2014-06-24

النسبية الخاصة


نظرية النسبية الخاصة

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 

 


 

 في عام 1905م قام العالم الألماني الفذ ألبرت أينشتاين (Albert Einstein 1879–1955) وعمره لم يتجاوز السادسة والعشرين آنذاك بنشر أربعة أبحاث أحدثت ثورة في مختلف مجالات الفيزياء الحديثة.  أولها كان عن التأثير الكهروضوئي  (photoelectric effect) والذي أثبت فيها أن الضوء يتكون من كمات الطاقة (energy quanta) والتي أطلق عليها إسم الفوتونات (photons) وكان الأساس لفيزياء الكم (quantum physics).   أما البحث الثاني فكان عن الحركة البراونية (Brownian motion) والتي أرست مفاهيم الفيزياء الإحصائية (statistical physics).  وأما البحث الثالث فقد كان عن النسبية الخاصة (special relativity) والتي قام فيها بتعديل قوانين الحركة  التي وضعها نيوتن لتأخذ في الاعتبار التأخير الناتج عن محدودية سرعة انتشار التفاعلات وبين أن قوانين الميكانيكا التقليدية يمكن استخدامها فقط عند السرعات المنخفضة بالنسبة لسرعة الضوء. وأما البحث الرابع فقد كان عن    تكافؤ المادة والطاقة (Matter–energy equivalence) وأنهما وجهان لعملة واحدة بحيث يمكن تحويل إحداهما إلى الأخرى من خلال قانونه الشهير الذي ينص على أن الطاقة تساوي حاصل ضرب الكتلة في مربع سرعة الضوء في الفراغ وهذا ما أثبته التجربة بعد تفجير أول قنبلة ذرية في عام 1945م.

وسأتناول في هذه المقالة نظرية النسبية الخاصة والتي أثبت فيها أينشتاين أن التفاعلات التي تتم بين الأجسام في هذه الكون لا تتم بشكل لحظي كما هو الحال في الميكانيكا التقليدية بل تنتشر  بسرعة محددة لا تتجاوز سرعة الضوء في الفراغ والتي لا تعتمد على سرعة المصدر بل هي ثابتة ثباتا مطلقا ولا يمكن إسراعها أو إبطاؤها بأي شكل من الأشكال. وبناءا على هذه الحقيقة قام بتعديل قانون الجاذبية وقوانين الحركة  التي وضعها نيوتن لتأخذ في الاعتبار التأخير الناتج عن محدودية سرعة انتشار التفاعلات. وأثبت أينشتاين كذلك أنه لا يمكن لأي جسم مهما بلغت القوة التي تدفعه أن تتجاوز سرعته سرعة الضوء وهذه الحقيقة تتطلب أن تزداد كتلة الجسم مع تزايد سرعته وهذا ما يخالف الميكانيكا التقليدية التي تعتبر كتلة الجسم ثابتة ولا تعتمد على سرعته.  أما موضوع النسبية العامة والتي نشرها في عام 1916م فهو يتعلق بالجاذبية والذي حاول أينشتاين أن يصوغ قوانينها بشكل أكثر عموما فكانت استنتاجاته من المعادلات التي اشتقها مثار جدل بين العلماء فقد قال أن المكان والزمان لا وجود لهما في حالة غياب المادة التي تشغلهما أي أنه لا يمكن تصور وجود مكان وزمان مطلقين بل يرتبط ظهورهما  بظهور المادة. وأدعى أيضا أن الجاذبية التي تبديها الأجسام  إنما هي ناتجة عن التشويه الذي يصيب الزمان والمكان بسبب وجود هذه الأجسام. وقد كانت أخر محاولات أينشتاين هي في وضع ما يسمى بنظرية المجال الموحد وهي مجموعة قوانين تأخذ في الاعتبار جميع القوى التي تحكم هذا الكون وهي قوى الجاذبية والكهرومغناطيسية والنووية.  ولكي يتسنى لنا فهم نظرية النسبية لا بد من مراجعة بعض الإنجازات العلمية التي أدت إلى ظهور هذه النظرية .

أشهر علماء الفيزياء في القرن العشرين في مؤتمر عام 1927
 

الأطر المرجعية

            يعرف الإطار المرجعي (frame of reference or reference frame) في الفيزياء على أنه نظام الإحداثيات (coordinate system) الذي يستخدام لتحديد حالة الكميات الفيزيائية مع الزمن. وفي نظرية النسبية يطلق إسم  الإطار المرجعي المراقب (observational reference frame) على الإطار الذي يوجد فيه مراقب (observer) يكون في حالة السكون (at rest) بالنسبة لهذا الإطار. وتنقسم الإطر المرجعية إلى نوعيين رئيسيين وهما الأطر المرجعية القصورية (inertial reference frames) والأطر المرجعية غير القصورية (non-inertial reference frames). والأطر المرجعية القصورية هي تلك التي تتحرك بسرعات ثابتة بالنسبة لبعضها البعض وتكتب فيها القوانين الفيزيائية بأبسط أشكالها الرياضية. أما الأطر المرجعية غير القصورية فهي التي تتحرك بسرعات غير ثابتة أي أنها تتسارع (acceleration) مع الزمن بالنسبة للأطر القصورية. وتتحدد الأحداث (events) في الأطر المرجعية بأربعة إحداثيات ثلاثة منها مكانية (space) والرابع إحداثي الزمن (time).

نسبية وتحويلات جاليليو

لقد كان العالم الإيطالي الشهير جاليليو (Galileo Galilei 1564 –1642) أول من تكلم بطريقة علمية عن مفهوم النسبية وخاصة نسبية الحركة وذلك في مطلع القرن السابع عشر وذلك بعد أن أيد العالم البولندي كوبرنيكوس (Nicolaus Copernicus 1473 –1543) من أن  الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس. وقد تمكن جاليليو من إعطاء تفسير مقنع لعدم شعور الناس بحركة الأرض فقد بين أن الشعور بحركة الأشياء إنما هي مسألة نسبية فالذي يركب سفينة كبيرة تسير بسرعة ثابتة على سطح بحر هادئ لا يكاد يحس بحركة هذه السفينة بينما يرى المشاهد الواقف على الشاطئ الأمر بشكل مغاير فهي يرى السفينة تتحرك بسرعة ما فوق سطح البحر. وهكذا هو الحال مع راكب الطائرة وراكب سفينة الفضاء وكذلك هو الحال مع سكان هذه الأرض الذين يركبون سطح هذه الأرض ولكنهم لا يحسون بحركتها الدائبة حول نفسها وحول الشمس. وبسبب هذا الرأي أصدر البابا بولص الخامس في عام 1616م مرسوما بحبس جاليليو ومنعه من طرح مثل هذه الأراء فقد جاء في نص المرسوم (يمنع بتاتا الرأي القائل بأن الشمس ثابتة في مركز الكون وأن الأرض متحركة وعليه يجب أن لا يعلم هذا الرأي ولا يدافع عنه بأي شكل من الأشكال سواء مشافهة أو مكاتبة). ولم يقتصر هذا الموقف على علماء الدين في المسيحية بل قام كثير من علماء الدين في اليهودية والإسلام بمعارضة هذا الرأي ولا زال بعض أتباع الديانات الثلاث يعتقدون بمركزية الأرض في هذا الكون بسبب وجود نصوص تصرح بثبات الأرض وهي كذلك مدعومة بالحركة الظاهرية للشمس حول الأرض.  ومن الجدير بالذكر إلى أن القرآن الكريم قد أشار  إلى نسبية الحركة بشكل صريح في قوله تعالى " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) " النمل 88. فالناظر إلى الجبال وهو على سطح الأرض يراها ثابتة لا تتحرك ولكنها في الحقيقة تتحرك  بسبب دوران الأرض حول محورها ويمكن للناظر إليها من الفضاء مشاهدة هذه الحركة (إنظر مقالة وترى الجبال تحسبها جامدة على هذه المدونة ).

لقد وضع جاليليو أساس مبدأ النسبية (the basic principle of relativity) وهو أن قوانين الفيزياء هي نفسها في أي إطار مرجعي يتحرك بسرعة ثابتة وفي خط مستقيم مهما كانت السرعة وإتجاهها وبهذا فإنه لا يوجد ما يسمى بالحركة المطلقة أو السكون المطلق. وقام جاليليو أيضا بوضع ما يسمى بتحويلات جاليليو (Galilean transformations) والتي تقوم بتحويل إحداثيات الأحداث التي تجري في إطار مرجعي قصوري إلى إحداثيات إطار مرجعي قصوري آخر يتحرك بسرعة منتظمة بالنسبة للأول. إن إستخدام مثل هذه التحويلات يسهل حل كثير من مسائل حركة الأجسام وخاصة في علم الفلك. فعلى سبيل المثال فإن راكب القطار يرى الكرة التي يقذفها إلى الأعلى تسير في مسار مستقيم عند صعودها وعند نزولها أما المشاهد الذي يقف على الرصيف سيراها تسير في مسار منحني وعليه فإن كتابة معادلة لتحديد مسار الكرة سيكون أسهل إذا تم اختيار أرضية القطار لتكون الإطار المرجعي بدلا من أرض الرصيف.

قام جاليلو بإشتقاق تحويلاته من خلال إختيار إطارين مرجعيين قصوريين أحدهما ساكن وبإحداثيات  (x,y,z t) والآخر متحرك وبإحداثيات (x′,y′,z′,t′) وهو يتحرك بسرعة ثابتة (V) بإتجاه المحور السيني الموجب (+ x) مع إفتراض أن الإطارين متطابقين عند لحظة الصفر لكليهما (t=t'=0). ويقصد بالتحويلات إيجاد علاقات بين إحداثيات الإطارين للأحداث التي تجري فيهما فعلى سبيل المثال فعند حدوث حدث ما في الإطار الثابت فإن الإحداثيات التي يراها المراقب في الإطار المتحرك ستكون كالتالي ( = x-vt x', y=y, z=z , t=t ).  ومن الملاحظ في هذه التحويلات ولهذه الحالة الخاصة أن جميع الأحداثيات في الإطارين متساوية ما عدا الإحداثي السيني الذي إنزاح بمقدار (vt). ولكن في الحالة العامة عندما يتحرك الإطار المتحرك في أي إتجاه وبسرعة منتظمة بالنسبة للإطار الثابت فإن جميع الإحداثيات المكانية ستنزاح بمقدار حاصل ضرب مركبة السرعة في كل من الإحداثيات المكانية الثلاث في الزمن. ومن الواضح من هذه التحويلات أن جاليليو إفترض أن الزمن هو نفسه في الإطارين أي بمعنى أنه اعتبر الزمن مطلق وليس نسبي (absolute time). إن هذا الإفتراض سيتبين فيما بعد أنه غير صحيح بشكل عام حيث أنه افترض أن المراقب في أي إطار  مرجعي يرى الحدث فور وقوعه بغض النظر عن المسافة الفاصلة بينهما وهذا يتطلب أن تكون سرعة الضوء لانهائية. هذا بالإضافة إلى أنه قد تبين  أن جميع التفاعلات بين الأجسام من خلال  المجالات  التي حولها كمجالات الجاذبية والكهرومغناطيسية  تنتشر  بسرعة لا تزيد عن سرعة الضوء في الفراغ.

 

الموجات الكهرومغناطيسية وإشتقاق سرعة الضوء

                تمكن عالم الفيزياء والرياضيات الاسكتلندي الشهير جيمس كلارك ماكسويل (James Clerk Maxwell)  (1831-1879م) في عام 1860م من صياغة جميع القوانين المتعلقة بالمجالات الكهربائية والمغناطيسية وتفاعلهما مع بعضهما البعض ومع الشحنات والتيارات الكهربائية التي تنتجها في أربع  معادلات تفاضلية إتجاهية. فالمعادلة الأولى هي قانون جاوس ومفادها أن أي شحنة كهربائية نقطية في الفضاء تولد حولها مجالا كهربائيا تنطلق خطوطه من مكان الشحنة.  أما المعادلة الثانية فهي قانون جاوس للمغناطيسية ومفادها أنه لا وجود للشحنات المغناطيسية ولذلك فإن خطوط المجال لا بد وأن تكون منغلقة على نفسها. أما االمعادلة الثالثة فهي قانون فارادي للحث ومفادها أن المجال المغناطيسي المتغير مع الزمن يولد حوله مجالا كهربائيا تتناسب قيمته وتوزعه في الفضاء مع معدل تغير كثافة المجال المغناطيسي مع الزمن. أما المعادلة الرابعة فهي شكل معدل لقانون أمبير فبعد أن قام ماكسويل  بتحويله من شكله التكاملي إلى شكله التفاضلي أضاف حدا جديدا أطلق عليه اسم تيار الإزاحة (displacement current) وهذه الإضافة هي من أهم إسهامات ماكسويل في مجال الكهرومغناطيسية حيث مكنته من التنبؤ بوجود الموجات الكهرومغناطيسية. وبإضافة تيار الإزاحة لمعادلة أمبير  أصبح مفاد معادلة ماكسويل الرابعة أن التيار  الكهربائي أو المجال الكهربائي المتغير مع الزمن  يولد حوله مجالا مغناطيسيا تتناسب قيمته وتوزعه في الفضاء مع قيمة واتجاه التيار وكذلك مع معدل تغير شدة المجال الكهربائي مع الزمن.
 


 

وفي عام 1865م تمكن ماكسويل من خلال دمج معادلات فارادي وأمبير بشكلها التفاضلي الحصول على معادلة تفاضلية من الدرجة الثانية وعند حل هذه المعادلة تبين له أن المجالات الكهربائية والمغناطيسية لا بد وأنها تنتشر في الفضاء على شكل موجات وبهذا فقد أثبت وتنبأ من خلال التحليل الرياضي البحت وجود ما يسمى بالموجات الكهرومغناطيسية (electromagnetic waves). وتتكون الموجة الكهرومغناطيسية من مجال كهربائي وآخر مغناطيسي متعامدان في الفضاء ويتغيران بشكل دوري مع الزمن وتنتشر الموجة في الفضاء باتجاه يتعامد مع اتجاهي المجالين الكهربائي والمغناطيسي. وقد أكد ماكسويل في بحثه هذا على أن الضوء ما هو إلا شكل من أشكال الموجات الكهرومغناطيسية وأن هذه الموجات تنتشر في الأوساط المختلفة  بسرعة تتحدد من قيم السماحية الكهربائية(permittivitty)  والنفاذية المغناطيسية (permiability)  للوسط.  وقد تمكن من حساب سرعة الانتشار في الفضاء الحر من خلال حل هذه المعادلات ووجد أنها تساوي ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية تقريبا. وقد تمكن القيزيائيان الأمريكيان ألبرت ميكلسون (Albert Michelson) وإدوارد مورلي (Edward Morley) في عام 1887م من قياس سرعة الضوء في الفراغ ووجدوها مطابقة تماما لسرعة انتشار الموجات الكهرومغناطيسية التي تنبأ بها ماكسويل. توفي ماكسويل  في عام 1878م وذلك قبل أن تتحقق نبوءته بوجود الموجات الكهرومغناطيسية على يد عالم الفيزياء الألماني هينرتش هيرتز (Heinrich Hertz) (1857-1894م) وذلك في عام 1887م حيث تمكن من توليد الموجات الكهرومغناطيسية باستخدام أشكال بسيطة من الهوائيات.

 

الأثير وثبات سرعة الموجات الكهرومغناطيسية

                كان علماء القرن السابع والثامن عشر قد إفترضوا وجود وسط يملأ الكون أطلقوا عليه إسم الأثير (Aether) يمكن الضوء من الإنتشار خلاله على غرار  الهواء اللازم لإنتشار الموجات الصوتية. ومع إكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر  وإعتبار الضوء أحد أشكالها قاموا أيضا بإفتراض وجود الأثير كوسط يلزم لإنتشار هذه الموجات. وقد وضعوا خواص نظرية لهذا الأثير  كإنعدام الكتلة التي تسمح للأجرام السماوية للحركة دون أي مقاومة والمرونة التي تسمح باهتزاز الموجات الكهرومغناطيسية. أما الخاصية التي أتعبت علماء القرن التاسع عشر  هي أنه ثابت ثباتا مطلقا في الفضاء وعبه فإنه يمكن إعتباره كإطار مرجعي مطلق absolute reference frames) تكون فيه الأبعاد المكانية وكذلك الزمن مطلقة. وبناءا على هذه الخاصية فإن سرعة الضوء المنطلق من مصدر متحرك تكون حاصل جمع سرعة الضوء في الأثير مضافا عليه سرعة المصدر  وعليه فإنه يمكن التأكد من وجود الأثير من خلال تجارب تقيس سرعة الضوء المنطلق من مصادر متحركة. وقد قام علماء القرن التاسع عشر بعشرات التجارب المختلفة للتأكد من وجود الأثير  أو عدمه وكان أهم هذه التجارب تجربة ميكلسون ومورلي (Michelson–Morley experiment) التي أجراها هذان العالمان الأمريكيان في عام 1887م. وقد تم تصميم هذه التجربة لإكتشاف مقدار سرعة حركة الأرض بالنسبة للأثير حيث تم إطلاق شعاعين ضوئيين من نفس المصدر بشكل متعامد ثم تم عكس الشعاعين بواسطة مرآتين على نفس البعد من المصدر  ومن ثم تم دمج الشعاعين بواسطة مرآة فضية نصف عاكسة (half-silvered mirror) وإدخالهما على مقياس الطيف (interferometer) لقياس مقدار التداخل (interference) الذي قد ينتج عن أي تأخير زمني بين الشعاعين المنعكسين. وإذا ما تم توجيه أحد الشعاعين بحيث يكون موازيا لحركة الأرض فإن هذا الشعاع سيواجه تأخيرا زمنيا بالنسبة للشعاع المتعامد على إتجاه حركة الأرض على إفتراض وجود الأثير  بسبب إختلاف السرعة النسبية لكل من الشعاعين. وكانت نتيجة التجربة أنه لا وجود لأي تأخير زمني بين الشعاعين وبالتالي لا وجود للأثير المزعوم وبهذا سميت التجربة  بأشهر تجربة فاشلة في التاريخ (the most famous failed experiment in history) وقد ساعدت ميكلسون بالفوز بجائزة نوبل في الفيزياء .
 

أما النتيجة الأهم لهذه التجربة الشهيرة والتي ستعتبر الركيزة الأساسية لنظرية النسبية فهي ثبات سرعة الضوء ثباتا مطلقا في الفراغ وأنها لا تتأثر بسرعة المصادر التي تطلقها. فراكب القطار الذي يطلق طلقة من مسدسه في إتجاه حركة القطار تكون سرعتها بالنسبة لمراقب يقف على الرصيف حاصل جمع سرعة الطلقة مضافا إليها سرعة القطار أما بالنسبة للراكب فسرعتها هي نفس سرعة إنطلاقها من المسدس. أما إذا أطلق نفس الراكب نبضة من مسدس ليزر فإن سرعة النبضة هي نفسها لكل من الراكب والمراقب على الرصيف.  ويترتب على ثبات سرعة الضوء ظواهر كثيرة فعلى سبيل المثال فلو أن شخصا واقفا في منتصف قطار  يسير بسرعة عالية واستخدم جهاز تحكم لاسلكي لإغلاق بابي القطار الأمامي والخلفي فسينفتح الباب الخلفي قبل الباب الأمامي لمشاهد يقف على الرصيف بينما ينفتح البابان في نفس الوقت لمشاهد يقف في منتصف القطار.

 

تحويلات لورنتس

                لقد قام كثير من العلماء ومنهم الفيزيائي الهولندي الشهير لورنتس (Hendrik Lorentz 1853 –1928)) بمحاولات كثيرة لحل المسائل المتعلقة بالأجسام المشحونة والمتحركة وكذلك الموجات الكهرومغناطيسية بما فيها الضوء. فعندما قاموا باستخدام تحويلات جاليليو لتسهيل حل مثل هذه المسائل فشلت فشلا تاما في ذلك بينما نجحت من قبل في حل مسائل الأجسام المتحركة في ميكانيكا نيوتن.  وفي عام 1899م نشر لورنتس مقالة شهيرة  بعنوان : نظرية مبسطة للظواهر الكهربائية والضوئية في الأنظمة المتحركة (Simplified Theory of Electrical and Optical Phenomena in Moving Systems).  وفي هذه المقالة تمكن لورنتس من إشتقاق تحويلات جديدة تمكنت من حل مسائل الأجسام المتحركة والمشحونة. وانطلق لورنتس في إشتقاق تحويلاته من معادلات ماكسويل الأربع بعد أن فرض أن الشحنات المولدة للمجال الكهرومغناطيسي تتحرك بسرعة ثابتة في إتجاه محور السينات وذلك لتبسيط حل المعادلات الناتجة. وفي هذه التحويلات اخترع لورنتس مفهموما جديدا للزمن في الأطر المرجعية القصورية أطلق عليه إسم الزمن المحلي (local time) والذي يعتمد على السرعة التي يتحرك بها الإطار المتحرك بالنسبة للإطار الثابت. إن هذا المفهوم الجديد للزمن هو الأساس الرئيسي الذي بنى عليه أينشتاين النظرية النسبية الخاصة كما سنشرح ذلك فيما بعد.

 لقد اختار لورنتس عندما قام بإشتقاق تحويلاته نفس الإطارين المرجعيين القصوريين الذين اختارهما جاليليو وهما إطار  ساكن بإحداثيات  (x,y,z,t) والآخر متحرك وبإحداثيات (x′,y′,z′,t′) وهو يتحرك بسرعة ثابتة (V) بإتجاه المحور السيني الموجب (+x) مع إفتراض أن الإطارين متطابقين عند لحظة الصفر لكليهما (t=t'=0). وكانت نتيجة التحويلات أن الأحداثي السيني في الإطار المتحرك ينزاح بمقدار (vt) كما هو الحال مع تحويلات جاليليو إلا أن الناتج يضرب بمعامل يعتمد على نسبة سرعة الإطار المتحرك إلى سرعة الضوء. وهذا المعامل الذي يسمى معامل لورنتس (Lorentz factor) يساوي واحد إذا كانت السرعة صفر  ويزداد عن الواحد كلما زادت السرعة أي أن الإحداثي يتمدد مع زيادة السرعة.  أما الزمن في الإطار المتحرك  فإنه يتأخر عن الزمن في الإطار الثابت بمقدار (vx/c2) ثم يضرب الناتج بمعامل لورنتس مما يعني أن الزمن في الإطار المتحرك يتمدد مع زيادة سرعته. وفي الحالة العامة عندما يتحرك الإطار المتحرك في أي إتجاه وبسرعة منتظمة بالنسبة للإطار الثابت فإن جميع الإحداثيات المكانية ستنزاح وتتمدد كما في الحالة الخاصة ولكن بمقدار مركبة السرعة في كل من الإحداثيات المكانية الثلاث. أما الإحداثي الزمني فسيتأخر  ويتمدد كما في الحالة الخاصة باستخدام السرعة الكلية.

 

النسبية الخاصة لأينشتاين

لقد كانت المقالة التي نشرها آينشتاين عن النسبية الخاصة بعنوان: الديناميكا الكهربائية (الكهرومغناطيسية) للأجسام المتحركة (On the electrodynamics of moving bodies)  وموضوعها هو نفس الموضوع الذي عالجه لورنتز في مقالته التي شرحناها آنفا وهو تبسيط حل الموجات الكهرومغناطيسية الناتجة عن حركة الأجسام المشحونة.  وعلى العكس من لورنتز  الذي إفترض تحويلاته إفتراضا فإن أينشتاين قام بإشتقاق هذه التحويلات على مفهوم جديد لتعريف الزمن. وفي مقدمة مقالته أشار أينشتاين إلى ظاهرة عدم التماثل (asymmetry) الذي ينشأ عند تطبيق معادلات ماكسويل على الأجسام المتحركة وضرب مثالا على ذلك الحركة النسبية بين المغناطيس والملف الكهربائي. وأشار كذلك إلى فشل جميع التجارب  التي أجريت  لإكتشاف حركة الأرض بالنسبة للأثير  وهو الوسط الناقل للموجات الكهرومغناطيسية والضوء مما يعني أن قوانين الكهرومغناطيسية والضوء هي نفسها في جميع الأطر المرجعية كما هو الحال مع قوانين الميكانيكا (the same laws of electrodynamics and optics will be valid for all frames of reference for which the equations of mechanics hold good).

لقد بنى أينشتاين نظرية النسبية الخاصة على فرضيتين رئيسيتين (Postulates)  فالفرضية الأولى  والتي تسمى مبدأ النسبية (Principle of Relativity) تنص على  أن القوانين الفيزيائية هي نفسها في كل الأطر المرجعية القصورية (The laws of physics are the same for all inertial reference frames). أما الفرضية الثانية والتي أطلق عليها إسم مبدأ ثبات سرعة الضوء (Principle of Constancy of the Speed of Light) تنص على أن الضوء ينتشر دوما في الفراغ بسرعة ثابتة  بغض النظر عن سرعة المصدر الذي انطلق منه (Light always propagates through a vacuum (i.e. free space) at a definite velocity, c, which is independent of the state of motion of the emitting body). وفي الفرضية الثانية استبعد أينشتاين وجود الأثير وهو الوسط الذي إفترض علماء القرن التاسع عشر  وجوده لكي تنتشر من خلاله الموجات الكهرومغناطيسية بما فيها الضوء.

 

تعريف التزامن

                إن الأساس الذي بني عليه أينشتاين جميع إشتقاقته وخاصة تحويلات لورنتس هو تعريفه لشرط التزامن (simultaneity or synchronization) بين الأحداث التي تجري في الأطر المرجعية القصورية المختلفة. لقد استخدم أينشتاين النبضات الضوئية المرسلة بين ساعات (clocks) موجودة في مواقع وقوع الأحداث لتعريف شرط التزامن. فإذا كان الزمن الذي تستغرقه نبضة ضوئية للإنتقال من موقع  ما  إلى موقع آخر  هو نفسه عند الإنتقال من الموقع الثاني إلى الموقع الأول  فالساعتان الموجودتان في الموقعين تعتبران متزامنتين وإلا فهما غير متزامنتين.  ومن خلال استخدام مفهوم التزامن هذا تمكن آينشتاين من إشتقاق معادلة الزمن المحلي (local time) التي إفترضها لورنتز إفتراضا لتبسيط حل معادلات ماكسويل في حالة الأجسام المتحركة. وكذلك قام بإشتقاق بقية التحويلات للإحداثيات المكانية من هذا المفهوم وكانت متطابقة تماما مع تحويلات لورنتز التي إفترضها كما قلنا سابقا إفتراضا.

 

نسبية الأزمان والأطوال

                لقد أعطى أينشتاين مفاهيم فيزيائية جديدة لتحويلات لورنتز  والتي أعاد إشتقاقها على أساس مفهوم التزامن ومن هذه المفاهيم مفهوم نسبية الزمن ومفهوم نسبية الطول. فالمراقبين للأحداث التي تتم في أطر مرجعية قصورية مختلفة يرون أن هذه الأحداث تستغرق فترات زمنية مختلفة وكذلك أطوال مختلفة تطول وتقصر حسب موقع المراقب وإتجاه حركة الإطارات بالنسبة لبعضها البعض. فالفترات الزمنية والأطوال تزداد عن طولها الحقيقي إذا كانت مواقع الأحداث تبتعد عن المراقب وتقصر إذا كانت تقترب منه.  ومن الأخطاء الشائعة التي يعتقدها الناس عن النسبية هو أن أعمار المسافرين في الفضاء تزداد عن أعمارهم الحقيقية لمن يراقبهم من الأرض والحقيقة أن الأحداث  في حياتهم تتم بشكل أبطأ. فعلى سبيل المثال فإن المراقب الموجود في إطار متحرك بسرعة ما بالنسبة لإطار ثابت وهو يستمع لمحاضرة مدتها ساعة واحدة لمحاضر  في نفس الإطار  ستكون مدة المحاضرة  بالنسبة له ساعة  واحدة تماما أما المراقب في الإطار الثابت فستكون مدة المحاضرة بالنسبة له أكثر من ساعة إذا كان الإطار المتحرك يبتعد عنه وأقل من ساعة في حالة إقترابه منه. وقد يبدو الأمر غريبا لأول وهلة فكيف يمكن لنفس المحاضرة أن يستمعها شخص في ساعة وآخر في أكثر أو أقل من ساعة دون ضياع أي من المعلومات فيها والجواب أن المستمع في نفس الإطار المتحرك يسمع صوت المحاضر بشكله الطبيعي أما المستمع في الإطار الثابت فإنه يسمع الصوت بشكل أبطأ وأثخن نتيجة للإزاحة في ترددات الصوت حسب تأثير دوبلر في حالة إبتعاد المحاضر والعكس في حالة إقترابه.  ويمكن فهم هذه المسألة من خلال تشبيهها بشريط الكاست فإذا تم تدوير بكرات الكست بالسرعة الصحيحة فإن صوت المحاضر يبدو طبيعيا أما عند تدويرها بسرعة أبطأ فإن المحاضرة ستطول أكثر ولكن بصوت أثخن والعكس عند تسريع البكرات فسيقصر وقت المحاضرة ولكن بصوت أرفع. 

 

سرعة الضوء هي السرعة القصوى في الكون

                أوضح أينشتاين في مقالته أن سرعة الضوء في الفراغ البالغة ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية تقريبا هي أقصى سرعة يمكن أن تتحرك بها الأجسام. وقام بإثبات هذه الحقيقة من خلال تركيب السرعات (Composition of Velocities)  في الأطر المرجعية المتحركة.  وكذلك من الواضح من تحويلات لورنتس أن مقدار معامل لورنتس يصبح سالبا إذا تجاوزت سرعة الجسم سرعة الضوء في الفراغ وهذا يعني أن قيم الأزمان والأطوال والكتل تصبح سالبة وهذا لا معنى له فيزيائيا.

 

إزاحة أو تأثير دوبلر

                إكتشف الفيزيائي النمساوي دوبلر   (Christian Doppler) في عام 1842م ما أطلق عليه لاحقا تأثير أو إزاحة دوبلر (Doppler effect or shift) أن قيمة تردد الموجات الذي يقيسه مراقب ما يزيد أو ينقص عن قيمة التردد الذي يولده مصدر هذه الموجات في حالة وجود حركة نسبية بين المصدر والمراقب حيث يزداد التردد عند تقاربهما وينقص عند تباعدهما. وقد إشتق دوبلر العلاقة بين الترددين باستخدام قوانين الفيزياء التقليدية ووجد أن الفرق أو الإزاحة بينهما تتناسب مع السرعة النسبية بين المصدر والمراقب.   أما أينشتاين فقد قام في مقالته عن النسبية بإعادة إشتقاق هذه العلاقة بإستخدام تحويلات لورنتس وحصل على علاقة أكثر عمومية تأخذ في الإعتبار السرعات القريبة من سرعة الضوء وما علاقة دوبلر إلا حالة خاصة منها تستخدم عند السرعات المنخفضة نسبيا. بالإضافة إلى ذلك قام أينشتاين بإشتقاق علاقة تربط مقدار الإتساع (amplitude) للموجات المرسلة والموجات المستقبلة ووجد أن العلاقة بين مربع الإتساعين هي نفس العلاقة بين تردديهما.   ومن الجدير بالذكر أن تأثير دوبلر يستخدم في تطبيقات كثيرة كقياس سرعة المجرات والنجوم من خلال ما يسمى بالإنزياح الأحمر والأزرق (blue and red shift) للضوء القادم من هذه الأجرام.   ويستخدم كذلك في الرادارات لقياس سرعة الطائرات والمركبات والصواريخ والغيوم والأعاصير  وغيرها من الأجسام المتحركة.

 

زيادة الكتلة ومبدأ تكافؤ المادة والطاقة

أما آخر  المواضيع التي التي عالجها أينشتاين في مقالته فهي ديناميكا الإلكترون المتسارع ببطء تحت تأثير مجال كهربائي ومن ثم قام بتعميم النتيجة التي حصل عليها على جميع الأجسام المتحركة. ومن خلال تطبيق تحويلات لورنتس عند حل هذه المسألة توصل إلى أن الأجسام تزداد كتلتها مع زيادة سرعتها التي لا يمكن لها أن تتجاوز سرعة الضوء مهما كان مقدار القوة التي تدفعها. ولا يمكن لهذه الفرضية أن تصح إلا إذا تحولت الطاقة الناتجة عن قوة الدفع إلى كتلة أي أن كتلة الجسم تزداد مع زيادة السرعة  ولقد تم التحقق من صحة هذه النظرية تجريبيا فيما بعد من خلال قياس كتل الجسيمات النووية التي تم تسريعها لسرعات عالية باستخدام معجلات الجسيمات. ولقد عالج أينشتاين مسألة تكافؤ المادة والطاقة (Matter–energy equivalence)  في مقالته الرابعة في عام 1905م حيث توصل من خلال التحليل الرياضي البحت إلى أن الطاقة والمادة ما هما إلا وجهان لعملة واحدة أي أن المادة  يمكن أن تتحول إلى طاقة والطاقة إلى مادة من خلال المعادلة المشهورة التي تنص على أنه إذا كان بالإمكان تحويل كتلة ما إلى طاقة فإن كمية الطاقة المنبعثة تساوي حاصل ضرب مقدار الكتلة في مربع سرعة الضوء (E=mc2).  فعلى سبيل المثال فإن الطاقة النووية الناتجة عن تحويل غرام واحد من المادة إلى طاقة يساوي  85 ألف مليون وحدة حرارية بريطانية والذي يساوي 25 مليون كيلواط ساعة أو ما يعادل  الطاقة الناتجة عن حرق ما يقرب من خمسة آلاف طن من الفحم الحجري. ولقد تم التأكد من هذه الحقيقة المدهشة بعد تفجير أول قنبلة ذرية في عام 1945م والذي فتح الباب لإنتاج الطاقة من المادة باستخدام المفاعلات النووية للأغراض السلمية وكذلك القنابل النووية للأغراض الحربية.

 
 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق