2025-08-10

وفي أنفسكم أفلا تبصرون _ الجهاز البصري

 

وفي أنفسكم أفلا تبصرون _ الجهاز البصري

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 


إن أكبر ما يدحض فرية أن الصدفة هي المسؤولة عن عملية خلق الكائنات الحية من التراب هو وجود كائنات حية تسمع وتبصر وتعقل. إن الذي يخلق كائنات يمكنها أن تسمع وتبصر وتعقل لا بد وأن يكون سميعا بصيرا عاقلا وعلى هذا فإنه لا يمكن للصدفة التي لا تبصر ولا تسمع ولا تعقل أن تهندي لصناعة مثل هذه الكائنات. وإذا كان البشر بما وهبهم الله عز وجل من عقول كانوا يجهلون تركيب  أنظمة السمع والبصر وهي موجودة في أجسامهم فكيف يمكن للصدفة أن تهتدي إلى معرفة مكونات هذه الأنظمة ثم تقوم ببنائها على أكمل وجه ولملايين الأنواع من الكائنات الحية؟! فلكي تتمكن الصدفة على سبيل المثال من اختراع وبناء الجهاز البصري عليها أن تعرف أن هنالك مصدرا للضوء وهو الشمس وعليها أن تعرف أن هذا الضوء ينعكس عن الأشياء بدرجات متفاوتة وعليها أن تستخدم هذا الضوء المنعكس لرسم صورة عن الأشياء في أدمغة الكائنات الحية. ولكي تتمكن الصدفة من رسم صور الأشياء عليها أن تعرف أن هذا لا يمكن أن يتم إلا بوجود العدسة التي يسقط الضوء المنعكس من الأشياء عليها من جهة فتبني صور لها على الجهة الأخرى عند بؤرتها. إن من عنده أدنى علم بنظام العدسات لا بد وأن يستهجن الإدعاء  بأن الصدفة هي من قامت بكتابة برامج رقمية في أشرطتها الوراثية لتصنيع عدسات الأعين بالمقاسات الصحيحة لملايين الكائنات الحية وكذلك تحديد البعد بين العدسة والشبكية لتكون الصورة المتكونة عليها أوضح ما تكون. ولا يمكن لإنسان عاقل مهما قل علمه أن يصدق أن الصدفة قد أدركت أن العدسة الثابتة لا تمكن الكائن من رؤية الأشياء القريبة والبعيدة بنفس الوضوح فاخترعت لذلك نظام تحكم بالغ الإتقان يقوم بتغيير أبعاد العدسة بطريقة تلقائية وسريعة حسب بعد المنظر عن العين. أما ما يرفضه العقل السليم أن يكون باستطاعة الصدفة تصنيع ما يزيد عن 130 مليون خلية حساسة للضوء في شبكية عين الإنسان الواحدة وترصيع السطح الذي تكونت عليه الصورة ومن ثم تقوم بربط كل خلية من هذه المستقبلات الضوئية بخلايا عصبية مناظرة لها في الدماغ لكي يتم إدراك الصور من قبل الكائن.

 أما أعجب ما اخترعته الصدفة كما يدعي الملحدون فهو تصنيع عيون يمكنها رؤية الأشياء بألوانها الطبيعية وهذا يتطلب أن تكتشف الصدفة حقيقة فيزيائية مهمة وهي أنه بالإمكان الحصول على ما يقرب من عشرة ملايين لون من خلال دمج ثلاثة ألوان أساسية ومن ثم تصنيع ثلاثة أنواع من المستقبلات الضوئية يستجيب كل منها لنطاق محدد يقع ضمن الطيف المرئي الذي تشعه الشمس. ومن أعقد ما تقوم به شبكية العين هو أن المعلومات البصرية التي يجمعها ما يقرب من 137 مليون حساس ضوئي يتم معالجتها في عصبونات الشبكية وإرسالها من خلال العصب البصري الذي يحتوي على ما يزيد عن مليون ليف عصبي. إن الألياف العصبية في العصب البصري يجب أن ترتب مكانيا بحيث يتم ربطها بمليون عصبون في القشرة البصرية موزعة بنفس الترتيب المكاني للعصي والمخاريط في الشبكية. إن جميع هذه الاختراعات العجيبة والمعقدة لا تكاد تذكر في تعقيدها مع الطريقة التي سيستخدمها الدماغ لرسم صور ملونة ثلاثية الأبعاد للأشياء التي يمكن للكائن الحي أن يحس بها ويدركها.  ولا زال علماء البشر يضربون أخماسا بأسداس وهم يحاولون فهم الآليات التي يستخدمها الدماغ لإدراك صور الأشياء وكذلك تخزينها كما سنشرح ذلك بالتفصيل لاحقا.  وعلى الرغم من كل هذه المعجزات في تركيب الجهاز البصري إلا أن بعض البشر ممن يعرفون هذا الحقائق  لا زالوا يصرون على أن الصدفة هي التي قامت بتصميم هذا الجهاز البالغ التعقيد وصدق الله العظيم القائل فيهم "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ " الحج 46. 




إن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه عملية الرؤية الملونة وغير الملونة في الكائنات الحية يعتمد في الأساس على قدرة العدسة على رسم صورة للأشياء على سطح حساس للضوء المنعكس عنها يقع عند بؤرة العدسة. ففي العين البشرية توجد عدستان تعملان على ضمان وقوع الصورة على شبكية العين أولهما القرنية (cornea) وهي عدسة محدبة ( convex lens) ذات أبعاد ثابتة وهي مسؤولة تقريبا عن ثمانين بالمائة من عملية رسم الصورة على الشبكية. أما العدسة الثانية فهي العدسة البلورية محدبة الوجهين بدرجة تحدب غير ثابتة يمكن التحكم بهما من خلال العضلات المحيطة بهذه العدسة وذلك لكي يتم ضمان وقوع صور الأشياء القريبة والبعيدة بشكل واضح على الشبكية. إن وجود عدسة ثابتة التحدب كالقرنية أمام العدسة الداخلية متغيرة التحدب كان ضروريا لتحقيق هدفين أولهما تصغير حجم العدسة الداخلية وذلك لكي يتم التحكم بدرجة تحدبها بعضلات صغيرة وبالتالي تصغير حجم العين وثانيهما لتركيز الضوء الداخل إلى العين من خلال القرنية لكي يمر من خلال حدقة العين الضيقة الواقعة أمام العدسة الداخلية والتي يمكنها التحكم بكمية الضوء الداخل إلى شبكية العين. 

 إن نظام عدسات العين البشرية فيه من التعقيد ما يصعب حتى على أذكى المختصين من تحديد البعد بين العدستين وبعد مركز الشبكية عن مركز العدسة.  فهذا النظام مكون من عدستين أحدهما ثابتة بمعامل  إنكسار 1.376 وبوجهين الخارجي منها محدب بنصف قطر يبلغ 7.259 ملم ومحاط بالهواء والداخلي مقعر بنصف قطر 5.585 ملم ومحاطة بماء العين بمعامل إنكسار 1.336. أما العدسة الثانية فتقع على بعد 2.794 ملم من العدسة الأولى وهي عدسة محدبة الوجهين بدرجة تحدب متغيرة حيث يبلغ نصف قطر الوجه الأمامي عند الإرتخاء 8.672 ملم والخلفي 6.328 ملم وهما محاطين بماء العين والجسم الهلامي بمعامل إنكسار 1.336 إضافة إلى ذلك فإن معامل إنكسار هذه العدسة متدرج يبلغ عند منتصفها 1.406 وعند أطرافها 1.386. إن هذا النظام المعقد من العدسات يضمن وقوع الصورة على مركز الشبكية الذي تقع على بعد أربعة وعشرين ملليمتر من مركز القرنية بغض النظر عن بعد الجسم المشاهد وذلك بفضل التحكم  بدرجة تحدب العدسة البلورية من خلال برامج تغذية راجعة يجريها مركز الإبصار في الدماغ.

إن قيام عدسات العين برسم صورة للأشياء المشاهدة على جدار العين الداخلي لا يعني شيئا للكائن الحي إذا لم يتم إرسال هذه الصور إلى الدماغ لكي يتمكن من إدراكها والإحساس بها. إن أول خطوة من خطوات إدراك الصورة (image perception) هو تحويل شدة الضوء أو ما يسمى بالسطوع أو الضياء (Luminance brightness or) وكذلك اللون أو ما يسمى اللونية (Chrominance)  لكل نقطة من نقاط الصورة المكونة على سطح العين الداخلي إلى إشارات كهربائية يتم نقلها إلى مركز الإبصار في الدماغ. إن الجهاز الذي يقوم بعملية التحويل هذه هي شبكية العين (retina) التي تغطي ما مساحته أحد عشر سنتيمتر مربع من الجدار الداخلي المقعر للعين والمقابل للعدسة أي ما يعادل 72 % من مساحة جدار العين الداخلي.  وتتكون الشبكية من عدة طبقات رئيسية وهي طبقة المستقبلات الضوئية (photoreceptors) تليها طبقة الخلايا العصبية  ثنائية القطبية (bipolar cells) ثم طبقة خلايا الجانجليون العصبية (ganglion cells) ثم طبقة الألياف البصرية والأوردة والشرايين.


وتغطي طبقة الألياف العصبية نسيج داعم يسمى الغشاء المحدد الداخلي (inner limiting membrane) والذي يقوم بحفظ جميع طبقات الشبكية داخله والبالغ عددها عشرة طبقات. ويبلغ سمك الشبكية في المتوسط 250 ميكرومتر أو ربع ملليمتر وهي أقل سمكا في مركز النقرة حيث تبلغ 150 ميكرومتر وأكبر سمكا عند حواف النقرة حيث تبلغ 300 ميكرومتر. وتحيط بطبقة الخلايا الضوئية من الداخل طبقة بالغة الأهمية تسمى النسيج الطلائي الصبغي الشبكي (retinal pigmented epithelium (RPE) تلعب دورا كبيرا في تمكين الخلايا الضوئية من القيام بوظيفتها. وتحتوي الشبكية على نوع من الخلايا تسمى خلايا مولير (Müller cells) وهي خلايا طولية أسطوانية الشكل  تمتد من الغشاء المحدد الداخلي إلى أن تصل إلى الخلايا الضوئية وتقوم بوظائف متعددة كتنظيم محتويات السائل ما بين الخلوي (retinal extracellular fluid) والذي يغذي الخلايا العصبية في الشيكية وكداعم ميكانيكي (mechanical support) لهذه الخلايا. أما الوظيفة الأعجب لخلايا مولير والتي كشفت أحد أسرار الشبكية المعكوسة فهي عملها كمرشد للموجات الضوئية (optical waveguide) حيث تقوم بنقل الضوء من سطح الشبكية الداخلي إلى الخلايا الضوئية. وتتخلل الشبكية كذلك عدد كبير من الشرايين والأوردة التي تزود الخلايا الموجودة فيها بالغذاء والأوكسجين والتخلص من نفايات التفاعلات الكيميائية.

 إن من أغرب الحقائق في تركيب الشبكية أن المستقبلات الضوئية لا تقع على سطح الشبكية المواجه للضوء القادم من العدسة بل تقع في مؤخرة الشبكية بينما تقع طبقة الألياف البصرية والأوردة والشرايين في مواجهة الضوء ولهذا يطلق عليه اسم الشبكية المعكوسة (Inverted retina). وفي الشبكية المعكوسة يحتاج الضوء القادم من العدسة أن يخترق جميع طبقات الشبكية حتى يصل للمستقبلات الضوئية المدفونة داخل هذه الطبقات. ولقد تمكن العلماء أخيرا من كشف سر وجود المستقبلات الضوئية بهذا الشكل المعكوس حيث وجدوا أن خلايا المستقبلات الضوئية تستهلك كميات كبيرة من البروتينات والأنزيمات لإتمام عملية تحويل الضوء إلى نبضات كهربائية. ولهذا استدعى الأمر عكس الشبكية لغرس رؤؤس هذه الخلايا الضوئية في غشاء  النسيج الطلائي الصبغي الشبكي وذلك لإمدادها بما يلزمها من مواد غذائية وأكسجين بشكل متواصل وبكميات كافية. ولا ينحصر دور النسيج الطلائي الصبغي على هذه الوظيفة بل يقوم بوظائف عديدة بالغة الأهمية فهو يقوم بإمتصاص الضوء الذي يتشتت من السطح الداخلي للعين  وكذلك الضوء الذي لم يتم إمتصاصه من قبل الخلايا الضوئية وذلك من خلال الصبغيات (pigments) السوداء أو البنية الموجودة فيه. ويقوم كذلك بمهمة التهام الأجزاء التالفة من الجزء الخارجي للخلايا الضوئية  حيث أن هذه الأجزاء تتعرض بشكل مستمر لما يسمى بالإجهاد الضوئي التأكسدي (photo-oxidative stress) فيصيبها التلف ولا بد من تجديدها من خلال نمو أقراص جديدة والتهام الأقراص التالفة من قبل النسيج الطلائي.



 وتحتاج المستقبلات الضوئية كذلك للتخلص من كميات كبيرة من نواتج التفاعلات الكيميائية فكان الحل في وضعها ملاصقة لجدار مشيمة العين. ولفد وجد العلماء أن النسيج الطلائي الصبغي الشبكي والذي تنغرس فيه نهايات المستقبلات الضوئية محاط بشبكة كثيفة من الشعيرات الدموية الموجودة في المشيمية  (choroid) ويجري فيها الدم بمعدل يزيد بأربعة أضعاف عن المعدل الطبيعي مما يعتي أنه يقوم كمبرد (heat sink) للنسيج الطلائي. :ووجدوا كذلك أن عدم سقوط الضوء بشكل مباشر على المستقبلات الضوئية يحميها من التلف فمن المعروف أن النظر إلى الشمس وهي مكسوفة قد يسبب العمى وذلك لتعرضها للضوء البنفسجي وفوق البنفسجي الضار. ولهذه الأسباب تطلب الأمر وضع الخلايا العصبية والألياف العصبية في مواجهة الضوء ولكن بتوزيع بالغ الإتقان بحيث يمكن للضوء المرئي أن ينفذ من خلال هذه الشبكة المعقدة بكل سهولة  بينما يتم امتصاص الضوء فوق البنفسجي الضار. إن أكبر دليل على نجاح هذا التصميم البارع في الشبكية المعكوسة هو أن العين تعمل على أكمل وجه ونرى الصور بمنتهى الوضوح حتى في أخفت الأضواء.


 إن وجود الألياف البصرية التي تنقل المعلومات البصرية من مخارج خلايا الجانجليون العصبية إلى الدماغ على سطح الشبكية يتطلب أن تتجمع هذه الألياف في مكان واحد لتكون العصب البصري الذي عليه أن يخترق الشبكية ليذهب إلى الدماغ. وبما أن الخلايا العصبية تتوزع على جميع سطح الشبكية فإن الألياف البصرية الخارجة منها عليها أن تسيير بشكل شعاعي باتجاه مركز الشبكية وتتجمع في منطقة صغيرة تسمى القرص البصري (optic disc) والذي يقع على بعد أربعة ملليمترات من مركز الشبكية من الجهة الأنفية (nasal side).  وتخرج الألياف البصرية المجمعة من السطح الداخلي للشبكية عند القرص البصري على شكل كيبل يسمى العصب البصري.  ويخلو القرص البصري  الذي لا يتجاوز  قطره الملليمترين من المستقبلات الضوئية ولذلك فإن الصور التي ترتسم عليه لا يمكن رؤيتها ولذلك يطلق عليه اسم  البقعة العمياء (blind spot). إن تحديد مسارات ما يزيد عن مليون ليف عصبي موزعة على جميع سطح الشبكية بحيث تجتمع عند القرص البصري وتقوم بترتيب نفسها لتكون العصب البصري معجزة كبرى من معجزات الخالق سبحانه وتعالى لا ينكرها إلا جاحد. ويلزم ترتيب أماكن الألياف العصبية في العصب البصري والتي يزيد عددها عن مليون ليف بحيث تحافظ على نفس ترتيبها المكاني في الشبكية ليتم توزيعها بنفس الترتيب على الخلايا العصبية في مركز الإبصار في الدماغ.

وتتكون الشبكية من نوعين رئيسيين من الخلايا الحساسة للضوء (light-sensitive cells  ) أو المستقبلات الضوئية (photoreceptors)  وهي العصيات (rods) ذات الشكل الأسطواني والتي تستجيب لشدة الضوء (light intensity) فقط بغض النظر عن لونه ويبلغ عددها مائة وثلاثون مليون خلية تقريبا في العين الواحدة. وهذه العصي شديدة الحساسية للضوء حيث يمكنها الاستجابة لفوتون (photon) واحد من الضوء ولكنها في المقابل تتشبع (saturate) ولا تستجيب عند الضوء الشديد.  ولذلك فإن العصي مسؤولة عن الرؤية الليلية (night vision) وكشف الحركة في الصور (motion detection) وكذلك الرؤية المحيطية (peripheral vision). أما النوع الثاني من المستقبلات الضوئية فهي المخاريط (cones) ذات الشكل المخروطي والأصغر حجما من العصي  والتي لا تستجيب إلا للضوء الشديد أي أنها منخفضة الحساسية حيث تحتاج لما يزيد عن مائة فوتون لكي يتم إثارتها. والمخاريط مسؤولة عن الرؤية النهارية (daylight vision) والرؤية الحادة (high resolution vision) وكذلك الرؤية اللونية (color vision).  ويوجد  ثلاثة أنواع من المخاريط تستجيب للألوان الرئيسية الثلاث وهي الأحمر (Red) والأخضر (Green)  والأزرق (Blue) ويبلغ عددها سبعة ملايين خلية تقريبا في العين الواحدة وموزعة بنسبة 64 % للحمراء و 32% للخضراء و 4% للزرقاء. وإلى جانب العصي والمخاريط يوجد نوع ثالث من الخلايا العصبية الحساسة للضوء وهي خلايا الجانجليون الحساسة للضوء (Light-sensitive ganglion cells) حيث تقوم بوظائف غير بصرية (non-visual functions)  كتنظيم الإيقاع اليومي (Circadian Rhythm Regulation) للجسم والتي تشمل دورات النوم واليقظة (sleep-wake cycles) ودرجة الحرارة والهرمونات والشهية وكذلك منعكس الضياء الحدقي(Pupillary Light Reflex). ويقدر عدد خلايا الجانجليون الحساسة للضوء في الشبكية الواحدة  ما بين أربعة آلاف وستة عشر خلية وتثار من نطاق ضيق من الطيف الضوئي المرئي يقع حول الطول الموجي 480 نانومتر أي في نطاق اللون الأزرق.

وتقوم العصي والمخاريط كخلايا حساسة للضوء بحويل شدة الضوء وكذلك لونه إلى إشارات كهربائية  يتم معالجتها مبدئيا في الخلايا العصبية في الشبكية ومن ثم إرسالها من خلال العصب البصري المكون من ما يزيد عن مليون ليف عصبي إلى مركز الإبصار في الدماغ ليقوم بمعالجتها ورسم صورة ملونة ثلاثية الأبعاد للأشياء في خلاياه العصبية. ولقد تم تصميم المستقبلات الضوئية  وهي العصي والمخاريط الثلاث بحيث تقع منحنيات استجابتها أو حساسيتها للضوء (Spectral Sensitivity Curves) ضمن نطاق طيف الإشعاع الشمسي (solar radiation spectrum). ومن عجائب التقدير أن درجة حرارة سطح الشمس الذي يبلغ ستة آلاف درجة تقريبا تعطي طيف إشعاع  يتمركز حول الجزء المرئي من الطيف الكهرومغناطيسي والذي يتوافق تماما مع متطلبات الكائنات الحية من الإشعاع الشمسي الذي يستخدم  في عملية التمثيل الضوئي وكذلك في نظام الإبصار المستخدم في كثير من أنواع الكائنات الحية. وتشع الشمس طاقتها الهائلة على شكل موجات كهرومغناطيسية تغطي كامل الطيف الكهرومغناطيسي ولكن بتوزيع غير  منتظم حيث تتركز  معظم الطاقة في نطاق الأشعة المرئية وتحت الحمراء وفوق البنفسجية.  فالأشعة تحت الحمراء (Infrared) والتي يمتد طولها الموجي من  750 إلى 2500 نانومتر تحمل ما نسبته 50 بالمائة من مجموع الطاقة التي تشعها الشمس.  أما الأشعة المرئية  (Visible)  والتي يمتد طولها الموجي من 380  إلى 750 نانومتر  فتحمل ما نسبته 42 بالمائة من  الطاقة الشمسية.  أما الأشعة فوق البنفسجية (Ultraviolet) والتي يمتد طولها الموجي من 10  إلى  380 نانومتر  فتحمل ما نسبته 3 بالمائة من  الطاقة الشمسية. 

وتقع منحنيات الحساسية الطيفية (Spectral Sensitivity Curves) للعصي والمخاريط الثلاث في النطاق الواقع حول قمة منحنى الإشعاع الشمسي عند الطول الموجي 500 نانومتر ويغطي هذا النطاق الأطوال الموجية من 380 إلى 750 نانومتر. فمنحنى الحساسية للعصي يغطي الأطوال الموجية من 400 إلى 600 نانومتر وتقع قمته عند 500 نانومتر وهو يتطابق تماما مع موقع قمة الإشعاع الشمسي. أما منحنيات الحساسية للمخاريط الثلاث فتغطي بمجموعها كامل الطيف المرئي الممتد من 380 إلى 750 نانومتر وبشكل متداخل بحيث تغطي المخاريط الزرقاء الموجات القصيرة (S cones) والخضراء الموجات المتوسطة (M cones) والحمراء الموجات الطويلة (L cones).  فمنحنى الحساسية للمخاريط الزرقاء يمتد من 380 إلى 550 نانومتر وتقع قمته عند 420 نانومتر ومنحنى الحساسية للمخاريط الخضراء  يمتد من 400 إلى 650 نانومتر وتقع قمته عند 534 نانومتر ومنحنى الحساسية للمخاريط الحمراء يمتد من 450 إلى 750 نانومتر وتقع قمته عند 564 نانومتر. إن هذا التداخل بين منحنيات الحساسية للمخاريط الثلاث (overlap response curves) هو السر الذي يمكن العين البشرية من إدراك وتمييز عدد كبير جدا من الألوان المختلفة قد يصل إلى عشرة ملايين لون مختلف.

إن اللون الذي تدركه العين يتحدد أولا من قيم الإثارة أو الإستجابة للمخاريط الثلاث ( tristimulus values ) عند طول موجي محدد وثانيا من خليط الموجات الضوئية التي تثير المخاريط الثلاث في نفس الوقت. فعلى سبيل المثال فإن إثارة المخاريط الثلاث من قبل جميع موجات الطيف المرئي بالتزامن سيدركه مركز الإبصار في الدماغ على أنه اللون الأبيض وسيدركه لونا أحمرا خالصا إذا كان طول الموجة المثيرة يزيد عن 650 نانومتر ولون أزرق خالص إذا كان طولها أقل من 400 نانومتر.  وقد وجد العلماء أن العين البشرية قادرة على تمييز ما يزيد عن عشرة ملايين درجة من درجات اللون رغم أن البشر لا يمتلكون أسماء إلا لعدة عشرات من درجات اللون منها الألوان السبع الأساسية وأسماء ألوان بعض الأشياء كالبرتقالي والموزي  والبنفسجي والوردي والمخملي والسماوي وغير ذلك. ومن الجدير بالذكر أن البشر في هذا العصر قد استخدموا نفس التقنية المستخدمة في العين البشرية لإلتقاط الصور في الكاميرات وإظهارها على شاشات التلفزيونات والحواسيب الملونة من خلال تحليل الصورة باستخدام المرشحات الضوئية إلى ثلاثة صور تمثل الألوان الثلاث وهي الأحمر والأخضر والأزرق.


إن طبيعة الأجسام هي التي تحدد طيف الموجات المنعكسة عنها وبالتالي لونها ففي المواد الطبيعية يعتمد الطيف المنعكس على نوع ذراتها وجزيئاتها وكذلك تركيبها البلوري حيث تتفاعل موجات الضوء الساقط مع هذه المواد فتمتص بعضها وتسمح لبعضها للنفاذ من خلالها وتعكس الباقي الذي يحدد لون الجسم. أما في الكائنات الحية فإن لون أجسامها يتحدد من خلال طريقتين رئيسيتين وهي إما باستخدام الصبغيات (pigments) أو من خلال البنى الهندسية الدقيقة (microstructures). ففي الطريقة الأولى يتم إنتاج صبغيات محددة في جلود الحيوانات وحراشف الأسماك وأجنحة الطيور وفي أوراق وأزهار  وثمار النباتات. ويحدد التركيب الذري أو البلوري لهذه الصبغيات والتي هي عبارة عن جزيئات بروتينية طيف الموجات التي تمتصها هذه الجزيئات بينما تعكس بقية الموجات التي تحدد لون الصبغيات.  وأما الطريقة الثانية والتي تستخدم ما يسمى بالألوان البنائية (structural colors)  في تحديد ألوان  بعض الكائنات الحية كالفراشات وبعض أنواع الطيور فهي تختلف تماما عن الطرق المستخدمة في بقية أنواع الكائنات الحية. فالألوان في هذه الطريقة يتم الحصول عليها من خلال عدة آليات يلزمها وجود بني هندسية دقيقة  على سطح الجناح لها أشكال وأبعاد محددة وهذه البنى الهندسية ذات أبعاد بالغة الصغر تقاس بالنانومتر.


وتتوزع الخلايا الضوئية بكثافة غير منتظمة على سطح الشبكية حيث تصل كثافتها إلى ما يقرب من مائة وستون ألف في المليمتر المربع الواحد عند مركزها ثم تقل تدريجيا عند الأطراف. وعلى الرغم من أن عدد المخاريط أقل بكثير من العصي إلا أن معظمها موجود في المقلة  (macula) التي لا يتجاوز قطرها ثلاثة ملليمترات وفي مركز المقلة توجد منطقة لا يتجاوز قطرها ملليمتر ونصف تسمى النقرة (fovea) فيها أكبر كثافة للمخاريط والتي تم تصغير قطرها بالنسبة للمخاريط الأخرى وذلك للحصول على أكبر كثافة ممكنة وكذلك تخلو تماما من العصي. إن منطقة المقلة تقع تماما أمام العدسة البلورية وهي المسؤولة عن الرؤية المركزية (central vision) فجميع الأجسام التي تقع ضمن زاوية رؤيا تبلغ ثمانية عشر درجة ترتسم صورها  على هذه المنطقة التي لا يتجاوز قطرها الثلاث مليمترات. فعلى سبيل المثال فإن صورة الشمس أو القمر ليلة البدر تحتل مساحة على النقرة لا يتجاوز قطرها سدس ملليمتر ولهذا السبب فإنه يلزم تحريك العين بإتجاه الشئ المراد رؤيته للحصول على صورة عالية الوضوح. إن المسافة الفاصلة بين مخروطين متجاورين في النقرة لا يتجاوز ميكرومتر ونصف وهذا ضعف طول موجة الضوء الأحمر البالغ سبعة أعشار الميكرومتر علما بأنه لايمكن بأي حال من الأحوال تمييز الأبعاد التي يقل طولها عن طول الموجة المستخدمة لرؤيتها. أما المناظر التي تقع خارج نطاق الرؤيا المركزية والتي قد تصل زاوية الرؤيا فيها إلى ما يزيد عن مائتي درجة فإنها ترتسم على بقية الشبكية ولكن بقدرة تمييز أقل بكثير من تلك التي في المقلة وهي مسؤولة عن الرؤية الليلية والطرفية (peripheral and night vision) والتي تقوم بها العصي.





ويتضح ضخامة هذا العدد من المستقبلات الضوئية في العين البشرية وقدرتها على تميز الصور والألوان عند مقارنتها مع قدرات شاشات التلفزيونات والحواسيب والكميرات الملونة. فرغم أن عدد المستقبلات الضوئية في العين البشرية يبلغ  130 مليون لغير الملونة وسبعة ملايين للملونة إلا أن قدرتها على التمييز يبلغ 576 مليون بكسل وهذا يعود للمعالجات المعقدة للصور التي يجريها مركز الإبصار في الدماغ.  وللمقارنة يبلغ عدد النقاط الباعثة للضوء  أوما يسمى البيكسل (pixel) في  التلفزيونات عالية الوضوح (High Definition (HD)) ما يقرب من مليون بكسل تقريبا وهو حاصل ضرب عدد النقاط في الاتجاهين الأفقي (1280) والعمودي (720) (1280x720). ويبلغ عدد البكسيلات في  التلفزيونات كاملة الوضوح (Full High Definition  (FHD)) ما يقرب من مليوني بكسل تقريبا (1920x1080) وفي  التلفزيونات فائقة الوضوح (Ultra High Definition  (UHD)) ما يقرب من ثمانية ملايين بكسل (3840x2160). ويبلغ عدد البكسليات في بعض الكاميرات  16 مليون بكسل (5312X2988) وكذلك 33 مليون بكسل (7680X4320) وهذه أرقام لا زالت بعيدة عن قدرات العين البشرية.

إن مهمة العصي والمخاريط كخلايا حساسة للضوء هو تحويل شدة الضوء (Luminance) وكذلك لونه (Chrominance) إلى إشارات كهربائية  يتم إرسالها من خلال العصب البصري إلى منطقة الإبصار التي تقع في مؤخرة الدماغ ليقوم برسم صورة الشيء المرئي في خلاياه العصبية. إن عملية التحويل هذه عملية بالغة التعقيد تمكن العلماء من كشف بعض أسرارها ولا زالوا يجهلون كثيرا من آليات عملها. ويوجد في المستقبلات  الضوئية نوع من البروتينات يسمى الرودبسن (rhodopsin) له أربعة أشكال فالشكل الأول موجود في العصي أما الأشكال الثلاثة الباقية فهي موجودة في أنواع المخاريط الثلاثة.  فالبروتين الموجود في المخاريط الحمراء يستجيب لترددات المنطقة الحمراء من الطيف المرئي  وكذلك هو الحال للبروتينات الموجودة في المخاريط الخضراء والزرقاء. وعندما يسقط فوتون من الضوء على أحد العصي أو المخاريط وله تردد يقع ضمن نطاق استجابته فإنه يقوم بتفكيك أحد روابط البروتين الحساس للضوء مما يدفعه إلى تغيير شكله ثم ليقوم بقدح سلسلة طويلة ومعقدة من التفاعلات الكيميائية تنتهي بإنتاج نبضة كهربائية تذهب باتجاه العصبونات المرتبطة بهذه الخلية الحساسة للضوء. وتتكون خلايا العصي والمخاريط من جزء أمامي يحتوي على رزمة كبيرة من الأقراص (discs) التي تحتوي على البروتين الحساس للضوء وجزء خلفي يحتوي على النواة وعلى المكونات التي تنتج النبضات الكهربائة وعلى أطراف عصبية ترتبط بالخلايا العصبية المتصلة بها.



أما المرحلة التالية من عملية الإبصار فهي إرسال النبضات الكهربائية التي تنتجها  المستقبلات الضوئية إلى مركز الإبصار في الدماغ باستخدام العصب البصري (optic nerve).  وبما أن عدد خلايا العصي والمخاريط  في الشبكية يصل إلى ما يقرب من مائة وسبعة وثلاثين مليون فإن ربط هذا العدد الهائل من الخلايا بمركز الإبصار مباشرة باستخدام ليف بصري واحد لكل خلية يتطلب أن يكون قطر العصب البصري خمسة أضعاف مما هو عليه فعليا وهذا سيحتل حيزا كبيرا  من حجم الدماغ وكذلك من مساحة الشبكية. ولذلك فقد تم تقليص عدد ألياف العصب البصري إلى ما يزيد قليلا عن مليون ليف مما تطلب إنشاء شبكة معقدة وذكية من الخلايا العصبية داخل الشبكية تقوم بربط مخارج مائة  وثلاثون مليون من العصي وسبعة ملايين من المخاريط  بمداخل مليون ليف عصبي في العصب البصري. ويوجد في شبكة التحويل هذه أربعة أنواع رئيسية من الخلايا العصبية موزعة على عدة طبقات وتقوم بمعالجة مبدئية للمعلومات البصرية التي تستلمها من المستقبلات الضوئية. إن المعالجة المبدئية التي تقوم بها عصبونات الشبكية تتخلص من كثير من المعلومات البصرية الزائدة عديمة الفائدة وبذلك تقلل من حجم المعلومات البصرية الذاهبة إلى مركز الإبصار في الدماغ فتخفف العبء عليه.


إن أول طبقة من الخلايا العصبية في الشبكية  التي تلي المستقبلات الضوئية تحتوي على نوعين من الخلايا العصبية فالنوع الأول هي الخلايا ثنائية القطبية (bipolar cells) وتقوم بعدة وظائف أهمها تجميع مخارج عدد معين من العصي والمخاريط  لتنتج مخرجا واحدا فقط وذلك لتقليص عدد الألياف الذاهبة للدماغ. ويقدر عدد الخلايا ثنائية القطبية بما يزيد عن عشرة ملايين خلية عصبية موزعة على إثني عشر نوعا من الخلايا ثنائية القطبية منها نوع واحد فقط يرتبط  بالعصي أما البقية فترتبط بأنواع المخاريط الثلاث. وقد يصل عدد العصي المرتبطة بخلية عصبية ثنائية القطبية واحدة  إلى ما يزيد عن مائة في المنطقة المحيطية للشبكية وإلى عدة عصي عند مركزها. وبما أن المخاريط الموجودة في مركز الشبكية هي المسؤولة عن الرؤية المركزية وكذلك عن تمييز الألوان  فإنه يتم في الغالب ربط مخروط واحد بخلية عصبية ثنائية القطبية واحدة وقد يزيد إلى عدة مخاريط عند أطراف المقلة. وربما يسأل سائل عن الفائدة من وجود هذا العدد الكبير من العصي وينتهي الأمر بربط مائة منها بخلية عصبية واحدة والجواب على هذا هو لزيادة مدي رؤية العين من خلال زيادة مساحة الشبكية وكذلك زيادة حساسيتها للضوء الخافت جدا حيث أن احتمالية إلتقاط عدد قليل من الفوتونات الضوئية يزداد مع زيادة عدد العصي وغالبا ما يتم هذا خارج منطقة الرؤيا المركزية حيث لا يلزم درجة تمييز عالية. أما النوع الثاني من الخلايا العصبية في هذه الطبقة فهي ما يسمى بالخلايا الأفقية (horizontal cells) التي يوجد منها نوعان وتقوم من خلال زوائدها بعمل وصلات جانبية (lateral connections) تربط العصي والمخاريط المتجاورة بالخلايا ثنائية القطبية وكذلك تقوم بتأمين تغذية راجعة مثبطة (inhibitory feedback) بينها. وتعمل الخلايا الأفقية على تنسيق وتنظيم ومعالجة الإشارات العصبية الداخلة إلى الخلايا ثنائية القطبية حيث تقوم بعمليات الجمع والطرح بين الجهود الكهربائية التي تخرج من العصي والمخاريط وكذلك مقارنة شدتها مكانيا وزمانيا.


أما النوع الثالث من الخلايا العصبية فهي ما يسمى بخلايا الجانجليون (ganglion cells) وهي ترتبط من طرف بالخلايا ثنائية القطبية حيث تستقبل منها الإشارات الكهربائية وبالألياف العصبية في العصب البصري من الطرف الآخر وتقوم بتوليد النبضات الكهربائية الذاهبة إلى مركز الإبصار في الدماغ. ويبلغ عدد خلايا الجانجليون في الشبكية الواحدة ما يزيد عن مليون خلية عصبية ويوجد منها سبعة عشر نوعا. ومن أهم هذه الأنواع خلايا الجانجليون الصغيرة من نوع بي (parvocellular (or "type P") ganglion cells) والتي تشكل ما نسبته 90 بالمائة وتستلم الواحدة منها الإشارات العصبية من عدد قليل من الخلايا القطبية الخاصة بالمخاريط الثلاث وتعمل كحساسات للأشكال الملونة (color-sensitive object detectors) والتفاصيل الدقيقة (fine details). أما النوع الثاني فهي خلايا الجانجليون الكبيرة من نوع إم (magnocellular (or "type M") ganglion cells) ونسبتها 5 بالمائة وتستلم الواحدة منها الإشارات العصبية من عدد كبير من الخلايا القطبية الخاصة بالعصي وتعمل كحساسات للحركة غير الملونة (color-insensitive motion detectors). أما النوع الرابع من الخلايا العصبية في الشبكية فهي خلايا أمكراين (amacrine) والتي يوجد منها ما يزيد عن ثلاثين نوعا وتعمل كما في الخلايا الأفقية على تنسيق وتنظيم ومعالجة الإشارات العصبية الداخلة إلى خلايا الجانجليون من الخلايا ثنائية القطبية.


إن مهمة الخلايا العصبية في الشبكية هو القيام بمعالجة مبدئية (preprocessing) للمعلومات البصرية (visual information) التي تلتقطها المستقبلات الضوئية من عصي ومخاريط وذلك لتحقيق عدة أهداف أهمها تقليل حجم العصب البصري الذي يمر من خلال أنسجة الدماغ ليصل إلى مركز الإبصار الذي يقع في مؤخرة الدماغ. أما الهدف الثانية فهو معالجة الإشارات العصبية التي تنتجها العصي والمخاريط بطريقة تشابهية (analog) من خلال استخدام ما يسمى بالجهد المتدرج (Graded potential) حيث يتناسب الجهد المتولد مع شدة الضوء ودرجة لونه. إن استخدام الجهد المتدرج لمعالجة المعلومات البصرية بطريقة تشابهية يسهل من عمليات جمع (addition) وطرح (subtraction) وتضخيم (amplification) وتوهين (attenuation) الإشارات العصبية التي تولدها العصي والمخاريط استجابة للضوء الساقط عليها. إن جميع الخلايا الثنائية والخلايا الأفقية وخلايا أمكراين تعالج المعلومات بطريقة تشابهية  باستخدام الجهد المتدرج والذي ينتج نبضات موجبة للتحفيز (excitation) أو نبضات سالبة للتثبيط (inhibition). أما خلايا الجانجليون فإنها تعالج المعلومات بطريقة رقمية (digital) باستخدام جهد الفعل (action potential) ذي النبضات الثابتة الشكل حيث تقوم هذه الخلايا بتحويل قيم الجهد التشابهية التي تستلمها من الخلايا الثنائية إلى إشارات رقمية تمثل فيها المعلومات من خلال تغيير تردد وطور النبضات كما سنشرح ذلك لاحقا.

إن المعالجة ذات الأهمية البالغة التي تقوم بها عصبونات الشبكية هي تلك المتعلقة بقدرة نظام الإبصار على التعرف على أشكال الأشياء في الصور وتحديد اتجاهات حركتها مع الزمن وغير ذلك من طرق استخلاص ملامح ومكونات الصور. ولقد اكتشف العلماء وجود طريقة بالغة الإتقان والإبداع يستخدمها نظام الإبصار للتقليل من حجم العمليات الحسابية التي تلزم لاستخلاص المعلومات البصرية من الصور الملتقطة من قبل المستقبلات الضوئية في الشبكية. إن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه هذه الطريقة البديعة هو تقسيم مجال إبصار العين (eye visual field) الكلي إلى عدد كبير من مجالات الإبصار الصغيرة  تسمى مجالات الاستقبال (receptive fields). إن مفهوم مجال الاستقبال يستخدمه نظام الإبصار في عدة مستويات تبدأ عند مستوى المستقبلات الضوئية وهي العصي والمخاريط  ثم مستوى عصبونات الشبكية ثم مستوى عصبونات القشرة البصرية الأولية في الدماغ. فعند مستوى العصي والمخاريط يتم ربط مجموعة من العصي أو المخاريط بخلية ثنائية القطبية واحدة بحيث تستجيب هذه الخلية للضوء الساقط على البقعة الدائرية التي تغطيها هذه المجموعة من سطح الشبكية. إن مساحة مجال الإستقبال للخلية ثنائية القطبية يعتمد على موقعها في الشبكية فهي صغيرة جدا في النقرة (fovea) حيث تغطي مساحة مخروط واحد فقط وصغيرة  في المقلة  (macula) حيث تغطي عدة مخاريط ثم تزداد مساحته تدريجيا كلما ابتعدنا عن مركز الشبكية بحيث يغطي مئات العصي عند أطراف الشبكية.



ويتكون مجال الإستقبال (receptive fields) من منطقتين أحدهما دائرية الشكل تقع في المركز (center) وتستثار فيها الخلية ثنائية القطبية  من الضوء الساقط على العصي والمخاريط المرتبطة بها بشكل مباشر. أما المنطقة المحيطية الحلقية الشكل (surround) فإن الضوء الساقط عليها يعمل بشكل غير مباشر على تثبيط الخلية ثنائية القطبية المركزية الخاصة بهذا المجال من خلال الخلايا الأفقية (horizontal cells) التي تربط العصي والمخاريط المتجاورة بهذه الخلية. لقد وجد العلماء أن بنية المركز والمحيط (center-surround structure) لمجال الإستقبال  شرط ضروري لحصول ما يسمى بالتثبيط الجانبي (Lateral inhibition). إن هذا التثبيط الجانبي هو الآلية الفريدة التي يستخدمها نظام الإبصار للتمييز بين شدة إضاءة النقاط المتجاورة في الصورة وتحديد حواف الأشكال (edge detection) بشكل دقيق وهو  الأساس الذي تقوم عليه عملية استخلاص ملامح الصورة (feature extraction) وكذلك تحديد اتجاه الأجزاء المتحركة في الصور. وتمتلك خلايا الجانجليون (ganglion cells) كذلك مجالات استقبال دائرية كما هو الحال مع الخلايا ثنائية القطبية حيث ترتبط مجموعة متجاورة من الخلايا ثنائية القطبية بخلية جانجليون واحدة يعتمد عددها على موقعها بالنسبة للشبكية وتقوم خلايا أمكراين (amacrine) بعملية التثبيط الجانبي (Lateral inhibition) المطلوبة لعمل مجال الاستقبال.

ومن أشكال المعالجة التي تقوم بها عصبونات الشبكية هي تحويل إشارات المخاريط الثلاث وهي الأحمر والأخضر والأزرق إلى ثلاث إشارات معدلة وهي إشارة تباين الأحمر والأخضر (red/green color contrast ) من خلال طرح إشارات الأخضر من الأحمر وإشارة تباين الأزرق والأصفر (blue/yellow color contrast) من خلال طرح إشارات الأزرق من حاصل جمع إشارات  الأحمر والأخضر وإشارة تباين الأبيض والأسود (black/white contrast) من خلال جمع إشارات المخاريط الثلاث. إن هذه المعالجات تقوم بها أنواع متخصصة من خلايا الجانجليون في الشبكية باستخدم ما يسمى التضاد اللوني (Color Opponency) أو التضاد المخروطي (Cone Opponency). وفي نظرية اللون المتضاد (Opponent Color Theory) المستخدمة في تفسير عملية الإبصار يتم إدراك الألوان المختلفة من  الفرق بين تأثير لونين متضادين حيث يقوم مخروط بلون ما بإثارة (excite) خلية الجانجليون بينما يقوم مخروط اللون المضاد  بتثبيطها (inhibit). ويتم توليد إشارة تباين الأحمر والأخضر باستخدام خلايا جانجليون  الأحمر- الأخضر (Red-green ganglion cells) والتي لها مجال استقبال بمركز ومحيط (Center-Surround Receptive Field). وفيها تثار الخلية باللون الأحمر وتثبط باللون الأخضر (red-on/green-off ) إذا سقط الضوء على مركزها والعكس إذا سقط على محيطها. وكذلك هو الحال مع إشارة تباين الأزرق والأصفر حيث أن خلايا جانجاليون الأزرق- الأصفر (Blue-yellow ganglion cells)  تثار باللون الأزرق وتثبط باللون الأصفر بعد أن تقوم الخلايا الثنائية بتوليد الأصفر من اللون الأحمر والأخضر.  أما إشارة تباين الأبيض والأسود فيتم توليدها من قبل عصبونات غير متضادة (non-opponent neurons) حيث تثار من الضوء بغض النظر عن لونه وتثبط من الظلمة أي أنها تثار من العصي ومن أنواع المخاريط الثلاث وهي الأحمر والأخضر والأزرق.






إن عملية التحويل هذه لا يمكن أبدا  أن تكون قد تمت بالصدفة بل تم إبداعها وتصميمها من خالق لا حدود لعلمه وحكمته وإبداعه وهذا سيتضح من خلال شرح الأهداف التي تم من أجلها هذا التحويل. إن جمع إشارات المخاريط الثلاث لتوليد إشارة تباين الأبيض والأسود هو لهدف إنتاج صورة غير ملونة ولكنها تبين معالم وتفاصيل الصورة بدقة عالية من أشكال وسطوع وظلال وحواف وحركات وغيرها وذلك لأن الإشارات الملونة الثلاث تغطي كامل الطيف المرئي. أما إشارتي تباين الأزرق والأصفر وتباين الأحمر والأخضر فتقومان بتحويل صورة الأبيض والأسود إلى صورة ملونة بعد معالجتها في مركز الإبصار في الدماغ. إن السر الذي يقف وراء عملية طرح الإشارات الملونة من بعضها البعض هو أن الزيادة أو النقصان في شدة الإشارة الخارجة من كل من المخاريط الثلاث قد تكون ناتجة عن التغير في شدة الضوء المسلط عليها أو عن التغير  في قيمة الطول الموجي على منحنى الاستجابة الطيفي. إن هذا اللبس في  شدة إشارات اللون يتم إزالته من خلال طرح الإشارات الثلاث من بعضها البعض وذلك لإلغاء تأثير شدة الضوء المسلط والإبقاء على تأثير الطول الموجي فقط وهو العامل الذي يحدد درجة اللون بدقة.



ومن أعجب أشكال المعالجة  التي تجريها عصبونات الشبكية على المعلومات البصرية التي تلتقطها المخاريط هو أن الإشارة الكهربائية التي تخرج من أحد المخاريط الحمراء أو الخضراء تذهب إلى مدخلي نوعين من الخلايا ثنائية القطبية (bipolar cells) أحدهما خلية ثنائية القطبية فاتحة (ON bipolar cell) تغذي خرجها إلى مدخل خلية جانجليون فاتحة (ON ganglion cell) والأخرى خلية ثنائية القطبية غالقة (OFF bipolar cell) تغذي خرجها إلى مدخل خلية جانجليون غالقة (OFF ganglion cell). وتحفز الخلايا ثنائية القطبية الفاتحة من قبل الأجسام المضاءة في الخلفيات المعتمه (light objects in a darker background) وكذلك من قبل الزيادة في شدة الضوء المثير بينما تحفز الخلايا ثنائية القطبية الغالقة من قبل الأجسام المعتمة في الخلفيات المضاءة (dark objects in a lighter background) وكذلك من قبل النقصان في شدة الضوء المثير.




 ويتم إرسال المعلومات البصرية الأولية من مخارج خلايا الجانجليون إلى القشرة البصرية لمعالجتها على شكل نبضات كهربائية بمسارين مختلفين (pathways) مسار يحمل إشارة الضياء (brightness pathway) أو مسار الفتح (ON pathway) ومسار يحمل إشارة العتمة (dark pathway) أو مسار الإغلاق (OFF pathway) لمعالجتها وبناء الصور النهائية منها. لقد كان الاعتقاد السائد بأن المعلومات البصرية في المسارين هي نفسها (mirror-symmetric) أحدهما صورة سلبية (negative image) للآخر  ولكن العلماء اكتشفوا أن معلومات المسارين غير متماثلة (asymmetric) وفي كل منهما معلومات بصرية لا توجد في الآخر. إن هذه الطريقة العبقرية في نقل المعلومات البصرية بمسارين مختلفين يمكن القشرة البصرية من تحديد التباين (contrast) في شدة الإضاءة والألوان وتحديد اتجاهات الحركة في الصورة وكذلك استخلاص معالم الصور المختلفة بشكل أسهل مما لو أرسلت بمسار واحد.

وقد وجد العلماء أن المعالجات المختلفة التي تقوم بها الخلايا العصبية المختلفة في الشبكية يتم إرسالها على التوازي من خلال ثلاثة مسارات يختص كل منها بنقل معلومات بصرية محددة عن الصور الملتقطة. وهذه المسارات هي مسار الخلايا الصغرى (parvocellular pathway) ومسار الخلايا الكبرى (magnocellular pathway) ومسار الخلايا الغبارية (koniocellular pathway). فمسار الخلايا الصغرى مسؤول عن نقل المعلومات البصرية المتعلقة باللون (Color information) والتمييز المكاني عالى الدقة (high spatial resolution) الذي يلزم للرؤية الحادة (high-resolution vision).  ويستلم مسار الخلايا الصغرى المعلومات البصرية من خلايا الجانجليون من نوع بي (P ganglion cells) في الشبكية وينقلها إلى طبقات الخلايا الصغرى (parvocellular layers) وهي الطبقات الثالثة إلى السادسة في النواة الركبية الجانبية أو الوحشية (lateral geniculate nucleus) في المهاد (thalamus) ومنها إلى القشرة البصرية الأولية. وأما مسار الخلايا الكبرى فهو مسؤول عن كشف الحركة (Motion Detection) وإدراك العمق (depth perception) وكشف التباين في الإضاءة (light/dark contrast detection) وتحديد مواقع الأشياء (location of objects) وكشف الترددات الزمنية العالية (high temporal frequencies) وكشف الترددات المكانية المنخفضة (Low Spatial Frequencies). ويستلم مسار الخلايا الكبرى المعلومات البصرية من خلايا الجانجليون من نوع إم (M-ganglion cells) في الشبكية ويذهب إلى طبقات الخلايا الكبرى (layers magnocellular) وهي الطبقات الأولى والثانية  في النواة الركبية الجانبية أو الوحشية ومنها إلى القشرة البصرية الأولية. وأما مسار الخلايا الغبارية فلا زالت وظائفة قيد الدراسة حيث أنه يستلم المعلومات البصرية من خلايا الجانجليون من نوع إم  وكذلك خلايا الجانجليون من نوع بي  في الشبكية وعليه فمن المتوقع أنه يقوم بمهام مكملة للمسارين الآخرين ويعالج التفصيلات الدقيقة.


وبما أن خلايا جانجليون الشبكية (retinal ganglion) تقع على السطح الداخلي للشبكية المواجه للضوء وتتوزع على جميع سطح الشبكية فإن الألياف العصبية الخارجة منها عليها أن تسيير باتجاه مركز الشبكية وتتجمع في منطقة صغيرة تسمى القرص البصري (optic disc)  يقع على بعد خمسة ملليمترات من المقلة في مركز الشبكية لتخرج هذه الألياف من جدار العين على شكل كيبل يسمى العصب البصري. وتخلو منطقة العصب البصري عند الشبكية تماما من المستقبلات الضوئية ولذلك فإن أي صورة ترتسم عليها لا يمكن رؤيتها أبدا ولذلك سميت هذه المنطقة بالبقعة العمياء (blind spot). ولكن وبسبب أن مركز الإبصار يبني الصورة النهائية من صورتين مأخوذتين من عينين  فإنه من النادر أن تظهر البقعة العمياء في المشاهد التي نراها. يتم تجميع محاور (axons) خلايا جانجليون الشبكية الذي يتراوح عددها بين 770 ألف و1,7 مليون (770,000 and 1.7 million nerve fibers) محور أو ليف في شبكية العين الواحدة.  وتخرج هذه الألياف من العين على شكل كيبل (cable) دائري الشكل يسمى العصب البصري (optic nerve) لينقل المعلومات البصرية المعالجة مبدئيا في شبكية العين  إلى مركز الإبصار الموجود في الفص القذالي من الدماغ وذلك لإجراء المعالجة النهائية. ويدخل العصب البصري الجمجمة (skull) من خلال فتحة تقع في مؤخرة محجر العين (eye socket) ليشكل العصب القحفي الثاني (cranial nerve) الذي هو أحد  الإثني عشر زوجا من الأعصاب القحفية التي تخترق عظام الجمجمة ذاهبة إلى الدماغ. ويتكون العصب البصري لكل عين من مليون ومائتي ألف ليف بصري  (optic fiber) في المتوسط وبقطر لا يتجاوز الميكرومترين لكل ليف يتم لفها بإحكام داخل كيبل لا يتجاوز قطره ملليمتر والنصف عند  خروجه من الشبكية ويزداد القطر ليصل إلى 3,5 ملليمتر في داخل محجر العين (eye orbit) و 4,5 ملليمتر في داخل الدماغ.

ويسير العصب البصري لكل عين باتجاه قاعدة الدماغ (base of the brain) لمسافة خمسة سنتيمترات تقريبا ليلتقيا في منطقة تحت المهاد (hypothalamus) تسمى التصالب البصري (optic chiasm). وعند هذا التصالب يتم تقسيم الألياف البصرية في كل عصب بصري إلى نصفين فالنصف الأول هو المسار غير المنعكس (uncrossed pathway) والذي يذهب مباشرة إلى القشرة البصرية الواقعة في نفس الجهة التي تقع فيها العين.  وهذا المسار مكون من الألياف التي تحمل الصورة الملتقطة من نصف شبكية العين المجاور للصدغ أو الشبكية الصدغية ( temporal retina). أما النصف الثاني وهو المسار المنعكس (crossed pathway) فيذهب إلى القشرة البصرية الواقعة في  الجهة المعاكسة للجهة التي تقع فيها العين وهو مكون من الألياف التي تحمل الصورة في  نصف شبكية العين المجاور للأنف أو الشبكية الأنفية ( nasal retina). ولكي نفهم ضرورة هذا التبادل (cross-over) للألياف في العصبين البصريين علينا أن نتذكر أن شبكية العين لها لشكل مقعر وليس مسطح وعليه فإن نصف الشبكية المجاور للأنف  يري نصف الصورة الأيمن ولا يرى النصف الآخر بينما يرى نصف الشبكية المجاور للصدغ نصف الصورة الأيسر ولا يرى النصف الآخر.



وبناءا على ذلك فالمجال البصري الأيمن (right visual field) يتكون من نصف الصورة الملتقطة من الشبكية الأنفية للعين اليمنى ونصف الصورة الملتقطة من الشبكية الصدغية للعين اليسرى. أما المجال البصري الأيسر(left visual field) فيتكون من نصف الصورة الملتقطة من الشبكية الصدغية للعين اليمنى ونصف الصورة الملتقطة من الشبكية الأنفية للعين اليسرى. وعليه فإن عملية التبادل التي تتم عند التصالب البصري تضمن أن يذهب المجال البصري الأيمن  إلى القشرة البصرية اليسرى (left visual cortex) بينما يذهب المجال البصري الأيسر  إلى القشرة البصرية اليمنى (right visual cortex). إن المجال البصري الكلي (full visual field) الذي تراه العينان دون تحريكهما أو تحريك الرأس يتكون من نصفي مجال (hemifield) وهما المجال البصري الأيمن (right visual field) والمجال البصري الأيسر (left visual field). وتخرج الألياف العصبية من التصالب البصري على شكل مسارين بصريين (optic tracts) يذهبان إلى النواتين الركبيتين الجانبيتين (lateral geniculate nucleus) في المهاد (thalamus) ومنهما إلى القشرتين البصريتين (visual cortex) في الفصين القذاليين (occipital  lobes). ويتكون المسار البصري الأيمن (right optic tract) من الألياف الشبكية الصدغية (temporal retinal fibers ) للعين اليمنى ومن الألياف الشبكية الأنفية (nasal retinal fibers) للعين اليسرى أي أنه يحمل المجال  البصري الأيسر ( left visual field). بينما يتكون المسار البصري الأيسر (optic tract  left) من الألياف الشبكية الصدغية (temporal retinal fibers ) للعين اليسرى ومن الألياف الشبكية الأنفية (nasal retinal fibers) للعين اليمنى أي أنه يحمل المجال  البصري الأيمن (right visual field).


ويتفرع عند التصالب البصري مجموعة من الألياف البصرية من العصبين البصريين يطلق عليها اسم المسارات غير المهادية (Non-Thalamic Pathways) تذهب إلى مناطق مختلفة في الجهاز الحوفي ( limbic system) والدماغ المتوسط (midbrain) تقوم بوظائف غير بصرية (non-visual functions) . فالألياف البصرية المرتبطة بخلايا الجانجليون الحساسة للضوء (Light-sensitive ganglion cells) في الشبكية تذهب  إلى النواة فوق التصالبية (suprachiasmatic nucleus)  الموجودة في منطقة تحت المهاد (hypothalamus) وهي تعمل مع الغدة الصنوبرية (pineal gland) على ضبط الساعة البيولوجية للجسم (body's internal biological clock) وتنظيم الإيقاع اليومي (Circadian Rhythm Regulation) للجسم والتي تشمل دورات النوم واليقظة (sleep-wake cycles) ودرجة الحرارة والهرمونات والشهية. ويذهب جزء آخر من الألياف البصرية القادمة من الشبكية  إلى منطقتين موجودتين في الدماغ المتوسط (midbrain) وهما منطقة ما قبل السقف (pretectum) والأكيمة العلوية (superior colliculus) تقومان بمعالجة المعلومات البصرية وإرسالها إلى عدة أنوية محركة في الدماغ المتوسط وجذع الدماغ  كالنواة فوق المحركة للعين  (supraoculomotor nuclei)  والنواة المحركة للعين ( oculomotor nuclei)) وكذلك نواة إيدنغر-ويستفال ( Edinger-Westphal nucleus). وتتحكم هذه الأنوية المحركة بحركة كرة العين والرأس لتوجيه النظر نحو منطقة الرؤية المركزية وتنظيم حركة اليد مع العين (Eye-arm movement ) وكذلك التحكم  بمنعكسات العين (eye reflexes) المختلفة  كمنعكس الضياء الحدقي (Pupillary Light Reflex) ومنعكس تكيف العدسة (lens accommodation reflex) ومنعكس التكيف التقاربي (convergence accommodation reflex).  



ولا تذهب الأعصاب البصرية الخارجة من التصالب البصري عبر المسارات البصرية مباشرة إلى مركز الإبصار الرئيسي في مؤخرة الدماغ بل تمر على نواة بالغة الأهمية في نظام الإبصار وهي النواة الركبية الجانبية أو الوحشية (lateral geniculate nucleus) والتي تقع في المهاد (thalamus). وتتكون النواة الركبية الوحشية المخصصة لكل عين من ستة طبقات حيث يتم ربط الألياف البصرية في المسارات البصرية الثلاثة بالخلايا العصبية المناظرة لها في الطبقات  المختلفة. فمسار الخلايا الصغرى يذهب إلى طبقات الخلايا الصغرى (parvocellular layers) وهي الطبقات الثالثة إلى السادسة ومسار الخلايا الكبرى فيذهب إلى طبقات الخلايا الكبرى (layers magnocellular) وهي الطبقات الأولى والثانية ومسار الخلايا الغبارية فيذهب إلى طبقات الخلايا الغبارية (Koniocellular cells) الموزعة في جميع الطبقات الست. وتخرج من النواة الركبية الجانبية معظم الألياف البصرية في العصب البصري لتذهب إلى مركزي الإبصار الموجودين في القشرتين البصريتين الأوليتين (primary visual cortex) في الفصين القذاليين  (occipital  lobes). 


وتخرج الألياف العصبية من النواة الركبية على شكل مسارات شعاعية الشكل لتذهب إلى الخلايا العصبية في القشرة البصرية ولذلك أطلق عليها اسم الشعاع البصري (optic radiation). إن الوظيفة الرئيسية للنواة الركبية هي توزيع (distribution) الألياف البصرية القادمة من شبكية العين بحيث يوجد لكل مجال استقبال (receptive field) في شبكية العين مجال استقبال يناظره (mapping) في القشرة البصرية الأولية. أما الوظيفة الثانية فهي الترحيل (relying) والذي يلزم لتقوية الإشارات البصرية التي تحملها الألياف العصبية القادمة من الخلايا العصبية في شبكية العين. أما الوظيفة الثالثة للنواة الركبية فهي تبويب (Gating) وتنظيم (Regulation) وتدفق (flow) المعلومات البصرية (visual information) القادمة من الشبكية والذاهبة إلى القشرة البصرية. إن عملية التبويب والتنظيم تشمل إما منع بعض الإشارات من المرور أو إعطاء الأولية في المرور لبعض الإشارات المهمة أو تعديل معدلات تدفق بعضها ويتم ذلك من خلال إشارات تغذية راجعة (feedback) من القشرة البصرية ومن الأكيمة العلوية (superior colliculus) الموجودة في سقف الدماغ المتوسط وهي المسؤولة عن التحكم بحركات العين. أما الوظيفة الرابعة فهي القيام ببعض المعالجات المهمة للإشارات البصرية القادمة من الشبكية وخاصة تلك المتعلقة بالألوان.  


وتذهب الألياف البصرية الخارجة من النواتين الركبيتين الجانبيتين إلى القشرتين البصريتين (visual cortex) الموجودتين في الفصين القذاليين  (occipital  lobes) في مؤخرة الدماغ. والفصان القذاليان هما أصغر فصوص الدماغ ويشكلان ما نسبته 18 بالمائة من القشرة المخية وهما مخصصان فقط للقشرتين البصريتين.  وتتكون  القشرة البصرية في كل فص من ست مناطق أساسية فالأولى هي القشرة البصرية  الأولية ( primary visual cortex) والثانية هي القشرة البصرية الثانوية (secondary visual cortex) والثالثة هي المنطقة البصرية الثالثة أو المركب البصري الثالث (third visual complex) والرابعة هي المنطقة البصرية الرابعة (fourth visual area) والخامسة هي المنطقة البصرية الصدغية الوسطى (middle temporal visual area) والسادسة هي المنطقة الوسطية الظهرية (dorsomedial area ). ويوجد إلى جانب مناطق الإبصار الأساسية في الفص القذالي مناطق إبصار ثانوية موجودة في الفصوص الأخرى للمخ أهمها التلفيف الصدغي السفلي (inferior temporal gyrus) والموجود في أسفل الفص الصدغي ( temporal lobe ) والقشرة الجدارية الخلفية (posterior parietal cortex)  والتي تقع في الفص الجداري (parietal lobe).




تعتبر القشرة البصرية  الأولية ( primary visual cortex) أكبر مناطق القشرة البصرية حجما وتتكون من ستة طبقات يوجد فيها ما يزيد عن 140 مليون خلية عصبية في المتوسط وهي التي تستلم المعلومات البصرية مباشرة من النواة الركبية الجانبية. وفي القشرة البصرية الأولية يتم ربط ما يزيدى عن مليون ليف بصري بما يناظرها من العصبونات بحيث تكون هذه العصبونات مرتبة مكانيا (spatial) حسب ترتيب مجالات الاستقبال (receptive fields) للعصي والمخاريط وعصبونات الشبكية وهو ما يطلق عليه اسم التموضع الشبكي (retinotopic map). وتقوم القشرة البصرية الأولية بالمعالجات الأساسية للمعلومات البصرية القادمة من الشبكية ومن أهمها استخلاص الملامح الأساسية (basic features) للصور من خلال تحديد الحواف (edges) والمناسيب (contours) والإتجاهات (orientations) وتوصيف الأشياء (object representation) والتعرف على الأشكال (form recognition) وتحديد شدة السطوع (brightness) والتعرف على تركيب الألوان (color composition recognition) والتردد المكاني (spatial frequency) والتردد الزماني (temporal frequency) للمشهد البصري (visual scene). وترسل القشرة البصرية الأولية من طبقتها السادسة إشارات تغذية راجعة (feedback) إلى النواة الركبية الجانبية (lateral geniculate nucleus) في المهاد (thalamus) لأغراض مختلفة.  ومن هذه الأغراض هو تعزيز الإنتباه (Enhancing attention) لمناطق محددة في الصورة لإعطائها الأولية (prioritizing)  في المرور من النواة الركبية إلى القشرة البصرية وكذلك تحسين نسبة الإشارة إلى الضوضاء (Improving signal-to-noise ratio) في الصورة من خلال مقارنة محتويات الصور المتتالية التي تصل إلى القشرة البصرية.


وتقوم القشرة البصرية الأولية بإرسال المعلومات البصرية المعالجة مبدئيا إلى مناطق القشرة البصرية العليا لمزيد من المعالجة من خلال مسارين أو تيارين فالأول هو التيار البصري البطني ( ventral visual stream) أو المسار القذالي الصدغي (occipitotemporal pathway) والذي يذهب إلى المنطقة البصرية الثانوية ومنها إلى المنطقة البصرية الرابعة ثم ينتهي في التلفيف الصدغي السفلي (inferior temporal gyrus).  إن مهمة التيار البطني هي إدراك ومعرفة الأشياء (object perception and recognition) ولذلك يطلق عليه اسم مسار الماهية (What pathway). ويتطلب التعرف على الأشياء وجود ذاكرة بصرية طويلة الأمد (Visual long-term memory) وكذلك ذاكرة بصرية قصيرة الأمد (visual short-term memory) في هذا التلفيف ومناطاق أخرى في الدماغ من أهمها الحصين ( hippocampus). أما المسار الثاني فهو التيار البصري الظهري (dorsal visual stream) أو المسار القذالي الجداري (occipitoparietal pathway) والذي يذهب إلى المنطقة البصرية الثانوية ومنها إلى  المنطقة البصرية الثالثة والخامسة والسادسة لينتهي في القشرة الجدارية الخلفية (posterior parietal cortex).  إن مهمة التيار الظهري هي تحديد مواقع الأشياء (object locations) والإحساس بالعمق (depth perception) في الصور ثلاثية الأبعاد (stereoscopic) وكذلك تحديد إتجاه وسرعة الأشياء المتحركة  (direction and speed of moving object) ولذلك يطلق عليه اسم مسار الأينية (where pathway).






أما مناطق القشرة البصرية الأخرى فمهامها تتحدد من المسارات البصرية التي تمر بها فالمنطقة البصرية الثانوية يمر بها كلا التيارين البطني والظهري ولذا فهي تقوم بجميع المهام التي تقوم بها القشرة البصرية الأولية ولكن على مساحات أوسع من المجال البصري واستخلاص السمات البصرية المعقدة (complex visual attributes). وتقوم المنطقة البصرية الثانوية بإرسال المعلومات البصرية المعالجة إلى المناطق البصرية الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة وكذلك إلى القشرة البصرية الأولية كتغذية راجعة. أما المنطقة البصرية الثالثة فيمر من خلالها التيار الظهري ومهمتها الرئيسية هي إدراك الحركة واللون (perception of motion and color) وإدراك العمق (Depth Perception) في المشاهد ثلاثية الأبعاد. أما المنطقة البصرية الرابعة فيمر من خلالها التيار البطني أو المسار القذالي الصدغي ومهمتها الرئيسية هي التعرف على الأشياء (object recognition) ومعالجة ملامح الصور متوسطة التعقيد كالمنحنيات (curves) والزوايا (corners) والأشكال الهندسية (geometric shapes) ومعالجة الألوان والحفاظ على اللون (color constancy) عند تغير الإضاءة. أما المنطقة البصرية الخامسة فهي محطة من محطات التيار الظهري أو المسار القذالي الجداري ومهمتها الرئيسية هي تحديد إتجاه وسرعة الأشياء المتحركة  (direction and speed of moving object) وإدراك الحركة الكلية (Global Motion Perception) وإرشاد حركات العين (Guidance of Eye Movements) مع حركة الأشياء. وأما المنطقة البصرية السادسة فهي أيضا محطة من محطات التيار الظهري ومهمتها الرئيسية هي معالجة الإشارات البصرية عند الحركة الذاتية للشخص (self-motion (egomotion)) ومعالجة حركة الأشياء في الرؤية المحيطية (Peripheral vision) وتنظيم حركة اليد مع العين (Eye-arm movement ).



أما المحطة الأخيرة من محطات التيار البطني فهي التلفيف الصدغي السفلي (inferior temporal gyrus) الذي  يقوم بإجراء المعالجات البصرية النهاية المتعلقة بالتعرف والإدراك البصري (Visual Perception and Recognition) وكذلك تخزين صور الأماكن والأشياء في الذاكرة البصرية طويلة الأمد (Visual long-term memory) وكذلك في الذاكرة البصرية قصيرة الأمد (visual short-term memory). إن التعرف والإدراك البصري يشمل التعرف على الأشياء (Object identification)  وكذلك على الأماكن (places)  والوجوه (faces) والأنماط (patterns) والألوان (colors) والأرقام والأحرف والكلمات.  وهذا التلفيف هو المسؤول أيضا عن الوعي المكاني (spatial awareness) وهو قدرة الشخص على الإحساس بمكانه وحركته في الفضاء المحيط به أو ما يسمى بوعي الجسم (Body Awareness) وكذلك قدرته على تحديد أماكن الأشياء المحيطة به وتقدير أحجامها وبعدها عنه وعن بقية الأجسام أو ما يسمى بوعي الشيء (Object Awareness). ويلزم الوعي المكاني للقيام بمختلف النشاطات التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية كالأكل والشرب والاغتسال واللبس والعمل والتجوال في المحيط الذي يعيش فيه وكذلك في المهارات المعرفية والعلاقات الاجتماعية. 



وأما المحطة الأخيرة من محطات التيار الظهري فهي القشرة الجدارية الخلفية (posterior parietal cortex) والتي تقوم باستلام المعلومات من ثلاة أنظمة حسية وهي النظام البصري (visual system) والنظام السمعي (auditory system) ونظام الإحساس الجسدي (somatosensory system). إن المعلومات البصرية التي تستلمها القشرة الجدارية الخلفية من مناطق القشرة البصرية من خلال التيار الظهري يتم استخدامها في تحديد مواقع الأشياء (object locations) والإحساس بالعمق (depth perception) في الصور ثلاثية الأبعاد (stereoscopic) وتحديد إتجاه وسرعة الأشياء المتحركة  (direction and speed of moving object) وتحفيز الإنتباه (attention) والإستدلال المكاني (spatial reasoning). وتقوم القشرة الجدارية الخلفية في هذا المسار كذلك بما يسمى بالمهام البصرية المكانية (visuospatial tasks) كالإرشاد البصري ( visual guidance) والمهارات البصرية الحركية (visual-motor skills) والتي من أهمها تنسيق حركة اليد والعين (Eye-arm movement coordination ) عند الإمساك بالأشياء الثابتة والمتحركة.




وتوجد مناطق أخرى في الدماغ  تقوم بوظائف مهمة في الجهاز البصري من أهمها اللوزة (amygdala) والحصين (hippocampus) وهما من مكونات الجهاز الحوفي ( limbic system). فاللوزة مهامها الرئيسية هي الإستجابات العاطفية ( emotional responses) المرتبطة بالخوف والقلق والسعادة والفرح والحزن والمتعة وكذلك الذكريات العاطفية (Emotional memories) التي تثار من المعلومات الحسية المستلمة من الحواس الخمسة. ففي الجهاز البصري تستثار العواطف في اللوزة بشكل غير مباشر من المعلومات البصرية التي تصلها من التلفيف الصدغي السفلي المسؤول عن التعرف والإدراك البصري  وبشكل مباشر من ألياف بصرية قادمة من الشبكية بعد مرورها على المهاد. أما الحصين فمهامه الرئيسية هي الذاكرة المكانية ( spatial memory) والإدراك المكاني (spatial cognition) والذاكرة الاجتماعية (social memory) والتحويل من الذاكرة البصرية قصيرة الأمد (visual short-term memory) إلى الذاكرة البصرية طويلة الأمد (Visual long-term memory). ويستلم الحصين المعلومات البصرية من التلفيف الصدغي السفلي الذي يرتبط بالقشرة البصرية من خلال التيار البطني ويستلم كذلك من اللوزة والمهاد.  وتقوم القشرة الجبهية الأمامية الجانبية البطنية (ventrolateral prefrontal cortex) بمهام تتعلق بالجهاز البصري من أهمها الإدراك البصري الواعي (conscious visual perception) والانتباه البصري (visual attention).




إن حيز الفضاء الذي يمكن لعين الإنسان الواحدة أو الإثنتان معا أن تراه دون تحريك الرأس أو العينين يسمى المجال البصري (visual field) أو مجال الرؤية (field of vision) أو مجال المشاهدة (field of view) والذي يقاس عادة بالدرجات الزاوية. إن المجال البصري الجزئي الذي تراه العين الواحدة مقاسا من خط النظر على امتداد الأنف أو ما يسمى بنقطة  التركيز (fixation point) يبلغ في الاتجاه الأفقي 60 درجة من الجهة الأنفية و ما بين 100 إلى 110 درجة من الجهة الصدغية أو الأذنية وبمجموع 160 إلى 170 درجة  أما في الإتجاه الرأسي فيبلغ 60 درجة من الجهة الجبهية و 75 درجة من الجهة الذقنية وبمجموع 135 درجة. أما المجال البصري الكلي (full visual field) فهو حيز الفضاء الذي يمكن للعينين أن تراه في نفس الوقت وهو مكون من المجال البصري للعين اليمنى واليسرى والذي يقابل زاوية مقدارها 200 إلى 220 درجة في الإتجاه الأفقي و 135 درجة في الإتجاه الراسي. ونتيجة لتداخل المجالين البصريين للعين اليمنى واليسرى فإن المجال البصري الكلي يتكون من ثلاث مناطق فالمنطقة الوسطى يتم رؤيتها من قبل العينين معا وهي المسؤولة عن ما يسمى بالرؤية ثنائية العين (binocular vision) والرؤية المركزية (central vision). أما المنطقة اليمنى والمنطقة اليسرى فهما على شكل هلال حيث يتم رؤية المنطقة اليمنى من العين اليمنى فقط  والمنطقة اليسرى  من العين اليسرى فقط وهما مسؤولتان عن الرؤية أحادية العين (monocular) والرؤية المحيطية أو الجانبية (Peripheral Vision). وتقع النقطة العمياء (blind spot) التي تخلو من المستقبلات الضوئية على اليمين من الأنف بزاوية 15 درجة  للعين اليمنى وعلى يسار الأنف بزاوية 15 درجة للعين اليسرى.


إن الرؤية ثنائية العين (binocular vision) هي التي تمكن الإنسان من رؤية الصور والمشاهد المتحركة  بثلاثة أبعاد (three-dimensional image) أو ما يسمى بالرؤية المجسمة (stereoscopic vision). وتمكن الرؤية المجسمة الإنسان وكثير من الكائنات الحية من التحرك بسهولة في المحيط الذي تعيش فيه من خلال تحديد مواقع الأجسام وبعدها النسبي عن بعضها البعض وأحجامها النسبية وسرعة تحركها مما يمكنه من التعامل معها وتجنبه الاصطدام بها أثناء تجواله. وفي الرؤية المجسمة يقوم مركز الإبصار في الدماغ بمعالجات معقدة للصورتين الملتقطتين من العينين ليحدد البعد النسبي للنقاط المختلفة في الصورة  (relative distances of objects) باستخدام طريقة التثليث الهندسية (triangulation). ومن ثم يقوم الدماغ بدمج الصورتين المسطحتين في صورة مجسمة واحدة (binocular fusion) يدرك فيها البعد أو العمق في الصور (Depth Perception). ويتطلب بناء صورة ثلاثية الأبعاد للمشهد إلتقاط صورتين له من زاويتي نظر مختلفتين من عينين متباعدتين بعض الشيء (Binocular Disparity). وقد وجد العلماء أن أقل مسافة تفصل بين العينين (interocular distance) للحصول على رؤية ثلاثية الأبعاد فعالة للأجسام التي يقل بعدها عن 200 متر هي ستة سنتيمترات ونصف.  

إن قيام الدماغ ببناء صورة واحدة ثلاثية الأبعاد من خلال دمج صورتين مأخوذتين من العينين ثنائية الأبعاد (two dimensional image) عملية بالغة التعقيد وتحتاج إلى معالجات معقدة في عدة مراكز بصرية في الدماغ.  وقد يفشل الدماغ لأسباب مختلفة بالقيام بهذه المعالجة مما يؤدي إلى مشاكل بصرية كالرؤية المشوشة أو الرؤية المزدوجة (double vision) أو العمى المجسم (stereo blindness). وعلى الرغم من أن الرؤية المجسمة تحتاج إلى عينين لبناء صورة ثلاثية الأبعاد حقيقية بالاعتماد على الاختلاف في زاوية النظر للعينين إلا أنه يمكن للدماغ بناء صورة ثلاثية الأبعاد تقريبية باستخدام عين واحدة فقط من خلال عمليات حسابية معقدة  تعتمد على تغير الحجم النسبي (Relative Size) للجسم مع البعد وعلى ظاهرة المنظور (Perspective) وهي تقارب الخطوط المستقيمة البعيدة من بعضها وكذلك على تزيح الحركة (Motion Parallax) وهو التغير الظاهري لموقع الأجسام أثناء المرور بينها .


وتقع منطقة الرؤية المركزية (central vision) في مركز منطقة الرؤية ثنائية العين وبالتحديد في منطقة المقلة  (macula) التي تقع في مركز الشبكية وأمام العدسة تماما حيث يبلغ قطرها خمسة ملليمترات تقريبا. وتغطي المقلة  (macula) زاوية نظر مقدارها 18 درجة من المجال البصري الكلي وفيها يتم رؤية أشكال الأشياء والوانها بوضوح عالي الدقة. وفي مركز المقلة توجد منطقة دائرية الشكل يبلغ قطرها ملليمتر ونصف تسمى النقرة (fovea) وتغطي زاوية نظر مقدارها 5 درجات من المجال البصري للمقلة. والمقلة التي تتكون من المخاريط فقط هي المسؤولة عن حدة الإبصار الشديدة  (sharpest visual acuity) وكذلك القدرة العالية على تمييز الألوان (most color discernment) ولذلك فإنها تستخدم في القرءاة والتعرف على الوجوه والتفاصيل الدقيقة للأشكال والألوان.ومن عجائب تصميم النقرة أن جميع الخلايا العصبية والألياف البصرية والأوردة والشرايين التي تقع أمام المستقبلات الضوئية في بقية الشبكية قد تم إزاحتها من أمام المستقبلات الضوئية في منطقة النقرة لكي يتمكن الضوء من الوصول إليها بدون أي إمتصاص يذكر من هذه الطبقات مما يزيد من وضوح الصورة في الرؤية المركزية.

 ونظرا لضيق زاوية الرؤية المركزية فأنه يلزم تحريك العينين وكذلك الرأس نحو الأشياء الثابتة والمتحركة المراد رؤيتها بوضوح. فعضلات العين الخارجية ( extraocular muscles) الستة المحيطة بكرة العين (eyeball) قادرة على تحريك العين بشكل إرادي إلى اليمين واالشمال والأعلى والأسفل وكذلك الدوران بدرجات متفاوتة. فالعين يمكن تحريكها أفقيا بالتقريب نحو الأنف (adduction) بمقدار 45 درجة أو بالإبعاد عن الأنف (abduction) بمقدار 45 درجة وذلك في المتوسط حيث يمكن أن تزيد أو تنقص بمقدار 7 درجات حسب الشخص. ويمكن تحريك العين رأسيا بالرفع (Elevation) بمقدار 28 درجة أو بالخفض (Depression) بمقدار 47 درجة وذلك في المتوسط حيث يمكن أن تزيد أو تنقص بمقدار 8 درجات حسب الشخص. أما حركة العين الدورانية (torsional (rotational) ) حول محور خط النظر فتبلغ 30 درجة باتجاه عقارب الساعة و 30 درجة بعكس ذلك وتتم بشكل غير إرادي عند تحريك الرأس في المنعكس الدهليزي العيني (Vestibulo-ocular Reflex). ويمكن زيادة المجال البصري للإنسان من خلال تحريك الرأس حول ثلاث محاور حيث يمكن تحريك الرأس حول المحور الرأسي بمقدار 90 درجة إلى اليمين أو إلى الشمال وحول المحور الممتد بين الكتفين بمقدار 50 درجة إلى الأسفل و 60 درجة إلى الأعلى وحول المحور الأمامي الخلفي بمقدار 45 درجة إلى اليمين أو إلى الشمال.


أما بقية الشبكية المحيطة بالمقلة والتي تبلغ مساحتها أحد عشر سنتيمتر مربع فهي مسؤولة عن  الرؤية المحيطية أو الجانبية (Peripheral Vision) والتي تغطي معظم المجال البصري الكلي. وقد تم تقسيم المجال البصري للرؤية المحيطية إلى ثلاثة مناطق وهي الرؤية المحيطة القريبة (near peripheral vision) وتمتد من 18 إلى 30 درجة والرؤية المحيطية المتوسطة (mid peripheral vision) وتمتد من 30 إلى 60 درجة والرؤية المحيطية البعيدة (far peripheral vision) وتمتد من 60 إلى 110 درجة وجميعها مقاسة من نقطة التركيز. وعلى الرغم من أن الرؤية المحيطية لا تعطي التفاصيل الدقيقة للأشكال والألوان إلا أنها تمكن الإنسان من رؤية جميع الأشياء الثابتة والمتحركة التي تقع ضمن المجال البصري للعينين. وبما أن الشبكية المحيطية تتكون من العصي ذات الحساسية العالية للضوء فإن الرؤية المحيطية هي المسؤولة عن الرؤيا الليلية  ورؤية الأضواء الخافتة وهي التي تنبه الإنسان عند دخول الأشياء المتحركة في المجال البصري.

لقد تمكن العلماء إلى حد ما من فهم الآليات التي تستخدمها الدوائر والشبكات العصبية في نقل (transmission) ومعالجة (processing) الإشارات العصبية (nerve signals). فالشبكات العصبية في الكائنات الحية تستخدم الإشارات الكهربائية (electrical signals) لنقل ومعالجة المعلومات التي يتم توليدها (generated) من قبل الخلايا الحية. إن جميع الخلايا الحية تمتلك فرق جهد (potential difference) يبلغ -70 ملليفولت في المتوسط  بين السطح الداخلى والخارجي للغشاء الخلوي (cell membrane)  يسمى الجهد الغشائي (membrane potential) يعمل على تنظيم حركة المواد بين خارج الخلية وداخلها من خلال قنوات ومضخات أيونية (ion channels and  pumps ) موجودة في الغشاء يتم تشغيلها بهذا الجهد الكهربائي. إن الجهد الغشائي لجميع الخلايا الحية يمكن تغيير قيمته لتوليد نبضات كهربائية موضعية من خلال إثارة هذا الغشاء بطريقة ما.  وتمتلك بعض أنواع الخلايا في الجهاز العصبي والعضلي أغشية قابلة للإثارة (excitable membranes) قادرة على توليد نبضات كهربائية لها مواصفات محددة تستخدم في نقل ومعالجة المعلومات في الأنظمة العصبية.


ولقد وجد العلماء أن المعلومات يتم نقلها ومعالجتها باستخدام طريقتين رئيستين وهما الطريقة التشابهية أو التناظرية (Analog) والتي تستخدم ما يسمى بالجهد المتدرج (Graded potential) والطريقة الرقمية أو النبضية (Digital or pulsed) والتي تستخدم ما يسمى بجهد الفعل ( action potential). فالجهد المتدرج هو إشارة كهربائية تنتجها شجيرات الخلايا العصبية والخلايا الحسية وتمثل فيها المعلومات تشابهيا (analog) من خلال زيادة إتساع (amplitude) وكذلك مدة (duration) النبضة الكهربائية طرديا مع زيادة شدة المثير (stimulus) المسلط على هذه الخلايا كشدة الضوء والصوت والحرارة أو كمية النواقل العصبية (neurotransmitter). ويوجد نوعان رئيسيان من نبضات الجهد المتدرج أولها يولد نبضات كهربائية ذات قيم جهد موجبة بالنسبة لجهد السكون أو الراحة  (rest potential) البالغ -70 ملليفولت يسمى الجهد المحفز (Excitatory potential) أما الثاني فيولد نبضات كهربائية ذات قيم جهد سالبة بالنسبة لجهد السكون أو الراحة يسمى الجهد المثبط (Inhibitory potential). ويتم توليد الجهود المتدرجة من قبل البوابات الأيونية المحكومة باللجين (Ligand-gated ion channels) وليس من خلال البوابات المحكومة بالجهد (voltage-gated ion channels) كما في جهد الفعل (action potential) . 





إن أهم خصائص الجهود المتدرجة أنها جهود موضعية (local potentials) لا يتعدى تأثيرها الخلية التي أنتجتها وتنتشر إلى مسافات قصيرة ثم تتلاشى ولا تتجاوز قيمة جهودها في الغالب  15 ملليفولت. أما الخاصية ذات الأهمية البالغة اللازمة لعمل الشبكات العصبية هو أنه يمكن جمع (Summation) الجهود المتدرجة المتولدة في نفس الخلية جمعا مكانيا (spatially summated) من خلال جمع  الجهود المتولدة في أكثر من مكان في الخلية وكذلك جمعا زمانيا (temporally summated) من خلال جمع  الجهود المتولدة في أوقات متفرقة ولكن في نفس المكان في الخلية. إن عملية جمع الجهود المتدرجة تلزم لمعالجة المعلومات وتحويلها إلى إشارات رقمية باستخدام جهد الفعل (action potential) فعندما تثار الشجيرات العصبية لعصبون ما من قبل العصبونات المتصلة بها من جهة الشجيرات يقوم هذا العصبون بجمع الجهود المتدرجة الموجبة والسالبة بعد معالجتها فضائيا وزمنيا لينتج قيمة كلية إذا ما تجاوزت قيمة عتبة الفعل (action threshold) والتي تبلغ -55 ملليفولت فإنه يقوم بتوليد نبضة كهربائية رقمية تسمى جهد الفعل (action potential).



يستخدم جهد الفعل (action potential) أو النبضة العصبية (nerve impulse) لمعالجة ونقل المعلومات الرقمية فيما بين العصبونات في  الأنظمة العصبية حيث يقوم العصبون بتوليد جهد كهربائي له شكل ثابت وذلك بغض النظر عن مقدار الإثارة أو عدد الزوائد المثارة وهذا ما يسمى بظاهرة الكل أو العدم (all-or-none phenomenon). فعندما يزيد حاصل جمع الجهود الكهربائية التشابهية القادمة من شجيرات العصبون  عند قفل المحور (axon hillock) وهو مكان التقاء المحور مع جسم الخلية عن قيمة عتبة الفعل (action threshold) فإن العصبون يقوم بتوليد نبضة كهربائية تسمى جهد الفعل (action potential). ويتم توليد نبضة جهد الفعل في الخلايا العصبية المختلفة من خلال  فتح  (open) وغلق (close) قنوات  أيونية محكومة بالجهد (voltage-gated channels)  مزروعة في غشاء قفل المحور والتي تفتح وتغلق تبعا لمقدار فرق الجهد المسلط عليها. 

 ويوجد نوعان رئيسيان من الخلايا العصبية التي بإمكانها توليد جهد الفعل فالنوع الأول يستخدم قنوات الصوديوم المحكومة بالجهد ( voltage-gated sodium channels) بينما يستخدم النوع الثاني قنوات الكالسيوم المحكومة بالجهد (Voltage-gated calcium channels). ففي النوع الأول على سبيل المثال تستخدم قنوات أيونات الصوديوم (Na+ channels) عند فتحها لإزالة استقطاب غشاء الخلية العصبية (depolarization) بينما تستخدم قنوات البوتاسيوم (K+ channels) عند فتحها لإعادة الاستقطاب (Repolarization). ففي وضع السكون أو الراحة تكون هذه القنوات مغلقة ويكون فرق الجهد سالبا ومقداره -70 ملليفولت ولذا يسمى بجهد السكون أو الراحة  (rest potential). وعند إثارة قفل المحور بمؤثر خارجي بحيث يزيد فرق الجهد عن -55 ملليفولت فإن قنوات الصوديوم ستنفتح  بينما تبقى قنوات البوتاسيوم مغلقة لتسمح  لأيونات الصوديوم بالدخول من خارج الخلية إلى داخلها فتزيد بذلك الأيونات الموجبة عن الأيونات السالبة في الداخل فيتحول فرق الجهد من السالب إلى الموجب بشكل متسارع حتى يصل إلى +30 ملليفولت وتسمى هذه العملية بإزالة الاستقطاب (depolarization). وعند وصول فرق الجهد إلى قمته الموجبة تنغلق قنوات الصوديوم وتنفتح قنوات البوتاسيوم  لتسمح بخروج أيونات البوتاسيوم الموجبة من داخل الخلية إلى خارجها ويبدأ فرق الجهد بالعودة إلى وضعه الطبيعي وتسمى هذه العملية بإعادة الاستقطاب (Repolarization). ولا تتوقف عملية إعادة الاستقطاب عند الوصول إلى جهد السكون السالب بل يتجاوزه ليصل إلى -90 ملليفولت ثم يعود إلى جهد السكون البالغ -70 ملليفولت وتسمى هذه العملية فرط الاستقطاب ( hyperpolarization).





 إن الزمن الكلي الذي تستغرقه عملية توليد النبضة العصبية يعتمد على نوع الخلية العصبية ونوع القناة الأيونية المستخدمة في توليدها فهي سريعة جدا (أقل من مللي ثانية) في الخلايا التي تستخدم قنوات الصوديوم المحكومة بالجهد وبطيئة جدا (أعلى من 100 مللي ثانية) في قنوات الكالسيوم المحكومة بالجهد.  ويبلغ طول الفترة الزمنية لنبضة جهد الفعل  2 مللي ثانية في العصبونات المحركة في الدماغ (motor neurons) و 5 مللي ثانية في عصبونات العضلات الهيكلية (muscle neurons) و 200 مللي ثانية في عصبونات عضلة القلب (heart neurons). وتسمى الفترة الزمنية التي تتولد خلالها النبضة الكهربائية بفترة الممانعة (refractory period) حيث تمتنع عتبة المحور عن توليد نبضة كهربائية جديدة حتى مع وجود مؤثر جديد عليها. إن وجود فترة الممانعة هذه ضرورية جدا لعمل العصبون فهي أولا تمنع النبضات الكهربائية من الانتشار باتجاه جسم العصبون بل تنتشر بعيدا عنه باتجاه نهاية المحور وثانيا فإنها تحدد أعلى معدل ممكن لتوليد النبضات الكهربائية والذي قد يصل إلى ألف نبضة في الثانية. وبما أن  نبضة جهد الفعل لها شدة ثابتة فإن المعلومات المتبادلة بين العصبونات يتم تمثيلها وتشفيرها باستخدام طرق رقمية متعددة من خلال تغيير تردد  (frequency) وطور (phase)  سلسلة نبضات  جهد الفعل (frequency and phase of the action potential) كما سنشرح ذلك لاحقا.  

إن هذا التغير الموضعي في فرق الجهد عند بداية محور الخلية العصبية لن يتوقف عند هذا المكان بل سيبدأ بالانتشار على شكل نبضة عصبية (nerve impulse)  في المحور بعيدا عن جسم الخلية من خلال فتح وإغلاق القنوات الأيونية المجاورة الموجودة في غشاء المحور. إن سرعة انتشار النبضة الكهربائية في المحور غير المعزول (unmyelinated axons) لا تتجاوز عدة أمتار في الثانية وذلك تبعا لقطر المحور حيث تزيد السرعة مع زيادة القطر. وهذه السرعة قد تكون كافية لتبادل المعلومات بين الخلايا العصبية المتجاورة ولكنها غير كافية بين الخلايا المتباعدة والتي قد تصل المسافة بينها عشرات السنتيمترات. وهنا تتجلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى في إبداع طريقة عجيبة تزيد من سرعة الانتشار لتصل إلى ما يزيد عن مائة متر في الثانية دون زيادة قطر المحور وهي من خلال تغليف المحور (myelinated axons) بعازل دهني يسمى غمد المايلين أو النخاعين (myelin sheath) ولكن ليس بالكامل بل تترك مناطق ضيقة غير معزولة بين المناطق المعزولة تسمى عقد رانفير  (nodes of Ranvier) والتي تكثر فيها قنوات الصوديوم والبوتاسيوم. إن عزل المحور يمنع من دخول أيونات الصوديوم من خلال القنوات الواقعة تحت العازل وهي قليلة جدا وبذلك فإن جهد الفعل أو النبضة الكهربائية لن يتولد إلا عند عقد رانفير. وإذا ما تم توليد نبضة كهربائية عند عقدة ما فإن نبضة أخرى ستتولد عند العقدة المجاورة التي تليها بمجرد وصول أيونات الصوديوم من العقد السابقة وذلك من خلال ظاهرة الانتشار السريعة نسبيا. وبهذه الطريقة تنتشر النبضات العصبية على شكل قفزات بين العقد وهي بالطبع أسرع من انتشارها بشكل متواصل على المحاور غير المعزولة ويسمى هذا النوع من الانتشار  بالتوصيل القفزي (Saltatory or leaping conduction). ويتم عزل المحاور من قبل خلايا متخصصة تسمى خلايا شوان (Schwann cells) حيث تأخذ كل خلية موقعها على طول المحور وعلى مسافات منتظمة ثم تبدأ بإفراز المادة الدهنية العازلة وتقوم بلفها عدد معين من اللفات حول المحور شريطة أن تترك الخلايا المتجاورة على المحور منطقة بينهما غير معزولة وهي عقد رانفير وهذا من عجائب تقدير العزيز العليم سبحانه وتعالى. ويبلغ عرض عقد رانفير ميكرومتر واحد بينما يتراوح عرض المنطقة المعزولة بين ملليمتر واحد وملليمترين أما عدد لفات المادة العازلة فتتراوح بين 20 و 300 لفة. 


لقد كان الاعتقاد السائد بين علماء الأعصاب أن نقل المعلومات فيما بين الخلايا العصبية في جميع الأجهزة العصبية للكائنات الحية يتم باستخدام  ما يسمى بتشفير المعدل (Rate coding) أو ما يسمى أيضا بتشفير التردد النبضي (pulse frequency coding). وفي تشفير المعدل هذا يتم تمثيل المعلومات بعدد النبضات الكهربائية ( electrical pulses) أو ما يسمى بجهد الفعل (action potentials) التي تطلقها الخلايا العصبية في الثانية الواحدة (firing rate) عند إثارتها بمثير ما (stimulus)  كشدة الضوء الساقط على الخلايا الضوئية في العين. وتمثل المعلومات في تشفير المعدل من خلال زيادة معدل أو تردد النبضات مع زيادة شدة المثير (stimulus intensity). وقد استخدم العلماء صيغ أخرى من تشفير المعدل أكثر دقة وتمثيلا للمعلومات العصبية كتشفير  عدد النبضات المعدودة   (Spike-count rate) في فترة زمنية محددة تمثل مدة تأثير المثير وكذلك تشفير معدل الإطلاق المعتمد على الزمن (Time-dependent firing rate) وفيه يتم حساب معدل النبضات من مجموعة فترات زمنية وليس فترة واحدة. ولقد كشفت الدراسات أن تشفير المعدل يعاني من عدة سيئات أهمها أن معالجة المعلومات يحتاج لوقت طويل مما يجعله غير مناسب في الأنظمة العصبية التي تحتاج لإستجابة سريعة كالنظام البصري. أما السيئة الثانية فهي أنه يستهلك كمية كبيرة من الطاقة وهذا أيضا لا يناسب النظام البصري الذي يقوم بإجراء كميات هائلة من معالجة المعلومات في مركز الإبصار في مؤخرة الدماغ بالإضافة إلى حساسيته العالية للضوضاء (Noise).


ولقد اكتشف العلماء حديثا طرق جديدة يتم من خلالها نقل المعلومات في الأنظمة العصبية أهمها ما يسمى بالتشفير الزماني (Temporal coding) وفيه يتم تمثيل المعلومات بطول الفترة الزمنية بين النبضات (time between spikes) ولذلك يسمى أيضا تشفير فترة ما بين النبضات  ( interpulse interval coding). إن التشفير الزماني بشكله العام يشابه في طريقة عمله تشفير أو تعديل موقع النبضة التشابهي (Analog pulse position modulation (PPM)) المستخدم في بعض أنظمة الاتصالات الكهربائية.  إن أهم ما يميز التشفير الزماني هو استجابته العالية في معالجة المعلومات عند الإرسال أو الاستقبال حيث أنه يستجيب في مقياس زمني بالمللي ثانية (millisecond time scale) وهذا على عكس تشفير المعدل (Rate coding) الذي يحتاج إلى عشرات المللي ثانية للإستجابة. ومن ميزاته الأخرى دقته العالية في تمثيل المعلومات (precisely timed spikes) ومقاومته العالية للضوضاء (Noise) وكذلك سهولة معالجة المعلومات. ولقد كشفت الدراسات وجود أنواع مختلفة من التشفير الزماني تتناسب مع طبيعة المعلومات في الأنظمة العصبية المختلفة  كتشفير التأخير الزماني (latency coding) وتشفير الزمن لأول نبضة (time-to-first-spike coding) وتشفير طور الإطلاق (phase-of-firing coding) والتشفير الجماعي (Population coding) والتشفير الترابطي (correlation coding).  

 

ويعتبر الجهاز البصري من أكثر أجهزة الجسم استخداما للمنعكسات (reflexes) حيث يوجد ما يزيد عن ثلاثة عشر نوعا من المنعكسات العينية (Eye reflexes) والتي تعمل على حماية العين من الأخطار وضمان الحصول على صور واضحة خاصة أثناء حركة الجسم وحركة الأجسام المرئية. والمنعكس (reflex) في أجسام الكائنات الحية هو استجابة (response)  لاإرادية (involuntary) وتلقائية (autonomic) وسريعة (quickly) تحدث كرد فعل فوري (instantaneous) عند تعرض بعض أعضاء جسم الكائن الحي لمحفز ما ( stimulus) خارجي أو داخلي ويقوم المنعكس بذلك كإجراء وقائي أو تنظيمي (protective or regulatory functions) للجسم. ويبنى المنعكس من  دائرة عصبية (neural circuit) غير مغلقة تسمى قوس المنعكس (reflex arc) تبدأ بالأعصاب الحساسة (sensory nerves) أو المستقبل (receptor) للمحفز والتي تقوم بتوليد الإشارات العصبية الحسية ويرسلها من خلال الأعصاب الواردة  (afferent neuron) إلى مركز التحكم المكون من العصبونات المرحلة (Relay neurons) الذي يقوم بمعالجة هذه الإشارات وتوليد الإشارات العصبية الحركية التي يتم إرسالها من خلال الأعصاب الصادرة (efferent neuron) إلى المؤثر (effector) أو العصبون المحرك (motor neuron). 

ويوجد نوعان رئيسيان من المنعكسات في الجسم وهما المنعكسات الجسدية (Somatic reflexes) والتي تخص الجلد والعضلات والمخاط وغالبا ما يشعر الإنسان بحدوثها والمنعكسات الذاتية (autonomic reflexes) والتي تخص الأعضاء الداخلية للجسم ولا يشعر الإنسان بحدوثها في الغالب. إن المنعكسات الجسدية بسيطة التركيب في الغالب حيث ترتبط عصبونات المستقبلات الحسية مع العصبونات الحركية من خلال عصبون بيني (interneuron) موجود في الحبل الشوكي  وعندما يتعرض المستقبل الحسي لمؤثر خارجي فإن إشارته تذهب مباشرة للعصبون الحركي فيحرك عضلة أو أكثر في منطقة المستقبل الحسي. أما المنعكسات الذاتية فهي أكثر تعقيدا وتستخدم في النظام العصبي الذاتي ويلزم معالجة الإشارات القادمة من المستقبلات الحسية في عقد النظام الذاتي وفي بعض مناطق الدماغ ثم تخرج إشارات التحكم من هذه العقد لتحريك العضلات أو تحفيز الغدد.  ويوجد في جسم الإنسان  ما يزيد عن ستين نوعا من المنعكسات موزعة على أجهزة الجسم المختلفة ولا يشعر الإنسان إلا بالقليل منها كمنعكسات العطس والسعال والتثاؤب وسحب الأطراف عند تعرضها للحرارة العالية أو الوخز.


إن وجود هذا العدد الكبير من منعكسات النظام البصري تدل على أن الذي صممه خالق لا حدود لعلمه وحكمته ورحمته حيث أنه سبحانه عالج أدق التفاصيل التي تضمن عمل هذا النظام على أكمل وجه. فلولا منعكس تكيف العدسة والحدقة لما كان بإمكان الإنسان أن يرى الأشياء القريبة والبعيدة بنفس درجة الوضوح بينما نجد أن كامرات التصوير تحتاج لتحريك المسافة بين عدساتها يدويا للحصول على صور واضحة. ولولا المنعكس الحدقي الذي يقلل قطر الحدقة عند الضوء الشديد لأصيب الإنسان بالعمى في وقت مبكر من عمره نتيجة لتلف الشبكية من الضوء الشديد ولن يكن بإمكانه رؤية الأشياء عند الإضاءة العالية. ولولا المنعكس الدهليزي العيني لما كان بإمكان الإنسان رؤية الأشياء بوضوح عند أدنى حركة لرأسه وجسمه ولكان عليه أن يثبت رأسه وجسمه عند النظر كما يفعل الإنسان عند التصوير بالكاميرات حتى لا تتشوه الصور. ولولا  منعكس الرمش والمنعكس الدمعي لأصاب قرنية العين التلف خلال مدة قصيرة من عمر الإنسان حيث أن الجفن يقوم بحماية القرنية ذات الحساسية البالغة من مختلف المخاطربينما يقوم الدمع بتنظيف سطح القرنية وترطيبها.  ولولا المنعكس الحركي البصري لما كان بإمكان العين من تتبع الأشياء المتحركة بدقة عالية والتركيز عليه ورؤيتها بوضوح.


وتعتبر منعكسات الجهاز البصري من أعقد منعكسات جسم الإنسان حيث أن تنفيذها يحتاج لعمليات حسابية معقدة ولذلك فإنه يلزم استخدام مناطق مختلفة من الدماغ لمعالجة إشاراتها. إن بعض المنعكسات كمنعكس التكيف قد تحتاج إلى القشرة البصرية التي تقع في مؤخرة الدماغ لمعالجة إشاراتها بينما يتم معالجة بقية المنعكسات في جذع الدماغ (brain stem) وخاصة في الدماغ المتوسط (midbrain). ويوجد في الدماغ المتوسط عدة أنوية (nuclei) لهذه المنعكسات كالنواة الركبية ( pretectal nucleus) ونواة إيدنغر-ويستفال ( Edinger-Westphal nucleus) والنواة فوق المحركة للعين  (supraoculomotor nuclei)  والنواة المحركة للعين ( oculomotor nuclei)).  إن ما يبعث على الدهشة في أقواس منعكسات النظام البصري أن الأعصاب الواردة والصادرة تمر في محطات كثيرة ويلزم تمديدها دقة بالغة وأن أي خطأ مهما صغر في عملية التمديد يؤدي لتعطل عمل المنعكس. أما المعجزة الأخرى فهو أن الألياف الواردة لهذه المنعكسات غالبا ما تتجمع في عصب مشترك ينشأ من عند العين ثم تبدأ بالتفرع عند وصولها إلى أماكن معالجتها بكل دقة دون أي خطأ يذكر وكذلك هو الحال مع الألياف الصادرة  فسبحان من هداها لذلك فقال عز من قائل ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)) طه. 

إن أول وأهم منعكسات الجهاز البصري هو منعكس التكيف (Accommodation Reflex) والذي يساعد العين على رؤية المناظر بأوضح صورة وذلك بغض النظر عن بعد هذه الأجسام عن العين. ويعمل منعكس التكيف من خلال تزامن عمل ثلاث منعكسات فرعية وهي منعكس تكيف العدسة (lens accommodation reflex) ومنعكس تكيف الحدقة (pupillary accommodation reflex) ومنعكس التكيف التقاربي (convergence accommodation reflex). فعند إقتراب الأجسام من العينين تقوم العدسات البلورية بزيادة تحدبها من خلال إنقباض العضلات الهدبية (ciliary muscle) وذلك لتضمن وقوع بؤرة العدسة على الشبكية تماما. وبالتزامن تقوم العضلة المصرة للقزحية (iris sphincter muscle) بتضييق حدقة العين لزيادة عمق تركيز العين (depth of focus)  من خلال حجب الضوء المشتت من محيط القرنية.  وكذلك في نفس الوقت تقوم العضلات المستقيمة الوسطية (medial rectus muscles) لكلتا العينين بالإنقباض والعضلات المستقيمة الجانبية (lateral rectus muscles) بالإرتخاء لتسمح للعينين بالتقارب من خلال الدوران إلى الداخل (inward rotation) بحيث يلتقي خطا نظر العينين عند مكان الجسم المشاهد. 


وتتكون الدائرة العصبية (Neural circuit) لمنعكس التكيف من المنطقة المخططة رقم 19 (peristriate area 19) الموجودة في القشرة الترابطية البصرية ( visual association cortex) والتي تحدد أن الصورة خارج التركيز (out-of-focus) فتقوم بإرسال إشارات تصحيحية من خلال مسارات الكبسولة الداخلية ( internal capsule) والنخاع الدماغي ( crus cerebri) لتصل إلى النواة فوق المحركة للعين  (supraoculomotor nuclei)  والنواة المحركة للعين ( oculomotor nuclei)) وكذلك نواة إيدنغر-ويستفال ( Edinger-Westphal nucleus) في الدماغ المتوسط (midbrain). ومن ثم يتم إرسال إشارات التحكم من هذه الأنوية إلى العقدة الهدبية ( ciliary ganglion) بواسطة العصب العيني (ophthalmic nerve) المتفرع من العصب الخامس للتحكم بالعضلات الهدبية والعضلات المصرة للقزحية وكذلك إرسال إشارات  للتحكم بالعضلات المستقيمة المحركة للعين بواسطة العصب القحفي الثالث (3rd cranial nerve). 


أما المنعكس الثاني فهو المنعكس الحدقي (Pupillary Reflex) وهو مكون أيضا من ثلاثة منعكسات فرعية وهي منعكس الضياء الحدقي ومنعكس الظلام الحدقي والمنعكس الهدبي الشوكي. فمنعكس الضياء الحدقي (Pupillary Light Reflex) والذي يقوم بتضييق الحدقة أو البؤبؤ مع زيادة شدة الضوء الساقط على الشبكية وذلك لتقليل كمية الضوء الداخل إليها لكي لا تتشبع المستقبلات الضوئية فتقل استجابتها وكذلك لتجنب تدميرها من الضوء الشديد. وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من عقد الشبكية ( retinal ganglion ) التي تستثار من الضوء الساقط على العصي والمخاريط وتنقل الإشارات بالعصب البصري (optic nerve)  لتصل إلى التصالب البصري (optic chiasm) ثم المسار البصري (optic tract) الذي يتفرع منه مجموعة من الألياف العصبية تذهب إلى الأكيمة العلوية ( superior colliculus) التي تقع في سقف الدماغ المتوسط (midbrain) ومنها إلى النواة الركبية ( pretectal nucleus) ومن ثم نواة إيدنغر-ويستفال ( Edinger-Westphal nucleus) ليخرج منها الألياف الصادرة (efferent fibers) الذاهبة إلى العقدة الهدبية ( ciliary ganglion) ليتفرع منها الألياف التي تتحكم بالعضلة المصرة للحدقة ( iris sphincter muscle).


 أما منعكس الظلام الحدقي (Pupillary dark reflex) فيقوم بتوسيع الحدقة (dilation) في الظلام ولذلك لجمع أكبر كمية من الضوء لتحسين الرؤيا الليلية. وتختلف الدائرة العصبية لهذا المنعكس عن منعكس الضياء الحدقي حيث تذهب الألياف الواردة (Afferent fibers) من الشبكية والعصب البصري والتصالب البصري إلى منطقة تحت المهاد (hypothalamus) ومنها إلى الحبل الشوكي (spinal cord) الذي تتفرع منه ألياف صادرة  تذهب إلى العقدة الرقبية العلوية (superior cervical ganglion) والتي يخرج منها العصب الهدبي الطويل ( long ciliary nerve) الذي يتحكم بالعضلة الموسعة للحدقة (iris dilator muscle). وأما المنعكس الهدبي الشوكي (Ciliospinal Reflex) فيقوم بتوسيع الحدقة لفترة قصيرة عند وخز( pinching) الرقبة والوجه والجذع وأليافه الواردة هي ألياف الألم الرقبية (cervical pain fibers) التي تذهب إلى الحبل الشوكي ومنه إلى العقدة الرقبية العلوية (superior cervical ganglion) والتي يخرج منها العصب الهدبي الطويل الذي يتحكم بالعضلة الموسعة للحدقة.


وأما المنعكس الثالث فهو المنعكس الدهليزي العيني (Vestibulo-ocular Reflex) الذي يقوم بتحريك العينين بإتجاه معاكس لحركة الرأس للحفاظ على تحديق ثابت (steady gaze) نحو المنظر المشاهد لكي لا تتشوه الصور الملتقطة عند حركة الرأس أثناء المشي والركض وغير ذلك من حركات الجسم. وفي هذا المنعكس يقوم النظام الدهليزي في الأذن الوسطى (inner ear's vestibular system) بتحديد إتجاه حركة الرأس الدورانية (rotational) والانتقالية (translational) وإرسال المعلومات الملتقطة إلى مراكز معالجة خاصة في الدماغ ليقوم بإرسالها إلى العضلات المحركة للعين لتحركها باتجاه معاكس لحركة الرأس. وتبدأ الدائرة العصبية لهذا المنعكس من القنوات الهلالية (semicircular canals) التي تلتقط الحركات الدورانية لللرأس حول المحاور الثلاث وتنقلها من خلال العصب الدهليزي (vestibular nerve) ومن خلال العقدة الدهليزية ( vestibular ganglion) إلى الأنوية الدهليزية ( vestibular nuclei ) الواقعة في جذع الدماغ (brainstem) ومنها إلى النواة المبعدة (abducens nucleus) في الدماغ الأوسط وهي المسؤولة عن تنسيق حركة العينين معا. ويخرج من النواة المبعدة مساران من الألياف العصبية أحدهما يذهب مباشرة من خلال العصب المبعد ( abducens nerve) إلى العضلة المستقيمة الجانبية ( lateral rectus muscle) وأما المسار الثاني فيمر من خلال الحزيمة الطولية الوسطية ( medial longitudinal fasciculus) إلى النواة المحركة للعين (oculomotor nucleus)  التي تتحكم بالعضلة المستقيمة الوسطية ( medial rectus muscle) من خلال العصب المحرك للعين ( oculomotor nerve). ويعتبر المنعكس الدهليزي العيني أسرع المنعكسات استجابة في جسم الإنسان وهذا ضروري للحفاظ على رؤية واضحة أثناء الحركات السريعة للجسم حيث لا يتجاوز التأخير الزمني بين حركة الرأس وحركة العين المعاكسة عشرة مللي ثانية.


وأما المنعكس الرابع فهو منعكس التثبيت (fixation reflex) والذي يعمل على تحويل اتجاه النظر إلى الأجسام التي تدخل فجأة مجال الرؤيا الجانبية  لإحدى العينين أو عند اختيار منطقة محددة ضمن مجال الرؤيا لتثبيت النظر عليها داخل مجال الرؤيا المركزية. وتعتبر الأكيمة العلوية ( superior colliculus) التي تقع في سقف الدماغ المتوسط (midbrain) هي المسؤولة عن تحديد اتجاه التحديق (gaze orientation) حيث تستلم الإشارات الواردة من مناطق محددة في القشرة البصرية ( visual cortex) فتقوم بإرسال إشارات التحكم إلى النواة المحركة للعين ( oculomotor nuclei)) وكذلك نواة إيدنغر-ويستفال ( Edinger-Westphal nucleus) ومنها إلى عضلات العين.


أما المنعكس الخامس فهو منعكس القرنية أو الرمش (Corneal (Blink) Reflex)) أو منعكس الجفن (eyelid reflex) والذي يقوم بإغلاق العينين عند تعرض سطح القرنية للمس من قبل مؤثر خارجي (tactile stimulation of the cornea). وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من النهايات العصبية الحرة في القرنية (free nerve endings in cornea) التي تتجمع في الفرع الأنفي الهدبي (nasociliary branch) ثم في الفرع العيني ( ophthalmic branch) ثم في العصب الثلاثي التوائم (trigeminal nerve). وتحمل هذه الأعصاب الواردة (afferent fibers) الإشارات إلى مركز التحكم في النواة النخاعية الثلاثية التوائم (spinal trigeminal nucleus) الموجودة في جذع الدماغ ( brainstem). وتقوم الفروع الوجنية (zygomatic) والصدغية (temporalللعصب الوجهي ( facial nerve) بنقل إشارات التحكم من الأنوية الوجهية (bilateral facial nuclei) إلى العضلة الدويرية العينية (orbicularis oculi muscle) التي تغلق الجفن عند الرمش.


وأما المنعكس السادس فهو المنعكس الدمعي (Lacrimatory Reflex) والذي يقوم بإفراز الدمع (Tear secretion) لتنظيف قرنية العين عند تعرضها للمؤثرات الفيزيائية والكيميائية والضوء الشديد والدخان والرياح وعند التقيوء والكحة والتثاؤب وعند الإستجابات العاطفية (Emotional responses) كالحزن والفرح والبكاء.  وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من النهايات العصبية في القرنية والملتحمة (conjunctiva) التي تتجمع في الفرع العيني ( ophthalmic branch) ثم في العصب الثلاثي التوائم (trigeminal nerve) لتذهب إلى نواة المنعكس الدمعي (lacrimal nucleus) في الدماغ المتوسط (midbrain). ويرتبط المنعكس الدمعي بالنواة اللعابية الموجودة في جسر الدماغ التي يخرج منها مجموعة من الألياف الخاصة بهذا المنعكس  لتذهب بواسطة العصب الوجهي ( facial nerve) إلى الغدد الدمعية (lacrimal glands) الموجودة في الزاوية العلوية الخارجية لمحجر العين.


 وأما المنعكس السابع فهو المنعكس الحركي البصري (optokinetic reflex) والذي يمكن العين من تتبع أو تعقب (pursuit) حركة الهدف أثناء دخوله في مجالها البصري (visual field) حتى خروجه منها وذلك عند ثبات الرأس. وفي هذا المنعكس تبدأ العين بتتبع الهدف المتحرك من خلال حركة تتبعية سلسة (smooth pursuit) ثم تعود من خلال حركة سريعة (fast saccade) إلى اتجاه الرؤيا الذي كانت عليه في بداية عملية التتبع.  وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من خلايا حساسة للإتجاه (direction-selective cells) موجودة في شبكية العين تقوم بتحديد إتجاه وسرعة حركة الهدف (direction and speed of movement) وإرسال المعلومات إلى النظام البصري المساعد (accessory optic system) المكون من ثلاثة أنوية موجودة في الدماغ المتوسط. يقوم النظام البصري المساعد بإرسال المعلومات المعالجة إلى النواة المحركة للعين ( oculomotor nuclei)) وكذلك نواة إيدنغر-ويستفال ( Edinger-Westphal nucleus) لتوليد الإشارات اللازمة لتحريك عضلات العين ونقلها من خلال العصب المحرك للعين ( oculomotor nerve).


وأما المنعكس الثامن فهو منعكس الخطر(menace reflex) والذي يقوم بإغلاق جفن العين بشكل غير إرادي ( involuntarily) وسريع عند إقتراب جسم ما بشكل مفاجيء من العين (sudden approaching object) وذلك لحماية العين من هذا الخطر. وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من الشبكية ثم العصب البصري ثم التصالب البصري ثم القشرة البصرية التي ترسل الأوامر الى القشرة الحركية (motor cortex) ومنها إلى  جذع الدماغ ( brainstem) ومنه إلى العصب الوجهي ( facial nerve) الذي ينقل إشارات التحكم إلى العضلة الدويرية العينية (orbicularis oculi muscle) لتغلق الجفن.


وأما المنعكس التاسع فهو منعكس البهر (dazzle reflex) والذي يقوم بإغلاق جفن العين بشكل غير إرادي ( involuntarily) وسريع عند تعرض العين لضوء ساطع ومفاجيء (sudden bright light) وذلك لحماية المستقبلات الضوئية في الشبكية من الخراب. وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من الشبكية ثم العصب البصري ثم التصالب البصري ثم المسار البصري (optic tract) الذي يتفرع منه مجموعة من الألياف العصبية تذهب إلى الأكيمة العلوية ( superior colliculus) التي تقع في سقف الدماغ المتوسط التي ترسل الأوامر من خلال العصب الوجهي ( facial nerve) إلى العضلة الدويرية العينية (orbicularis oculi muscle) لتغلق الجفن.


وأما المنعكس العاشر فهو المنعكس الجفني المحرك للعين(Palpebral oculogyric reflex (Bell’s phenomenon)) والذي يقوم بتحريك مقلة أو كرة العين (eyeball) نحو الأعلى والخارج عند محاولة إغلاق الجفون بقوة (forcibly closed) وذلك لحمايتها من المؤثرات الخارجية. وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من النهايات العصبية الموجودة في الجفن العلوي التي ترسل إشارات اللمس من خلال العصب الوجهي (facial nerve) إلى مركز التحكم في النواة المحركة للعين ( oculomotor nuclei)) التي تقوم بإرسال إشارات التحكم من خلال العصب المحرك للعين (oculomotor nerve) إلى العضلة المستقيمة العلوية (superior rectus muscle).


وأما المنعكس الحادي عشر فهو المنعكس العيني القلبي (Oculocardiac reflex) والذي يقوم بتخفيض معدل نبضات القلب عند الضغط على كرة العين أو حصول شد في عضلاتها وتنخفض حدة المنعكس مع ثبات المحفز أو استمراره لفترة طويلة. وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من النهايات العصبية الموجودة في عضلات العين التي تنقل الإشارات العصبية إلى العقدة الهدبية ( ciliary ganglion) ثم  إلى الفرع العيني (ophthalmic branch)  الخاص بالعصب ثلاثي التوائم ( trigeminal cranial nerve) ثم النواة الحشوية الحركية ( visceral motor nucleus) الخاصة بالعصب الحائر الموجودة في التكوين الشبكي  (reticular formation) في جذع الدماغ (brain stem). وتصدر إشارات التحكم  من مركز القلب ( cardiovascular center) الموجود في النخاع المستطيل (medulla oblongata) لتنقل من خلال العصب الحائر (vagus nerve) إلى العقدة الجيبية الأذينية ( sinoatrial node) في القلب لتخفيض نبضاته.


 وأما المنعكس الثاني عشر فهو المنعكس العيني التنفسي (Oculo-respiratory reflex) والذي يعمل على تخفيض معدل التنفس وعدم إنتظامه وربما توقفه عند الضغط على كرة العين أو حصول شد في عضلاتها. وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من النهايات العصبية الموجودة في عضلات العين التي تنقل الإشارات العصبية إلى العقدة الهدبية ( ciliary ganglion) ثم  إلى الفرع العيني (ophthalmic branch)  الخاص بالعصب ثلاثي التوائم ( trigeminal cranial nerve) لتذهب إلى مركز التنفس (respiratory center) الموجود في الجسر (pons)والذي يرسل إشارات التحكم  من خلال أعصاب التنفس (respiratory nerves) إلى الرئتين.


وأما المنعكس الثالث عشر فهو المنعكس العيني القيئي (Oculo-emetic reflex) والذي يسبب الغثيان (nausea) والتقيوء (vomiting) عند تعرض عضلات العين الخارجية(extraocular muscles) للإجهاد الشديد.  وتتكون الدائرة العصبية لهذا المنعكس من النهايات العصبية الموجودة في عضلات العين التي تنقل الإشارات العصبية إلى العقدة الهدبية ( ciliary ganglion) ثم  إلى الفرع العيني (ophthalmic branch)  الخاص بالعصب ثلاثي التوائم ( trigeminal cranial nerve) لتذهب إلى نواة الإحساس الرئيسية (main sensory nucleus) ثم إلى مركز التقيوء (vomiting center) الموجود في في النخاع المستطيل (medulla oblongata).