أي الفريقين أحق بالأمن
أهل التوحيد من السنة والجماعة أم أهل
الضلالات من الشيعة والمتصوفة
الأستاذ الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
أعجب كل
العجب من المسلم الذي يقرأ القرآن الكريم ثم تجده يمارس عبادات وطقوس فيها الكثير
من الشرك الذي حذر ت منه آيات قرآنية كثيرة أشد التحذير وخوفت منه
أشد التخويف. والأعجب من هذا أن بعض طوائف المسلمين التي تقوم بهذه الطقوس الشركية
كالشيعة وبعض المتصوفة يتهجمون بل قد يكفرون أهل التوحيد الخالص من أهل السنة
والجماعة وذلك لمحاربتهم هذه الطقوس التي لم ينزل بها سلطان من الله عز وجل. ولقد شن هؤلاء بزعامة شيعة
إيران حملة شرسة على علماء أهل السنة والجماعة في جزيرة العرب الذين يطلقون عليهم اسم
الوهابية لكي يظن بعض العامة أنهم ليسوا من أهل الستة والجماعة. وحركة الشيخ محمد
بن عبد الوهاب هي حركة دينية قامت على عقيدة السلف الصالح وقامت بتطهير جزيرة
العرب بل جميع دول العالم الإسلامي من كثير من العبادات والطقوس الشركية كالتوسل والتبرك
بالرسل والأنبياء والأولياء وبناء الأضرحة والمقامات على قبورهم والتمسح بها والطواف
حولها وتقديم النذور والهدايا لمن يقوم عليها وإقامة الموالد للأنبياء والأولياء. ومن المعلوم أن دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب قامت على
إحياء فكر الشيخيين ابن تيمية وابن قيم
الجوزية وهما من أهل الشام وذلك في نبذ العادات الملتبسة
بالشرك إلا أنه قام بحربها باليد واللسان بعد
التحالف مع الأمير محمد بن سعود,
إن الأسلم لأي مسلم عاقل أن يبتعد
عن أي نوع من العبادات والطقوس التي لم ينزل بها نص واضح في القرآن الكريم أو
السنة النبوية. فالمسلم الذي يبتعد عن مثل
هذه العبادات ستكون حجته قوية أمام الله عز وجل لعدم القيام بها كأن يقول ما تركتها
يا رب إلا خوفا من أن تكون نوعا من الإشراك بك. وفي المقابل ستكون حجة من قام بمثل هذه العبادات
غير المفروضة ضعيفة جدا إذا ما قال الله عز وجل له ألم أحذرك تحذيرا شديدا من
الوقوع بالشرك. إن الحجج التي يحاجج بها
الشيعة والمتصوفة بخصوص هذه العبادات لا تختلف أبدا عن حجج جميع المشركين على مر
العصور. فهاهم مشركي قوم إبراهيم عليه السلام يحاجونه وهو يدعوهم لعبادة الله وحده
وترك عبادة الأصنام كما جاء في قوله تعالى "وَحَاجَّهُ
قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا
تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ
عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا
تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ
سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ
الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ
عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
(83)" الأنعام
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ
لا يمكن
لمسلم عاقل أن يقوم بعبادة من العبادات أو طقس من الطقوس إذا كان يشك أن فيها نوعا
من أنواع الشرك ولو كانت الاحتمالية واحد من بلايين البلايين بعد أن حذره الله عز
وجل من أنه لن يغفر له هذا الذنب. فالمسلم الذكي لا يمكنه أن يخاطر بالقيام بعبادة
قد تؤدي به إلى النار فترك هذه العبادة
قد يغفرها الله عز وجل حتى لو كانت صحيحة ولكنه
لا يغفرها إذا كان فيها نوع من أنواع الشرك. إن الآيات التي تحذر تحذيرا
شديدا من الوقوع في الشرك كثيرة
كما في قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)" النساء وقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
بَعِيدًا (116)"
النساء وقوله تعالى "وَإِذْ قَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)"
لقمان وقوله تعالى "قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ
أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا
غُرُورًا (40)" فاطر وقوله
تعالى "قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ
تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ
وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ
الشَّاكِرِينَ (66)" الزمر .
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى
إن القيام ببعض الطقوس كطواف
الشيعة بقبور أهل البيت وقبور ملاليهم والتمسح بها وطلب العون ممن فيها من
الأموات وكذلك الحال مع المتصوفة عند قبور أقطابهم لا شك أنه نوع من أنواع الشرك
بالله عز وجل. فهذا النوع من العبادة عند الشيعة والمتصوفة لا يختلف كثيرا عن
عبادة المشركين لأصنامهم فكلاهما يقر
بوجود إله واحد ولكنهم يقولون أن هذه الأصنام عند المشركين وهؤلاء
الأموات عند الشيعة والمتصوفة وسائل
تقربهم إلى الله عز وجل كما جاء في قوله تعالى عنهم "إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ
مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)"
الزمر.
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
إن أسوأ
أنواع الشرك هو الطاعة العمياء لما يسمى برجال الدين والذين غالبا ما يستغلون هذه
الطاعة لتحقيق مآربهم من أكل أموال أتباعهم وفتك أعراضهم وتشويه معتفداتهم. إن
عبادة الأصنام قد تكون أهون من الطاعة العمياء لرجال الدين فالأصنام لا تأمر ولا
تنهى ولا تكلف الناس شيئا بينما يكلف رجال
الدين الضالين أتباعهم أكثر مما يطيقون. ولقد حذر القرآن الكريم المسلمين من مثل
هذه الطاعة العمياء وأكد على أنها من أكبر أنواع الشرك فقال عز من قائل "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَالْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا
وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)" التوبة. فقد روى الطبري في تفسيره لهذه الاية (10/114): حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، عَنْ قَيْسِ بن الرَّبِيعِ، عَنْ عَبْدِالسَّلامِ بن حَرْبٍ النّهديّ
عَنْ غَطِيفِ عَن مُصْعَبِ بن سَعْدٍ عَن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ قال: سمعت النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ سورة براءة، فلما قرأ {اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أرباباً من دون الله} قلت: يا رسول الله، أما إنهم لم يكونوا يصلون لهم!
قال: ((صدقت، ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه، ويحرمون ما أحل الله
لهم فيحرمونه. وحذر
القرآن الكريم كذلك من أن رجال الدين قد يستغلون العاطفة الدينية فيأخذون أموال
أتباعهم بالباطل فقال عز من قائل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ
وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا
يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)" التوبة.
وعلى
الرغم من هذا التحذير لهذا النوع من الشرك إلا أن بعض طوائف المسلمين كالشيعة
والمتصوفة قد وقعوا فيه بشكل أسوأ مما وقع فيه أهل الأديان السابقة. فالشيعة يعتبرون أئمتهم و ملاليهم وما يسمونهم
آيات الله رجالا مقدسين منزهين عن الخطأ
ولذا فهم ينفذون كل ما يأمرونهم به من تعاليم ولو
لم تقبله عقولهم وحتى لو خالفت صريح القرآن الكريم. بل إن ملالي الشيعة يفرضون على أتباعهم دفع خمس
أموالهم يزينون ببعضها قبور أوليائهم ويأكلون ما تبقى بالباطل بل وصل الحد ببعضهم
تقديم بناتهم لهؤلاء الملالي للتمتع بهن معتقدا أنه قد قدم قربى عظيمة لله عز وجل
وصدق الله العظيم القائل " أَفَحَسِبَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا
أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) " الكهف. وأما المتصوفة فإلى جانب ضلالات الشيعة فإنهم
يزيدون عليهم بضلالات في صلب العقيدة كوحدة الوجود والحلول والاتحاد والكشف الإلهي
والالهام والكرامات وغيرها.
وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا
الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا
ومن
أنواع الشرك التعظيم والتقديس الزائد للأنبياء والرسل الذي قد يصل إلى حد الربوبية
خاصة عندما يشاهد الناس المعجزات التي تجري على أيديهم والإخبار عن الغيب فيعتقدون أنها قدرات ذاتية فيهم ولذا حذر القرآن الكريم البشر من هذا الاعتقاد فقال
عز من قائل "وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ
وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ (80)"
آل عمران. ولقد كان نبيا محمد صلى الله عليه وسلم حريصا أشد الحرص من أن يقع أتباعه في مثل هذا الشرك كما وقعت فيه أمم
سابقة. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم: " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا
عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " مُتَفَقٌّ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ، وكذلك ما روى
النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء
الله وشئت، فقال : (أجعلتني لله نداً؟
ما شاء الله وحده, ولقد أكد القرآن
الكريم على بشرية الأنبياء والرسل وأنه يعتريهم ما يعتري البشر من الضعف لولا
تأييد الله عز وجل لهم فقال عز من قائل "وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا
أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)" الإسراء والقائل
سبحانه "قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي
نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ
لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا
نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)" الأعراف
والقائل سبحانه "قَالَتْ لَهُمْ
رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)" إبراهيم. وإذا
كان الأنبياء والرسل لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فهم كذلك لا يملكون لغيرهم النفع والضر وعليه فإن طلب بعض
الناس العون من الرسل سواء في حياتهم أو بعد مماتهم معتقدين قدرتهم على ذلك هو نوع
من الشرك.
من كان يعبد محمدًا فإنّ
محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت
ضرب الصحابة أمثلة رائعة تدل دلالة واضحة على رسوخ
التوحيد الخالص في نفوسهم وفهمهم العميق للدين. فمكانة الأنبياء والرسل في نفوسهم
مهما بلغت في العلو فإنها تتضاءل أمام توقيرهم لله عز وجل ومصلحة الاسلام. ومن هذه
الأمثلة الرائعة موقف خليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند موت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان
موقنا أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشر وأنه لا
شك في موته وأن دوره كرسول قد انتهى بمجرد موته. وعلى الرغم من الحب الشديد
الذي يكنه أبو بكر الصديق لنبيه والصحبة
الطويله معه إلا أنه آثر مصلحة الإسلام
والمسلمين على الجلوس عند الجسد الشريف للنبي فخرج مسرعا لاجتماع الصحابة من المهاجرين
والأنصار لتسوية أمر الخلافة ولكي لا
ينفرط عقد الدولة الإسلامية التي أسسها رسولنا الكريم. فقد روى البخاري في صحيجه : حدثنا إسماعيل
بن عبد الله حدثنا سليمان
بن بلال عن هشام بن
عروة قال أخبرني عروة بن
الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح قال إسماعيل يعني بالعالية فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت
وقال عمر والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله
فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله قال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لا
يذيقك الله الموتتين أبدا ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكرجلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه
وسلم فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال إنك ميت وإنهم ميتون وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين قال فنشج الناس يبكون قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت
أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر [ ص: 1342
] فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس.
أعلم
أنك حجر لا تضر ولا تنفع
أما الموقف الثاني فهو موقف
خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك عند تقبيله الحجر الأسود حيث
قال كلمته الخالدة التي دحضت شبهة أن المسلمين تركوا عبادة الأصنام وبدأوا بعبادة
أحجار الكعبة. فقد روى البخاري في صحيحه: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن
ربيعة عن عمر رضي الله عنه أنه جاء
إلى الحجر الأسود فقبله فقال إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما
قبلتك.
وقد قال الطبري معلقا على هذا الأثر : إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في
الجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان.
والله لا أقوم إليه
فإني لا أحمد إلا الله عز وجل
أما الموقف الثالث فهو أعجب من سابقيه في دلالته على التوحيد الخالص وقد حدث
مع أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق
رضي الله عنهما بعد ثبوت براءتها من الإفك الذي نسب إليها. فعلى الرغم من حداثة
سنها فإنها أبت أن تقوم لتسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشكره بعد نزول
الوحي ببراءتها موقنة بأن الله وحده هو
الذي يجب أن يحمد في مثل هذا الموقف ومع يقيني أنها ما فعلت ذلك إلا كنوع
من الدلال والعتب على زوجها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. لقد تأكد لأمنا عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم الغيب فهو لا يدري قبل
نزول الوحي أهي بريئة أم غير بريئة وتأكدت كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يملك لها نفعا أو ضرا إلا إذا شاء الله عز وجل. فقد جاء
في حديث الإفك الذي رواه البخاري في صحيحه (ثم قال أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك
كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه
فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه
وسلم عني فيما قال فقال أبي والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت لأمي أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت أمي والله ما أدري ما
أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن
كثيرا إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به
فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة
لتصدقني فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف حين قال فصبر
جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم أني حينئذ بريئة وأن الله مبرئي
ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى لشأني في نفسي كان
أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في النوم رؤيا يبرئني الله بها فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه
ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه من العرق
مثل الجمان وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فسري عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال يا عائشة أما الله فقد برأك قالت فقالت لي أمي قومي إليه فقلت والله لا
أقوم إليه فإني لا أحمد إلا الله عز وجل قالت وأنزل الله تعالى إن الذين
جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات ثم أنزل الله هذا في براءتي).
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق