الأحاديث النبوية تحدد فترة تخلق أعضاء جسم الجنين
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لقد حدد القرءان الكريم في عدة آيات المراحل الرئيسية التي تمر بها عملية تصنيع جنين الإنسان ابتداءا من البويضة الأنثوية الملقحة من قبل الحيوان المنوي الذكري أو ما يسمى بالنطفة وإنتهاء بخروجه طفلا مكتمل التكوين وجاهز للعيش خارج رحم أمه. ولقد قام علماء الأجنة في العصر الحديث بتقسيم فترة الحمل إلى ثلاث مراحل رئيسية وهي مرحلة النطفة الأمشاج أو المرحلة الجرثومية (zygote or Germinal period) ومرحلة المضغة (embryonic period) والمرحلة الجنينية (fetal period). فمرحلة النطفة الأمشاج تمتد من لحظة الإخصاب أو التلقيح إلى أن تنعلق النطفة في بطانة الرحم خلال أو أسبوعين من الحمل. أما مرحلة المضغة (embryonic period) فتمتد من بداية الاسبوع الثالث الى نهاية الاسبوع الثامن وفيها يتم تخلق معظم أعضاء جسم الجنين بشكل أولي. أما المرحلة الجنينية (fetal period) فتمتد من بداية الاسبوع التاسع الى نهاية الاسبوع السادس والثلاثين وفيها ينمو جسم الجنين ويزداد حجمه ووزنه بشكل متسارع وتتطور أعضاء الجسم إلى شكلها النهائي. ولقد جاء ذكر هذه المراحل الثلاث في قوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)" المؤمنون وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)" الأنبياء.
أما الأحاديث النبوية الشريفة فقد أوردت حقائق علمية دقيقة حول مراحل النطفة والعلقة والمضغة لم يتمكن علماء الطب من اكتشافها إلا في هذا العصر وعليه فإنه من الجهل أن يزعم أحد أنها صدرت عن بشر عاش قبل أربعة عشر قرنا ونيف كان جميع البشر يجهلون مثل هذه الحقائق. ومن أغرب وأعجب هذه الأحاديث النبوية هو ما رواه حُذَيْفَةَ بْنِ أسِيدٍ الغِفارِيِّ حيث قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِأُذُنَيَّ هاتَيْنِ يَقُولُ (إذا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثْنَتانِ وأرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْها مَلَكًا فَصَوَّرَها، وخَلَقَ سَمْعَها وبَصَرَها وجِلْدَها ولَحْمَها وعِظامَها، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ، أذَكَرٌ أمْ أُنْثى، فَيَقْضِي رَبُّكَ ما يَشاءُ ويَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يا رَبِّ أجَلُهُ؟ فَيَقُولُ رَبُّكَ ما شاءَ ويَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يا رَبِّ، رِزْقُهُ؟ ويَقْضِي رَبُّكَ ما يَشاءُ ويَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ فَلا يَزِيدُ عَلى ما أُمِرَ ولا يَنْقُصُ) أخْرَجَه أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، والبَيْهَقِيُّ في ( الأسْماءِ والصِّفاتِ). فهذا الحديث النبوي يؤكد على أن مختلف أعضاء جسم الجنين تبدأ بالتشكل والظهور بعد ستة أسابيع من نزول النطفة الملقحة إلى الرحم وهذا ما أكدته جميع المصادر الطبية في هذا العصر. والعجيب أن هذا التاريخ وهو ستة أسابيع قد تكرر ذكره في أحاديث كثيرة سنذكر بعضها لاحقا مما يؤكد على أن هذا التاريخ يمثل محطة مهمة من محطات تطور الجنين في الرحم.
ومن معجزات هذا الحديث النبوي أنه حدد تاريخ تشكل الأعضاء (Organogenesis) اعتبارا من النطفة وهو ما أطلق عليه العلماء الحمل المبني على الإباضة (ovulation-based length of gestation) والذي يعطي مدة الحمل الحقيقي أو العمر الجنيني (fetal age) وفيها يتم حساب مدة الحمل ابتداءا من خروج بويضة المرأة من المبيض والتي يجب أن تلقح من الحيوان المنوي داخل قناة فالوب خلال يوم من خروجها ليتم بذلك الحمل (conception). وتبلغ مدة الحمل الطبيعي في هذه الطريقة 38 أسبوعا (266 يوم) أما الطريقة الثانية التي يستخدمها الأطباء لاحتساب مدة الحمل فهي تقريبية ويتم حساب العمر الحملي (gestation age) ابتداءا من اليوم الأول لآخر دورة شهرية للمرأة (the first day of the woman’s last period) وتبلغ مدة الحمل فيها أربعين أسبوعا (280 يوم). أما الطريقة الثالثة فهي المبنية على التعلق أو الانغراس (Implantation-based length of gestation) وفيها يتم حساب مدة الحمل ابتداءا من انغراس البويضة الملقحة في جدار الرحم وتبلغ مدة الحمل الطبيعي في هذه الطريقة 258 يوما وهي أقل بثمانية أو تسعة أيام عن الطريقة المبنية على الإباضه.
لقد أكدت الأبحاث الطبية الحديثة صحة التاريخ الذي حدده الحديث النبوي الشريف لفترة تخلق أعضاء جسم الجنين والتي عرفها علماء الطب بأنها فترة المضغة كما نص على ذلك (تخلق الأعضاء هي الفترة التي تمتد من اليوم 25 إلى اليوم 56 بعد يوم تلقيح البويضة) Organogenesis is the period corresponds to 25 to 56 d.p.f )). وجاء في أحد المصادر الطبية حول التاريخ الدقيق لتشكل الأعضاء ما نصه (في علم الأجنة البشري تتميز الفترة بين الأسبوع السادس والثامن بنمو وتمايز الأنسجة إلى الأعضاء) (In human embryology, weeks 6 through 8 are characterized by the growth and differentiation of tissues into organs.). وجاء في مصدر آخر ما نصه (تخلق الأعضاء في الأسبوع الخامس إلى الثامن: خلال هذه الفترة يتطور الجنين بتسارع ويتخذ الشكل البشري حيث تتشكل العيون والأذان والأنف والفم وفي الأسبوع السادس يبدأ القلب بالنبض بانتظام وفي الأسبوع السابع تبدأ الأيدي والأرجل بالتشكل وتظهر أصابع الأيدي والأرجل ومع نهاية الأسبوع الثامن تكون أنظمة الأعضاء الأساسية قد تشكلت ويسمى الطفل الآن جنينا) (Organ Development Between Weeks 5-8 :During this period, the fetus develops rapidly and takes on a more distinct human form. Eyes, ears, nostrils and mouth begin to form. By the 6th week, the baby's heart begins to beat regularly. By the 7th week, arms and legs begin to take shape, and fingers and toes become apparent. By the end of the 8th week, the basic organ systems have formed and the baby is now called a fetus.). ومع إنتهاء مرحلة المضغة (embryonic period) مع نهاية الأسبوع الثامن يكون الجنين قد نما من خلية واحدة إلى ما يقرب من بليون خلية تشكل أربعة آلاف بنى تشريحية متباينة ويمتلك الجنين ما يزيد عن تسعين بالمائة من تلك الموجودة في الإنسان البالغ (Eight weeks marks the end of the embryonic period. During this time, the human embryo has grown from a single cell into the nearly 1 billion cells which form over 4,000 distinct anatomic structures The embryo now possesses more than 90% of the structures found in adults).
أما الحديث النبوي الآخر الذي أخْرَجَه أحْمَدُ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إنَّ النُّطْفَةَ تَكُونُ في الرَّحِمِ أرْبَعِينَ يَوْمًا عَلى حالِها لا تَتَغَيَّرُ، فَإذا مَضَتِ الأرْبَعُونَ صارَتْ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً كَذَلِكَ، ثُمَّ عِظامًا كَذَلِكَ، فَإذا أرادَ اللَّهُ أنْ يُسَوِّيَ خَلْقَهُ بَعَثَ إلَيْهِ مَلَكًا فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ، أذَكَرٌ أمْ أُنْثى؟ أشَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ؟ أقَصِيرٌ أمْ طَوِيلٌ؟ أناقِصٌ أمْ زائِدٌ قُوتُهُ؟ أجْلُهُ ؟ أصَحِيحٌ أمْ سَقِيمٌ؟ فَيَكْتُبُ ذَلِكَ كُلَّهُ). وهذا الحديث يورد حقيقة علمية عجيبة عن حجم الجنين في الأسابيع الستة الأولى من الحمل حيث يؤكد على أن حجمه لا يتغير كثيرا خلال هذه الفترة. وهذا ما أثبتته الأبحاث والدراسات الطبية فقد تبين أن حجم الجنين ووزنه يزدادان بشكل تقريبي على شكل دالة أسية (exponential) وهي دالة رياضية بطيئة الزيادة في بدايتها وتزداد بشكل متسارع بعد ذلك. ففي المرحلة الجرثومية (zygote or Germinal period) والتي تشكل أول أسبوعين من الحمل يبقى حجم البويضة الملقحة ثابت وكذلك وزنها رغم انقسامها إلى عدة خلايا حيث يتراوح قطرها بين 120 و200 ميكرومتر ووزنها لا يتجاوز عدة ميكروغرامات. أما في مرحلة المضغة (embryonic period) فلا يزداد حجم ووزن الجنين كثيرا حيث يبلغ طول الجنين 2 ملليمتر في نهاية الأسبوع الثالث ثم 5 ملليمتر في نهاية الأسبوع الرابع ثم 8 ملليمتر في نهاية الأسبوع الخامس ثم 11 ملليمتر في نهاية الأسبوع السادس ثم 13 ملليمتر في نهاية الأسبوع السابع ثم 16 ملليمتر في نهاية الأسبوع الثامن ولا يتجاوز وزنه الغرام الواحد.
أما في المرحلة الجنينية (fetal period) والتي تبدأ في الأسبوع التاسع فيبدأ التزايد المضطرد في حجم ووزن الجنين حيث يبلغ طول الجنين 23 ملليمتر ووزنه غرامين في نهاية الأسبوع التاسع ثم 31 ملليمتر و4 غرام في نهاية الأسبوع العاشر ثم 41 ملليمتر و7 غرامات في نهاية الأسبوع الحادي عشر ثم 54 ملليمتر و14غرام في نهاية الأسبوع الثاني عشر ثم 74 ملليمتر و23 غرام في نهاية الأسبوع الثالث عشر ثم 87 ملليمتر و 43غرام في نهاية الأسبوع الرابع عشر ثم 10 سم و70 غرام في نهاية الأسبوع الخامس عشر ثم 16 سم و300 غرام في نهاية الأسبوع االعشرين ثم 35 سم و660 غرام في نهاية الأسبوع الخامس واالعشرين ثم 40 سم و 1,3 كيلوغرام في نهاية الأسبوع الثلاثين ثم 46 سم و 2,4 كيلوغرام في نهاية الأسبوع الخامس والثلاثين ثم 50 سم و3 كيلوغرام في نهاية الأسبوع الثامن والثلاثين وهو نهاية مدة الحمل.
وفي حديث آخر ذكر أن المضغة قد تكون مخلقة أو غير المخلقة وهو ما رواه ابن مسعود مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك من الأرحام بكفه فقال: يا رب، مخلقة أم غير مخلقة؟ فإن قيل غير مخلقة، لم تكن نسمة وقذفتها الرحم دماً؛ وإن قيل مخلقة قال: يا رب، أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ ما الأجل وما الأثر وما الرزق؟ وبأي أرض تموت؟ فيقال للنطفة: من ربك؟ فتقول: الله. فيقال: من رازقك؟ فتقول: الله. فيقال له: اذهب إلى أمّ الكتاب، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة. قال: فتخلق فتعيش في أجلها وتأكل في رزقها وتطأ في أثرها، حتى إذا جاء أجلها ماتت فدفنت في ذلك المكان) أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم. لقد وصف هذا الحديث النبوي وصفا دقيقا للحال الذي ستؤول إليه النطفة أو المضغة غير المخلقة في قوله صلى الله عليه وسلم (فإن قيل غير مخلقة، لم تكن نسمة وقذفتها الرحم دماً). وهذا الوصف النبوي يطابق تماما وصف الأطباء في هذا العصر للحمل غير المخلق حيث قالوا أن إجهاض المضغة غير المخلقة يشابه الدورة الشهرية الثقيلة وهو ما يبدو طبيعيا لمن لا يحس بهذا الحمل غير المخلق(the miscarriage will be similar to a heavy period, which can feel completely normal for someone unaware they had a blighted ovum).
وسنشرح فيما ما يلي بشيء من التفصيل الأحداث الرئيسية التي يمر بها تطور الجنين في مراحل الحمل المخلق (embryonic pregnancy). فبعد تلقيح البويضة من قبل الحيوان المنوي (Fertilization) يبدأ تحول البويضة الملقحة (fertilized egg or zygote) إلى جنين كامل داخل رحم الأنثى في مدة تبلغ 266 يوما أو ما يعادل تسعة أاشهر قمرية في المتوسط. وفي خلال فترة الحمل تقوم البويضة المخصبة والخلايا الناتجة عنها من خلال الانقسام المحكوم بأوامر تصدر من البرامج المخزنة على الأشرطة الوراثية بتصنيع جميع أجهزة الجسم المختلفة لتكون جاهزة للعمل بشكل كامل مع انتهاء فترة الحمل وخروج الجنين سالما من رحم أمه. ويبدأ الحمل (conception) في منتصف الدورة الشهرية (menstrual periods) وذلك عندما تقوم المبايض بعملية الإباضة (ovulation) حيث تخرج من سطحه بويضة ناضجة تدخل في قناة فالوب متجهة نحو الرحم. إن عملية تلقيح البويضة من قبل الحيوانات المنوية يتم في الثلث العلوي من قناة فالوب والذي لا يتجاوز فترة مرور البويضة فيه 24 ساعة. وقد تم تقسيم الحمل إلى ثلاث مراحل رئيسية وهي مرحلة النطفة الأمشاج (zygote period) ومرحلة المضغة (embryonic period) والمرحلة الجنينية (fetal period).
فمرحلة النطفة الأمشاج (zygote or Germinal period) تمتد من لحظة الإخصاب أو التلقيح إلى أن تنغرس النطفة في بطانة الرحم بعد مرور ما معدله تسعة أيام. والنطفة الأمشاج هي البويضة الملقحة الناتجة عن اتحاد كرموسومات البويضة وكروموسومات الحيوان المنوي وهي المقصود في قوله تعالى "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)" الإنسان. وتقوم البويضة المخصبة خلال سيرها في قناة فالوب بعدد من الانقسامات لتنتج ما متوسط مجموعه 36 خلية من الخلايا المتشابه تظهر على شكل كتلة كروية تسمى التوتة (morula) لها نفس حجم البويضة الأصلية وتتغذى خلال هذه الفترة على ما في مح البويضة الأصلية من مواد غذائية. ومن ثم يقوم قسم من هذه الخلايا بالاصطفاف لتكوين جدار بسمك خليتين يسمى الأريمة الغاذية (trophoblast) بحيث تصبح التوتة على شكل الكرة المفرغة وتحتوي على سائل يتخلله كتلة صغيرة من الخلايا الجذعية (embryonic stem cells) ويسمى الناتج بالكيس الأريمي (blastocyst). وفي نهاية الأسبوع الأول تكون الأريمة قد نزلت من قناة فالوب إلى الرحم والذي قد أعد مسبقا لاستقبال هذه الأريمة وتبدأ بالتخلص من الجدار الشفاف الذي كان يحيط بالبويضة بما يشبه عملية التفقيس ولذا تسمى الأريمة المفقسة (hatched blastocyst) ومن ثم تبدأ بمحاولات الدخول في ثنايا طيات بطانة الرحم في الثلث العلوي منه وهو غني بالغدد والأوعية الدموية.
وإذا ما تمكنت الأريمة من التعلق أو الانغراس (implantation) بهذا البطانة ضمن فترة زمنية محددة فإنها تكون قد نجت من الموت جوعا وتبدأ باستمداد غذائها من البطانة من خلال عملية الانتشار (diffusion) وهذه هي بداية الحمل المبني على الإنغراس أو التعلق (Implantation-based length of gestationl). وقد أطلق القرآن الكريم على هذه الأريمة المتعلقة ببطانة الرحم اسم العلقة والتي ذكرها القرآن الكريم في أكثر من آية كما في قوله تعالى "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)" القيامة. وفي هذه المرحلة يتوالى انقسام الخلايا والتي تبدأ بالتخصص فتقوم الأريمة الغاذية (trophoblast) بتصنيع المشيمة (placenta) والحبل السري (umbilical cord) والتي ستمد الجنين بما يحتاجه من غذاء طوال فترة الحمل وكذلك تصنيع الأغشية المغلفة للجنين (extra-embryonic membranes) والذي يسمى الكيس الأمنيوني (amniotic sac) وما فيه من السائل الأمنيوني (amniotic fluid). ويتكون الكيس الأمنيوني (amniotic sac) من غشائين شفافين رقيقين ومتينين يعمل بما فيه من سائل على حماية الجنين من الصدمات التي قد يتعرض لها جسم الأم إلى جانب وظائف أخرى. أما الخلايا الجذعية الموجودة في داخل الكيس الأريمي فستقوم كل واحدة منها بتصنيع أحد أجهزة الجنين (embryo) وذلك حسب البرنامج الموجود في شريطها الوراثي. وفي نهاية هذه المرحلة تتشكل العلقة لتصبح على شكل قرص مفلطح مستطيل مكون من طبقتين من الخلايا (bilaminar (two-layered) disc) يظهر في منتصفها ثلم بدائي (primitive streak) ينصفه إلي نصفين متماثلين ويسمى خط التماثل.
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة المضغة (embryonic period) وتمتد من بداية الاسبوع الثالث الى نهاية الاسبوع الثامن وفيها تبدأ عملية التمضغ (Gastrulation) حيث يتحول القرص إلى قرص بثلاثة طبقات من الخلايا (trilaminar (three-layered) disc) تمثل الطبقات الجرثومية الثلاث. فالطبقة الداخلية (endoderm) ينشأ منها الأعضاء الداخلية كالجهاز الهضمي والتنفسي والدوري والبولي والتناسلي والطبقة الخارجية (ectoderm) والتي ينشأ منها الجلد والجهاز االعصبي والطبقة الوسطى (mesoderm) والتي ينشأ منها العظام والعضلات. ففي الأسبوع الثالث يظهر الحبل الظهري (notochord) في منتصف القرص كبداية للعمود الفقري ثم يظهر ثلم فوق هذا الحبل بسمى الثلم العصبي (neural groove) كبداية للحبل الشوكي (spinal chord) مع وجود انتفاخ في أحد أطرافه لتكون بداية تكون الرأس وما فيه من نواة عصبية ثم تظهر سلسلة من الانتفاخات على جانبي الحبل تمثل الفقرات وتسمى (somite or primitive segment) ومع نهاية هذا الأسبوع يكون طول المضغة 4 ملليمتر. وفي الأسبوع الرابع يبدأ القلب بالتكون كانتفاخ في الجزء العلوي من المضغة وتبرز براعم اليدين وتظهر فتحتي الأذنين كنقطتين على جانبي الرأس ويظهر العصعص كالذنب وتظهر آثار لمعظم مكونات الجسم الداخلية ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 9 ملليمتر. وفي الأسبوع الخامس يبدأ الدماغ بالتكون وتظهر فتحات العيون والأنف والفم كنقاط على السطح وتبدأ الأرجل بالتبرعم وتبدأ الأوعية الدموية البدائية بالظهور مع سريان ما يشبه الدم فيها ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 13 ملليمتر. وفي الأسبوع السادس تبدأ الرئتان بالتشكل وتصبح الأيدي والأرجل البدائية ظاهرة وتبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية والنظام الليمفاوي بالتكون ومع نهاية الأسبوع يكون طول المضغة 18 ملليمتر. وفي الأسبوع السابع والثامن من مرحلة المضغة تكون معظم أجهزة الجسم قد بدأت بالتكون بشكل بدائي وتبدأ فيه بصيلات الشعر بالتكون وفيه يبدأ القلب بالنبض وينمو الرأس بشكل أسرع من بقية الجسم ليصبح حجمه نصف حجم الجسم وتبدأ عظام الجمجمة بالتصلب (ossification) ومع نهاية الأسبوع الثامن يكون طول المضغة 3 سم ووزنها 5 غرامات.
أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة الجنينية (fetal period) وتمتد من بداية الاسبوع التاسع الى نهاية الاسبوع الثامن والثلاثين أو من بداية الشهر الثالث إلى نهاية الشهر التاسع وهي نهاية الحمل. ففي الشهر الثالث يبدأ الجسم بالنمو بشكل متسارع ويقل حجم الرأس بالنسبة لبقية الجسم ليظهر الجنين بشكله الآدمي وتبدأ قاعدة الأظافر بالتشكل وتنمو أعضاء الجسم الحيوية كالجهاز الدوري والجهاز البولي والكبد بشكل أسرع من غيرها وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 6 سم ووزنه 15 غم. وفي الشهر الرابع تكون المشيمة قد تطورت تماما وتكون معظم أجهزة الجسم قد اكتمل تخليقها وتظهر الأصابع بوضوح وتتكون كذلك فروة الرأس وفي نهاية الشهر يبلغ طول الجنين 18 سم ووزنه 120 غرام. وخلال الشهر الخامس يبدأ شعر الزغب بالنمو على جميع أنحاء جسمه ويظهر شعر الرأس والحواجب والرموش بلون أبيض ويمكن سماع دقات قلبه وتبدأ عملية تجدد الخلايا أو ما يسمى بالأيض الجنيني وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 25 سم ووزنه 300 غرام. وفي الشهر السادس يكون جلد الجنين رقيقا وناعما وتبدأ الجفون بالانفصال وتظهر بصمات أصابعه وفي نهاية الشهر يبلغ وزنه 32 سم ووزنه 750 غرام. وفي الشهر السابع يبدأ الدماغ بالتحكم بالأعضاء ويتكون الشحم تحت الجلد ويكون الجلد متغضنا وشفافا ووردي اللون وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 37 سم ووزنه 1000 غرام ويمكن للجنين أن يعيش إذا ما ولد ولكن تحت العناية المركزة بسبب عدم اكتمال نمو الرئتين تماما. وفي الشهر الثامن تبدأ أدمة الجلد بالتطور وتختفي تجاعيده ويتسارع تطور الدماغ بحيث يمكن للجنين أن يسمع ويرى وفي نهاية الشهر يبلغ طوله 40 سم وزنه 1800 غرام. وفي الشهر التاسع يكتمل تطور الرئتين وينمو الشعر بشكل أسرع وفي نهاية الشهر يبلغ طول الجنين 50 سم ووزنه 3 كيلوغرام وهو جاهز للولادة