وفي أنفسكم أفلا تبصرون - الجهاز التناسلي
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي- جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
إن مهمة الجهاز التناسلي في الكائنات الحية هو إنتاج كائن حي جديد بنفس مواصفات الكائن الحي أو الكائنات الحية التي أنتجته وهو ما يسمى بالتكاثر (reproduction). وتعتبر آلية التكاثر التي أودعها الله سبحانه وتعالى أجسام الكائنات الحية معجزة من معجزات الحياة لا تقل في إعجازها عن معجزة خلق الكائنات الحية من التراب أول مرة. إن هذه الآلية ظهرت مع ظهور أول كائن حي خلقه الله عز وجل من التراب ولولاها لأنقرضت الحياة بموت ذلك الكائن فقد بدأ هذا الكائن الأولي بإنتاج نسخ عن نفسه بنفسه ثم تقوم هذه النسخ بإنتاج نسخ جديدة وهكذا بدأت الحياة تدب على الأرض. وهذه الآلية المستخدمة في تصنيع أجسام كائنات جديدة من أجسام كائنات حية قديمة قد كتبت على شكل برنامج رقمي مخزن على الشريط الوراثي الموجود في كل خلية من خلايا الكائن الحي. فبمجرد إعطاء الأمر لتنفيذ هذا البرنامج فإنه يقوم من خلال الانقسامات المتتالية للخلايا بتحويل إحدى خلايا جسم الكائن الأصل إلى جسم كامل جديد وهو جسم الكائن الحي الجديد. إن أسهل طرق التكاثر التي تستخدمها الكائنات الحية لإنتاج نسخ جديدة عنها هي ما يسمى التكاثر اللاجنسي (Asexual reproduction) وفيها يتم برمجة إحدى خلايا الجسم بحيث تقوم بتنفيذ كامل برنامج التصنيع المخزن فيها لإنتاج كائن جديد هذا إذا ما توفرت لها الظروف المناسبة للنماء. ومن الجدير بالذكر أن كل خلية من خلايا الكائن الحي تحتوي على كامل برنامج التصنيع وبإمكان أي منها إنتاج كائن جديد بنفس مواصفات الكائن الأصلي ولكن الخالق سبحانه وتعالى قد برمجها بحيث تقوم بتنفيذ جزء من هذا البرنامج وذلك حسب وظيفتها في الجسم. إن التكاثر اللاجنسي سواء كان بالانقسام أو التبرعم أو غير ذلك لا ينتج كائنات جديدة إلا بنفس مواصفات الكائنات التي أنتجت خلايا التكاثر مما يعني أن طريقة التكاثر هذه لا تؤدي إلى التنوع في أشكال الكائنات الحية.
أما الطريقة الثانية المستخدمة للتكاثر فهي التكاثر الجنسي (Sexual reproduction) والتي تتطلب وجود كائنين اثنين لإنتاج الكائن الجديد بدلا من كائن واحد في حالة التكاثر اللاجنسي وقد سمي أحد هاذين الكائنين ذكر والآخر أنثى. وفي هذه الطريقة يقوم كل من الذكر والأنثى بإنتاج خلية من جسمه تحمل برنامج تصنيع كامل بمواصفاتهما ولكن لا يمكن لأي منهما تنفيذ برنامج التصنيع الذي في داخلها بمفرده بل يتطلب الأمر دمج برنامجي التصنيع في نواة خلية الأنثى لتكون ما يسمى بالخلية الملقحة والتي تبدأ بتنفيذ برنامج التصنيع الموحد إذا ما توفرت لها الظروف المناسبة. ولكي تحقق طريقة التكاثر هذه الهدف الذي صممت من أجله وهو زيادة التنوع في أشكال الكائنات الحية فعلى برنامج التصنيع الموحد أن يأخذ تعليمات تصنيع الأجزاء المختلفة لجسم الكائن الجديد من البرنامجين بحيث تكون بعض مواصفاته مأخوذة من مواصفات جسم الذكر والبعض الآخر مأخوذ من الأنثى. إن مثل هذا التنوع المنشود لن يتحقق إلا بوجود اختلاف في برنامجي التصنيع المأخوذين من الذكر والأنثى وهذا يعني أن مواصفات جسم أول ذكر وجسم أول أنثى انحدر منهما كل نوع من أنواع الكائنات الحية لا بد وأن تكون مختلفة وإلا لما استدعى الأمر اختراع مثل هذه الطريقة البالغة التعقيد للتكاثر.
لقد أدخلت هذه الطريقة للتكاثر علماء تطور الحياة في متاهة يصعب عليهم الخروج منها إذا ما أصروا على أن الصدفة هي التي وقفت وراء اتخاذ مثل هذا القرار العجيب. فلا زال علماء التطور يتساءلون عن الدافع الذي دفع الصدفة لتقوم بتحويل الكائن الذي كان ينتج نسخ عن نفسه بنفسه بكل سهولة ويسر إلى كائنين أحدهما ذكر وآخر أنثي لا يمكنهما إنتاج كائن جديد إلا من خلال التزاوج. ولا زالوا كذلك يجهلون تماما الطريقة التي تم بها تحويل الكائن الخنثى إلى الكائنين الذكر والأنثى حيث أن فيها من الألغاز والأسرار ما لا يقل عن تلك التي الموجودة في عملية تحول التراب إلى أول كائن حي ظهر على الأرض ويمكن للقارئ الرجوع لكتابي (بداية الخلق في القرآن الكريم) لمزيد من الشرح عن هذا الموضوع. ولقد لفت القرآن الكريم أنظار البشر إلى هذه الظاهرة العجيبة وهي ظاهرة الزوجية في آيات كثيرة منها قوله تعالى "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)" فاطر وقوله تعالى "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)" القيامة.
إن طريقة التكاثر الجنسي فيها من التحديات والمشاكل ما لا يمكن حصرها وسنشرح مشكلتين رئيسيتين منها والطرق البالغة الاتقان التي استخدمت لحلها بحيث أن ملايين الأنواع من الكائنات تستخدم هذه الطريقة بكل كفاءة على مدى بلايين السنين. فالمشكلة الأولى أن الكائن الجديد لا يمكن أن يتم إنتاجه من دمج خليتين عاديتين حيث أن عدد الكروموسومات سيتضاعف عند تزاوج الأجيال التالية فعند تزاوج كائنين من الجيل الأول يكون نتاجهما كائن تحتوي خلاياه على ضعف عدد الكرموسومات وعند تزاوج أفراد الجيل الثاني سيكون عدد الكرموسومات في خلايا ذريتهما أربعة أضعاف وهكذا فإن عدد الكرموسومات سيزداد على شكل متوالية هندسية. إن هذه المشكلة يستحيل حلها بالصدفة وذلك من خلال التجربة والخطأ كما يدعي الملحدون بأن الحياة قد ظهرت وتطورت على الأرض بالصدفة ولكن الله عز وجل حلها باستخدام فكرة بسيطة لا يمكن أن تصدر رغم بساطتها إلا عن عاقل لا حدود لعلمه وقدرته. وتتلخص هذه الفكرة العبقرية بأن يقوم كل من الكائن الذكر والكائن الأنثى بإنتاج خلية لإغراض التكاثر تحتوي على نصف عدد الكروموسومات الموجودة في الخلايا العادية التي يبنى منها جسم الكائن الحي وبهذا فإن عدد الكروموسومات الناتجة عن اتحاد هاتين الخليتين سيكون بعدد الكروموسومات الموجودة في الخلايا العادية أي أن عدد الكروموسومات سيبقى ثابتا مهما تكررت عملية التكاثر. وقد يتبادر لذهن البعض أن خلايا التكاثر هذه تحتوي على نصف برنامج تصنيع الكائن الذي أنتجها وهذا ليس بصحيح حيث تحتوي الخلية الذكرية على كامل برنامج التصنيع الذي صنع على أساسه الكائن الذكري وكذلك هو الحال مع الخلية الأنثوية وهذا يعني أن الخلية الملقحة وكذلك الخلايا العادية للكائن الحي تحتوي على برنامجين للتصنيع أحدهما مأخوذ من الخلية الذكرية والآخر من الخلية الأنثوية. ولكن عندما تبدأ عملية تصنيع الكائن ابتداء من الخلية الملقحة فإن تعليمات التصنيع تؤخذ من كلا البرنامجين بطريقة مدروسة بحيث تكون مواصفات الكائن الناتج خليط من مواصفات أو جينات أبيه وأمه وذلك لكي يتحقق التنوع المنشود في أشكال الكائنات.
أما المشكلة الثانية التي واجهت طريقة التكاثر الجنسي هي أنها تتطلب ثلاثة مستويات من التزاوج فالمستوي الأول هو تزاوج الذكر مع الأنثى وهو أهونها والمستوى الثاني هو تزاوج الحيوان المنوي مع البويضة والمستوى الثالث هو تزاوج الكرموسومات الذكرية والأنثوية وهو أعقدها. فالمستوى الأول من التزاوج يتطلب تصميم أنظمة تناسل في كل من الذكر والأنثى بحيث يتوافق تركيب كل منهما مع الآخر ليقوما بالوظيفة التي صمما من أجلها على أكمل وجه. وللقارئ أن يحكم بنفسه إن كان باستطاعة الصدفة أن تكتب برامج لتصنيع ملايين الأشكال من أنظمة التناسل الذكرية والأنثوية في ملايين الأنواع من الكائنات بحيث تكون أجهزة التناسل الذكرية متوافقة تمام التوافق مع أجهزة التناسل الأنثوية في كل نوع من هذه الأنواع. وكذلك فإن وجود أجهزة تناسل متوافقة في كل من الذكر والأنثى قادرة على إنتاج خلايا التكاثر لن تجدي نفعا إن لم يتم اختراع آلية تجبر الذكر والأنثى للتزاوج في الوقت المناسب لجمع خليتي التكاثر في حيز واحد وهو ما يسمى بالغريزة الجنسية.
وهذا التزاوج الظاهري أيضا لن يجدي نفعا في غياب آلية تدفع خلية التكاثر الذكرية للبحث عن خلية التكاثر الأنثوية إذا ما تم جمعهما في حيز واحد ومن ثم تدفعها لاختراق جدارها وإفراغ نصف برنامج التصنيع الذي تحمله في نواة الخلية الأنثوية حيث يوجد النصف الثاني من البرنامج. وبما أن هذا الخلايا التكاثرية لا تسمع ولا تبصر وليس لها أيدي وأرجل فقد زودها من صممها سبحانه وتعالى بآلية تمكنها من الالتقاء ببعضها حيث تطلق الخلية الأنثوية مواد كيميائية في السائل المحيط بها تعمل على اجتذاب الخلية الذكرية نحوها والتي تم تزويدها بذيل يدفعها للحركة نحو الخلية الأنثوية فتقوم بمجرد ملامستها بفرز مادة كيميائية تذيب غشاءها لتتمكن من الدخول فيها. وكذلك فإن كل هذه الآليات المستخدمة لجمع الذكر بالأنثى وإجبارهما على التزاوج ومن ثم جمع الخلية الذكرية بالخلية الأنثوية وإجبارهما على الاندماج ببعضهما لا تكاد تذكر من حيث صعوبتها مع عملية التزاوج التي ستتم بين الكروموسومات الذكرية والأنثوية والتي ستنتج برنامج موحد لتصنيع الكائن الجديد. فبرامج تصنيع معظم أنواع الكائنات الحية من الضخامة بحيث يلزم كتابتها على عدد كبير من أشرطة الحامض النووي لكي يسهل عملية الوصول لتعليمات التصنيع وكذلك عملية نسخ هذه التعليمات عند انقسام الخلايا وتسمى هذه الأشرطة بالكروموسومات والتي يحمل كل منها جزءا محددا من برنامج التصنيع الكلي.
أما معجزة المعجزات في عملية خلق الإنسان وكذلك بقية الكائنات الحية فهي تحول هذه الخلية الملقحة إلى كائن حي يحتوي جسمه على بلايين الخلايا تأخذ كل منها مكانها في الجسم بحيث تنتج أجهزة الجسم المختلفة والتي شرحنا تركيبها في الأبواب السابقة. إن الذي يجهل حيثيات إنتاج كائن جديد من أجسام كائنات حية قديمة قد لا يعجب من هذا الأمر ويظن أن عملية الإنتاج هذه عملية بسيطة حيث يراها تحدث بلايين المرات بدون مشاكل تذكر في جميع أنواع الكائنات الحية. ولقد جاء القرآن الكريم ليوقظ البشر من هذه الغفلة ويبين لهم أن في عمليات الخلق هذه معجزات لا تعد ولا تحصى وأمرهم في التفكر فيها ليوقنوا أن وراء من أبدعها خالق عليم وخبير لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه. ونورد هنا بعض الآيات القرانية التي تلفت أنظار البشر إلى هذه المعجزات وهي قوله تعالى "قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)" عبس وقوله تعالى "أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)" المرسلات. وسيتبين للقارئ من خلال الشرح التالي مدى التقدير اللازم في تصنيع مكونات الجهاز التكاثري الذكري وكذلك الأنثوي ليستوعب مدلولات قوله تعالى " فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ".
الجهاز التناسلي الذكري
يقوم الجهاز التناسلي الذكري (Male reproductive system) بثلاثة وظائف رئيسية الأولى منها هي إنتاج الأمشاج الذكرية (Male gametes) أو ما يسمى بالحيوانات المنوية أو النطف (sperms) والثانية هي إنتاج الهرمونات الذكرية أو ما يسمى بالأندروجين (Androgens) والتي تحدد الصفات الذكورية كقوة العضلات وخشونة الصوت ونمو الشعر في الوجه. اما الوظيفة الثالثة فهي إيصال هذه النطف إلى رحم الأنثي من خلال عملية التزاوج أو الجماع (intercourse) بين الذكر والأنثى وذلك لكي يحدث التزاوج بين هذه النطف والبويضات التي ينتجها مبيض الأنثى. ويتكون هذا الجهاز من أربعة مكونات رئيسية فالمكون الأول هما الخصيتان واللتان تقومان بإنتاج النطف وكذلك الهرمونات الذكرية وقسم من السائل المنوي. أما المكون الثاني فهي الغدد المنوية والتي تقوم بإنتاج بقية مكونات السائل المنوي وهي الحويصلتان المنويتان والبروستات وغدتي كوبر. وأما المكون الثالث فهي القنوات المنوية والتي تقوم بنقل النطف بعد خلطها بالسائل المنوي من الخصية والغدد إلى القضيب. وأما المكون الرابع فهو العضو الذكري أو القضيب والذي يقوم بإيصال السائل المنوي بما يحتويه من نطف إلى رحم الأنثى من خلال عملية الجماع.
فالخصية (Testis) جسم بيضاوي مفلطح يتراوح حجمها عند الذكر البالغ بين 12 و 30 سم مكعب ويبلغ متوسط ارتفاعها 5 سم وعرضها 3 سم وسمكها 2 سم. والخصيتان موضوعتان في وعاء جلدي يسمى الصفن (scrotum) وهو غلاف جلدي متجعد ومطاطي مقسوم إلى حجرتين بينهما حاجز ليفي ويحتوي كل منها على خصية واحدة. ويتدلى صفن الخصيتين خارج التجويف البطني بين الفخذين من تحت قاعدة القضيب وذلك لحكمة بالغة وهي أن الخصيتين لا يمكنهما إنتاج الحيوانات المنوية إلا إذا كانت درجة حرارتهما أقل بدرجتين أو ثلاثة درجات مئوية عن درجة حرارة الجسم أي بين 34 و 35 درجة مئوية. ولهذا نجد أن الصفن يتمدد عند ارتفاع درجة الحرارة ليبعد الخصيتين عن الجسم فيسهل تبريدهما بينما نجده يتقلص عند انخفاض درجة الحرارة ليقربهما من الجسم فيتم تسخينهما بحرارة الجسم. وفي بداية خلق الجنين تتموضع الخصيتان داخل التجويف البطني أسفل الكلية ثم تبدءان بالهبوط تدريجيا عبر القناة الأربية (inguinal canal) مع نمو الجنين إلى أن يخرجا بالكامل خارج البطن ويستقران في الصفن في الشهر الثامن من عمر الجنين. وفي حالة عدم خروجهما فإن المولود يفقد كثيرا من صفات الذكورة بسبب فشل الخصيتين بالقيام بوظائفها عند درجة حرارة الجسم.
والخصية هي الغدة الرئيسية في الجهاز التناسلي الذكري ووظيفتها الأساسية هي إنتاج الحيوانات المنوية أو النطف وكذلك إفراز قسم من السائل المنوي الذي يقوم بتغذية وحمل الحيوانات المنوية. أما الوظيفة الثانية للخصية فهي إنتاج الهرمونات الذكرية المختلفة أو مجموعة الأندروجين والتي من أهمها التستوسترون (Testosterone) والتي تقوم بتحفيز الخصية على إنتاج النطف وكذلك إعطاء الصفات الذكورية كقوة العضلات وخشونة الصوت ونمو الشعر في الوجه. وتتكون الخصية من مجموعة من الفصوص (lobes) يوجد في كل فص منها عدد من الحجر الصغيرة تسمى الفصيصات (lobules) ويتراوح عدد الفصيصات في الخصية الواحدة بين 250 و 400 فصيصة. وتغلف هذه الفصيصات غلاف ليفي متين يسمى الغلالة البيضاء (Tunica Albuginea) والتي تزداد سماكتها في الناحية الخلفية للخصية ليكون ما يسمى بالمنصف الخصوي أو جسم هيجمور (Highmore) والذي منه تنشأ الامتدادات التي تكون الفصيصات. ويحيط بالخصية عدة طبقات أولها من الداخل الغلالة البيضاء ثم الغمد (Vaginalis) وهي طبقة مصلية ثم الطبقة الليفية العميقة والتي تنشأ من اللفافة المستعرضة في العجان وهي تحيط بالخصية والحبل المنوي على شكل كيس ثم الطبقة المعلقة( Cremaster) والتي تنشأ من العضلة المائلة الداخلية ثم تليها الطبقة الليفية السطحية أو الصفاق وهي استمرار للعضلة المائلة الكبيرة تليها الطبقة السيللوزية تحت الجلدية وهي استمرار للنسيج تحت جلد العجان ثم أخيرا السلخ أو طبقة الصفن الليفية( Dartos) ولونها محمر وقابلة للانقباض.
وتحتوي الفصيصة الواحدة على أنبوبين أو أكثر يتم فيها إنتاج الحيوانات المنوية ولذلك تسمى الأنابيب المنوية (Seminiferous tubules) ويوجد في الخصية الواحدة ما يقرب من ألف أنبوب. ويبلغ متوسط طول كل أنبوب من الأنابيب المنوية 60 سم ويتم تمديدها بشكل متعرج لكي يتسع لها الحيز الضيق للفصيصات. وتتحد الأنابيب المنوية في كل فصيص عند نهايتهما في أنبوب مشترك يسير بشكل مستقيم ثم تتتحد الأنابيب المستقيمة المتجاورة مع بعضها لتكون ما بين 15 إلى 20 قناة تخرج من أعلى الخصية على شكل شبكة تسمى الشبكة الخصوية (Rete testis) تصب جميعها في بداية قناة خارجية مشتركة تسمى البربخ (Epididymis). والبربخ أنبوب رفيع يبلغ قطره نصف ملليمتر تقريبا بينما يتراوح طوله الحقيقي بين 6 و 10 أمتار ولذا يتم لفه بشكل كثيف على شكل حبل غليظ يبلغ طوله 5 سم فقط ويغلف بنسيج ضام وأوعية دموية ومن ثم يثبت على سطح الخصية من الجانب العلوي والجانبي. ويتضح من الطول البالغ للبربخ أن مهمته لا تقتصر على نقل الحيوانات المنوية بل يتم في داخله عملية إنضاج أو اكتمال نمو هذه الحيوانات أثناء رحلة انتقالها خلاله والتي تستغرق قرابة الثلاثة أسابيع هذا إلى جانب أن نهاية البربخ تستخدم كمخزن للحيوانات المنوية. ويوجد بين الأنابيب المنوية خلايا كبيرة الحجم مهمتها إنتاج الهرمونات الذكرية وتسمى خلايا ليدج (Lydig).
ويبطن جدار الأنبوب المنوي نسيج خاص يسمى البطانة المخصبة (epithelium germinal) والتي تحتوي على خلايا متخصصة تقوم بإنتاج الحيوانات المنوية تسمى الخلايا المولدة للنطف أو أمهات النطف (Spermatogonia). إن أمهات النطف يتم إنتاجها أثناء تكون الخصية في الجنين وذلك من خلال انقسام الخلايا الجرثومية الأولية انقسامات متعددة ثم يبقى عددها ثابتا مدى الحياة وتحتوي على كامل عدد الكروموسومات كما هو الحال في بقية الخلايا العادية. أما إنتاج النطف أو الحيوانات المنوية فيبدأ عند الذكر بعد سن البلوغ وذلك من خلال انقسام أمهات النطف إلى خليتين أحدهما تحتفظ بنفس خصائص الخلية الأصلية لتحافظ على عددها الثابت بينما تتطور الخلية الثانية وتغير من خصائصها لتصبح خلية منوية أولية ( Primary Spermatocytes) . تنقسم الخلية المنوية الأولية من خلال الانقسام الميوزي أو الاختزالي (Meiosis) إلى خليتين منويتين ثانويتين (secondary spermatocytes) تحتوي كل منها على نصف عدد الكروموسومات الموجودة في الخلايا العادية (haploid) . ثم تنقسم كل خلية منوية ثانوية إلى خليتين بنفس الخصائص تسمى كل منها طليعة منوية (sperm pronucleus) والتي منها يتطور الحيوان المنوي وبذلك فإن كل خلية من أمهات النطف تنتج عند انقسامها خلية من نفس نوعها وأربعة حيوانات منوية وتتكرر هذه العملية مدى الحياة تقريبا. إن عملية تحول الطليعة المنوية إلى حيوان منوي بدائي يتم من خلال هجرة النواة إلى أحد طرفي الخلية لتكون بذلك رأس الحيوان المنوي (Sperm head ) بينما يستدق الطرف المقابل والذي يحتوي على معظم السيتوبلازم ليشكل بقية جسم الحيوان المنوي. وتسمى هذه الخلايا وهي متصلة بجدار الأنبوب بالأرومة النطفيةSpermatids) ) وعندما تنفصل هذه الخلايا عن جدار الأنبوب وتدخل إلى الانابيب المنوية تصبح كائنات منفصلة يطلق عليها اسم الحيوانات المنوية أو النطف (Spermatozoa). وتستغرق عملية إنتاج الحيوان المنوي الواحد منذ بداية انقسام الخلية الأم إلى خروج الحيوانات المنوية من الخصية إلى البربخ ما يقرب من سبعين يوما. إن النواة الموجودة في خلية الحيوان المنوي تحتوي على نصف عدد الكروموسومات أو الصبغيات الموجودة في نواة الخلية العادية أي 23 كروموسوم بدلا من 46 كروموسوم منها 22 كروموسوم جسدي (somatic) وكرموسوم واحد فقط جنسي (sex) وهو إما أن يكون كرومسوم (X) الأنثوي أو كرموسوم (Y) الذكري.
إن الحيوانات المنوية التي تم إنتاجها في الخصية ومن ثم تم دفعها إلى البربخ تكون ساكنة لا حراك فيها ولكن بعد مكوثها في البربخ 18 ساعة تكون قد وصلت إلى مرحلة النضوج (maturation) وتكون قادرة على الحركة والسباحة في السوائل المحيطة بها. والحيوانات المنوية لا يمكنها الحركة إلا في وسط قليل الحموضة يتراوح الرقم الهيدروجيني له بين 6 و 6,5 وبما أن إفرازات المهبل ذات درجة حموضة عالية تتراوح بين 3,5 و 4 فإن السائل المنوي يجب أن يكون قاعدي التفاعل حيث يبلغ الرقم الهيدروجيني له 7,5. إن الحيوانات المنوية يمكن أن تعيش في جسم الرجل عدة أسابيع ولكن بعد قذفها في المهبل فإن عمرها لا يتجاوز الثلاثة أيام وعلى واحد منها على الأقل الوصول إلى الثلث الأخير من قناتي فالوب ليتمكن من تلقيح البويضة هناك خلال هذه الفترة. ويحتوي السنتيمتر المكعب الواحد من السائل المنوي أو المني (Semen) في المتوسط على مائة مليون حيوان منوي وإذا قل العدد عن 20 مليون فإن احتمالية تلقيحها للبويضة تكون ضئيلة وتتراوح كمية السائل المقذوف في المرة الواحدة ما بين 2 و 4 سم مكعب أي بمعدل 300 مليون حيوان منوي.
والحيوان المنوي خلية ذاتية الحركة (motile) يتكون جسمه من أربعة أجزاء وهي الرأس والرقبة والقطعة الوسطى والذيل. فالرأس (Head) له شكل بيضاوي مفلطح يحتوي على النواة (nucleus) وما تحمله من كروموسومات ويوجد في مقدمة الرأس ما يسمى بالجسم القمي (Acrosome) يقوم بإفراز إنزيم الهايلويورنديز (hyaluronidase) والذي يقوم بإذابة غلاف البويضة ليمكنه من الدخول فيها عندما يتم التزاوج بينه وبينها. أما الرقبة (Neck) فهي قصيرة جدا وتحتوى على جسيمان مركزيان (Centriole) يلعبان دورا في انقسام البويضة المخصبة. وأما القطعة الوسطى (midpiece) فهي جسم أسطواني تحتوي على عدد كبير من عضيات الميتوكندريا (Mitochondria) وتعمل كمحرك يقوم بتحريك الذيل. وأما الذيل أو السوط (Tail) فيقوم بدفع الحيوان المنوي داخل القناة التناسلية الأنثوية من خلال حركته التموجية في السوائل المحيطة به. ويتراوح عرض الرأس بين 2,5 و 3,5 ميكرومتر بينما يتراوح طول الراس بين 5 و 7 ميكرومتر أما طول الذيل فيبلغ 40 ميكرومتر وقطره لا يتجاوز ميكرومتر واحد وعليه فإنه لا يمكن رؤية الحيوان المنوي بالعين المجردة. وتتراوح سرعة حركة الحيوان المنوي بين 1 و 4 ملليمتر في الدقيقة بمتوسط يبلغ 3 ملليمتر في الدقيقة وإذا ما علمنا أن المسافة من عنق الرحم إلى بداية الثلث الأخير من قناتي فالوب حيث تتم عملية التلقيح تبلغ بحدود 15 سم فإن الحيوان المنوي يمكن أن يقطعها في المتوسط في زمن يقرب من الساعة.
إن الأنابيب المنوية وخلايا ليدج لا يمكنها أن تنتج الحيوانات المنوية وكذلك الهرمونات الذكرية إلا من خلال تحفيزها بهرمونيين يأتيانها من الغدة النخامية (pituitary gland) وهما الهرمون المحفز للحويصلات (Follicle-stimulating hormone (FSH)) والذي يحفز الأنابيب المنوية على إنتاج الحيوانات المنوية والهرمون الأصفري (Luteinizing Harmone (LH)) والذي يحفز خلايا ليدج على إنتاج الهرمونات الذكرية. وكذلك فإن الغدة النخامية لا يمكنها أن تنتج هذين الهرمونين إلا من خلال هرمون عصبي يأتيها من غدة الهيبوثالاموس (Hypothalamus) وهو الهرمون المفرز للجونادوتروبين (Gonadotropin-releasing hormone (GnRH)). والهرمونات التي تنتجها خلايا ليدج في الخصية هي مجموعة الأندروجين (androgens) والتي أهمها هرمون التستوسترون (Testosterone) وهرمون الأندروستينيداين (androstenedione) وهرمون الديهيدروبيندروستيرون (dehydroepiandrosterone). وكما ذكرنا سابقا فإن هذه الهرمونات الذكرية هي التي تحدد الصفات الذكورية لجسم الرجل كقوة العضلات وصلابة العظام وخشونة الصوت ونمو الشعر.
أما المكون الثاني للجهاز التناسلي الذكري فهي القنوات المنوية وهي تتكون من القناة الناقلة للمني أو ما يسمى قناة الأسهر (Vas Deference) وتبدأ من نهاية البربخ في أسفل الخصية وتنتهي في داخل البروستات بطول يبلغ في المتوسط 45 سم وبقطر 2 ملم. وتمتد القناة الناقلة داخل الحبل المنوي (Spermatic Cord) الذي يحتوي على الشرايين والأوردة والأعصاب التي تتصل بالخصية والذي يمر بدوره من خلال القناة الإربية ثم تنفصل عنها لتلتف حول أعلى المثانة ثم تهبط نازلة إلى البروستات فتخترقها من جانبها العلوي. وقد يسأل سائل عن السبب في اختيار هذا المسار الطويل لقناة الأسهر وكان من الممكن أن تصل إلى البروستات عن طريق أقصر من هذا والجواب أن المكان الأصلي للخصيتين في الجنين هو تحت الكليتين ثم بدأت بالنزول تدريجيا حتى أصبحت خارج الجسم. وتتحد القناة الناقلة (الأسهر) وهي داخل البروستات مع القناة القادمة من الحويصلة المنوية (Seminal Vesicle) لتكون قناة مشتركة تسمى القناة القاذفة (Ejeculatory Duct). والقناة القاذفة يبلغ طولها 2 سم وتصب في جزء قناة البول أو الإحليل (Urethra) الواقع ضمن البروستات وتحتوي جدران هذه القناة على عضلات تنقبض بطريقة محددة بحيث تدفع بمحتوياتها بقوة إلى الإحليل ومن ثم خارج القضيب أثناء عملية الجماع.
أما المكون الثالث فهي الغدد المنتجة للسوائل المنوية وهما الحويصلتان المنويتان (Seminal Vesicles) والبروستات (Prostate) وغدتي كوبر (Cowper). فالحويصلتان المنويتان تقعان على السطح الخلفي السفلي للمثانة عن يمينها وشمالها وأمام المستقيم مباشرة ولهما شكل أنبوبي غير منتظم القطر. وتفرز الحويصلة المنوية سائل أصفر يحتوي على كميات من سكر الفركتوز والاينوسيتول ( Inositol) وأحماض أمينية وبروستاغلاندين ( Prostaglandin) وهي مواد ضرورية لتغذية الحيوانات المنوية وهي في طريقها إلى الرحم وهو يشكل مع السائل المنوي القادم من الخصية سبعين في المائة من السائل المنوي المقذوف. وتقوم الحويصلتان بإفراغ جميع هذه المحتويات داخل القناة الدافقة أو القاذفة لحظة القذف المنوي في نهاية عملية الجماع وذلك بعد أن تكون القناة الناقلة (الأسهر) قد افرغت نطافها. وأما غدة البروستات (Prostate Gland) فتقع عند قاعدة أو عنق المثانة وتحيط بالجزء الأول من الإحليل وهو مجرى البول الذي يخرج من المثانة وهي مخروطية الشكل يبلغ ارتفاعها 5 سم وعرضها 4 سم بينما يبلغ وزنها 25 غم. وتفرز البروستات أثناء الجماع وقبل تدفق السائل المنوي إلى الإحليل سائل حليبي اللون بسبب احتوائه على دهون فوسفورية ويبلغ حجمه نحو ربع حجم السائل المنوي الكلي. والسائل البروستاتي يقوم بوظائف عدة أولها تنظيف الاحليل من آثار البول وطليه بطبقة انزلاقية تسهل تدفق السائل المنوي وثانيهما أن تركيبه القلوي يحمي النطف من التأثر بحموضة إفرازات المهبل العالية عند انتقالها إليه وثالثهما أنه يخفف من لزوجة السائل المنوي فيسهل بذلك من حركته ورابعها أنه يحتوي على بعض المواد المغذية للنطف. وأما الغدد البصلية الإحليلية (bulbourethral) أو ما يسمى بغدتي كوبر ( Cowper's glands ) فتقعان على جانبي قاعدة القضيب وتصبان في الاحليل من خلال قناتين تنفتحان عند قاعدة القضيب. وتقوم هاتان الغدتان بإفراز سائل مخاطي شفاف وزلج تصبانه في الاحليل قبل بداية عملية القذف يقوم بتنظيف الاحليل من بقايا البول ويسهل كذلك حركة السائل المنوي المحمل بالحيوانات المنوية ويطلق على هذا السائل اسم السائل ما قبل المني أو المذي (preseminal fluid) والذي يمكن أن يخرج من القضيب بدون أن يتبعه المني إذا لم تتم عملية القذف عند الإثارة الجنسية.
أما المكون الرابع والأخير فهو القضيب (Penis) وهو جسم أسطواني الشكل يبرز من عضلات قاع الحوض من تحت عظمة العانة بقليل ويتراوح متوسط طوله الكلي بين 10 و 14 سم ومتوسط قطره بين 3 و 4 سم وذلك وهو في حالة الإرتخاء. أما في حالة الانتصاب فإن طوله وقطره يزدادان بشكل كبير حيث يتراوح متوسط طوله بين 16 و 20 سم ومتوسط قطره بين4 و 5 سم علما بأن الطول الظاهر لا يتجاوز ثلاثة أرباع الطول الكلي. ويتكون القضيب من ثلاثة أجزاء وهي الجذر (root) وهو الجزء المتصل بعضلات منطقة العجان وهو غير ظاهر والجسم (shaft) وهو الجزء الأسطواني الأوسط والبارز من القضيب والحشفة (glans penis) وهي انتفاخ كبير مخروطي الشكل تقع على رأس القضيب وفي قمتها توجد فتحة الإحليل وهي فتحة طولية عامودية. ويسمى الحد الفاصل بين نهاية جسم القضيب وبداية الحشفة بالحافة التاجية (coronal ridge) حيث يزداد قطر القضيب عندها بشكل واضح عن بقية أجزائه ولذلك فهي أكثر مناطق القضيب ملامسة للمهبل أثناء الجماع. ويبرز من جلد القضيب عند الحد الفاصل بين جسم القضيب والحشفة امتداد جلدي كبير يغطي الحشفة بكاملها عندما يكون القضيب في حالة الارتخاء ويتم إزالة هذا الامتداد الجلدي الذي يسمى القلفة (foreskin or prepuce) من خلال عملية الختان (circumcision) وذلك لأسباب دينية وكذلك صحية. ويوجد في جلد القضيب الظاهر نهايات عصبية حساسة للمس والضغط والحرارة وهي أكثر تركيزا في الحشفة وخاصة في منطقة الحافة التاجية (coronal ridge) الموجودة في مؤخرة الحشفة وكذلك في المنطقة المثلثية التي تقع في أسفل رأس الحشفة.
أما التركيب الداخلي للقضيب فيتكون من ثلاثة أجسام اسفنجية أسطوانية الشكل قابلة للانتفاخ وتسير بشكل متوازي على طول القضيب. فالجسم الأول هو الجسم الأسفنجي (spongiosum corpus) وهو جسم أسطواني ذو قطر صغير نسبيا يحيط بالمجرى المشترك للبول والمني أي الإحليل ويقع في الجهة السفلية من القضيب. أما الآخران فهما الجسمان الكهفيان (corporea cavernosa) وهما جسمان أسطوانيان يتموضعان إلى جانب بعضهما البعض في الاتجاه الأفقي أي على جانبي القضيب ويشكلان معظم حجمه. وفي الفراغ السفلي المتكون بينهما يوجد الجسم الاسفنجي بينما يتم تمديد الأوردة والأعصاب في الفراغ العلوي أما الشرايين الرئيسية فيتم تمديدها في داخل هذه الأجسام. وفي حالة ارتخاء القضيب تكون الفراغات الاسفنجية في داخل هذه الأجسام خالية من الدم أما عند الإثارة الجنسية فإن كمية كبيرة من الدم تتدفق من الشرايين إلى هذه الفراغات فتملؤها فيكبر حجم القضيب وتحدث بذلك حالة الانتصاب (erection). ويحيط بالأجسام الكهفية عضلة تسمى (ischio – caverneux muscle) بينما يوجد أسفل الجسم الاسفنجي عضلة تسمى ( bulbo spongieux muscle) وتعمل هذه العضلات على إبقاء القضيب منتصبا لفترة كافية وذلك من خلال الضغط على الأوردة التي تقوم بحبس الدم في داخل هذه الأجسام إلا أن تنتهي عملية الجماع (intercourse) بقذف الحيوانات المنوية (ejaculation) إلى داخل رحم الأنثى. ومن لطائف تقدير الخالق سبحانه وتعالى أن شدة انتصاب الجسم الاسفنجي أقل من شدة انتصاب الأجسام الكهفية وذلك لكي لا تضغط على الإحليل فتعيق خروج المني منه عند القذف.
الجهاز التناسلي الأنثوي
يقوم الجهاز التناسلي الأنثوي (Female reproductive system) بوظائف أكثر من وظائف الجهاز التناسلي الذكري وهي أولا إنتاج الأمشاج الأنثوية (Female gametes) أو ما يسمى بالبويضات (eggs or ova) وثانيا إفراز الهرمونات الأنثوية وهي التي تحدد الصفات الأنثوية كعدم وجود الشعر في الوجه وصغر عضلات الجسم ورقة الصوت وثالثا استقبال الحيوانات المنوية التي يقذف بها العضو الذكري في مهبل الأنثى ورابعا تهيئة الظروف المناسبة لعملية التزاوج بين الحيوانات المنوية والبويضة وخامسا تهيئة المكان المناسب وهو الرحم لنمو البويضة الملقحة أو الجنين وسادسا تمكين الجنين من الخروج من رحم أمه بعد اكتمال نموه أي الولادة وأخيرا تزويد الطفل بالغذاء من خلال الرضاعة من ثديي أمه. ويتكون هذا الجهاز من ستة مكونات رئيسية وهي المبيضان (ovaries) واللذان يقومان بإنتاج البويضات والهرمونات الأنثوية وهما يقابلان الخصيتان في الذكر وقناتا فالوب (Fallopian Tubes) واللتان تقومان بنقل البويضات إلى الرحم وهما تقابلان الحبلان المنويان والفرج (vulva) والمهبل (vagina) وهما اللذان يقومان باستقبال الحيوانات المنوية وهما يقابلان القضيب عند الذكر والرحم ( uterus) وفيه يتم إنبات البويضة الملقحة ولا مقابل له عند الذكر والثديان (breasts) واللذان ينتجان الحليب الذي يغذى به المولود من خلال الرضاعة ولا مقابل لهما ايضا عند الذكر.
فالمبيض (Ovary) عبارة عن جسم أملس صغير بحجم حبة اللوز ولونه أبيض كبياض اللؤلؤ ولكنه يتحول إلى اللون البنفسجي أثناء فترة الطمث. ومع تقدم العمر يبدأ سطح المبيض بالتجعد بسبب الندوب التي تتركها البيوض عند خروجها منه ثم يضمر وينكمش بعد سن اليأس. ويتراوح طول المبيض عند سن البلوغ بين 3 و 5 سم وعرضه بين 2 و 3 سم وسمكه بين 1 و 2 سم أما وزنه فيتراوح بين 5 و 10 غم. ويتكون المبيض من جزء داخلي يشكل معظم حجم المبيض يسمى اللب (Medulla) وهو عبارة عن نسيج ضام يتخلله شبكة كثيفة من الأوعية الدموية واللمفية وجزء خارجي يحيط باللب يسمى القشرة (Cortex) وهي عبارة عن طبقة رقيقة سطحية بيضاء اللون تحتوي على آلاف الحويصلات الاولية أو المبيضية (Primordial or ovarian follicles) . ويتراوح قطر الحويصلة الأولية ما بين 0.25 و 1 ملم وتحتوي على خلية بويضية أولية واحدة إلى جانب مكونات أخرى كالخلايا الحبيبية. ويغلف القشرة طبقة واحدة من الخلايا الطلائية المكعبة تسمى الطلاء الجرثومي (Germinal epithelium). وللمبيض وظيفتان كما هو الحال مع خصية الذكر أولهما إنتاج البويضات حيث تخرج في كل شهر بويضة واحدة فقط من أحد المبيضين يتبعها في الشهر التالي خروج بويضة من المبيض الآخر وهكذا دواليك. اما الوظيفة الثانية فهي إفراز الهرمونات الأنثوية والتي أهمها الإستروجين (Estrogen) والبروجستيرون (Progesterone) وهي التي تحدد الصفات الأنثوية كعدم وجود الشعر في الوجه وصغر عضلات الجسم ورقة الصوت. ويحتوي مبيض الأنثى عند الولادة على ما يقرب من ثلاثة ملايين بويضة أولية ولكن هذا العدد ينخفض إلى العشر أي حوالي ثلاثمائة ألف بويضة بعد مرور سبع سنوات ثم يتوالى الانخفاض ليصل العدد عند البلوغ إلى ما بين 5 و 6 آلاف بويضة. ولا ينضج من هذه الآلاف إلا عدة مئات من البويضات التي تخرج إلى قناة فالوب بمعدل بويضة واحدة كل شهر وذلك خلال فترة النشاط التكاثري للأنثى والتي لا تتجاوز 35 عاما حيث يتوقف إنتاج البويضات بعد سن اليأس (menopause) أي في نهاية الأربعينات من عمر الأنثى.
أما القناتان الرحميتان (Uterine tubes) أو ما يسمى قناتا فالوب (Fallopian tubes) فهما قناتان تقومان بنقل البويضات من المبيضين إلى الرحم حيث تنفتح كل منهما في أعلى الرحم على اليمين واليسار. ويتراوح طول القناة الواحدة بين 7 و 11سم بينما قطرها غير منتظم فهو صغير عند اتصاله بالرحم فلا يتجاوز نصف ملليمتر ثم يزداد تدريجيا حتى يصل إلى 4 ملم عند نهايتها. ولكل قناة منهما فتحة خارجية تسمى البوق أو القمع (fimbriae) يخرج منها أهداب تشبه الأصابع (Finger - Like Process) تلتف حول المبيض وتقوم بالتقاط البويضة الناضجة من سطح المبيض وتدفعها إلى القناة. ويبطن القناة خلايا متخصصة ذات أهداب تعمل على دفع البويضة باتجاه تجويف الرحم وكذلك غدد تفرز مواد لتغذية البويضة أثناء رحلتها إلى الرحم. ويتم تلقيح البويضة في الثلث الأول من القناة المجاور للمبيض أما إذا تجاوزت ذلك فإن فرص تلقيحها تقل وتنعدم تماما إذا وصلت إلى الرحم وتستغرق رحلة البويضة خلال القناة ما بين أربعة وخمسة أيام.
وعلى الرغم من أن عملية إنتاج البويضات في المبيض تتم بطريقة مشابهة من حيث المبدأ لتلك المستخدمة في إنتاج الحيوانات المنوية في الخصية إلا أنه يوجد بعض الفروقات بينهما. وأهم هذه الفروق أن جميع البويضات الأولية موجودة في مبيض الأنثى قبل ولادتها وبعدد محدد بشكل مسبق لا يتجاوز عدة ملايين بينما يتم إنتاج الحيوانات المنوية في الخصية بعد سن البلوغ بشكل مستمر وبأعداد لا حصر لها. أما الفرق الثاني فهو أن المبيضين ينتجان بيضة واحدة في الشهر ولمدة لا تتجاوز الخمسة والثلاثين عاما بينما تنتج الخصيتان ملايين الحيوانات المنوية يوميا وعلى مدى عمر الذكر وذلك بعد سن البلوغ. وتمر عملية الإنتاج بثلاثة مراحل المرحلة الأولي يتم فيها انقسام الخلايا الجرثومية الأولية (Oogonium) عدة إنقسامات غير مباشرة لتعطي عددا كبيرا من الخلايا الصغيرة التي تعرف بأمهات البويضة وتحتوي كل منها على عدد كامل من الكروموسومات. أما المرحلة الثانية فيتم فيها نمو أمهات البيوض في الحجم وذلك بإختزان المواد الغذائية وتكون الخلايا البيضية الأولية أو الإبتدائية (primary oocyte) التي تحتوي أيضا على العدد المزدوج من الكروموسومات (Diploid). وفي هذه المرحلة تنقسم الخلية البيضية الإبتدائية إنقسامين إختزاليين ففي الأول تنقسم الخلية البيضية الإبتدائية إلى خليتين غير متساويتين في الحجم إحداهما كبيرة وتعرف بالخلية البيضية الثانوية (Secondary oocyte) والأخرى صغيرة وتعرف بالجسم القطبي الأول (first polar body) وتحتوي الخلية البيضية الثانوية وكذلك الجسم القطبي الأول على نصف عدد الكروموسومات. وفي الإنقسام الإختزالي الثاني تنقسم الخلية البيضية الثانوية إلى خلية طليعة بيضية (oocyte) وإلى الجسم القطبي الثاني وفي نفس الوقت ينقسم الجسم القطبي الأول إلى جسمين قطبيين ثانويين. وعلى ذلك فإن كل خلية بيضية إبتدائية تنتج في المحصلة طليعة بيضية واحدة أو بويضة (Ovum) وثلاثة أجسام قطبية ثانوية وذلك على العكس من الخلايا المنوية الإبتدائية التي ينتج عن انقسامها أربعة حيوانات منوية. إن النواة الموجودة في خلية البويضة تحتوي على نصف عدد الكروموسومات أو الصبغيات الموجودة في نواة الخلية العادية أي 23 كروموسوم بدلا من 46 كروموسوم منها 22 كروموسوم جسدي (somatic) وكرموسوم واحد جنسي (sex) وهو دائما كرومسوم (X) الأنثوي وذلك على عكس الحيوان المنوي الذي يمكن أن يكون كرموسومه الجنسي إما كرومسوم (X) الأنثوي أو كرموسوم (Y) الذكري.
والبويضة جسم كروي الشكل يتراوح قطرها بين 120 و 200 ميكرومتر ويمكن رؤيتها بالعين المجردة. وتتكون البويضة من غشاء سميك وشفاف يسمى (zona pellucida) ومن المح (yolk or oöplasm) والذي يتكون من السيتوبلازم العادي (cytoplasm) الموجود في جميع الخلايا ومن السيتوبلازم المغذي (deutoplasm) والذي يوجد فقط في الخلايا البيضية. ويتكون السيتوبلازم المغذي من حبيبات كروية مملوءة بالبروتينات والدهون والسكريات تستخدم لتغذية البويضة الملقحة أو النطفة الأمشاج (embryo). وفي مركز البويضة توجد نواة كبيرة (nucleus) تختلف في تركيبها عن أنوية الخلايا العادية ولذلك تسمى الحويصلة الجرثومية (Germinal Vesicle) حيث تحتوي على نصف عدد الكروموسومات إلى جانب أن نويتها (nucleolus) محددة بشكل واضح وتسمى البقعة الجرثومية (germinal spot). ويوجد على السطح الداخلي لغشاء البويضة حبيبات صغيرة تلعب دورا مهما في مساعدة الحيوان المنوي على اختراق البويضة تسمى الحبيبات القشرية (cortical granules). ويحيط بغشاء البويضة ثلاثة طبقات من الخلايا مرتبة بحيث تبرز كالأشعة من سطح البويضة ولذلك تسمى الاكليل الشعاعي (corona radiata). وكما هو الحال مع الخصية التي لا تنتج الحيوانات المنوية وكذلك الهرمونات الذكرية إلا من خلال تحفيزها بالهرمونات فإن المبيضين يحتاجان لهرمونات لإنتاج البيوض وإفراز الهرمونات الأنثوية. ولكن عملية إنتاج البيوض عملية أكثر تعقيدا وأدق توقيتا فبينما تنتج الخصيتان الحيوانات المنوية بشكل مستمر وبأعداد لا حصر لها فإن المبيضين لا ينتجان معا إلا بيضة واحدة في كل شهر تقريبا ويتزامن مع إنتاج هذه البويضة نمو لبطانة الرحم لكي تستقبل هذه البويضة إذا ما تم تلقيحها من قبل الحيوان المنوي. إن الهرمونات المحفزة للمبيضين هي نفس الهرمونات المستخدمة لتحفيز الخصيتين والتي تفرز من الغدة النخامية (pituitary) وهما الهرمون المحفز للحويصلات (Follicle-stimulating hormone (FSH)) والذي يحفز المبيضين على إنضاج بويضة واحدة ودفعها إلى الرحم والهرمون الأصفري (Luteinizing Harmone (LH)) والذي يحفز المبيضين على إنتاج الهرمونات الأنثوية. وكذلك فإن الغدة النخامية لا يمكنها أن تنتج هذين الهرمونين إلا من خلال هرمون عصبي يأتيها من غدة الوطاء أو الهيبوثالاموس (Hypothalamus) وهو الهرمون المفرز للجونادوتروبين (Gonadotropin-releasing hormone (GnRH)).
تبدأ الدورة الشهرية (menstrual cyle) والتي تمتد على مدى 28 يوما عندما تقوم الغدة النخامية بإفراز الهرمون المحفز للحويصلات بكميات كبيرة فيعمل على تحفيز مجموعة من الحويصلات الأولية (Ovarian follicles) الموجودة في المبيض على النمو ولكن بعد مرور ستة أيام تكون إحدى هذه الحويصلات قد نمت بشكل أسرع من البقية فتقوم بإفراز هرمون الأستروجين الذي يثبط نمو بقية الحويصلات التي تبدأ بالتقلص تدريجيا ثم تموت بينما تستمر الحويصلة الكبرى في النمو. ومن ثم تبدأ هذه الحويصلة بالتحول إلى ما يسمى جراب أو حويصلة دوغراف Follicle of De Graaft) ) حيث تتكاثر فيه الخلايا المحببة (Granulosa) وتفرز سائلا يدعى السائل الجريبي. ويتم دفع البويضة الاولية إلى أحد جوانب الجراب والذي يتحول بدوره إلى منطقة شفافة (zona pellucid) مغطاة بخلايا محببه تدعى الاكليل الشعاعي (corona radiate). ويبطن الجدار الداخلي لجراب دوغراف أيضا خلايا محببة ولذا يسمى الغشاء المحبب (Membrane Granulosa ) بينما تتطور الخلايا خارج هذا الغشاء المحبب لتشكل طبقة تدعى الغلاف الداخلي ( Theca Interna) وهو الذي يقوم بإفراز الهرمونات الأنثوية. وبعد ذلك تبدأ البويضة الأولية بالانقسامات الاختزالية التي شرحناها آنفا لتنتج الطليعة البويضية والتي تبدأ بالنمو لتتحول إلى بويضة ناضجة ينشق جراب دوغراف عنها من جهة منطقة الاكليل الشعاعي لتخرج من سطح المبيض في اليوم الرابع عشر من بداية الدورة. وتقوم الأهداب المحيطة برأس قناة فالوب بسحب هذه البويضة إلى داخل القناة لتكمل رحلتها خلالها نحو الرحم.
وبعد حدوث عملية الإباضة (ovulation) يتقلص جراب دوغراف وتتحول الخلايا المحببة التي في داخله إلى خلايا أصفرية Luteal cells)) بينما يتحول الغلاف الداخلي إلى خلايا الغلاف الأصفري (Theca Lutein Cells) وبهذا يتحول الجراب إلى ما يسمى الجسم الاصفر (corpus luteum) ليقوم بعملية افراز الهرمونات الأنثوية كهرمون الاوستروجين والبروجسترون. ويتزامن مع عملية الإباضة عملية نمو لبطانة الرحم تحت تأثير هرمون الأستروجين فتزداد في داخلها الأوعية الدموية والخلايا الإفرازية فيزداد سمكها تدريجيا وتبدأ هذه الدورة الرحمية مع بداية الدورة البيضية وتصل إلى أقصى سماكة لها في اليوم الرابع عشر أيضا. وكما ذكرنا سابقا فإن عملية تلقيح البويضة من قبل الحيوانات المنوية يتم في الثلث العلوي من قناة فالوب والذي لا يتجاوز فترة مرور البويضة فيه 24 ساعة. وإذا لم تنجح عملية تلقيح البويضة فإن الجسم الاصفر يبدأ بالضمور ويتحول بعد عشرة أيام أي في اليوم الرابع والعشرين من الدورة إلى ما يسمى بـالجسم الابيض (corpus albicans) وهو عبارة عن ندبة ميتة تظهر على سطح المبيض.
وبتوقف الجسم الأصفر عن إفراز الهرمونات الأنثوية تبدأ الأوعية الدموية المغذية لبطانة الرحم بالتقلص فيقل إمداد خلاياه بالدم فيبدأ بالتساقط والانفصال عن جدار الرحم لتخرج على شكل دم من المهبل وهو ما يسمى بدم الطمث أو الحيض (Mensis) والذي يستمر لمدة أربعة أيام أي أنها تنتهي مع نهاية اليوم الثامن والعشرين منذ بدء الدورة لتبدأ بعدها دورة جديدة. أما إذا حدث التلقيح فإن الجسم الاصفر يستمر في النمو ليبلغ حجمه 3 سم مكعب ويستمر في افراز هرمون البروجستيرون حتى الشهر الثالث من الحمل إلى أن تتكون المشيمة في الرحم والتي تأخذ دور إفراز هذا الهرمون عن الجسم الأصفر. ويعمل هرمون البروجستيرون على الحفاظ على بطانة الرحم لحين يتم تعلق البويضة المخصبة بها وكذلك يعمل على تثبيط عمل الهرمون المحفز للحويصلات حتى لا ينتج المبيض بويضات ناضجة جديدة طوال فترة الحمل وحتى أثناء فترة الرضاعة.
وأما المهبل (vagina) فهو عبارة عن قناة عضلية أسطوانية الشكل ذات طبيعة مطاطية تمتد من فتحة المهبل الخارجية عند الفرج إلى عنق الرحم وهو مبطن بجلد مكون من طيات كثيرة تسمح بتمدده طوليا وكذلك عرضيا بشكل كبير وذلك لكي يتكيف مع وظيفتي الجماع والولادة. ويتراوح طول المهبل في الأنثى البالغة وهو في حالة الارتخاء بين 7 و 8 سم ولكنه عند الإثارة الجنسية يزداد طوله ليصل ما بين 10 و 13 سم وذلك لكي يستوعب طول العضو الذكري وهو في حالة الانتصاب. أما قطر المهبل فيبلغ في المتوسط 3 سم ولكنه قابل لأن يزيد إلى 10 سم في حالة الولادة. ويوجد على الجدار الداخلي للمهبل نهايات عصبية حساسة للمس والضغط والحرارة وهي التي تشعر الأنثي باللذة الجنسية عند دخول العضو الذكري فيه. إن هذا الخاصية المطاطية للمهبل تحقق هدفين أولهما ضمان ملامسة سطحه الداخلي للعضو الذكري عند الجماع وأما ثانيهما فهو ضمان خروج الجنين من خلاله حيث أن يتمدد بشكل كبير ليصل قطره إلى 10 سم. وجدار المهبل وردي اللون مبطن بغشاء مخاطي يقوم بإفراز سوائل مخاطية (vaginal discharge) تعمل على ترطيبه في كل الأوقات وتزداد هذه الإفرازات عند الجماع وذلك لتسهيل حركة العضو الذكري من خلاله. وإفرازات المهبل عالية الحموضة إذ يتراوح الرقم الهيدروجيني لها بين 3 و 4 وهذا ضروري جدا لقتل أنواع مختلفة من الميكروبات والجراثيم التي قد تدخل الرحم أثناء الجماع أو حتى من فتحتي البول والشرج القريبة من فتحة المهبل. وهذه الحموضة الزائدة لإفرازات المهبل قادرة أيضا على قتل الحيوانات المنوية ولذلك لزم أن يكون السائل المنوي الحامل لها قاعدي التفاعل ليعادل حموضة المهبل لفترة قصيرة بعد عملية القذف ليمكن قسم منها من النجاة والدخول إلى الرحم.
وأما الفرج (vulva) فيقع بين العانة (mons pubis) من الأعلى وفتحة الشرج (anus) من السفل ويتكون من عدة مكونات وهي الشفران الكبيران (Labia Majora) وهي ثنيات جلدية محشوة بألياف عضلية ملساء وطبقات شحمية ليفية تحيط بالشق الفرجي من الجانبين على شكل أقواس ذات شكل بيضاوي يبلغ طولها 7 سم وأقصى عرض لها 3 سم وتقوم بحماية ما في داخلها من مكونات الفرج. وفي داخل الشفرين الكبيرين يوجد الشفران الصغيران (Labia Minora) ولهما نفس الشكل والتركيب وبأبعاد تبلغ نصف أبعاد الشفرين الكبيرين ولكنها مغطاة بطبقة مخاطية ويوجد فيها كثير من الغدد. وفي داخل الشفرين الصغيرين يوجد ثلاثة مكونات وهي من الأعلى إلى الأسفل البظر (clitoris) وهو ما يقابل القضيب (penis) عند الذكر ولكن بحجم أصغر بكثير حيث يحتوي على جسمين كهفيين ينصبان البظر عند الإثارة الجنسية بسبب تدفق الدم فيهما ويحتوي رأسه أيضا على نهايات عصبية كثيرة حساسة للمس والضغط والحرارة. ويتدلى فوق البظر غطاء جلدي يسمى قناع البظر (clitoral hood) ويقوم بتغطية البظر في حالة الارتخاء وتقع تحت البظر فتحة البول أو فتحة الإحليل (urethral) والتي هي مخرج البول عند الأنثى وهي منفصلة عن فتحة المهبل بينما يوجد فتحة واحدة كمخرج للبول والمني عند الذكر. أما فتحة المهبل فتقع أسفل فتحة البول في النصف السفلي من الفرج وهو على شكل شق طولي من الأعلى إلى الأسفل. وفتحة المهبل مغلقة عند الأنثى البكر بغشاء رقيق يسمى غشاء البكارة (hymen) ولكن ليس بالكامل حيث يتخلل هذا الغشاء فتحة دقيقة أو أكثر تسمح بخروج دم الطمث أو الحيض. ولغشاء البكارة أشكال كثيرة وذلك تبعا لعدد الفتحات التي فيه وكذلك أشكالها فهناك الشكل الهلالي والغربالي والحلقي والعمودي والجسري وعديم الفتحات وهذا الأخير نادر الحدوث ويلزم إحداث فتحة صناعية فيه تمكن دم الحيض من الخروج من جسم الأنثى. ويحيط بفوهة الفرج عند جانبيه من الناحية العلوية جسمان قابلان للانتفاخ وهما البصلتان الدهليزيتان (vestibular bulbs) يبلغ طول كل منهما 3 سم ومهمتها الضغط على قضيب الذكر عند انتفاخهما أثناء عملية الجماع. ويوجد على جانبي فتحة المهبل أيضا غدد إفرازية تسمى غدد بارثولين (Bartholin’s Glands) ومهمتها إفراز سوائل مخاطية عديمة اللون ذات رائحة خاصة وزلقة وتصب عند فتحة الفرج مما يسهل عملية الجماع.
وأما الرحم (uterus or womb) فهو عضو عضلي مجوف كمثري الشكل له جدار سميك وقوي يقع داخل تجويف الحوض (pelvic cavity) خلف المثانة البولية وأمام المستقيم ويبلغ متوسط طوله 8 سم ومتوسط عرضه عند منتصفه 4 سم بينما تبلغ سماكة جداره 2 سم. وكما هو الحال مع المهبل فإن جدار الرحم ذي طبيعة مطاطية وذلك لكي يستوعب نمو الجنين أثناء الحمل فطوله يمكن أن يصل إلى 30 سم بينما تزداد سعته الداخلية من 5 سم مكعب إلى عدة لترات وذلك عند نهاية الحمل. ويتكون الرحم من جزئين فالجزء الأول هو عنق الرحم (cervix) وهو الجزء السفلي من الرحم وله شكل أنبوبي ذي قطر صغير وترتكز النهاية العليا للمهبل على سطحه الخارجي بشكل محكم لكي لا ينفصلان عن بعضهما اثناء الولادة. وفي العادة تكون قناة عنق الرحم مملوءة بالمخاط الذي تفرزه غدد خاصة في جداره وهذا المخاط غني بمواد هلامية دبقة وبروتينات ومتعددة السكريات وسكر الفركتوز وذلك لتقوم بتغذية الحيوانات المنوية أثناء مرورها من خلاله. ويوجد في عنق الرحم سدادتان أحدهما داخلية والأخرى خارجية (internal and external orifices) تسمحان بمرور الحيوانات المنوية أثناء فترة الإخصاب فقط وتمنعها من المرور فيما عدا ذلك ويتم إغلاقهما بشكل كامل أثناء الحمل. أما الجزء الثاني من الرحم فهو جسم الرحم (corpus) وهو الجزء العلوي من الرحم وله شكل مخروطي تقع قاعدته (fundus) في الأعلى وجداره مكون من ثلاثة طبقات وهي الطبقة الخارجية (peritoneum) وهي طبقة مصلية والطبقة الوسطى (myometrium) وهي طبقة عضلية قوية والطبقة الداخلية وهي طبقة مخاطية وتسمى بطانة الرحم( Endometrium) .
ويمر الغشاء المخاطي لبطانة الرحم خلال الدورة الطمثية بثلاثة أطوار وهي طور التكاثر proliferative phase) ) والذي يبدأ في اليوم الخامس من بداية الدورة ويستمر حتى اليوم الرابع عشر وفيه تبدأ خلايا البطانة بالانقسام والنمو ويتزامن هذا الطور مع نمو جراب دوغراف في المبيض ولذلك تعرف بـالمرحلة الجرابية. أما الطور الثاني فهو الطور الإفرازي أو الطور البروجستيروني ( secretory or progesterone phase) ويمتد من اليوم الخامس عشر حتى اليوم الرابع والعشرين وفيه تكبر أحجام الخلايا مما يؤدي إلى تضاعف ثخانة بطانة الرحم فيصبح سمكها ما بين 4 و5 ملم. أما الطور الثالث فهو طور الطمث أو الحيض وهو يحدث في حال عدم تلقيح البويضة من قبل الحيوانات المنوية وأثنائه يبدأ غشاء بطانة الرحم المنتفخ بالتساقط تدريجيا باستثناء طبقة داخلية رقيقة تنشأ منها بطانة جديدة في الدورة التالية وتخرج البطانة المتساقطة على شكل نزيف دموي وهو دم الطمث أو الحيض. ويقوم الرحم بعدة وظائف فالأولى هي إمداد الجنين بالغذاء والأوكسجين طوال فترة الحمل البالغة تسعة أشهر وذلك من خلال المشيمة التي تتكون على جداره الداخلي أما الثانية فهي المحافظة على الجنين من المؤثرات الخارجية وأما الثالثة فهي استخدام عضلاته لإخراج الجنين من بطن أمه عند الولادة. ويرتبط بسطح الرحم الخارجي عدد من الأربطة المرنة والقوية مثبتة على العظام المحيطة به وهي الرباطان المستعرضان (transverse ligaments) والرباطان العنقيان (cervical ligaments) والرباطان العانيان العنقيان (pubocervical ligaments) والرباطان الرئيسيان (cardinal ligaments) والرباطان الرحميان العجزيان (uterosacral ligaments). وتقوم هذه الأربطة بثبيت الرحم بشكل معلق في منتصف الحوض وتقوم بامتصاص الصدمات عنه خاصة في حالة الحمل ولذا فقد وصفه القرآن الكريم بالقرار المكين كما في قوله تعالى "أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)" المرسلات.
وأما الثديان (breasts) فهما انتفاخان كرويا الشكل بشكل عام ويبرزان من صدر الأنثى على جانبي عظمة القص وتحت عظمة الترقوة ويتراوح حجم الواحد منها بين 150 و 400 سم مكعب وبذلك فإن قطر الثدي يتراوح ما بين 7 و 10 سم. ويبرز من منتصف الثدي بروز صغير أسطواني الشكل يسمى الحلمة (nipple) وجلد الحلمة والمنطقة القريبة المحيطة بها ذات لون داكن وتسمى هذه المنطقة الدائرية المحيطة بالحلمة بالهالة (areola). وتحتوي الحلمة والهالة على نهايات عصبية متصلة بالدماغ تعمل على إفراز هرمونات إدرار الحليب وجريانه عندما يقوم الرضيع بمص ثدي أمه. ويوجد في منطقة الهالة غدد تفرز سائلا زيتا يقوم بتنظيف الحلمة ويعمل على حمايتها من التشققات خاصة في فترة الرضاعة وتسمى هذه الغدد بغدد مونتجمري (Montgomery's glands ). ويبدأ الثديان بالنمو والبروز من صدر الأنثى في مرحلة البلوغ (Puberty period) فيما بين سن العاشرة والحادية عشر وذلك بشكل تدريجي. ويتكون الثدي من عدد من الفصوص (lobes) يحتوي كل فص منها على مجموعة من الفصيصات ((lobules) والتي تحتوي بدورها على عشرات البصيلات أو الحويصلات (alveoli) التي تحتوي على الغدد اللبنية (milk glands) المفرزة للحليب. وتصب البصيلات الحليب الذي تنتجه في أنابيب دقيقة تسمى القنوات اللبنية أو الحليبية (milk ducts) والتي تتحد مع بعضها البعض لتكون عدد من القنوات الرئيسية تنفتح عند رأس حلمة الثدي (breast nipple) ويتراوح عددها بين 15 و 20 قناة. وتحيط بالبصيلات شبكة من الأوعية الدموية التي تقوم بتغذيتها بالدم والذي تقوم بتحويله إلى حليب إلى جانب شبكة من الأوعية اللمفاوية التي تفرز سائلا لمفاويا يضاف إلى الحليب لتزويده بالأجسام المناعية اللازمة للرضيع. ويملأ الفراغ فيما بين الفصوص والفصيصات والقنوات مواد داعمة ودهنية تعطي الثدي شكله المنتفخ والطري. وكذلك يتخلل الثدي مجموعة من العضلات الملساء والتي تعمل عند انقباضها بشكل لاإرادي على خروج الحليب من فتحة الثدي وذلك بعد إثارتها بعملية المص التي يقوم بها الرضيع أثناء الرضاعة.
التزاوج وأنواعه
لقد ذكرنا في مقدمة هذا المقالة أن إنتاج كائن جديد من كائنين أحدهما ذكر والآخر أنثى يتطلب ثلاثة مستويات من التزاوج وهي تزاوج الذكر مع الأنثى يتبعه تزاوج الحيوان المنوي مع البويضة ومن ثم تزاوج الكرموسومات الذكرية مع الأنثوية. فالمستوى الأول هو التزاوج بين الذكر والأنثي ومهمته نقل الحيوانات المنوية التي أنتجها الذكر والتي يحمل كل منها في نواته نصف برنامج التصنيع ووضعها في رحم الأنثى لكي يتزاوج مع البويضة التي أنتجتها الأنثى والتي تحمل في نواتها النصف المكمل لبرنامج تصنيع الكائن الجديد. إن كل ما يحتاجه هذا التزاوج هو إدخال قضيب الذكر في مهبل الأنثى ومن ثم قذف الحيوانات المنوية التي في داخله إلى أقرب ما يكون لرحم الأنثى. وقد يبدو أن عملية التزاوج هذه في غاية البساطة ولكنها في حقيقة الأمر معقدة جدا وتتطلب وجود برامج ضخمة في دماغ كل من الذكر والأنثى تدفع بكل منهما دفعا نحو الآخر ليقوما بمثل هذه العملية. إن مثل هذه البرامج وما تقوم به من إجراءات في جسم الإنسان لكي تتم عملية التزاوج هذه يطلق عليها اسماء كثيرة كالغريزة الجنسية (sexual instinct) والدافع الجنسي (Libido or Sex drive) والشهوة أو الرغبة الجنسية (sex appeal or lust). والغريزة الجنسية هي حاجة كل من الذكر والأنثى بالالتقاء بالآخر وإجراء عملية الجماع والتي تتوج بحدوث ما يسمى بالنشوة الجنسية (Orgasm). ويبدأ التزاوج بين الذكر والأنثي بما يسمى بمرحلة الإثارة الجنسية (Sexual arousal or sexual excitement) والتي تنشأ من مثيرات داخلية في جسم الإنسان كارتفاع مستوى الهرمونات الذكرية والأنثوية أو التفكير بالجنس أو مثيرات خارجية كالنظر إلى جسم الشريك أو ما يقوم به من حركات توحي بحاجته إلى الجنس. إن الإحساس بالنشوة الجنسية هي عملية تجري في مراكز الدماغ وتثار من خلال النهايات العصبية المنتشره في جلد الأعضاء التناسلية لكل من الذكر والأنثى. والإنسان هو الكائن الوحيد من بين ملايين الأنواع من الكائنات الذي يقوم بالتزاوج في الغالب من أجل المتعة أو إشباع الشهوة وليس من أجل التكاثر ولذا فقد زرع الله عز وجل فيه الشهوة الجنسية على مدار العام وليس ضمن فترات زمنية محددة كما هو الحال مع معظم الكائنات الحية.
أما المستوى الثاني من التزاوج فهو بين الحيوان المنوي والبويضة ومهمته نقل النواة الموجودة في رأس الحيوان المنوي إلى داخل البويضة وإجراءات هذا التزاوج أصعب بكثير من إجراءات المستوى الأول من التزاوج. فالإجراء الأول هو تأهيل أجسام الحيوانات المنوية (sperm capacitation) لتكون قادرة على الوصول إلى البويضة والقيام بتلقيحها فالحيوانات المنوية بعد قذفها في المهبل تكون بطيئة الحركة وذلك بسبب التصاق مواد كثيرة من بقايا السائل المنوي على سطحها ولا بد من إزالتها بالاستحمام إلى جانب طلي جسم الحيوان بمواد مختلفة لأغراض أخرى. وتتم عملية التأهيل هذه في داخل السوائل التي يفرزها المهبل وعنق الرحم والتي تحتوي على جميع المواد الكيميائية اللازمة لذلك ويخرج الحيوان المنوي بعد عملية الاستحمام هذه بنشاط مفرط (hyperactiviated) وتستغرق هذه العملية عدة ساعات. أما الإجراء الثاني فهو تحرك الحيوانات المنوية من نهاية مهبل الأنثي باتجاه عنق الرحم فتدخله ثم تواصل مسيرها صعودا خلال الرحم باتجاه إحدى قناتي فالوب التي أفرزت البويضة وتستغرق هذه الرحلة قريبا من الساعة. إن الحيوانات المنوية تتحرك نحو البويضة في ظروف بالغة القساوة فهي تتحرك بعكس اتجاه الجاذبية الأرضية وبعكس اتجاه حركة السوائل التي يفرزها عنق الرحم والمهبل إلى جانب الوسط الحامضي القاتل التي تسبح فيه. إن الذي يدفع الحيوانات المنوية دفعا للسير بعكس اتجاه التيار وبعكس اتجاه الجاذبية رغم صغر حجمها وقلة حيلتها هو وجود نظام للهداية فيها (Sperm guidance system) وهذا النظام يستخدم آليتين فالأولى ما يسمى بالتوجيه الكيميائي (chemotaxis) والذي يعتمد على وجود حساسات كيميائية في رأس الحيوان المنوي تستجيب لمواد كيميائية تفرزها البويضة (chemo-attractants). أما الآلية الثانية فتسمى التوجيه الحراري (Thermotaxis) والذي يعتمد على وجود حساسات حرارية تستجيب لفرق درجة الحرارة والتي تزيد كلما صعد الحيوان المنوي إلى أعلى. وكذلك تساعد انقباضات الرحم وقناتي فالوب الحيوانات المنوية للتحرك إلى الأعلى.
أما الإجراء الثالث فهو ضرورة إلتقاء الحيوان المنوي والبويضة في مكان محدد وفي زمن محدد لتنجح عملية التزاوج بينهما فالمكان هو الثلث الأخير من قناة فالوب القريب من المبيض والزمن هو وقت مرور البويضة في هذا الجزء من القناة. وتستغرق رحلة البويضة في الثلث العلوي من قناة فالوب ما بين 12 و 24 ساعة وهي فترة قصيرة إذا ما علمنا أنها تتكرر مرة واحدة كل شهر مما يعني أن احتمالية تلقيحها متدنية ويتطلب من الذكر والأنثى العمل على توقيت تزاوجهما لزيادة هذه الاحتمالية. أما الحيوانات المنوية فإن عدد قليل منها سيصل إلى نهاية قناة فالوب بعد ما يقرب من أربع ساعات من عملية قذفها في المهبل ويمكنها أن تبقى حية هناك لعدة أيام مما يساعد على زيادة احتمالية تلقيح البويضة. ومن الجدير بالذكر أن متوسط عدد ما يصل من حيوانات منوية إلى نهاية قناة فالوب يبلغ 250 حيوان من بين ما يقرب من 300 مليون حيوان تم قذفها في المهبل في الجماع الواحد. ويعود السبب في ذلك أن معظم الحيوانات المنوية الضعيفة تموت في منطقة المهبل بسبب ارتفاع حموضة إفرازاته أو تنجرف إلى الأسفل وإذا ما تجاوزت البقية عنق الرحم إلى الرحم فإنها تصبح في مأمن حيث أن إفرازات الرحم قاعدية التفاعل وهو الوسط المناسب لعيش هذه الحيوانات.
وأما الإجراء الرابع فهو تعرف الحيوان المنوي بعد وصوله نهاية قناة فالوب على البويضة ثم قيامه بالالتصاق بسطحها وهو ما يسمى الارتباط ما بين الجدار الشفاف للبويضة والحيوان المنوي (sperm- zona pellucid binding) ويتم ذلك من خلال وجود مستقبلات بروتينية على سطح البويضة (zona pellucida protein) يقوم رأس الحيوان المنوي بالارتباط بها. أما الإجراء الخامس فهو قيام الحيوان المنوي باختراق الجدار الشفاف السميك للبويضة (zona pellucid) ويتم ذلك من خلال الإنزيم الهاضم لجدار البويضة (zona-digesting enzymes) المخزن في الجسم القمي (acrosome) الموجود في رأس الحيوان المنوي. ويساعد المستقبل البروتيني الموجود على سطح جدار البويضة في عملية الاختراق هذه حيث يقوم بهضم جدار الجسم القمي لكي يخرج منه الإنزيم الهاضم وبهذه العمليات المتبادلة من الهضم يتمكن الحيوان المنوي من اختراق جدار البويضة ولكنه يصل إلى الداخل مجردا من ذيله وكذلك مقدمة رأسه وذلك لكي تتمكن نواة الحيوان المنوي من الخروج منه والاندماج مع نواة البويضة. وبدخول الحيوان المنوي إلى داخل البويضة تبدأ عملية ارتباط جديدة بين الحيوان المنوي والغشاء البلازمي للبويضة بما يسمى الارتباط البويضي المنوي (sperm-oocyte binding) والذي يتم أيضا من خلال وجود مستقبلات بروتينية على سطحيهما. أما الإجراء السادس فهو تنشيط البويضة (egg activation) بمجرد دخول أحد الحيوانات المنوية فيها لتقوم بسلسلة من التفاعلات الكيميائية تبدأ بما يسمى التفاعل القشري (cortical reaction) والذي يقوم بإفراز مجموعة من الأنزيمات التي تصل إلى الجدار الخارجي الشفاف للبويضة فتحدث فيه سلسلة من التفاعلات الكيميائية تسمى تفاعلات الجدار الشفاف (zona reaction). وفي هذا التفاعل يتصلب الجدار الشفاف وتتعطل المستقبلات البروتينة الجاذبة للحيوانات المنوية مما يحول دون دخول أي حيوان منوي جديد وذلك لضمان دخول حيوان منوي واحد في البويضة حيث أن دخول أكثر من حيوان منوي (polyspermy) يفسد عملية التلقيح (fertilization) ولا يحدث الحمل.
وبعد نجاح أحد الحيوانات المنوية في الدخول إلى البويضة تبدأ أحداث المستوى الثالث من التزاوج وهو بين الكرموسومات الموجودة في الحيوان المنوي مع تلك الموجودة في البويضة وهي كروموسومات أحادية الصبغة (haploid) لتنتج خلية بعدد كامل من الكرموسومات أو ثنائية الصبغة (diploid) والتي منها يبدأ تصنيع الجنين. إن أول إجراء في هذه المرحلة هو تحرير الكرموسومات من نواة خلية الحيوان المنوي وتدمير بقية مكونات هذه الخلية لكي تتعارض مع عمل مكونات خلية البويضة ومن ثم جمع مجموعتي الكرموسومات في نواة واحدة. إن أكبر ما حير العلماء هو الكيفية التي تتمكن بها الكروموسومات الذكرية من التعرف على نظائرها من الكروموسومات الأنثوية والاتحاد بها وهي أشرطة ليست كالكائن الذكري والأنثوي التي تتزاوج بدافع الشهوة التي زرعت فيها وليست كذلك كالخلية الذكرية والأنثوية التي تتحد بواسطة المواد الكيميائية التي تفرزها. وللقارئ أن يتخيل منظر ثلاثة وعشرين كروموسوما ذكريا ومثلها أنثويا تم جمعها في خلية بشرية ويبدأ كل منها بالبحث عن نظيره لكي يتحد معه لينتجا برنامج تصنيع الكائن الجديد. وقد وجد العلماء أن عملية تعرف الكرموسومات على بعضها البعض تتم من خلال وجود شيفرات وراثية محددة (DNA sequences) موجودة على أجسامها وعندما تتطابق هذه الشيفرات تبدأ عملية الالتحام بين الكرموسومات الفردية لتكون 23 زوجا من الكرموسومات الزوجية. وتوجد شيفرات التطابق في منطقة السنترومير (Centromere) الموجودة في منتصف الكرموسوم تقريبا والتي عندها يتم ارتباط زوجي الكرموسومات ببعضهما البعض. وتتحد الكروموسومات الجسدية (somatic) البالغ عددها 22 كروموسوم في كل من الحيوان المنوي والبويضة كل مع نظيرة وهذه الكرموسومات مسؤولة عن تصنيع جميع أجهزة الجسم باستثناء الجهاز التناسلي. وتتحد الكرموسومات الجسدية بطريقة بحيث لا تسمح لبرنامج تصنيع الكائن بأن يأخذ كامل تعليمات التصنيع من الكروموسومات الذكرية فقط أو من الكروموسومات الأنثوية فقط بل عليه أن يأخذ التعليمات بحيث يكون بعض مواصفات أجزاء الكائن الجديد مأخوذة من ابيه وبعضها من أمه. أما الكرموسوم الجنسي المزدوج (sex) فهو من النوع (XX) إذا كان الحيوان المنوي الذي لقح البويضة يحمل كرومسوم (X) الأنثوي ويكون جنس الجنين أنثى. أما إذا كان الحيوان المنوي يحمل كرموسوم (Y) الذكري فإن الكرموسوم المزدوج سيكون من النوع (XY) أي أن جنس الجنين سيكون ذكرا مما يعني أن الحيوان المنوي هو الذي يحدد جنس الجنين وليس البويضة حيث أنها تحمل دائما كرومسوم (X) الأنثوي.
الحمل
الحمل (Pregnancy) هو المرحلة التي يتم خلالها تلقيح البويضة من قبل الحيوان المنوي (Fertilization) ومن ثم يتم تحول البويضة الملقحة (fertilized egg or zygote) إلى جنين كامل وذلك في داخل رحم الأنثى في مدة تبلغ 266 يوما أو ما يعادل تسعة أاشهر قمرية وذلك في المتوسط. وفي خلال فترة الحمل تقوم البويضة المخصبة وما ينتج عنها من خلايا بالانقسام المتكرر والمحكوم بأوامر تصدر من البرامج المخزنة على الأشرطة الوراثية الموجودة فيها بحيث يتم تصنيع جميع أجهزة الجسم المختلفة وتكون جاهزة للعمل بشكل كامل مع انتهاء فترة الحمل وخروج الجنين سالما من رحم أمه. وما على القارئ حتى يعرف مدى التعقيد في عملية التصنيع هذه إلا أن يتذكر تركيب مختلف أجهزة الجسم التي شرحناها في الأبواب السابقة وكيف أن كل منها سيتم تصنيعه من خلية واحدة فقط وهي الخلايا الجذعية التي نتجت من انقسام البويضة الملقحة. ويبدأ الحمل (conception) في منتصف الدورة الشهرية (menstrual periods) وذلك عندما يقوم المبيض بعملية الإباضة (ovulation) حيث تخرج من سطحه بويضة ناضجة تدخل في قناة فالوب متجهة نحو الرحم. وقد تم تقسيم الحمل إلى ثلاث مراحل رئيسية وهي مرحلة النطفة الأمشاج (zygote period) ومرحلة المضغة (embryonic period) والمرحلة الجنينية (fetal period).
ولقد أشار القرآن الكريم إلى كثير من الحقائق العلمية المتعلقة بالحمل ومراحله أولها أن جسم الطفل المكون من بلايين الخلايا يبدأ تصنيعه من خلية واحدة فقط وذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) " النجم. وأشار إلى أن عملية تحول النطفة إلى إنسان كامل تمر في مراحل كثيرة وذلك في قوله سبحانه "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)" الزمر. والظلمات الثلاث التي ذكرت في هذه الآية هي ظلمة جدار البطن وظلمة جدار الرحم ومن ثم ظلمة جدار الكيس الأمنيوني وسواء أكان البشر يعرفون هذه الحقائق في عصر نزول القرآن أم لا فإن مجرد لفت أنظار البشر للتفكر في هذه المعجزة كافية للتدليل على أن الذي أنزل هذا القرآن عليم خبير. ثم أعطى القرآن الكريم أسماء لكثير من المراحل الرئيسية التي تمر بها عملية خلق الإنسان فأعطى اسم النطفة الأمشاج للبويضة الملقحة والناتجة من اتحاد كرموسومات البويضة مع تلك التي في الحيوان المنوي وذلك في قوله تعالى "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)" الإنسان. وأعطى أيضا اسمي العلقة والمضغة للمراحل الأولى من عمر الجنين وهي من أخطر المراحل حيث أن نجاح الحمل يتوقف عليها وفيها يتم تعلق البويضة الملقحة بجدار الرحم وتمتص غذائها منه إلى أن تتكون المشيمة والحبل السري في مرحلة المضغة وذلك في قوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)" المؤمنون.
فمرحلة النطفة الأمشاج (zygote or Germinal period) تمتد من لحظة الإخصاب إلى أن تنغرس النطفة في بطانة الرحم أي إلى نهاية الأسبوع الثاني وفيها تقوم البويضة المخصبة خلال سيرها في قناة فالوب بعدد من الانقسامات لتنتج ما متوسط مجموعه 36 خلية من الخلايا المتشابه تظهر على شكل كتلة كروية تسمى التوتة (morula) لها نفس حجم البويضة الأصلية وتتغذى خلالها هذه الفترة على ما في مح البويضة الأصلية من مواد غذائية. ومن ثم يقوم قسم من هذه الخلايا بالاصطفاف لتكوين جدار بسمك خليتين يسمى الأريمة الغاذية (trophoblast) بحيث تصبح التوتة على شكل يشبه الكرة المفرغة وتحتوي على سائل يتخلله كتلة صغيرة من الخلايا الجذعية (embryonic stem cells) ويسمى الناتج بالكيس الأريمي (blastocyst). وفي نهاية الأسبوع الأول تكون الأريمة قد نزلت من قناة فالوب إلى الرحم والذي قد أعد مسبقا لاستقبال هذه الأريمة وتبدأ بالتخلص من الجدار الشفاف الذي كان يحيط بالبويضة بما يشبه عملية التفقيس ولذا تسمى الأريمة المفقسة (hatched blastocyst) ومن ثم تبدأ بمحاولات الدخول في ثنايا طيات بطانة الرحم في الثلث العلوي منه وهو غني بالغدد والأوعية الدموية.
وإذا ما تمكنت الأريمة من التعلق أو الانغراس (implantation) بهذا البطانة ضمن فترة زمنية محددة فإنها تكون قد نجت من الموت جوعا وتبدأ باستمداد غذائها من البطانة من خلال الانتشار وهذه هي بداية الحمل الفعلي وقد أطلق القرآن الكريم على هذه الأريمة المتعلقة بالبطانة اسم العلقة لأنها تعلقت بجدار الرحم. وفي هذه المرحلة يتوالى انقسام الخلايا والتي تبدأ بالتخصص فتقوم الأريمة الغاذية (trophoblast) بتصنيع المشيمة (placenta) والحبل السري (umbilical cord) والتي ستمد الجنين بما يحتاجه من غذاء طوال فترة الحمل فيما بعد وكذلك تصنيع الأغشية المغلفة للجنين (extra-embryonic membranes) والذي يسمى الكيس الأمنيوني (amniotic sac) وما فيه من السائل الأمنيوني (amniotic fluid). أما الخلايا الجذعية الموجودة في داخل الكيس الأريمي فستقوم بتصنيع الجنين (embryo) نفسه. ويتكون الكيس الأمنيوني (amniotic sac) من غشائين شفافين رقيقين ومتينين يعمل بما فيه من سائل على حماية الجنين من الصدمات التي قد يتعرض لها جسم الأم إلى جانب وظائف أخرى. وفي نهاية هذه المرحلة تتشكل العلقة لتصبح على شكل قرص مفلطح مستطيل مكون من طبقتين من الخلايا (bilaminar (two-layered) disc) يظهر في منتصفها ثلم بدائي (primitive streak) ينصفه إلي نصفين متماثلين ويسمى خط التماثل.
والمشيمة (placenta) قرص لحمي مستدير مثبت على جدار الرحم الداخلي عند الجهة الظهرية ويصل متوسط قطرها في نهاية الحمل إلى 22 سم بينما يبلغ متوسط سمكها عند المنتصف 2 سم وعند الأطراف نصف سنتيمتر أما متوسط وزنها فيبلغ 500 غرام. ومن خلال المشيمة يتم تزويد الجنين بالغذاء والأكسجين من دم الأم ونقل مخلفات الأيض وثاني أكسيد الكربون من جسمه إلى دم الأم أيضا. ويتم ذلك من خلال شريانين إثنيين ووريد واحد موجودان في الحبل السري (umbilical cord) الذي يرتبط أحد أطرافه بالمشيمة عند منتصفها بينما يرتبط الطرف الآخر بجسم الجنين عند منطقة السرة في منتصف البطن ويبلغ طوله عند نهاية الحمل ما يقرب من 60 سم وقطره 2 سم. وتقوم المشيمة بوظائف أخرى بالغة الأهمية منها منع الجهاز المناعي للأم من رفض الجنين والمشيمة باعتبارهما أجساما غريبة عنها وذلك من خلال إفراز أنواع معينة من المركبات كالنيركاينين (Neurokinin ). وتعمل كذلك على تحويل نوع الدم حيث أن نوع دم الجنين قد يختاف في الأغلب عن نوع دم أمه. وتعمل المشيمة أيضا كمخزن للدم النقي المزود بالغذاء لتزويد الجنين به إذا ما حصل تذبذب في كميات الغذاء في دم الأم. وتقوم المشيمة كذلك بإفراز عدد من الهرمونات الأنثوية كهرمون (Human Chorionic Gonadotropin (hCG)) الذي يعمل على الحفاظ على بطانة الرحم من الانفصال عن جداره وهرمون (Human Placental Lactogen (hPL) الذي يعمل على إدرار الحليب من ثدي الأم عند اقتراب موعد الولادة وكذلك تسريع النمو وهرمون (Progesterone) الذي يعمل على الحفاظ على بطانة الرحم طوال فترة الحمل.
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة المضغة (embryonic period) وتمتد من بداية الاسبوع الثالث الى نهاية الاسبوع الثامن وفيها تبدأ عملية التمضغ (Gastrulation) حيث يتحول القرص إلى قرص بثلاثة طبقات من الخلايا (trilaminar (three-layered) disc) تمثل الطبقات الجرثومية الثلاث وهي الطبقة الداخلية (endoderm) والتي ينشأ منها الأعضاء الداخلية كالجهاز الهضمي والتنفسي والدوري والبولي والتناسلي والطبقة الخارجية (ectoderm) والتي ينشأ منها الجلد والجهاز االعصبي والطبقة الوسطى (mesoderm) والتي ينشأ منها العظام والعضلات. ففي الأسبوع الثالث يظهر الحبل الظهري (notochord) في منتصف القرص كبداية للعمود الفقري ثم يظهر ثلم فوق هذا الحبل بسمى الثلم العصبي (neural groove) كبداية للحبل الشوكي (spinal chord) مع وجود انتفاخ في أحد أطرافه لتكون بداية تكون الرأس وما فيه من نواة عصبية ثم تظهر سلسلة من الانتفاخات على جانبي الحبل تمثل الفقرات وتسمى (somite or primitive segment) ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 4 ملليمتر. وفي الأسبوع الرابع يبدأ القلب بالتكون كانتفاخ في الجزء العلوي من المضغة وتبرز براعم اليدين وتظهر فتحتي الأذنين كنقطتين على جانبي الرأس ويظهر العصعص كالذنب وتظهر آثار لمعظم مكونات الجسم الداخلية ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 9 ملليمتر. وفي الأسبوع الخامس يبدأ الدماغ بالتكون وتظهر فتحات العيون والأنف والفم كنقاط على السطح وتبدأ الأرجل بالتبرعم وتبدأ الأوعية الدموية البدائية بالظهور مع سريان ما يشبه الدم فيها ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 13 ملليمتر. وفي الأسبوع السادس تبدأ الرئتان بالتشكل وتصبح الأيدي والأرجل البدائية ظاهرة وتبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية والنظام الليمفاوي بالتكون ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 18 ملليمتر. وفي الأسبوع السابع والثامن من مرحلة المضغة تكون معظم أجهزة الجسم قد بدأت بالتكون بشكل بدائي وتبدأ فيه بصيلات الشعر بالتكون وفيه يبدأ القلب بالنبض وينمو الرأس بشكل أسرع من بقية الجسم ليصبح حجمه نصف حجم الجسم وتبدأ عظام الجمجمة بالتصلب (ossification) ومع نهاية الأسبوع الثامن يكون طول المضغة 3 سم ووزنها 5 غرامات.
أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة الجنينية (fetal period) وتمتد من بداية الاسبوع التاسع الى نهاية الاسبوع الثامن والثلاثين أو من بداية الشهر الثالث إلى نهاية الشهر التاسع أي نهاية الحمل. ففي الشهر الثالث يبدأ الجسم بالنمو بشكل متسارع ويقل حجم الرأس بالنسبة لبقية الجسم ليظهر الجنين بشكله الآدمي وتبدأ قاعدة الأظافر بالتشكل وتنمو أعضاء الجسم الحيوية كالجهاز الدوري والجهاز البولي والكبد بشكل أسرع من غيرها وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 6 سم ووزنه 15 غم. وفي الشهر الرابع تكون المشيمة قد تطورت تماما وتكون معظم أجهزة الجسم قد اكتمل تطورها وتظهر الأصابع بوضوح وتتكون فروة الرأس وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 18 سم ووزنه 120 غرام. وخلال الشهر الخامس يبدأ شعر الزغب بالنمو على جميع أنحاء جسمه ويظهر شعر الرأس والحواجب والرموش بلون أبيض ويمكن سماع دقات قلبه وتبدأ عملية تجدد الخلايا أو ما يسمى بالأيض الجنيني وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 25 سم ووزنه 300 غرام. وفي الشهر السادس يكون جلد الجنين رقيقا وناعما وتبدأ الجفون بالانفصال وتظهر بصمات أصابعه وفي نهاية الشهر يبلغ وزنه 32 سم ووزنه 750 غرام. وفي الشهر السابع يبدأ الدماغ بالتحكم بالأعضاء ويتكون الشحم تحت الجلد ويكون الجلد متغضنا وشفافا ووردي اللون وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 37 سم ووزنه 1000 غرام ويمكن للجنين أن يعيش إذا ما ولد ولكن تحت العناية المركزة بسبب عدم اكتمال نمو الرئتين تماما. وفي الشهر الثامن تبدأ أدمة الجلد بالتطور وتختفي تجاعيده ويتسارع تطور الدماغ بحيث يمكن للجنين أن يسمع ويرى وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 40 سم وزنه 1800 غرام. وفي الشهر التاسع يكتمل تطور الرئتين وينمو الشعر بشكل أسرع وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 50 سم ووزنه 3 كيلوغرام وهو جاهز للولادة وصدق الله العظيم القائل واصفا هذه الرحلة العجيبة "هَوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)" غافر.
الولادة
الولادة (Delivery or childbirth) هي العملية التي يتم خلالها خروج الجنين المكتمل النمو من رحم أمه بعد عيشه فيه لمدة تسعة أشهر قمرية تقريبا. وتتعرض الأم لألام شديدة أثناء عملية الولادة إلى جانب العناء الشديد الذي تعرضت له أثناء فترة الحمل ولذلك وصى الله عز وجل الإنسان بأن يرد هذا الجميل لوالديه وخاصة أمه وذلك في قوله تعالى "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا " الأحقاف 15. إن الولادة عملية لاإرادية تتم بالكامل تحت سيطرة الهرمونات التي تفرزها غدد الجسم والإشارات العصبية التي يرسل بها الدماغ إلى عضلات الرحم والبطن وبقية عضلات الجهاز التناسلي للأنثى. وتمر عملية الولادة الطبيعية بثلاثة مراحل رئيسية فالمرحلة الأولى للولادة ( (First stage of labor وهي مرحلة الطلق أو المخاض (labor) وهي المرحلة التي يتم فيها تحريك الجنين ليتخذ الوضعية المناسبة للخروج من الرحم ويتم فيها كذلك توسيع فتحة عنق الرحم وتدريب عضلات الرحم على القيام بمهمتها من خلال الانقباض والانبساط المتكرر وبشكل منتظم. فالوضعية التي يتخذها الجنين في الرحم عند الولادة (Fetal presentations during labor) هي التي تحدد مدى سهولة أو صعوبة الولادة إلى جانب حجم جسم الجنين. ففي هذه المرحلة تزداد حركة الجنين بشكل واضح حيث يبدأ ببسط ذراعيه وساقيه ويقوم بتدوير جسمه وذلك لكي يأخذ الوضعية المناسبة استعدادا للولادة.
ويوجد ثلاثة أوضاع رئيسية لوضعية الجنين عند الولادة أولها وضعية المجيء بالرأس (Cephalic presentation) وهي الوضعية الطبيعية والأكثر شيوعا حيث تبلغ نسبة حدوثه 97% من الولادات وفيها يكون رأس الجنين في الأسفل ليكون أول أجزاء الجسم خروجا. أما الوضعية الثانية فهي وضعية المجيء بالمقعدة (Breech presentation) وهي وضعية غير طبيعية ونسبة حدوثها 2% وفيها يكون الجنين معكوسا حيث يكون رأسه في الأعلى وأرجله أو مقعدته في الأسفل ولذا تخرج الأرجل أولا أو المقعدة أولا إذا كانت الأرجل مثنية على البطن. أما الوضعية الثالثة فهي الوضعية المستعرضة (Transverse lie) وهي أصعب الوضعيات ونسبة حدوثها أقل من 1% وفيها يكون الجنين في وضع أفقي داخل الرحم ومن الصعب ولادة الطفل بهذه الوضعية وإذا لم تتغير وضعية الجنين أثناء الولادة فيلزم إجراء ولادة قيصرية.
وتبدأ مرحلة الطلق بانقباضات متكررة لعضلات الرحم ومن ثم يبدأ عنق الرحم بالاتساع بشكل تدريجي بعد أن كان مغلقا طوال فترة الحمل إلى أن يصل قطره إلى 10 سم وهو أقصى قطر له. وتستغرق هذه المرحلة ما بين 12 و 16 ساعة في الولادة الأولى وما بين 6 و 8 ساعات في الولادات التالية. وتمر هذه المرحلة بثلاثة أطوار وهي الطور المبكر للولادة (Early labor phase) وفيه يبدأ عنق الرحم بالانفتاح والاتساع حتى يصل قطره إلى 3 سم وتكون انقباضات الرحم خلالها معتدلة القوة وغير منتظمة وتستمر من 30 إلى 60 ثانية وتتكرر كل 5 إلى 20 دقيقة. والطور الثاني هو الطور النشط للولادة (Active labor phase) وفيه يزداد اتساع عنق الرحم ليزيد من 3 سم إلى 7 سم وتزداد فيها انقباضات الرحم قوة وتستمر لمدة أطول لتصل إلى 45 – 60 ثانية وتتكرر كل 2 -4 دقائق. أما الطور الثالث فهو الطور الانتقالي للولادة (Transition labor phase) وفيه يزداد اتساع عنق الرحم من 7 سم إلى 10 سم وتزداد انقباضات الرحم في القوة و التكرار وتستمر لتصل إلى 90 ثانية وتتكرر كل 30 ثانية إلى دقيقتين. ومن الممكن خلال هذه المرحلة أن يتمزق الكيس الأمنيوني وينسكب السائل الأمنيوني ليخرج من المهبل قبل حدوث الولادة وإذا لم يحصل ذلك فإنه سينفجر أثناء مرحلة الولادة الفعلية.
أما المرحلة الثانية للولادة ( (Second stage of labor فهي التي تتم خلالها عملية الولادة وتستغرق هذه المرحلة من 45 دقيقة إلى ساعتان في الولادة الأولى ومن 20 إلى 45 دقيقة في الولادات التالية. وفي هذه المرحلة تتراوح مدة انقباضات الرحم ما بين 45 و 90 ثانية تليها فترة راحة تتراوح مدتها ما بين 3 و 5 دقائق. ولا تعتمد الأنثى فقط على عضلات الرحم لدفع الجنين خارجه بل تستعين بعضلات البطن وعليها أن تقوم بقبض عضلات بطنها بالتزامن مع انقباض عضلات الرحم التي تعمل بطريقة لاإرادية وبذلك تزداد قوة الدفع. وبمجرد أن يصبح عنق الرحم مفتوح كليا يبدأ رأس الطفل بالخروج منه إلى المهبل والذي يتمدد جداره بشكل كبير ليتسع لرأس الجنين ثم يخرج الرأس من فتحة المهبل إلى العالم الخارجي. ويتبع خروج الرأس من فتحة المهبل خروج أحد الكتفين أولا يليه خروج الكتف الثاني ثم ينزلق الطفل بكل سهولة خارج المهبل إلى العالم الخارجي.
وأما المرحلة الثالثة للولادة (Third stage of labor) أو ما تسمى مرحلة ما بعد الولادة (After birth) فتبدأ من بعد ولادة الطفل حتى نزول المشيمة والغشاء المحيط بها وهي أقصر المراحل حيث تستغرق ما بين 5 و 30 دقيقة. وفي هذه المرحلة يستمر عضلات الرحم بالانقباض المتكرر ولكن بدون ألم وذلك لكي يتم فصل المشيمة عن جدار الرحم ودفعها إلى الخارج وتستغرق هذه العملية ما بين عدة دقائق إلى نصف ساعة. وأثناء هذا الفترة يتم ربط الحبل السري ثم قطعه فيما بعد مكان الربط وذلك لوقف نزف الدم من جسم المولود ولكن من لطف الله عز وجل بالمولود أن الشرايين والأوردة الموجودة في الحبل السري تنغلق من تلقاء نفسها في مدة تتراوح بين 5 دقائق 20 دقيقة وذلك بسبب تجمد الهلام المحيط بهذه الأوعية والمسمى بهلام وارتون (Wharton's jelly). وبقطع الحبل السري فإن إمداد الأوكسجين من جسم الأم سيتوقف وعلى الرئتين البدء بالتنفس فورا وإلا مات المولود ولذا يجب تنظيف أنف وفم المولود من الإفرازات بشكل سريع ليتمكن من التنفس بسهولة. ومن ثم يتم تنظيف جسم الطفل من السوائل والإفرازات العالقة به وتغطية جسمه لحمايته من تقلبات درجة حرارة الجو حيث أن نظام ضبط درجة حرارة جسمه يحتاج لبعض الوقت حتى يعمل.
الرضاعة
الرضاعة (Breastfeeding or nursing) هي تغذية المولود (newborn) أو الرضيع (Infant) بالحليب الذي تدره ثديا المرضع (Breasts) سواء كانت أمه أو غير أمه وذلك من خلال مصه (Sucking) لهذا الحليب بفمه مباشرة وبطريقة غريزية (Sucking reflex) والتي لا يحتاج فيها الرضيع لأن يتدرب عليها. إن إدرار الحليب (Lactation) من ثدي الأم يتم بعد الولادة مباشرة من خلال هرمونات الإدرار التي تنتجها الغدة النخامية وهي هرمون البرولاكتين (prolactin) وهرمون الأوكسيتوسين (oxytocin) وذلك عندما يقوم الرضيع بمص حلمات الثديين (nipples) المزودة بنهايات عصبية تحفز الهيبوثالموس أولا على إفراز هرمون خاص يحفز الغدة النخامية على إفراز هذه الهرمونات التي تحفز بدورها الغدد الحليبة (mammary glands) على إفراز الحليب. ويبدأ إعداد ثدي الأم لأغراض الرضاعة بعد الأسبوع الخامس والعشرين من الحمل حيث تقوم هرمونات البروجستيرون والأوستيرجون ( Progesterone and Oestrogen) على توسعة القنوات اللبنية (milk ducts) ولكنها تمنع في نفس الوقت إفراز الحليب. وأما بعد الولادة فإن مستوى هذه الهرمونات ينخفض متيحة المجال لإدرار الحليب من الثديين تحت سيطرة هرمونات الإدرار. إن عملية خروج الحليب من الثدي لا تعتمد فقط على قوة المص التي يقوم بها فم الرضيع بل قدر الله عز وجل وجود ما يسمى بالمنعكس القاذف للحليب (milk ejection or let-down reflex) والذي يتم فيه تقلص العضلات الملساء الموجودة بالثدي والمحيطة بالحويصلات بمجرد أن يقوم الرضيع بالتقام ثدي أمه أو حتى عند سماع صوت بكائه وذلك بتحفيز من هرمون الأوكسيتوسين.
ويكون الحليب في الأيام الأولى من الرضاعة سميك القوام لونه مائل للصفار وفيه نسبة كبيرة من الأجسام المضادة التي ترفع من مناعة جسم المولود وكذلك يعمل كمسهل يقوم بتنظيف مجرى الجهاز الهضمي من بقايا السائل الأمينوني ويسمى هذا الحليب باللبأ (colostrum). إن كمية الحليب التي ينتجها الثديان تعتمد على عمر الرضيع وكذلك ووزنه وهي تنتج ما يكفي لإشباعه بدون زيادة أو نقصان وتتراوح كمية الحليب المنتجة من الثديين معا خلال اليوم الواحد ما بين 400 ملليلتر عند الولادة و 1200 ملليلتر عند الفطام. ويحصل الرضيع على على هذه الكمية من الحليب من خلال عدد من الجلسات أو الرضعات تتراوح ما بين 8 و 12 رضعه على مدى 24 ساعة ويتراوح طول الجلسة ما بين 20 و 40 دقيقة. ويتم فطام الطفل (Weaning) عن الرضاعة من ثدي أمه بعد فترة من الزمن تتفاوت مدتها بين الشعوب فأقل مدة هي ستة أشهر بينما تصل أقصى مدة إلى خمس سنوات. وقد حدد القرآن الكريم أطول مدة للرضاعة بسنتين كاملتين وذلك في قوله تعالى "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)" لقمان وقوله تعالى "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" البقرة.
إن للرضاعة الطبيعية فوائد لا تحصى للطفل وكذلك لأمه تمكن العلماء من كشف كثير منها في هذا العصر. فالفوائد للطفل هي أولا أن الحليب الذي ترضعه الأم لطفلها يحتوي على جميع العناصر الغذائية اللازمة لنمو الطفل ولا يحتاج لأي طعام آخر ليكمله. وهو حليب متوازن التركيب حددت فيه نسب البروتينات والسكريات والدهون والأملاح والفيتامينات وحتى الماء بشكل بالغ التقدير بحيث تغطي احتياجات جسم الطفل بالقدر الذي يحتاجه وعلى حساب جسم الأم في الغالب إذا كان طعامها غير متوازن. أما الفائدة الثانية فهي أنه يحتوي على الأجسام المضادة والبروتينات المناعية اللازمة لصد الأمراض عن جسم الطفل إلى حين يتمكن من إنتاجها في داخل جسمه بشكل تدريجي. أما الفائدة الثالثة فهي أن حليب الأم يحتوي على أنزيمات مختلفة تعمل على إنماء أنواع مفيدة من البكتيريا التي تستوطن الأمعاء والتي تقوم بوقاية الطفل من أمراض الجهاز الهضمي بما فيها الإسهال والإمساك وتكون الغازات. أما الفائدة الرابعة فهي أنه يحتوي على مركب الأنتروفيرون والذي يقوم بمقاومة الفيروسات ومواد مضادة للسموم. أما الفائدة الخامسة فهي أنه لا يسبب أي حساسية للطفل ويحميه من مجموعة كبيرة وخطيرة من الأمراض كموت المهد الفجائي والكساح واالبول السكري الذي يصيب الأطفال (النوع الأول) وبعض أنواع السرطان والسمنة ويخفف كذلك من وطأة أمراض وراثية كثيرة مثل التليف الكيسي ومرض نقص الزنك الوراثي.
أما الفائدة السادسة فهي أن الفضلات التي تخرج من الجهاز الهضمي والبولي للمولود الذي يرضع من أمه قليلة جدا ولا تخرج منها رائحة كريهة كما هو الحال مع الحليب غير البشري. وأما الفائدة السابعة فهي أن الحليب معقم ومستساغ الطعم ودرجة حرارته تساوي درجة حرارة جسمه فلا هو بالبارد ولا هو بالحار. وأما الفائدة الثامنه فهي الفوائد نفسية حيث أن المولود يشعر بالحنان والاستقرار النفسي وهو بالقرب من جسم أمه ولذا يكون أقل عرضة للاضطرابات النفسية والسلوكية عندما يكبر. وأما الفائدة التاسعة فهي أنه أقل عرضة للتشوهات التي قد تصيب اللثة والأسنان والفكين والفم حيث أن حجم وشكل وصلابة حلمة ثديي الأم مصممة بتقدير بالغ وذلك على عكس الحلمات الصناعية.
أما الفوائد بالنسبة للأم فهي أولا أن الرضاعة تساعدها على التخلص بشكل أسرع من آثار الحمل والولادة على جسمها كتخلصها من الوزن الزائد وخاصة الدهون التي خزنت في جسم الأم لأغراض الرضاعة وكذلك عودة الرحم لوضعه الطبيعي. أما الفائدة الثانية فهي أن الرضاعة تعمل كمانع للحمل حيث أنها تحفز إفراز الهرمونات التي تمنع المبيض من إنتاج بويضات جديدة. أما الفائدة الثالثة فهي أنها تقلل بشكل كبير احتمالية إصابة المرضع بسرطانات الثدي والرحم والمبيض وكذلك الجلطات والنزيف. أما الفائدة الرابعة فهي مادية حيث توفر الرضاعة الطبيعية على الأم الوقت والجهد في إعداد الحليب الصناعي وكذلك توفر عليها المال اللازم لشراء هذا الحليب واللازم لمعالجة الأمراض الناشئة عن الرضاعة غير الطبيعية التي ذكرناها آنفا.
وأخيرا إن من يتابع رحلة الحيوانات المنوية وهي تخرج من خصية الرجل ورحلة البويضة وهي تخرج من مبيض المرأة حتى يلتقيا في مكان محدد وزمن محدد في رحم المرآة ثم يتابع رحلة البويضة الملقحة حتى تتحول إلى إنسان كامل ثم لا يوقن بأن هذا الحدث معجزة كبرى من معجزات الخالق فالنار أولى به وصدق الله العظيم القائل "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) " الحج.