2013-08-03

حديث هلاك الجراد ونهاية الحياة على الأرض


حديث هلاك الجراد ونهاية الحياة على الأرض


الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية


لطالما كذب الناس بحقائق أوحى الله بها إلى أنبيائه ورسله وذلك بحجة أنها تتعارض مع المفاهيم السائدة في عصرهم أو أن عقولهم لم تكن لتستوعبها لغياب الخلفية العلمية التي تمكنهم من استيعابها مصداقا لقوله تعالى "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" يونس39. ولقد جاء القرآن الكريم وكذلك السنة النبوية بكثير من الحقائق العلمية والتاريخية والغيبية والتشريعية وكان بعض هذه الحقائق مدار جدل حتى بين المسلمين الذين يؤمنون بصدق الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وبما أن جميع المسلمين يؤمنون إيمانا قاطعا بأن النص القرآني لم يلحق به أي تحريف على الإطلاق وذلك لأن الله قد تعهد بحفظه من التحريف فقد اقتصر الإختلاف بينهم على طريقة تفسيرهم لهذه النصوص والتي تعتمد على الخلفيات العلمية التي يمتلكونها.

أما السنة النبوية فهي ما  أنزله الله سبحانه وتعالى من حقائق وشرائع على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي تم صياغة معانيها بلفظ رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. والأحاديث النبوية على العكس من القرآن الكريم لم يتكفل الله بحفظ نصوصها من الضياع أو التحريف ولم يتم تدوينها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بل تناقلتها الألسن إلى أن تم تدوينها على فترات زمنية متباعدة بعد وفاة نبينا صلى الله عليه وسلم. وبسبب عدم قطعية ثبوت كثير من الأحاديث النبوية  كان من السهل على بعض الناس إنكار صحة بعض الأحاديث النبوية إما لوجود خلل في صحة إسنادها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لظنهم أن الحقائق الواردة في متنها قد تتعارض مع صريح القرآن أو مع المفاهيم العلمية السائدة في عصرهم. ولحسن الحظ أن عددا كبيرا جدا من الأحاديث التي لم تنطبق عليها شروط الصحة الصارمة التي تقيد بها بعض جامعي الحديث النبوي كالبخاري ومسلم قد تم تدوينها من قبل محدثين آخرين أكثر تساهلا في شروط قبول الحديث. وحجة هؤلاء أن نسبة كثيرة من الأحاديث المتداولة لا بد وأن تكون صحيحة ولكنه تعذر إثبات إسنادها بالطريقة وبالشروط التي التزم بها بعض المحدثين أمثال البخاري رحمه الله. وحسنا فعل هؤلاء المحدثين فقد تبين لنا في هذه العصر أن كثيرا من الأحاديث التي لم تنطبق عليها شروط صحة السند المتصل يمكن التأكد من صحتها من خلال محتوى متنها خاصة تلك الأحاديث التي تتحدث عن أحداث مستقبلية أو تتحدث عن حقائق علمية حيث يثبت صحة الحديث بمجرد حدوث الحدث المتنبأ به أو من خلال موافقة المكتشفات العلمية لما جاء فيها ويتم بذلك التأكد من أن الشخص الذي صدر الحديث عنه لا بد أن يكون مرسل من الله سبحانه وتعالى وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.                      

                ومن هذه الأحاديث النبوية الضعيفة الإسناد والتي لم يعرها الباحثين أي اهتمام وربما لم يسمع به كثير من الناس ما أسميته حديث هلاك الجراد. فهذا الحديث يحتوي على حقائق علمية بالغة الأهمية بدأت تتكشف لنا في هذا العصر فقط ولو قدر لبعض الباحثين غير المسلمين المشتغلين في مجال علوم الحياة الإطلاع عليه لما ترددوا بالقول بأن هذه الحقائق لا يمكن أن تصدر عن بشر عاش قبل أربعة عشر قرنا إلا إذا كان رسولا من رب العالمين. ولقد عثرت على هذا الحديث في كتاب الفتن لنعيم بن حماد المرزوي وهو غير موجود في صحيح البخاري ولا صحيح مسلم ولم يتسنى لي الوقت  للتأكد من وجوده في بقية كتب الحديث الأخرى.  ولقد أورد نعيم بن حماد هذا الحديث في كتابه لسبب وجيه وذلك لكونه يتحدث عن حدث من الأحداث التي ستقع في آخر الزمان وهي مدار الأحاديث النبوية الواردة في كتابه. فقد جاء في كتاب الفتن: حدثنا عبيد بن واقد القيسي عن محمد بن عيسى الهذلي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "خلق الله تعالى ألف أمة ستمائة في البحر وأربع مائة في البر وأول شيء من هذه الأمم هلاكا الجراد فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه".
إن مثل هذا الحديث لا يمكن أن يكون موضوعا أي مكذوبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لثلاثة أسباب جوهرية.  أولها أنه لا مصلحة لأحد في وضعه فهو لا يتحدث عن موضوع سياسي أو عقائدي أو فقهي أو تشريعي قد يستعمله من لا تقوى عنده من الحكام والفقهاء والمتكلمين في دعم أرائهم ومواقفهم. وثانيها أن الحديث قد تنبأ بحقيقة لا يمكن أن تخطر على بال أحد عاش في ما مضى من العصور وهي إمكانية انقراض جميع الكائنات الحية نتيجة لانقراض نوع معين من الكائنات  وهذه الحقيقة لم يتمكن علماء العصر الحديث من كشفها إلا بعد جهود ودراسات مضنية ومستفيضة لتركيبة النظام الحيوي. أما ثالثها فهي تحديد الجراد ليكون أول أمم الكائنات الحية انقراضا وأن انقراضه سيتسبب في انقراض بقية الكائنات الحية بشكل متسلسل وسريع كما سنبين ذلك بعد قليل. يورد هذا الحديث ثلاث حقائق علمية في غاية الأهمية تكشف الحقيقة الأولى معلومة علمية تتعلق بعدد الأنواع الرئيسية للكائنات الحية بينما تتنبأ الأخريان عن أحداث ستحصل للنظام البيئي في آخر الزمان. يحدد الحديث عدد الأنواع الرئيسية للكائنات الحية بألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر ومما يؤكد صحة الحديث أيضا أن تقسيم الكائنات الحية إلى أمم قد ورد في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" الأنعام 38 .
ولقد جاء العلماء بعد  ألف وأربعمائة عام ليؤكدوا هذه الحقيقة فقد نسب إلى العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين أنه قال (إذا اختفى النحل من وجه الأرض فإنه لن يبقى للإنسان إلا أربعة سنوات ليعيش. )
 (If the bee disappeared off the surface of the globe then man would only have four years of life left.).  
ويرسم عالم الأحياء الشهير إدوارد ولسون (Edward O. Wilson)  في كتابه تنوع الحياة المنشور في عام 1992م سيناريو مطابق لما جاء في الحديث النبوي (إن الحشرات وبقية المفصليات البرية إذا ما اختفت جميعها فإنه من المحتمل أن البشرية لن تبقى إلا لعدة أشهر. فمعظم البرمائيات والزواحف والطيور والثديات ستنتهي للإنقراض في نفس الفترة وبعدها ستختفي غالبية النباتات المزهرة ومعها معظم أشجار الغابات وبقية الحياة البرية في العالم. وسيصيب سطح الأرض الفساد بسبب تراكم النباتات الميتة والجافة مغلقة بذلك قنوات دورات الغذاء وبذلك ستموت بقية الأشكال المعقدة من النباتات ومعها جميع ما تبقى من الفقاريات البرية).

The renowned biologist Edward O. Wilson writing in his 1992 book “The Diversity of Life” envisioned an apocalyptic scenario in which humans would face doom in only months: 22So important are insects and other land-dwelling arthropods that if all were to disappear, humanity probably could not last more than a few months. Most of the amphibians, reptiles, birds, and mammals would crash to extinction about the same time. Next would go the bulk of the flowering plants and with them the physical structure of most forests and other terrestrial habitats of the world. The land surface would literally rot. As dead vegetation piled up and dried out, closing the channels of the nutrient cycles, other complex forms of vegetation would die off, and with them all but a few remnants of the land vertebrates.


لقد قام علماء الحياة بوضع نظام تصنيف معقد يبين مكان كل نوع من أنواع الكائنات الحية في شجرة الحياة والقرابة التي تربطه مع بقية أنواع الكائنات وذلك بناء على الصفات المشتركة التي تجمع بينها. وفي نظام التصنيف هذا قسم العلماء الكائنات الحية التي يبلغ عدد الأنواع المعروفة منها اليوم ما يقرب من مليوني نوع إلى خمسة ممالك وهي البدائيات والطلائعيات والفطريات والنباتات والحيوانات. ومن ثم قسموا كل مملكة إلى أقسام ومن ثم إلى شعب وطوائف ورتب وعائلات وأجناس وأنواع. ومن الواضح والله أعلم أن الأمم المقصودة في الحديث تناظر إما الأجناس أو العائلات وليس بالطبع الأنواع فعدد الأنواع كما ذكرنا يعد بالملايين بينما يبلغ عدد الأمم ألف أمة وهو أقرب ما يكون لعدد الأجناس أو العائلات. فعلى سبيل المثال يقدر العلماء عدد أنواع الطيور المكتشفة  بعشرة آلاف نوع تقريبا وقد تم تقسيمها إلى سبعة وعشرين جنسا وعلى هذا فيمكن اعتبار عدد أمم الطيور بعدد أجناسها ويمكن أن نعتبر جميع الطيور أمة واحدة. وكذلك هو الحال مع أمم الجراد والنمل والنحل والذباب والعناكب والصراصير والفراش والزواحف والديدان وكذلك الحال أيضا مع أمم الأنعام والكلاب والقطط والفئران والذئاب والثعالب وأمم الأسماك والحيتان والدلافين وغيرها. ومن أوجه الإعجاز في هذا الحديث أنه ذكر أن عدد أمم البحر تزيد عن أمم البر وهذا ما أثبته العلماء حديثا وهذا على العكس الاعتقاد السائد عند البشر فغالبيتهم يعتقدون أن عدد كائنات البر أكثر من عدد كائنات البحر وذلك لكثرة احتكاكهم بكائنات البر وجهلهم بما في البحر من كائنات.

ولكي نتمكن من توضيح الحقيقتين الأخريين اللاتي ذكرهن حديث هلاك الجراد لا بد من شرح مبسط لبعض الحقائق التي توصل إليها العلماء حول الآليات التي يعمل من خلالها النظام الحيوي والتي أبقته في اتزان منقطع النظير لمئات الملايين من السنين.  لقد قام علماء الأحياء بتصنيف الكائنات الحية إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي الكائنات المنتجة والكائنات المستهلكة والكائنات المحللة. فالكائنات المنتجة هي التي تقوم بتحويل المواد غير العضوية كثاني أكسيد الكربون والماء والنيتروجين وبقية العناصر الأرضية إلى مواد عضوية من خلال عملية التركيب الضوئي ويشمل هذا النوع جميع النباتات التي تعيش على اليابسة ومعظم أنواع الطحالب البحرية. أما الكائنات المستهلكة فهي التي تعتمد في غذائها على ما تنتجه النباتات والطحالب من مواد عضوية مختلفة  ويشمل هذا النوع جميع أنواع حيوانات البر والبحر. وأما الكائنات المحللة فهي التي تقوم بتحليل المواد العضوية الموجودة في الكائنات الحية بعد موتها والفضلات التي تخرج منها وتحويلها إلى مواد غير عضوية يعاد استهلاكها من قبل الكائنات المنتجة ويشمل هذا النوع مختلف أنواع البكتيريا والفطريات. ومن الواضح أن الكائنات المستهلكة والمحللة لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تعيش على الأرض بدون وجود الكائنات المنتجة وذلك لعدم قدرتها على توفير الغذاء اللازم لها مباشرة من تراب وهواء الأرض. وكذلك فإنه لا يمكن للكائنات المنتجة أن تستمر في العيش على سطح الأرض بدون الكائنات المستهلكة والمحللة وذلك لأنها ستحول مع مرور الزمن جميع ثاني أكسيد الكربون المتوفر في الطبيعة إلى مواد عضوية وسيكون مصيرها الموت في غياب طعامها المفضل وهو ثاني أكسيد الكربون.

إن استمرار الحياة على سطح هذه الأرض يتطلب توازن تام بين الكائنات المنتجة والمستهلكة والمحللة بحيث لا يطغى أيّ نوع من هذه الأنواع على الأنواع الأخرى وإلا أدى هذا الطغيان  إلى اختفاء جميع أشكال الحياة على الأرض. فالكائنات المحللة كالبكتيريا والفطريات يمكنها القضاء على الكائنات المنتجة والمستهلكة بسبب سرعة تكاثرها لولا وسائل الدفاع التي زود الله بها الكائنات الحية ضد هذه الكائنات الدقيقة ولذلك فهي لا تتكاثر إلا على بقايا الكائنات الميتة وهي الوظيفة التي خلقها الله من أجلها. وكذلك فإن الحيوانات آكلة النباتات يمكنها إذا ما تكاثرت بمعدلات عالية أن تأكل كل ما على بر الأرض من نباتات وبهذا فإنها ستقضي على هذه النباتات وبالتالي على نفسها لأنها لن تجد ما تأكله وفي أسراب الجراد التي تغزو بعض المناطق فلا تترك عرقا أخضرا عليها أكبر مثال على ذلك. وكذلك فإن الحيوانات آكلة اللحوم يمكنها إذا ما تزايدت أعدادها أن تأكل جميع الحيوانات آكلة النباتات وسيكون مصيرها بالطبع الموت في غياب طعامها الوحيد وهو لحوم هذه الحيوانات. ويجب  أن يتوفر التوازن  أيضا بين جميع أنواع الكائنات الحية وليس فقط بين الفئات الرئيسة الثلاث بحيث لا يتفرد كائن معين من هذه الكائنات بالموارد الطبيعية على حساب الكائنات الأخرى مما يؤدي إلى انقراض البقية. ولقد وجد العلماء أن مثل هذا التوازن المطلوب بين الكائنات الحية لا يمكن أن يتم إن لم يتم تصميم  هذا النظام البيئي المعقد بشكل بالغ الدقة من قبل عليم خبير حيث أن خطأ بسيطا في تصميم هذا النظام قد يؤدي إلى انهيار كامل النظام وبالتالي اختفاء الحياة على سطح الأرض وصدق الله العظيم القائل "وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ" الحجر 20.  

إن مثل هذا التصميم البالغ التعقيد للنظام الحيوي يتطلب تحديد خصائص كل نوع من أنواع الكائنات الحية التي يبلغ عدد المعروف منها اليوم ما يزيد عن مليوني نوع وذلك من حيث أعدادها وأحجامها ومعدلات تكاثرها وطرق حصولها على الغذاء ونوع الغذاء الذي يناسبها والوسائل التي تتبعها في الدفاع عن نفسها ضد من يحاول افتراسها ومدى مقاومتها للظروف الجوية التي تحيط بها وإلى غير ذلك من الخصائص التي يصعب حتى على المختصين حصرها. ولقد تبين للعلماء أن هناك  آليات بالغة التعقيد أودعها الله في هذه الكائنات لكي تضمن هذا التوازن وقد تمكن هؤلاء العلماء من اكتشاف بعض هذه الآليات إلا أنهم لا زالوا يجهلون الكثير منها.


فأول هذه الآليات التي تضمن عدم زيادة أعداد الكائنات الحية عن حد معين هو أن كمية المواد الخام والطاقة التي تحتاجها الكائنات الحية محدودة على سطح هذه الأرض. فالنباتات التي هي مصدر غذاء كائنات اليابسة لا تتكاثر إلا بوجود كميات كافية من الماء على طول العام والطحالب التي هي مصدر غذاء كائنات البحر لا تتكاثر إلا بوجود كميات كافية من ثاني أكسيد الكربون المذاب في مياه البحار وضوء الشمس. وكذلك فإن كمية الطاقة الشمسية التي تسقط على المتر المربع الواحد من سطح الأرض محدودة مما يعني أن هناك سقفا أعلى  لكمية المواد العضوية التي يمكن تصنيعها من قبل النباتات والطحالب في المتر المربع الواحد.



وأما الآلية الثانية فهي أن كفاءة تحويل الطاقة في الأنظمة الحية لا يمكن أن تكون مائة بالمائة بل هي أقل من ذلك بكثير حيث تصل في الأنظمة الحية إلى ما يقرب من عشرة بالمائة وهذا يعني أن كمية الطاقة التي تستمدها الحيوانات آكلة النباتات من النباتات لا تتجاوز العشرة بالمائة من كمية الطاقة الكيميائية المخزنة فيها وبناءا على ذلك فإن حجم المواد العضوية الموجودة في الحيوانات آكلة النباتات لا يمكن أن يتجاوز بأي حال من الأحوال عشر حجم المواد العضوية الموجودة في النباتات. وكذلك فإن حجم المواد العضوية الموجودة في الحيوانات آكلة اللحوم لا يمكن أن يتجاوز بأي حال من الأحوال عشر حجم المواد العضوية الموجودة في الحيوانات آكلة النباتات. ومن  هذه الآليات أيضا أن الحيوانات التي تعتمد على ما تنتجه النباتات من مواد عضوية لا تتغذى جميعها على النباتات بشكل مباشر بل يوجد عدة مستويات من نظم التغذية فهناك الحيوانات التي تتغذى على النباتات مباشرة وتسمى الكائنات المستهلكة الابتدائية أو الحيوانات آكلة النباتات وهنالك الحيوانات التي تتغذى على الحيوانات الابتدائية وتسمى الكائنات المستهلكة الثانوية وهي الحيوانات آكلة اللحوم وهناك بعض الحيوانات التي تعتمد في غذائها على الحيوانات آكلة اللحوم كذلك وهذا ما يسميه العلماء بسلسلة الغذاء. ومن الآليات المستخدمة في حفظ التوازن أيضا أن لكل من هذه الحيوانات أطعمة مفضلة من النباتات أو من الحيوانات فهنالك الحيوانات التي تتغذى على أوراق النباتات وتلك التي تتغذى على أزهارها أو ثمارها أو بذورها أو أخشابها أو جذورها. ومن الحيوانات من يفضل أكل بعض أنواع الحيوانات على غيرها أو بعض الأجزاء من أجسامها ومن الكائنات من يتغذى على فضلات الحيوانات أو رممها ومنها من يتطفل في طعامه على أجسام الكائنات الحية دون أن يهلكها وإلى غير ذلك من وسائل التغذية التي لا حصر لها. ومن الآليات العجيبة التي تدل على مدى الإتقان في تصميم هذا النظام البيئي المتوازن هو أن معدلات تكاثر الكائنات تقل تدريجيا مع ازدياد حجم هذه الكائنات فعلى سبيل المثال فإن معدل التكاثر في العام الواحد يصل لعشرات الآلاف في البكتيريا ولعدة آلاف في الطحالب ولعدة مئات في الكائنات الحية الدقيقة ولعدة عشرات في الحشرات ولعدة آحاد في صغار الفقاريات وإلى أقل من واحد في كبار الفقاريات فسبحان القائل "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا " الفرقان 2.


ولم يتمكن علماء الأحياء حتى الآن من حصر عدد أنواع الكائنات الحية التي تعيش على سطح هذه الأرض وخاصة تلك التي تعيش في أعماق المحيطات أو تلك التي لا ترى بالعين المجردة وتتراوح تقديرات العلماء لعدد هذه الأنواع ما بين خمسة ملايين وخمسة عشر مليون نوع أو ربما يزيد. أما عدد أنواع الكائنات الحية التي تم حصرها من قبل هؤلاء العلماء  فيقرب من مليوني نوع حيث يبلغ عدد أنواع الكائنات الحية الدقيقة كالفيروسات والبكتيريا والطحالب حوالي مائة ألف نوع والفطريات مائة ألف نوع والنباتات ثلاثمائة ألف نوع والحيوانات الفقارية خمسين ألف نوع والحيوانات اللافقارية ما يقرب من مليون ونصف نوع.

أما عدد أفراد كل نوع من هذه الأنواع فمن الصعب تحديده وخاصة تلك الأنواع التي لا ترى بالعين المجردة والتي يحوي  الجزء اليسير من الماء أو الهواء أو التراب على ملايين الملايين منها. أما أحجام هذه الكائنات فتتراوح بين تلك التي لا ترى بالعين المجردة كالفيروسات والبكتيريا والفطريات وتلك التي يصل وزنها إلى عدة أطنان كالفيلة والحيتان وما بين هذين الحدين يوجد تدرج عجيب في أحجام هذه الكائنات لكي  يتخذ بعضها من البعض الآخر غذاء لها. فالطحالب التي تعيش في طبقات الماء العليا من المحيطات تعتبر مصدر الغذاء الرئيسي لجميع مخلوقات البحر وبما أن معظم الكائنات البحرية الكبيرة لا يمكنها التغذي على هذه الطحالب مباشرة وذلك لصغر حجمها فقد سخّر الله كائنات حية دقيقة أكبر حجما من الطحالب تتخذها طعاما لها وهي بدورها تكون طعاما لكائنات أكبر حجما منها كالأسماك الصغيرة التي تصبح طعاما لأسماك أكبر منها حجما في سلسلة غذاء بالغة التعقيد. وعلى البر توجد كذلك سلسلة غذاء بنفس التعقيد الموجود في البحر حيث تقوم النباتات بمختلف أنواعها بتأمين الغذاء لكل فرد من أفراد الكائنات الحية البرية. وعلى الرغم من هذه الأعداد الهائلة من الكائنات الحية التي لا يكاد يخلو منها مكان على سطح الأرض إلا أنها تحصل على نصيبها من الغذاء الذي يبقيها على قيد الحياة. وتقوم معظم الكائنات الحية بتأمين غذائها يوما بيوم ولا تحسب حساب رزق اليوم الذي يليه كما يفعل البشر الذين يقومون بتخزين ما يحتاجون إليه من طعام لعام كامل على الرغم من أنهم أذكى وأقدر مخلوقات الله على هذه الأرض وصدق الله العظيم القائل "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" هود 6 والقائل سبحانه "وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" العنكبوت 60.

وبعد هذا الشرح الموجز للآليات التي تبقي النظام الحيوي  يعمل بشكل متوازن لمئات الملايين السنين يمكننا استيعاب الحقائق التي أوردها حديث هلاك الجراد. فالحقيقة الكبرى التي قررها الحديث الشريف هو أن هلاك الجراد سيؤدي لا محالة إلى هلاك بقية الكائنات الحية وأن هذا الهلاك سيتم بشكل متتابع فستهلك أولا الكائنات التي تعتمد في عيشها على الجراد ومن ثم الكائنات التي تقع فوقها في سلسلة الغذاء وهكذا تتوالى عملية الانقراض لتشمل بقية الكائنات في السلسلة. إن التعبير الذي استخدمه الحديث الشريف لتوضيح الطريقة التي يتم من خلالها انقراض الكائنات الحية بمجرد انقراض الجراد لا يمكن أن يصاغ إلا من قبل عليم خبير يعلم تمام العلم مكونات النظام الحيوي والآليات التي تحفظ توازنه والطريقة التي سينهار بها هذا النظام. فقد شبه الله سبحانه وتعالى على لسان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عمليات الانقراض بتساقط حبات العقد (النظام)  إذا ما انقطع الخيط أو السلك الذي ينتظمها  "فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه". ولقد أكد العلماء على أن الجراد يلعب دورا مهما في سلسلة غذاء الكائنات الحية مما يعني أن إنقراضه سيؤدي إلى إختلال في توازن هذه السلسلة وبالتالي انهيارها. فقد جاء في أحد التقارير  المتعلقة بمكافحة الجراد ما نصه (يلعب الجراد دورا بيئيا مهما في دورة التغذية ويشكل جزءا أساسيا في سلسلة الغذاء وخاصة في المناطق القاحلة. إن الإستخدام الخاطيء وغير المميز للطرق الكيميائية لمكافحة الحشرات الزراعية  قد يكون غير مجدي وله تأثير كارثي على العمليات الطبيعية والتي قد تهدد الحياة بما فيها حياة البشر)  
(Locusts play an important ecological role in nutrient cycle and form an integral part of the food chains, especially in arid zones. The incorrect and indiscriminate use of specifically chemical methods to control agricultural pests can be ineffective, and have a disastrous effect on natural processes. Eventually it can affect the well-being and the very existence of mankind. http://www.daff.gov.za/docs/Policy/locust.htm).

 أما اختيار أمة الجراد بالذات وليس أمة أخرى لتكون السبب في انهيار النظام الحيوي إذا ما انقرضت فهو معجزة آخرى من معجزات هذا الحديث. فالبشر بمحدودية علمهم لا يعرفون الدور الذي يلعبه كل كائن حي في توازن هذا النظام البيئي بل قد يصل الجهل ببعضهم أن يعتقدوا أن كل كائن حي يضرهم أو يضر مصالحهم لا لزوم لوجوده على الأرض أبدا ويعملون بشتى الطرق للتخلص منه. فالجراد من الكائنات المستهلكة التي تتغذى على الأعشاب وتتميز بسرعة تكاثرها وكذلك سرعة تنقلها ولذلك فقد سخرها الله سبحانه وتعالى لتذهب إلى الأماكن المعشبة التي يتعذر الوصول إليها من قبل بقية الكائنات الأخرى الآكلة للأعشاب فتقوم بأكله لتحوله إلى لحم في أجسامها  ثم تعود من تلك المناطق إلى مناطق آهلة بمختلف الكائنات الحية الآكلة للحوم لتكون طعاما لها كالطيور والزواحف وغيرها.



والجراد (Locusts) حشرات آكلة للنبات من رتبة الحشرات مستقيمة الأجنحة (Orthoptera) وهي أحد أنواع الجنادب (Grasshoppers) ويوجد ما يزيد على عشرين ألف نوع منها في العالم.  وما يميز الجراد عن بقية أنواع الجنادب هو حجمها الأكبر وقدرتها على الطيران لمسافات بعيدة وكذلك تحركها على شكل أسراب  (swarms). ويتراوح عدد الجراد في  السرب الواحد ما بين مائة ألف و عشرة بلايين جرادة وتغطي مئات الكيلومترات المربعة عند هبوطها على الأرض.  ويتكون جسم الجرادة من رأس وصدر وبطن مقسم إلى 12 قطعة ويتراوح طول الجرادة الناضجة بين 5 إلى 15 سم.  وللجراد ستة أرجل وتمتلك أرجلا خلفية قوية تساعدها على القفز إلى 20 مرة أطول من جسمها. ورأس الجرادة كبير بالنسبة لجسمها وفمها يحتوي أسنان حادة ويحمل قرنين قصيرين للاستشعار  ويمكنها أن تأكل كمية من الأعشاب تعادل وزنها في اليوم الواحد. ويصدر الجراد أصوات موسيقية من خلال حك الأرجل الخلفية أو الأجنحة الأمامية مع الجسم. ويتكاثر الجراد بمعدل كبير جداحيث تبيض أنثى الجراد ثلاث مرات في العام وبمعدل يزيد عن مائة بيضة في المرة الواحد ويتراوح عمر الجرادة بين شهرين وخمسة أشهر. وعند هبوط الجراد على الأرض فإن  الكيلومتر المربع الواحد يحتوي على 50 مليون جرادة على الأقل ويلتهم هذا العدد  حوالي 100 ألف طن من النباتات الخضراء في اليوم الواحد. و يعتبر الجراد الغذاء المفضل لكثير من الكائنات الحية كالطيور والفئران والثعابين والخنافس والعناكب وغيرها.



إن الجراد يتنقل بين تلك المناطق كأسراب قد يصل عدد أفراد السرب الواحد لمئات الملايين وعندما تهبط على الأرض فإنها تغطي مساحات قد تصل لعشرات الكيلومترات وقد تحجب الشمس عن من تحتها وهي تطير في الجو. وعندما تمر أسراب الجراد على مناطق مزروعة بالمحاصيل فقد تأكلها بالكامل ولا تترك منها عرقا أخضر ولهذا السبب فقد شن البشر في هذا العصر على الجراد حربا شعواء استخدموا فيها شتى الأسلحة الكيميائية للقضاء عليها. وبسبب هذه الحرب الظالمة فقد انقرض حتى الآن عدد لا بأس به من أنواع الجراد البالغ عددها أحد عشر ألف نوع وإذا ما استمرت هذه الحرب بهذه الضراوة فستنقرض جميع أنواع الجراد وبالتالي بقية الكائنات الحية وهذا كائن لا محالة تصديقا لحديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصدق الله العظيم القائل "وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا" الإسراء 51 .          
المراجع

1-       كتاب الفتن لنعيم بن حماد المرزوي

2-       البيئة ومشكلاتها،  تأليف رشيد الحمد ومحمد سعيد الصباريني، عالم المعرفة، أكتوبر 1979م، الكويت.

3-       البيئة والإنسان عبر العصور،  تأليف إيان سيمونز، ترجمة محمد عثمان، عالم المعرفة، يونيو 1997م، الكويت.

هناك تعليق واحد :

  1. شركة مكافحة النمل الابيض بمكة
    نحن شركة مكافحة النمل الابيض بمكة التى تساعدك على التخلص النهائى من النمل الابيض الذى يؤدى الى شعورك بالازعاج عند تواجده فى المنزل لذلك ان اردت ان تتعامل مع شركة مكافحة النمل الابيض بمكة او شركة مكافحة صراصير بمكة لن تجد افضل من شركتنا تقدم لك هذه الخدمات
    شركة مكافحة صراصير بمكة
    http://www.elbshayr.com/3/Pest-control

    ردحذف