فتحنا عليهم أبواب كل شيء

فتحنا عليهم أبواب كل شيء

 

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

               

                عندما يتدبر المرء بعض آيات القرآن الكريم يتأكد له أنها لا يمكن أن تكون قد صدرت عن بشر مهما بلغ علمه لأنها تتحدث عن أمور إما أن تكون غيبية أو أنها أمور كبرى تتعلق بحال كامل أهل الأرض. ومن هذه الآيات قوله تعالى "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)" الأنعام وقوله تعالى "إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)" يونس.   ولقد أشكل على المفسرين تفسير مثل هذه الآيات خاصة قوله تعالى "فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ " وقوله تعالى " حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ".  وسأحاول في هذه المقالة إثبات أن هذا العصر الذي نعيش فيه هو العصر الذي فتح الله عز وجل فيه على البشر أبواب كل شيء وهو العصر الذي تزخرفت فيه الأرض وتزينت بشتى أنواع الإنجازات  كالمباني الشاهقة وشبكات الطرق والسكك الحديدية الهائلة والأنفاق والجسور والسدود ووسائل النقل السريعة من مركبات وقطارات وطائرات وسفن وشبكات المعلومات والاتصالات وأنظمة الإضاءة والتدفئة والتبريد وأنظمة التحكم والقياس والتجسس والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والأجهزة الطبية والأجهزة المنزلية ووسائل الترفيه المختلفة.   

إنما أوتيته على علم عندي

يعتقد كفار البشر أن ما يكتشفونه من علوم أو ما يحققونه من إنجازات في شتى مجالات الصناعة والزراعة والنقل وتقنيات الاتصالات والمعلومات والتطبيب أو ما يستخرجونه من خيرات وكنوز هذه الأرض إنما هو نتيجة حتمية للجهد الذي يبذلونه في سبيل الحصول عليها. إن هذا الإدعاء  يتمثل في ما ادعاه قارون من أنه جمع ما جمع من أموال وكنوز بعلمه وجهده وعليه فإن له الحق أن يتصرف فيها كيفما يشاء كما جاء ذلك في قوله تعالى "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)" القصص.  ولقد كان عاقبة هذا الإدعاء والاستكبار والجحود من قارون أن خسف الله به وبما يملك من ثروات إلى باطن الأرض كما جاء ذلك في قوله تعالى "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)" القصص.

ذلكما مما علمني ربي

وفي المقابل نجد يوسف عليه السلام يعزو علمه بتأويل الأحاديث وغير ذلك من العلوم إلى خالقه عز وجل وليس لنفسه كما جاء ذلك في قوله تعالى  "قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكـْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)" يوسف. فالمؤمنون بالله سبحانه وتعالى وعلى الرغم من إيمانهم بوجود قوانين محددة تحكم تصرفات جميع الأشياء في هذا الكون وأن هناك ارتباطا وثيقا بين الأسباب والنتائج إلا أنهم في المقابل  يؤمنون إيمانا لا يعتريه أي شك بأنه لا يمكن لأي إنسان أن يكتسب علما أو رزقا إلا بمشيئة الله عز وجل مصداقا لقوله تعالى "وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ" البقرة 255 وقوله تعالى "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)" القصص. وقد يستنج البعض من هذا  أن الله قد يحتاج لأن يخرق القوانين التي يعمل على أساسها هذا الكون لكي تسير الأمور وفق مشيئته وقد غاب عن أذهانهم أن الله هو الذي قام ابتداء بتصميم هذا الكون ويعلم علما مطلقا ما سيكون عليه حال جميع موجوداته عند  كل لحظة مصداقا لقوله تعالى "قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)" طه  . فالله يعلم علم اليقين عندما خلق هذا الكون الحال الذي ستكون عليه كل ذرة من ذراته وكل مخلوق من مخلوقاته وكيف ستتصرف هذه المخلوقات على مدى عمر هذا الكون مصداقا لقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)" آل عمران  وقوله سبحانه "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)" سبأ  وقوله سبحانه "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)" الأنعام وقوله عز من قائل"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)" الملك.

إن المهندس الذي يقوم بتصميم وتصنيع جهاز ما يستطيع أن يتنبأ إلى حد ما بالكيفية التي سيتصرف بها هذا الجهاز وذلك لمعرفته المسبقة بالقوانين والمعادلات التي تحكم عمله. والله سبحانه وتعالى الذي أحاط بكل شيء علما يعلم تمام العلم ما سيكون عليه حال الكون الذي أبدعه وصنعه ابتداء من الذرات وما فيها من جسيمات وانتهاء بالسماوات وما فيها من مجرات وما يعيش فيها من مخلوقات. وقد يقول قائل أن مكونات الأجهزة التي يقوم بتصنيعها المهندسون ليس لها إرادة وإنما تحكم تصرفاتها قوانين ثابتة ولذلك فإنه يمكن التنبؤ بتصرفاتها في المستقبل. أما موجدات هذا الكون ففيها مخلوقات لها إرادة كالإنسان يمكنه أن يتدخل ويغير مجريات الأحداث في هذا الكون بما يتناقض مع إرادة الله! والجواب على هذا أن الإنسان هو خلق من مخلوقات الله وهو الذي منحه هذه الإرادة ويعرف تمام المعرفة كيف سيتصرف هذا الإنسان وفق هذه الإرادة  أو المشيئة النسبية المرتبطة بمشيئة الله عز وجل وصدق الله العظيم القائل "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)"التكوير   والقائل سبحانه "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)" ق. وعلى الرغم من أن مكونات ومخلوقات هذا الكون تسير وفق قوانين محكمة قد أودعها الله هذا الكون منذ أن خلقه وهناك ارتباط وثيق بين الأسباب والنتائج إلا أن الله كثيرا ما يخرق هذه القوانين على يد الأنبياء والرسل للتدليل على وجوده سبحانه وذلك بعد أن حجب الله نفسه عن البشر وذلك لاختبار قدرة العقول التي وهبهم الله إياها في الاستدلال عليه سبحانه.  

كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا

إن مفاتيح خزائن الله هي بيد الله سبحانه وتعالى يفتحها متى يشاء على يد من يشاء من عباده مؤمنهم وكافرهم على حد سواء مصداقا لقوله تعالى "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)"  الأسراء.  إن هذا الخطاب لا يمكن أن يصدر  عن بشر  مهما كانت حياديته بل هو  صادر عن خالق البشر  الذي قال لأهل الكتاب ولغيرهم أنهم بشر ممن خلق فالبشر أمام الله عز وجل سواء ولا يقربهم إليه إلا بمقدار طاعتهم له فقال عز من قائل "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)" المائدة.   وقد جاءت آيات كثيرة  تؤكد على حقيقة مهمة وهي أن الحياة الدنيا إنما جعلت لإختبار البشر  ومعرفة المؤمن والكافر منهم  من خلال شتى وسائل الإختبار  من غنى وفقر وصحة ومرض وقوة وضعف وعلم وجهل وغير ذلك من تكاليف. ومن هذه الآيات قوله تعالى "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)" الأنبياء وقوله تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)" الفرقان وقوله تعالى "اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)" الرعد وقوله تعالى "إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)" الاسراء وقوله تعالى "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)" الروم.

ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش

على الإنسان العاقل أن لا يغتر بعلمه ولا بجهده إذا ما فتح الله عليه بابا من أبواب خيراته وعليه أن ينسب الفضل إلى الله عز وجل لا إلى نفسه. فالله عز وجل هو الذي خلق للإنسان العقل المفكر والحواس والأيدي الماهرة التي تترجم ما في العقل من أفكار إلى مختلف أشكال الأعمال فما الذي يمكن أن يعمله حمار بعقل إنسان في غياب الأيدي القادرة على عمل الأشياء وصدق الله العظيم القائل "قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)" الملك والقائل سبحانه"وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)" النحل. إن مثل من يتباهى من البشر بذكاء عقله أو قوة جسمه أو مهارة يديه كمثل حاسوب ذا قدرات حسابية هائلة أنطقه الله فتباهى بهذه القدرات ونسب الفضل إلى نفسه لا إلى المهندس الذي قام بتصميمه وتصنيعه. هذا إلى جانب أن الله عز وجل هو الذي قام بتوفير كل ما يلزم من المواد والطاقة والظروف التي مكنت الإنسان من إنتاج ما يزرع من مزروعات وما  يصنع من مصنوعات مصداقا لقوله تعالى "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)" لقمان وقوله تعالى "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)" الجاثية 13 وقوله سبحانه "وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)" الأعراف وقوله تعالى "وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)" إبراهيم وقوله سبحانه "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)" الملك.

وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم

                لقد أودع الله  في هذه الكون من خزائن الخير مالا يعلم عدد أنواعها ومقاديرها إلا الله سبحانه وتعالى وذلك مصداقا لقوله سبحانه "هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)" المنافقون  وقوله تعالى "قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)" الإسراء.  ولكن الله ولحكمة أرادها فإنه لا ينزل على البشر من هذه الخزائن المليئة بشتى أنواع الخيرات إلا بقدر معلوم وذلك مصداقا قوله تعالى "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)" الحجر. ومن فضل الله على الناس وكذلك بقية الكائنات الحية أن كثيرا من هذه الخيرات وخاصة المتعلقة ببقاء هذه الكائنات كالهواء والماء والغذاء والطاقة متوفرة بشكل يمكن للكائنات الحصول عليها إما بلا جهد أو ببذل جهد يسير مصداقا لقوله تعالى "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)" الملك.

ولقد دل الله سبحانه وتعالى البشر على الطرق التي يمكنهم بها فتح أبواب خزائن رزقه أولها الإيمان به سبحانه وإتباع أوامره واجتناب نواهيه مصداقا لقوله تعالى "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)" الأعراف. وأما ثانيها فهو الاستغفار من الذنوب التي يقترفها العباد بحق الله وحق البشر فقال عز من قائل على لسان نبي الله نوح عليه السلام  "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)" نوح.  ومنها الدعاء بقلب خالص مصداقا لقوله تعالى "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)" البقرة  وقوله تعالى "أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)" النمل.  

ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء

من البديهي أن يتساءل المرء عن السبب في أن الله عز وجل ينزل الخيرات من خزائنه على عباده بهذا القدر المعلوم.  وتأتي الإجابة على هذا السؤال في قوله تعالى "وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)" الشورى. فمن لطف الله ورحمته بعباده أنه يختار لهم ما هو في مصلحتهم وما يعود عليهم بالخير في هذه الحياة الدنيا وكذلك الآخرة. وقد يبدو للبشر في كثير من الأحيان أن بعض الأمور قد تكون  لما فيه مصلحتهم  وهي أبعد ما تكون عن ذلك إذ قد ينطوي هذا الخير على شر عظيم لا يظهر أثره إلا بعد حين والعكس كذلك صحيح  فإن بعض ما يكره الإنسان من أمور قد يترتب عليها خيرا كثيرا فيما بعد.  ولقد أكد القرأن الكريم على هذه الحقيقة في آيات عديدة  كما في قوله تعالى "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)"البقرة  وقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)" النساء. وفي قصة موسى مع الخضر عليهما السلام توضيح لمعنى هذه الآيات فقد ظن موسى عليه السلام وهو في رفقة الخضر عليه السلام أن خرق سفينة المساكين الذين يعملون في البحر جريمة تجلب الضرر عليهم. وقد تبين لموسى عليه السلام فيما بعد الحكمة من وراء ذلك بعد أن شرح له الخضر أن هذا العمل الذي كان ظاهره الشر قد أنقذ السفينة من أن تؤخذ بكاملها من قبل الملك الذي يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكذلك هو الحال مع ذبح الخضر للغلام وبنائه للجدار المتهدم. لقد أراد الله عز وجل من وراء ذكر هذه القصة تعليم البشر درسا بالغ الأهمية وهو أن ما يجري على هذه الأرض من أحداث لا يتم بطريقة عشوائية تحكمها الطبيعة أو إرادة البشر بل تسير وفق تقدير الله وحكمته وذلك  لما فيه مصلحة البشر.  وعلى هذا فإن زيادة الرزق للأفراد وللدول عن الحد المقدر من الله عز وجل قد لا يعود عليهم  دائما بالخير المرجو  بل يعتمد ذلك على الطريقة التي يتصرفون بها بهذا الرزق فقد يقود هذا البسط في الرزق هؤلاء إلى البغي والعدوان والتطاول والعلو على الآخرين.  وتكفي نظرة بسيطة إلى الطريقة التي يتصرف فيها كثير من الأغنياء اليوم دولا كانوا أم أفرادا لنستوعب حكمة الله في إنزال الرزق على البشر بمقادير محددة بحيث تضمن بقاء الحياة البشرية مستمرة على هذه الأرض وبالطريقة التي أرادها الله لها.

ولمزيد من توضيح الحكمة من إنزال الرزق بقدر معلوم وكذلك إغلاق بعض أبواب الرزق    وفتحها في الوقت المناسب نورد المثال التالي.  إن معدن اليورانيوم موجود على الأرض منذ أن خلقها الله عز وجل ولم يتمكن البشر من الإستفادة منه إلا في القرن العشرين بعد أن تبين للعلماء  أن هذا المعدن يحتوي في ذراته على كميات هائلة من الطاقة تكفي عدة كيلوغرامات منه لتزويد مدينة كبيرة بالطاقة الكهربائية لعدة سنوات أو ربما تدمير هذه المدينة بالكامل إذا ما تم استخدامه كسلاح نووي. ولكن استخراج هذه الطاقة النووية الهائلة في اليورانيوم لم يتم إلا بعد فتح عدد كبير من الأبواب المغلقة وذلك على يد علماء الفيزياء بعد بحث مضني امتد على مدى عشرات السنوات. وهنا يأتي السؤال المهم وهو أنه إذا كانت هذه الخزائن موجودة على الأرض منذ أن خلقها الله فلما لم يستطع أسلافنا من البشر فتح ابواب هذه الخزائن ونحن نعلم أن عقول البشر السابقيين وأجسامهم أكمل من عقول وأجسام البشر اللاحقين مصداقا لقوله تعالى "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)" الروم. والجواب على ذلك أنه على الرغم من أن الله عز وجل قد أعطى الانسان المقدرة على التعلم والتفكير وغيرها من الملكات الفكرية والجسدية إلا أن الله هو الذي يتحكم في جميع الأشياء المادية والمعنوية في هذا الكون فالأفكار التي تدور في عقول البشر إنما هي من الله وهو الذي يوجها حيث يريد وعندما يشاء الله أن يفتح بابا من أبواب خزائنه يقوم بالهام من يشاء من عباده بالفكرة التي تقود لفتح ذلك الباب مصداقا لقوله تعالى "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)" فاطر. وها نحن اليوم وبعد أن مكن الله عز وجل البشر من استغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية وكذلك الحربية ندرك حكمة الله في تأخير فتح هذا الباب إلى هذا العصر. فالقنابل الذرية الموجودة على الأرض اليوم كافية لتدمير كافة مدن الأرض إذا ما قامت حرب عالمية ثالثة ففي الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة بتدمير مدينتين من مدن اليابان بقنبلتين ذريتين فقط.

فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء

لقد احتار المفسرون في تفسير قوله تعالى "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) " الأنعام. إن أكثر ما حير هؤلاء المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة هو قوله تعالى "فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ" وسبب هذه الحيرة أن الله قد أكد في هذه الآية على أنه سبحانه قد فتح أبواب كل شيء وليس أشياء محددة على هذه الأمم التي ابتعدت عن منهج الله. ومن الواضح أن هذه الأبواب التي فتحها الله عليهم هي أبواب خير نزل الله منها عليهم شتى أصناف النعم وذلك بدليل أنهم قد فرحوا بما أوتوا كما أشارت إلى ذلك الآية الكريمة. ومن خلال ربط هذه الآية بالأيات التي شرحناها سابقا يتأكد لنا أن هذا العصر الذي نعيش فيه هو العصر الذي فتح الله فيه جميع أبواب الخير على البشرية والتي من المؤسف بدأت تبتعد عن منهج الله وبدأ يشيع فيها مختلف أشكال الفواحش والمنكرات. فلم يسبق أن فتح الله عز وجل جميع أبواب الخير على امة من الأمم السابقة أمثال قوم نوح وعاد وثمود والفراعنة والرومان وغيرها من الامم. وإذا تأكد لنا أن الله قد فتح بابا جديدا من الخير في عصر ما من العصور فمن السهل الحكم على أن ابواب كل شيء لم تفتح في العصور التي سبقته وإلا كيف يمكن لهذا الباب أن يبقى مقفلا بينما يؤكد الله عز وجل على أن جميع أبواب خزائنه قد فتحت دون استثناء. وإذا ما درسنا أبواب الخير التي فتحها الله على البشرية في القرن العشرين  والقرن الواحد والعشرين  يتبين لنا بعد قراءة التاريخ ودراسة أثار من سبقنا من الأمم أن بعض هذه الأبواب لم يسبق لها أن فتحت. وهذا يقودنا إلى الإستنتاج  بأن الأمة التي فتح الله عليها أبواب كل شيء لم تكن في الماضي وإنما هي في هذا  العصر الذي نعيش فيه. وسأبين في ما يلي أهم الأبواب التي فتحها الله عز وجل على البشر في العصور الأخيرة.

باب العلم

إن من أعظم الأبواب التي فتحها الله على البشر في هذا العصر هو باب العلم وخاصة العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء والجيولوجيا والفلك والرياضيات. فبهذه العلوم تمكن البشر من استغلال جميع موارد الطبيعة وفتحت لهم أبوابا من الخير لم يكن لها أن تفتح بدونها. فالتقدم المذهل الذي أحرزه البشر في مجال التكنولوجيا على سبيل المثال لم يكن ليظهر لولا اكتشاف القوانين الفيزيائية المختلفة التي تحكم المادة والطاقة. فلولا قانون الجاذبية لما تمكن البشر من كشف أسرار حركة النجوم والكواكب ولما تمكنوا من إرسال المركبات الفضائية إلى كواكب المجموعة الشمسية وكذلك من إطلاق الأقمار الصناعية ووضعها في مدارات مختلفة حول الأرض. ولولا قوانين ميكانيكا الموائع لما تمكن البشر من تصنيع التوربينات الغازية والبخارية والهوائية بهذه الكفاءة العالية ومن تصنيع الأشكال المناسبة لأجسام السيارات والطائرات والسفن. ولولا قوانين الديناميكا الحرارية لما تمكن الإنسان من تصميم المحركات الميكانيكية بمختلف أنواعها وبهذه الكفاءة العالية. ولولا قوانين الكهرباء لما تمكن الإنسان من الاستفادة من الطاقة الكهربائية التي تقوم بتشغيل الأجهزة الكهربائية المختلفة كأجهزة الإنارة والثلاجات والغسالات والمراوح والمكيفات والمكانس وغيرها. ولولا قوانين الكهرومغناطيسية لما ظهرت أجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية ولما تمكن الإنسان من تصنيع أجهزة البث الإذاعي والتلفزيوني والرادارات وكثير من أنواع الأجهزة الطبية. ولولا قوانين فيزياء الذرة لما تمكن البشر من استغلال الطاقة الهائلة الكامنة في نوى تلك الذرات واستخدامها في تصنيع المفاعلات الذرية التي يمكنها أن تمد  البشر بطاقة رخيصة لآلاف السنين القادمة. ولولا قوانين فيزياء الجوامد لما تمكن الإنسان من تصنيع الترانزستور وبقية المكونات الإلكترونية والتي بدونها لا سبيل لتصنيع أجهزة الاتصالات الحديثة والحواسيب والأجهزة الطبية وأجهزة التحكم والقياس.

باب المواد

أما باب المواد فهو باب لم يفتح منه على البشر في العصور السابقة إلا النزر القليل رغم أن هذه المواد موجودة في القشرة الأرضية منذ أن خلق الله الأرض. فالقشرة الأرضية تحتوي على 92 عنصرا طبيعيا إلى جانب عدد لا يحصى من المركبات الكيميائية الطبيعية الموجودة في تراب الأرض أو في أجسام الكائنات الحية. ومن العجيب أن البشر حتى بداية القرن الثامن عشر لم يتعرفوا  إلا على اثني عشر عنصرا من هذه العناصر ثم ارتفع هذا العدد إلى أربعة وعشرين عنصرا مع نهاية القرن الثامن عشر ومع نهاية القرن التاسع عشر وصل العدد إلى 65 عنصرا وخلال  القرن العشرين تم اكتشاف بقية العناصر الطبيعية وتم كذلك تصنيع ما يقرب من عشرين عنصرا صناعيا. ويعود السبب في حاجة الإنسان لهذا العدد الكبير من العناصر هو التفاوت الكبير في خصائصها فهنالك الخصائص الفيزيائية والتي تشمل الخصائص الكهربائية والمغناطيسية والضوئية والحرارية والميكانيكية وهنالك الخصائص الكيميائية التي تحدد طبيعة التفاعلات بين مختلف العناصر والتي ينتج عنها مركبات لا حصر لها بخصائص جديدة تختلف عن خصائص العناصر المكونة لها. وقد تبين للإنسان  في هذا العصر فقط أهمية وجود مثل هذا العدد الكبير من العناصر الطبيعية حيث أن كل صناعة من الصناعات الحديثة تحتاج لعناصر معينة وبخصائص محددة لا يمكن لبقية العناصر القيام بالدور الذي تقوم به. ومما يبعث على العجب أن المخترعين من بني البشر نادرا ما يفشلون في الحصول على عنصر أو مركب ما بخصائص تفي بالمتطلبات التي تقتضي الحاجة لاستخدامه في التطبيقات الكثيرة التي ظهرت في القرنين الماضيين وصدق الله العظيم القائل "وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)" إبراهيم.

باب الطاقة

أما باب الطاقة فهو من أعجب أبواب الخير التي فتحها الله على البشر في العصور الأخيرة فالبشر حتى نهاية القرن الثامن عشر كانوا يعتمدون على طاقة أبدانهم وطاقة أبدان بعض أنواع  الحيوانات كالخيل والبغال والحمير والأبقار والجمال لإنجاز أعمالهم المختلفة كحرث الأرض ودراسة المحاصيل ونقل الماء والأمتعة والبضائع. وكانوا يعتمدون على الطاقة الحرارية الناتجة عن حرق الأخشاب والحشائش لطهو الطعام وتسخين الماء وتوفير الدفء له في أيام الشتاء الباردة وكذلك لصهر المعادن التي تلزم لصناعة الأدوات الضرورية للإنسان كالآنية والحلي والفؤوس والخناجر والسيوف والسكاكين وغيرها. ومع بداية القرن التاسع عشر وظهور الثورة الصناعية واختراع الآلات الميكانيكية التي تقوم بتحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة حركية تمد المصانع والمنازل والقطارات والسيارات والطائرات والسفن والآلات الزراعية بالطاقة التي تلزمها بدأ الإنسان بالبحث عن مصادر جديدة للطاقة تلبي حاجات هذه الآلات. ولحسن حظ البشر أنهم عثروا على كميات ضخمة من الطاقة الأحفورية مخزنة في طبقات الأرض بأشكال متعددة كالفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي. ولقد بلغت الكمية المنتجة من الفحم الحجري في عام 2000م خمسة آلاف مليون طن يتراوح المحتوى الحراري للطن الواحد منه بين سبعة ملايين وحدة  وثمانية وعشرين  مليون وحدة حرارية وذلك حسب  نوع الفحم. بينما بلغ الإنتاج العالمي السنوي  من البترول في عام 2000م ستة وعشرين بليون برميل أي بمعدل سبعين مليون برميل يوميا يتراوح المحتوى الحراري للبرميل بين خمسة وستة ونصف مليون وحدة حرارية. أما الغاز الطبيعي فقد بلغ الإنتاج العالمي منه في عام 2000م ثلاثة آلاف بليون متر مكعب يتراوح المحتوى الحراري للمتر المكعب ما بين  ثلاثين وخمسين ألف وحدة حرارية.  ولقد تم تقدير المخزون العالمي من الفحم الحجري  في عام 2000م بألف بليون طن منه في الولايات المتحدة الأمريكية  275 بليون طن تليها روسيا 175 بليون طن ثم الصين 125 بليون طن ثم الهند 93 بليون طن ثم استراليا 90 بليون طن ثم ألمانيا 73 مليون طن. ويقدر مخزون البترول العالمي  بألف  بليون برميل منه في السعودية 260 بليون برميل تليها العراق 115 بليون برميل  ثم  الكويت 100 بليون برميل  ثم إيران  99  بليون  برميل ثم الإمارات العربية  63 بليون برميل  ثم  روسيا 54 بليون برميل ثم فنزويلا 50 بليون برميل. ويقدر مخزون الغاز العالمي بمائة وسبعين ألف بليون متر مكعب منه في روسيا 50 ألف بليون متر مكعب تليها إيران 27 ألف بليون  ثم قطر 22 ألف بليون ثم السعودية 6 آلاف بليون ثم الإمارات العربية 6 آلاف بليون. وإذا ما استمر استهلاك هذه الأنواع من الوقود الأحفوري بالمعدلات الحالية فإن مخزونها سيكفي العالم لمدة لا تزيد عن خمسين سنة للبترول  ومائتي سنة للفحم الحجري  والغاز.  ومن عجائب التقدير أن يتزامن اكتشاف الفحم والبترول والغاز مع اكتشاف المحركات الميكانيكية والمولدات والمحركات الكهربائية  ولو قدر الله أن يكتشف الإنسان هذه الثروات في عصور ماضية وفي غياب هذه المحركات لتم هدرها لأغراض بسيطة كتسخين المياه وتدفئة وإنارة المنازل.

أما أعجب الأبواب التي فتحها الله على البشر فهو باب الطاقة الذرية حيث تمكن العلماء بهداية من الله عز وجل من معرفة أن الذرة تحتوي على كميات ضخمة من الطاقة تفوق بملايين المرات الطاقة الكيميائية الموجودة في جزيئات المواد العضوية. فعلى سبيل المثال فإن الطاقة الناتجة عن انشطار كيلوجرام واحد من اليورانيوم تعادل الطاقة التي تنتج عن حرق ما يقرب من خمسة آلاف طن من الفحم الحجري. ولقد تمكن الإنسان في منتصف الأربعينات من القرن العشرين ولأول مرة في تاريخ البشرية من إخراج هذه الطاقة الهائلة من قمقمها ومن المؤسف أن يكون أول استخدام لهذه الطاقة في إنتاج القنابل الذرية حيث تم مع نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945م  إلقاء قنبلتين ذريتين  على مدينتين يابانيتين تبلغ قوة كل منهما ما يزيد عن عشرة آلاف طن من المواد المتفجرة التقليدية وذهب ضحيتها ما يزيد عن مائتي ألف إنسان. وفي منتصف الخمسينات تمكن الإنسان من ترويض الطاقة الذرية واستغلها لإنتاج الطاقة الكهربائية من خلال استخدام المفاعلات الذرية التي تقوم باستخراج الطاقة من قلب ذرات اليورانيوم بعد انشطارها على شكل طاقة حرارية تعمل على تشغيل التوربينات والمولدات الكهربائية. وقد بلغت كمية الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقة الذرية في عام 2000م ألفان وخمسمائة  بليون كيلواط ساعة  تشكل ما نسبته ستة عشر بالمائة من الإنتاج العالمي للطاقة الكهربائية وذلك من خلال حرق 75 ألف طن من اليورانيوم في داخل المفاعلات الذرية أي ما يكافئ حرق عشرين بليون طن من الفحم الحجري. ومما يبعث على العجب أن مصادر الطاقة هذه كانت موجودة في الأرض  قبل أن يظهر الجنس البشري ولكن شاء الله أن لا يفتح أبوابها على أسلافنا  لحكمة أرادها فلو قدر الله  أن فتح بابها قبل ألف عام وتم استغلال الطاقة بنفس المعدل الذي يستغله البشر اليوم لما كان للبشر في عصرنا هذا أي نصيب منها.

إن الطاقة الموجودة في الفحم الحجري والبترول والغاز واليورانيوم طاقة غير متجددة أي أنها ستنتهي مع انتهاء المخزون المتوفر في الأرض والذي يتوقع أن ينفد خلال خمسين سنة للبترول  ومائتي سنة للفحم الحجري  والغاز ولعدة مئات من السنين لليورانيوم. إن البديل لهذه المصادر غير المتجددة هو مصادر الطاقة المتجددة  أو المستدامة كطاقة الشمس وطاقة مياه الأنهار وطاقة الرياح وطاقة المد والجزر وطاقة جوف الأرض وهي طاقة نظيفة لا تترك أي مخلفات تضر بالبيئة كما هو الحال مع مصادر الطاقة الأخرى. فالشمس تشع على المتر المربع الواحد من سطح الأرض ما يزيد عن ألف واط من الطاقة ويمكن الاستفادة منها مباشرة باستخدام المجمعات والمرايا الشمسية في تسخين المياه لأغراض الاستخدامات المنزلية والصناعية والزراعية. ويمكن تحويل الطاقة الشمسية مباشرة إلى طاقة كهربائية  باستخدام الخلايا الشمسية المكونة من المواد شبه الموصلة وقد بدأت الشركات بإنشاء محطات توليد الطاقة الكهروشمسية في مختلف دول العالم وخاصة تلك التي تسطع فيها الشمس على مدار العام.  وتستخدم طاقة مياه الأنهار في الغالب لإنتاج الطاقة الكهربائية حيث تنتج المحطات الكهرومائية ما يقرب من سبعة بالمائة من مجموع إنتاج الطاقة العالمي حيث بلغت كمية الطاقة المنتجة في عام 2000م ألفين وستمائة بليون كيلواط ساعة والتي تشكل تسعة عشر بالمائة من إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم. وتمكن البشر كذلك من استغلال طاقة الرياح باستخدام طواحين الهواء في الأماكن التي تشتد فيها سرعة الرياح على مدار العام حيث تتكون طاحونة الهواء من توربينات هوائية مثبتة على أبراج عالية وتقوم هذه التوربينات بإدارة المولدات الكهربائية لإنتاج الطاقة الكهربائية.   

باب المحركات الميكانيكية والكهربائية

أما باب المحركات فقد تم فتحه في نهاية القرن الثامن عشر باختراع الآلة البخارية ومن ثم بقية أنواع المحركات الميكانيكية والكهربائية في القرن التاسع عشر. فلقد تم ولأول مرة في تاريخ البشرية استخدام آلة ميكانيكية تعمل على استغلال الطاقة الكيميائية المخزنة في أنواع مختلفة من الوقود المتوفر في الطبيعة وتحولها إلى طاقة حرارية ومن ثم  إلى طاقة حركية تفوق كميتها بشكل كبير كمية الطاقة الحركية التي تنتجها أجسام الإنسان والحيوان. ومن ميزات المحركات أنها تحتل حيزا لا يتجاوز الحيز الذي يحتله الحصان أو الحمار  رغم أنها تولد طاقة قد تصل إلى آلاف الأحصنة وكذلك يمكنها العمل بشكل متواصل ودون كلل أو ملل لعشرات السنين.  ومن ميزاتها أنه لا يشترط وجود إنسان بشكل دائم بجانبها كما هو الحال مع الحيوانات وأنها تتغذى على مواد رخيصة الثمن  كالفحم والخشب وأنواع الوقود الأخرى على عكس الحيوانات التي تحتاج إلى طعام باهظ الثمن نسبيا كأنواع المحاصيل المختلفة. لقد أدى ظهور المحركات الميكانيكية والكهربائية إلى ثورة كبيرة في حياة البشر حيث حلت هذه الآلات محل الإنسان والحيوان في القيام بكثير من المهام التي كانت تثقل كاهل الإنسان.

باب المواصلات والنقل

أما باب المواصلات والنقل فقد تم استخدام القطارات والسفن والسيارات والطائرات المسيرة بالمحركات لنقل الناس وبضائعهم إلي أي مكان يريدونه على سطح هذه الأرض وبسرعات جعلت المسافات بين القارات لا تكاد تذكر. لقد أصبح بإمكان الإنسان أن يصل إلى أقصى مكان في الأرض في أقل من يوم مقارنة مع عدة شهور باستخدام الخيل والجمال والبغال والحمير والسفن الشراعية. لقد كانت سرعة انتقال البشر من مكان إلى مكان حتى نهاية القرن الثامن عشر لا تتجاوز العشرة كيلومترات في الساعة وذلك باستخدام الخيول والجمال. ومع اختراع القطارات في بداية القرن التاسع عشر والسيارات في نهايته ارتفعت هذه السرعة إلى ما يزيد عن مائة كيلومتر في الساعة. ولقد تم لتسهيل حركة القطارات والسيارات إنشاء شبكات لا حصر لأطوالها من السكك الحديدية والطرق المعبدة تربط جميع مدن وقرى العالم.  ومع بداية القرن العشرين تم استخدام الطائرات لنقل الركاب والبضائع بسرعات تتجاوز الخمسمائة كيلومتر في الساعة وقد تصل إلى ألفي كيلومتر في الساعة. ولم يتوقف طموح الإنسان عند استخدام الطائرات للسفر في جو الأرض بل قام بتصنيع مركبات فضائية غير مأهولة قامت بالمرور هلى جميع كواكب المجموعة الشمسية ومكنت الإنسان من النزول على سطح القمر وذلك في عام 1969م .

باب الآلات الزراعية

وفي القطاع الزراعي تم استخدام مختلف أنواع الآلات الزراعية لحرث الأرض وتسميدها وبذار وحصاد المحاصيل الزراعية المختلفة وكذلك ضخ المياه من الآبار والأنهار وطحن الحبوب.  وبما أن قوة هذه الآلات الزراعية تفوق بعشرات أو ربما بمئات المرات قوة الحيوانات فإنها قادرة على إنجاز مهامها بأسرع بكثير فيما لو تم إنجازها من قبل الإنسان والحيوان. ولقد ترتب على ظهور الآلات الزراعية زيادة كبيرة في رقعة المساحات المزروعة بمختلف أنواع المحاصيل الزراعية مما زاد من معدلات إنتاجها بشكل كبير. ومن عجيب الصدف أن يتزامن ظهور هذه الآلات الزراعية مع الزيادة الكبيرة في أعداد البشر ولو لم يقدر الله ظهورها في هذا الوقت لما تمكن البشر باستخدام الحيوانات من سد حاجاتهم من الطعام ولحدثت مجاعات قاتلة في شتى دول العالم.

باب الألات الصناعية

وفي القطاع الصناعي تم استخدام المحركات الميكانيكية والكهربائية في مجالات لا حصر لها كما في صناعة قطع وتشكيل المواد المعدنية وغير المعدنية وصناعة معدات استخراج الخامات من المناجم وتكرير البترول والغاز وصناعة المواد اللازمة  لقطاع المباني والسدود والطرق والجسور والأنفاق وصناعة الأدوية والمواد الكيميائية والأسمدة والمبيدات وصناعة مختلف أنواع الأجهزة والمعدات الكهربائية والإلكترونية والميكانيكية وصناعة مختلف أنواع المركبات والطائرات والقطارات والسفن وصناعة معدات النجارة والحدادة والسباكة ومعدات صناعة النسيج والورق والمواد الغذائية وكذلك صناعة الذخائر الحربية والآليات العسكرية كناقلات الجند والدبابات والغواصات والسفن والطائرات الحربية.

باب الإنشاءات

وفي قطاع الإنشاءات تم استخدام المحركات الميكانيكية القوية لتشغيل أنواع مختلفة من الآليات الجبارة  لم تكن لتظهر إلى الوجود بدون هذه المحركات كالجرافات والحفارات والرافعات والكسارات والخلاطات والقلابات والمداحل. لقد أدى استخدام هذه الآليات الضخمة إلى حدوث ثورة في شتى قطاعات الإنشاءات كقطاعات المباني والجسور والسدود والطرق والأنفاق والمطارات والمناجم وآبار الماء والبترول والغاز. وللقارئ أن يتخيل في غياب هذه الآليات كم يلزم من العمال ومن الوقت لإنشاء شبكة الطرق العالمية والتي يقدر طولها بعشرين مليون كيلومتر أو شبكة سكك القطارات البالغ طولها ما يزيد عن مليون كيلومتر وكذلك إنشاء مئات الآلاف من ناطحات السحاب والجسور والسدود والأنفاق.

باب الكهرباء

أما باب الكهرباء فهو من أعجب وأعظم الأبواب التي فتحها الله على البشر في القرنين الماضيين حيث أن هذا الباب قد فتح أبوابا كثيرة ما كان لها أن تفتح بدونه. فبدون الكهرباء ما كان للمصابيح الكهربائية أن تظهر حيث استخدمها البشر لإضاءة بيوتهم ومكاتبهم ومصانعهم  وشوارعهم بكبسة زر فأراحتهم بذلك من عناء عمليات تجهيز وإشعال وإطفاء مصابيح الشمع والزيت  والكاز والتي لا تضيء إلا أماكن محددة وبدرجات إضاءة متدنية. وبدون الكهرباء ما كان للمحركات الكهربائية أن تظهر حيث مكنت هذه المحركات  البشر من استخدام  الثلاجات والغسالات والخلاطات والجلايات والمكيفات والمراوح ومضخات الماء في داخل المنازل وبدون ضوضاء تذكر. وبدون الكهرباء ما كان للتلفزيونات والراديوات والمسجلات والتلفونات والحواسيب أن تظهر حيث لا يمكن لمثل هذه الأجهزة أن تعمل بدون الكهرباء. وبدون الكهرباء ما كان للمصانع الحديثة أن تظهر والتي تستخدم محركات كهربائية بمختلف الأحجام والأنواع يتم التحكم بها بكل سهولة ويسر من غرف التحكم.  وبدون الكهرباء ما كان للطائرات والقطارات والسيارات والآليات أن تكون على الحال التي هي عليها الآن حيث تم استخدام التحكم الكهربائي في مختلف أجزاء هذه الوسائل. وبدون الكهرباء ما كان لكثير من الأجهزة والمعدات أن تظهر  كالرادارات والليزرات والأجهزة الطبية وغيرها من الأجهزة الكهربائية التي لا يمكن لها أن تعمل بغير الطاقة الكهربائية والتي بغيابها تختفي هذه التطبيقات التي اعتاد الإنسان على استخدامها ابتداء من بداية القرن العشرين.

والطاقة الكهربائية طاقة خفية تسري بصمت في الأسلاك المعدنية دون أن يحس بها أحد ويمكن للمستخدم أن يأخذ من هذه الأسلاك  كمية الطاقة التي  يريدها دون زيادة أو نقصان. إن أحد أهم استخدامات الطاقة الكهربائية هو في تحويل مختلف أشكال الطاقة إلى طاقة كهربائية نظيفة تتميز بسهولة نقلها وتوزيعها على مستخدميها ومن ثم تقوم أنواع مختلفة من الأجهزة الكهربائية بتحويل الطاقة الكهربائية بكفاءة عالية لمختلف أشكال الطاقة كالطاقة الحرارية والحركية والضوئية والكيميائية والكهرومغناطيسية.  إن  أهم ميزات الطاقة الكهربائية هو إمكانية إنشاء المحطات الكهربائية حيث تتوفر مصادر الطاقة المختلفة وخاصة تلك التي لا يمكن نقل طاقتها إلى أماكن استخدامها كالطاقة الحركية في مياه الأنهار وطاقة المد والجزر والطاقة الحرارية في جوف الأرض وطاقة الرياح. وحتى في الأنواع التي يمكن نقلها كالفحم الحجري والبترول والغاز فإن كلفة نقلها بعد تحويلها إلى طاقة كهربائية أقل من كلفة نقلها بشكلها الأصلي والذي يتطلب إنشاء شبكات طرق أو سكك حديدية أو مد أنابيب معدنية وكذلك توفير أعداد كبيرة من القطارات والشاحنات والصهاريج ومحطات الضخ إلى جانب توفير مستودعات ضخمة لتخزينها. أما المحطات الكهربائية التي تعمل على الطاقة الذرية فمن المفضل إقامتها في مناطق بعيدة عن التجمعات السكنية لتفادي خطر الإشعاعات المنبعثة من المفاعلات في حالة تعرضها للحوادث وبحيث تكون قريبة من مصادر المياه  لحاجتها إليه في عمليات التبريد. ومن ميزات الطاقة الكهربائية هي سرعة انتقالها حيث أنها تنتقل من أماكن توليدها إلى أماكن استعمالها بسرعة تقترب من سرعة الضوء فعندما يقوم شخص بكبس زر لإضاءة مصباح في منزله  فإن الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيله ستصل إليه من محطة التوليد خلال جزء من ألف جزء من الثانية. وتستخدم الكهرباء  لنقل إشارات المعلومات بمختلف أنواعها كالإشارات السمعية والمرئية والمقروءة والمرسومة كما هو الحال مع أنظمة التلكس والهاتف والفاكس والراديو والتلفزيون وتستخدم كذلك  في مختلف أنظمة القياس والتحكم وفي الأجهزة الطبية وأجهزة التصوير وفي أجهزة الرادار والليزر.

لقد بلغ الإنتاج العالمي من الطاقة الكهربائية  في عام 2000م أربعة عشر ألف بليون كيلواط ساعة تشكل ما يقرب من أربعين بالمائة من المحتوى الحراري لمختلف مصادر الطاقة المستهلكة في العام الواحد. وقد ساهم الفحم الحجري في إنتاج أربعين بالمائة من هذه الطاقة والغاز الطبيعي بخمسة عشر بالمائة والبترول بعشرة بالمائة والمحطات الكهرومائية بتسعة عشر بالمائة والمحطات الكهروذرية بستة عشر بالمائة.  ويستهلك القطاع المنزلي خمسة وثلاثين بالمائة من الطاقة الكهربائية  لأغراض الإنارة وتشغيل مختلف أنواع الأجهزة الكهربائية المنزلية كالثلاجات والغسالات والمكيفات والمضخات والمكانس والمراوح  والتلفزيونات والحواسيب.   أما القطاع التجاري فيستهلك  ما يقرب من خمسة وثلاثين بالمائة من الطاقة الكهربائية لأغراض الإنارة وتشغيل  الأجهزة الكهربائية كالمكيفات  والناسخات والطابعات والمصاعد واللافتات الكهربائية والأجهزة الطبية والمخبرية. أما القطاع الصناعي فيستهلك الثلاثين بالمائة المتبقية لتشغيل مختلف أنواع  الأجهزة والمعدات الصناعية كالمناشير والمثاقب والمقصات وآلات ومعدات صناعة السيارات والمركبات والطائرات والقطارات والنسيج والورق والأطعمة وغيرها.

باب الإلكترونيات

لقد أدى ظهور الكهرباء إلى فتح باب جديد من أبواب الخير للبشرية وهو باب الإلكترونيات فالتقدم المذهل التي تشهده البشرية اليوم في جميع المجالات  التقنية والمعرفية يقوم على الأجهزة والمعدات الإلكترونية.  ففي نفس العام الذي كان يعمل فيه الأخوان رايت على تصنيع أول طائرة في تاريخ البشرية وهو عام 1904م كان عالم الفيزياء الإنجليزي "فليمنغ" يعمل في مختبره المتواضع على تصنيع أنبوب زجاجي مفرغ من الهواء بحجم الإصبع يحتوي عند طرفيه على قطبين معدنيين بحيث يسمح للتيار بالمرور في اتجاه واحد فقط.  لقد كان الأثر الذي تركه أنبوب فليمنغ على رفاهية البشر لا يقل أهمية إن لم يزد عن الأثر الذي تركته طائرة الأخوين رايت.  فبفضل هذا الأنبوب المفرغ وما تبعه من اختراعات في مجال الإلكترونيات  تمكن البشر من التحدث مع بعضهم البعض عبر الهواتف السلكية واللاسلكية رغم تباعد المسافات بينهم وتمكنوا كذلك من متابعة كل ما يدور في هذا العالم من أخبار وأحداث من خلال سماع ومشاهدة البث الإذاعي والتلفزيوني الذي ينطلق من آلاف المحطات الموزعة في جميع أنحاء العالم.  وتمكنوا كذلك من تصنيع الحواسيب التي أحدثت ثورة المعلومات التي لا تقل أهمية عن الثورة الصناعية التي أحدثها اختراع الآلة البخارية. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته الصمامات الإلكترونية في تقدم أنظمة الاتصالات والحواسيب وأنظمة القياس والتحكم إلا أن الثورة التي نشهدها اليوم في مختلف المجالات وخاصة مجال تقنيات المعلومات لم تكن لتتحقق لولا اختراع الترانزستور في عام 1947م. ويتميز الترانزستور على الصمام الإلكتروني بصغر حجمه وبقلة استهلاكه للطاقة الكهربائية وبصلادته فهو جسم مصمت لا يتأثر بالصدمات كما هو الحال مع الصمام الإلكتروني. وقد أدى استخدام الترانزستور كبديل عن الصمام الإلكتروني إلى تقليص كبير في أحجام الأجهزة والمعدات الإلكترونية إلى جانب تمكن المهندسون من تصنيع أنظمة لم يكن بالإمكان تصنيعها باستخدام الصمامات الإلكترونية كالتلفزيونات الملونة والحواسيب وأنظمة الأقمار الصناعية. على الرغم من الدور الكبير الذي لعبه الترانزستور في تقليص أحجام الأجهزة الإلكترونية إلا أن أسلاك التوصيل بين الترانزستورات وبقية القطع الإلكترونية أصبحت هي العائق الرئيسي الذي يحول دون  تصنيع أجهزة إلكترونية متطورة صغيرة الحجم تحتوي على أعداد كبيرة من الترانزستورات كالحواسيب والتلفزيونات الملونة والهواتف المتنقلة. ولقد تم التغلب على هذه المشكلة في عام 1958م باختراع ما يسمى بالدائرة المتكاملة والتي تتكون من عدد كبير من الترانزستورات وما يلزمها من المقاومات والمكثفات وأسلاك التوصيل مصنعة على سطح رقاقة صغيرة من السيليكون. لقد بدأت تقنية الدوائر المتكاملة بعشرات الترانزستورات في الدائرة الواحدة ووصلت الآن لمئات الملايين مما مكن المهندسون من تصنيع دوائر وأنظمة إلكترونية معقدة على دائرة متكاملة واحدة كما هو الحال مع المعالجات والمتحكمات الدقيقة والحواسيب وأجهزة الاتصالات والأجهزة الطبية بمختلف أنواعها.

باب الاتصالات

وأما باب الاتصالات الكهربائية فقد تمكن البشر بعد اكتشاف الكهرباء والأمواج الكهرومغناطيسية من زيادة سرعة نقل المعلومات إلى أعلى سرعة كونية وهي سرعة الضوء التي تبلغ ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية. وبهذه السرعة الفائقة حطمت أنظمة الاتصالات الكهربائية حاجز المسافات بين البشر وحققت لهم كثيرا من الأماني والأحلام التي كان مجرد التفكير بها يعتبر ضربا من الخيال. فبإمكان البشر اليوم أين ما كان موقعهم على سطح هذه الأرض أن يتحادثوا بواسطة هواتف صغيرة يحملونها في جيوبهم أو أن يتحاوروا  بالصوت والصورة من خلال مراكز المؤتمرات المرئية أو من خلال الهواتف المرئية. وبإمكانهم إرسال واستقبال الرسائل والمستندات في ثواني معدودة من خلال أجهزة الفاكس والبريد الإلكتروني وكذلك إنجاز أعمالهم المكتبية ومعاملاتهم المالية والتجارية وهم في بيوتهم  وأماكن عملهم من خلال شبكات المعلومات  وشبكة الإنترنت. ولم يقتصر دور أنظمة الاتصالات على نقل المعلومات السمعية والمرئية والمقروءة بل تعداها إلى تطبيقات بالغة الأهمية فاستخدموها  في أنظمة التحكم والقياس والمراقبة والاستشعار  لنقل الإشارات بين  مختلف الأجهزة والمعدات الموجودة في الطائرات والقطارات والصواريخ  والتلسكوبات الفضائية والأقمار الصناعية  ومحطات الأرصاد الجوية  والمفاعلات النووية  والمحطات الفضائية والمصانع والمستشفيات. وتم استخدامها كذلك في أنظمة الملاحة المختلفة كالرادارات وأنظمة تحديد الموقع وأنظمة الاستهداء والتوقيت لتسهيل حركة الطائرات والسفن وناقلات النفط والقطارات والمركبات. وتم استخدامها كذلك في أنظمة البث الراديوي والتلفزيوني حيث تقوم هذه الأنظمة بنقل كل ما يحدث في هذا العالم من أحداث وما يدور بين الناس من أخبار في لمح البصر وبالصوت والصورة إلى أي مكان في العالم. ولم يقتصر دور الراديو والتلفزيون على نقل الأخبار بالصوت والصورة إلى كل مستمع ومشاهد يملك أجهزة الاستقبال اللازمة بل تعداها لنقل البرامج الثقافية والتعليمية والترفيهية والرياضية والدعائية. ويعتبر النظام التلفزيوني من أعظم الأبواب التي فتحها الله على البشر في هذا العصر حيث أنه مكَنهم وهم جالسون في بيوتهم من مشاهدة كل ما يجري في هذا العالم من ندوات ثقافية ومهرجانات سياسية ومسرحيات ومباريات رياضية وألعاب أولمبية وحفلات غنائية وموسيقية قد تكلفهم مبالغ طائلة فيما لو أنهم فكروا في حضورها بأشخاصهم. وقبل اختراع النظام التلفزيوني كان على المرء أن يسافر بنفسه لكي يشاهد ما على هذه الأرض من مناظر طبيعية وما فيها من آثار الأمم السابقة وإنجازات الأمم الحالية بل إن بعض عجائب الأرض لا يمكن لأي إنسان أن يشاهدها حتى لو ملك المال اللازم لذلك بل تحتاج إلى أشخاص متمرسين في الغوص في البحار أو التسلق إلى قمم الجبال أو التسلل إلى أدغال الغابات أو الصعود إلى الفضاء فيقومون بما يحملون من كاميرات تلفزيونية بتسجيل أفلام وثائقية عن ما في أعماق البحار والمحيطات أو ما في الغابات الاستوائية من عجائب النباتات والحيوانات أو ما في أعماق الكون من مجرات ونجوم وكواكب.

باب الحاسوب وشبكات المعلومات

لقد تمكن البشر من خلال استخدام الكهرباء وتقنية الإلكترونيات من تصنيع الآلات الحاسبة والحواسيب ذات القدرة الفائقة على إجراء مختلف أنواع العمليات الحسابية والمنطقية  التي تلزم لمختلف التطبيقات العلمية والهندسية والمالية والتجارية. ولم يقتصر استخدام الحاسوب على إجراء العمليات الحسابية وحل المعادلات الرياضية  بل تمت برمجته للقيام بمهام لا حصر لها  كقدرته على تخزين  ومعالجة واسترجاع مختلف أنواع المعلومات الكتابية والرسومية والسمعية والمرئية  وقدرته على عمل التصاميم الهندسية والفنية في مختلف قطاعات الإنشاءات والصناعات وقدرته على عمل محاكاة لكثير من الأنظمة الطبيعية والصناعية وقدرته على تبادل المعلومات مع الحواسيب الأخرى من خلال ما يسمى بشبكات المعلومات. ومن الاستخدامات المهمة للحاسوب هو في أنظمة المراقبة والتحكم بمختلف أنواع الأجهزة والمعدات والمصانع والمركبات والطائرات والقطارات ومحطات التوليد الكهربائية ومصافي البترول. وقد تحولت بفضل الحاسوب كثير من الأجهزة الكهربائية والميكانيكية والطبية إلى أجهزة ذكية وبقدرات ومواصفات كان من الصعب تحقيقها بدونه كما هو مشاهد في التلفزيونات وأجهزة التسجيل السمعية والمرئية والهواتف الثابتة والخلوية والألعاب الإلكترونية وفي الثلاجات والغسالات والأفران وفي المصاعد والإشارات الضوئية والموازين الإلكترونية ومختلف أنواع أجهزة الفحص والقياس والتحكم والأجهزة المخبرية والطبية.

ولقد لعب الحاسوب دورا بارزا في ظهور ما يسمى بثورة المعلومات في حياة الناس حيث كان يتم تخزين وتداول المعلومات قبل اختراع الحاسوب من خلال الكتب والمجلات والجرائد والرسائل والتي كان يتطلب الوصول إليها والحصول عليها جهدا بالغا وثمنا باهظا. وفي باب شبكات المعلومات ذكرنا بأن تسمية هذا العصر  بعصر المعلومات لا يعود فقط لضخامة المعلومات التي أنتجها العقل البشري بل إلى السرعة العالية التي يتم بها نقل المعلومات باستخدام أنظمة الاتصالات الكهربائية والسهولة البالغة التي يتم بها معالجة وتخزين واسترجاع المعلومات باستخدام الحواسيب والمسجلات السمعية والمرئية. وعلى الرغم من أن ثورة المعلومات ظهرت مع ظهور التلغراف والهاتف في نهاية القرن التاسع عشر وقفزت قفزة كبيرة بعد ظهور الحواسيب في منتصف القرن العشرين إلا أنها لم تصبح واقعا ملموسا إلا في بداية التسعينات وذلك بعد ظهور شبكات المعلومات وخاصة شبكة الإنترنت. وتقدم شبكة الإنترنت لمستخدميها عدد لا حصر له من الخدمات  كخدمة البريد الإلكتروني التي تتيح للمستخدم إرسال رسائله إلكترونيا إلى أي مشترك آخر على هذه الشبكة العالمية وخدمة البحث والتصفح التي تمكن المستخدم من الوصول إلى عدد لا حصر له من المواقع الإلكترونية التي تحوي على مختلف أنواع المعلومات العلمية والصناعية والطبية والثقافية والفنية والترفيهية والرياضية والإخبارية والسياحية والتجارية وذلك بمساعدة مجموعة من آلات البحث. وكذلك تقدم شبكة الإنترنت خدمة التجارة الإلكترونية التي تتيح للصناع والتجار عرض منتجاتهم وبضائعهم من خلال هذه الشبكة وتمكن الزبائن من التجول في هذه الأسواق الإلكترونية ومقارنة البضائع المعروضة ومن ثم شراؤها إلكترونيا. ولا يكاد يخلو اليوم منزل في هذا العالم من أحد أجهزة إرسال واستقبال المعلومات كالهاتف والفاكس والراديو والتلفزيون والحاسوب والمسجلات السمعية والمرئية والتي يتدفق منها  كميات ضخمة من  المعلومات التي تبثها آلاف المحطات الإذاعية والتلفزيونية أو تنقلها شبكات الهواتف  وشبكات المعلومات المختلفة.

باب الأجهزة الطبية

ومن الأبواب التي فتحها الله على البشر باب الأجهزه الطبية وهي أجهزه كهربائية وميكانيكية تساعد الأطباء على تشخيص الأمراض وعلاجها. فالأجهزة التشخيصية تستخدم لتشخيص الأمراض كأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير الطبقي المحوري والتصوير بأشعة اكس  وأشعة غاما والتصوير بالامواج فوق صوتية وأجهزة إشارات القلب والدماغ والسماعات والمناظير والمجاهر الطبية وأجهزة قياس الحرارة والضغط والتنفس وأجهزة التحاليل المختلفة كتحليل الدم والبراز والبول والهرمونات وغيرها. أما الأجهزة العلاجية فهى أجهزة تستخدم لعلاج الامراض كمنظم ضربات القلب وجهاز الصدمة الكهربائية وجهاز غسيل الكلى وأجهزة القلب والتنفس الاصطناعية وأجهزة علاج الأسنان وأجهزة علاج العين وتصحيح النظر وأجهزة العلاج بالأشعة وأجهزة تفتيت الحصى والأطراف الاصطناعية وغيرها الكثير.

حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة

لا يوجد ما يمنع أن يفرح الإنسان بالخير الذي يأتيه إذا ما قام بشكر من أنزل عليه هذا الخير  وهو الله عز وجل بل إن الله سيزيده مصداقا لقوله تعالى"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)" ابراهيم.  لقد كان من الواجب على البشر في هذا العصر أن يشكروا الله عز وجل على أبواب الخير  العظيمة التي فتحها عليهم والتي لم يسبق أن فتحت لمن سبقهم. ولكن للأسف أن غالبية البشر وخاصة أتباع الأديان السماوية قد أعرضوا عن أديانهم وتوجهوا نحو  الإلحاد وظنوا أن ما حققوه من إنجازات هو بفضل عقولهم وجهدهم ولم ينسبوا الفضل لله عز وجل فحق عليم   قوله تعالى "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)" الأنعام.

حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها

وتصور آية قرآنية أخرى حال أهل الأرض في هذا العصر  وظنهم بأنهم قادرون بفضلهم لا بفضل الله على تذليل خيرات الأرض لصالحهم وهي قوله تعالى "إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)" يونس. وهذه الآية تؤكد أيضا على أن هذا العصر ربما يكون هو العصر الذي فتح الله عز وجل على البشر أبواب كل شيء فلم يسبق للأرض أن تزخرفت وتزينت كما هي في هذا العصر وكذلك لم يسبق للبشر أن استغلوا كل ما في الأرض من خيرات وبركات.