرضةُ الخرساءُ
|
وبِها أخبر النّبِيُّ وكم أخرج
|
خبئا لهُ الغُيُوبُ خِباءُ
|
لا تخل جانِب النّبِيِّ مُضاما
|
حِين مسّتهُ مِنهُمُ الأسواءُ
|
كُلُّ أمر ناب النّبِيئِين فالشِّدّةُ
|
فِيهِ محمُودة والرّخاءُ
|
لو يمسُّ النُّظار هون مِن النّارِ
|
لما اختِير للِنُّظارِ الصِّلاءُ
|
كم يد عن نبِيِّهِ كفّها الله
|
وفِي الكُفرِ نجدة وإِباءُ
|
إِذ دعا وحدهُ العِباد وأمست
|
مِنهُ فِي كُلِّ مُقلة أقذاءُ
|
همّ قوم بِقتلِهِ فأبى السّيفُ
|
وفاء وفاءتِ الصّفواءُ
|
وأبُوجهل إذ رأى عُنُق الفحلِ
|
إِليهِ كأنّهُ العنقاءُ
|
واقتضاهُ النّبِيُّ دين الأراشِيِّ
|
وقد ساء بيعُهُ والشِّراءُ
|
ورأى المُصطفى أتاهُ بِما لم
|
يُنجِ مِنهُ دُون الوفاءِ النّجاءُ
|
هُو ما قد رآهُ مِن قبلُ لكِن
|
ما على مِثلِهِ يُعدُّ الخطاءُ
|
وأعدّت حمّالةُ الحطبِ الفِهر
|
وجاءت كأنّها العنقاءُ
|
يوم جاءت غضبى تقولُ أفِي
|
مِثلِي مِن أحمد يُقالُ الهِجاءُ
|
وتولّت وما رأتهُ ومِن أين
|
ترى الشّمس مُقلة عمياءُ
|
ثُمّ سمّت لهُ اليهُودِية الشّاة
|
وكم سام الشِّقوة الأشقِياءُ
|
فأذاع الذِّراعُ ما فِيهِ مِن
|
سُمّ بِنُطق إِخفاؤُهُ إِبداءُ
|
وبِخُلق مِن النّبِيِّ كرِيم
|
لم تُقاصص بِجرحِها العجماءُ
|
منّ فضلا على هوازِن إِذ كان
|
لهُ قبل ذاك فِيهِم رباءُ
|
وأتى السّبيُ فِيهِ أُختُ رضاع
|
وضع الكُفرُ قدرها والسِّباءُ
|
فحباها بِرّا توهّمتِ النّاسُ
|
بِهِ أنّما السِّباءُ هِداءُ
|
بسط المُصطفى لها مِن رِداء
|
أيُّ فضل حواهُ ذاك الرّداءُ
|
فغدت فِيهِ وهي سيِّدةُ النِّسوةِ
|
والسّيِّداتُ فِيهِ إِماءُ
|
فتنزّه فِي ذاتِهِ ومعانِيهِ
|
اجتِلاء إِن عزّ مِنها اجتِلاءُ
|
واملإِ السّمع مِن محاسِن يُملِيها
|
عليك الإِنشادُ والإِنشاءُ
|
كُلُّ وصف لهُ ابتدأتُ بِهِ استوعب
|
أخبار الفضلِ مِنهُ ابتِداءُ
|
سيِّد ضِحكُهُ التّبسُّمُ والمشيُ
|
الهُوينا ونومُهُ الإِغفاءُ
|
ما سِوى خُلقِهِ النّسِيمُ ولاغيرِ
|
مُحيّاهُ الرّوضةِ الغنّاءُ
|
رحمة كُلُّهُ وحزم وعزم
|
ووقار وعِصمة وحياءُ
|
لاتحُلُّ البأساءُ مِنهُ عُرى الصّبرِ
|
ولا تستخِفُّهُ السّرّاءُ
|
كرُمت نفسُهُ فما يخطُرُ السُّوءُ
|
على قلبِهِ ولا الفحشاءُ
|
عظُمت نِعمةُ الإِلهِ عليهِ
|
فاستُقِلّت لِذِكرِهِ العُظماءُ
|
جهِلت قومُهُ عليهِ فأغضى
|
وأخُوالحِلمِ دأبُهُ الإِغضاءُ
|
وسِع العالمِين عِلما وحِلما
|
فهو بحر لم تُعيِهِ الأعباءُ
|
مُستقِل دُنياك أن يُنسب
|
الإِمساكُ مِنها إِليهِ والإِعطاءُ
|
شمسُ فضل تحقّق الظّنُّ فِيهِ
|
أنّهُ الشّمسُ رِفعة والضِّياءُ
|
فإِذا ما ضحا محى نُورُهُ الظِّلّ
|
وقد أثبت الظّلال الضّحاءُ
|
فكأنّ الغمامة استودعتهُ
|
من أظلّت مِن ظِلِّهِ الدُّففاءُ
|
خفِيت عِندهُ الفضائِلُ وانجابت
|
بِهِ عن عُيُونِنا الأهواءُ
|
أمع الصُّبحِ لِلنُّجُومِ تجلّ
|
أم مع الشّمسِ لِلظّلامِ بقاءُ
|
مُعجِزُ القولِ والفِعالِ كرِيمُ
|
الخلقِ والخُلقِ مُقسِط مِعطاءُ
|
لا تقِس بِالنّبِيِّ فِي الفضلِ خلقا
|
فهُو البحرُ والأنامُ إِضاءُ
|
كُلُّ فضل فِي العالمِين فمِن فضلِ
|
النّبِيِّ استعارهُ الفُضلاءُ
|
شُقّ عن صدرِهِ وشُقّ لهُ البدرُ
|
ومِن شرطِ كُلِّ شرط جزاءُ
|
ورمى بِالحصى فأقصد جيشا
|
ما العصا عِندهُ وما الإِلقاءُ
|
ودعا لِلأنامِ إِذ دهمتهُم
|
سنة مِن مُحُولِها شهباءُ
|
فاستهلّت بِالغيثِ سبعة أيّام
|
عليهِم سحابة وطفاءُ
|
تتحرّى مواضِع الرّعيِ والسّقيِ
|
وحيثُ العِطاشُ تُوهى السِّقاءُ
|
وأتى النّاسُ يشتكُون أذاها
|
ورخاء يُؤذِي الأنام غلاءُ
|
فدعا فانجلى الغمامُ فقُل فِي
|
وصفِ غيث إِقلاعُهُ استِسقاءُ
|
ثمّ أثرى الثّرى فقرّت عُيُون
|
بِقُرُاهُا وأُحيِيت أحياءُ
|
فترى الأرض غِبّهُ كسماء
|
أشرقت مِن نُجُومِها الظّلماءُ
|
تُخجِلُ الدُّرُّ واليواقِيت مِن نورِ
|
رُباها البيضاءُ والحمراءُ
|
ليتهُ خصّنِي بِرُؤيةِ وجه
|
زال عن كُلِّ من رآهُ الشّقاءُ
|
مُسفِر يلتقِي الكتِيبة بسّا
|
ما إِذا أسهم الوُجُوه اللِّقاءُ
|
جُعِلت مسجِدا لهُ الأرضُ فاهتزّ
|
بِهِ لِلصّلاةِ فِيها حِراءُ
|
مُظهِر شجّة الجبِينِ على البُرءِ
|
كما أظهر الهِلال البراءُ
|
سُتِر الحُسنُ مِنهُ بِالحُسنِ
|
فاعجب لِجمال لهُ الجمالُ وِقاءُ
|
فهو كالزّهرِ لاح مِن سجفِ
|
الأكمامِ والعُودِ شُقّ عنهُ اللِّحاءُ
|
كاد أن يُغشي العُيُون سنى
|
مِنهُ لِسِرّ حكتهُ فِيهِ ذُكاءُ
|
صانهُ الحُسنُ والسّكِينةُ أن
|
تُظهِر فِيهِ آثارها البأساءُ
|
وتخالُ الوُجُوه إِن قابلتهُ
|
ألبستها ألوانها الحِرباءُ
|
فإِذا شِمت بِشرهُ ونداهُ
|
أذهلتك الأنوارُ والأنواءُ
|
أو بِتقبِيلِ راحة كان للهِ
|
وبِاللهِ أخذُها والعطاءُ
|
تتّقِي بأسها المُلُوكُ وتحظى
|
بِالغِنا مِن نوالِها الفُقراءُ
|
لا تسل سيل جُودِها إِنّما يك
|
فِيك مِن وكفِ سُحبِها الأنداءُ
|
درّتِ الشّاةُ حِين مرّت عليها
|
فلها ثروة بِها ونماءُ
|
نبع الماءُ أثمر النّخلُ فِي عام
|
بِها سبّحت بِها الحصباءُ
|
أحيتِ المُرمِلِين مِن موتِ جهد
|
أعوز القوم فِيهِ زاد وماءُ
|
فتغذّى بِالصّاعِ ألف جِياع
|
وتروّى بِالصّاعِ ألف ظِماءُ
|
ووفى قدرُ بيضة مِن نُظار
|
دين سلمان حِين حان الوفاءُ
|
كان يُدعى قِنّا فأعتق لمّا
|
أينعت مِن نخِيلِهِ الأقناءُ
|
أفلا تعذُرُون سلمان لمّا
|
أن عرتهُ مِن ذِكرِهِ العُرواءُ
|
وأزالت بِلمسِها كُلّ داء
|
أكبرتهُ أطِبّة وإِساءُ
|
وعُيُون مرّت بِها وهي رُمد
|
فأرتها ما لم تر الزّرقاءُ
|
وأعادت على قتادة عينا
|
فهي حتّى مماتِهِ النّجلاءُ
|
أو بِلثمِ التُّرابِ مِن قدم لانت
|
حياء مِن مشيِها الصّفواءُ
|
موطِئُ الأخمُصِ الذِي مِنهُ لِلقل
|
إِذا مضجعِي أقضّ وِطاءُ
|
حظِي المسجِدُ الحرامُ بِممشاها
|
ولم ينس حظّهُ إِيلياءُ
|
ورِمت إِذ رمى بِها ظِلم اللّيلِ
|
إِلى اللهِ خوفُهُ والرّجاءُ
|
دمِيت فِي الوغى لِتُكسِب طِيبا
|
ما أراقت مِن الدّمِ الشُّهداءُ
|
فهي قُطبُ المِحرابِ والحربِ كم دا
|
رت عليها فِي طاعة أرحاءُ
|
وأُراهُ لو لم يُسكِّن بِها قبلُ
|
حِراء ماجت بِهِ الدّأماءُ
|
عجبا لِلكُفّارِ زادُوا ظلالا
|
بِالذِي لِلعُقُولِ فِيهِ اهتِداءُ
|
والذِي يسألُون مِنهِ كِتاب
|
مُنزل قد أتاهُمُ وارتِقاءُ
|
أولم يكفِهِم مِن اللهِ ذِكر
|
فِيهِ لِلنّاسِ رحمة وشِفاءُ
|
أعجز الإِنس آية مِنهُ والجِنّ
|
فهلاّ تأتِي بِها البُلغاءُ
|
كُلّ يوم يُهدي إِلى سامِعِيهِ
|
مُعجِزات مِن لفظِهِ القُرّاءُ
|
تتحلّى بِهِ المسامِعُ والأفواهُ
|
فهو الحُلِيُّ والحلواءُ
|
رقّ لفظا وراق معنى فجاءت
|
فِي حُلاها وحليِها الخنساءُ
|
وأرتنا فِيهِ غوامِض فضل
|
رِقّة مِن زُلالِها وصفاءُ
|
إِنّما تُجتلى الوُجُوهُ إِذا ما
|
جُلِيت عن مِرآتِها الأصداءُ
|
سُور مِنهُ أشبهت صُورا
|
مِنّا ومِثلُ النّظائِرِ النُّظراءُ
|
والأقاوِيلُ عِندُهُم كالتّماثِيلِ
|
فلا يُوهِمنّك الخُطباءُ
|
كم أبانت آياتُهُ مِن عُلُوم
|
عن حُرُوف أبان عنها الهِجاءُ
|
فهي كالحبِّ والنّوى أعجب
|
الزُّرّاع مِنهُ سنابِل وذكاءُ
|
فأطالُوا فِيهِ التّردُّد والرّيب
|
فقالُوا سِحر وقالُوا افتِراءُ
|
وإِذا البيِّناتُ لم تُغنِ شيئا
|
فالتِماسُ الهُدى بِهِنّ عناءُ
|
وإِذا ضلّتِ العُقُولُ على عِلم
|
فماذا تقُولُهُ النُّصحاءُ
|
قوم عِيسى عاملتُمُ قوم مُوسى
|
بِالذِي عاملتكُمُ الحُنفاءُ
|
صدّقُوا كُتبكُمُ وكذّبتُمُ كُتبهُمُ
|
إِنّ ذا لبِئس البواءُ
|
لو جحدنا جُحُودكُمُ لاستوينا
|
أو لِلحقِّ بِالضّلالِ استِواءُ
|
مالكُم إِخوة الكِتابِ أُناسا
|
ليس يُرعى لِلحِقِّ مِنكُم إخاءُ
|
يحسُدُ الأوّلُ الأخِير وما زال
|
كذا المُحدثُون والقُدماء
|
قد علِمتُم بِظُلمِ قابِيل هابِيل
|
ومظلُوم الإِخوةِ الأتقِياءُ
|
وسمِعتُم بِكيدِ أبناءِ يعقُوب
|
أخاهُم وكُلُّهُم صُلحاءُ
|
حِين ألقوهُ فِي غيابةِ جُبّ
|
ورموهُ بِالإِفكِ وهو براءُ
|
فتأسّوا بِمن مضى إِذ ظُلِمتُم
|
فالتّأسِّي لِلنّفسِ فِيهِ عزاءُ
|
أتراكُم وفّيتُمُ حِين خانُوا
|
أم ترتكُم أحسنتُمُ إِذ أساءوا
|
بل تمادت على التّجاهُلِ آباء
|
تقفّت آثارها الأبناءُ
|
بيّنتهُ توراتُهُم والأناجِي
|
يلُ وهُم فِي جُحُودِهِ شُركاءُ
|
إِن تقُولُوا ما بيّنتهُ فما زالت
|
بِهِ عن عُيُونِهِم غشواءُ
|
أو تقُولُوا قد بيّنتهُ فما
|
لِلأُذنِ عمّا تقُولُهُ صمّاءُ
|
عرفُوهُ وأنكرُوهُ وظُلما
|
كتمتهُ الشّهادة الشُّهداءُ
|
أو نُور الإِلهِ تُطفِئُهُ الأفواهُ
|
وهو الذِي بِهِ يُستضاءُ
|
أو لا يُنكِرُون من طحنتهُم
|
بِرحاها عن أمرِهِ الهيجاءُ
|
وكساهُم ثوب الصّغارِ وقد طُللت
|
دِما مِنهُمُ وصِينت دِماءُ
|
كيف يهدِي الإِلهُ مِنهُم قُلُوبا
|
حشوُها مِن حبِيبِهِ البغضاءُ
|
خبِّرُونا أهل الكِتابينِ مِن أين
|
أتاكُم تثلِيثُكُم والبداءُ
|
ما أتى بِالعقِيدتينِ كِتاب
|
واعتِقاد لا نصّ فِيهِ ادِّعاءُ
|
والدّعاوِي ما لم تُقِيمُوا عليها
|
بيِّنات أبناؤُها أدعِياءُ
|
ليت شِعرِي ذِكرُ الثّلاثةِ والواحِدِ
|
نقص فِي عدِّكُم أم نماءُ
|
كيف وحّدتُمُ إِلها نفى
|
التّوحِيد عنهُ الآباءُ والأبناءُ
|
أألِه مُركّب ما سمِعنا
|
بِإِله لِذاتِهِ أجزاءُ
|
أفلِكُلّ مِنهُم نصِيب مِن المُلكِ
|
فهلاّ تُميّزُ الأنصِباءُ
|
أتُراهُم لِحاجة واضطِرار
|
خلطُوها وما بغى الخُلطاءُ
|
أهُو الرّاكِبُ الحِمار فيا عج
|
ز إِله يمسُّهُ الإِعياءُ
|
أم جمِيع على الحِمارِ لقد جلّ
|
حِمار بِجمعِهِم مشّاءُ
|
أم سِواهُم هُو الإِلهُ فما نِس
|
بةُ عِيسى إِليهِ والإِنتِماءُ
|
أم أردتُم بِها الصِّفاتِ فلِم
|
خُصصت ثُلاث بِوصفِهِ وثُناءُ
|
أم هُو ابن للهِ ما شاركتهُ
|
فِي معانِي البُنُوّةِ الأنبِياءُ
|
قتلتهُ اليهُودُ فِيما زعمتُم
|
ولأمواتِكُم بِهِ إِحياءُ
|
إِنّ قولا أطلقتُمُوهُ على اللّهِ
|
تعالى ذِكرا لقول هُراءُ
|
مِثل ما قالتِ اليهُودُ وكُلّ
|
لزِمتهُ مقالة شنعاءُ
|
إِذ هُمُ استقرءُوا البداء وكم ساق
|
وبالا إِليهِمُ استِقراءُ
|
وأراهُم لم يجعلُوا الواحِد القهّار
|
فِي الخلقِ فاعِلا ما يشاءُ
|
جوّزُوا النّسخ مِثل ما جوّزُوا
|
المسخ عليهِم لو أنّهُم فُقهاءُ
|
هُو إِلاّ أن يُرفع الحُكمُ بِالحُكمِ
|
وخلق فِيهِ وأمر سواءُ
|
ولِحُكم مِن الزّمانِ انتِهاء
|
ولِحُكم مِن الزّمانِ ابتِداءُ
|
فسلُوهُم أكان فِي نسخِهِم
|
مسخ لآياتِ اللهِ أم إِنشاءُ
|
وبداء فِي قولِهِم ندِم اللّهُ
|
على خلقِ آدم أم خطاءُ
|
أم محا اللهُ آية اللّيلِ ذُكرا
|
بعد سهو لِيُوجد الإِمساءُ
|
أم بدا لِلإِلهِ فِي ذبحِ إِسحاق
|
وقد كان الأمرُ فِيهِ مضاءُ
|
أو ما حرّم الإِلهُ نِكاح
الأُختِ
|
بعد التّحلِيلِ فهو الزِّناءُ
|
لا تُكذِّب أنّ اليهُود وقد
|
زاغُوا عنِ الحقِّ معشر لُؤُماءُ
|
جحدُوا المُصطفى وآمن بالطّاغُوتِ
|
قوم هُم عِندهُم شُرفاءُ
|
قتلُوا الأنبِياء واتّخذُوا العِجل
|
ألا إِنّهُم هُمُ السُّفهاءُ
|
وسفِيه من ساءهُ المنُّ والسّلوى
|
وأرضاهُ الفُومُ والقِثّاءُ
|
مُلِئت بِالخبِيثِ مِنهُم بُطُون
|
فهي نار طِباقُها الأمعاءُ
|
لو أُرِيدُوا فِي حالِ سبت بِخير
|
كان سبتا لديهِمُ الأربِعاءُ
|
هو يوم مُبارك قِيل لِلتّصرِيفِ
|
فِيهِ مِن اليِهُودِ اعتِداءُ
|
فبِظُلم مِنهُم وكُفر عدتهُم
|
طيِّبات فِي تركِهِنّ ابتِلاءُ
|
خُدِعُوا بِالمُنافِقِين وهل يُنفقُ
|
إِلاّ على السّفِيهِ الشّقاءُ
|
واطمأنُّوا بِقولِ الأحزابِ
|
إِخوانِهِمُ إِنّنا لكُم أولِياءُ
|
حالفُوهُم وخالفُوهُم ولم أدرِ
|
لِماذا تخالف الحُلفاءُ
|
أسلمُوهُم لأوّلِ الحشرِ لا
|
مِيعادُهُم صادِق ولا الإِيلاءُ
|
سكن الرُّعبُ والخرابُ قُلُوبا
|
وبُيُوتا مِنهُم نعاها الجلاءُ
|
وبِيومِ الأحزابِ إِذ زاغتِ
|
الأبصارُ فِيهِ وظلّتِ الآراءُ
|
وتعدّوا إِلى النّبِيِّ حُدُودا
|
كان فِيها عليهِمُ العدواءُ
|
ونهتهُم وما انتهت عنهُ قوم
|
فأُبِيد الأمّارُ والنّهّاءُ
|
وتعاطوا فِي أحمد مُنكر القو
|
لِ ونُطقُ الأراذِلِ العوراءُ
|
كُلُّ رِجس يزِيدُهُ الخُلُقُ السُّو
|
ءُ سِفاها والمِلّةُ العوجاءُ
|
فانظُرُوا كيف كان عاقِبةُ القو
|
مِ وما ساق لِلبذِيِّ البذاءُ
|
وجد السّبّ فِيهِ سُمّا ولم يد
|
رِ إِذِ المِيمُ فِي مواضِع باءُ
|
كان مِن فِيهِ قتلُهُ بِيديهِ
|
فهو فِي سُوءِ فِعلِهِ الزّبّاءُ
|
أو هُو النّحلُ قرصُها يجلِبُ الحت
|
إِليها وما لها إِنكاءُ
|
صرعت قومهُ حبائِلُ بغي
|
مدّها المكرُ مِنهُمُ والدّهاءُ
|
فأتتهُم خيل إِلى الحربِ تخ
|
تالُ ولِلخيلِ فِي الوغى خُيلاءُ
|
قصدت فِيهِمُ القنا فقوافِي
|
الطّعنِ مِنها ما شانها الإِيطاءُ
|
وأثارت بِأرضِ مكّة نقعا
|
ظُنّ أنّ الغُدُومِنها عِشاءُ
|
أحجمت عِندهُ الحجُونُ وأكدى
|
عِند إِعطائِهِ القلِيل كُداءُ
|
ودهت أوجُها بِها وبُيُوتا
|
مُلّ مِنها الإِكفاءُ والإِقواءُ
|
فدعوا أحلم البرِيّةِ والعفوُ
|
جوابُ الحلِيمِ والإِغضاءُ
|
ناشدُوهُ القُربى التِي مِن قُريش
|
قطعتها التِّراتُ والشّحناءُ
|
فعفا عفو قادِر لم يُنغِّصهُ
|
عليهِم بِما مضى إِغراءُ
|
وإِذا كان القطعُ والوصلُ لِلهِ
|
تساوى التّقرِيبُ والإِقصاءُ
|
وسواء عليهِ فِيما أتاهُ
|
مِن سِواهُ الملامُ والإِطراءُ
|
ولو انّ انتِقامهُ لِهوى النّفسِ
|
لدامت قطِيعة وجفاءُ
|
قام للهِ فِي الأُمُور فأرضى
|
الله مِنهُ تبايُن ووفاءُ
|
فِعلُهُ كُلُّهُ جمِيل وهل
|
ينضحُ إِلاّ بِما حواهُ الإِناءُ
|
أطرب السّامِعِين ذِكرُ عُلاهُ
|
يا لراح مالت بِهِ النُّدماءُ
|
النّبِيُّ الأُمِّيُّ أعلمُ مُن أسند
|
عنهُ الرُّوّاةُ والحُكماءُ
|
وعدتنِي ازدِيارهُ العام وجناءُ
|
ومنّت بِوعدِها الوجناءُ
|
أفلا أنطوِي لها فِي اقتِضائِيهِ
|
لِتُطوى مابيننا الأفلاءُ
|
بِألُوفِ البطحاءِ يُجفِلُها النِّيلُ
|
وقد شفّ جوفها الإِظماءُ
|
أنكرت مِصر فهي تنفِرُ ما لاح
|
بِناء لِعينِها أو خلاءُ
|
فأفضّت على مُبارِكِها
|
بِركتُها فالبُويبُ فالخضراءُ
|
فالقِبابُ التِي تلِيها فبِئرِ
|
النّخلِ والرّكبُ قائِلُون رِواءُ
|
وغدت أيلة وحِقل وقرّ
|
خلفها فالمغارةُ الفيحاءُ
|
فعُيُونُ الأقصابِ يتبعُها النّبكُ
|
وتتلُوكفافة العوجاءُ
|
حاورتهاالحوراءُ شوقا فيُنبُوع
|
فرقّ اليُنبُوعُ والحوراءُ
|
لاح بِالدّهنوينِ بدر لها
|
بعد حُنين وحنّتِ الصّفراءُ
|
ونضت بزوة فرابغُ فالجُحفةُ
|
عنها ما حاكهُ الإِنضاءُ
|
وأرتها الخلاص بِئرُ علُيّ
|
فعقابُ السُّويقِ فالخُلصاءُ
|
فهي مِن ماءِ بِئرِ عُسفان أو مِن
|
بطنِ مرّ ظمآنة خمصاءُ
|
قرّب الزّاهِرُ المساجِد مِنها
|
بِخُطاها فالبُطءُ مِنها وحاءُ
|
هذِهِ عِدّةُ المنازِلِ لا ما
|
عُدّ فِيهِ السِّماكُ والعوّاء
|
فكأنِّي بِها أُرحِّلُ مِن مكّة
|
شمسا سماؤُها البيداءُ
|
موضِعُ البيتِ مهبِطُ الوحيِ مأوى
|
الرُّسلِ حيثُ الأنوارُ حيثُ البهاءُ
|
حيثُ فرضُ الطّوافِ والسّعيِ
|
والحلقِ ورميِ الجِمارِ والإِهداءُ
|
حبّذا حبّذا معاهِدُ مِنها
|
لم يُغيِّر آياتِهِنّ البلاءُ
|
حرم آمِن وبيت حرام
|
ومقام فِيهِ المُقامُ تلاءُ
|
فقضينا بِها مناسِك لا
|
يُحمدُ إِلاّ فِي فِعلِهِنّ القضاءُ
|
ورمينا بِها الفِجاج إِلى
|
طيبة والسّيرُ بِالمطايا رِماءُ
|
فأصبنا عن قوسِها غرض القُربِ
|
ونِعم الخبِيئةُ الكوماءُ
|
فرأينا أرض الحبِيب يغُضُّ
|
الطّرف مِنها الضِّياءُ واللّألاءُ
|
فكأنّ البيداء مِن حيثُ ما
|
قابلتِ العينُ روضة غنّاءُ
|
وكأنّ البِقاع ذُرّت عليها
|
طرفيها مُلاءة حمراءُ
|
وكأنّ الأرجاء ينشُرُ نشر
|
المِسكِ فِيها الجنُوبُ والجِربِياءُ
|
فإِذا شِمت أو شممت رُباها
|
لاح مِنها برق وفاح كِباءُ
|
أيُّ نُور وأيّ نور شهِدنا
|
يوم أبدت لنا القِباب قُباءُ
|
قرّ مِنها دمعِي وفرّ اصطِبارِي
|
فدُمُوعِي سيل وصبرِي جُفاءُ
|
فترى الرّكب طائِرِين مِن الشّوقِ
|
إِلى طيبة لهُم ضوضاءُ
|
فكأنّ الزُّوّار ما مسّتِ البأساءُ
|
مِنهُم خلقا ولا الضّرُّاءُ
|
كُلُّ نفس مِنها ابتِهال وسُؤل
|
ودُعاء ورغبة وابتِغاءُ
|
وزفِير تظُنُّ مِنهُ صُدُورا
|
صادِحات يعتادُهُنّ زُقاءُ
|
وبُكاء يُغرِيهِ بِالعينِ مد
|
ونحِيب يحُثُّهُ استِعلاءُ
|
وجُسُوم كأنُّما رحضتها
|
مِن عظِيمِ المهابةِ الرُّحضاءُ
|
ووُجُوه كأنّما ألبستها
|
مِن حياء ألوانها الحِرباءُ
|
ودُمُوع كأنّما أرسلتها
|
مِن جُفُون سحابة وطفاءُ
|
فحططنا الرِّحال حيثُ يُحطُّ
|
الوِزرُ عنّا وتُرفعُ الحوباءُ
|
وقرأنا السّلام أكرم خلقِ
|
اللهِ مِن حيثُ يُسمعُ الإِقراءُ
|
وذهِلنا عِند اللِّقاءِ وكم أذهل
|
صبّا مِن الحبِيبِ لِقاءُ
|
ووجمنا مِن المهابة حتّى
|
لا كلام مِنّا ولا إِيماءُ
|
ورجعنا ولِلقُلُوبِ التِفاتات
|
إِليهِ ولِلجُسُومِ انثِناءُ
|
وسمحنا بِما نُحِبُّ وقد يسمحُ
|
عِند الضّرُورةِ البُخلاءُ
|
يا أبا القاسِمِ الذِي ضِمنُ
|
إِقسامِي عليهِ مدح لهُ وثناءُ
|
بِالعُلُومِ التِي عليكُ مِن اللهِ
|
بِلا كاتِب لها إِملاءُ
|
ومسِيرِ الصّبا بِنصرِك شهرا
|
فكأنّ الصّبا لديك رُخاءُ
|
وعلِيّ لمّا تفلت بِعينيهِ
|
وكِلتاهُما معا رمداءُ
|
فغدا ناظِرا بِعيني عُقاب
|
فِي غزاة لها العُقابُ لِواءُ
|
وبِريحانتينِ طِيبُهُما مِنك
|
الذِي أُودِعتهُما الزّهراءُ
|
كُنت تُؤوِيهِما إِليك كما
|
آوت مِن الخطِّ نُقطتيها الياءُ
|
مِن شهِيدينِ ليس يُنسِينِي الطّفُّ
|
مُصابيهِما ولا كربلاءُ
|
ما رعى فِيهِما ذِمامك مرءُوس
|
وقد خان عهدك الرُّؤساءُ
|
أبدلُوا الوِدّ والحفِيظة فِي القُربى
|
وأبدت ضِبابها النّافِقاءُ
|
وقست مِنهُمُ قُلُوب على من
|
بكتِ الأرضُ فقدهُم والسّماءُ
|
فابكِهِم ما استطعت إِنّ قلِيلا
|
فِي عظِيم مِن المُصابِ البُكاءُ
|
كُلّ يوم وكُلُّ أرض لِكربِي
|
مِنهُمُ كربلا وعاشُوراءُ
|
آل بيتِ النّبِيِّ إِنّ فُؤادِي
|
ليس يُسلِيهِ عنكُمُ التّأساءُ
|
غير أنِّي فوّضتُ أمرِي إِلى اللهِ
|
وتفويضِي الأُمُور براءُ
|
رُبّ يوم بِكربلاء مُسِيء
|
خفّفت بعض رُزئِهِ الزّوراءُ
|
والأعادِي كأنّ كُلّ طرِيح
|
مِنهُمُ الزِّقُّ حُلّ عنهُ الوِكاءُ
|
آل بيتِ النّبِيِّ طِبتُم فطاب
|
المدحُ لِي فِيكُمُ وطاب الرِّثاءُ
|
أنا حسّانُ مدحِكُم فإِذا نُحتُ
|
عليكُم فإِنّنِي الخنساءُ
|
سُدتُمُ النّاس بِالتُّقى وسِواكُم
|
سوّدتهُ البيضاءُ والصّفراءُ
|
وبِأصحابِك الذِين هُمُ بعدك
|
فِينا الهُداةُ والأوصِياءُ
|
أحسنُوا بعدك الخِلافة فِي
|
الدِّينِ وكُل لِما تولّى إِزاءُ
|
أغنِياء نزاهة فُقراءُ
|
عُلماء أئِمّة أُمراءُ
|
زهِدُوا فِي الدُّنا فما عُرِف الميلُ
|
إِليها مِنهُم ولا الرّغباءُ
|
أرخصُوا فِي الوغى نُفُوس مُلُوك
|
حاربُوها أسلابُها إِغلاءُ
|
رضِي اللهُ عنهُم ورضُوا عنهُ
|
فأنّى يخطُوإِليهِم خطاءُ
|
كُلُّهُم فِي أحكامِهِ ذُواجتِهاد
|
وصواب وكُلُّهُم أكفاءُ
|
جاء قوم مِن بعدِ قوم بِحقّ
|
وعلى المنهجِ الحنِيفِيِّ جاءُوا
|
ما لِمُوسى ولا لِعِيسى حوارِيُّن
|
فِي عدِّهِم ولا نُقباءُ
|
بِأبِي بكر الذِي صحّ لِلنّاسِ
|
بِهِ فِي حياتِك الإِقتِداءُ
|
والمُهدِّي يوم السّقِيفةِ لمّا
|
أرجف النّاسُ إِنّهُ الدّأداءُ
|
أنقذ الدِّين بعد ما كان لِلدِّينِ
|
على كُلِّ كُربة إِشفاءُ
|
أنفق المال فِي رِضاك ولا من
|
وأعطى جمّا ولا إِكداءُ
|
وأبِي حفص الذِي أظهر اللّهُ
|
بِهِ الدِّين فارعوى الرُّقباءُ
|
والذِي تقرُبُ الأباعِدُ فِي
|
اللهِ إِليهِ وتبعُدُ القُرباءُ
|
عُمر بنِ الخطّابِ من قولُهُ
|
الفصلُ ومن حُكمُهُ السّوِيُّ السّواءُ
|
فرّ مِنهُ الشّيطانُ إِذ كان فارُوقا
|
فلِلنّارِ مِن سناهُ انبِراءُ
|
وابنِ عفّان ذِي الأيادِي التِي
|
طال إِلى المُصطفى بِها الإِسداءُ
|
حفر البِئر جهّز الجيش أهدى
|
الهدي لمّا أن صدّهُ الأعداءُ
|
وأبى أن يطُوف بِالبيتِ إِذ لم
|
يدنُ مِنهُ إِلى النّبِيِّ فِناءُ
|
فجزتهُ عنها بِبيعةِ رِضوان
|
يد مِن نبِيِّهِ بيضاءُ
|
أدب عِندهُ تضاعفتِ الأع
|
مالُ بِالتّركِ حبّذا الأُدباءُ
|
وعلِيّ صِنوِ النّبِيِّ ومن دِي
|
نُ فُؤادِي وِدادُهُ والولاءُ
|
ووزِيرِ ابنِ عمِّهِ فِي المعالِي
|
ومِن الأهلِ تسعدُ الوُزراءُ
|
لم يزِدهُ كشفُ الغِطاءِ يقِينا
|
بل هُو الشّمسُ ما عليهِ غِطاءُ
|
وبِباقِي أصحابِك المُظهِرِ التّرتِيب
|
فِينا تفضِيلُهُم والولاءُ
|
طلحة الخيرِ المُرتضِيهِ رفِيقا
|
واحِدا يوم فرّتِ الرُّفقاءُ
|
وحوارِيِّك الزُّبيرِ أبِي القرمِ
|
الذِي أنجبت أسماءُ
|
والصّفِيّينِ توأمِ الفضلِ سعد
|
وسعِيد إِذ عُدّتِ الأصفِياءُ
|
وابنِ عوف من هوّنت نفسُهُ
|
الدُّنيا بِبذل يُمِدُّهُ إِثراءُ
|
والمُكنّى أبا عُبيدة إِذ يعزِي
|
إِليهِ الأمانة الأُمناءُ
|
وبِعمّيك نيِّري فلكِ المجدِ
|
وكُل أتاهُ مِنك إِتاءُ
|
وبِأُمِّ السِّبطينِ زوجِ علِيّ
|
وبنِيها ومن حوتهُ العباءُ
|
وبِأزواجِك اللّواتِي تشرّفن
|
بِأن صانهُنّ مِنك بِناءُ
|
الأمان الأمان إِنّ فُؤادِي
|
مِن ذُنُوب أتيتُهُنّ هواءُ
|
قد تمسّكتُ مِن وِدادِك بِالحبلِ
|
الذِي استمسكت بِهِ الشُّفعاءُ
|
وأبى اللهُ أن يمسّنِي السُّوءُ
|
بِحال ولِي إِليك التِجاءُ
|
قد رجوناك لِلأُمُورِ التِي
|
أبردُها فِي قُلُوبِنا رمضاءُ
|
وأتينا إِليك أنضاء فقر
|
حملتنا إِلى الغِنا أنضاءُ
|
وانطوت فِي الصُّدُورِ حاجاتُ نفس
|
ما لها عن ندى يديك انطِواءُ
|
فأغِثنا يا من هُو الغوثُ والغيثُ
|
إِذا أجهد الورى اللّأواءُ
|
والجوادُ الذِي بِهِ تُفرجُ الغُمّةُ
|
عنّا وتُكشفُ الحوباءُ
|
يارحِيما بِالمُؤمِنِين إِذا ما
|
ذهِلت عن أبنائِها الرُّضعاءُ
|
ياشفِيعا لِلمُذنِبِين إِذا أشفق
|
مِن خوفِ ذنبِهِ البُرآءُ
|
جُد لِعاص وما سِواي هُو
|
العاصِي ولكِن تنكِيرِي استِحياءُ
|
وتداركهُ بِالعِنايةِ ما دام
|
لهُ بِالذِّمامِ مِنك ذِماءُ
|
أخّرتهُ الأعمالُ والمالُ عمّا
|
قدّم الصّالِحُون والأغنِياءُ
|
كُلّ يوم ذُنُوبُهُ صاعِدات
|
وعليها أنفاسُهُ صُعداءُ
|
ألِف البِطنة المُبطِّئة السّيرِ
|
بِدار بِها البِطانُ بِطاءُ
|
فبكى ذنبهُ بِقسوةِ قلب
|
نهتِ الدّمع فالبُكاءُ مُكاءُ
|
وغدا يعتِبُ القضاء ولا عُذر
|
لُعاص فِيما يسُوقُ القضاءُ
|
أوثقتهُ مِن الذُّنُوبِ دُيُون
|
شدّدت فِي اقتِضائِها الغُرماءُ
|
ما لهُ حِيلة سِوى حِيلةِ
|
المُوثقِ إِمّا توسُّل أو دُعاءُ
|
راجِيا أن تعُود أعمالُهُ السُّوءُ
|
بِغُفرانِ اللهِ وهي هباءُ
|
أو تُرى سيِّئاتُهُ حسنات
|
فيُقالُ استحالتِ الصّهباءُ
|
كُلُّ أمر تُعنى بِهِ تُقلبُ
|
الأعيانُ فِيهِ وتعجبُ البُصراءُ
|
رُبّ عين تفلت فِي ماءِها المِلحِ
|
فأضحى وهو الفُراتُ الرّواءُ
|
آهِ مِمّا جنيتُ إِن كان يُغنِي
|
ألِف مِن عظِيمِ ذنب وهاءُ
|
أرتجِي التّوبة النّصُوح وفِي القلبِ
|
نِفاق وفِي اللِّسانِ رِياءُ
|
ومتى يستقِيمُ قلبِي ولِلجِسمِ
|
اعوِجاج مِن كِبرتِي وانحِناءُ
|
كُنتُ فِي نومةِ الشّبابِ فما
|
استيقظتُ إِلاّ ولِمّتِي شمطاءُ
|
وتماديتُ أقتفِي أثر القومِ
|
فطالت مسافة واقتِفاءُ
|
فورا السّائِرِين وهو أمامِي
|
سُبُل وعرة وأرض عراءُ
|
حمِد المُدلِجُون غِبّ سُراهُم
|
وكفى من تخلّف الإِبطاءُ
|
رِحلة لم يزل يُفنِّدُنِي الصّيفُ
|
إِذا ما نويتُها والشِّتاءُ
|
يتّقِي حُرُّ وجهِي الحرّ والبرد
|
وقد عزّ مِن لظى الإِتِّقاءُ
|
ضِقتُ ذرعا مِمّا جنيتُ فيومِي
|
قمطرِير وليلتِي درعاءُ
|
وتذكّرتُ رحمة اللهِ فالبِشرُ
|
لِوجهِي أنّى انتحى تِلقاءُ
|
فألحّ الرّجاءُ والخوفُ بِالقلبِ
|
ولِلخوفِ والرّجا إِحفاءُ
|
صاحِ لا تاس إِن ضعُفت عنِ
|
الطّاعةِ واستأثرت بِها الأقوِياءُ
|
إِنّ للهِ رحمة وأحقّ النّاسِ
|
مِنهُ بِالرّحمةِ الضُّعفاءُ
|
فابق فِي العُرجِ عِند مُنقلبِ الذّو
|
ففِي العودِ تسبِقُ العرجاءُ
|
لا تقُل حاسِدا لِغيرِك هذا
|
أثمرت نخلُهُ ونخلِي عفاءُ
|
وأتِ بِالمُستطاعِ مِن عملِ البرِّ
|
فقد يُسقِطُ الثِمار الإِتاءُ
|
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق