2013-12-02

المفاعلات النووية


 


 

المفاعلات النووية

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 



 
 

 


محطة كهرونووية



في منتصف الخمسينات تمكن الإنسان من ترويض الطاقة الذرية أو النووية واستغلها لإنتاج الطاقة الكهربائية من خلال استخدام المفاعلات الذرية التي تقوم باستخراج الطاقة من قلب ذرات اليورانيوم بعد انشطارها على شكل طاقة حرارية تعمل على تشغيل التوربينات والمولدات الكهربائية. ولقد مر حين من الدهر والمؤمنون يعجبون والكافرون يسخرون من حقيقة أن تكون الحجارة وقودا لنار جهنم وذلك في قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)) التحريم.  ولو كان هذا القرآن الكريم من عند غير الله لما تجرأ  من قام بكتابته على أن يجعل من الحجارة وقودا للنار تجنبا لتكذيبه والسخرية منه ولكن صدق الله العظيم القائل {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } سورة النساء 82. وها نحن اليوم نعيش في العصر الذي استخدم البشر فيه أثفل أنواع الحجارة وهي التي تحتوي على عناصر اليورانيوم والثوريوم كوقود ينتج كميات هائلة من الحرارة التي تحول إلى طاقة كهربائية.  

على العكس من القنبلة الذرية التي تقوم بتبديد كامل الطاقة المنتجة من المادة المنشطرة  في أقل من ثانية وعلى شكل انفجار ضخم من خلال التفاعل المتسلسل غير المحكوم فإن المفاعلات الذرية  تستخدم ما يسمى بالتفاعل المتسلسل المحكوم أو المضبوط لإنتاج  الطاقة بكميات محددة وبالقدر الذي يلزم لتشغيل التوربينات والمولدات الكهربائية. ففي التفاعل المتسلسل غير المحكوم يقوم أحد النيوترونات بشطر ذرة واحدة من اليورانيوم 235 فينتج عن انشطارها كمية من الطاقة بالإضافة إلى انبعاث ثلاثة نيوترونات  فتقوم هذه بدورها بشطر ثلاث ذرات منتجة تسعة نيوترونات وهكذا يزداد عدد النيوترونات المتولدة على شكل متوالية هندسية وبشكل متسارع بحيث يتم شطر جميع ذرات اليورانيوم 235 الموجودة في كتلة ما في جزء من مليون جزء من الثانية منتجة بذلك كمية هائلة من الطاقة على شكل انفجار هائل. أما في التفاعل المتسلسل المحكوم فيجب أن لا يزيد عدد النيوترونات المتولدة عن حد معين  أي أن معامل تكاثر النيوترونات يجب أن يساوي واحد أو يزيد قليلا مقابل معامل تكاثر قد يصل إلى الثلاثة في التفاعل المتسلسل غير المحكوم.  وفي القنبلة الذرية لا يمكن للتفاعل المتسلسل غير المحكوم أن يحدث إلا بتوفر كتلة كافية ونقية من اليورانيوم 235 تسمى الكتلة الحرجة بينما يمكن أن يعمل المفاعل الذري  باستخدام  اليورانيوم الطبيعي (unenriched natural uranium) أو اليورانيوم المخصب (enriched  uranium) الذي يتكون في أغلبه من اليورانيوم 238 ونسبة قد تصل إلى خمسة بالمائة من اليورانيوم  235 مع التأكيد على أن اليورانيوم 235 فقط هو المسؤول عن توليد الطاقة نتيجة لانشطاره.

التفاعل المتسلسل

لقد قام العلماء الأمريكيون في عام 1942م ببناء أول مفاعل ذري بسيط مكون من كومة تتألف من ثلاثة أطنان من اليورانيوم الطبيعي  وستة أطنان من الجرافيت وذلك  للتأكد من إمكانية حدوث التفاعل المتسلسل الذي تنبأ العلماء نظريا بإمكانية حدوثه في اليورانيوم 235.  وبمجرد أن قام العلماء برفع ألواح التحكم تدريجيا من الكومة بدأت أجهزة القياس تشير إلى حدوث التفاعل المتسلسل وقد جاءت النتائج العملية مطابقة لحساباتهم الرياضية. لقد أعطت هذه النتائج المشجعة الضوء الأخضر للعلماء في المضي قدما في صناعة القنبلة الذرية والتي كانت هدفهم المنشود أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي العام التالي بدأ العلماء الأمريكيون ببناء مفاعلات ذرية لإنتاج عنصر البلوتونيوم239  والذي يستخدم في صناعة القنابل الذرية كبديل عن اليورانيوم 235 حيث وجد أنه يمكن إنتاج كميات كبيرة من البلوتونيوم وبكلفة أقل بكثير من  كلفة إنتاج اليورانيوم 235 الذي كان إنتاج مصانع الولايات المتحدة منه لا يزيد عن مائتي غرام في اليوم. ومع انتهاء الحرب العلمية الثانية بدأت جهود علماء الذرة تنصب على استغلال الطاقة الذرية لإنتاج الطاقة الكهربائية وتم بناء عدة مفاعلات تجريبية في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينات. وفي عام 1954م  قام الاتحاد السوفيتي بتدشين أول  محطة ذرية لتوليد  الطاقة الكهربائية بقدرة متواضعة تبلغ خمسة آلاف كيلواط  بينما قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1955م  ببناء أولى محطاتها الذرية التجارية لإنتاج الطاقة الكهربائية. وقد بلغت كمية الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقة الذرية في عام 2000م ألفان وخمسمائة  بليون كيلواط ساعة  تشكل ما نسبته ستة عشر بالمائة من الإنتاج العالمي للطاقة الكهربائية وذلك من خلال حرق 25 ألف طن من اليورانيوم الطبيعي والمخصب في داخل المفاعلات الذرية وهذا  يكافئ حرق عشرين بليون طن من الفحم الحجري.

 
الطاقة الذرية أو النووية

تمكن الفيزيائي الألماني الأمريكي الشهير ألبرت أينشتاين (Albert Einstein 1879-1955) في عام 1907م من خلال التحليل الرياضي البحت بإثبات أن الطاقة (energy) والمادة ( mass) ما هما إلا وجهان لعملة واحدة أي أن المادة  يمكن أن تتحول إلى طاقة والطاقة إلى مادة. ولقد تمكن أينشتاين من  وضع معادلته المشهور حول تكافوء الطاقة والمادة (Albert Einstein's mass-energy equivalence formula) والتي تنص على أنه إذا كان بالإمكان تحويل كتلة ما إلى طاقة فإن كمية الطاقة المنبعثة تساوي حاصل ضرب مقدار الكتلة في مربع سرعة الضوء (E= mc2).  فعلى سبيل المثال فإن الطاقة النووية الناتجة عن تحويل غرام واحد من المادة بكامله إلى طاقة يساوي  85 ألف مليون وحدة حرارية بريطانية والذي يساوي 25 مليون كيلواط ساعة أو ما يعادل  الطاقة الناتجة عن حرق ما يقرب من خمسة آلاف طن من الفحم الحجري. لقد توصل أينشتاين لهذه النتيجة المدهشة من  مبادئ نظرية النسبية الخاصة التي قام بوضعها في عام 1905م والتي بين فيها أنه لا يمكن لأي جسم مهما بلغ مقدار القوة التي تدفعه أن تتجاوز سرعته سرعة الضوء. ولا يمكن لهذه الفرضية أن تصح إلا إذا تحولت الطاقة الناتجة عن قوة الدفع إلى كتلة أي أن كتلة الجسم تزداد مع زيادة السرعة  ولقد تم التحقق من صحة هذه النظرية تجريبيا فيما بعد من خلال قياس كتل الجسيمات النووية التي تم تسريعها لسرعات عالية باستخدام معجلات الجسيمات (particle accelarators).

وفي عام 1911م وبينما كان رذرفورد يحاول تحقيق حلم البشرية القديم في تحويل العناصر الرخيصة إلى عناصر ثمينة وذلك من خلال قذف ذرات العناصر بجسيمات ألفا تمكن ولأول مرة في تاريخ البشرية من تحويل عنصر النيتروجين إلى عنصر الأوكسجين وخلال عملية التحول هذه انطلقت بروتونات تفوق طاقتها طاقة جسيمات ألفا التي تسببت في خروجها مما يدل على وجود كسب  في الطاقة. لقد أثار خبر الحصول على كسب في الطاقة في تجربة رذرفورد  اهتمام العلماء أكثر مما أثارهم خبر تحويل النيتروجين إلى أوكسجين أو حتى تحويل الرصاص إلى ذهب فالطاقة لا يمكن أن تقدر بثمن عند الحاجة إليها. وبدأ العلماء يتساءلون عن مصدر هذه الطاقة وقد تبين لهم بعد قيامهم بدراسات مضنية أن كتلة الذرة للعناصر المختلفة  تقل عن مجموع كتل مكوناتها من البروتونات والنيوترونات ويمثل الفرق في الكتلة كمية الطاقة التي يلزم بذلها لتفكيك نواة الذرة وتحرير الجسيمات التي في داخلها والتي أطلق العلماء عليها اسم الطاقة الرابطة (binding energy).



منحنى الطاقة الرابطة

وفي عام 1920م أثبت الفيزيائي البريطاني (Francis William Aston) أن مجموع أوزان أربعة ذرات من الهيدروجين التي تتكون نواة كل منها من برتون واحد يزيد عن وزن ذرة واحدة من الهيليوم helium atom (He-4))) التي تحتوي نواته على أربعة بروتونات. وبناء على هذه الحقيقة يمكن إنتاج الطاقة من خلال دمج أربعة ذرات من الهيدروجين لإنتاج ذرة الهيليوم وتحويل الفرق في الكتلة إلى طاقة حسب نبوءة أينشتاين حول تكافوء المادة والطاقة. وقد تبين فيما بعد أن هذا ما يحدث فعلا في باطن النجوم لإنتاج كميات الطاقة الهائلة التي تشعها في الفضاء فالشمس على سبيل المثال تحرق في الثانية الواحدة  أكثر من مليوني طن من الهيدروجين وتنتج من الطاقة ما يقرب من 400 مليون بليون ميجاوات أي ما يزيد عن مائة بليون مرة عن مجموع ما تنتجه جميع محطات توليد الطاقة الكهربائية في العالم. لقد وجد العلماء أن الطاقة الرابطة بين جسيمين نوويين يبلغ في المتوسط ما يقرب من ثمانية ملايين إلكترون فولت وعند مقارنتها مع الطاقة الرابطة الكيميائية والتي لا تزيد عن عدة إلكترون فولت يتبين لنا ضخامة هذا الطاقة. وعندما قام العلماء بحساب الطاقة الرابطة المتوسطة لمختلف العناصر الطبيعية وقاموا برسم منحنى لها حسب ترتيب العناصر في الجدول الدوري وجدوا أنها تزداد بشكل كبير للعناصر الخفيفة ثم تثبت قيمتها للعناصر المتوسطة ثم تبدأ بالنقصان التدريجي للعناصر الثقيلة. لقد ساعد منحنى الطاقة الرابطة بشكل كبير العلماء على تحديد التفاعلات النووية التي يمكن من خلالها الحصول على كسبا في الطاقة وتبين لهم أن دمج العناصر الخفيفة لتكوين عناصر أثقل منها قد يؤدي لإنتاج كمية كبيرة من  الطاقة في ما يسمى بعملية الاندماج النووي (nuclear fusion) وكذلك يمكن إنتاج الطاقة من خلال شطر بعض العناصر الثقيلة فيما يسمى بعملية الانشطار النووي (nuclear fission).

وعلى الرغم من أن جميع نوى ذرات العناصر تحتوي على كميات متفاوتة من هذه الطاقة الكامنة إلا أن العلماء لم يتمكنوا من الحصول عليها إلا من خلال شطر نوى بعض العناصر الثقيلة كاليورانيوم 235 (Uranium 235) المتوفر في الطبيعة والبلوتونيوم 239 (Plotonium 239) المصنع من اليورانيوم 238  واليورانيوم 233 (Uranium 233) المصنع من الثوريوم 232 (Thorium)  في الانشطار النووي (nuclear fission) أو من خلال دمج نوى بعض العناصر الخفيفة كنظائر الهيدروجين ( Hydrogen isotopes) والليثيوم (Litium)  في الاندماج النووي (nuclear fusion). وتبلغ كمية الطاقة التي تنبعث جراء انشطار ذرة واحدة من اليورانيوم 235 أو اليورانيوم 233 أو البلوتونيوم 239 مائتي مليون إلكترون فولت تقريبا بينما ينتج عن دمج ذرتين من الهيدروجين الثقيل لتكوين ذرة هيليوم واحدة   كمية من الطاقة تبلغ 24 مليون إلكترون فولت.  وإذا ما علمنا أن وزن ذرة اليورانيوم يزيد عن وزن ذرة الهيليوم بما يقرب من ستين مرة  فإن الطاقة الناتجة عن دمج كيلوجرام من الهيدروجين تزيد بثمانية مرات عن الطاقة الناتجة عن إنشطار كيلوجرام من اليورانيوم 235. وعند مقارنة الطاقة النووية الموجودة في ذرة يورانيوم واحدة  مع الطاقة الكيميائية الموجودة  في ذرة فحم واحدة والتي تبلغ أربعة إلكترون فولت نجد أنها تزيد عنها بخمسين مليون مرة.  ومن الجدير بالذكر أنه عند انشطار كيلوجرام واحد من  اليورانيوم 235  فإن الفرق بين كتلة المادة قبل وبعد عملية الانشطار يساوي غرام واحد أو أقل قليلا أي أن  كمية الطاقة الناتجة عن انشطار كيلوجرام واحد من اليورانيوم 235 تساوي 78 ألف مليون وحدة حرارية بريطانية والذي يساوي 23 مليون كيلواط ساعة  أو ما يعادل الطاقة الناتجة عن حرق 4600 طن من الفحم الحجري.  بينما يبلغ فرق الكتلة عند تكوين كيلوجرام من الهيليوم من خلال دمج ذرتين من  الهيدروجين الثقيل  سبعة جرامات ونصف  أي أن  كمية الطاقة الناتجة عن تكوين  كيلوجرام واحد من الهيليوم تساوي 636 ألف مليون وحدة حرارية بريطانية والذي يساوي 178 مليون كيلواط ساعة  أو ما يعادل الطاقة الناتجة عن حرق 38 ألف  طن من الفحم الحجري  أي أن الاندماج النووي ينتج كمية من الطاقة تبلغ ما يقرب من ثمانية أضعاف ما ينتجه الانشطار النووي لنفس الكتلة من المادة. فعلى سبيل المثال فان محطة توليد كهربائية بقدرة ألف ميجاوات تحتاج يوميا لتشغيلها كيلوجرامين فقط من اليورانيوم 235 القابل للانشطار. وهذه الكمية من الوقود يمكن توفيرها من خلال تزويد المفاعل بثلاثمائة كيلوجرام  من اليورانيوم الطبيعي أو بخمسين كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة أربعة بالمائة  وتبقى هذه الكمية من الوقود قليلة جدا بالمقارنة مع عشرة آلاف طن من الفحم الحجري تلزم لتشغيل نفس المحطة.

 

الإنشطار النووي

لقد كان النيوترون (Neutron) الذي تم اكتشافه في عام 1932م على يد الفيزيائي الإنجليزي جيمس تشادوك (James Chadwick 1891-1974) كأحد مكونات أنوية الذرات المفتاح الذي تمكن العلماء من خلاله استغلال الطاقة الكامنة في أنوية الذرات. فلقد استخدم العلماء النيوترونات لدراسة تركيب نواة الذرة وذلك لمقدرتها على اختراق النواة الموجبة الشحنة دون أي مقاومة تذكر لكونها لا تحمل أي شحنة كهربائية. وقد قام العالم الايطالي الشهير إنريكو  فيرمي (Enrico Fermi 1901-1954) في عام 1934م  بقذف معظم عناصر الجدول الدوري بالنيوترونات وتمكن من الحصول على عدد كبير من النظائر المشعة بسبب التحام هذه النيوترونات بأنوية العناصر المقذوفة. وعندما جاء الدور على قذف نواة عنصر اليورانيوم لاحظ فيرمي أن نشاطه الاشعاعي قد إزداد بشكل ملفت للنظر حيث انبعثت منه جسيمات وإشعاعات عالية الشدة لا يمكن تفسيرها بافتراض أن اليورانيوم قد تحول إلى أحد نظائره. وبقي إشعاع اليورانيوم  لغزا محيرا  إلى أن تمكن كل من  العالم الألماني أوتو هان (Otto Hahn 1879-1968) والعالمة النمساوية السويدية ليس ميتنر (Lise Meitner 1878-1968) والعالم النمساوي البريطاني  أوتو فريش (Otto Frisch 1904-1979) في عام 1939م  من إثبات أن ذرة  اليورانيوم المقذوفة قد انشطرت  إلى ذرتين بعد قذفها بالنيوترونات وهما ذرتا الكريبتون والباريوم ورافق ذلك ظهور كمية كبيرة من الطاقة على شكل اشعاعات وجسيمات تنطلق بسرعات عالية.

ومن المفاجئات السارة  للعلماء الذين انصبت جهودهم على دراسة هذه الظاهرة العجيبة أنهم وجدوا أن انشطار ذرة اليورانيوم لا يتطلب طاقة عالية للنيوترونات المقذوفة بل إن الانشطار قد يتم بالنيوترونات الحرارية أو البطيئة والتي تقل طاقتها عن نصف إلكترون فولت مما جعلهم يتفاءلون كثيرا بإمكانية استغلال طاقة الذرة. أما الاكتشاف الأخر الذي أثار فضول العلماء فهو ظاهرة انبعاث ما بين اثنين وثلاثة نيوترونات حرة نتيجة قذف ذرة اليورانيوم بنيوترون واحد. ولقد تنبأ العالم الهنغاري الأمريكي ليو زيلارد  (Leó Szilárd 1898-1964 ) في عام 1933م بإمكانية حدوث تفاعل نووي متسلسل  (nuclear chain reaction) إذا ما توفرت كمية كافية من اليورانيوم  حيث يكفي نيوترون واحد لبدء عملية التفاعل النووي ومن ثم تتكفل النيوترونات الناتجة من انشطار ذرة اليورانيوم بإحداث انشطارات متتالية ومتزايدة  وتتم هذه العملية في أقل من لمح البصر فتنتج كمية هائلة من الطاقة على شكل انفجار مذهل إذا لم يتم التحكم به كما هو الحال في القنابل النووية. أما إذا ما تم التحكم بمعدل تكاثر النيوترونات فإنه بالإمكان تحديد معدل الإنشطار وكمية الطاقة المنتجة كما هو الحال في المفاعلات النووية.

ولكن فرحة العلماء بهذا الاكتشاف لم تدم طويلا فقد تبين لهم لاحقا أن النيوترونات البطيئة لا تشطر إلا أحد نظائر اليورانيوم وهو اليورانيوم 235 والذي يشكل أقل من واحد بالمائة من اليورانيوم الطبيعي بينما يشكل النظير الاساسي وهو اليورانيوم 238 أكثر من تسع وتسعون بالمائة وهذا الأخير لا ينشطر إلا بنيوترونات ذات سرعات عالية تزيد طاقتها عن  10 مليون إلكترون فولت. ومن غرائب الصدف أن يكتشف العلماء في الوقت المناسب عنصر جديد قابل للانشطار وهو عنصر البلوتونيوم  239 وهو عنصر صناعي لا وجود له في الطبيعة وقد  تم اكتشافه في عام 1940م أثناء قذف اليورانيوم 238 بالنيوترونات. وقد تمكن العلماء في أقل من سنتين من بناء مفاعلات لأغراض إنتاج  البلوتونيوم وقد تم إنتاج كميات كبيرة منه وبكلفة لا تكاد تذكر مع كلفة إنتاج اليورانيوم 235 وتم استخدامها في تصنيع القنابل الذرية الانشطارية.



المقطع العرضي للنيوترون

وعندما يتم  قذف النيوترون على ذرات عنصر ما فإن إحتمالية (likelihood) إصابة النيوترون لنواة الذرة واتحاده معها تعتمد على طاقة النيوترون مقاسة بالإلكترون فولت (electron volt) وعلى نوع العنصر. ومن المعلوم أن سرعة النيوترونات تزداد مع زيادة طاقتها ولكن بتناسب غير خطي فسرعة نيوترون بطاقة 0,025 إلكترون فولت تبلغ 2,2 كيلومتر في الثانية بينما تبلغ سرعة نيوترون بطاقة مليون إلكترون فولت  14 ألف كيلومتر في الثانية وسرعة نيوترون بطاقة  مليوني إلكترون فولت  20 ألف كيلومتر في الثانية.  وعادة ما تقاس هذه الإحتمالية بما يسمى المقطع العرضي للنيوترون (neutron cross section) والتي تقاس بالبارن (barn) حيث يساوي البارن الواحد (1028 m2 or 1024 cm2) فكلما زادت مساحة المقطع كلما زادت إحتمالية إندماج النيوترون مع نواة الذرة المقذوفة.  وقد تم تصنيف النيوترونات حسب طاقتها فهناك النيوترونات الباردة ((0.0 - 0.025 eV) Cold neutrons)  والنيوترونات الحرارية (Thermal neutrons (0.025 – 0.4 eV))  ونيوترونات الكادميوم (Cadmium neutrons (0.4 eV-1 eV) ) والنيوترونات البطيئة (Slow neutrons (1 - 10 eV)) ونيوترونات الرنين (Resonance neutrons (10 - 300 eV)) والنيوترونات المتوسطة(Intermediate neutrons (300 eV-1 MeV)) والنيوترونات السريعة (Fast neutrons (1 MeV-20 MeV)) والنيوترونات فوق السريعة (Ultrafast neutrons (more than 20 MeV)). ويبين الشكل المرفق المقطع العرضي للنيوترونات لكل من كاليورانيوم 235  والبلوتونيوم 239  واليورانيوم 233  واليورانيوم 238. ويتبين من الشكل أن هذه العناصر بإستثناء اليورانيوم 238 قابلة للإنشطار باستخدام النويترونات الحرارية والبطيئة بسبب كبر مقطعها العرضي. ومن الجدير بالذكر أن النيوترونات الناتجة عن إنشطار هذه العناصر هي نيوترونات عالية السرعة يطلق عليه نيوترونات الإنشطار (fission neutrons (100 keV - 15 MeV)) ولا بد من تبطئتها إلى نيوترونات بطيئة لإحداث عملية الإنشطار.

ومن المشاكل التي واجهها العلماء عند تصميم المفاعلات الذرية هي الطريقة الغريبة التي  يتفاعل بها اليورانيوم 238 مع النيوترونات فهو يمتص بشراهة  النيوترونات التي تتراوح طاقتها ما بين واحد  وسبعة إلكترون فولت متحولا بذلك إلى عنصر البلوتونيوم 239 القابل للانشطار  بينما لا يمتص النيوترونات التي تقل أو تزيد طاقتها عن طاقة هذا النطاق ولا ينشطر إلا بالنيوترونات التي تزيد طاقتها عن عشرة ملايين إلكترون فولت. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه خاصية امتصاص النيوترونات  في إنتاج البلوتونيوم المستخدم في صناعة القنابل الذرية فإنها في المقابل تعيق بشكل كبير عملية التفاعل المتسلسل في المفاعلات الذرية حيث أن نسبة كبيرة من النيوترونات الناتجة عن انشطار اليورانيوم 235  تقع ضمن نطاق الامتصاص لليورانيوم 238. ويلزم للتغلب على هذه المشكلة  تبطئة  النيوترونات  إلى سرعات متدنية فيما ما يسمى بالنيوترونات الحرارية (thermal neutrons) وذلك لتجنب اصطيادها من قبل ذرات اليورانيوم 238 وذلك من خلال استخدم بعض المواد المبطئة كالجرافيت والماء الخفيف والثقيل والتي لها القدرة على تبطئة النيوترونات دون أن تقوم بامتصاصها.



إنشطار ذرة اليورانيوم

وعند إنشطار الذرة بعد قذفها بالنيوترون  فإنها في الغالب تنقسم إلى ذرتين خفيفتين نسبيا مجموع وزنهما أقل من وزن الذرة المنشطرة وتطلق مجموعة من النيوترونات وجسيمات بيتا (β-particles) وأشعة جاما (γ-rays). وتتم عملية إنشطار الذرة على شكل إنفجار قوي بسبب أن نواتي الذرتين الناتجتين عن الإنقسام تحملان شحنات موجبة فتقوم قوة التنافر بينهما بدفع الذرتين باتجاهين متعاكسين وبسرعات عالية جدا وبهذا تم تحويل الطاقة الرابطة (binding or potential energy) إلى طاقة حركية (kinetic energy). وتشكل الطاقة الحركية التي تحملها الذرات الناتجة عن الإنقسام ما يقرب من 85 % بينما تحمل الجسيمات والإشعاعات الطاقة المتبقية. فعلى سبيل المثال فإن الطاقة الناتجة عن إنشطار ذرة يورانيوم 235 تبلغ 202 مليون إلكترون فولت منها 169 مليون إلكترون فولت على شكل طاقة حركية تحملها الذرتين الناتجتين و 5 مليون إلكترون فولت  كطاقة حركية في النيوترونات و 7 مليون إلكترون فولت كطاقة حركية في جسيمات بيتا  و13 مليون إلكترون فولت كطاقة كهرومغناطيسية في أشعة جاما و 8  مليون إلكترون فولت كطاقة مستثارة مخزنة في الذرات الناتجة عن الإنقسام والتي تكون على شكل نظائر غير مستقرة تتحول إلى عناصر مستقرة بعد إشعاع هذه الطاقة. وكما هو واضح أن 90% من الطاقة الناتجة عن إنشطار الذرة  هي طاقة حركية تتحول بكاملها إلى طاقة حرارية عند اصطدام الذرات والجسيمات الناتجات عن الإنشطار بالذرات المحيطة بالذرة المنفجرة.

 أما نوع الذرات الخفيقة الناتجة عن إنشطار الذرات الثقيلة وكذلك عدد النيوترونات والطاقة المتولدة فيعتمد على نوع العنصر المنشطر وكذلك على طاقة النيوترون الذي قام بشطر الذرة. فعند إنشطار ذرة اليورانيوم 235 يوجد أكثر من إحتمال لنوع الذرات الناتجة وعدد النيوترونات فالإحتمال الأول هو إنشطار الذرة إلى ذرتي الباريوم (141Ba barium)  والكريبتون (92Kr krypton) وإنتاج ثلاثة نيوترونات أما الإحتمال الثاني فهو إنشطار الذرة إلى ذرتي السيزيوم (144Cs Caesium) والروبيديوم (90Rb Rubidium)  وإنتاج  نيوترونين إثنين وأما الإحتمال الثالث فهو إنشطار الذرة إلى ذرتي الزينون (143Xe xenon) والسترونتيوم (90Sr Strontium)  وإنتاج  ثلاثة نيوترونات.

 

الوقود النووي الإنشطاري

الوقود النووي هي المواد التي يتم إحراقها في قلب المفاعل النووي من خلال إنشطار (fission) ذرات هذه المواد وذلك لاستخلاص الطاقة النووية الكامنة في ذراتها. فالعناصر الثقيلة المستخدمة في الانشطار النووي (nuclear fission) هي اليورانيوم 235 (Uranium 235) والبلوتونيوم 239 (Plotonium 239) المصنع من اليورانيوم 238  واليورانيوم 233 (Uranium 233) المصنع من الثوريوم (Thorium).  فالعنصر الأول القابل للإنشطار هو اليورانيوم 235  وهو عنصر مشع متوفر في الطبيعة مخلوطا مع اليورانيوم 238  بنسبة 0,72 % وقد تم إكتشافه في عام 1935م. ويبلغ نصف عمر  (half-life)  اليورانيوم 235 ما يقرب من 704 مليون سنة مقابل 4468 مليون سنة لليورانيوم 238مما قلل من نسبته في اليورانيوم الطبيعي. وتبلغ كمية الطاقة التي تنبعث جراء انشطار ذرة واحدة من اليورانيوم 235 مائتين وإثنين مليون إلكترون فولت (202.5 MeV = 3.24 × 1011 J) بينما تبلغ كمية الطاقة الناتجة من إنشطار كيلوجرام واحد  منه  23,1 مليون كيلو وات-ساعة (8.314 × 1013 joules) أي  ما يزيد عن ثلاثة ملايين مرة عن الطاقة الناتجة عن حرق كيلوجرام واحد  من أجود أنواع الفحم الحجري (2.4 × 107 joules). وتبلغ الكتلة الحرجة لليورانيوم 235 غير المغلف (untampered critical mass) 56 كيلوغرام ويمكن تقليلها إلى الثلث أو الربع من خلال تغليف اليورانيوم 235 بطبقة من اليورانيوم 238 الذي يعمل كعاكس للنيوترونات (tampered critical mass).

واليورانيوم الموجود في الطبيعة هو خليط من نظيرين من نظائر اليورانيوم (isotopes) وهما اليورانيوم 238 (uranium-238)  بنسبة (99.2742%) واليورانيوم 235 (uranium-235) بنسبة  (0.7204%). ويتوفر اليورانيوم الطبيعي بكثرة في القشرة الأرضية  حيث يأتي ترتيبه من حيث الوفرة (abundance) في المرتبة 51 وهو أكثر وفرة من كثير من المعادن كالفضة  (Silver) والقصدير (Tin) والإثمد (Antimony). وتقدر كمية اليورانيوم الموجود في القشرة الأرضية بمائة ألف بليون طن (1017 kg) موزعة في الصخور والتربة ومياه المحيطات بنسب تتراوح بين 2 و 15 جزء لكل مليون جزء. وقد يتراكم اليورانيوم بصورة استثنائية في بعض المناجم الغنية الموجودة في كازاخستان وكندا واستراليا والتي قد تصل نسبته في الصخور التي تحتويه إلى ثلاثة بالمائة. إن  الاحتياطي العالم من اليورانيوم الطبيعي الذي يمكن استخراجه بشكل اقتصادي لا يتجاوز عشرة ملايين طن بينما يبلغ معدل الإنتاج العالمي من اليورانيوم خمسين ألف طن سنويا. ويبلغ السعر المتوسط للطن الواحد من اليورانيوم الطبيعي (الكعكة الصفراء) مائة ألف دولار أمريكي ولكن هذا الطن لا يحتوي إلا على سبعة كيلوجرامات من اليورانيوم القابل للانشطار والمسؤول عن توليد الطاقة الحرارية.

ويوجد اليورانيوم في الطبيعة على شكل مركبات كثيرة من أشهرها خام اليورانينايت (uraninite) وهو مكون بشكل رئيسي من أكاسيد اليورانيوم   وأكاسيد معادن أخرى. إن أول خطوات معالجة خام اليورانيوم هو فصل أكاسيد اليورانيوم عن بقية مكونات الخام ليكون ما يسمى بالكعكة الصفراء (Yellowcake) والتي تحتوي على ما يزيد عن 80% من أكاسيد اليورانيوم المختلفة التي أهمها (triuranium octoxide (U3O8)) . أما الخطوة الثانية فهي تحويل أكاسيد اليورانيوم المختلفة إلى ثاني أكسيد اليورانيوم الخالص (purified UO2) والذي يمكن استخدامه في بعض أنواع المفاعلات كمفاعلات الماء الثقيل مباشرة. ولا يستخدم معدن اليورانيوم الخالص (pure uranium metal) كوقود في المفاعلات النووية بسبب تدني درجة ذوبانه (melting point) التي تبلغ 1132 درجة مئوية. ويتم في الغالب إستخدام أكاسيد اليورانيوم بدلا من المعدن وذلك لأن الأكاسيد لها درجة ذوبان أعلى من تلك التي للمعدن الخالص إلا أن موصليتها الحرارية (thermal conductivity) متدنية. ومن أشهر الأكاسيد المستخدمة في المفاعلات ثاني أكسيد اليورانيوم (Uranium dioxide UO2) وهو على شكل بودرة سوداء (black powder) وتبلغ درجة ذوبانه 2865 درجة مئوية.  

إن نسبة اليورانيوم القابل للإنشطار وهو اليورانيوم 235 في اليورانيوم الطبيعي نسبة متدنية لا تتجاوز سبعة بالعشرة بالمائة ولهذا فإنه يلزم رفع هذه النسبة بمقدار يتحدد من نوع الاستعمال. ففي القنابل الذرية يلزم أن تكون النسبة أعلى من تسعين بالمائة بينما تحتاج المفاعلات النووية الصغيرة (compact nuclear reactors) المستخدمة في الغواصات وحاملات الطائرات إلى نسب تصل إلى عشرين بالمائة وأما معظم أنواع المفاعلات النووية والتي تعمل بالماء الخفيف فتعمل بنسب تتراوح بين 3% و 5% بينما يعمل بعضها باستخدام اليورانيوم الطبيعي كمفاعلات الماء الثقيل.  ويتم زيادة نسبة اليورانيوم 235 في اليورانيوم الطبيعي من خلال ما يسمى بعملية التخصيب (enrichment process) وهي عملية يتم فيها إزالة اليورانيوم 238 من اليورانيوم الطبيعي فترتفع بذلك نسبة اليورانيوم 235 فيه. وعملية التخصيب تتطلب وجود معدات في غاية التعقيد حيث لا يمكن استخدام الطرق الكيميائية في عملية الفصل لكونهما نظيران لنفس العنصر أي أن لهما نفس الخصائص الكيميائية. وتتم عملية الفصل بالاستفادة من الاختلاف الضئيل في الوزن الذري بين النظيرين حيث تستخدم الطرق الميكانيكية  كقوة الطرد المركزي (gas centrifuge process) وذلك بعد تحويل اليورانيوم إلى مركبات في الحالة الغازية كسادس فلوريد اليورانيوم (Uranium hexafluoride UF6). وتستخدم طرق آخرى لتخصيب اليورانيوم كعملية الإنتشار الغازي (gaseous diffusion process) والتي تتم من خلال تمرير غاز سادس فلوريد اليورانيوم على غشاء نفاذ رقيق مصنوع من سبيكة من الفضة والزنك يسمح بنفاذ اليورانيوم 235 بمعدل أعلى من اليورانيوم 238 لأنه أقل وزنا. ويتطلب تخصيب كيلوغرام واحد من اليورانيوم بنسبة 5% إلى عشرة كيلوجرامات من اليورانيوم الطبيعي بينما يلزم لتخصيب كيلوغرام واحد من اليورانيوم بنسبة 90% إلى ما يزيد عن 150 كيلوجرام من اليورانيوم الطبيعي.   ويطلق على اليورانيوم الطبيعي غير المخصب الناتج عن عملية التخصيب باليورانيوم المنضب (depleted Uranium) حيث أنه يحتوي على نسبة متدنية من اليورانيوم 235 لا تتجاوز ثلاثة بالعشرة بالمائة أي أنها أقل من تلك في اليورانيوم الطبيعي. إن عملية النخصيب مكلفة جدا ولذلك فإن سعر الكيلوغرام الواحد من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 % قد يصل إلى ألفي دولار.

        أما العنصر الثاني القابل للإنشطار فهو البلوتونيوم 239 (Plutonium-239) وهو عنصر مشع غير متوفر في الطبيعة لقصر عمره نسبيا حيث أن نصف عمره (half-life) يبلغ 24 ألف سنة أي أنه قد تحلل كليا في بداية تكون الأرض قبل 4500 مليون سنة. وتبلغ كمية الطاقة التي تنبعث جراء انشطار ذرة واحدة من البلوتونيوم 239 مائتين وسبعة مليون إلكترون فولت (207.1 MeV = 3.318 × 10−11 J). إن كمية الطاقة الناتجة من إنشطار كيلوجرام واحد  من البلوتونيوم 239 تساوي  23,22 مليون كيلو وات-ساعة (8.36 × 1013 joules) أي أعلى قليلا من اليورانيوم 235. وتبلغ الكتلة الحرجة للبلوتونيوم 239 غير المغلف (untampered critical mass) أحد عشر كيلوغرام ويمكن تقليلها إلى الثلث من خلال عاكسات النيوترونات (tampered critical mass). وبما أن البلوتونيوم  239 عنصر صناعي لا وجود له في الطبيعة فقد  تم اكتشافه بالصدفة في عام 1940م بعد أن تم قذف اليورانيوم 238 بالنيوترونات. وقد تمكن العلماء بعد أقل من سنتين من إكتشافه من بناء مفاعلات نووية  لأغراض إنتاج  البلوتونيوم وهي مفاعلات التكثير التي تقوم بتحويل اليورانيوم 238 إلى البلوتونيوم 239 نتيجة لقذفها بالنيوترونات.  وتنتج مفاعلات التكثير كميات كبيرة من البلوتونيوم وبكلفة لا تكاد تذكر مع كلفة إنتاج اليورانيوم 235 ويستخدم أكثره في تصنيع القنابل الذرية الانشطارية. ويساهم البلوتونيوم كوقود للمفاعلات النووية المنتجة للطاقة بطريقة غير مباشرة حيث أن اليورانيوم 238 الموجود في هذه المفاعلات التي تعمل باليورانيوم 235 يتحول إلى البلوتونيوم أثناء تشغيلها وهذا بدوره ينشطر أثناء التشغيل كما ينشطر اليورانيوم 235 بالنيوترونات الحرارية لينتج الطاقة بنسبة قد تصل إلى 30%. ويمكن استخدام أكسيد البلوتونيوم 239 كوقود للمفاعلات النووية بعد خلطه بأكسيد اليورانيوم الطبيعي بنسبة معينة بما يسمى الأكاسيد المختلطة (MOX (mixed oxide) fuel).

قضبان الوقود النووي

        أما العنصر الثالث القابل للإنشطار فهو اليورانيوم 233 (Uranium-233) وهو عنصر مشع غير متوفر في الطبيعة لقصر عمره نسبيا حيث أن نصف عمره (half-life) يبلغ 159 ألف سنة أي أنه قد تحلل كليا في بداية تكون الأرض قبل 4500 مليون سنة. وتبلغ كمية الطاقة التي تنبعث جراء انشطار ذرة واحدة من اليورانيوم 233 مائة وثمانية وتسعين مليون إلكترون فولت (197.9 MeV = 3.171 × 10−11 J). إن كمية الطاقة الناتجة من إنشطار كيلوجرام واحد  من اليورانيوم233  تساوي  22,76 مليون كيلو وات-ساعة (8.195 × 1013 joules) أي أقل قليلا من اليورانيوم 235. تم إكتشاف اليورانيوم 233 في عام 1946م بعد أن تم قذف الثوريوم 232 (thorium-232) بالنيوترونات الذي تحول إلى اليورانيوم 233 بعد إمساكه بأحد النيترونات وبعد سلسلة من التحللات النووية (nuclear decay). ويتم إنتاج اليورانيوم 233 من الثوريوم 232 باستخدام المفاعلات النووية الحرارية أو السريعة من خلال وضع قضبان الثوريوم مع قضبان الوقودة في قلب المفاعل. على الرغم من وفرة الثوريوم في القشرة الأرضية خيث تزيد بأربعة أضعاف وفرة اليورانيوم إلا أن دورة وقود الثوريوم (thorium fuel cycle) أكثر كلفة من دورة وقود اليورانيوم وذلك لأن اليورانيوم الطبيعي يحتوي على اليورانيوم 235 القابل للإنشطار بينما لا يحتوي الثوريوم على أي نظير قابل للإنشطار. وقد تم تشغيل بعض المفاعلات باستخدام اليورانيوم 233 ولكن بشكل محدود وبطاقات منخفضة مقارنة مع اليورانيوم 235.

 

تركيب المفاعل النووي الإنشطاري

يعمل التفاعل المتسلسل (chain reaction) في القنبلة النووية الإنشطارية التي تتكون من كتلة متماسكة عالية النقاء من اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239 على إنشطار جميع ذرات المادة خلال مدة غاية في القصر مطلقة الطاقة النووية الضخمة على شكل إنفجار مدمر.  أما في المفاعلات النووية فيتطلب الأمر توفير وسيلة تعمل على ضبط التفاعل المتسلسل في كتلة الوقود القابل للإنشطار وذلك من خلال تثبيت معامل تكاثر النيوترونات عند حد معين  حيث أن زيادة هذا المعامل عن هذا الحد قد تحول المفاعل إلى ما يشبه القنبلة الذرية فينفجر خلال ثواني معدودة. وهذا يتم من خلال استخدام وقود نووي يحتوي على نسبة متدنية من اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239 وكذلك وضع الوقود على شكل قضبان متباعدة يتخللها قضبان مكونة من عناصر تمتص النيوترونات بشراهة وذلك لكي يتم ضبط التفاعل المتسلسل دون الحد الحرج. ويلزم لعمل المفاعلات النووية توفير وسيلة للتخلص من الطاقة الضخمة التي تتولد في قلب المفاعل والتي قد يؤدي أي تأخير في نقلها خارج المفاعل إلى انصهار قضبان اليورانيوم مع بقية مكونات المفاعل مما قد يفقد السيطرة عليه.

ويتكون المفاعل النووي في أحد أشكاله من كتلة ضخمة من الجرافيت والذي يستخدم كمبطئ للنيوترونات يتخللها عدة آلاف من الفتحات يستخدم القسم الأكبر منها لوضع قضبان اليورانيوم الطبيعي أو المخصب وقسم لتمرير المادة المبردة التي تقوم بنقل الحرارة من قلب المفاعل إلى الغلايات وقسم أخر لوضع أجهزة مختلفة لقياس كثافة النيوترونات ودرجة الحرارة وشدة التأين والتي تستخدم في التحكم في سير التفاعل المتسلسل. ويوجد بين قضبان اليورانيوم فتحات لوضع ألواح التحكم المصنوعة من عنصر الكادميوم الذي يمتص النيوترونات بشراهة عالية والتي تقوم بمهمة ضبط التفاعل المتسلسل حيث يتم إخراجها تدريجيا  من قلب المفاعل إلى أن يبدأ التفاعل المتسلسل وحتى يصل مستواه للدرجة المطلوبة وإذا ما زاد هذا التفاعل عن الحد المطلوب فإن هذه الألواح تنزل بشكل أتوماتيكي لخفض مستوى التفاعل. ويتكون قضيب الوقود من أنبوبة من سبائك الزركينيوم والمغنيسيوم  أو الفولاذ لا يتجاوز قطرها الداخلي السنتيمتر الواحد وسمكها عدة ملليمترات وبطول قد يصل إلى خمسة أمتار وتعبأ بقطع من اليورانيوم الطبيعي أو المخصب على شكل أقراص أسطوانية صغيرة  (pellets) حيث يصل وزن القضيب بعد التعبئة إلى عدة كيلوغرامات.  وعادة ما يتم جمع قضبان الوقود على شكل حزم (fuel assemblies) تتألف الحزمة الواحدة ما بين 200 و 300 قضيب وقود ليسهل إدخالها وإخراجها من قلب المفاعل دفعة واحدة. ويتراوح عدد الحزم ما بين 150 و 250 حزمة أي أن المفاعل قد يحتوي على 50 إلى 150 طن من اليورانيوم الطبيعي أو المخصب. إن هذه الكمية من الوقود تكفي لتشغيل المفاعل لمدة قد تصل إلى سنتين مما يعني أن تغذية المفاعل تتم كل سنة أو سنتين وعادة ما يتم إيقاف المفاعل بشكل كامل لتزويده بالوقود وتستخدم أجهزة معقدة تعمل بالتحكم عن بعد لإدخال قضبان اليورانيوم في الفتحات المخصصة لها ومن ثم تقوم بإخراجها عند استنفاذ اليورانيوم 235 الموجود فيها وإدخال قضبان جديدة.





تركيب المفاعل النووي

وقلب المفاعل النووي له شكل أسطواني يتراوح قطره الفعلى (active core diameter) بين مترين وعشرة أمتار وإرتفاعه بين مترين وخمسة أمتار وذلك حسب الطاقة الحرارية للمفاعل والتي قد تصل إلى خمسة آلاف ميجاوات. ويتم إحاطة قلب المفاعل بوعاء محكم  (reactor vessel) مصنوع من الفولاذ السميك يحتوي على فتحات لإدخال وإخراج المادة المبردة لقلب المفاعل وكذلك لإدخال وإخراج قضبان الوقود. ويحاط كذلك  بطبقة سميكة من الجرافيت التي تعمل على رد النيوترونات إلي القلب وذلك لرفع كفاءة التفاعل الذري وتليها طبقة سميكة من الرصاص كدرع واقي من الإشعاعات الخطيرة ومن ثم جدار عريض من الخرسانة المسلحة. وبما أن قضبان اليورانيوم المستنفذة تكون على درجة عالية من الإشعاع فيتم وضعها بعد إخراجها في برك مائية لمدة تزيد عن العام ومن ثم يتم معالجتها لاستخراج ما تبقى من اليورانيوم 235  والبلوتونيوم المتكون من اليورانيوم 238 وبعض العناصر المشعة التي يتم استخدامها في كثير من التطبيقات الصناعية والطبية.





صورة لقلب المفاعل تظهر فيها قضبان الوقود

 

أنواع المفاعلات النووية الإنشطارية

لقد تم تصنيع أنواع مختلفة من المفاعلات الذرية تعتمد في تصميمها على أنواع المبطئات (moderators)  والمبردات (coolents) المستخدمة فيها ودرجة تخصيب اليورانيوم وكذلك على عدد الدورات المستخدمة لنقل الحرارة من قلب المفاعل إلى التوربينات. فمن حيث نوع المبطئ هنالك المفاعلات التي تستخدم الماء العادي أو الخفيف (regular or light water) وتشكل 80 % من مجموع المفاعلات في العالم والمفاعلات التي تستخدم الماء الثقيل (heavy water) ونسبتها 10% وهناك المفاعلات التي تستخدم الجرافيت الصلب (solid graphite) ونسبتها  5%. أما من حيث نوع المبرد فهناك المفاعلات التي تستخدم الماء العادي أو الماء الثقيل أو الغازات أو بعض العناصر التي تتحول إلى سائل عند درجات حرارة منخفضة نسبيا كالزئبق والصوديوم. ومن حيث درجة تخصيب اليورانيوم فهناك مفاعلات تستخدم اليورانيوم الطبيعي غير المخصب كما في مفاعلات الماء الثقيل  وتلك التي تعمل باليورانيوم المخصب لدرجة أقل من 5% كما في مفاعلات الماء العادي.  

 

مفاعلات الماء العادي

يوجد نوعان من مفاعلات الماء العادي وهي مفاعلات الماء المضغوط  (pressurized water reactor(PWR)) ومفاعلات الماء المغلي (boiling water reactor (BWR)) ويستخدم الماء فيها كمبطئ (moderator) وكناقل للحرارة أو مبرد (coolant). فمفاعلات الماء المضغوط لا تسمح للماء بالغليان حيث ترتفع درجة حرارته إلى 320 درجة مئوية تحت ضغط يبلغ 160 ضغط جوي. ويستخدم هذا الماء الحار جدا الموجود في الدورة الإبتدائية المضغوطة (pressurized primary loop)  في تسخين الماء الموجود في الدورة الثانوية (secondary loop) والتي تقوم بإنتاج البخار الذي يدير التوربينات. ويتميز هذا النوع من المفاعلات بأن الماء المشع الموجود في الدورة الإبتدائية لا يمكنه أن يصل للتوربينات فيسهل بذلك صيانتها وكذلك إرتفاع كفاءته حيث تصل إلى ما يقرب من 50 % . أما مفاعلات الماء المغلي فتتكون من دورة واحدة  حيث تسمح للماء  الذي يمر في قلب المفاعل بالتحول إلى بخار وهو في قلبه عند درجة حرارة تبلغ 285 درجة مئوية وتحت ضغط يبلغ 70 ضغط جوي. ويتم  تسليط البخار عالي الضغط الخارج من قلب المفاعل مباشرة  على التوربينات المحركة لمولدات الكهرباء ولذلك  يلزم الحذر عند إجراء صيانة التوربينات بسبب تعرضها للإشعاعات التي حملها بخار الماء المار في قلب المفاعل. ويتميز هذا النوع من المفاعلات ببساطة تركيبه حيث أنه يتكون من دورة واحدة إلا أن كفاءته تقل عن كفاءة مفاعل الماء المضغوط حيث لا تتجاوز 42 %. وتعتبر المفاعلات التي تستخدم الماء العادي من أكثر المفاعلات انتشارا في الوقت الحالي حيث أن الماء يستخدم كمبطئ وكمبرد في آن واحد ولكن وبسبب شراهة الماء العادي لإمتصاص النيوترونات فإنها لا تعمل إلا باستخدام اليورانيوم المخصب بدرجة تتراوح بين 3 و 5%. ومفاعلات الماء المضغوط هي الأكثر إنتشارا حيث يبلغ عددها 270 مفاعلا من أصل 440 مفاعل موجودة في العالم يليها مفاعلات الماء المغلي حيث يبلغ عددها 84 مفاعل ومعظم هذه المفاعلات تعمل بقدرة ألف ميجاوات.



مفاعل الماء المضغوط

 

مفاعلات الماء الثقيل المضغوط  

تستخدم مفاعلات الماء الثقيل المضغوط  (pressurized heavy water reactor(PHWE))  الماء الثقيل (heavy water (D2O)) كمبطئ وكمبرد بدلا من الماء العادي. ويتميز الماء الثقيل على الماء العادي بإنخفاض قدرته على إمتصاص النيوترونات حيث أن نواة الديوتيريوم أو الهيدروجين الثقيل (deuterium) الموجود في الماء الثقيل تحتوي على بروتونين بدلا من بروتون واحد في الهيدروجين العادي وهذا يقلل من قدرته على إمتصاص النيوترونات. وبما أن قدرة الماء الثقيل على تبطئة النيوترونات أقل منها في الماء العادي فإن النيوترونات في قلب المفاعل تتكاثر بشكل أسرع مما يتيح الفرصة لاستخدام اليورانيوم الطبيعي بدلا من اليورانيوم المخصب كوقود في هذا النوع المفاعلات. إن الميزة الرئيسية لمفاعلات الماء الثقيل هي رخص ثمن الوقود المستخدم وهو ثاني أكسيد اليورانيوم الطبيعي (UO2) غير المخصب ولكن في مقابل عدد من السيئات أولها إرتفاع ثمن الماء الثقيل وثانيها الحاجة لتغذية المفاعل بكميات كبيرة من الوقود وذلك لتدني نسبة اليورانيوم 235 القابل للإنشطار في اليورانيوم الطبيعي. ومفاعلات الماء الثقيل المضغوط لا تختلف عن مفاعلات الماء العادي المضغوط إلا أنها تستخدم الماء الثقيل الحار جدا الموجود في الدورة الإبتدائية المضغوطة (pressurized primary loop)  في تسخين الماء العادي الموجود في الدورة الثانوية (secondary loop) والتي تقوم بإنتاج البخار الذي يدير التوربينات. إن أكثر الدول المستخدمة لهذا النوع من المفاعلات هي كندا والتي قامت بتصميم مفاعلاتها في بداية الستينات من القرن العشرين والتي يطلق عليها إسم مفاعلات كاندو (CANDU (CANada Deuterium Uranium) reactor). وقد تم استخدام هذا النوع من المفاعلات القائم على التقنية الكندية من قبل مجموعة من الدول كالهند والباكستان والأرجنتين وغيرها. وإلى جانب إنتاج الطاقة تقوم هذه المفاعلات بإنتاج البلوتونيوم القابل للإنشطار والذي يستخدم في صناعة القنابل الذرية. ويبلغ عدد مفاعلات الماء الثقيل في العالم  48 مفاعلا معظمها في كندا وبمتوسط قدرة يبلغ 560 ميجاوات.

 

المفاعلات النووية المبردة بالغاز

المفاعلات النووية المبردة بالغاز (gas-cooled nuclear reactor) هي نوع من المفاعلات النووية التي تستخدم الجرافيت (graphite) كمبطئ للنيوترونات وغاز ثاني أكسيد الكربون أو الهيليوم  (Helium) كمبرد. وتستعمل هذه المفاعلات  اليورانيوم الطبيعي غير المخصب كوقود. وقد تم تصميم هذا النوع من المفاعلات في كل من بريطانيا في مفاعلها الماغنوس (Magnox reactors) والذي يستخدم سبيكة الماغنيسيوم والأمنيوم (magnesium-aluminium) لتغليف أقراص اليورانيوم وفي فرنسا في مفاعلها (UNGG (Uranium Naturel Graphite Gaz)) والذي يستخدم سبيكة الماغنيسيوم والزركينيوم (magnesium- zirconium) للتغليف. وقد تم تطوير مفاعل الماغنوكس ليعمل عند درجات حرارة أعلى لغرض رفع الكفاءة من خلال  إستخدام الفولاذ لتغليف أقراص اليورانيوم ولكن يلزم استخدام اليورانيوم المخصب لكون أن الفولاذ يمتص النيوترونات بقدر أكبر من المغنيسيوم. وإلى جانب إنتاج الطاقة تقوم هذه المفاعلات بإنتاج البلوتونيوم القابل للإنشطار والذي يستخدم في صناعة القنابل الذرية والذي كان الهدف الأول في بناء هذه المفاعلات.  ويبلغ عدد مفاعلات الماء الثقيل في العالم  17 مفاعلا معظمها في بريطانيا بمتوسط قدرة يبلغ 560 ميجاوات.

المفاعلات النووية المبردة بالمعدن المسال

        تستخدم المفاعلات النووية المبردة بالمعدن المسال (liquid metal cooled nuclear reactor) في مفاعلات النيوترونات السريعة (fast neutron reactors) والتي تستخدم المعادن ذات درجة الذوبان المنخفضة بدلا من الماء العادي أو الثقيل كمبرد (coolent) حيث أن الماء يبطئ النيترونات بشكل كبير ولا يمكن استخدامه في المفاعلات السريعة. ومن أكثر المعادن استخداما في مثل هذه المفاعلات الزئبق (Mercury) بدرجة ذوبان -38 درجة مئوية والصوديوم (Sodium) بدرجة ذوبان 97.7 درجة وسبيكة البوتاسيوم والصوديوم (sodium-potassium alloy) بدرجة ذوبان -11 درجة والرصاص (Lead) بدرجة ذوبان 327  درجة  وسبيكة الرصاص والبيزموث (lead-bismuth )  بدرجة ذوبان 123 درجة والقصدير (Tin) بدرجة ذوبان 232 درجة. إن درجة الغليان العالية لهذه المعادن تسمح برفع درجة حرارة قلب المفاعل إلى مستويات أعلى من المفاعلات الحرارية التي تستخدم الماء ودون الحاجة لضغط المعدن السائل مما يزيد من كفاءة المفاعل في إنتاج الطاقة.

 

مفاعلات التكثير السريعة

مفاعلات التكثير السريعة (Fast Breeder Reactor) هي أحد أنواع مفاعلات النيوترونات السريعة (fast neutron reactors) وتقوم إلى جانب إنتاج الطاقة بتحويل اليورانيوم 238 الغير قابل للانشطار إلى البلوتونيوم 239 القابل للانشطار والمستخدم في صناعة القنابل الذرية أو كوقود للمحطات الكهروذرية.  فاليورانيوم الطبيعي يتكون في أغلبه من اليورانيوم 238 الغير قابل للانشطار بينما يحتوي على أقل من واحد بالمائة من اليورانيوم القابل للانشطار وهو اليورانيوم 235. ومن خلال استخدام عملية التكثير يمكن تحويل نسبة كبيرة من اليورانيوم 238 إلى البلوتونيوم 239  القابل للانشطار بواسطة النيترونات السريعة. ويختلف تركيب مفاعلات التكثير عن تلك المنتجة للطاقة الكهربائية حيث يتم استخدام كتلة من اليورانيوم 235 الخالص أو من البلوتونيوم 239 بحيث تكون أقل من الكتلة الحرجة لكيلا تنفجر ويتم إحاطتها بطبقة من اليورانيوم الطبيعي ثم بطبقة  عاكسة من الجرافيت تقوم برد النيوترونات إلى داخل المفاعل.  ويتخلل هذه الطبقات ألواح التحكم المصنوعة من عنصر الكادميوم ولا يوجد أي مادة مبطئة في هذه المفاعلات لأن عملية تحويل اليورانيوم 238 إلى البلوتونيوم  يتطلب نيوترونات سريعة. وعندما يتم سحب ألواح التحكم بشكل تدريجي تبدأ عملية التفاعل المتسلسل حيث تقوم النيوترونات المنطلقة من المادة القابلة للانشطار بتحويل اليورانيوم 238 إلى البلوتونيوم 239.  وعند اكتمال احتراق كمية المادة المنشطرة الموضوعة في قلب المفاعل يتم وقف المفاعل ويتم استخراج طبقة اليورانيوم الطبيعي التي تحتوي على كمية من البلوتونيوم  الذي يتم فصله بالطرق الكيميائية. ويجب أن تكون كمية البلوتونيوم أكبر من كمية اليورانيوم 235 الذي تم استهلاكه لكي نحصل على عملية تكثير الوقود المطلوبة والتي يمكن تكرارها للحصول على كميات كبيرة من البلوتونيوم.

مفاعل تكثير سريع

 
الإندماج النووي

لقد تبين للعلماء منذ اكتشافهم للطاقة الرابطة (binding energy) لجسيمات نواة الذرة في منتصف الثلاثينات أن دمج  الذرات الخفيفة لتكوين ذرات ثقيلة تطلق كمية من الطاقة تفوق بكثير تلك التي تطلقها انشطار الذرات الثقيلة بما يسمى الإندماج النووي (Nuclear fusion).  فمن خلال دراسة منحنى الطاقة الرابطة لمختلف العناصر فقد وجد أن  هناك فرقا كبيرا بين الطاقة الرابطة للهيدروجين والهيليوم يمكن استغلاله لإنتاج الطاقة المطلوبة. وبما أن  نواة  عنصر الهيليوم الطبيعي  تحتوي على بروتونين ونيوترونين فإنه يمكن تصنيعه من خلال دمج أربع ذرات من الهيدروجين العادي أو من خلال دمج ذرتين من الهيدروجين الثقيل المسمى  بالديوتيريوم (deuterium) والذي تحتوي نواته على بروتون ونيوترون أو من خلال دمج ذرة هيدروجين ثقيل مع ذرة هيدروجين فوق ثقيل المسمى بالتريتيوم (tritium)  والذي تحتوي نواته على بروتون ونيوترونين. وعند تصنيع ذرة هيليوم من ذرتين من الماء الثقيل تنتج كمية من الطاقة تبلغ ما يقرب من 24 مليون إلكترون فولت وإذا ما علمنا أن وزن ذرة اليورانيوم يزيد عن وزن ذرة الهيليوم بما يقرب من ستين مرة  فإن الطاقة الناتجة عن دمج كيلوجرام من الهيدروجين تزيد بثمانية مرات عن الطاقة الناتجة عن إنشطار كيلوجرام من اليورانيوم 235.



الإندماج النووي

إن عملية الإندماج النووي هي ذاتها التي تحدث في داخل الشمس وغيرها من النجوم وهي المسؤولة عن توليد هذه الكميات الضخمة من الطاقة التي تطلقها هذه النجوم.  فالشمس على سبيل المثال تحرق في الثانية الواحدة  أكثر من مليوني طن من الهيدروجين وتنتج من الطاقة ما يقرب من 400 مليون بليون ميجاوات أي ما يزيد عن مائة بليون مرة عن مجموع ما تنتجه جميع محطات توليد الطاقة الكهربائية في العالم. وهنالك ميزتان للاندماج النووي مقارنة بالانشطار النووي أولهما وفرة وقوده وهو الهيدروجين الثفيل المتوفر بكثرة في مياه المحيطات والذي يكفي مخزونه لتزويد البشرية بالطاقة لملايين السنين وثانيهما أن مخلفاته من المواد المشعة لا تكاد تذكر حيث يتلاشى إشعاعها بعد فترات قصيرة بعد حصول التفاعل. ولكن المشكلة الكبرى في عملية  دمج ذرات الهيدروجين تحتاج لدرجة حرارة غاية في العلو قد تصل إلى ما يزيد عن مائة مليون درجة وتحتاج كذلك إلى ضغط يزيد بعدة مليارات عن الضغط الجوي وهذه الظروف لا تتوفر إلا في باطن الشمس وبقية النجوم. 

ولكي يتم دمج ذرتين خفيفتين كذرات الهيدروجين لإنتاج ذرة أثقل وزنا كالهيليوم يلزم تقريب نواتيهما من بعضهما البعض   بحيث تكون المسافة بينهما ضمن المدى الذي تعمل فيه القوة النووية القوية (The Strong Nuclear Force). والقوة النووية القوية هي إحدى القوى الأربع التي تحكم مكونات هذا الكون وهي قوة تجاذب قصيرة المدى تعمل على ربط مكونات نواة الذرة وهي االبروتونات والنيوترونات ولا يتجاوز مداها ثلاثة فيمتومترات (1 femtometer = 10-15m). إن تقريب نواتيين موجبتي الشحنة إلى هذه المسافة البالغة الصغر تحتاج إلى قوة بالغة الكبر للتغلب على قوة التنافر بين النواتين المشحونتين وذلك حسب قانون كولومب (Coulomb force) للقوة الكهرومغناطيسية (electromagnetic force). وإذا ما تم تقريب النواتين إلى ما دون واحد ونصف فيمتومتر فإن القوة النووية القوية تصبح أعلى من قوة التنافر وتعمل على دمج النواتين الخفيفتين لتصبح نواة واحدة مكونة عنصرا جديدا أو نظيرا لأحد العناصر. وإذا ما كان وزن النواة الثقيلة الناتجة عن إندماج النواتين الخفيفتين أقل من مجموع وزنهما فإن فرق الكتلة (mass deficit) يتحول إلى طاقة وذلك حسب معادلة أينشتاين لتكافوء المادة والطاقة (mass–energy equivalence).

إن أحد الطرق المستخدمة لدمج أنوية الذرات هي من خلال رفع درجة حرارتهما إلى مستويات بالغة العلو تقاس بمئات الملايين من الدرجات حيث ترتفع الطاقة الحركية لهذه الأنوية وتزداد سرعاتها بشكل كبير جدا. وكذلك تعمل هذه الحرارة العالية على تجريد الذرات من جميع الإلكترونات المحيطة بأنويتها فتصبح جميع الإلكترونات في المادة حرة طليقة والأنوية مجردة تماما من إلكتروناتها ويطلق إسم البلازما (plasma) على حالة المادة في مثل هذه الوضعية. إن حركة الأنوية المجردة من إلكتروناتها وبهذه السرعات العالية تمكنها من الإصطدام ببعضها بعد التغلب على قوة التنافر الكهربائي بينها ومن ثم تقع في أسر القوة  النووية القوية التي تعمل على دمجها ببعضها لتكون ذرات أثقل وزنا. ومن الممكن خفض درجات الحرارة اللازمة للإندماج النووي من مئات الملايين من الدرجات  إلى عشرات الملايين من الدرجات من خلال رفع ضغط العناصر القابلة للإندماج إلى عدة مليارات عن الضغط الجوي. فإندماج ذرات الهيدروجين في باطن الشمس يتم عند درجة حرارة تبلغ 15 مليون درجة ولكن عند ضغط يبلغ 250 بليون بار (250 billion bar). 

القوة النووية القوية



إن عملية  دمج ذرات الهيدروجين العادي تحتاج لدرجة حرارة غاية في العلو قد تصل إلى ما يزيد عن مائة مليون درجة وتحتاج كذلك إلى ضغط يزيد بعدة مليارات عن الضغط الجوي وهذه الظروف لا تتوفر إلا في باطن الشمس وبقية النجوم.  وقد وجد العلماء أنه بالإمكان تقليل درجة الحرارة اللازمة لعملية الاندماج لعشرات الملايين من الدرجات في حالة استخدام الهيدروجين الثقيل وفوق الثقيل. ولكن العقبة الكبرى التي واجهت العلماء لإحداث الإندماج النووي هو إيجاد الطريقة التي يتم بها رفع درجة حرارة العناصر القابلة للإندماج إلى ملايين الدرجات فمثل هذه الدرجات لا يمكن توفيرها بالطرق التقليدية وكذلك فإن مواد الأوعية (chamber) التي يتم في داخلها الإندماج النووي ستتبخر بالكامل عند درجات حرارة لا تتجاوز خمسة آلاف درجة كلفن. لقد تم التغلب على هذه المشكلة فقط في تصنيع القنابل النووية الإندماجية حيث تم توفير درجة الحرارة والضغط اللازمين من خلال  تفجير قنبلة ذرية إنشطارية تعمل كفتيل إشعال لعملية الاندماج النووي. ففي عام  1952م قامت الولايات المتحدة بتفجير أول قنبلة هيدروجينية بلغت قوتها 10 ملايين طن أي أن قوتها تزيد بألف مرة  عن قوة القنبلة الانشطارية التي ألقيت على هيروشيما.

إن الحصول على إندماج نووي يتم بأكثر من طريقة تعتمد على نوع العناصر الخفيفة القابلة للإندماج. فالنوع الأول هو إندماج الديوتريوم- الديوتريم (Deuterium-tritium fusion)  وفيه تندمج ذرتين من الهيدروجين الثقيل لينتج ذرة من الهيليوم الثلاثي ونيوترون واحد و 3,27 مليون إلكترون فولت من الطاقة أو ذرة من الهيدروجين فوق الثقيل وذرة من الهيدروجين العادي و 4,03 مليون إلكترون فولت من الطاقة أو ذرة من الهيليوم الرباعي  و 24 مليون إلكترون فولت من الطاقة وجميعها تتم تحت درجة حرارة 400 مليون درجة. أما النوع الثاني فهو إندماج الديوتريوم- التريتيوم (Deuterium-tritium fusion)  وفيه تندمج ذرة من الهيدروجين الثقيل مع ذرة من الهيدروجين فوق الثقيل  لينتج ذرة من الهيليوم الرباعي ونيوترون واحد و 17,6 مليون إلكترون فولت من الطاقة ويتم تحت درجة حرارة 45 مليون درجة. أما النوع الثالث فهو إندماج الديوتريوم-الهيليوم 3 (deuterium-heliumm3 fusion) وفيه تندمج ذرة من الهيدروجين الثقيل مع ذرة من الهيليوم الثلاثي لينتج ذرة من الهيليوم الرباعي وذرة هيدروجين طبيعي وينتج 18,3 مليون إلكترون فولت من الطاقة.

عناصر الإندماج النووي

إن إندماج الديوتريوم- التريتيوم (Deuterium-tritium fusion) هو المرشح الأقوى من بين أنواع الإندماج النووي المختلفة قابلية للتطبيق بسبب إنخفاض درجة الحرارة اللازمة للإندماج نسبيا وهي 45 مليون درجة. وكذلك فإن الهيدروجين الثقيل (الديوتريوم)  متوفر بشكل طبيعي حيث يمكن استخلاصه من الماء الثقيل المتوفر في مياه المحيطات بنسبة 0,02% من الهيدروجين أي أن المتر المكعب من ماء البحر يحتوي على 30 جرام من الهيدروجين الثقيل. أما الهيدروجين فوق الثقيل (التريتيوم) فهو غير متوفر في الطبيعة بسبب قصر عمره  ولكن يمكن الحصول عليه من خلال قذف الليثيوم-6 (lithium-6)  الأقل وفرة بالنيوترونات البطيئة أو قذف الليثيوم-7 (lithium-7) الأكثر وفرة بالنيوترونات السريعة. وينتج عند قذف ذرة الليثيوم-6 بنيوترون واحد بطيء  ذرة هيليوم-4 وذرة تريتيوم وكمية من الطاقة تبلغ  4,8 مليون إلكترون فولت بينما ينتج عند قذف ذرة الليثيوم-7 بنيوترون واحد سريع  ذرة هيليوم-3 وذرة تريتيوم ونيوترون واحد بطيء. إن الطاقة الناتجة عن إندماج الديوتريوم- التريتيوم تبلغ 17,6 مليون إلكترون فولت وهي عبارة عن طاقة حركية بمقدار3,5 مليون إلكترون فولت لذرة الهيليوم وبمقدار14,1 مليون إلكترون فولت للنيوترون أي أن 80% من الطاقة تحملها النيوترونات. ولذلك فإن معظم التصاميم التجريبة لمفاعلات الإندماج النووي تحيط قلب المفاعل بطبقة سميكة من الليثيوم بنوعيه وعندما تصطدم النيوترونات السريعة الناتجة من عملية الإندماج بطبقة الليثيوم فإنها تنتج طاقة حرارية في طبقة الليثيوم وكذلك تحول جزء من ذرات الليثيوم إلى التريتيوم أي أن الليثيوم يستخدم كمبرد وكمنتج للوقود النووي.

 

المفاعلات النووية الإندماجية التجريبية

على الرغم من تمكن العلماء من استغلال الطاقة النووية الإندماجية في صناعة القنابل النووية منذ عام 1952م إلا أن جهودهم في بناء مفاعلات نووية إندماجية لإنتاج الطاقة الكهربائية لم تتكلل بالنجاح حتى الآن رغم الجهود الكبيرة والأموال الطائلة التي بذلت في سبيل ذلك. وكما ذكرنا سابقا فقد لزم لتفجير القنبلة النووية الإندماجية تفجير قنبلة نووية إنشطارية لتوليد الحرارة والضغط اللازمين لإحداث الإندماج النووية. أما المفاعلات النووية الإندماجية فتحتاج إلى توفير درجة الحرارة والضغط اللازمين بشكل متواصل وفي داخل بناء مشيد ولكن مواد هذا البناء ستتبخر بالكامل عند درجات حرارة تقاس بالملايين. ولكن العلماء  لا يستسلمون للعقبات بسهولة فتفقت عقولهم عن حلول مختلفة لترويض الطاقة النووية الإندماجية كاستخدام المجالات المغناطيسية كبناء غير مرئي يتم في داخله الإندماج النووي. وقد تم بناء عشرات المفاعلات النووية الإندماجية التجريبية في الدول المتقدمة وقد نجحوا في إحداث الإندماج النووي ولكن بشكل محدود. وإذا ما استمر دعم الدول الكبرى لمشروع ترويض الطاقة الاندماجية بنفس المستوى الذي هو عليه الآن فمن المتوقع إنتاج أول مفاعل اندماجي تجاري في غضون الخمسة وعشرون سنة القادمة.



مفاعل نووي إندماجي

إن أحد التصاميم التجريبية المقترحة للمفاعلات النووية الإندماجية هو المسمى بالتوكاماك (Tokamak Fusion Test Reactor) وهو يستخدم الحصر المغناطيسي (magnetic confinement) لحصر البلازما المكونة من ذرات العناصر القابلة للإندماج داخل مجال مغناطيسي دائري. ويتكون المفاعل من ملف كهربائي ملفوف على شكل الكعكة (doughnut-shaped) أو ما يسمى بالملف (toroidal coil) ويولد الملف عند تمرير تيار مباشر فيه مجالا مغناطيسيا دائري على شكل الكعكة. ويقوم ملف آخر يسمى الملف (poloidal coil) بتوليد تيار حمل (convection current) يزيد عن المليون أمبير في مركز المجال المغناطيسي وذلك لرفع درجة حرارة البلازما للدرجة التي يحتاجها الإندماج النووي. وقد تمكن العلماء من رفع درجة حرارة البلازما في هذا المفاعل التجريبي إلى ما يقرب من 500 مليون درجة وهي أعلى من تلك التي يحتاجها الإندماج النووي وأعلى من درجة حرارة باطن الشمس البالغ 15 مليون درجة. إن كمية الطاقة التي أنتجها هذا المفاعل من الإندماج النووي أقل من الطاقة التي تم استخدامها في تسخين البلازما وتوليد المجال المعناطيسي مما يعني عدم جدوى استخدامه لإنتاج الطاقة. 

مبدأ المفاعل النووي الإندماجي



 

المحطات الكهروذرية (الكهرونووية)

        إن من أهم ميزات الطاقة الكهربائية هو إمكانية إنشاء المحطات الكهربائية حيث تتوفر مصادر الطاقة المختلفة وخاصة تلك التي لا يمكن نقل طاقتها إلى أماكن استخدامها كالطاقة الحركية في مياه الأنهار وطاقة المد والجزر والطاقة الحرارية في جوف الأرض وطاقة الرياح. وحتى في الأنواع التي يمكن نقلها كالفحم الحجري والبترول والغاز فإن كلفة نقلها بعد تحويلها إلى طاقة كهربائية قد تكون أقل من كلفة نقلها بشكلها الأصلي والذي يتطلب إنشاء شبكات طرق أو سكك حديدية أو مد أنابيب معدنية وكذلك توفير أعداد كبيرة من القطارات والشاحنات والصهاريج ومحطات الضخ إلى جانب توفير مستودعات ضخمة لتخزينها. أما المحطات الكهربائية التي تعمل على الطاقة الذرية أو الكهروذرية  فمن المفضل إقامتها في مناطق بعيدة عن التجمعات السكانية لتفادي خطر الإشعاعات المنبعثة من المفاعلات في حالة تعرضها للحوادث وبحيث تكون قريبة من مصادر المياه  لحاجتها إليه في عمليات التبريد.

تقوم محطات توليد الطاقة الكهربائية الحرارية (thermal power stations) بتحويل الطاقة الكيميائية (chemical energy) المخزنة في الوقود الأحفوري (fossil fuels) كالفحم والبترول والغاز أو الطاقة النووية إلى طاقة حرارية (thermal energy) ومن ثم إلى طاقة حركية (mechanical energy) من خلال تسخين بخار الماء أو الغاز وتمريره على التوربينات ومن ثم إلى طاقة كهربائية (electrical energy) باستخدام المولدات الكهربائية. ففي الفرن الحراري يتم  حرق الوقود لإنتاج الطاقة الحرارية الكامنة فيه ويعتمد تركيبه على نوع الوقود المستخدم وهو بسيط التركيب نسبيا في حالة أنواع الوقود الأحفورية كالفحم والبترول والغاز وبالغ التعقيد في حالة الوقود النووي. وهنالك نوعان من المحركات الميكانيكية المستخدمة في المحطات الكهربائية وهي المحركات التي تعمل على مشتقات البترول وعلى الأخص الديزل والتي تتميز بسهولة تغذيتها بوقودها السائل وبسهولة التحكم بكمية الطاقة الحركية التي تولدها ولكن عيبها في أن  كفاءتها لا تتجاوز الأربعين  بالمائة وكذلك  صعوبة تصنيع أحجام كبيرة منها قادرة على تحويل كميات كبيرة من الطاقة.  أما النوع الثاني فهي المحركات التي تعمل على الفحم والغاز والزيت الثقيل والطاقة الذرية وهي عبارة عن توربينات بخارية أو غازية يتم تدويرها من خلال تسليط تيار شديد الضغط  من البخار أو الغاز على شفرات التوربين والذي  يتم توليده في غلايات تقوم بتحويل الماء إلى بخار ذي درجة حرارة وضغط عاليين من خلال تسخينها بالحرارة الناتجة عن حرق الوقود.  وتتميز التوربينات البخارية والغازية بإمكانية زيادة كفاءتها من خلال رفع درجة حرارة وضغط البخار والتي وصلت في التوربينات الحديثة إلى ما يزيد عن خمسين بالمائة وتتميز كذلك بإمكانية تصنيعها بأحجام كبيرة تقوم بتحويل كميات كبيرة من الطاقة. أما المولدات الكهربائية فتقوم بتحويل الطاقة الحركية الدورانية إلى طاقة كهربائية ويمكن تصنيعها بمختلف الأحجام التي تتناسب وقدرات المحركات الميكانيكية وبكفاءة عالية قد تزيد عن تسعين بالمائة.

تختلف المحطات الكهروذرية عن المحطات التقليدية بوجود المفاعل النووي (nuclear reactor) المعقد التركيب بدلا من الحارقات البسيطة التركيب نسبيا بينما تستخدم نفس التوربينات والمولدات الكهربائية. ونظرا لخطورة الإشعاعات التي تنبعث من الوقود النووي أثناء إنشطاره فإن المفاعل النووي يتم وضعه مع ما يلزمه من مبدلات الحرارة (heat exchanger) والغلايات (boilers) داخل مبني من الخرسانة أسطواني الشكل (containment) بسمك قد يزيد عن المتر ومن ثم يبطن بطبقة من الفولاذ لكي يمنع أي تسرب لهذه الإشعاعات في حالة حدوث أي طارئ. ومن المستحسن أن يكون مبنى التوربينات والمولدات على مسافة بعيدة نسبيا من مبنى المفاعل لكي لا يتضرر مبنى المفاعل إذا ما خرجت التوربينات عن السيطرة وتطايرت شظاياها وكذلك العكس. وعادة ما يتبع مبنى المفاعل مبنى يستخدم لتخزين الوقود النووي وكذلك معالجة الوقود المستنفذ لتقليل كمية الإشعاع المنبعث منه قبل نقله لأماكن التخزين الدائمة. أما المبنى الذي يحتوي على معدات التحكم والمراقبة للمحطة ككل والمفاعل بشكل خاص فيجب أن يكون على بعد كافي من مبنى المفاعل وأن يتم عزله جيدا ضد الإشعاعات التي قد تتسرب من المفاعل في حالة حدوث خلل فيه وذلك لضمان سلامة العاملين في المحطة. ويتراوح عمر المحطات الكهروذرية ما بين 30 و 40 سنة وقد يمتد إلى خمسين سنة كما هو الحال مع بقية المحطات الحرارية.

مكونات المحطة الكهروذرية



إن أهم ما يميز المحطات الكهروذرية هو المحتوى الحراري البالغ العلو لوقودها حيث ينتج عن إنشطار طن واحد من اليورانيوم 235 الخالص 38 ألف بليون وحدة حرارية بريطانية بينما ينتج في المتوسط عن حرق برميل واحد من البترول الخام ستة ملايين وحدة حرارية  وعن حرق طن واحد من الفحم الحجري ثمانية عشر مليون وحدة حرارية وعن حرق المتر المكعب من الغاز الطبيعي ستة وثلاثون ألف وحدة حرارية. فمحطة توليد كهربائية بقدرة ألف ميجاوات تحتاج يوميا لتشغيلها كيلوغرامين من اليورانيوم 235 القابل للانشطار وهذه الكمية يمكن توفيرها من خلال تزويد المفاعل يوميا بثلاثمائة كيلوغرام من اليورانيوم الطبيعي أو بخمسين كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة أربعة بالمائة. وفي المقابل يلزم لتشغيل نفس المحطة يوميا ما يزيد عن عشرة آلاف طن من الفحم الحجري أو 30 ألف برميل من البترول الخام أو خمسة ملايين متر مكعب من الغاز. ومن حيث كلفة الوقود اليومي لمثل هذه المحطة فإنه يبلغ مائة ألف دولار لليورانيوم المخصب ونصف مليون دولار للفحم وثلاثة ملايين دولار للبترول وثلاثة أرباع المليون دولار للغاز. ولكن هذا الفرق الشاسع بين كلفة الوقود النووي والوقود الأحفوري  يقابله  أن كلفة إنشاء المحطات الكهرذرية تفوق بكثير كلفة المحطات الأخرى فكلفة بناء محطة كهروذرية بقدرة ألف ميجاوات قد تزيد عن ثلاثة مليارات دولار مقابل ملياري دولار لمحطة الفحم الحجري ومليار دولار لمحطة الغاز الطبيعي. وبسبب المحتوى الحراري العالي للوقود النووي فإنه يتم تزويد المفاعل به كل سنة أو سنتين وبكميات تتراوح بين خمسين ومائة وخمسين طن من اليورانيوم الطبيعي أو المخصب وذلك حسب نوع المفاعل.

غرفة التحكم والمراقبة لمفاعل كهروذري



إن السيئة الرئيسية للمحطات الكهروذرية هو استخدامها لوقود يطلق كميات كبيرة من الإشعاع الضار عند إنشطاره ولذا فإن قلب المفاعل يتم إحاطته بعدة طبقات سميكة من الفولاذ والخرسانه لمنع تسرب الإشعاع إلى الخارج. ولكن يمكن لهذا الإشعاع أن يلوث المبرد الذي يقوم بنقل الحرارة من قلب المفاعل إلى التوربينات مما يتسبب في تعريض حياة العاملين على صيانة هذه التوربينات للخطر إذا لم تؤخذ الإحتياطات اللازمة. وكذلك فإن مخلفات الاحتراق النووي والتي لا تزيد عن خمسين طن في العام لمفاعل بقدرة ألف ميجاوات  لها درجات إشعاع عالية جدا  قد يستمر إلى آلاف السنين ولذا يتطلب حفظه في مخازن محكمة لمنع تسربه إلى الخارج. ولكن التلوث الناتج عن المحطات الذرية لا يكاد يذكر مع التلوث الناتج عن المحطات التي تعمل بالبترول والفحم الحجري والغاز  والتي تنتج كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون الذي تطلقه إلى الجو ويتسبب في ظاهرة الإحتباس الحراري ذات الخطورة البالغة على الحياة بأكملها. ومع بدء فرض قيود صارمة على محطات الوقود الأحفوري للحد من كمية ثاني أكسيد الكربون التي تطلقه إلى الجو بدأت كلفة بنائها بالإرتفاع.

ومن سيئات المحطات الكهروذرية أنها لا تعمل إلا بكامل طاقتها ولا توجد وسيلة للتحكم بكمية الكهرباء التي تنتجها ولذا يجب أن تتوفر الأحمال الكافية على الشبكة لإستهلاك هذا الإنتاج. وعادة ما تستخدم المحطات الكهروذرية لتغطية الأحمال الأساسية (baseloads) بينما يتم استخدام محطات الوقود الأحفوري وخاصة الغاز لتلبية الأحمال المتغيرة (variable loads) حيث يمكن تشغيل ووقف مثل هذه المحطات حسب الحاجة. وبسبب العمل المتواصل للمحطات الكهروذرية وبكامل طاقتها يلزم توفير كميات كافية من الماء بشكل دائم لأغراض التبريد والذي بلزم لجميع أنواع المحطات. ومن سيئات المحطات الكهروذرية أن أي عطل يصيب مضخات المبرد الذي يقوم بنقل الحرارة المتولدة في قلب المفاعل قد يؤدي إلى إنصهار قلب المفاعل حتي لو تم إيقاف عمل المفاعل حيث أن عملية إنشطار الوقود ستستمر لفترة لا بأس بها من الزمن ولذا يلزم وجود بدائل لتبريد قلب المفاعل في حالة حدوث أي عطل في نظام التبريد الرئيسي.

لقد انتشر استخدام المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية في كثير من دول العالم المتقدم  حيث وصل عددها إلى 440 مفاعل موجودة في ثلاثين دولة في العالم وتتراوح قدراتها ما بين 100 ميجاوات وألف وخمسمائة ميجاوات. وتستأثر الولايات المتحدة الأمريكية بحصة الأسد من هذه المفاعلات حيث تملك  104 مفاعلات  تليها فرنسا  57 مفاعل ثم اليابان 53 مفاعل ثم بريطانيا 33 مفاعل ثم روسيا 30 مفاعل ثم كندا 21 مفاعل ثم ألمانيا 19 مفاعل. وتشكل مفاعلات الماء العادي 80 % من مجموع المفاعلات في العالم والمفاعلات التي تستخدم الماء الثقيل  10% والمفاعلات التي تستخدم الجرافيت الصلب كمبطئ  والغاز كمبرد  5%.  وتنتج المحطات الكهروذرية ما يقرب من 16 بالمائة من مجموع إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم ووصلت ما نسبته 80% من الطاقة الكهربائية في فرنسا  وما نسبته 20% في الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد بلغ الإنتاج العالمي من الطاقة الكهربائية  في عام 2000م أربعة عشر ألف بليون كيلواط ساعة أو ما يعادل 48 مليون بليون وحدة حرارية بريطانية. وقد ساهم الفحم الحجري في إنتاج أربعين بالمائة من هذه الطاقة والغاز الطبيعي بخمسة عشر بالمائة والبترول بعشرة بالمائة والمحطات الكهرومائية بثمانية عشر بالمائة والمحطات الكهروذرية بستة عشر بالمائة  بينما تساهم مصادر الطاقة المتجددة وهي الشمسية والهوائية وحرارة الأرض الجوفية والمخلفات الحيوية بأقل من واحد بالمائة.  





توزع المفاعلات النووية في العالم

ولم يقتصر استخدام المفاعلات الذرية على إنتاج الطاقة الكهربائية فقط بل تم استخدامها في إمداد محركات حاملات الطائرات  والسفن الكبيرة والغواصات وكاسحات الجليد  بالطاقة اللازمة لتشغيلها. فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية  في عام 1954م ببناء أول غواصة تعمل بالطاقة الذرية  تبعها الاتحاد السوفيتي ببناء غواصة مماثلة  وقد وصل عدد حاملات الطائرات والغواصات والسفن الحربية والتجارية التي تعمل على الطاقة الذرية في عام 2000م   إلى مائة وخمسين سفينة وغواصة. وتتميز  هذه السفن والغواصات الذرية عن مثيلاتها التي تعمل باستخدام الفحم والديزل  بعدم حاجتها للعودة إلى محطات تزويد الوقود بشكل متكرر حيث يمكنها البقاء بعيدا عن قواعدها لعدة سنوات من خلال حمل ما يكفيها من الوقود النووي.

 

 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق