2023-11-17

الموجات الكهرومغناطيسية

 

الموجات الكهرومغناطيسية 

 الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 

تمهيد

إن من أعظم الاكتشافات التي حققها البشر على مدى تاريخهم بعد اكتشافهم وتوليدهم للطاقة الكهربائية هو اكتشافهم للموجات الكهرومغناطيسية. ويعود الفضل في ذلك لعالم الفيزياء الاسكتلندي الشهير جيمس كلارك ماكسويل والذي تكمن عبقريته في مقدرته الفذة على استخدام الرياضيات في صياغة مختلف أنواع الظواهر الفيزيائية وكذلك استنباط الحقائق الفيزيائية من الصيغ الرياضية. لقد تمكن  ماكسويل في عام 1860م من صياغة جميع القوانين المتعلقة بالكهربائية والمغناطيسية وتفاعلهما مع بعضهما البعض في أربع  معادلات تفاضلية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استطاع من خلال حل هذه المعادلات التنبؤ بوجود ما يسمى بالموجات الكهرومغناطيسية والتي تم التحقق من وجودها وإيجاد طرق لتوليدها على يد عالم الفيزياء الألماني هينرتش هيرتز (Heinrich Hertz) وذلك في عام 1887م.  ومن الجدير بالذكر أنه لولا تطور علوم الرياضيات وخاصة علمي التفاضل والتكامل لما كان بإمكان ماكسويل صياغة قوانين الكهرباء والمغناطيسية بهذا الشكل المميز ولما كان بإمكانه التنبؤ  بوجود الموجات الكهرومغناطيسية. لقد سهلت الموجات الكهرومغناطيسية عملية نقل مختلف أنواع المعلومات بطريقة لاسلكية (wireless) إلى أي مكان على سطح هذه الأرض بل وتعداها إلى الفضاء الخارجي . فبعد سنوات قليلة من اكتشاف  وتوليد هذه الموجات بدأ ظهور كثير من الأنظمة اللاسلكية فظهر التلغراف اللاسلكي في عام 1900م  ومن ثم البث الراديوي في عام 1918م والبث التلفزيوني في عام 1935م. ولولا اكتشاف هذه الموجات لبقي البشر مقيدين في نقل معلوماتهم المختلفة بالقنوات السلكية التي تحتم عليهم التواجد في أماكن محددة حيث توجد أطراف هذه الأسلاك كما هو الحال مع الهواتف السلكية. لقد مكنت هذه الموجات بناء انظمة اتصالات تكون فيها المرسلات ثابتة والمستقبلات متحركة أو بالعكس أو يكون كليهما متحركا وهذا لا يمكن إنجازه باستخدام القنوات السلكية إلا على نطاق ضيق جدا. ولذلك أصبح الاتصال ممكنا مع السفن وهي في عرض البحار والطائرات وهي في جو السماء والمركبات أين ما كان موقعها والأشخاص وهم في أي واد أو جبل  يهيمون. بل أصبح بالإمكان باستخدام هذه الموجات مشاهدة صور في غاية الوضوح لأسطح كواكب المجموعة الشمسية من خلال كميرات مثبتة على مركبات فضائية وترسل هذه الصور وغيرها من المعلومات من على بعد مئات الملايين من الكيلومترات. وباستخدام هذه الموجات أصبح بإمكان البشر التحكم عن بعد بمختلف أنواع الأجهزة والمعدات الموجودة في البيوت والمكاتب والمصانع وكذلك في الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والطائرات والصواريخ. ومع التقدم المذهل في مجال الإلكترونيات والإستغلال الأمثل لترددات الطيف الكهرمغناطيسي بدأ التحول كليا من القنوات السلكية إلى القنوات اللاسلكية لنقل إشارات المعلومات والتحكم في مختلف المجالات.         

 

 معادلات ماكسويل والمعادلة الموجيه (Wave Equation)

ذكرنا في الباب الأول أن عالم الفيزياء والرياضيات الاسكتلندي الفذ جيمس كلارك ماكسويل (James Clerk Maxwell)  (1831-1879م) قد تمكن في عام 1860م من صياغة جميع القوانين المتعلقة بالمجالات الكهربائية والمغناطيسية وتفاعلهما مع بعضهما البعض ومع الشحنات والتيارات الكهربائية التي تنتجها في أربع  معادلات تفاضلية فقط. فالمعادلة الأولى ما هي إلا قانون جاوس بشكله التفاضلي والذي مفاده أن أي شحنة كهربائية نقطية في الفضاء لا بد أن تولد حولها مجالا كهربائيا تنطلق خطوطه من مكان الشحنة ويكون هذا المجال ساكنا لا يتغير مع الزمن إذا كانت الشحنة ساكنة ومتغيرا مع الزمن إذا كانت متغيرة.   أما المعادلة الثانية فما هي إلا قانون جاوس للمغناطيسية بشكله التفاضلي والذي ينص على أنه لا وجود للشحنات المغناطيسية وعليه فإن خطوط المجال لا بد وأن تكون منغلقة على نفسها. أما االمعادلة الثالثة فما هي إلا قانون فارادي للحث حيث قام ماكسويل بتحويله من شكله التكاملي إلى شكله التفاضلي أو النقطي ومفاد هذه المعادلة أن المجال المغناطيسي المتغير مع الزمن يولد حوله مجالا كهربائيا تتناسب قيمته وتوزعه في الفضاء مع معدل تغير كثافة المجال المغناطيسي مع الزمن وكذلك اتجاهه في الفضاء. أما المعادلة الرابعة فهي شكل معدل لقانون أمبير فبعد أن قام ماكسويل بتحويله من شكله التكاملي إلى شكله التفاضلي أضاف إليه حدا جديدا أطلق عليه اسم تيار الإزاحة(displacement current) وهذه الإضافة هي من أهم إسهامات ماكسويل في مجال الكهرومغناطيسية حيث مكنته من التنبؤ بوجود الأمواج الكهرومغناطيسية. وبإضافة تيار الإزاحة لمعادلة أمبير  أصبح مفاد معادلة ماكسويل الرابعة أن التيار الكهربائي أو المجال الكهربائي المتغير مع الزمن  يولد حوله مجالا مغناطيسيا تتناسب قيمته وتوزعه في الفضاء مع قيمة واتجاه التيار وكذلك مع معدل تغير شدة المجال الكهربائي مع الزمن واتجاهه في الفضاء. وفي عام 1865م تمكن ماكسويل من خلال دمج المعادلات الثالثة والرابعة وههما قانون فارادي وقانون أمبير المعدل الحصول على معادلة تفاضلية من الدرجة الثانية وعندما حل هذه المعادلة تبين له أن المجالات الكهربائية والمغناطيسية لا بد وأن تنتشر على شكل موجات في الفضاء وبهذا فقد أثبت وتنبأ من خلال التحليل الرياضي البحت وجود ما يسمى بالموجات الكهرومغناطيسية (electromagnetic waves). ويمكن لنا من خلال تمعن معادلات ماكسويل وبدون حلها أن نستشف ونستنتج معظم ظواهر الكهرومغناطيسية وخاصة حقيقة وجود الموجات الكهرومغناطيسية ففي حالة وجود شحنات كهربائية ساكنةفقط  (r)  فإن المعادلة الأولى تؤكد وجود مجال كهربائي ساكن فقط ولا وجود للمجال المغناطيسي حيث أن الطرف الأيمن من المعادلة الرابعة يساوي صفر. وفي حالة وجود تيار كهربائي ثابت فقط  (J)  فإن المعادلة الرابعة تؤكد وجود مجال مغناطيسي ساكن فقط ولا وجود للمجال الكهربائي حيث أن الطرف الأيمن من المعادلة الأولى يساوي صفر. وفي حالة وجود شحنات كهربائية متغيرة فقط  فإن المعادلة الأولى تؤكد وجود مجال كهربائي متغير وهذا المجال الكهربائي المتغير سيولد مجالا مغناطيسيا متغيرا كما هو واضح من المعادلة الرابعة حيث أن الحد الثاني من طرفها الأيمن لا يساوي صفر. إن هذا المجال المغناطيسي المتولد من المجال الكهربائي الذي ولدته الشحنة الكهربائية ابتداءا  سيولد بدوره مجالا كهربائيا جديدا حوله كما هو واضح من المعادلة الثالثة وهكذا تتوالى هذه السلسلة حيث يقوم كل من نوعي المجال بتوليد الأخر حسب المعادلتين الثالثة والرابعة وبهذا سيمتلئ كامل الفضاء بهذه المجالات الكهربائية والمغناطيسية  المتفاعلة والتي أطلق عليها ماكسويل اسم الموجات الكهرومغناطيسية. إن مثل هذه الموجات يمكن أن نحصل عليها أيضا من تيار كهربائي متغير فقط كما هو واضح من المعادلة الرابعة حيث سيولد هذا التيار مجالا مغناطيسيا متغيرا يقوم بدوره بتوليد مجال كهربائي متغيير تبعا للمعادلة الثالثة وهكذا دواليك.  لقد تحققت نبوءة ماكسويل بوجود الموجات الكهرومغناطيسية على يد عالم الفيزياء الألماني هينرتش هيرتز (Heinrich Hertz) (1857-1894م) وذلك في عام 1887م حيث تمكن من توليد الموجات الكهرومغناطيسية باستخدام أشكال بسيطة من الهوائيات. ومنذ أن صاغ ماكسويل قوانين الكهرومغناطيسية في معادلاته الأربع لم يتم إضافة إلا الشيء القليل إلى علم الكهرومغناطيسية النظري. أما في المجال التطبيقي فقد تم استخدام هذه المعادلات بشكل كبير من قبل المهندسين الكهربائيين لحل كثير من المسائل كانتشار الموجات في الأوساط المختلفة كخطوط النقل  ومرشدات الموجات والألياف الضوئية وفي تصميم هوائيات الإرسال والإستقبال وفي تطبيقات أخرى لا حصر لها.

      


 الطيف الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Spectrum)  

يتكون الطيف الكهرومغناطيسي  من ثلاثة أجزاء رئيسية وهي الطيف الراديوي (radio spectrum) الذي يمتد من الصفر حتى 300 جيغاهيرتز والمستغل بأكمله في أنظمة الاتصالات الراديوية وطيف الأشعة المرئية وما تحت الحمراء والذي يمتد من 300 جيغاهيرتز إلى ثلاثة ملايين غيغاهيرتز والمستغل جزئيا في أنظمة الاتصالات الضوئية وأجهزة الرؤيا الليلية وطيف الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية والكونية والتي يتعذر استخدامها لصعوبة توليدها ولخطورتها على الكائنات الحية إلا في بعض التطبيقات الطبية والصناعية كاستخدام الأشعة السينية في تصوير الأجسام الحية واختبار المواد. ونظرا للتباين الكبير في خصائص الموجات الكهرومغناطيسية الراديوية من حيث طرق توليدها  وانتشارها وأنواع الهوائيات المستخدمة فيها فقد تم تقسيمها إلى عدة مناطق وهي الترددات مفرطة الإنخفاض (extremely low frequency ELF) (3 إلى 30  هيرتز) والترددات فائقة الإنخفاض (super low frequency SLF) (30 إلى 300  هيرتز) والترددات بالغة الإنخفاض (ultra low frequency ULF) (300 إلى 3000  هيرتز) والترددات المنخفضة جدا (very low frequency VLF ) (3  إلى 30 كيلوهيرتز) والترددات المنخفضة (low frequency LF) (30  إلى 300 كيلوهيرتز) والترددات المتوسطة (medium frequency MF)  (300  إلى 3000 كيلوهيرتز) والترددات العالية (high frequency HF) (3 إلى 30 ميغاهيرتز) والترددات العالية جدا (very high frequency VHF) (30  إلى 300 ميغاهيرتز) والترددات بالغة العلو(ultra high frequency UHF) (300 إلى 3000 ميغاهيرتز) والترددات فائقة العلو(super high frequency SHF) (3 إلى 30 جيغاهيرتز) والترددات مفرطة العلو(extremely high frequency EHF) (30  إلى 300 جيغاهيرتز). لقد أحدث اختراع العنصر الإلكتروني المسمى بالصمام الثلاثي (triode valve) على يد المهندس الكهربائي الأمريكي لي ديفورست (Lee Deforest) في عام 1906م ثورة في أنظمة الاتصالات الكهربائية. فإلى جانب استخدام هذا العنصر في المضخمات الإلكترونية(electronic amplifiers) فقد تم استخدامه في المذبذبات الإلكترونية (electronic oscillators) التي تقوم بتوليد الترددات اللازمة لحمل إشارات المعلومات. لقد تم استخدام  هذه المذبذبات في العشرينيات من القرن العشرين  لتوليد الترددات المنخفضة والمتوسطة ثم  العالية في الثلاثينيات ثم العالية جدا وبالغة العلو في الأربعينات. وتستخدم اليوم الترانزستورات كبديل عن هذه الصمامات لتوليد الترددات في جميع أجزاء الطيف الراديوي إلا أن الصمامات لا زالت مستخدمة لتوليد الترددات في الأنظمة ذات القدرات العالية كما في محطات البث الإذاعي والتلفزيوني وفي أنظمة الرادار.  وتواجه مصممي أنظمة الاتصالات الراديوية أو اللاسلكية مشكلة توفير الترددات اللازمة  لأعداد كبيرة ومتزايدة من أنظمة الاتصالات المختلفة كأنظمة البث الإذاعي والتلفزيوني والهواتف اللاسلكية والخلوية وأنظمة الأقمار الصناعية وأنظمة الرادار وأنظمة الاتصالات العسكرية والمدنية وأنظمة الملاحة الجوية والبحرية والبرية. ويعود  السبب في هذه المشكلة للعدد المحدود من الترددات المتاحة في الطيف الكهرومغناطيسي ولكون جو الأرض  وسطا مشتركا تنتشر فيه جميع الترددات التي تبثها الأنظمة اللاسلكية مما يمنع إعادة  استخدام نفس التردد  في نفس المنطقة تجنبا لتداخل إشارات الأنظمة المختلفة.  وقد استخدمت أنظمة الاتصالات معظم مناطق الطيف الراديوي باستثناء الترددات بالغة العلو التي حال دون استخدامها تأثرها الكبير بالأحوال الجوية بسبب قصر طول موجتها ولكن مع تزايد الطلب على استخدام الأقمار الصناعية وشح الترددات المتاحة فقد بدأ باستخدام هذه الترددات في بعض التطبيقات. يتم تخصيص الترددات للمستخدمين من قبل هيئات تنظيم قطاع الاتصالات الوطنية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للاتصالات (International Telecommunication Union ITU) الذي يحدد الترددات المتاحة لأنظمة الاتصالات المختلفة والذي عادة ما يسمح بإعادة استخدام نفس التردد شريطة عدم وجود تداخل بين الأنظمة المختلفة وذلك بالاستفادة من التباعد الجغرافي وقدرة البث المحدودة واستخدام طرق تعديل وتشفير واستقطاب مختلفة. ولقد  تم تخصيص أجزاء من الطيف الراديوي لبعض التطبيقات المهمة بشكل دائم  كتخصيص جزء  من  الترددات المتوسطة  (540 إلى 1700 كيلوهيرتز)  للبث الإذاعي متوسط الموجة  بواقع تسعة كيلوهيرتز لكل محطة وجزء من الترددات العالية للبث الإذاعي قصير الموجة  وجزء من الترددات العالية جدا (من 88  إلى 108 ميغاهيرتز) للبث الإذاعي بتعديل التردد بواقع مائتي كيلوهيرتز لكل محطة وأجزاء من الترددات العالية جدا ( من 54  إلى 88  ومن 174 إلى 216ميغاهيرتز)  وجزء كبير من الترددات فوق العالية (470 إلى 824 ميغاهيرتز)  للبث التلفزيوني  بواقع ستة ميغاهيرتز لكل محطة. أما أنظمة اتصالات الأقمار الصناعية  والأمواج الدقيقة والرادارات فتستخدم الترددات التي تمتد من واحد إلى مائة  جيقاهيرتز. 



 انتشار الموجات الكهرومغناطيسية

تتكون الموجة الكهرومغناطيسية من مجال كهربائي وآخر مغناطيسي متعامدان على بعضهما البعض في الفضاء ويتغيران بشكل دوري مع الزمن وبحيث تنتشر الموجة باتجاه يتعامد مع اتجاهي المجالين الكهربائي والمغناطيسي حسب قاعدة معينة. وتنتشر الموجات الكهرومغناطيسية في الأوساط المختلفة  بسرعة ثابتة تتحدد من قيم السماحية الكهربائية (permittivity) والنفاذية المغناطيسية (permeability) للوسط المعني حيث تساوي معكوس الجذر التربيعي لحاصل ضرب السماحية في النفاذية. وتبلغ سرعة الانتشار في الفضاء الحر ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية تقريبا وهي نفس سرعة الضوء في الفراغ والذي ما هو إلا أحد أشكال الموجات الكهرومغناطيسية كما اكتشف ذلك ماكسويل. إن سرعة أنتشار الموجات في أي وسط لا يمكن أن تزيد عن سرعتها في الفراغ  لأن قيم السماحية والنفاذية لهذه الأوساط أعلى من قيمهما في الفراغ. وعندما تنتشر موجة كهرومغناطيسية في وسط ما فإن المسافة بين قمتين من قممها مقاسة بالأمتار يسمى طول الموجة (wavelength) والتي تساوي حاصل تقسيم سرعة إنتشار الموجة على ترددها (frequency). إن نسبة شدة المجال الكهربائي إلى شدة المجال المغناطيسي في الموجة الكهرومغناطيسية يسمى المعاوقة المتأصلة (intrinsic impedance) والتي تساوي الجذر التربيعي لحاصل قسمة النفاذية على السماحية للوسط الذي تنتشر فيه هذه الموجة. ويعرف إستقطاب الموجة (wave polarization) بأنه الإتجاه الذي يشير إليه مجالها الكهربائي في الفضاء وعند إتخاذ سطح الأرض كمرجع فإن الموجة تكون عامودية الإستقطاب (vertical polarization) إذا كان إتجاه مجالها الكهربائي عاموديا على سطح الأرض  وأفقية الإستقطاب (horizontal polarization) إذا كان إتجاه مجالها الكهربائي موازيا لسطح الأرض.  وتسير الموجات الكهرومغناطيسية في الفراغ  أو في أي  وسط متجانس على شكل خطوط مستقيمة ولكنها قد تتعرض لظواهر عدة عند انتقالها من وسط إلى وسط وهي ظواهر الإنعكاس (reflection) والإنكسار (refraction) والحيود (diffraction) والتشتت (scattering).   فعند إنتقال موجة كهرومغناطيسية من وسط إلى وسط بينهما حد منتظم غير متعرج فإن جزءا من هذه الموجة سينعكس راجعا في الوسط الذي جاء منه وبحيث تساوي زاوية الإنعكاس زاوية السقوط بينما ينفذ الجزء المتبقي من الموجة الساقطة إلى الوسط الثاني ويسير فيه بشكل منكسر حيث تتحدد زاوية الإنكسار من زاوية السقوط وكذلك معاملات الإنكسار (refractive index) لكلا الوسطين حسب قانون سنل (Snell's Law). وإذا ما سقطت موجة على وسط ذي سطح متعرج فإن الإنعكاس لن يكون في اتجاه واحد بل في اتجاهات متعددة وتسمى هذه الظاهرة بظاهرة التشتت. وعندما تسقط موجة على جسم له أبعاد تقل عن طول الموجة فإن هذه الموجة لن تتأثر كثيرا بوجود هذه الجسم بل ستحيد عنه وتكمل مسارها وتسمى هذه الظاهرة بظاهرة الحيود. وجدير بالذكر أن جميع المعادن لا تسمح بالموجات الكهرومغناطيسية بالنفاذ من خلالها بل تعكسها كليا إلى الوسط الذي جاءت منه وعليه فإنه لا يمكن إستقبال أو إرسال هذه الموجات من داخل مباني جدرانها وأسقفها من المعادن.  وبما أن معظم أنظمة الاتصالات الكهربائية تعمل على سطح الأرض الكروية الشكل وكذلك ضمن الغلاف الجوي المحيط بها والذي تتغير خصائصه بشكل مستمر مع تغير الليل والنهار وتغير الفصول فإنها تتعرض في الغالب إلى عدد من الظواهر بعضها ذا فائدة كبيرة لبعض أنظمة الاتصالات وبعضها الآخر يقلل من حسن أدائها. ومن هذه الظواهر انعكاس الأمواج عند ارتطامها بالأرض وبعض طبقات الغلاف الجوي مما يؤدي إلى تغيير اتجاه انتشارها ومنها انكسار الأمواج عند انتقالها من طبقة إلى طبقة أخرى في الغلاف الجوي وهناك ظاهرة الحيود حيث تقوم بعض الأمواج بتخطي بعض العوائق الطبيعية وتكمل مسارها وهناك الفقد الناتج عن امتصاص مكونات الغلاف الجوي لبعض طاقة الأمواج  وهناك التبعثر الناتج عن ارتداد جزء من الموجة عند ارتطامها بمنطقة غير متجانسة في الغلاف الجوي. ويمكن تقسيم الموجات من حيث طريقة انتشارها فوق سطح الأرض وضمن الغلاف الجوي إلى ثلاثة أنواع وهي الموجات السطحية والسماوية والفضائية.


الموجات السطحية أو الأرضية (Surface or Ground Waves)

 تعرف الموجات السطحية أو الأرضية بأنها تلك التي تسير ملاصقة لسطح الأرض وينحي مسار انتشارها مع انحناء سطح الأرض ويعود السبب في ذلك إلى ظاهرة حيود الموجات الكهرومغناطيسية حول سطح  الأرض الكروي الشكل. وقد وجد العلماء  أنه كلما قل تردد الموجة الراديوية كلما ازداد حيودها وتسير بذلك مسافات طويلة ملاصقة لسطح الأرض.  وعلى العكس من ذلك فكلما ازداد ترددها كلما قل حيودها حيث تختفي ظاهرة الحيود حول الأرض تدريجيا عند بداية نطاق الترددات العالية ( ما يزيد عن 3 ميغاهيرتز)  أي أن ظاهرة الحيود تظهر بشكل واضح  في الترددات المتوسطة والمنخفضة وما دونها. ولقد تم الاستفادة من هذه الظاهرة لبناء أنظمة اتصالات بعيدة المدى كأنظمة البث الإذاعي التي تعمل في نطاق الترددات المتوسطة والتي قد تصل تغطيتها لعدة آلاف من الكيلومترات وكذلك في أنظمة الاتصالات البحرية التي تعمل في نطاق الترددات المنخفضة وتصل تغطيتها لعشرات آلاف من الكيلومترات. إلا أن عيبها يكمن في حاجتها لقدرات بث عالية نظرا للفقد الذي تتعرض له الموجة من قبل امتصاص بعض طاقتها من قبل سطح الأرض وعادة ما يستخدم الاستقطاب العامودي في هذه الموجات للتقليل من أثر الفقد وذلك لكون إتجاه المجال الكهربائي عموديا على سطح الأرض.  

       


الموجات السماوية (Sky Waves)

يستفيد هذا النوع من الموجات من وجود مناطق عالية التأين في طبقات الجو العليا يطلق عليها اسم طبقات الأيونسفير (Ionosphere layers) والتي تمتد في الجو من خمسين كيلومتر إلى ما يزيد عن أربعمائة كيلومتر فوق سطح الأرض. ويعود السبب في ظهور هذه الطبقات لتأين ذرات الهواء المختلفة من الإشعاعات القادمة من الشمس وخاصة الأشعة فوق البنفسجية ولذلك فإن هذه الطبقات تكون عالية التأين  عند منتصف النهار  وقليلة التأين أثناء الليل حيث تختفي الطبقات القريبة من الأرض تماما. وتعمل هذه الطبقات على رد بعض أنواع الأمواج الراديوية الموجهة إليها من محطات البث الأرضية ثانية إلى الأرض حيث تتحدد قوة الموجة المنعكسة على زاوية السقوط وارتفاع الطبقة التي عملت على ردها وكذلك درجة تأينها. ولحسن الحظ أن طبقة الأيونسفير لا تعكس إلا الترددات الواقعة في نطاق الترددات العالية وما دونها (أقل من 30 ميغاهيرتز) وإلا لما كان بإمكاننا استخدام  الأقمار الصناعية  في أنظمة الاتصالات الحديثة. ولقد تم الاستفادة من طبقة الأيونسفير في بناء أنظمة اتصالات بعيدة المدى حيث يتم توجيه هوائيات الإرسال  باتجاه طبقة الأيونسفير بزاوية محددة فتنعكس الأمواج عنها باتجاه منطقة أخرى على سطح الكرة الأرضية وتصل تغطية مثل هذه الأنظمة لعدة آلاف من الكيلومترات. وتعمل أنظمة البث الإذاعي ذات الترددات العالية (الموجات القصيرة) بناء على هذا المبدأ ولكن عيبها أنها لا تعمل إلا في أوقات زمنية محددة وذلك بسبب تغير خصائص طبقة الأيونسفير مع تغير موقع الشمس التي هي المسبب الرئيس في عملية تأين هذه الطبقات.

 

الموجات الفضائية (Space Waves)

الموجات الفضائية هي تلك الموجات التي تسير في خطوط مستقيمة فلا تستطيع الأرض أن تحيدها عن مسارها المستقيم ولا تتمكن طبقة الأيونسفير كذلك من اعتراض طريقها بل تنفذ من خلاله دون فقد يذكر. وتشمل هذه الموجات  جميع الترددات التي تزيد عن 30 ميغاهيرتز أي نطاق الترددات العالية جدا وما فوقها. ونظرا لأن هذه الموجات تسير  في خطوط مستقيمة فلا بد من توفر ما يسمى بخط النظر بين هوائي الإرسال وهوائي الاستقبال (line of sight) لإتمام عملية الاتصال بينهما. ونعني بخط النظر بين الهوائيين أنه لو تم مد خط مستقيم بينهما فيجب أن لا ينقطع هذا الخط بأي عائق مادي يحول دون وصول الأمواج من هوائي الإرسال إلى هوائي الاستقبال. وبسبب أن الأرض كروية الشكل فيجب أن لا تزيد المسافة  بين الهوائيين عن مسافة محددة وإلا انقطع خط النظر بينهما نتيجة لتبعج الأرض بينهما. وتتحدد مسافة الإرسال القصوى بين الهوائيين من ارتفاع كل منهما عن سطح البحر والذي يساوي ارتفاع موقع الهوائي عن سطح البحر مضافا إليه طول الهوائي وكذلك من ارتفاعات الجبال الواقعة بينهما. ولقد وجد عمليا أن المسافة القصوى بين الهوائيات لا تتجاوز في الغالب مائة كيلومتر وذلك نتيجة للصعوبات الفنية والاقتصادية  في بناء أبراج عالية للهوائيات. إن هذه التحديد في المسافة القصوى  بين الهوائيات ليس عائقا دون بناء أنظمة اتصالات بعيدة المدى بين المدن وبين الدول طالما أنه لا يوجد عوائق طبيعية كالبحار والمحيطات  تفصل بينها وذلك باستخدام ما يسمى بالأنظمة متعددة القفزات (multihop). يتكون نظام الاتصالات متعدد القفزات من مرسل رئيس موجود عند مصدر المعلومات ومستقبل رئيس موجود عند مورد المعلومات ومن عدة محطات تقوية تسمى المعيدات (repeaters) حيث يستقبل المعيد الإشارة الضعيفة من هوائي الاستقبال ويقوم بتكبيرها ثم يبثها بهوائي الإرسال  باتجاه المعيد الذي يليه وهكذا حتى تصل الإشارة للمستقبل الرئيس. أما بخصوص الدول التي يفصل بينها عوائق طبيعية كالمحيطات مثلا فلم يكن بالإمكان استخدام الأمواج الفضائية في أنظمة الاتصالات إلى أن تم استخدام الأقمار الصناعية كمعيدات معلقة في السماء في عام 1957م. وتستخدم هذه الموجات الفضائية  في أنظمة البث التلفزيونية وفي البث الراديوي بتعديل التردد وفي أنظمة الهواتف الخلوية وفي معظم وصلات أنظمة الاتصالات كما في أنظمة اتصالات الأمواج الدقيقة وأنظمة الأقمار الصناعية والرادارات وأنظمة الاتصالات الفضائية.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق