ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لم يكتفي القرءان الكريم بتحديد المراحل الرئيسية التي تمر بها عملية تصنيع الإنسان ابتداءا من البويضة الأنثوية الملقحة من قبل الحيوان المنوي الذكري أو ما يسمى بالنطفة بل ذكر حقيقة طبية بالغة الأهمية عن مرحلة المضغة لم يتمكن علماء البشر من كشف أسرارها إلا في هذا العصر. فقد تبين لعلماء الطب أن مرحلة المضغة هي أخطر مرحلة من مراحل الحمل ففيها يتم البدء بعملية تخليق جميع أجهزة وأعضاء الجسم من الخلايا الجذعية الخاصة لكل منها. وإذا ما حصلت أخطاء تخليقية جذرية خلال عملية التخليق فإن المضغة غير المخلقة تقوم من خلال آليات معقدة أودعها الله عز وجل فيها بإجهاض أو طرح نفسها (miscarriage) بشكل طبيعي وذلك لتقليل نسبة المواليد المشوهة جسديا. ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة العجيبة في قوله سبحانه "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)" الأنبياء. إن تعقيب الخالق سبحانه وتعالى بجملة (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ)) على المضغة المخلقة وغير المخلقة (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) تؤكد على وجود أسرار كثيرة وعجيبة في هذه الظاهرة كما سنشرح ذلك.
ولقد وردت أحاديث نبوية شريفة تشرح معنى المضغة المخلقة وغير المخلقة منها ما رواه ابن مسعود مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك من الأرحام بكفه فقال: يا رب، مخلقة أم غير مخلقة؟ فإن قيل غير مخلقة، لم تكن نسمة وقذفتها الرحم دماً؛ وإن قيل مخلقة قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ ما الأجل وما الأثر وما الرزق؟ وبأي أرض تموت؟ فيقال للنطفة: من ربك؟ فتقول: الله. فيقال: من رازقك؟ فتقول: الله. فيقال له: اذهب إلى أمّ الكتاب، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة. قال: فتخلق فتعيش في أجلها وتأكل في رزقها وتطأ في أثرها، حتى إذا جاء أجلها ماتت فدفنت في ذلك المكان) أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم. لقد وصف هذا الحديث النبوي وصفا دقيقا للحال الذي ستؤول إليه النطفة أو المضغة غير المخلقة في قوله صلى الله عليه وسلم (فإن قيل غير مخلقة، لم تكن نسمة وقذفتها الرحم دماً). وهذا الوصف النبوي يطابق تماما وصف الأطباء في هذا العصر للحمل غير المخلق حيث قالوا أن إجهاض المضغة غير المخلقة يشابه الدورة الشهرية الثقيلة وهو ما يبدو طبيعيا لمن لا يحس بهذا الحمل غير المخلق(the miscarriage will be similar to a heavy period, which can feel completely normal for someone unaware they had a blighted ovum).
لم يتمكن البشر من إكتشاف الحمل غير المخلق أو غير الجنيني (anembryonic gestation) أو ما يسمى أيضا بالبويضة الفاسدة أو التالفة (blighted ovum) إلا في القرن العشرين حيث أن المضغة غير المخلقة البالغة الصغر يتم إمتصاصها من قبل رحم الحامل في الأسابيع الستة الأولى من الحمل دون أن تشعر المرأة بهذا الحمل أو حتى إجهاضه ولذلك عرفه العلماء الإجهاض الصامت (Blighted ovum – the silent miscarriage). ويعرف الأطباء الحمل غير المخلق بأنه حمل فريد وشائع وفيه تتعلق البويضة المخصبة بالرحم وتنتج كيس الحمل ولكن المضغة تفشل في النمو داخله (An anembryonic pregnancy, also known as a blighted ovum, is a unique and relatively common pregnancy in which a fertilized egg implants in the uterus and forms a gestational sac, but an embryo fails to develop within it.). وفي هذا الحمل غير المخلق ينمو الكيس الأمنيوني (amniotic sac) وكذلك المشيمة (placenta) وتستمر في إفراز هرمونات الحمل كما في الحمل الجنيني إلا أن المضغة (embryo) التي في داخل الكيس تتوقف عن النمو. ومن العجيب أن المجتمع الطبي قد استخدم المصطلح القرءاني وهو الحمل غير المخلق (anembryonic pregnancy) بدلا من التسمية القديمة وهي البويضة الفاسدة أو التالفة (blighted ovum) كما جاء ذلك في المواقع الطبية (Although the term "blighted ovum" has been historically used, the medical community increasingly prefers the more precise designation of "anembryonic pregnancy" to describe this phenomenon).
لم يكن بإمكان البشر معرفة معدل حدوث الحمل غير المخلق بسبب حدوثه وانتهائه في فترة مبكرة من الحمل دون أن تشعر به الحامل. ولكن مع ظهور أجهزة الفحص الحديث ومع زيادة تردد الحوامل على العيادات الطبية تمكن الأطباء حديثا من إجراء بعض الإحصاءات حول معدلات هذا الحمل ووجدوا أنه يشكل ثلث حالات الإجهاض التي تحدث قبل الأسبوع الثامن من الحمل(experts believe blighted ovum accounts for a third of miscarriages that occur before 8 weeks gestation). وفي إحصائية أخرى يشكل إجهاض الحمل غير المخلق نصف عدد الإجهاضات التي التي تحدث قبل الأسبوع الثاني عشر من الحمل (American Pregnancy Association estimating anembryonic pregnancy to constitute half of all first-trimester miscarriages.). علما بأن عدد حالات الإجهاض التي تحدث قبل الأسبوع الثاني عشر من الحمل تشكل ما نسبته 15 بالمائة من عدد حالات الحمل الكلية (Approximately 15% of all clinically recognized pregnancies end in first-trimester loss).
ويعود السبب الرئيسي للحمل غير المخلق إلى وجود كروموسومات غير سوية في البويضة الملقحة (abnormal chromosomes in the fertilized egg) إلى جانب أسباب أخرى كالأمراض العام والتناسلية وسوء التغذية التي تصيب المرأة الحامل. فالبويضة الملقحة نتجت عن إفراغ الحيوان المنوي الذكري ثلاثة وعشرين كروموسوم ذكري أحادية الصبغة (haploid) في داخل خاية البويضة وعلى هذه الكرموسومات الذكرية التعرف والإتحاد مع نظائرها الأنثوية البالغ عددها ثلاثة وعشرين كروموسوم أنثوي أحادية الصبغة (haploid) لتنتج خلية أو نطفة بعدد كامل من الكرموسومات ثنائية الصبغة (diploid) والتي منها يبدأ تصنيع الجنين. إن عملية تزاوج الكرموسومات الذكرية مع نظائرها الأنثوية عملية بالغة التعقيد ولذلك فقد تفشل بعض هذه الكرموسومات من الإتحاد مع نظائرها باحتمالية معينة وعلى هذا فإن عملية تصنيع الجننين ستفشل ويتم إيقافها من قبل برامج أودعها الله عز وجل في بعض هذه الكروموسومات. وقد يكون السبب في وجود كروموسومات غير سوية في النطفة إلى بويضات أنثوية وحيوانات منوية غير سوية يوجود فيها زيادة أو نقص في عدد الكروموسومات الطبيعي وخاصة تلك التي تتولد من قبل كبار السن من الذكور والإناث.
إن ذكر القرءان الكريم وكذلك الحديث النبوي الشريف لظاهرة الحمل غير المخلق ووصف مصيره وذلك قبل أربعة عشر قرنا دليل قاطع على أن هذه الحقيقة الطبية لا يمكن أن تصدر عن بشر بل من خالق البشر سبحانه وتعالى. ولولا ظهور الأجهزة الطبية في القرن العشرين والتي تصور حال الأجنة في الأرحام لما كان للبشر أن يتعرفوا على وجود مثل الحمل غير المخلق لأنه يحدث في مرحلة مبكرة من الحمل فيما بين الأسبوع الثاني والسادس وعادة لا تشعر المرأة بهذا الحمل ولا بطرحه (This type of miscarriage usually occurs within the very early stages of pregnancy (weeks 2-6), often before a woman even knows she’s pregnant). وفي هذا الحمل غير المخلق يبين الله عز وجل (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ)) للبشر أن خلق الأجنة في داخل الأرحام لا يترك للصدفة أبدا ولو كان الأمر كذلك لاستمرت المضغة غير المخلقة في النمو تحت سيطرة الكروموسومات غير السوية وغير الكاملة وأنتجت أجنة بالغة التشوية والممسوخة. ولذلك كان التعقيب من الله عز وجل بعد ذكر الحمل المخلق وغير المخلق بقوله سبحانه عن الحمل المخلق (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا). ولقد جاء في القرءان الكريم آيات عدة تبين أن عملية الحمل بالأجنة في جميع الكائنات الحية تتم تحت سمع الله عز وجل وبصره ولا تترك للصدفة أبدا كما جاء في قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)) فاطر وقوله تعالى (إلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ (47) ) فصلت.
وأما أطوار الحمل المخلق (embryonic pregnancy) فيتم خلاله تلقيح البويضة من قبل الحيوان المنوي (Fertilization) ليبدأ بعدها تحول البويضة الملقحة (fertilized egg or zygote) إلى جنين كامل داخل رحم الأنثى في مدة تبلغ 266 يوما أو ما يعادل تسعة أاشهر قمرية في المتوسط. وفي خلال فترة الحمل تقوم البويضة المخصبة والخلايا الناتجة عنها من خلال الانقسام المحكوم بأوامر تصدر من البرامج المخزنة على الأشرطة الوراثية بتصنيع جميع أجهزة الجسم المختلفة لتكون جاهزة للعمل بشكل كامل مع انتهاء فترة الحمل وخروج الجنين سالما من رحم أمه. ويبدأ الحمل (conception) في منتصف الدورة الشهرية (menstrual periods) وذلك عندما تقوم المبايض بعملية الإباضة (ovulation) حيث تخرج من سطحه بويضة ناضجة تدخل في قناة فالوب متجهة نحو الرحم. إن عملية تلقيح البويضة من قبل الحيوانات المنوية يتم في الثلث العلوي من قناة فالوب والذي لا يتجاوز فترة مرور البويضة فيه 24 ساعة. وقد تم تقسيم الحمل إلى ثلاث مراحل رئيسية وهي مرحلة النطفة الأمشاج (zygote period) ومرحلة المضغة (embryonic period) والمرحلة الجنينية (fetal period). ولقد حدد القرآن الكريم هذه المراحل بشكل دقيق في قوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)" المؤمنون.
فمرحلة النطفة الأمشاج (zygote or Germinal period) تمتد من لحظة الإخصاب أو التلقيح إلى أن تنغرس النطفة في بطانة الرحم بعد مرور ما معدله تسعة أيام. والنطفة الأمشاج هي البويضة الملقحة الناتجة عن اتحاد كرموسومات البويضة وكروموسومات الحيوان المنوي وهي المقصود في قوله تعالى "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)" الإنسان. وتقوم البويضة المخصبة خلال سيرها في قناة فالوب بعدد من الانقسامات لتنتج ما متوسط مجموعه 36 خلية من الخلايا المتشابه تظهر على شكل كتلة كروية تسمى التوتة (morula) لها نفس حجم البويضة الأصلية وتتغذى خلال هذه الفترة على ما في مح البويضة الأصلية من مواد غذائية. ومن ثم يقوم قسم من هذه الخلايا بالاصطفاف لتكوين جدار بسمك خليتين يسمى الأريمة الغاذية (trophoblast) بحيث تصبح التوتة على شكل الكرة المفرغة وتحتوي على سائل يتخلله كتلة صغيرة من الخلايا الجذعية (embryonic stem cells) ويسمى الناتج بالكيس الأريمي (blastocyst). وفي نهاية الأسبوع الأول تكون الأريمة قد نزلت من قناة فالوب إلى الرحم والذي قد أعد مسبقا لاستقبال هذه الأريمة وتبدأ بالتخلص من الجدار الشفاف الذي كان يحيط بالبويضة بما يشبه عملية التفقيس ولذا تسمى الأريمة المفقسة (hatched blastocyst) ومن ثم تبدأ بمحاولات الدخول في ثنايا طيات بطانة الرحم في الثلث العلوي منه وهو غني بالغدد والأوعية الدموية.
وإذا ما تمكنت الأريمة من التعلق أو الانغراس (implantation) بهذا البطانة ضمن فترة زمنية محددة فإنها تكون قد نجت من الموت جوعا وتبدأ باستمداد غذائها من البطانة من خلال عملية الانتشار (diffusion) وهذه هي بداية الحمل المبني على الإنغراس أو التعلق (Implantation-based length of gestationl). وقد أطلق القرآن الكريم على هذه الأريمة المتعلقة ببطانة الرحم اسم العلقة والتي ذكرها القرآن الكريم في أكثر من آية كما في قوله تعالى "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)" القيامة. وفي هذه المرحلة يتوالى انقسام الخلايا والتي تبدأ بالتخصص فتقوم الأريمة الغاذية (trophoblast) بتصنيع المشيمة (placenta) والحبل السري (umbilical cord) والتي ستمد الجنين بما يحتاجه من غذاء طوال فترة الحمل وكذلك تصنيع الأغشية المغلفة للجنين (extra-embryonic membranes) والذي يسمى الكيس الأمنيوني (amniotic sac) وما فيه من السائل الأمنيوني (amniotic fluid). ويتكون الكيس الأمنيوني (amniotic sac) من غشائين شفافين رقيقين ومتينين يعمل بما فيه من سائل على حماية الجنين من الصدمات التي قد يتعرض لها جسم الأم إلى جانب وظائف أخرى. أما الخلايا الجذعية الموجودة في داخل الكيس الأريمي فستقوم كل واحدة منها بتصنيع أحد أجهزة الجنين (embryo) وذلك حسب البرنامج الموجود في شريطها الوراثي. وفي نهاية هذه المرحلة تتشكل العلقة لتصبح على شكل قرص مفلطح مستطيل مكون من طبقتين من الخلايا (bilaminar (two-layered) disc) يظهر في منتصفها ثلم بدائي (primitive streak) ينصفه إلي نصفين متماثلين ويسمى خط التماثل.
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة المضغة (embryonic period) وتمتد من بداية الاسبوع الثالث الى نهاية الاسبوع الثامن وفيها تبدأ عملية التمضغ (Gastrulation) حيث يتحول القرص إلى قرص بثلاثة طبقات من الخلايا (trilaminar (three-layered) disc) تمثل الطبقات الجرثومية الثلاث. فالطبقة الداخلية (endoderm) ينشأ منها الأعضاء الداخلية كالجهاز الهضمي والتنفسي والدوري والبولي والتناسلي والطبقة الخارجية (ectoderm) والتي ينشأ منها الجلد والجهاز االعصبي والطبقة الوسطى (mesoderm) والتي ينشأ منها العظام والعضلات. ففي الأسبوع الثالث يظهر الحبل الظهري (notochord) في منتصف القرص كبداية للعمود الفقري ثم يظهر ثلم فوق هذا الحبل بسمى الثلم العصبي (neural groove) كبداية للحبل الشوكي (spinal chord) مع وجود انتفاخ في أحد أطرافه لتكون بداية تكون الرأس وما فيه من نواة عصبية ثم تظهر سلسلة من الانتفاخات على جانبي الحبل تمثل الفقرات وتسمى (somite or primitive segment) ومع نهاية هذا الأسبوع يكون طول المضغة 4 ملليمتر. وفي الأسبوع الرابع يبدأ القلب بالتكون كانتفاخ في الجزء العلوي من المضغة وتبرز براعم اليدين وتظهر فتحتي الأذنين كنقطتين على جانبي الرأس ويظهر العصعص كالذنب وتظهر آثار لمعظم مكونات الجسم الداخلية ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 9 ملليمتر. وفي الأسبوع الخامس يبدأ الدماغ بالتكون وتظهر فتحات العيون والأنف والفم كنقاط على السطح وتبدأ الأرجل بالتبرعم وتبدأ الأوعية الدموية البدائية بالظهور مع سريان ما يشبه الدم فيها ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 13 ملليمتر. وفي الأسبوع السادس تبدأ الرئتان بالتشكل وتصبح الأيدي والأرجل البدائية ظاهرة وتبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية والنظام الليمفاوي بالتكون ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 18 ملليمتر. وفي الأسبوع السابع والثامن من مرحلة المضغة تكون معظم أجهزة الجسم قد بدأت بالتكون بشكل بدائي وتبدأ فيه بصيلات الشعر بالتكون وفيه يبدأ القلب بالنبض وينمو الرأس بشكل أسرع من بقية الجسم ليصبح حجمه نصف حجم الجسم وتبدأ عظام الجمجمة بالتصلب (ossification) ومع نهاية الأسبوع الثامن يكون طول المضغة 3 سم ووزنها 5 غرامات.
أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة الجنينية (fetal period) وتمتد من بداية الاسبوع التاسع الى نهاية الاسبوع الثامن والثلاثين أو من بداية الشهر الثالث إلى نهاية الشهر التاسع وهي نهاية الحمل. ففي الشهر الثالث يبدأ الجسم بالنمو بشكل متسارع ويقل حجم الرأس بالنسبة لبقية الجسم ليظهر الجنين بشكله الآدمي وتبدأ قاعدة الأظافر بالتشكل وتنمو أعضاء الجسم الحيوية كالجهاز الدوري والجهاز البولي والكبد بشكل أسرع من غيرها وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 6 سم ووزنه 15 غم. وفي الشهر الرابع تكون المشيمة قد تطورت تماما وتكون معظم أجهزة الجسم قد اكتمل تخليقها وتظهر الأصابع بوضوح وتتكون كذلك فروة الرأس وفي نهاية الشهر يبلغ طول الجنين 18 سم ووزنه 120 غرام. وخلال الشهر الخامس يبدأ شعر الزغب بالنمو على جميع أنحاء جسمه ويظهر شعر الرأس والحواجب والرموش بلون أبيض ويمكن سماع دقات قلبه وتبدأ عملية تجدد الخلايا أو ما يسمى بالأيض الجنيني وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 25 سم ووزنه 300 غرام. وفي الشهر السادس يكون جلد الجنين رقيقا وناعما وتبدأ الجفون بالانفصال وتظهر بصمات أصابعه وفي نهاية الشهر يبلغ وزنه 32 سم ووزنه 750 غرام. وفي الشهر السابع يبدأ الدماغ بالتحكم بالأعضاء ويتكون الشحم تحت الجلد ويكون الجلد متغضنا وشفافا ووردي اللون وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 37 سم ووزنه 1000 غرام ويمكن للجنين أن يعيش إذا ما ولد ولكن تحت العناية المركزة بسبب عدم اكتمال نمو الرئتين تماما. وفي الشهر الثامن تبدأ أدمة الجلد بالتطور وتختفي تجاعيده ويتسارع تطور الدماغ بحيث يمكن للجنين أن يسمع ويرى وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 40 سم وزنه 1800 غرام. وفي الشهر التاسع يكتمل تطور الرئتين وينمو الشعر بشكل أسرع وفي نهاية الشهر يبلغ طول الجنين 50 سم ووزنه 3 كيلوغرام وهو جاهز للولادة. لقد وصف القرآن الكريم هذه الرحلة المعقدة والعجيبة في آيات كثيرة كما في قوله تعالى "هَوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)" غافر وقوله تعالى "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)" الزمر. والظلمات الثلاث التي ذكرت في الآية الأخيرة هي ظلمة جدار البطن وظلمة جدار الرحم ومن ثم ظلمة جدار الكيس الأمنيوني وسواء أكان البشر يعرفون هذه الحقائق في عصر نزول القرآن أم لا فإن مجرد لفت أنظار البشر للتفكر في هذه المعجزة كافية للتدليل على أن الذي أنزل هذا القرآن عليم خبير.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق