2016-06-19

الإنفجار العظيم في القرآن الكريم وفي صحيفة إدريس السلوفاكية


الإنفجار العظيم في القرآن الكريم وفي صحيفة إدريس السلوفاكية
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

لقد دار جدل طويل ولا زال يدور حول صحة نظرية الإنفجار العظيم والتي تفسر  الطريقة التي نشأ بها هذا الكون. ومن المؤسف أن بعض أتباع الأديان هم أكثر  الناس تشكيكا في هذه النظرية رغم أنها قد إنتصرت لهم وأثبتت أن الكون حادث وهو ما يعتقدونه وليس أزلي كما يعتقد الملحدون. وإذا كان هناك من عذر  لأتباع التوراة والإنجيل في التشكيك بهذه النظرية لغياب أي نص فيها تشير لهذا الإنفجار فإني لا  أجد عذرا للمسلمين في ذلك حيث يوجد في القرآن الكريم عدد كبير من الآيات تؤكد إذا ما درست مجتمعة بحصول مثل هذا الإنفجار كما شنشرح ذلك لاحقا. ولحسن الحظ أنه تم العثور على كتاب مقدس وهي إحدى صحف إدريس عليه السلام تشير بشكل واضح وصريح إلى هذا الإنفجار لتشهد يذلك بصدق ما جاء في القرآن الكريم حول هذا الموضوع.  فقد عثر في سلوفاكيا في نهاية القرن التاسع عشر على نسختين من صحف إدريس عليه السلام مترجمتين عن أصل يوناني يعتقد أنه قد كتب في بداية القرن الأول الميلادي. وقد قام الباحث في الدراسات الروسية والسلوفاكية مورفيل (W. R. MORFILL) بترجمته إلى الإنجليزية ومن ثم قام بتحقيقه  عالم اللاهوت في كلية الثالوث في دبلن روبرت شارلس (R. H. CHARLES). ولقد تم نشر الكتاب  في عام 1896م تحت عنوان كتاب أسرار إدريس (THE BOOK OF THE SECRETS OF ENOCH). وهذا الكتاب هو غير كتاب إدريس الأثيوبي والذي قام بتحقيقه أيضا روبرت شارلز حيث أنه يحتوي على معلومات لا توجد في النسخة الأثيوبية خاصة فيما يتعلق بتفاصيل رحلة إدريس عليه السلام  إلى السموات السبع وفيما يتعلق ببداية خلق الكون وتفاصيل أيام الخلق الستة.

لقد شرحت في مقالة سابقة بعنوان (صحف إدريس وآياته المتوافقة مع القرآن الكريم) التوافق الكبير بين كثير من القضايا التي ورد ذكرها في النسخة الأثيوبية من صحف إدريس ومع ما ورد في القرآن الكريم ولم تأت على ذكرها التوراة والإنجيل. وفي هذه المقالة سأبين التوافق بين ما ورد في النسخة السلوفاكية وما ورد في القرآن الكريم حول ما يسمى بالانفجار العظيم الذي خرجت منه جميع مخلوقات الكون من سموات وآراضين. أما التوافق حول مفهوم السموات السبع والعرش فسأشرحه في مقالة لاحقة. وجدير بالذكر أن محقق كتاب أسرار إدريس قد قال بسبب هذا التوافق أنه ربما قد وقعت نسخة من هذه الصحف في يد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام(Some form of the Slavonic Enoch seems to have been in Mohammed's hands ^( وذلك على الرغم  من أنه سبق وأن قال في تحقيقه للكتابين بأن هذه الصحف قد اختفت عن أيدي الدارسين لما يزيد عن ألف ومائتين عام! وسأشرح في البداية نظرية الإنفجار العظيم والتي سبق أن شرحتها في مقالات سابقة ومن ثم سأشرح الآيات القرآنية التي تؤكد  حدوث هذا الإنفجار ومن ثم النصوص الواردة في صحيفة إدريس عليه السلام حول هذا الموضوع.

نظرية الإنفجار العظيم حول نشأة الكون

                لقد ظهرت نظرية الإنفجار العظيم (the big bang) بعد أن قام الفلكي والرياضي الروسي الكسندر فريدمان في عام 1922م بإعادة حل معادلات النسبية العامة التي وضعها ألبرت أينشتاين في عام 6191م وتبين له من الحل أن الكون في حالة توسع دائم وذلك على عكس ما توصل إليه أينشتاين عندما حل هذه المعادلات وأثبت أن الكون ساكن. وقد اعترف أينشتاين فيما بعد بأنه قد ارتكب أكبر غلطة في حياته عندما اختار قيمة الثابت الكوني (cosmological constant) في معادلاته ليبقى على الكون ساكنا (static universe) لأن ذلك كان هو الاعتقاد السائد في الأوساط العلمية. وفي عام 1929م اكتشف الفلكي الأمريكي إدوين هابل (Edwin Hubble) بالاعتماد على قياس مقادير الإزاحة الحمراء (red shift) في الطيف المنبعث من أعداد كبيرة من المجرات أن المجرات البعيدة تنحسر بسرعة أكبر من المجرات القريبة ثم قام بوضع القانون الذي يربط ما بين المسافة التي تفصلنا عن هذه المجرات وبين سرعة انحسارها أو ما يسمى بقانون هابل (Hubble's law). إن مثل هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها إلا من خلال افتراض أن هذه المجرات قد انطلقت من مكان واحد في هذا الكون وتطايرت في جميع الاتجاهات هذا على افتراض أن الكون متجانس في جميع أرجاءه وذلك في النطاق الواسع (large scale) وهي أحد أهم الفرضيات التي يعتمد عليها علماء الكون في دراساتهم. وفي عام 1931م اقترح القس البلجيكي جيرجس لامتير (Georges Lemaître) سيناريو للطريقة التي نشأ بها الكون وهو أنه قد ظهر نتيجة لانفجار عظيم (massive blast) لما يسمى بالبيضة الكونية (cosmic egg) والتي كانت تحتوي على جميع مادة وطاقة هذا الكون وقد أطلق على هذا الإنفجار فيما بعد اسم الانفجار العظيم (Big Bang). وفي عام 1964م تمكن العالمان الأمريكيان أرنو بنزيس وروبرت ويلسون (Arno Penzias and Robert Wilson) من قياس درجة حرارة الإشعاع الكوني الناتج عن الإنفجار العظيم ووجدوا أن قيمتها تبلغ ثلاثة درجات تقريبا على مقياس كلفن (2.725 K) مما يعني أن ترددات هذا الإشعاع تتمركز في منطقة الموجات الدقيقة للطيف الكهرومغناطيسي ولذا أطلقوا عليها إسم خلفية الموجات الدقيقة الكونية (cosmic microwave background). لقد تم إكتشاف هذا الإشعاع الكوني بالصدفة حيث كان هذان العالمان يجريان تجارب لقياس كمية الضجيج (noise) القادم من الفضاء الخارجي التي تلتقطه الهوائيات المستخدمة في الأقمار الصناعية وكانت النتيجة مؤكدة للحسابات النظرية التي حصل عليها العلماء المشتغلين في مجال نشأة الكون.

وبناءا على هذه الفرضية بدأ علماء الفيزياء الفلكية بدراسة سلسلة الأحداث التي مر بها الكون منذ لحظة انفجاره إلى الآن وذلك بعد أن قاموا بتقدير كمية المادة والطاقة الموجودة في الكون في الوقت الراهن حيث يقدر العلماء عدد المجرات في الكون المشاهد (observable universe) بثلاثمائة بليون مجرة يحتوي كل منها في المتوسط على مائة بليون نجم وما يتبعها من كواكب. وإذا ما سلم العلماء بصحة سيناريو الانفجار العظيم فإن هذا العدد الهائل من المجرات وما تحويه من نجوم كان يوما ما محصورا داخل كرة لا حجم لها عند ساعة الصفر ثم بدأت تكبر شيئا فشيئا إلا أن أصبحت بالحجم الذي هي عليه الآن. وللقارئ أن يتخيل كم ستكون كثافة المادة إذا ما تم ضغط جميع مادة هذا الكون في كرة قطرها كيلومتر ثم متر ثم سنتيمتر ثم ميلليمتر وهكذا إلى أن تصبح كرة بلا قطر أو ما يسميه العلماء بالنقطة المفردة (Singularity). ولكي نعين القارئ على تخيله هذا نذكر له أن انهيار نجم بحجم شمسنا أو أقل إذا ما نفد وقوده يؤدي إلى تحوله إلى قزم أبيض بحجم يقل قليلا عن حجم الأرض ولكن كثافة المادة فيه تصل إلى عدة أطنان في السنتيمتر المكعب الواحد. وإذا كان هذا هو حال كثافة المادة عند انهيار نجم واحد فقط فماذا سيكون حال كثافة المادة عند انهيار جميع مجرات الكون لتكون داخل كرة بحجم كرة القدم أو أصغر من ذلك! إن كونا بدأ بهذه الكثافة الهائلة لا يمكن له أن ينفجر من تلقاء نفسه أبدا وذلك بسبب جاذبيته اللامتناهية إلا إذا وجد من يفجره وهو خالقه سبحانه وتعالى.

لقد كان الكون عند ساعة الصفر على شكل نقطة مادية غاية في الصغر لها درجة حرارة وكثافة غاية في الكبر ولا يعرف العلماء على وجه التحديد ماهية المادة الأولية التي انبثق منها هذا الكون ولا من أين جاءت ولماذا اختارت هذا الوقت بالتحديد لكي تنفجر ولا يعرفون كذلك أيّ شيء عن حالة الكون قبل الانفجار وصدق الله العظيم القائل "مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا" الكهف 51. ويغلب على ظن العلماء أن مادة الكون كانت عند بداية الانفجار مادة صرفة ذات طبيعة واحدة وتحكمها قوة طبيعية واحدة وقد بدأت هذه المادة الصرفة بالتمدد بشكل رهيب وبسرعات غاية في الكبر نتيجة لهذا الانفجار لتملأ الفضاء من حولها هذا إذا ما كان هناك ثمة فضاء حيث يعتقد العلماء أن المكان والزمان قد ظهرا مع ظهور هذا الانفجار. لقد كان الكون الأولي على شكل كرة نارية متجانسة تملؤها سحابة من المادة الصرفة العالية الحرارة والكثافة حيث قدر العلماء درجة حرارة الكون عند لحظة الانفجار برقم هو حاصل رفع الرقم عشرة للأس 35 درجة بينما قدرت الكثافة برقم هو حاصل رفع الرقم عشرة للأس مائة وعشرين إيرج لكل سنتيمتر مكعب. ومع إزدياد حجم هذه الكرة المتوسعة بدأت درجة حرارتها وكذلك كثافتها بالهبوط تدريجيا نتيجة لتوزع طاقتها على حجم أكبر. وبعد هبوط درجة حرارة هذه المادة إلى رقم عشرة مرفوع للأس 28 درجة كلفن بدأت الجسيمات الأولية كالكواركات واللبتونات والفوتونات بالتشكل من هذه المادة الصرفة وبدأت كذلك قوى الطبيعية الأربعة التي كانت موحدة في قوة واحدة بالانفصال عن بعضها البعض تدريجيا. ومع استمرار تناقص درجة حرارة هذا الكون الناشئ إلى الرقم 10 مرفوع للأس 14 درجة كلفن بدأت مكونات الذرة الأساسية الثلاث وهي البروتونات والنيوترونات والإلكترونات بالتشكل من خلال اندماج أنواع الكواركات والليبتونات المختلفة مع بعضها البعض تحت تأثير القوى الطبيعية المختلفة. ومع إنخفاض درجة الحرارة إلى ما دون عشرة آلاف درجة بعد مرور ما يقرب من نصف مليون سنة من لحظة الإنفجار بدأت ذرات الهيدروجين والهيليوم بالتشكل من هذه الجسيمات.

إن اختيار الانفجار العظيم ليكون بداية لخلق هذا الكون تدل على مدى علم من اختاره سبحانه حيث أن الكون لن يكون مستقرا أبدا لو تم خلقه بغير هذه الطريقة. ومما يدل على محدودية علم البشر هو أن أحد أعظم علمائهم في القرن العشرين وهو ألبرت أينشتاين كان يظن أن الكون ساكنا وهذا لا يمكن أن يكون أبدا حيث أن الكون سينهار على نفسه بسبب قوة الجاذبية بين أجرامه. فهذا الكون لا يمكن أن يكون مستقرا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة لأنجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه. ولهذا فقد اختار الله سبحانه نوعين من الحركة لهذه الأجرام حركة دائرية وأخرى خطية فالحركة الدائرية اختارها الله لحفظ الأقمار حول الكواكب والكواكب حول الشموس والشموس حول مراكز المجرات ولوقف هذه المتوالية اختار الله الحركة الخطية لحفظ المجرات من الإنجذاب لبعضها البعض حيث أنها تتحرك في خطوط مستقيمة باتجاهات خارجة من مركز الإنفجار الكوني وصدق الله العظيم القائل "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)" يس. إن حركة الأجرام الدائرية حول مراكز دورانها يمكن أن تبقى إلى ما لانهاية حيث أنها تسبح في فضاء لا وجود لقوى الاحتكاك فيه ولكن حركة المجرات الخطية لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية وذلك بسبب تأثير قوة الجاذبية لجميع مجرات هذا الكون على كل مجرة كما ذكرنا سابقا. ومما يدل على لامحدودية علم من خلق هذا الكون أن قوة الانفجار هذا قد تم حسابها بشكل بالغ الدقة بحيث يكون لهذا الكون عمرا محددا لا يعلمه على وجه التحديد إلا الله عز وجل ويقدر العلماء ما مضى من عمر هذا الكون ما بين ثمانية وخمسة عشر بليون سنة.

ويقدر العلماء كتلة الكون المشاهد برقم يساوي حاصل ضرب الرقم 3 بالرقم 10 مرفوع للأس 52 كيلوغرام (3 × 1052 Kg) وإذا ما علمنا أن كتلة الشمس تساوي حاصل ضرب الرقم 2 بالرقم 10 مرفوع للأس 30 (2 × 1030 Kg) فإن كتلة الكون تعادل 15 ألف بليون بليون كتلة شمسية (solar mass). أما كمية الطاقة الموجودة في هذا الكون فتقدر برقم يساوي حاصل ضرب الرقم 4 بالرقم 10 مرفوع للأس 69 جول (4 × 1069 Joule) وللمقارنة فإن كمية الطاقة التي تشعها الشمس في الثانية الواحدة هي تقريبا 400 بليون بليون ميجاوات (3.86 × 1026Joule). وهذه الطاقة تشمل الطاقة الكامنة في كتلة الكون والطاقة الحركية للإلكترونات في دورانها حول أنوية الذرات والطاقة الحركية للأقمار والكواكب والنجوم وهي تدور في مداراتها المختلفة وللمجرات وهي مندفعة بسرعات خيالية في الفضاء. ومن الواضح أن مصدر هذه الطاقة الهائلة لا بد أن يكون قد صدر من إنفجار كوني ضخم ملأ الكون بهذه الكمية الهائلة من الجسيمات الأولية أو الدخان حسب التعبير القرآني والتي كانت تندفع بسرعة وبطاقة حركية خيالية بعيدا عن مركز الإنفجار. إن هذه الطاقة الحركية الهائلة هي التي وضعت الأقمار حول كواكبها والكواكب حول شموسها والشموس حول مراكز مجراتها وهي التي تدفع بالمجرات الضخمة بالإندفاع بسرعات خيالية لمستقراتها. وللمقارنة فإن وضع قمر صناعي بوزن لا يتجاوز الطن الواحد وفي مدار يرتفع عن سطح الأرض 300 كيلومتر يحتاج لحرق عدة مئات من الأطنان من الوقود وعلى ذلك فلنتخيل كمية الوقود اللازمة لوضع القمر الذي يبلغ وزنه 73 بليون بليون طن في مدار حول الأرض على إرتفاع 384 ألف كيلومتر. وإذا كان البشر قد استخدموا الصواريخ لوضع الأقمار الصناعية في مدارات حول الأرض فإن الله عز وجل وضع الأجرام السماوية في مداراتها المختلفة من خلال هذا الإنفجار العظيم حيث تكونت دوامات من ذرات المادة في مختلف أنحاء الكون وهي تنطلق بهذه السرعات الخيالية نتيجة لفعل الجاذبية بينها. ومن الصعب تخيل سيناريو آخر غير الإنفجار الكوني يمكنه أن يفسر وضع هذا الكم الهائل من الأجرام السماوية في مداراتها المختلفة وبهذه السرعات الخيالية.

أما المرحلة الثانية من مراحل خلق الكون فهي مرحلة تكون النجوم والمجرات من ذرات الهيدروجين والنيوترونات والفوتونات التي كانت تملأ الفضاء الكوني. تكونت النجوم بعد أن برد الكون إلى ما دون عشرة آلاف درجة كلفن وذلك بعد مرور ما يقرب من نصف مليون سنة حيث بدأت الإلكترونات بالارتباط بالبروتونات لتملأ الكون بسحابة من ذرات الهيدروجين والهيليوم والنيوترونات ومختلف أنواع الإشعاعات . لقد بقي الكون حتى هذه اللحظة متجانسا أيّ أن هذه السحابة كانت تتوزع على جميع أنحاء الكون بنفس الكثافة ولكن في لحظة ما بدأت كثافة مادة الكون بالاختلال لسبب لم يجد له العلماء تفسيرا مقنعا وتكونت نتيجة لهذا الاختلال مراكز جذب موزعة في جميع أنحاء الكون وبدأت قوة الجاذبية تلعب دورها بجذب مزيد من الهيدروجين المحيط بهذه المراكز إليها منشئة بذلك سحب ضخمة من الهيدروجين تدور حول نفسها على شكل دومات. ومن ثم بدأت هذه السحب الهيدروجينية الضخمة تنهار على نفسها بفعل الجاذبية (gravitational collapse) ويتقلص حجمها وكذلك تزداد سرعة دورانها حول نفسها وذلك للحفاظ على طاقتها الحركية الكلية وأصبح شكلها كالقرص عند أطرافها وكالكرة عند مركزها. وعندما وصل حجم الكرة المركزية إلى حجم معين ونتيجة للضغط الهائل على الهيدروجين الموجود في مراكزها ارتفعت درجة حرارته إلى ما يزيد عن ثلاثة ملايين درجة وهو الحد اللازم لبدء عملية الاندماج النووي (Nuclear fusion) بين ذرات الهيدروجين منتجة بذلك ذرات الهيليوم بالإضافة إلى كميات كبيرة من الطاقة فتكون بذلك نجما مشعا في مركز السحابة.

وتتفاوت النجوم في أحجامها  تبعا لكمية الهيدروجين الذي جذبته من الفضاء الكوني وحسب موقعها في إطار هذا الكون فكلما ازداد حجم النجم كلما ازدادت درجة حرارة باطنه بسبب ازدياد الضغط الواقع عليه. فالنجوم التي هي بحجم شمسنا لا يمكنها أن تحرق إلا الهيدروجين في باطنها وذلك بسبب صغر حجمها النسبي وبالتالي قلة درجة حرارة جوفها ولذلك فهي لا تصنع إلا عنصر الهيليوم في داخلها. ولكي يمكن تصنيع عناصر أثقل من الهيليوم قدّر الله وجود نجوم أكبر حجما وأعلى درجة حرارة من الشمس وبداخل مثل هذه النجوم العملاقة بدأت عمليات اندماج نووية أكثر تعقيدا بين ذرات الهيليوم منتجة بذلك ذرات عناصر الليثيوم والكربون والنيتروجين والأكسجين وانتهاء بالعناصر الثقيلة كالحديد والرصاص واليورانيوم وبقية العناصر الطبيعية التي يزيد عددها عن مائة عنصر. وكما أن الاختلال الذي حصل في كثافة مادة الكون قد أدى إلى تكون النجوم بشكل منتظم تقريبا في أرجاء الكون فإن اختلال آخر قد حصل في كثافة هذه النجوم بحيث أن النجوم المتجاورة بدأت بالانجذاب نحو مراكز ثقلها وبدأت بالدوران حول هذه المراكز مكونة المجرات. وممّا أثار دهشة العلماء أيضا هذا التوزيع المنتظم للمجرات في مختلف أرجاء الكون والذي لم يكن ليحدث إلا إذا حدثت جميع هذه الاختلالات في نفس الوقت وبنفس الكثافة في كل مكان في هذا الكون. وكما أن هنالك تفاوتا في أحجام النجوم فقد وجد العلماء أن المجرات تتفاوت في أشكالها وأحجامها حيث يبلغ متوسط عدد النجوم في المجرة الواحدة مائة بليون نجم من مختلف الأشكال والأحجام.

ويقدر العلماء قطر الكون المشاهد (visible universe) وهو الكون الذي يمكن أن تراه المراصد الفلكية بما يقرب من 92 بليون سنة ضوئية بينما يبلغ عمره 13,7 بليون سنة, ويقدر العلماء بشكل تقريبي عدد المجرات فيه بثلاثمائة بليون مجرة وتحتوي كل مجرة في المتوسط على مائة بليون نجم وما يتبع هذه النجوم من كواكب وأقمار. ويبلغ متوسط المسافة بين مجرتين متجاورتين 2,5مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 23 بليون بليون كيلومتر أما متوسط المسافة بين نجمين متجاورين فتبلغ في المتوسط سنتين ضوئيتين أو ما يعادل 19 ألف بليون كيلومتر وأما المسافة بين الكواكب المتجاورة فتقاس بعشرات الملايين من الكيلومترات. أما السرعات التي تتحرك بها هذه الأجرام في الفضاء فهي في غاية الضخامة فعلى سبيل المثال فإن الأرض تدور حول الشمس بسرعة 108 آلاف كيلومتر في الساعة والشمس تدور حول مركز المجرة يسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة أما مجرة درب التبانة فتندفع في خط مستقيم بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة. وعلى الرغم من هذه السرعات الخيالية إلا أننا نعيش آمنين مطمئنين على سطح هذه الأرض التي نحسبها ثابتة لا تتحرك أبدا.

نظرية الكون المنتفخ

وعلى الرغم من أن نظرية الإنفجار العظيم قد رسمت صورة واضحة للطريقة التي نشأ بها هذا الكون وتمكنت من حل كثير من ألغازه إلا أن العلماء من خلال دراستهم للأحداث التي تمت في الثانية الأولى من الانفجار اكتشفوا بعض الثغرات فيها. فقد فشلت النظرية في التوفيق بين ما تمخضت عنه حسابات العلماء النظرية من نتائج حول ما جرى في تلك اللحظات من عمر الكون وما هو موجود فعلا في الكون الحالي. ومن هذه المشاكل ما يسمى بمشكلة مسافة الأفق (horizon distance) وهي المسافة التي قطعها الضوء منذ لحظة الإنفجار العظيم حيث وجد العلماء أن حل معادلات النموذج التقليدي للانفجار العظيم قد أظهرت أن نصف قطر الكون المشاهد يزيد عن مسافة الأفق هذه بشكل كبير. أما المشكلة الثانية فهي مشكلة تتعلق بالتوزع المنتظم لمادة الكون في جميع أرجائه والتي لم يجد العلماء تفسيرا مقنعا له حيث أن خللا طفيفا في مادة الكون في اللحظات الأولى من الانفجار لا بد وأن يؤدي إلى كون غير منتظم على النطاق الواسع. أما المشكلة الثالثة فتتعلق بما يسمى تسطح الكون (flat universe) حيث أن الكون الحالي يبدو مسطحا وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت كتلة الكون تساوي تماما الكتلة الحرجة (critical mass) التي تظهر في معادلات النسبية العامة. أما المشكلة الرابعة فتتعلق ببعض الجسيمات الثقيلة كالأقطاب المغناطيسية الأحادية (magnetic monopoles) والتي أظهرت الحسابات أن الكون في لحظاته الأولى أنتج كميات كبيرة منها ولو أنها كانت موجودة بالفعل لما كان الكون على الصورة التي هو عليها الآن إذا ما علمنا أن شدة المجال المغناطيسي لكل قطب من هذه الأقطاب المغناطيسية الأحادية تعادل شدة المجال المغناطيسي للأرض وأن كتلته تزيد برقم يساوي 10 مرفوع للأس 16 عن كتلة البروتون ولكن العلماء لم يعثروا على أي منها في الكون المشاهد.

وللتغلب على هذه الثغرات في نظرية الإنفجار العظيم بدأ العلماء بالبحث عن نماذج جديدة للطريقة التي تمت بها عملية الإنفجار الكوني علها تؤدي إلى نتائج تجيب على مثل هذه التساؤلات. وفي عام 1979م تمكن أحد الفيزيائين الأمريكيين وهو ألن كوث (Alan Guth) من معهد ماسوتشوتس للتكنولوجيا باستخدام فيزياء الجسيمات الأولية من وضع نموذج جديد للإنفجار الكوني أطلق عليه اسم الكون المنتفخ (The inflationary universe) وقد تم نشر بحثه في عام 1981م في مجلة (Physical Review) بعنوان (الكون المنتفخ: حل محتمل لمشكلتي الأفق والتسطح). وفي عام 1982م قام باحث آخر وهو الفيزيائي الروسي أندريه لندي (Andrei Linde) من إجراء بعض التعديلات على نظرية الكون المنتفخ وقام بنشر نتائج بحثه في مجلة (Letters Physical) بعنوان (سيناريو جديد للكون المنتفخ: حل محتمل لمشاكل الأفق والتجانس والتناظر والقطب الأحادي الإبتدائي). وملخص نظرية الكون المنتفخ هو أنه في خلال اللحظات الأولى من الانفجار العظيم ونتيجة لحدوث ظاهرة فيزيائية غريبة يطلق عليها اسم التأثير النفقي (tunnel effect) بدأ الكون بالتمدد بمعدلات أكبر بكثير من المعدلات التي نصت عليها نظرية الانفجار العظيم. ولقد أظهرت النتائج أن الكون قد ازداد حجمه خلال أجزاء لا تذكر من الثانية (between 10−33 and 10−32 seconds) بمقدار يساوي الرقم 10 مرفوع للأس 50 وقد أدى هذا التضخم أو الإنتفاخ المذهل إلى ظهور كون يخلو من التناقضات التي ظهرت في النموذج التقليدي للإنفجار العظيم والمتعلقة بمشاكل الأفق والتجانس والتناظر والقطب الأحادي الإبتدائي. وفيما عدا هذه الفترة الزمنية البالغة القصر التي حدث فيها الإنتفاخ المفاجئ لمادة الكون فإن النظرية الجدبدة تتفق مع النظرية القديمة تماما في طبيعة الأحداث التي جرت في أرجاء ما يسمى بالكون المشاهد. إن الفرق الجوهري بين النموذج التقليدي أو ما يسمى بالكون الحار ونموذج الكون المنتفخ هو أن النموذج التقليدي افترض أن الكون بدأ حارا منذ لحظة انفجاره وأن الكرة النارية التي تمدد منها الكون كانت مملؤة بالجسيمات الأولية ذات الطاقة الحركية البالغة العلو وبناءا على هذه الافتراضات اضطر العلماء لوضع شروط ابتدائية كثيرة وصارمة جدا لكي يكون الكون على الصورة التي هو عليها الآن. أما في نموذج الكون المنتفخ فقد تبين للعلماء أن التمدد المفاجئ للكون في لحظاته الأولى قد أزال معظم الشروط الإبتدائية الصارمة ووجدوا كذلك أن الكون سيكون على الحال الذي هو عليه الآن بغض النظر عن الشروط الإبتدائية التي يتطلبها حل المعادلات الفيزيائية المتعلقة بعملية الانفجار. وعلى العكس من نموذج الكون الحار فإن نموذج الكون المنتفخ قد أظهر أن الكون كان في لحظاته الأولى باردا جدا وكانت جميع مادة وطاقة الكون كامنة في حالة أشبه ما تكون بالفراغ أو ما يسمى بالفراغ الزائف (false vacuum ) والتي لا وجود فيها للجسيمات الأولية وتغيب فيها كذلك جميع قوى الطبيعة الأربعة حيث أنها كانت موحدة في قوة واحدة لا زال العلماء يجهلون الطريقة التي تعمل بها هذه القوى على مادة الكون الأولى. وفي مثل هذه الحالة شبه الفارغة للمادة يمكن للكون أن يتمدد بدون أي مشكلة تذكر فلو أن قوة الجاذبية قد ظهرت قبل هذا التمدد المفاجئ لما أمكن للكون أن ينفجر بسبب جاذبيته البالغة العلو وحتى لو انفجر فإن مادته ستتطاير بشكل غير منتظم ولن يكون الكون بهذا التجانس والتماثل المذهل والذي فشل نموذج الكون الحار في إثباته. وطبقا لنموذج الكون المنتفخ فإن هذه المادة الصرفة الأشبه ما تكون بالفراغ قد تمددت بسرعات مذهلة تفوق بكثير سرعة الضوء وعندما وصل حجمها لحجم حدي معين وكذلك كثافتها بدأت طاقتها الكامنة بالتحلل بشكل منتظم في جميع أرجاء الكون آنذاك ليمتلئ الكون بالجسيمات الأولية والطاقة ويتحول الكون من كون بارد إلى كون حار  ومن ثم بدأت أحداثه تتم وفقا لنموذج الكون الحار التقليدي.



الإنفجار العظيم في القرآن الكريم



لقد أشار القران الكريم بشكل واضح في عدة آيات إلى الانفجار الكوني العظيم وإلى طبيعة المادة التي تكونت منها أجرام هذا الكون وإلى التوسع الكوني وكذلك إلى انهيار هذا الكون في النهاية. فالآية الأولى هي قوله تعالى "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" الأنبياء 30. فقد أكد القرآن الكريم في هذه الآية على أن السموات وما تحويه من أجرام كانت كتلة واحدة ثم تفتفت جميع مادة هذا الكون من هذه الكتلة. ومن المعلوم في اللغة أن الفتق هو عكس الرتق فالرتق هو ضم شيئين لبعضهما البعض بينما الفتق هو خروج شيء من شيء آخر .  وقد قال معظم مفسري القرآن الكريم من الصحابة والتابعين بأن المفهوم من هذه الآية هو أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ثم فصلتا عن بعضهما البعض. فقد قال إبن كثير في تفسيره: (ألم يروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا (  أي : كان الجميع متصلا بعضه ببعض متلاصق متراكم  بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر  ففتق هذه من هذه  فجعل السماوات سبعا  والأرض سبعا  وفصل بين سماء الدنيا والأرض بالهواء  فأمطرت السماء وأنبتت الأرض. وقال الطبري في تفسيرة: ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله السماوات والأرض بالرتق ص: [431]  وكيف كان الرتق ، وبأي معنى فتق ؟ فقال بعضهم : عنى بذلك أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين  ففصل الله بينهما بالهواء ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) الآية ، يقول : كانتا ملتصقتين ، فرفع السماء ووضع الأرض. حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) قال : كان الحسن وقتادة يقولان : كانتا جميعا ، ففصل الله بينهما بهذا الهواء . وقال آخرون : بل معنى ذلك أن السماوات كانت مرتقة طبقة ففتقها الله فجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت كذلك مرتقة ففتقها فجعلها سبع أرضين  حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( رتقا ففتقناهما ) قال : فتقهن سبع سماوات  بعضهن فوق بعض  وسبع أرضين بعضهن تحت بعض وقال آخرون : بل عنى بذلك أن السماوات كانت رتقا لا تمطر  والأرض كذلك رتقا لا تنبت  ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات .). وبما أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ببعضهما فهذا يعني أنهما كانتا كتلة واحدة من المادة فلم يكن ثمة سموات ولا آراضين قبل ذلك ويتطلب فصلهما بالتالي قوة هائلة لا يمكن أن تكون إلا بإنفجار  هائل حصل في مادة الكون الأولية وهو ما سماه العلماء  الإنفجار العظيم.

أما الآية التي بينت إحدى مراحل الإنفجار العظيم فهي في قوله تعالى "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)" فصلت. لقد تفرد القرآن الكريم دون بقية الكتب السماوية السابقة بذكر حقيقة أن مادة الكون الأولية كانت على شكل دخان وهو كناية عن الجسيمات الأولية التي ملأت الفضاء الكوني بعد الإنفجار العظيم. ولقد أطلق علماء الكون على هذه السحابة من الجسيمات الأولية اسم الغبار أو الغاز الكوني بينما سماها القرآن الدخان والتسمية القرآنية أدق من تسمية العلماء فالجسيمات الأولية أصغر من أن تكون غبارا وحتى دخانا ولكن الدخان هو أصغر وأخف شيء يمكن أن تراه أعين البشر. هذا إلى جانب أن الدخان الذي طالما ارتبط  اسمه بالنار قد يوحي بالحالة الحارة التي كان عليها الكون عند بداية خلقه. والمقصود بالسماء في هذه الآية هو الفضاء الذي امتلأ بالدخان الناتج عن الانفجار الكوني العظيم فلم يكن ثمة سماء قبل ذلك. ولا بد هنا من أن نسأل الذين لا يصدقون بأن هذا القرآن منزل من عند الله عز وجل من أين جاء هذا النبي الأمي الذي عاش في أمة أمية بهذه الحقيقة الكبرى عن حال الكون عند بداية خلقه والتي بقيت مجهولة إلى أن كشفها الله على أيدي خلقه في هذا العصر فقط.

أما الآية الثالثة فهي قوله تعالى "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" الذاريات 47. وهذه الأية تؤكد على أن الكون في توسع مستمر وهذه حقبقة علمية تم رصدها عمليا واستدل بها العلماء على الانفجار الكوني العظيم  فالتوسع لا يتأتى إلا إذا بدأ الكون من جرم صغير وبدأ حجمه بالازدياد.  فالكون في الأصل كان كتلة واحدة ثم تحول إلى مادة دخانية ملأت الفراغ المحيط بها وهذا لا يحدث إلا نتيجة لانفجار هذه الكتلة المادية. وهذا الانفجار هو الذي جعل مادة الكون الأولية تتناثر وتندفع في كل اتجاه بقوة رهيبة محدثة التوسع الكوني الذي لا زلنا نشاهد أثره إلى هذه اللحظة. لقد تفرد القرآن الكريم أيضا بذكر حقيقة التوسع الكوني هذا كما تفرد بذكر حقيقة الدخان كما ذكرنا سابقا بينما لم تأتي الكتب السماوية السابقة على ذكر هذا التوسع أبدا.

أما الآية الرابعة التي تؤيد صحة تظرية الانفجار العظيم  فهي قوله تعالى "يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ" الأنبياء 104 فإذا كانت الآية السابقة تشير إلى توسع الكون عند بدايته نتيجة لانفجاره  فإن هذه الآية تشير إلى انكماشه عند نهايته وسيعيد الله الكون إلى ما كان علية عند بدايته. لقد شبه القرآن الكريم أولا الطريقة التي سينكمش بها الكون عند انتهاء أجله بالطريقة التي يتبعها الكاتب (السجل) في لف (طي) الرسائل (الكتب) عند الانتهاء من كتابتها كما هي العادة في زمن نزول القرآن. أما قوله تعالى (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)  فتشير إلى أن هذا الكون الضخم سيعود إلى الحالة التي كان عليها عند بداية خلقه ومن الواضح أن عملية طي الكون ستعمل على دمج مكونات الكون في كتلة واحدة وهي الكتلة التي تفتقت منها مادة الكون عند بداية خلقه.  لقد أجمع العلماء على حقيقة التوسع الكوني ولكنهم لم يتمكنوا إلى الآن من البت في الحالة التي سيؤول إليها الكون حيث يقول بعضهم أن الكون سيبقى في حالة تمدد إلى الأبد بينما يقول آخرون أنه سيأتي يوم تتغلب فيه قوة الجذب بين مكوناته على قوة الاندفاع الناتجة عن الانفجار فيعود الكون من حيث بدأ وينهار على نفسه. أما نحن المسلمون فنؤمن إيمانا جازما بوعد ربنا سبحانه وتعالى حول مصير هذا الكون وأنه سيعود من حيث بدأ لقوله سبحانه "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" الزمر67.

أما نظرية الكون المنتفخ المعدلة لنظرية الإنفجار العظيم فقد جاءت بنتائج مدهشة تدعم الصورة التي رسمها القرآن الكريم عن هندسة الكون. فقد بينت النتائج التي تمخضت عنها هذه النظرية أن التمدد المفاجئ للكون في لحظاته الأولى قد أدى إلى ظهور مناطق مادية على شكل فقاعات يفصل بينها حواجز قوية ( Domain Walls) وقد شكلت كل فقاعة من هذه الفقاعات كونا خاصا بها. وتؤكد النظرية بالنص على أن هذا الكون العظيم المترامي الأطراف الذي نشاهده لا يشكل إلا جزءا يسيرا من هذه الأكوان التي لم تستطع النظرية تحديد عددها. فلقد جاء في مقدمة مقالة الكون المنتفخ المنشورة في مجلة العلوم الأمريكية عام 1991م ما نصه بالإنكليزية (A new theory of cosmology suggests that the observable universe is embedded in a much larger region of space that had an extraordinary growth spurt a fraction of a second after the primordial big bang ) وترجمته بالعربية: (نظرية جديدة في علم الكون تقترح أن الكون المشاهد مكنون في داخل منطقة كبيرة جدا من الفضاء الذي انبثق بمعدل نمو استثنائي في بداية الثانية الأولى بعد الإنفجار العظيم). ومن المشاكل التي تمكنت هذه النظرية الجديدة من حلها مشكلة الأقطاب المغناطيسية الأحادية وأنواع أخرى من الجسيمات الثقيلة وقد جاء الحل داعما أيضا للصورة التي رسمها القرآن الكريم عن بناء هذا الكون. فقد أظهرت نتائج النموذج التقليدي لنظرية الانفجار العظيم أن الأقطاب المغناطيسية الأحادية وبقية الجسيمات الثقيلة قد تولدت بكميات كبيرة في الكون في مراحل نشوءه الأولى. ويقول العلماء أن وجود هذه الجسيمات الثقيلة وبهذه الكميات الكبيرة في بداية نشوء الكون قد يمنع تكونه على الصورة التي هو عليها الآن ولهذا فإنهم لم يعثروا على أي منها في هذا الكون المشاهد وهذه هي أحد مشاكل النموذج القديم. وفي المقابل أظهرت نظرية الكون المنتفخ أن الأقطاب المغناطيسية الأحادية وبقية الجسيمات الثقيلة قد تولدت بالفعل في اللحظات الأولى للانفجار ولكنها لحسن الحظ قد تجمعت في الحواجز التي تفصل ما بين الأكوان العديدة التي ظهرت نتيجة التمدد المفاجئ لمادة الكون الأولى. وهذا بالضبط ما أكد عليه القرآن الكريم  من وجود أكوان أخرى غير الكون الذي نراه بأعيننا أو تصل إليه مراصدنا وهي السموات السبع. ولقد كشف القرآن الكريم في آيات أخرى عن بعض الخصائص المتعلقة بطبيعة هذه السموات فذكر أولا أنها على شكل طبقات حيث تطبق كل سماء على السماء التي دونها ولا يكون ذلك إلا إذا كانت هذه السموات على شكل كرات مجوفة كل واحدة تحيط بالأخرى بحيث يكون مركز هذه الكرات هو المكان الذي حدث فيه الانفجار الكوني العظيم مصداقا لقوله تعالى "الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور" الملك 3. وذكر القرآن كذلك أن في كل سماء من هذه السموات السبع أجرامها الخاصة بها لقوله تعالى "الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ يتنزّل الأمر بينهن لتعلموا أنّ الله على كلّ شيء قدير وأنّ الله قد أحاط بكل شيء علما" الطلاق 12. ولقد وصف القرآن الكريم هذه السموات السبع بالشدة والمتانة وقد جاء هذا الوصف مطابقا لما اكتشفه العلماء في نظرية الكون المنتفخ وهي أن الحواجز بين الأكوان المختلفة مكونة من أقطاب مغناطيسية أحادية القطبية وهي من أثقل الجسيمات التي تنبأ العلماء بوجودها ولكنهم لم يعثروا على أيّ منها حتى الآن في أجرام الكون المشاهد وصدق الله العظيم القائل "وبنينا فوقكم سبعا شدادا" النبأ 12 والقائل سبحانه "ءأنتم أشدّ خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسوّاها" النازعات 27-28 والقائل سبحانه "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون" غافر 57. ولقد أتى القرآن الكريم أيضا على ذكر أجرام قد خلقها الله في هذا الكون وهي أكبر من السموات السبع وما فيهن ككرسي الرحمن الذي يحوي في داخله هذه السموات السبع مصداقا لقوله تعالى "وسع كرسيه السموات والأرض" البقرة 255. إن حجم هذا الكرسي وما يحويه من السموات السبع لا تكاد تذكر مع حجم العرش الذي استوى عليه الرحمن سبحانه وتعالى فقال عز من قائل "قل من ربّ السموات السبع وربّ العرش العظيم" المؤمنون 86 والقائل سبحانه "الله لا إله إلاّ هو ربّ العرش العظيم" النمل 26.

الإنفجار العظيم في صحيفة إدريس السلوفاكية

                تتكون صحيفة إدريس السلوفاكية من ثمانية وستين فصلا في ما يقرب من ستين صفحة. وتتحدث الفصول الثمانية والثلاثون الأولى عن رحلة إدريس عليه السلام إلى السموات السبع وما شاهده في كل سماء وعن الكتب الثلاثمائة وستة وستين التي كتبها بيده وأملاها عليه أحد الملائكة بتكليف من الله عز وجل وكذلك جلوسه عن يسار الرحمن عز وجل الذي أخبره مشافهة  عن أيام الخلق الستة وما جرى فيها من أحداث. بينما تتحدث الفصول المتبقية عن  عودة إدريس عليه السلام إلى الأرض ليمكث فيها ثلاثين يوما ويخبر أولاده وقومه عن ما شاهده في رحلته هذه وكثير من المواعظ التي تحثهم على طاعة الله وعدم الإشراك به وعلى فعل الخير والابتعاد عن الشر . وقد قام إدريس عليه السلام بتسليم الكتب التي كتبها بخط يده إلى أولاده وأمرهم بنشرها بين قومه وقال لهم أن الله عز وجل قد وكل الملكان هاروت وماروت للحفاظ على هذه الكتب من الضياع. وبعد إنتهاء مدة الثلاثين يوما قامت الملائكة برفع إدريس عليه السلام حيا إلى السماء وذلك مصداقا لقوله تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)) مريم.

                جاء في الفصل الرابع والعشرين أن الله عز وجل قد أخبر إدريس عليه السلام مباشرة عن أكبر أسرار  هذه الكون وهو  الكيفية التي نشأ بها الكون من العدم وهو سر لم يطلعه الله عز وجل حتى على أقرب ملائكته. وفي الفصل الخامس والعشرين شرح الله عز وجل لإدريس كيف أن الكون قد نشأ بعد أن أمر  سبحانه مكون ما أسماه أيدول(Adoil) بأن ينفجر  في كل إتجاه لتخرج المادة التي خلقت منها جميع أجرام الكون. فقد جاء في الترجمة الإنجليزية للنص السلوفاكي (And I commanded in the depths that visible things should come out of invisible. And out came Adoil very great ^, * and I gazed upon him. And lo ! his colour was red, of great brightness ^- 2. And I said unto him: " Burst asunder, Adoil *, and let that which comes from thee be visible." 3. And he burst asunder, and there came forth a great light). وترجمة هذا النص هو (وأمرت في الأعماق بأن تخرج الأشياء المرئية من اللامرئية ومنها خرج أدويل (Adoil) الكبير جدا فنظرت إليه وحقا كان لونه أحمر  بإشعاع عظيم 2. وقلت له: إنفجر  متباعدا يا أدويل وليكن ما يخرج منك مرئيا. 3. فانفجر متباعدا وخرج مباشرة نور عظيم). إن هذا النص لا يدع مجالا للشك بحدوث الإنفجار العظيم فالأمر الإلهي لإصل الكون الذي خلقه الله من العدم بأن ينفجر متباعدا ليملأ الكون بضوء أو إشعاع عظيم واضح وصريح ومطابق لنظرية الإنفجار العظيم. ولا بد أن نشير إلى أن صحيفة إدريس السلوفاكية قد ظهرت وترجمت للغة الانجليزية قبل ظهور نظرية الانفجار العظيم بما يزيد عن ثلاثين عام مما يبعد أي شبهة حول محتوى الصحيفة.

وتتحدث الصحيفة أيضا عن الأصل الذي خلقت منه الأجرام السماوية التي تقع في السماء الدنيا من مكون أطلق عليه إسم أركاس (Arkhas). فقد جاء في الفصل السادس والعشرين ما نصه بالإنجليزية (And I summoned a second time from the depths, *and said: 'Let the solid thing which is visible come forth from the invisible*.' And Arkhas *came forth® firm ^ and heavy ' and * very red ''. 2. And I said : ' Be thou divided, O Arkhas, and let * that be seen which is * produced from thee.' And when he was divided, the world came forth, very dark and great, * bringing the creation of all things below). وترجمة هذا النص هو (1وعندما دعوت مرة أخرى من الأعماق وقلت لتكن الأشياء الصلبة المرئية تخرج من اللامرئية فجاء أركاس (Arkhas) راسخا وثقيلا  وشديد الإحمر ار. 2. وقلت لتنقسم يا أركاس وليكن مرئيا ما يخرج منك  وعندما انقسم خرج الكون مظلما جدا وكبير ومنتجا جميع المخلوقات السفلية). ومن الواضح أن ما يسمى أركاس قد نتج من إنفجار أدويل بدليل قول الله عز وجل له إنقسم وليس إنفجر  وربما يكون أركاس الأصل الذي خرجت منه مجرات ونجوم السماء الدنيا. ونورد هنا النص الكامل للفصول التي تتحدث عن هذا الموضوع مع ترجمتها العربية.

(1وناداني الرب وقال لي إجلس يا إدريس عن شمالي مع جبرائيل فأطعت الرب 2وتكلم معي الرب: يا إدريس  إن الأشياء التي تراها ساكنة أو متحركة قد تمت بأمري وسأخبرك  الآن منذ البدء ما الأشياء التي خلقتها من العدم والأشياء المرئية من اللامرئية 3 حتى ولا ملائكتي قد أخبرتهم أسراري ولم أعلمهم عن أصلهم ولا يفهمون خلقي اللامتناهي الذي أخبرك به اليوم 4 فقبل وجود كل شيء مرئي كنت وحدي أجول في اللامرئيات كمثل الشمس من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق 5 ولكن حتى الشمس  قد تجد السكون في ذاتها إلا أني لا أجد السكون (كل يوم هو في شأن) لأني كنت أخلق كل شيء فعزمت على وضع الأساسات وأن أصنع الخلق المرئي.)

XXIV. I. And the Lord called me *and said to me: 'Enoch, sit thou on My^ left hand with Gabriel.' And I made obeisance to the Lord. 2. And the Lord spake to me : ' Enoch ^, * the things which thou seest at rest and in motion were completed by me ^ I will tell thee * now, even* from the first, what things I created from the non existent, and what visible things from the invisible ^. 3. Not even to My angels have I told My seerets, nor have I informed them of * their origin, nor have they understood My infinite creation ^ which I tell thee of to-day. 4. * For before anything which is visible existed ^, * I alone held my course among the invisible^ things ^, like the sun from the east to the west, * and from the west to the east. 5. But even the sun has rest in himself, but I did not find rest. because I was creating every thing ^. And I planned to lay the foundations and to make the visible creation.

(1 وأمرت في الأعماق بأن تخرج الأشياء المرئية من اللامرئية ومنها خرج أدويل (Adoil) الكبير جدا فنظرت إليه وحقا كان لونه أحمر  بإشعاع عظيم 2. وقلت له: إنفجر  متباعدا يا أدويل وليكن ما يخرج منك مرئيا. 3. فانفجر متباعدا وخرج مباشرة نور عظيم وكنت في وسط النور العظيم وبعد أن خرج النور من النور هنالك خرج الكون العظيم كاشفا جميع  المخلوقات التي عزمت على خلقها ورأيت ذلك حسنا. 4. وصنعت لنفسي عرشا ثم استويت عليه وقلت للنور ارتفع عاليا فوق عرشي ولتكن أساسا لكل ما هو عالي 5. ولم يكن هناك ما هو أعلى من النور وعندما استويت رأيت النور من عرشي.)

XXV. I. '*And I commanded in the depths that visible things should come out of invisible. And out came Adoil very great ^, * and I gazed upon him. And lo ! his colour was red, of great brightness ^- 2. And I said unto him: " Burst asunder, Adoil *, and let that which comes from thee be visible." 3. And he burst asunder, and there came forth a great light ^, and * I was in the midst of a great light, and as the light came forth from the light ^, there came forth the great world, * revealing all the creation ^, which I had purposed to make, and I saw that it was good. 4. And I made for Myself a throne, and sat upon it, and I said to the light " Go forth * on high ^ and be established above My throne -, and be the foundation for things on high.' 5. And there was nothing higher than the light, and as I reclined, I saw it from My throne.

(1وعندما دعوت مرة أخرى من الأعماق وقلت لتكن الأشياء الصلبة المرئية تخرج من اللامرئية فجاء أركاس (Arkhas) راسخا وثقيلا  وشديد الإحمر ار. 2. وقلت لتنقسم يا أركاس وليكن مرئيا ما يخرج منك  وعندما انقسم خرج الكون مظلما جدا وكبير ومنتجا جميع المخلوقات السفلية. 3. ورأيت ذلك حسنا وقلت له إذهب إلى الأسفل ولتثبت ولتكن أساس الأشياء السفلية وكان كذلك فخرج واستقر وأصبح أساس لكل ما هو سفلي ولم يكن ما هو أسفل من الظلمة.)

XXVI. I. And I summoned a second time from the depths, *and said: 'Let the solid thing which is visible come forth from the invisible*.' And Arkhas *came forth® firm ^ and heavy ' and * very red ''. 2. And I said : ' Be thou divided, O Arkhas, and let * that be seen which is * produced from thee.' And when he was divided, the world came forth, very dark and great, * bringing the creation of all things below ^- 3. And I saw that it ^^ was good. And I said to him : ' * Go thou down ^^ and be thou established. * And be a foundation for things below'; and it was so. And it came forth and was established'^, and was a foundation for things below. * And there was nothing else below the darkness ^^.

المراجع

1-           THE BOOK OF THE SECRETS OF ENOCH TRANSLATED FROM THE SLAVONIC BY W. R. MORFILL, M.A. READER IN RUSSIAN AND THE OTHER SLAVONIC LANGUAGES EDITED, WITH INTRODUCTION, NOTES AND INDICES BY R. H. CHARLES, M.A. TRINITY COLLEGE, DUBLIN, AND EXETER COLLEGE, OXFORD,  AT THE CLARENDON PRESS 1896.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق