محمود سامي البارودي
(مصر 1839 – 1904م)
| 
قلّدتُ جِيد المعالِي حِلية الغزلِ | 
وقُلتُ فِي الجِدِّ ما أغنى عنِ الهزلِ  | 
| 
يأبى لى  الغى ّ قلب لا يميلُ بهِ | 
عن شِرعة  المجدِ سِحرُ
  الأعيُنِ النُّجُلِ  | 
| 
أهِيمُ بِالبِيضِ فِي الأغمادِ باسِمة  | 
عن غرة ِ النصرِ ، لا
  بالبيضِ في الكللِ  | 
| 
لم تُلهِنِي عن طِلابِ المجدِ غانِية | 
فِي لذّةِ الصّحوِ ما يُغنِي عنِ الثّملِ  | 
| 
كم بين منتدب يدعو
  لمكرمة  | 
وبين مُعتكِف يبكِي على طللِ  | 
| 
لولا التّفاوُتُ بين الخلقِ ما ظهرت | 
مزِيّةُ الفرقِ بين الحليِ والعطلِ  | 
| 
فانهض إلى صهواتِ
  المجدِ معتليا | 
فالبازُ لم يأوِ إلاّ
  عالي القللِ  | 
| 
ودع من الأمرِ أدناهُ لأبعدهِ | 
في لجة ِ البحرِ ما
  يغنى عنِ الوشلِ  | 
| 
قد يظفرُ الفاتكُ
  الألوى بحاجتهِ | 
ويقعُدُ العجزُ بِالهيّابة ِ الوكلِ  | 
| 
وكُن على حذر تسلم، فرُبّ فتى  | 
ألقى بهِ الأمنُ بين
  اليأسِ و الوجلِ  | 
| 
و لا يغرنك بشر من أخى ملق | 
فرونقُ الآلِ لا يشفى
  من الغللِ  | 
| 
لو يعلمُ ما في الناس
  من دخن | 
لبات مِن وُدِّ ذِي القُربى على دخلِ  | 
| 
فلا تثِق بِوداد قبل معرِفة | 
فالكُحلُ أشبهُ فِي العينينِ بِالكحلِ  | 
| 
واخش النّمِيمة ، واعلم أنّ قائِلها | 
يصليك من حرها نارا
  بلا شعلِ  | 
| 
كم فرية  صدعت أركان مملكة  | 
ومزّقت شمل وُدّ غيرِ مُنفصِلِ  | 
| 
فاقبل وصاتي ، و لا
  تصرفك لاغية  | 
عنى ؛ فما كلُّ رام من
  بنى ثعل  | 
| 
إني امرؤ كفنى حلمي ، وأدبني | 
كرُّ الجديدينِ من ماض
  و مقتبلِ  | 
| 
فما سريتُ قِناع الحِلمِ عن سفه | 
ولا مسحتُ جبِين العِزِّ مِن خجلِ  | 
| 
حلبتُ أشطر هذا الدهرِ
  تجربة  | 
وذُقتُ مافِيهِ مِن
  صاب، ومِن عسلِ  | 
| 
فما وجدتُ على الأيّامِ باقِية  | 
أشهى إِلى النّفسِ مِن حُرِّيّة ِ العملِ  | 
| 
لكننا غرض للشر في زمن | 
أهلُ العُقُولِ بِهِ
  فِي طاعة ِ الخملِ  | 
| 
قامت بهِ من رجالِ
  السوءِ طائفة  | 
أدهى على النفس من بؤس
  على ثكلِ  | 
| 
من كل وغد يكادُ
  الدستُ يدفعهُ | 
بُغضا، ويلفِظُهُ الدِّيوانُ مِن مللِ  | 
| 
ذلّت بِهِم مِصرُ بعد العِزِّ، واضطربت | 
قواعدُ الملكِ ، حتى
  ظلّ في خللِ  | 
| 
وأصبحت دولة ُ «الفُسطاطِ»
  خاضِعة  | 
بعد الإِباءِ، وكانت زهرة  الدُّولِ  | 
| 
قوم إذا أبصروني مقبلا وجموا | 
غيظا، وأكبادُهُم تنقدُّ مِن دغلِ  | 
| 
فإِن يكُن ساءهُم فضلِي فلا عجب | 
فالشّمسُ وهي ضِياء آفةُ المُقلِ  | 
| 
نزهتُ نفسي عما يدنيون بهِ | 
و نخلة ُ الروضِ تأبى
  شيمة  الجعلِ  | 
| 
بئس العشيرُ ، وبئست
  مصرُ من بلد | 
أضحت مناخا لأهلِ
  الزورِ و الخطلِ  | 
| 
أرض تأثل فيها الظلمُ
  ، وانقذفت | 
صواعقُ الغدرِ بين
  السهلِ و الجبلِ  | 
| 
وأصبح النّاسُ فِي عمياء مُظلِمة | 
لم يخطُ فِيها امرُؤ إِلّا على زللِ  | 
| 
لم أدرِ ما حلّ بِالأبطالِ مِن خور | 
بعد المِراسِ، وبِالأسيافِ مِن فللِ  | 
| 
أصوّحت شجراتُ المجدِ، أم نضبت | 
غدرُ الحمية ِ حتى ليس
  من رجلِ   | 
| 
لا يدفعون يداعنهم ، و
  لو بلغت | 
مسّ العفافة ِ من جبن
  ، و من خزلِ  | 
| 
خافُوا المنِيّة ، فاحتالُوا، وما علِمُوا | 
أنّ المنية  لا ترتدُّ بالحيلِ  | 
| 
ففِيم يتّهِمُ
  الإِنسانُ خالِقهُ | 
و كلُّ نفس لها قيد من الأجلِ   | 
| 
هيهات يلقى الفتى أمنا
  يلدُّ بهِ | 
ما لم يخُض نحوهُ بحرا مِن الوهلِ  | 
| 
فما لكُم لا تعافُ الضّيم أنفُسُكُم | 
ولا تزُولُ غواشِيكُم مِن الكسلِ  | 
| 
وتِلك مِصرُ الّتِي أفنى الجِلادُ بِها | 
لفِيف أسلافِكُم فِي الأعصُرِ الأُولِ  | 
| 
قوم أقروا عماد الحق وامتلكوا | 
أزِمّة  الخلقِ مِن حاف
  ومُنتعِلِ  | 
| 
جنوا ثِمار العُلا بِالبِيضِ، واقتطفُوا | 
من بينِ شوكِ العوالي
  زهرة  الأملِ  | 
| 
فأصبحت مِصرُ تزهُو بعد كُدرتِها | 
فِي يانِع مِن
  أساكِيبِ النّدى خضِلِ  | 
| 
لم تنبُتِ الأرضُ
  إِلاّ بعدما اختمرت | 
أقطارها بدمِ الأعناقِ
  و القللِ  | 
| 
شنُّوا بِها غارة  ألقت بِروعتِها | 
أمنا يولفُ بين الذئبِ
  و الحملِ  | 
| 
حتّى إِذا أصبحت فِي معقِل أشِب | 
يردُّ عنها يد العادي
  من المللِ  | 
| 
أخنى الزمانُ على
  فرسانها ، فغدت | 
من بعدِ منعتها مطروقة
   السبلِ  | 
| 
فأيّ عار جلبتم
  بالخمولِ على | 
ما شادهُ السيفُ من
  فخر على زحلِ  | 
| 
إِن لم يكُن لِلفتى عقل يعِيشُ بِهِ | 
فإِنّما هُو معدُود
  مِن الهملِ  | 
| 
فبادروا الأمر قبل
  الفوتِ ، وانتزعوا | 
شِكالة  الرّيثِ، فالدُّنيا
  مع العجلِ  | 
| 
و قلدوا أمركم شهما
  أخا ثقة  | 
يكونُ رداء لكم في
  الحادثِ الجللِ  | 
| 
ماضي البصيرة ِ ، غلاب
  ، إذا اشتبهت | 
مسالكُ الرأي صاد
  الباز بالحجلِ  | 
| 
إن قال برّ ، و إن
  ناداهُ منتصر | 
لبّى ، وإِن همّ لم يرجِع بِلا نفلِ  | 
| 
يجلو البديهة  باللفظِ الوجيزِ إذا | 
عزّ الخطابُ ، و طاشت
  أسهمُ الجدلِ  | 
| 
ولا تلجُّوا إِذا ما الرّأيُ لاح لكُم | 
إنّ اللجاجة  مدعاة 
  إلى الفشلِ  | 
| 
قد يدركُ المرءُ
  بالتدبيرِ ما عجزت | 
عنهُ الكُماة ُ، ولم يحمِل على بطلِ  | 
| 
هيهات، ما النّصرُ فِي حدِّ الأسِنّة ِ، بل | 
بقوة ِ الرأي تمضي
  شوكة ُ الأسلِ  | 
| 
وطالِبُوا بِحُقُوق أصبحت غرضا | 
لِكُلِّ مُنتزِع سهما، ومُختتِلِ  | 
| 
و لا تخافوا نكالا فيه منشوكم | 
فالحوتُ في اليم لا
  يخشى من البللِ  | 
| 
عيشُ الفتى في فناءِ
  الذل منقصة  | 
و الموتُ في العز فخرُ
  السادة ِ النبلِ  | 
| 
لا تتركوا الجدّ أو
  يبدو اليقينُ لكم | 
فالجدُّ مفتاحُ بابِ
  المطلبِ العضلِ  | 
| 
طورا عراكا ، وأحيانا
  مياسرة  | 
رياضة ُ المهرِ بين
  العنفِ و المهلِ  | 
| 
حتى تعود سماءُ الأمنِ
  ضاحية  | 
ويرفُل العدلُ فِي ضاف مِن الحُللِ  | 
| 
هذِي نصِيحة ُ من لا يبتغِي بدلا | 
بِكُم، وهل بعد قومِ المرءِ مِن بدلِ  | 
| 
أسهرتُ جفنِي لكُم فِي نظمِ قافِية  | 
ما إِن لها فِي قدِيمِ الشِّعرِ مِن مثلِ  | 
| 
كالبرقِ في عجل ،
  والرعدِ في زجل | 
والغيثِ فِي هلل، والسّيلِ في هملِ  | 
| 
غرّاءُ، تعلقُها الأسماع مِن طرب | 
وتستطِيرُ بِها الألبابُ مِن جذلِ  | 
| 
حولِيّة ، صاغها فكر أقرّ لهُ | 
بِالمُعجِزاتِ قبِيلُ الإِنسِ والخبلِ  | 
| 
تلوحُ أبياتها شطرينِ
  في نسق | 
كالمرفية ِ قد سلت من
  الخللِ  | 
| 
إِن أخلقت جِدّة ُ الأشعارِ أثّلها | 
لفظ أصِيل، ومعنى  غيرُ مُنتحلِ  | 
| 
تفنى النفوسُ ، و تبقى
  و هي ناضرة  | 
على الدُّهُورِ بقاء السّبعة ِ الطُولِ | 
 
 
 
.jpg) 
 
 
 
 
 
 
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق