الألياف الضوئية
الدكتور
منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الألردنية
مقدمة
على الرغم من توفر
الأمواج الضوئية في الطبيعة واستخدامها بكفاءة عالية في الأنظمة البصرية للكائنات
الحية إلا أن استخدامها في أنظمة الاتصالات قد تأخر إلى منتصف السبعينات من القرن
العشرين وذلك لعدم توفر مصادر ضوئية ذات خصائص محددة تستوفي الشروط التي تتطلبها
حاملات المعلومات. ومع اختراع الليزر في عام 1960م تجدد أمل مهندسي الاتصالات في
استخدام الضوء كحامل للمعلومات في أنظمة الاتصالات حيث أن ضوء الليزر يخرج على شكل شعاع
ضيق جدا وبشدة سطوع عالية بحيث يمكنه الانتشار لمسافات بعيدة دون أن تتشتت
طاقته وهو يتألف كذلك من حزمة ضيقة جدا من الترددات ذات الأطوار المترابطة وذلك
على عكس الضوء العادي الذي يتألف من طيف
واسع من الترددات ذات الأطوار العشوائية غير المترابطة. لقد حاول المهندسون في بادئ الأمر استخدام ضوء
الليزر كحامل للمعلومات في أنظمة اتصالات ضوئية جوية ولكن واجهت هذه الأنظمة مشكلة
كبيرة وهي تأثر الضوء الكبير بالعوامل
الجوية كالضباب والأمطار والغبار وذلك بسبب قصر طول موجته الذي يقل عن أبعاد قطرات
الماء وذرات الغبار ولهذا لم يتم بناء أنظمة اتصالات عملية سوى في تطبيقات محدودة
كاستخدامها في داخل المباني.
وعلى الرغم من علم المهندسين
بإمكانية استخدام الألياف الزجاجية كقناة للاتصالات الضوئية قبل اختراع الليزر إلا
أن الفقد العالي للزجاج العادي الذي يبلغ ألف ديسبل لكل كيلومتر أبعد التفكير
باستخدامها. وفي عام 1966م قام عالمان إنكليزيان بنشر بحث علمي بالغ الأهمية بينا فيه أن الفقد العالي الذي يظهره الزجاج ليس متأصلا فيه وإنما هو ناتج عن وجود شوائب
معدنية وغير معدنية وبناء عليه فإنه من الممكن
تقليل هذا الفقد بدرجة كبيرة من
خلال التخلص من هذه الشوائب. وفي عام 1970م تمكن ثلاثة من العلماء في شركة أمريكية
(Corning Glass)
من تقليل فقد الزجاج إلى 20
ديسبل لكل كيلومتر. وقد أنخفض هذا الرقم
إلى 4 ديسبل في عام 1975م وإلى نصف ديسبل
في عام 1976م وإلى خمس ديسبل في عام 1979م. لقد دفعت هذه الإنجازات العظيمة التي
تجاوزت كل التوقعات المهندسين للتفكير جديا في بناء أنظمة اتصالات ضوئية باستخدام
الألياف الزجاجية ولذلك انصبت أبحاثهم منذ بداية السبعينيات على تطوير مصادر
وكواشف ضوئية بأبعاد تتناسب مع أبعاد الليف الزجاجي الذي لا يتجاوز قطره الخارجي
125 ميكرومتر وقطره الداخلي ستين ميكرومتر
ولقد نجح المهندسون وفي زمن قياسي من تصنيع ليزرات مصنعة من مواد شبه موصلة
تعطي ضوءا في المنطقة تحت الحمراء من الطيف حيث يكون فقد الزجاج أقل منه في منطقة
الضوء المرئي. وفي عام 1975م تمكنت شركة
اتصالات أمريكية من إجراء أول تجربة
ميدانية ناجحة لنظام اتصالات ألياف ضوئية وفي غضون سنوات قليلة بدأت شركات
الاتصالات باستخدام الألياف الضوئية بدلا
من الكيبلات المحورية في مختلف أنظمة الاتصالات.
لقد تمكنت تقنية الألياف
الضوئية خلال سنوات معدودة من ظهورها من حل أكبر مشكلتين في أنظمة الاتصالات
الكهربائية وهما عرض النطاق (bandwidth)
والمسافة القصوى بين المعيدات (repeaters).
فالكيبل المحوري (coaxial cable) الذي تم إختراعه في عام 1935 لا يتجاوز عرض
نطاقه واحد جيقاهيرتز أي ما يعادل 15 ألف مكالمة هاتفية رقمية ولا تتجاوز المسافة بين
المعيدات عشرة كيلومترات. أما الأقمار الصناعية المتزامنة والتي بدأ استخدامها في
أنظمة الاتصالات في عام 1965م فلا يتجاوز عرض نطاقها 2 جيقاهيرتز ويكلف الواحد
منها ما يزيد عن 200 مليون دولار. أما الليف
الضوئي الذي لا يتجاوز قطره قطر الشعرة فيمكنه أن يحمل باستخدام التقنيات الحالية
ألف جيقاهيرتز أي ما يعادل 15 مليون مكالمة هاتفية وهو حمل ألف كيبل محوري أو حمل
500 قمر صناعي. لقد تم استخدام الألياف الضوئية منذ بداية الثمانينات في ربط المقاسم المحلية والوطنية والدولية
وإنشاء شبكات المعلومات المحلية والوطنية وشبكات التوزيع التلفزيونية ونظم الاتصالات
الداخلية في الطائرات والسفن وفي أنظمة الاتصالات العسكرية وتم كذلك وصل القارات
مع بعضها البعض بمئات الكيبلات البحرية. ولولا ظهور تقنية الألياف الضوئية لما
انتشرت خدمة الانترنت هذا الانتشار الواسع فقد أصبحت الكيبلات البحرية الضوئية
وشبكات الألياف الضوئية البرية العمود الفقري الذي يربط عقد شبكة الانترنت في
العالم.
تركيب الألياف
الضوئية
يتم
تصنيع الليف الضوئي على شكل ليف أو خيط من الزجاج عالي النقاء أسطواني الشكل لا
يتجاوز قطره الخارجي 125ميكروميتر أي بسمك شعرة رأس الإنسان. ويتكون الليف من
طبقتين أسطوانيتين فالطبقة الداخلية تسمى القلب
(core)
والطبقة الخارجية والتي تحيط بالقلب تسمى الغلاف (cladding)
وهما مصنوعتان من نفس المادة الزجاجية عالية النقاء. ولكي يتم تقييد إنتشار الضوء
في داخل قلب الليف يتطلب أن يكون معامل انكسار القلب (refractive
index) أعلى قليلا من معامل انكسار الغلاف. ويعتمد انتشار الضوء في
الألياف الضوئية على مبدأ فيزيائي مشهور ألا وهو مبدأ الإنعاس الداخلي الكلي (Total
internal reflection). فالضوء الذي يسقط من وسط ذي معامل انكسار أعلى على وسط بمعامل انكسار أقل ينعكس كليا إذا
كانت زاوية السقوط أكبر من زاوية معينة تسمى الزاوية الحرجة (critical
angle). وإذا ما تم تسليط شعاع من الضوء على قلب الليف عند أحد أطرافه
فإن الأشعة الساقطة بزاوية أكبر من الزاوية الحرجة ستسير بمسار متعرج (zigzag)
وتبقى مقيدة داخل الليف إلى أن تصل إلى الطرف الآخر.
ولكي يتم فهم الطريقة التي ينتشر فيها
الضوء داخل الليف الضوئي بشكل أعمق قام العلماء باستخدام معادلات الكهرومغناطيسية
لحل مسألة إنتشار الضوء داخل الليف الضوئي بإعتباره أحد أنواع مرشدات الموجات
أسطوانية الشكل (cylindrical waveguides). ولقد تبين للعلماء أنه ليس
جميع الزوايا التي يسقط فيها الضوء على قلب الليف تمكنه من الانتشار فيه حتى لو
كانت هذه الزوايا أكبر من الزاوية الحرجة بل هنالك عدد محدد من الزوايا تمكن الضوء من الانتشار
فيه وهي التي تحقق ما يسمى بالشروط الحدية (boundary
conditions) عند الحد الفاصل بين قلب الليف وغلافه. ولقد أطلق العلماء إسم
الأنماط (modes) على مجموعة
الزوايا التي يمكن للضوء أن ينتشر عندها خلال الليف الضوئي.
ولقد وجد أن عدد الأنماط التي ينتشر فيها الضوء خلال الليف يتناسب مع مربع قطر
القلب ومع الفرق بين مربع كل من معاملي إنكسار القلب والغلاف. إن وجود عدد كبير من
الأنماط التي تنتشر في الليف يقلل من كمية المعلومات التي يمكن إرسالها عبر الليف وذلك
لأن النبضة الضوئية المرسلة تتوزع طاقتها بين الأنماط المختلفة وستصل عند الطرف الآخر
ممتدة على فترة زمنية أطول مما يحد من عدد النبضات المرسلة في الثانية الواحدة والتي
تمثل كمية المعلومات المرسلة. ولهذا السبب يلزم تصنيع قلب الليف الضوئي بأبعاد لا
تتجاوز مائة ميكرومتر وكذلك تقليل الفرق بين معاملي إنكسار القلب والغلاف إلى ما
دون 2% وذلك لتقليل عدد الأنماط وبالتالي زيادة معدل إرسال المعلومات خلاله. ولكن
يترتب على تقليل قطر قلب الليف زيادة في كلفة تصنيع هذه اللأياف وصعوبة في وصل
الألياف ببعضها البعض وكذلك انخفاض كمية الطاقة الضوئية التي يمكن ضخها من مصدر الضوء إلى الليف.
تصنيع الألياف
الضوئية
يتم تصنيع الألياف الضوئية من الزجاج أو السيليكا وهي ثاني
أكسيد السيليكون (Silicon dioxide(SiO2) or silica)
والتي تشكل ما نسبته عشرة بالمائة من مكونات القشرة
الأرضية وخاصة الرمال. إن الزجاج المصنع بالطرق التقليدية لا يمكن استخدامه في
تصنيع الألياف الضوئية لأن مقدار الفقد (loss) فيه يبلغ ألف ديسبل لكل كيلومتر وذلك بسبب
إحتوائه على شوائب مختلفة كمعادن الحديد والنحاس والكروم وكذلك الهيدروكسايل (Hydroxyl(OH))
رغم أن نسبتها لا تتجاوز جزء من مليون جزء. إن مثل هذا الفقد البالغ العلو في
الزجاج لا يسمح باستخدام الألياف الضوئية لأكثر من خمسين مترا ولذلك يلزم تخفيض
الفقد لما دون ديسبل واحد لكل كيلومتر وذلك من خلال تخفيض الشوائب في الزجاج إلى
نسبة أقل من جزء من بليون جزء. ويتم تصنيع مثل هذا الزجاج البالغ النقاء من خلال
تحويل السيليكون إلى رابع كلوريد
السيليكون (SiCl4)
ذي الطبيعة الغازية ومن ثم يتم تحويل رابع كلوريد السيليكون إلى ثاني أكسيد
السيليكون (SiO2)
من خلال إتحاده بالأوكسجين عند درجات حرارة عالية.
إن أول خطوات تصنيع الليف الضوئي هو تصنيع ما
يسمى بالقضيب الزجاجي (Preform) وهو قضيب أسطواني الشكل من الزجاج يتراوح
طوله بين خمسين ومائة سنتيمتر وقطره بين سنتيمتر واحد وثلاثة سنتيمترات. والقضيب
يتكون من قلب وغلاف كما هو الحال مع الليف الضوئي ويجب أن تكون نسبة قطري القلب
والغلاف في القضيب نفس نسبة قطري القلب والغلاف في الليف. ويتم تصنيع القضيب
الزجاجي بطريقة تسمى الترسيب في الحالة البخارية (Vapor-Phase
Deposition) وفيها يتم تصنيع السيليكا من خلال تفاعل رابع كلوريد السيليكون والأوكسجين بوجود لهب (flame)
تبلغ درجة حرارته 1600 درجة مئوية. ويتم
ترسيب السيليكا الناتجة والتي تكون على شكل بودرة بيضاء على السطح الخارجي لقضيب
رفيع من الزجاج أو ما يسمى الترسيب البخاري الخارجي (outside vapor
deposition (OVD)) أو على السطح الداخلي لأنبوب زجاجي أو ما
يسمى الترسيب البخاري الكيميائي المعدل (modified chemical vapor
deposition (MCVD)) أو على سطح قرص زجاجي أو ما يسمى الترسيب
البخاري الطولي (vapor
axial deposition (VAD)). ويجب أن يراعى خلال عملية تصنيع القضيب أن
يكون معامل إنكسار القلب أعلى منه في الغلاف ويتم ذلك إما من خلال رفع معامل
إنكسار القلب بإضافة ثاني أكسيد الجرمانيوم (GeO2)
أو خامس أكسيد الفوسفور(P2O5) بنسبة محددة إلى السيليكا في القلب أو من خلال خفض معامل إنكسار الغلاف بإضافة ثالث
أكسيد البورون (B2O3)
إلى السيليكا في الغلاف. وبعد الإنتهاء من عملية ترسيب السيليكا يتم رفع درجة
حرارة اللهب إلى 2000 درجة مئوية فيتحول قضيب السيليكا من بودرة بيضاء إلى زجاج
صلب شفاف.
أما
الخطوة الأخيرة في تصنيع الليف الضوئي فهي تحويل القضيب الزجاجي إلى الليف الضوئي من
خلال عملية سحب الليف(fiber draw
process) وتتم هذه العملية من خلال تسخين أحد أطراف القضيب الزجاجي في
داخل فرن عند درجة حرارة تبلغ 2200 درجة مئوية ليتحول إلى ما يشبه البلاستيك المذاب ومن ثم يتم
سحب هذه المادة المذابة أو الطرية بسرعة محددة لتنتج الليف الضوئي بالأبعاد
المطلوبة. إن درجة حرارة الفرن الذي يقوم بتسخين طرف القضيب وكذلك سرعة سحب الليف
من القضيب يجب أن تكون بالغة الدقة وغالبا ما تتم تحت سيطرة الحواسيب وباستخدام
أفران تستخدم الموجات الراديوية ومحركات سحب عالية الدقة. وعادة ما يتم تغليف
الليف أثناء سحبه بطبقات حماية (coating & buffering)
مختلفة من خلال تمريره في وعاء مملوء بمادة الحماية والتي غالبا ما تكون مواد الأكريلايت (acrylate) والبوليمر الفلوري (fluoropolymer). وتعمل طبقات الحماية على حماية الليف من
الصدمات الميكانيكية والمواد الكيميائية والماء وغيرها. ويوجد نوعان من الألياف من
حيث الحماية وهي الألياف المغلفة (coated fibers) وهي مغلفة بطبقة طرية من البلاستيك ويصل
قطرها الخارجي إلى 250 ميكرومتر والألياف المقواه (tight buffered fibers)
وفيها يتم إضافة طبقة صلبة من البلاستيك
فوق طبقة الغلاف ويصل قطرها الخارجي إلى 900 ميكرومتر. إن طول الليف المصنع يتحدد
من طول وقطر القضيب الزجاجي (preform) فقضيب
بطول متر واحد وبقطر سنتيمتر واحد ينتج ليف طوله ستة كيلومترات و400 متر وقطره
125 ميكرومتر.
أنواع الألياف الضوئية
يستخدم الآن في
أنظمة الاتصالات الضوئية ثلاثة أنواع من الألياف الضوئية (optical fibers)
وهي الليف متعدد الأنماط ذي المعامل الخطوي (step-index
multi mode fiber)
والذي يتراوح قطر قلبه بين 50 و100
ميكرومتر وقطر غلافه 125 ميكرومتر أو أـكثر والقيم القياسية هي كالتالي (50 x 125, 62.5 x 125 and 100 x
140 µm). وفي هذا النوع يكون معامل إنكسار القلب ثابت ويهبط بشكل حاد إلى
معامل إنكسار الغلاف عند الحد الفاصل بينهما أي أن الأشعة تنعكس عند هذا الحد. ويمتاز
هذا النوع بسهولة تصنيعه وسهولة وصل
الألياف ببعضها البعض وقدرته على جمع كمية كبيرة من ضوء المصدر ولكن سيئته أنه
يسمح بانتشار عدة مئات من الأنماط خلاله والتي تعمل على تقليل عرض نطاقه إلى أقل
من مائة ميغاهيرتز للكيلومتر الواحد. ولذلك ينحصر استخدام هذا النوع في أنظمة الاتصالات ذات المسافات القصيرة (short-range links) وفي
شبكات المعلومات المحلية(local area networks) ومراكز
المعلومات (data centers) والأنظمة العسكرية وأنظمة التصوير (imaging)
وأنظمة الإضاءة (illumination)
وأنظمة الإستشعار (sensing) وفي الطائرات والسفن والمصانع. أما النوع
الثاني فهو الليف متعدد الأنماط ذي المعامل التدريجي (graded-index
multi mode fiber)
والذي يتراوح قطر قلبه بين 50 و60
ميكرومتر وقطر غلافه 125 ميكرومتر. وفي هذا النوع يأخذ معامل إنكسار القلب أعلى
قيمة عند مركزه ثم يقل بشكل تدريجي إلى أن يصل إلى معامل إنكسار الغلاف عند الحد
الفاصل بينهما أي أن الأشعة تنعكس تدريجيا داخل الغلاف وليس عند الحد الفاصل بين
القلب والغلاف. وعلى الرغم من أن هذا النوع يسمح بانتشار عدة مئات من الأنماط
خلاله كما في النوع الأول إلا أن التدرج في معامل انكسار القلب يجعل سرعات انتشار
الأنماط المختلفة أكثر تقاربا منها في النوع الأول وعليه فان عرض نطاقه قد يصل إلى
ألف ميغاهيرتز للكيلومتر الواحد. أما النوع الثالث فهو الليف أحادي النمط ذي المعامل الخطوي (step-index
single mode fiber)
ولا يزيد قطر قلب هذا الليف عن 10 ميكرومتر وقطر غلافه 125 ميكرومتر ولذلك
فهو لا يسمح إلا لنمط ضوئي واحد للانتشار خلاله. ويمتاز هذا النوع بقدرته على نقل
كميات ضخمة من المعلومات فقد يصل عرض نطاقه إلى ألف جيغاهيرتز للكيلومتر الواحد
ولكن سيئته أنه يحتاج لتقنيات متقدمة لتصنيعه ولوصل الألياف ببعضها البعض وكذلك
إنخفاض كمية الضوء التي يجمعها الليف من مصدر الضوء.
الفقد والتفرق في الألياف الضوئية
على الرغم من استخدام
زجاج عالي النقاء لتصنيع الألياف الضوئية وذلك لتقليل الفقد الناتج عن الشوائب
والتي تقوم بامتصاص الضوء ( extrinsic absorption) إلا أن ذرات الزجاج نفسه تقوم أيضا بإمتصاص
الضوء بما يسمى الإمتصاص الذاتي (entrinsic
absorption). ويوجد نوعان من الإمتصاص الذاتي في الزجاج وهما الإمتصاص فوق
البنفسجي (ultraviolet absorption)
والإمتصاص تحت الأحمر (
infrared absorption). ففي الإمتصاص فوق البنفسجي تقوم الموجات
التي تقع في منطقة الطيف الفوق بنفسجي بإمتصاص الضوء من خلال رفع الإلكترونات من
المدارات الدنيا للمدارات العليا لذرات الزجاج وهذا الإمتصاص يتناسب عكسيا مع طول
الموجة. أما في الإمتصاص تحت الأحمر فتقوم الموجات التي تقع في منطقة الطيف تحت
الأحمر بإمتصاص الضوء من خلال زحزحة ذرات الزجاج عن أماكنها وهذا الإمتصاص يتناسب طرديا
مع طول الموجة. وإلى جانب الإمتصاص الذاتي في الزجاج يوجد نوع أخر من مسببات الفقد
وهو ما يسمى بتشتت رايلي (Rayleigh
scattering) وهو ناتج عن إرتداد الضوء عن بؤر موجودة في قلب الليف لها معامل
إنكسار أعلى من محيطها. وتتكون هذه البؤر نتيجة لعدم تجانس مادة الزجاج في القلب
أثناء عملية تصنيع الليف وذلك لأن الزجاج
في داخل الليف لا يتصلب بنفس الوقت عند خروجه من الفرن.
وعند رسم منحنى
إمتصاص الزجاج عند الموجات المختلفة تبين أن الإمتصاص يبلغ أدنى مستوياته في
المنطقة تحت الحمراء القريبة (near
infrared region) وهي المنطقة المجاورة لمنطقة الضوء المرئي
والتي تمتد من 700 إلى 1700 نانومتر. ويبلغ أدنى فقد للزجاج عند الطول الموجي 1550
نانومتر حيث يبلغ 0,2 ديسبل لكل كيلومتر وهذا يعني أن الضوء الذي ينتشر في ليف
طوله 15 كيلومتر يفقد نصف طاقته فقط. إن المدى الذي يصل فيه فقد الليف إلى ما دون
0,5 ديسبل لكل كيلومتر يمتد من 1260 نانومتر إلى 1675 نانومتر وقد تم تقسيم هذا
المدى إلى ستة نطاقات وهي النطاق الأساسي (Original band (1260-1360nm)) والنطاق الممدد (Extended band (1360-1460nm)) والنطاق القصير (Short band (1460-1530nm)) والنطاق الإعتيادي (Conventional
band (1530-1565nm)) والنطاق الطويل ( Long band (1565-1625nm)) والنطاق فوق الطويل (Ultralong band (1625-1675nm)). يبلغ عرض النطاق الكلي لليف الضوئي لجميع
هذه النطاقات 60 تيراهيرتز (التيراهيرتز = ألف جيقاهيرتز) بينما يبلغ عرض النطاق
للكيبل المحوري واحد جيقاهيرتز.
ولكن بما أن الألياف
الضوئية التي تصنع بالطريقة التي شرحناها آنفا تحتوي على نسبة عالية نسبيا من
هيدروكسيل الماء (OH)
فإنها تعاني من فقد عالى قد يصل إلى 4 ديسبل لكل كيلومتر عند الموجة 1380 نانومتر
ثم يقل تدريجيا حولها. وبناءا على هذا فإن النطاق الممدد (1360-1460nm) وأجزاء من النطاقات المحيطة به لا يمكن
إستخدامها في الألياف الضوئية بسبب هذا الفقد العالي مما يقلل عرض نطاق الليف إلى
النصف تقريبا أي 30 تيراهيرتز. ولقد تم
حديثا استخدام تقنيات متقدمة لتقليل نسبة الهيدروكسايل في الليف الضوئي وذلك
لإنتاج ألياف ضوئية تستغل جميع النطاقات وأطلق عليها إسم الأليف الضوئية الجافة (Dry optical fibers).
إن الفقد الذي يتعرض له الضوء أثناء إنتشاره في الليف
الضوئي ليس هو المشكلة الوحيدة في أنظمة الاتصالات الضوئية بل إن نبضات الضوء أثناء إنتشارها في الليف
تتعرض للتمدد أو التفرق (dispersion)
في الزمن وهذا يحد من عدد النبضات المرسلة في الثانية وبالتالي كمية المعلومات
المرسلة بسبب تداخل النبضات ببعضها (Intersymbol
interference (ISI)). وقد وجد لحسن الحظ أن النبضات الضوئية لا
تتعرض لأي تفرق عند الطول الموجي 1300 نانومتر في الألياف أحادية النمط ولكن الفقد
في هذا المكان أعلى منه عند الطول الموجي 1550 نانومتر. وقد تمكن العلماء من تصنيع
ألياف ضوئية يكون الفقد والتقرق فيها أقل ما يكون عند الطول الموجي 1550 نانومتر يطلق عليه إسم الألياف الضوئية مزاحة التفرق (dispersion-shifted optical fibers). ولقد تم استخدام الطول الموجي 850 نانومتر
للجيل الأول من أنظمة اتصالات الألياف الضوئية في منتصف السبيعينات بسبب توفر
مصادر ضوئية لتلك المنطقة. ولكن وبسبب الفقد العالي نسبيا للزجاج في هذه النافذة الذي
يصل إلى 2 ديسبل لكل كيلومتر فقد تم الانتقال في بداية الثمانينات إلى النافذة
المحيطة بالطول الموجي 1300 نانومتر بسبب إنعدام تفرق النبضات في هذه النافذة. وفي أواخر الثمانينات تم إستخدام النافذة
المحيطة بالطول الموجي 1550 نانومتر لعدة أسباب أولها أن الزجاج له أقل فقد ممكن في
هذه النافذة حيث يصل إلى 0,2 ديسبل لكل كيلومتر وثانيها توفر مضخمات ضوئية (optical amplifiers) ذات عرض نطاق واسع (bandwidth) وكسب عالي (gain) وهي مضخمات الليف المطعم بالإربيم (Erbium-doped fiber amplifiers (EDFA))
وثالثها استخدام الألياف الضوئية مزاحة التفرق (dispersion-shifted optical fibers).
المصادر والكواشف الضوئية
تحتاج أنظمة اتصالات
الألياف الضوئية إلى مصادر ضوئية (optical
sources) وكواشف ضوئية (optical detectors) بمواصفات معينة تتناسب وطبيعة هذه الألياف.
فالمتطلب الأول هو أن تقع الترددات التي تشعها المصادر أو تلتقطها الكواشف ضمن
النوافذ التي يعمل عندها الليف بأقل فقد. أما المتطلب الثاني فهو أن يكون عرض
الشعاع الضوئي (beamwidth)
للمصدر ضيق جدا أي أنه عالي التوجيه (high
directivity) وكذلك صغير المقطع (cross
section) وذلك لإدخال أكبر كمية من الضوء إلى قلب الليف الذي يقاس بعشرات
الميكرومترات. أما المتطلب الثالث فهو أن يتألف ضوء المصدر من حزمة ضيقة جدا من
الترددات أو ما يسمى بعرض الخط (linewidth)
حيث أن إتساع عرض الخط يزيد من تفرق أو
تمدد النبضات وهذا بالتالي يقلل من كمية المعلومات المرسلة عبر الليف. وأما
المتطلب الرابع فهو أن تكون المصادر والكواشف ذات إستجابة عالية للنبضات الضوئية
حيث وصل معدل النبضات إلى 40 جيقاهيرتز في الأنظمة الحالية. وأما المتطلب الخامس
فهو إمكانية تحويل التيار الكهربائي إلى ضوء في المصادر والعكس في الكواشف. ومن
المتطلبات الأخرى للمصادر والكواشف أن تكون أحجامها صغيرة للتناسب مع حجم الليف
الضوئي الذي لا يتجاوز قطره الخارجي 125 ميكرومتر.
وتستخدم المصادر
والكواشف الضوئية المصنعة من المواد شبه الموصلة (semiconductors) بلا إستثناء في أنظمة اتصالات الألياف
الضوئية لصغر حجمها وكذلك إمكانية تحويل التيار الكهربائي إلى ضوء في المصادر
والعكس في الكواشف. إن المكون الأساسي المستخدم في المصادر والكواشف الضوئية هو
الثنائي (diode) والذي يتكون من وصلة موجب-سالب (PN junction). فإذا ما تم تسليط جهد كهربائي بإنحياز أمامي (forward bias) على الثنائي فإن تيارا كهربائيا سيسري في داخل الثنائي مما يؤدي
إلى إتحاد الإلكترونات (electrons) القادمة من
المنطقة السالبة مع الفجوات (holes) القادمة من
المنطقة الموجبة وذلك في المنطقة المنضبة (depletion region). إن إتحاد الإلكترون مع الفجوة يعني نزول الإلكترون
المثار من نطاق التوصيل (conduction band) إلى نطاق
التكافوء (valence
band) مطلقا بذلك فرق الطاقة فيما بين النطاقين أو ما
يسمى طاقة ثغرة النطاق (bandgap energy) على شكل فوتون ضوئي (light photon). إن تردد
الفوتون المنبعث (f) يتحدد من خلال مساواة طاقة
الفوتون (hf) مع طاقة طاقة ثغرة النطاق (Eg) للمادة شبه الموصلة المستخدمة أي أن (hf = Eg) حيث أن هو ثابت بلانك (Plank's constant).
ويوجد نوعان من الثنائيات المستخدمة لإشعاع الضوء وهي الثنائي الباعث للضوء
(Light
Emitting Diode (LED))) وثنائي
الليزر (Laser
Diode (LD))). ففي الثنائي الباعث للضوء يكون
إشعاع الضوء من النوع المسمى الإنبعاث التلقائي (spontaneous emission) والذي يولد ضوء غير مترابط (incoherent light) بسبب أن الإلكترونات تنزل بطريقة عشوائية. وفي الضوء غير
المترابط تنبعث الفوتونات باتجاهات مختلفة ولها ترددات وأطوار(phases) مختلفة ولهذا فإن عرض الشعاع (beamwidth) كبير جدا
مما يقلل من كمية الضوء المضخ لليف وعرض الخط (linewidth) كذلك كبير جدا
مما يقلل من كمية المعلومات المرسلة عبر الليف. أما في ثنائي الليزر فإن إشعاع
الضوء من النوع المسمى الإنبعاث المستحث (stimulated emission) والذي يولد
ضوء مترابط (coherent light) بسبب أن
الإلكترونات تنزل من خلال حث الفوتونات لها. وفي الضوء المترابط تنبعث الفوتونات بنفس
الإتجاه ولها نفس التردد والطور ولهذا فإن
عرض الشعاع (beamwidth) قليل جدا
مما يزيد من كمية الضوء المضخ لليف وعرض الخط (linewidth) كذلك قليل
جدا مما يزيد من كمية المعلومات المرسلة عبر الليف. ويتم تصنيع هذا النوع من
المصادر الضوئية من سبائك شبه موصلة مركبة من عناصر العمود الثالث والخامس في
الجدول الدوري حيث أن السيليكون والجرمانيوم لا تصلح للتصنيع حيث أن ثغرة نطاقها
من النوع غير المباشر (indirect bandgap). ومن أشهر السبائك المستخدمة في هذه الثنائيات سبيكة
الإنديوم_الجاليوم_الزرنيخ_ الفوسفور(In1-xGaxAs1-yPy) حيث أنها تولد ترددات تغطي كامل الطيف الذي تستخدمه الألياف
الضوئية وذلك من خلال التحكم بنسب مكونات السبيكة.
أما الكواشف الضوئية فإن عملها يتم من خلال تسليط جهد كهربائي بإنحياز عكسي (reverse bias) على الثنائي ولا يسري التيار الكهربائي فيها إلا عند سقوط شعاع ضوئي على المنطقة المنضبة (depletion region). وتقوم فوتونات الضوء برفع الإلكترونات من نطاق التكافوء إلى نطاق التوصيل مخلفة مكانها فجوات ويتم سحب الإلكترونات إلى الدائرة الخارجية تحت تأثير المجال الكهربائي الناتج عن الإنحياز العكسي منتجة تيارا كهربائيا يتناسب طرديا مع كمية الضوء الساقط على الثنائي. ويوجد أيضا نوعان من الكواشف الضوئية وهي الثنائي الضوئي العادي (pin photodiode) والثنائي الضوئي الإنهياري (avalanche photodiode (APD)). ويتم تصنيع هذا النوع من المصادر الضوئية من عناصر السيليكون والجرمانيوم وكذلك سبائك شبه موصلة مركبة من عناصر العمود الثالث والخامس في الجدول الدوري. ومن أشهر السبائك المستخدمة في هذه الثنائيات سبيكة الإنديوم_الجاليوم_الزرنيخ (In0.53Ga0.47As) حيث أنها تلتقط جميع الموجات التي تستخدمها الألياف الضوئية.
لا يختلف نظام اتصالات الألياف الضوئية في
مكوناته الرئيسية عن أنظمة الاتصالات الراديوية سوى أن الحامل (carrier) قد اختير في النطاق الضوئي للطيف
الكهرومغناطيسي حيث يبلغ تردد الحامل 200 تيراهيرتز (Terahertz)
بينما لا يتجاوز أعلى حامل في النطاق الراديوي عن 100 جيقاهيرتز (Gigahertz).
وإذا ما علمنا أن كمية المعلومات المرسلة
تتناسب طرديا مع قيمة تردد الحامل فإن كمية المعلومات التي يحملها الحامل الضوئي
يزيد بألفي مرة عن تلك التي يحملها الحامل الراديوي. ويتكون نظام الاتصالات الضوئي
من المرسل (transmitter) والذي يتكون من أحد أنواع المصادر الضوئية
التي شرحناها آنفا وهي إما ثنائي الليزر (laser diode)
أو الثنائي الباعث للضوء (light emitting diode).
ويقوم المرسل بتحويل الإشارة الكهربائية الحاملة للمعلومات إلى إشارة ضوئية من
خلال تعديل شدة الضوء من خلال التيار المسلط على المصدر الضوئي بما يسمى تعديل
الشدة (intensity
modulation). ويتم نقل الضوء الحامل للمعلومات من خلال قناة الاتصال المكونة
من أحد أنواع الألياف الضوئية التي شرحناه آنفا وذلك حسب معدل كمية المعلومات
المراد نقلها حيث يستخدم الليف أحادي النمط لنقل المعدلات العالية بينما تستخدم
الليف متعدد الأنماط للمعدلات المنخفضة. ويقوم المستقبل (receiver )
في الطرف الآخر في تحويل الإشارة الضوئية الحاملة للمعلومات إلى إشارة كهربائية
باستخدام أحد أنواع الكواشف الضوئية التي شرحناها آنفا وهي الثنائي الضوئي العادي (pin photodiode) والثنائي الضوئي الإنهياري (avalanche photodiode (APD)).
إن المعلومات الخارجة من مصدر المعلومات
غالبا ما تمثل بشكل إشارة كهربائية رقمية
أي سيل من النبضات الكهربائية فوجود
نبضة في فترة زمنية يمثل رقم واحد بينما
غيابها يمثل الرقم صفر ثم تحول هذه الإشارة الكهربائية إلى إشارة ضوئية باستخدام
المصدر الضوئي فيكون خرج المصدر عبارة عن
سيل من النبضات الضوئية التي تمثل الرقم صفر وواحد.
وتتحدد المسافة
القصوى بين المرسل والمستقبل من مقدار القدرة الضوئية (optical power) التي تم ضخها من المصدر الضوئي إلى الليف
ومن حساسية المستقبل الضوئي (receiver sensitivity) وكذلك إما من مقدار الفقد في الليف الضوئي
لكل كيلومتر أو من مقدار التفرق في عرض النبضة لكل كيلومتر. وإذا ما زادت المسافة
بين المرسل والمستقبل عن هذا الحد فلا بد من استخدام المعيدات (repeaters)
لتقوية الإشارة الضعيفة ولتقليل مقدار التفرق. ويوجد نوعان من المعيدات المستخدمة
في أنظمة الاتصالات الضوئية وهي المعيدات الإلكترونية (electronic repeaters) والمعيدات الضوئية (optical repeaters). ففي المعيدات الإلكترونية يتم تحويل
الإشارة الضوئية إلى إشارة كهربائية باستخدام مستقبل ضوئي ويتم معالجة الإشارة
الكهربائية الضعيفة لتوليد إشارة قوية خالية من الضجيج (noise) وكذلك من التداخل بين النبضات ومن ثم يتم
تحويلها إلى إشارة ضوئية قوية يتم إرسالها في الجزء التالي من الليف الضوئي. إن
عيب المعيدات الإلكترونية هو الحاجة لمعيد لكل موجة من الموجات التي يحملها الليف
الضوئي. أما المعيد الضوئي فهو عبارة عن مضخم ضوئي يقوم بتضخيم الإشارة الضوئية
الضعيفة وإعادة إرسالها في الجزء التالي من الليف الضوئي. إن أهم ما يميز المعيدات
الضوئية هو قدرتها على تضخيم جميع الموجات الضوئية التي يحملها الليف شريطة أن
يكون عرض نطاقها يغطي جميع هذه الموجات. ولكن عيبها أنها لا تعالج مشكلة التفرق في عرض النبضة ولذا لا بد من استخدام أجهزة
ضوئية تعمل على موازنة التفرق (dispersion compensation) وإرجاع
النبضة الضوئية لعرضها الأصلي قدر الإمكان.
تقنية تعاقب التقسيم الموجي
إن عرض النطاق الضخم
لليف الضوئي الذي يصل إلى 60 تيراهيرتز لا
يمكن إستغلاله من خلال إستخدام حامل ضوئي واحد (optical carrier) وذلك لسببين أولهما أن الحامل في الغالب لا
يحمل أكثر من واحد بالمائة من قيمة تردده فحامل بقيمة 200 تيراهيرتز يمكنه أن يحمل
2 تيراهيرتز أي ألفي جيقاهيرتز. أما السبب الثاني فهو أن المعلومات تخرج من
مصادرها على شكل نبضات كهربائية ولا يمكن أن يتجاوز معدل هذه النبضات في الثانية
سرعة التبديل (switching speed)
للأجهزة الإلكترونية التي تعالجها حيث وصلت أعلى سرعة تبديل إلكترونية إلى 40
جيقاهيرتز في الوقت الحالي. وبناء على ذلك
فلا بد من استخدام أكثر من حامل ضوئي لزيادة كمية المعلومات المرسلة عبر الليف
الضوئي الواحد أو ما يسمى تقنية تعاقب
التقسيم الموجي (Wavelength
Division Multiplexing (WDM)) والذي لا يختلف من حيث المبدأ عن تقنية
تعاقب التقسيم الترددي (Frequency
Division Multiplexing(FDM)) المستخدمة في الأنظمة الراديوية.
لقد أوصى الإتحاد الدولي
للإتصالات (ITU)
للمسافات المسموح بها بين الترددات أو الموجات وهي 200 جيقاهيرتز (1,6 نانومتر) أو 100
جيقاهيرتز (0,8 نانومتر) أو 50 جيقاهيرتز
(0,4 نانومتر) أو 25 جيقاهيرتز (0,2
نانومتر). إن الصعوبة التي واجهت المهندسين في بناء أنظمة تعاقب التقسيم الموجي هي
في تصنيع المصادر الضوئية وبالتحديد ثنائيات الليزر والتي يمكنها توليد الترددات
المطلوبة وبعرض نطاق قليل جدا مع التنويه على أنه لم يتم حتى الآن تصنيع ليزرات
تولد حامل أحادي التردد كما هو الحال مع المذبذبات الراديوية (RF oscillators). ولقد بدأ استخدام تقنية تعاقب التقسيم
الموجي في منتصف التسعينات من القرن العشرين بعد أن تم تصنيع ثنائيات الليزر التي
تستخدم التغذية الراجعة الموزعة (Distributed
Feedback (DFB) laser diodes) بعرض نطاق يبلغ 12 جيقاهيرتز والذي تم
تخفيضه فيما بعد إلى ما دون الميجاهيرتز. وقد بلغ عدد الموجات في بداية استخدام
هذه التقنية 8 موجات ووصل الآن إلى 96
موجة. إن الحاملات الضوئية المستخدمة في
أنظمة تعاقب التقسيم الموجي كانت تحمل 2,5 أو 5 جيقابت\ثانية في الجيل الثالث في
منتصف التسعينات ومن ثم 10جيقابت\ثانية في
الجيل الرابع في عام 2000م وأخيرا 40
جيقابت\ثانية في الجيل الخامس في عام 2006م.
المضخمات الضوئية
إن تقنية تعاقب
التقسيم الموجي لا يمكن استغلالها بشكل جيد إلا في حالة وجود المضخمات الضوئية (optical
amplifiers) وخاصة في أنظمة الكيبلات الضوئية البحرية. فقبل ظهور هذه
المضخمات كان من الصعب إرسال أكثر من موجة عبر أنظمة الألياف الضوئية التي تستخدم
المعيدات الإلكترونية حيث يلزم فصل الموجات التي يحملها الليف الواحد ومن ثم
استخدام معيد لكل موجة من هذه الموجات. ويوجد نوعان من المضخمات الضوئية وهي المضخمات
الضوئية شبه الموصلة (semiconductor optical
amplifiers (SOAs)) ومضخمات الألياف المطعمة بالإربيوم (Erbium Doped Fiber Amplifier (EDFA)). وتعمل المضخمات الضوئية شبه الموصلة على
نفس مبدأ عمل ثنائيات الليزر شبه الموصلة حيث يتم تضخيم الضوء من خلال ظاهرة
الإنبعاث المستحث (stimulated emission) الذي يتم من خلال ضخ تيار كهربائي إلى
الوصلة. ومن أهم ميزات هذه المضخمات هو إمكانية تصميمها عند أي طول موجي في المدى
الممتد من 800 إلى 1700 نانومتر وكذلك صغر حجمها وعرض نطاقها. أما عيوبها فهي
إنخفاض كسبها نسبيا حيث لا يتجاوز 30 ديسبل وكذلك إعتماد الكسب على إتجاه استقطاب
الموجة (polarization)
. وأما مضخمات الألياف المطعمة بالإربيوم فيتم تضخيم الإشارات الضوئية فيها بناء على ظاهرة الإنبعاث المستحث ومن خلال ضخ
ضوء عالي الشدة تولده ليزرات شبه موصلة عند ترددات محددة وهي 980 نانومتر أو 1480
نانومتر. وتتميز هذه المضخمات بعرض نطاقها الذي قد يصل إلى 40 نانومتر وكذلك
إرتفاع كسبها الذي قد يصل إلى 50 ديسبل. أما عيوبها فهي لا تعمل إلا في النطاق
الممتد من 1525 إلى 1620 نانومتر ولكن لحسن الحظ أن معظم أنظمة الألياف الضوئية
تعمل ضمن هذا النطاق بسبب إنخفاض فقد الليف فيه وكذلك كبر حجمها.
تقنية التراتب الرقمي المتزامن
مع ظهور أنظمة
اتصالات الألياف الضوئية وقدرتها على نقل معدلات عالية من البيانات (data)
كان لا بد من تصميم تقنية تراتب رقمية جديدة تخدم هذه الأنظمة حيث أن التقنية
القديمة وهي التراتب الرقمي
شبه المتزامن (Plesiochronous Digital Hierarchy (PDH)) مصممة لمعدلات لا تتجاوز 600 ميجاهيرتز وهو
أعلى معدل يمكن أن تحمله الكوابل المحورية (coaxial cable). وقد قام كل من المهندسين الأمريكيين
والأوروبيين بالتزامن بتصميم تقنيتين لهذا الغرض وكانتا لحسن الحظ متشابهتين إلى
حد كبير فالتقنية الأوروبية هي المسماة التراتب الرقمي المتزامن (Synchronous Digital Hierarchy (SDH)) بينما تسمى التقنية الأمريكية الشبكة
الضوئية المتزامنة (Synchronous
optical networking (SONET)). والتقنية
الأمريكية تبدأ بخمسين ميجابت في الثانية بينما تبدأ التقنية الأوروبية بمائة
وخمسين ميجابت وينتهي كلاهما بمائة وستين جيقابت في الثانية وتتساويان تقريبا في
الرتب الأخرى. إن ما يميز تقنيات التراتب الجديدة على سابقتها ليس فقط إرتفاع
معدلات إرسال البيانات بل إن عقد الشبكات التي تستخدمها تعمل بشكل متزامن حيث
تستخدم الساعات الذرية (atomic clocks) لتحديد معدلات البيانات التي تولدها.
ويترتب على هذا التزامن الكامل حسنات كثيرة أهمها استخدام معدات بسيطة التركيب
تخلو إلى حد ما من الذاكرات الكبيرة (buffer memories) لجمع وتوزيع البيانات (multiplexing
and demultiplexing). أما الحسنة الثانية فهي إمكانية أخذ أو
إضافة معلومات معينة من أو إلى سيل المعلومات الضخم الذي يحمله الليف الضوئي
باستخدام معدات بسيطة (add-drop multiplexer) ولولا هذه الخاصية لما كان بالإمكان
استخدام كيبل ألياف ضوئية يحمل ما يزيد عن ألف جيجابت من المعلومات ويخدم عشرات
الدول التي يمر بها.
ميزات وعيوب الألياف الضوئية
تمتاز الألياف الضوئية كقناة سلكية على
الكبلات المحورية (coaxial cable) والأسلاك المزدوجة (wire pairs)
بقلة فقدها (low
loss) واتساع عرض نطاقها (huge bandwidth) وصغر حجمها (small size)
وخفة وزنها (low weight )
وحصانتها ضد التداخل والتشويش والتنصت (immunity
to interference & ) ووفرة مادتها الخام وقلة تأثرها بالحرارة
والرطوبة وانعدام خطرها في إحداث الحرائق وعدم حاجتها للعزل إلا لأغراض حمايتها من
التلف ولذا فقد حلت محلها في مختلف التطبيقات بعد فترة وجيزة من ظهورها في عام
1975م. فمن حيث قلة الفقد فقد انخفض معامل
الفقد في الألياف الضوئبة
إلى 0,2 ديسبل لكل كيلومتر بالمقارنة مع عدة ديسبلات لكل كيلومتر في الكبلات المحورية مما يترتب عليه إرسال
الإشارات لمئات الكيلومترات دون الحاجة لإعادة تكبيرها بالمعيدات بينما لا تتجاوز
المسافة بين المعيدات في الكبلات المحورية عن خمسة كيلومترات. أما بخصوص عرض
النطاق الذي يمكن إستغلاله في الليف الضوئي فيبلغ 60 ألف جيقاهيرتز ويحمل الليف في
الوقت الحالي ما يزيد عن ألف جيقاهيرتز. أما ميزة الحجم والوزن فإن كيبلات الألياف
الضوئية لا يتجاوز حجمها ووزنها على وجه
التقريب واحد بالمائة من تلك التي للكبلات المحورية. إن الإشارات الضوئية التي
تحملها الألياف الضوئية لا تتشوش بالإشارات الراديوية في الجو المحيط ولا
بالإشارات الضوئية المحمولة في الألياف المجاورة وكذلك من الصعب إختراق المعلومات
التي تحملها هذه الألياف. أما من حيث
المادة الخام التي تصنع منها الألياف وهي مادة
ثاني أكسيد السيلكون (السيلكا) فهي متوفرة بكثرة في رمال الصحراء وتصل
كميتها إلى عشر مكونات القشرة الأرضية.
أما أهم عيوب الألياف
الضوئية فهي قابليتها للقطع والكسر خاصة عند ثنيها أو شدها وذلك بسبب هشاشة ( Fragile)
المادة المصنعة منها وهي الزجاج وكذلك بسبب صغر قطرها الذي لا يتجاوز الربع
ملليمتر. ولهذا السبب تحتاج الكيبلات الضوئية إلى عدة طبقات من الحماية (protection) تحول دون كسرها عند
الثني أو قطعها عند الشد. أما عيبها الثاني فهو زيادة فقدها (loss) عند ثنيها حول المنعطفات (curves) أثناء تمديدها بسبب تسرب الضوء خارج قلب الليف (fiber core) في منطقة الثني (bending)
ولذا يجب أن لا يقل نصف قطر الثني أو الإنحناء عن حد معين حيث يزداد الفقد كلما
زاد الإنحناء. أما عيبها الثالث فهو صعوبة ربط الألياف الضوئبة ببعضها البعض وكذلك ربطها مع المصادر والكواشف الضوئبة (light sources and
detectors) حيث تتطلب عملية
الربط (joint) بين الألياف ضمان إنتقال الضوء من قلب الليف المرسل إلى قلب
الليف المستقبل بأقل فقد ممكن وهذا يتطلب تطابق القلبان مع بعضهما البعض. إن صعوبة
ربط الألياف ناشئة عن صغر قطر قلب هذه الألياف الذي لا يتجاوز نصف قطر شعرة
الإنسان في الألياف متعددة الأنماط (multimode fibers) وعشرها في الألياف وحيدة النمط (single mode fibers). إن عملية ربط الألياف متعددة الأنماط يمكن أن تتم يدويا من قبل
الفنيين المهرة أما ربط الألياف وحيدة النمط فيلزم إستخدام أجهزة خاصة بذلك.
كيبلات الألياف الضوئية البرية
لقد تم استخدام الألياف الضوئية منذ بداية
الثمانينات في ربط المقاسم المحلية
والوطنية والدولية وإنشاء شبكات المعلومات المحلية والوطنية وشبكات التوزيع
التلفزيونية ونظم الاتصالات الداخلية في الطائرات والسفن وفي أنظمة الاتصالات
العسكرية وتم كذلك وصل القارات مع بعضها البعض بمئات الكيبلات البحرية. ومع نهاية
عام 1987م تم مد ما يقرب من ثلاثة ملايين كيلومتر من الألياف الضوئية في الولايات
المتحدة وأكثر من مليون كيلومتر في أوروبا
ومليون ونصف كيلومتر في اليابان. ومع نهاية عام 2000 م بلغ مجموع ما
تم مده من الألياف الضوئية في العالم
بمائة مليون كيلومتر ووصل الرقم مع نهاية 2012م ألف وخمسمائة مليون كيلومتر. وأنتجت
مصانع الألياف الضوئية في عام 2002م ما
يقرب من ثلاثين مليون كيلومتر من الليف الضوئي بمختلف أنواعه بينما بلغ الإنتاج
العالمي من الألياف الضوئية في عام 2012م
ما يقرب من 150مليون كيلومتر.
وفي معظم
التطبيقات لا تستخدم الألياف الضوئية بشكلها الأصلي (bare fibers)
وذلك لصغر حجمها وهشاشتها وزيادة فقدها إذا تعرضت للثني بشكل حاد. ولذلك يتم وضع
عدد كبير منها في كيبلات مقواة يسهل مدها تحت الأرض أو معلقة بالهواء أو في قيعان
المحيطات والبحار. ويوجد طريقتان لتصنيع كيبلات الألياف الضوئية تضمن عدم وقوع
الشد (stress)
على الألياف وهي الكيبل المقوى (Tight Buffered Cable)
للإستخدامات الداخلية (indoor) والكيبل ذو الأنبوب الفضفاض(Loose
Tube Cable) للإستخدامات الخارجية
(outdoor).
ففي الكيبل المقوى يتم لف مجموعة من الألياف
الضوئية الملونة حول قضيب مقوى من الفولاذ أو البلاستيك (central
strength member) ومن ثم تلف بشعيرات الكيفلار القوية (Aramid
Yarn(Kevlar)) والتي تغلف بغلاف من كلوريد البوليفينايل (Polyvinyl Chloride (PVC)). وأما الكيبل ذو الأنبوب الفضفاض فيتكون من
مجموعة من الأنابيب البلاستيكية التي يحتوي كل منها على عدد من الألياف الضوئية
وترص هذه الأنابيب حول قضيب مقوى وتحاط بشعيرات الكيفلار القوية وغلاف من كلوريد
البوليفينايل.
كيبلات الألياف الضوئية البحرية
كانت الكيبلات
البحرية هي الوسيلة الوحيدة المستخدمة لنقل المكالمات الهاتفية ورسائل التلغراف
فيما بين القارات قبل أن يتم استخدام الأقمار الصناعية في منتصف الستينات. ففي عام
1866م تمكن المهندسون من مد أول كيبل بحري سلكي (wire pair) عبر المحيط الأطلسي لتأمين خدمة التلغراف
بين أوروبا وأميركا الشمالية وذلك بعد عدة محاولات فاشلة. وعلى الرغم من أن الخدمة
الهاتفية قد بدأت في عام 1876م إلا أنها لم تتوفر فيما بين القارات وذلك لأسباب
فنية إلا في عام 1956م بعد أن تم مد أول كيبل محوري بحري (TAT-1 submarine coaxial cable) للخدمة الهاتفية بين أوروبا وأميركا
الشمالية عبر المحيط الأطلسي بطول 3500 كيلومتر
وبسعة 50 مكالمة هاتفية و آخر في عام 1957م بين كاليفورنيا في غرب الولايات
المتحدة وبين جزيرة هاواي عبر المحيط
الهادي بطول 3600 كم وبسعة 51 مكالمة. وفي عام 1964م تم مد أول كيبل محوري بحري (TPC-1)
من هاواي إلى اليابان بطول عشرة آلاف كيلومتر وبسعة 128 مكالمة وكانت المسافة بين
المعيدات في هذه الأنظمة تتراوح ما بين خمسة وعشرة كيلومترات. ولقد تم مد كثير من
الكيبلات المحورية البحرية بين مختلف القارات في فترة الستينات والسبعينات. ومع بدء
استخدام الأقمار الصناعية المتزامنة (geosynchronous
satellites) لتوفير الخدمة الهاتفية بين القارات في عام 1965م خف الطلب على
مد الكيبلات البحرية وذلك لأن عدد المكالمات الهاتفية التي ينقلها القمر الصناعي
يفوق بعدة أضعاف لتلك التي ينقلها الكيبل المحوري وبنفس الكلفة تقريبا. ومع نضوج تفنية
الألياف الضوئية مع بداية الثمانينات توقف
استخدام الكيبلات المحورية البحرية وكان آخر ما تم مده منها هو بين بريطانيا
والولايات المتحدة بسعة أربعة آلاف مكالمة (TAT-7).
وفي عام 1988م تم مد أول كيبل بحري باستخدام الألياف الضوئية (TAT-8)
يربط أمريكا مع أوروبا بطول ستة آلاف
كيلومتر ويحتوي على زوج من الألياف الضوئية ويحمل الليف الواحد 280 ميقابت\ثانية أي
ما يعادل 40 ألف مكالمة هاتفية وبلغت
المسافة بين المعيدات 50 كيلومتر. إن هذه السعة للكيبل الضوئي يبلغ عشرة أضعاف سعة
آخر ما مد من الكيبلات المحورية وتساوي سعة أكبر الأقمار الصناعية مما يعني أنها
ستكون البديل عن الأقمار الصناعية في نقل المكالمات الهاتفية وكذلك بيانات شبكة
الإنترنت التي لم تكن ظهرت بعد. وفي عام 1990م تم
مد أول كيبل بحري باستخدام الألياف الضوئية يربط أمريكا مع اليابان (TPC-5CN) بطول عشرة آلاف كيلومتر وبسعة 40 ألف مكالمة
هاتفية. ومع نهاية عام 1995م بلغ عدد الكيبلات الضوئية التي تم مدها بين أمريكا
الشمالية وأوروبا عبر الأطلسي تسعة كيبلات
وبين أمريكيا الشمالية واليابان أربعة كيبلات ويحمل كل واحد من هذه الكيبلات ما يزيد عن مائة ألف مكالمة
صوتية أو ما يعادلها من أنواع المعلومات الأخرى. وفي عام 1996م تم مد أول كيبل ألياف ضوئية بحري (TAT-12/13) يربط
أمريكا مع أوروبا يستخدم المضخمات الضوئية (optical amplifier) ويحتوي على زوج من الألياف الضوئية ويحمل
الليف الواحد 5 جيقابت\ثانية. وفي عام 2001م تم مد أول كيبل ألياف ضوئية بحري (TAT-14) يربط
أمريكا مع أوروبا يستخدم المضخمات الضوئية وتقنية تعاقب التقسيم الموجي (Wavelength Division Multiplexing(WDM)) حيث يحتوي الكيبل على أربعة أزواج من الألياف الضوئية
ويحمل كل ليف 16 موجة (wavelength) وكل موجة
تحمل 10 جيقابت\ثانية من البيانات (4 x 16 x 10 Gb/s) أي أن سعة
الكيبل في كل إتجاه 640 جيقابت\ثانية.
نظرا للمسافات
الكبيرة التي تفصل بين القارات والتي قد تصل إلى عشرات الآلاف من الكيلومترات فقد
شكل مد الكيبلات البحرية في المحيطات والبحار تحديا كبيرا للمهندسين حيث يتطلب تصميمها مواصفات خاصة لحمايتها من التلف
تحت ضغط الماء الهائل في قاع المحيطات وتتطلب كذلك توفير الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل
المعيدات التي تعمل على تضخيم الإشارة
الكهربائية. ونظرا لأن الليف الضوئي لا يحمل المعلومات إلا في إتجاه واحد بسبب
تعقيد التقنيات اللازمة لتمكينه من حمل المعلومات في إتجاهين فإن كيبلات الألياف الضوئية
تحتوي على أزواج من هذه الألياف (fiber
pairs) نصفها يحمل المعلومات في الإتجاه الذاهب (outgoing) والآخر في الإتجاه القادم (incoming). ويبلغ عدد الأزواج المسموح بها في الكيبلات
البحرية الحالية أربعة أزواج فعالة وزوج أو أكثر للإحتياط. ويأتي هذا التحديد على
عدد الألياف نتيجة للكلفة العالية للمعيدات (repeaters) وكذلك حاجتها للطاقة الكهربائية لتشغيلها حيث
يلزم معيد لكل ليف ضوئي وبعد مسافة تتراوح بين 50 و 100 كيلومتر. فعلى سبيل المثال
فإن الكيبل البحري عبر الهادي الذي يبلغ طوله عشرة آلاف كيلومتر يحتاج إلى 200
معيد لكل ليف على إفتراض 50 كيلومتر بين
المعيدات. ويبلغ طول المعيد المصمم لأربعة أزواج من الليف ثلاثة أمتار ونصف وبقطر
ربع متر ويبلغ وزنه ثلاثمائة كيلوغرام ويكلف ما يزيد عن مائة ألف دولار. ويتم تزويد
هذه المعيدات بالطاقة الكهربائية من خلال سلك نحاسي موجود في الكيبل يتم تغذيته
بالتيار المستمر عند أطراف الكيبل وبجهد قد يصل إلى 10 آلاف فولت. ويتكون الكيبل
الضوئي البحري من أنبوب من النحاس يحتوي على الألياف الضوئية والذي يستخدم أيضا كناقل
للطاقة الكهربائية لتغذية المعيدات. ويتم إحاطة الإنبوب النحاسي بدرع من أسلاك
الفولاذ ومن ثم بطبقة من عازل البوليثيلين (Polyethylene)
ومن ثم بدرع أو أكثر من أسلاك الفولاذ ومن ثم بطبقة عازلة من البوليثيلين. ويتراوح
قطر الكيبل الضوئي بين ثلاثة وسبعة سنتيمترات وهو ذو قطر صغير جدا بالمقارنة
بالكيبلات المحورية ولذا فهو معرض للقطع من قبل أسماك القرش وكذلك مراسي السفن و شبكات
الصيادين. وعادة ما يتم دفن الكيبل في المناطق القريبة من الشاطيء بينما يمد بشكل
مكشوف في قاع المحيط أو البحر لأعماق قد تصل لعدة كيلومترات.
وبسبب الطلب
المتزايد على خدمات الإنترنت أصبحت الحاجة ماسة لمد مزيد من كيبلات الألياف
الضوئية البرية منها والبحرية وبدأت كثير من شركات الاتصالات العالمية بتنفيذ
مشاريع عملاقة للكبلات الضوئية تربط جميع القارات ببعضها. نذكر منها على سبيل المثال الكيبل الضوئي المسمى
فلاق (Fiber-Optic Link Around the Globe (FLAG))
الذي تم مده في عام 1997م بين بريطانيا
واليابان مرورا بالساحل الغربي لأوروبا وعابرا البحر الأبيض المتوسط والبحر
الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي بطول 27 ألف كيلومتر وبسعة 20 جيقابت في الثانية
( كل جيقابت في الثانية يعادل 15 ألف مكالمة هاتفية غير مضغوطة). وقد تم مد الكيبل الضوئي تقاطع الهادي-1 (Pacific Crossing 1) في عام 2001م بين أمريكا الشمالية واليابان
بطول 21 ألف كيلومتر وبسعة 180 جيقابت. وقد تم مد مجموعة من الكيبلات الضوئية تمتد
من شرق أسيا إلى الشرق الأوسط ثم إلى غرب
أوروبا كان أخر ما مد منها الكيبل المسمى
(SEA-ME-WE 4) والذي بدأ في الخدمة عام 2005م ويبلغ طوله
تسعة عشر ألف كيلومتر وبسعة 1280 جيقابت حيث أنه يتكون من أربعة أزواج من الألياف يحمل
كل ليف 64 موجة وكل موجة تحمل 10 جيقابت في الثانية في اتجاه واحد. وفي عام 2008م من مد الكبل الضوئي عبر الهادي
السريع(Trans
Pacific Express (TPE)) بطول ثمانية عشر ألف كيلومتر وبسعة 2560
جيقابت.
الألياف الضوئية
للمنازل
مع
ظهور الشبكة العالمية للمعلومات أو الإنترنت (Internet) في بداية التسعينات من القرن العشرين بدأت شركات الإتصالات العمل
على إيجاد وسائل تمكن المستخدمين من الحصول على خدمة الإنترنت من منازلهم. وكان الحل الوحيد المتاح في تلك الفترة هو
إستخدام خطوط الهاتف المنزلية لربط المشتركين على شبكة الإنترنت. لقد صممت شبكة الهواتف العامة في الأصل لنقل المكالمات الهاتفية من خلال
استخدام سلكين من النحاس (wire pairs)
يربطان هاتف المشترك مع أقرب مقسم في شبكة الهواتف العامة وبحيث لا تزيد المسافة
عن خمسة كيلومترات. لقد تمكن المهندسون منذ
الستينات من الاستفادة من هذه الشبكة لنقل أنواع
أخرى من المعلومات فقد تم استخدامها لربط أجهزة الفاكس والحواسيب من خلال استخدام المودمات التشابهية
(analog
modems) ولكن بمعدلات نقل بدأت بعدة
مئات من البتات في الثانية وأنتهت إلى ما يقرب من 56 كيلوبت في الثانية. ومن حيث المبدأ يمكن استخدام خطوط نقل ذات عرض نطاق واسع كالألياف الزجاجية والكبلات المحورية لربط المشتركين على شبكة
الإنترنت ولكن هذا الحل يتطلب صرف آلاف
المليارات من الدولارات لاستبدال أكثر من ثلاثة آلاف مليون كيلومتر من الأسلاك
النحاسية بما يماثلها من هذه الخطوط المقترحة. ولذا فقد انصب العمل على الإبقاء
على خط المشترك النحاسي واستخدام التقنية
الرقمية لزيادة معدل نقل البيانات عليه بعد التخلص من المرشحات الموجودة عند نهاية
خط المشترك في المقسم المحلي والتي يعود السبب إليها في انخفاض عرض نطاق السلك
النحاسي. وفي بداية التسعينات ظهر عدة أنواع من المودمات الرقمية التي أطلق عليها
اسم خط المشترك الرقمي (Digital Subscriber Line (DSL)) تستطيع نقل البيانات
بمعدلات أعلى بكثير من المودمات التشابهية
بحيث وصل إلى 24 ميجابت في الثانية في بعض أنواعها والمسمى بخط المشترك
الرقمي اللامتماثل (Asymmetric Digital Subscriber Line (ADSL)). ومع ظهور
خدمة الهواتف اللاسلكية الجوالة (wireless mobile phones) في التسعينات من القرن
العشرين وتزايد عدد المشتركين فيها توقف إلى حد ما الإشتراك بالهواتف السلكية
الثابتة حيث وصل عدد المشتركين في العالم 1250 مليون مشترك في عام 2005م ومن ثم
بدأ بالتناقص بينما وصل عدد المشتركين بالهواتف الجوالة في العالم إلى سبعة بلايين في الوقت الحالي. ولتوفير
خدمة الإنترنت للمشتركين الذين لا يملكون خطوط هاتف سلكية قامت شركات الإتصالات
بتقديم الخدمة من خلال التقنيات اللاسلكية كتقنية الواي ماكس (WiMax) على سيبل المثال
وبمعدلات نقل قد تصل إلى مائة ميجابت في الثانية.
وبعد أن أصبحت الألياف الضوئية العمود الفقري (backbone) لجميع شبكات الاتصالات المحلية والإقليمية والعالمية والتي تقوم بنقل
كميات هائلة من المعلومات كان لا بد من تخطي مشكلة عنق الزجاجة (bottle neck) التي تحد من قدرة
المشتركين على إستغلال هذا الكم الهائل من المعلومات التي تنقلها الألياف الضوئية.
لقد كان الحل لهذه المشكلة في ربط المنازل وغيرها من المرافق بمراكز تزويد
المعلومات باستخدام الألياف الضوئية أو ما يسمى بتقنية الألياف الضوئية للمنازل (Fiber To The Home (FTTH)).
إن هذه التقنية قادرة على نقل المعلومات تبدأ بمعدلات تزيد عن مائة ميجابت في الثانية وقد تصل إلى ألف
ميجاهيرتز ويمكن زيادتها إلى أضعاف ذلك من خلال إستخدام تقتية تعاقب التقسيم
الموجي (WDM).
وبهذه المعدلات الفائقة لنقل المعلومات على الألياف الضوئية يمكن للمشتركين
الإستفادة من معظم ما يسمى بتطبيقات النطاق العريض (broadband applications)
كالتلفزيونات
عالية الوضوح وثلاثية الأبعاد والمكالمات والاجتماعات المرئية والألعاب التفاعلية
والخدمات الترفيهية والمنازل الذكية إلى جانب السرعات
العالية للإنترنت. وقد بدأت شركات الاتصالات في كثير من الدول بتقديم خدمة الألياف
الضوئية للمنازل وستنمو هذه الخدمة بشكل متسارع خلال السنوات القليلة القادمة .
جميل جدا بس بدي اسال سؤال هل جهاز موزع الضوئي في البيت .الخلية المرسة هل يستخدم لون واحد او مجموعة ألوان .
ردحذفيعني في الخط المرسل او المستقبل يستقبل في اليفة لونان اوثلاثة او لون واحد
فإذا كان 3 ألوان ولا يحدث تداخل بين الالون مع العلم انهم في نفس اليفة او الفتيلة في نفس الانبوب ولا يحدث تداخل حين يستقبلها من الطرف الثاني ؟
هل يمكن استثمار الألياف الضوئية في الاستعاضة عن الخلايا العصبية التالفة، هذا يمكن أن يحدث ثورة كبيرة في طب جراحة الأعصاب؟
ردحذف