2014-06-27

وباركنا عليه وعلى إسحاق



وباركنا عليه وعلى إسحاق

 

الدكتور منصور أبو شريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 

        لقد كانت التهمة الأولى التي وجهها كفار العرب لمحمد صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه القرآن الكريم هي أن هذا القرآن من تأليفه وليس من عند الله كما جاء ذلك في قوله سبحانه وتعالى "أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين" الطور 33-34. ولكي يثبت الله لهم أن القرآن ليس من قول محمد صلى الله عليه وسلم فقد تحدى الإنس والجن بأن يأتوا بمثل هذا القرآن أو حتى بسورة من مثل سوره وقد أكد سبحانه وتعالى مسبقا على أنهم لن يستطيعوا فعل ذلك فقال عز من قائل "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين" البقرة 23-24  والقائل سبحانه "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" الإسراء 88. إن في القرآن الكريم من الدلائل ما يثبت أنه ليس من تأليف البشر بل هو من تأليف من أحاط علمه بكل شيء وكلما تدبر البشر آيات القرآن الكريم ودرسوها دراسة مستفيضة كلما تأكدت لهم هذه الحقيقة وصدق الله العظيم القائل "أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" النساء 82. ولقد قام العلماء والباحثين بدراسة كثير من أوجه إعجاز القرآن الكريم كالإعجاز اللغوي والبياني والتشريعي والغيبي والعلمي والعددي وإلى غير ذلك من أوجه الإعجاز والتي أثبتوا من خلالها أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من تأليف البشر.

ولكن هنالك وجها من وجوه الإعجاز لم يعطه العلماء الإهتمام الكافي وهو الذي يتعلق بموضوعية وتجرد القرآن الكريم عند طرحه لمختلف أنواع القضايا المتعلقة بالمسلمين وأهل الكتاب. والمقصود بموضوعية القرآن أو تجرده هو أن القرآن الكريم يورد الحقائق دون التحيز للنبي الذي أنزل عليه هذا القرآن أو للعرب الذين أرسل إليهم هذا النبي العربي. فالبشر مهما بلغت درجة موضوعيتهم لا بد أن يبدر منهم عند طرحهم للقضايا المختلفة ما بشير لتحيزهم لأنفسهم أو لأهليهم أو لأقوامهم. وهذا الأمر ينطبق على جميع البشر بما فيهم الأنبياء والرسل إذا ما تركوا لبشريتهم فهاهو سيدنا نوح عليه السلام يطلب من الله أن ينجي إبنه من الغرق رغم علمه بكفره فقال عز من قائل "ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين" هود 45. وهاهو سيدنا إبراهيم عليه السلام يطلب من الله أن يجعل من ذريته أئمة للناس كما جعله إماما للناس فقال عز من قائل "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" البقرة 124. وهاهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك أصحابه يطلبون المغفرة من الله لأقربائهم الذين ماتوا على الشرك فنهاهم الله عن ذلك في قوله سبحانه "ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" التوبة 113. وقد أورد القرآن كثيرا من القضايا التي كان القرار فيها على عكس ما يتمنى أتباع الدين الجديد من العرب كما حدث مع اختيار بيت المقدس لتكون القبلة الأولى التي يتجه إليها المسلمون في صلاتهم مصداقا لقوله "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" البقرة 143. لقد جاء هذا الدين الجديد ليغرس في قلوب المؤمنين بالله مبدأ التوحيد الخالص لله رب العالمين بحيث لا يبقى فيها مكانة للمخلوقات مهما عظم شأنها بجانب مكانة الخالق سبحانه وتعالى. فالمؤمن الذي يعرف الله حق معرفته تتلاشى هيبة المخلوقات في قلبه أمام هيبة الخالق ولا يعظم هذه المخلوقات إلا بالقدر الذي أمره الله به. ورضي الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي قال عند تقبيله الحجر الأسود "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك". ولم تكن مسألة القبلة هي الإختبار الوحيد الذي استخدمه الله سبحانه وتعالى لتمحيص إيمان المؤمنين بل ورد في القرآن الكريم كثير من القضايا التي دل رضى المؤمنين بها على الإيمان الخالص بالله سبحانه وتعالى على الرغم من أنها كانت على عكس ما يتمنون.

ومن هذه المسائل تلك المتعلقة بابني سيدنا إبراهيم عليه السلام وهما إسماعيل وإسحاق عليهما السلام. فلو كان هذا القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة والسلام لوجدنا فيه ما يظهر التحيز لجد العرب سيدنا إسماعيل عليه السلام فالبشر مهما بلغت درجة موضوعيتهم لا بد وأن ينحازوا لما يحبون. إن إسماعيل عليه السلام هو جد العرب المستعربة فقد تزوج عليه السلام  بإمرأة من قبيلة جرهم وهي من العرب العاربة وذلك بعد أن أسكنه أبوه إبراهيم عليه السلام مع أمه في مكة المكرمة بأمر من الله سبحانه وتعالى. وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الوحيد الذي ظهر من ذرية إسماعيل عليه السلام وذلك بعد مرور ما يزيد عن ألفين وخمسمائة عام من عهد سيدنا إسماعيل عليه السلام. أما إسحاق عليه السلام فهو جد اليهود وقد بقي مع أبيه في فلسطين وبعد موته خرج إبنه يعقوب عليه السلام مع أبنائه إلى مصر بعد أن أصبح يوسف إبن يعقوب عليهما السلام أمينا على خزائن مصر. وعلى العكس من سيدنا إسماعيل عليه السلام فقد ظهر من ذرية إسحاق عليه السلام عدد كبير من الأنبياء والرسل يعدون بالآلاف كان أولهم يعقوب (إسرائيل) عليه السلام وآخرهم عيسى عليه السلام. وبما أن إسماعيل عليه السلام هو جد العرب وجد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان من المتوقع أن يكون ذكره ومكانته في القرآن أكثر من ذكر ومكانة أخيه إسحاق عليه السلام. ولكننا نجد الأمر على العكس من ذلك فقد ورد ذكر إسحاق عليه السلام في القرآن أكثر من ذكر أخيه حيث تكرر اسم إسماعيل عليه السلام إثنتا عشرة مرة بينما تكرر اسم إسحاق سبعة عشر مرة.  ويوجد في القرآن الكريم عدة آيات تتعلق بإسماعيل وإسحاق عليهما السلام تؤكد على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من تأليف البشر وتؤكد كذلك على أن القرآن لم يتعرض للتحريف أبدا ولو حدث هذا لكانت هذه الآيات أول ما تعرض للتحريف.

ومن هذه الآيات القرآنية قوله سبحانه وتعالى "فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا" مريم 49. ومن المعروف أن إبراهيم عليه السلام اعتزل قومه في العراق وهاجر إلى فلسطين ولم يكن له ولد في ذلك الوقت وقد رزق بإسماعيل عليه السلام من هاجر المصرية وكان عمره ست وثمانين سنة ومن ثم رزق بإسحاق عليه السلام من سارة وعمره مائة سنة وذلك مصداقا لقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام  "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق إن ربي لسميع الدعاء" إبراهيم 39. لقد كان من المؤكد لو أن هذا القرآن من قول البشر أن تكون الآية على النحو التالي (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسماعيل وإسحق وكلا جعلنا نبيا) ولن تجد من يعترض عليها فهذه حقيقة يعترف بها أهل الكتاب من اليهود والنصارى مع التنويه على أن يعقوب هو حفيد إبراهيم عليهما السلام. ولقد تكرر هذا الأمر في آية أخرى وهي قوله تعالى "ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وءاتيناه أجره في الدنيا وإنه في الأخرة لمن الصالحين" العنكبوت 27.  أما الآية الثانية التي تؤكد أن هذا القرآن منزل من لدن عليم خبير لا ينحاز لإحد من خلقه فهي قوله تعالى "واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار" ص 45-48. ومرة أخرى لو أن هذا القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم لوضع اسم جده الأكبر إسماعيل عليه السلام بعد اسم أبيه إبراهيم عليه السلام مباشرة في هذه الآية الكريمة ولطاله ما طال أبيه وأخيه وابن أخيه عليهم السلام من الثناء العظيم وخاصة أن اسم إسماعيل قد جاء ذكر اسمه بعد اسم أبيه في آيات أخرى حيث أنه بكر أبيه كما في قوله تعالى "وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب" النساء 163.

أما الآية القرآنية التي تظهر بشكل واضح موضوعية هذا القرآن فهي قوله تعالى "وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين" الصافات 113. إن مباركة الله للأشخاص والأشياء هو شرف عظيم لها يدل على سمو مكانتها عند الله. فقد بارك الله بعض الأماكن كمباركته لبيته الحرام في مكة المكرمة  في قوله سبحانه "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين" آل عمران 96 وكمباركته للأرض التي حول المسجد الأقصى في خمس آيات منها قوله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" الإسراء 1. وبارك الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم في ثلاث آيات منها قوله سبحانه "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون" الأنعام 155.  وبارك سبحانه شجرة الزيتون في قوله تعالى "يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية" النور 35 وبارك سبحانه الماء النازل من السماء في قوله تعالى "ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد" ق 9 وبارك سبحانه ليلة القدر في قوله سبحانه "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين" الدخان 3. أما من الأشخاص فقد بارك سبحانه وتعالى على نوح عليه السلام وممن معه من المؤمنين في قوله تعالى "قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك" هود 48 وبارك على إبراهيم عليه السلام وعلى أهل بيته في قوله تعالى "رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" هود 73 وبارك على عيسى عليه السلام في قوله سبحانه "قال إني عبدالله ءاتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا" مريم 30-31. وقد أمر الله المسلمين أن يدعوه في صلاتهم في التشهد الأخير بأن يبارك على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بقولهم "وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد". ولو كان هذا القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة والسلام لأضاف ولو آية واحدة في القرآن تباركه وآله مع التأكيد على أن عدم ذكر مباركة الله لبقية الأنبياء والرسل في القرآن لا يعني أنهم غير مباركين.     

ونعود الآن لتدبر قوله سبحانه وتعالى "وباركنا عليه وعلى إسحق" والتي تشير إلى أن الله قد بارك على إبراهيم وعلى إبنه إسحاق عليهما السلام حيث أن الضمير في كلمة "عليه" تعود على إبراهيم عليه السلام كما هو واضح من الآيات التي سبقت هذه الآية. ومما يؤكد على ما ذهبنا إليه من أن البشر قد ينحازوا لما فيه هواهم أن بعض مفسري القرآن قالوا أن الضمير في الآية يعود على إسماعيل وليس على إبراهيم عليهما السلام رغم أن جميع الآيات التي سبقت هذه الآية تتكلم عن إبراهيم عليه السلام ولم يرد اسم إسماعيل عليه السلام في هذه الآيات أبدا. ولو كان هذا القرآن عرضة للتحريف لكان من السهل استبدال اسم إسحاق باسم إسماعيل عليهما السلام مع وجود الدافع على ذلك ولكن هيهات هيهات فقد تكفل الله بحفظ هذا القرآن من التحريف مصداقا لقوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" الحجر 9 وقوله تعالى "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" فصلت 42. لقد ورد ذكر مباركة إبراهيم عليه السلام في التوراة بعد أن قام الله سبحانه باختبار إيمانه عليه السلام من خلال أمر الله له بذبح إبنه الوحيد آنذاك إسماعيل عليه السلام حيث جاء ما نصه: (وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي».) سفرالتكوين 22: 16-18.أما مباركة إسحاق عليه السلام فقد وردت في التوراة في عدة نصوص منها: ( وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ، تَغَرَّبْ فِي هذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ، لأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: أَوَامِرِي وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي) سفرالتكوين 26: 2-6. وبغض النظر عن صحة محتوى نصوص التوراة التي أوردناها والتي هي من أكثر نصوص التوراة عرضة للتحريف فإن فيها ما يشير للمباركة التي جاء ذكرها في الآية القرآنية.

 ومما يلفت النظر أن القرآن الكريم لم يذكر مباركة الله لإسماعيل عليه السلام رغم أن التوراة قد أتت على ذكر هذه المباركة كما جاء نصه: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلَّهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!» فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً.) سفر التكوين 17: 18-21. وفي عدم ذكر مباركة إسماعيل عليه السلام في القرآن رغم ذكرها في التوراة حجة مفحمة للذين يقولون أن هذا القرآن أخذ معلوماته من التوراة والإنجيل فلو كان الأمر كذلك لكانت مباركة إسماعيل أول ما أخذه القرآن. ولكن الله أراد أن يربي أتباع محمد صلى الله عليه وسلم على الإيمان الخالص بالله رب العالمين والذي لا مكان فيه للعصبية للأماكن والأشخاص فحب المؤمنين للأشخاص هو بقدر حب هؤلاء الأشخاص لله ولنا في سيدنا إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة كما قال سبحانه وتعالى "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده" الممتحنة 4. ورغم العداوة الشديدة التي أبداها اليهود لمحمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه فقد خلت قلوب المؤمنين من ذرية إسماعيل عليه السلام من أي حسد لذرية إسحاق عليه السلام لما أنعم الله عليهم من كثرة الأنبياء الذين بعثوا فيهم مصداقا لقوله تعالى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وءاتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين" المائدة 20. وفي المقابل نجد أن اليهود قد حسدوا بني إسماعيل عليه السلام على نبي واحد فقط بعثه الله فيهم بعد مرور ما يزيد عن ألفين وخمسمائة عام على دعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام التي جاءت في قوله تعالى "ربنا وأبعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم ءاياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم" البقرة 129. لقد بلغ الحسد باليهود أن تمنوا أن يعود العرب عن عبادة الله الواحد الأحد الذي يؤمن به هؤلاء اليهود إلى عبادة الأصنام فقال عز من قائل "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير" البقرة 109 والقائل سبحانه "ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين" البقرة 89. ولقد بلغ الحسد مبلغه من اليهود حتى قالوا عن كفار قريش الذين يعبدون الأصنام ويعملون مختلف أنواع الفواحش والمنكرات أنهم أهدى من المسلمين الذين يعبدون إلها واحدا ويسارعون في عمل الطاعات والخيرات وذلك في قوله تعالى "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلا" النساء 51. وختاما أتمنى على الأخوة المشتغلين في مجال الإعجاز القرآني أن يهتموا ويبحثوا في هذا النوع من أنواع الإعجاز والذي يتعلق بموضوعية القرآن الكريم عند طرحه لمختلف القضايا.                   

المراجع

1-   .القرآن الكريم

2-   التوراة

3-   تفسير القرطبي

 

 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق