وفي أنفسكم أفلا تبصرون -التمثيل الغذائي
الدكتور منصور أبو شريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
إن أحد أهم أسرار الحياة هو قدرة الخلايا الحية على تصنيع كل ما يلزمها من
مواد عضوية تستخدمها لتحقيق أغراض مختلفة في أجسام الكائنات الحية. إن الغرض الأول
من هذه المواد العضوية هو تصنيع جميع مكونات الخلية وكذلك تصنيع خلايا جديدة من
الخلايا القديمة وذلك لتصنيع كائنات جديدة من
الكائنات القديمة أو لتعويض ما يموت من خلايا الجسم. أما الغرض الثاني فهو استخدامها لتخزين الطاقة
اللازمة في روابطها الكيميائية وذلك لحين استخدامها في عملياتها الحيوية وكذلك
استخلاص الطاقة من هذه المواد وإيداعها في
جزيئات خاصة تسمى الجزيئات الحاملة للطاقة والتي تمكن الخلايا من تصنيع ما يلزمها
من هذه المواد العضوية. وتعرف عمليات تصنيع المواد العضوية وكذلك عمليات تحطيمها
لاستغلال طاقتها بالتمثيل الغذائي (Metabolism)
والذي يسمى أيضا الاستقلاب أو الأيض وهو يتكون من عدد لا حصر له من التفاعلات الكيميائية التي يطلق عليها اسم المسارات الأيضية. وينقسم الأيض إلى نوعين رئيسيين وهما الهدم والبناء فالهدم
أو التحطيم Catabolism))
هو عملية تحطيم جزيئات المواد العضوية المعقدة للحصول على جزيئات مواد عضوية أبسط
تركيبا وذلك لأغراض مختلفة كاستخدام هذه
المواد العضوية البسيطة لبناء مواد عضوية معقدة جديدة وكذلك الحصول على الطاقة
الكيميائية المخزنة في روابطها لاستخدامها
في عمليات الأيض المختلفة. أما البناء (Anabolism)
فهو عملية يتم فيها بناء جزيئات عضوية
معقدة من جزيئات عضوية بسيطة وذلك لأغراض مختلفة كإنتاج مواد عضوية كالبروتينات
لعمليات بناء الأنسجة أو مواد عضوية كالأحماض النووية لتخزين ونقل المعلومات
الوراثية أو مواد عضوية كالكربوهيدرات لتخزين الطاقة الزائدة عن حاجة الجسم أو
مواد عضوية كالإنزيمات لتحفيز التفاعلات الكيميائية.
إن في عمليات الأيض من المعجزات ما لا يمكن حصرها ولا زال كثير من أسرارها
وآلياتها لم يكتشفها العلماء بعد . إن المعجزة الأولى من معجزات الأيض هو قدرة
الخلايا على تصنيع مئات الآلاف من الجزيئات المختلفة في خصائصها من أربعة عناصر
رئيسية وهي الكربون والهيدروجين والأوكسجين والنيتروجين. أما المعجزة الثانية فهي
أن آلاف التفاعلات الكيميائية تتم في نفس الوقت وفي نفس الحيز وهي خلية لا تتجاوز
أبعادها عدة ميكرومترات وذلك بفضل اختراع مذهل وهو أن أي تفاعل لا يمكن أن يحدث
إلا بمساعدة جزيء خاص بهذا التفاعل يسمى الإنزيم. أما المعجزة الثالثة فهي أنه
يمكن للخلية أن تنتج الكمية التي تحتاجها من جزيء ما بدون زيادة أو نقص وذلك من
خلال التحكم بعدد الإنزيمات التي تتحكم بالتفاعل الذي ينتج ذلك الجزيء. أما
المعجزة الرابعة فهي أن معظم المواد العضوية التي يتم إنتاجها في الخلية لا تتم من
خلال تفاعل واحد فقط بل تحتاج إلى سلسلة من التفاعلات التي قد يصل عددها إلى عشرين
تفاعلا وتسمى هذه السلسلة بالمسار الأيضي. وتتم تفاعلات المسار الأيضي الواحد على
التوالي بترتيب منقطع النظير وذلك بفضل وجود الإنزيمات حيث لا يقوم أي إنزيم
بمهمته إلا بعد أن يقوم الإنزيم الذي يسبقه بمهمته. أما المعجزة الخامسة فهي أن
المواد الوسيطة التي تنتجها بعض المسارات الأيضة يتم استخدامها من قبل مسارات
أيضية أخرى لإنتاج موادها مما يعني وجود تداخل بين عمل المسارات الأيضية الأخرى.
إن ما يحدث من تفاعلات كيميائية في داخل خلايا الجسم يفوق حد الوصف وإن الإنسان
لينتابه شيء من الخوف وهو يقرأ عنها إذا ما علم أن غياب إنزيم واحد من بين عشرات
الآلاف من الإنزيمات كفيل بتعطل مسار أيضي كامل وبالتالي مرض الجسم ومن ثم
موته. لقد أفنى كثير من علماء الكيمياء
الحيوية أعمارهم في دراسة مسار أيضي واحد ولم يتمكنوا من كشف جميع أسراره ورغم
كثرة الباحثين في هذا المجال إلا أن كثير من أسرار المسارات الأيضية لا زالت عصية
على الحل. وفي المقابل نجد أن أكثر الناس وخاصة العلماء العاملين في هذا المجال لا
يتساءلون عمن قام بتصميم جميع هذه المسارات البالغة التعقيد والتي تعمل بكفاءة
منقطعة النظير لفترات زمنية طويله بل بلغ الجحود بهم أن ينسبوا تصميمها
للصدفة!
الإنزيمات
إن أهم ما يميز عمليات الأيض في أجسام الكائنات الحية هي أنها تتم عند درجة
حرارة منخفضة نسبيا وهي درجة حرارة الجو المحيط وذلك من خلال مواد محفزة وهي
الإنزيمات حيث يلزم لكل تفاعل كيميائي إنزيم خاص به. إن وجود الإنزيمات (Enzymes) في أجسام الكائنات الحية يدل
دلالة قاطعة على أن من أودعها هذه الأجسام خالق لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه
وتعالى وذلك لأسباب ستتضح من خلال الشرح التالي. وتستخدم الإنزيمات لهدفين رئيسيين
أولهما استخدامها كمحفزات (catalysts)
تعمل على زيادة سرعة التفاعلات الكيميائية (chemical
reactions) في
داخل وخارج خلايا الجسم علما بأن معدل هذه التفاعلات عند درجة حرارة أجسام
الكائنات الحية لا يكاد يذكر في غياب الإنزيمات. أما الهدف الثاني فهو تمكين
الخلية وكذلك شريط الحامض النووي من التحكم بسير هذه التفاعلات حيث لا يمكن
للجزيئات العضوية المختلفة الموجودة في نفس الحيز من التفاعل بمعدلات تذكر إلا
بوجود الإنزيمات وهي شكل من أشكال البروتينات التي يتم إنتاجها فقط بأوامر من
الشريط الوراثي. ولو قدر للتفاعلات
الكيميائية بين الجزيئات العضوية الموجودة في داخل الخلايا أن تتم بدون وجود
الإنزيمات لما كان بإمكان الخلايا أن تقوم بوظائفها المختلفة أبدا حيث أن هذه
الجزيئات ستقوم بالاتحاد ببعضها البعض بطريقة عشوائية منتجة مركبات لا حاجة للخلية
بها. ويقدر العلماء عدد
أنواع الإنزيمات الموجودة في أجسام الكائنات الحية بخمسين ألف نوع مما
يعني أن عدد أنواع التفاعلات الكيميائية التي تجري في هذه الأجسام يساوي عدد هذه
الإنزيمات حيث أن الإنزيم الواحد لا يصلح إلا لتفاعل كيميائي واحد على الأغلب.
والإنزيمات هي عبارة عن جزيئات بروتينية ضخمة نسبيا تعمل
كما ذكرنا آنفا على زيادة سرعة التفاعلات الكيميائية في الخلية ولكن بطريقة محكومة .ومن أهم خصائص الإنزيمات أنها تقوم بوظيفتها دون أن يتم استهلاكها مما يعني أن عدد جزيئات النوع
الواحد من الإنزيمات قليل نسبيا في الخلية الواحدة. أما الخاصية الثانية فهي أنها على درجة
عالية جدا من التخصص حيث أن كل نوع من أنواع التفاعلات الكيميائية يلزمه نوع خاص من الإنزيمات وهذا
ضروري لتحقيق الهدف الثاني من استخدام الإنزيمات وهي تمكين الخلية من التحكم بسير
هذه التفاعلات. أما الخاصية الثالثة فهي تقليل طاقة التنشيط (activation energy) اللازمة لبدء التفاعل الكيميائي بحيث يتم عند درجات حرارة منخفضة وهي درجات
حرارة جو الأرض. لقد وضع العلماء عدة فرضيات لطريقة عمل الإنزيمات والتي من أهمها
فرضية القفل والمفتاح (Key-Lock postulate) والتي مفادها أن الموقع النشط (active
site) في جسم
الإنزيم يتكون من شكلين متجاورين ثلاثيي الأبعاد يتوافق كل منهما مع شكل أحد
الجزيئين المراد تفاعلهما أو ربطهما. وإذا كانت الأشكال الموجودة على جسم جزيء
الإنزيم على شكل تجاويف فإن أشكال الجزيئات المتفاعلة يجب أن تكون على شكل بروزات
بحيث يمكنها التراكب مع تجاويف الإنزيم كما تتراكب بروزات المفتاح مع تجاويف القفل
أو العكس. ويقوم الإنزيم بعمله المنشط من خلال الإمساك بأحد الجزيئين في المكان
المخصص له في الموقع النشط إلى حين أن
يمسك بالجزيء الآخر ووضعه في المكان المقابل المخصص له وبهذا تكون المسافة بين
الجزيئين من الصغر بحيث يتم التفاعل الكيميائي بين الجزيئين. وبمجرد أن يتم
التفاعل بين الجزيئين وإنتاج الجزيء الجديد فإن الإنزيم يقوم بإفلاتهما ليقوم
بتفاعل جديد ومن الواضح أن ارتباط الجزيئات بالإنزيم كان بطريقة ميكانيكية وليس
كيميائية. وعلى هذا فإن مهمة الإنزيم هي زيادة احتمالية التقاء الجزيئات المتفاعلة
وتقريبهما من بعضهما البعض ليتسنى لهما أن يتفاعلا وبدون ذلك فإن احتمالية التقاء
الأجزاء القابلة للتفاعل في أجسام الجزيئين تكاد تكون معدومة. ولهذا فإن معدل سرعة
التفاعلات الكيميائية بين الجزيئات بوجود الإنزيمات يزيد بعشرة آلاف مليون مرة عن
المعدل في حالة غيابها. وتتفاوت الإنزيمات تفاوتا كبيرا في عدد الجزيئات التي تقوم
بربطها في الثانية الواحدة فأبطأها جزيء واحد في الثانية بينما يصل أسرعها إلى نصف
مليون جزيء في الثانية الواحدة.
ويتأثر نشاط الإنزيمات وبالتالي سرعة التفاعلات الكيميائية بثلاثة عوامل
رئيسية وهي درجة الحرارة والرقم الهيدروجيني وتركيز الإنزيم. فنشاط الإنزيم يزداد
خطيا مع زيادة درجة الحرارة حيث أن الحرارة تزيد من حركة الجزيئات وتزيد بالتالي
من احتمالية التقاء هذه الجزيئات مع الإنزيمات ولكن وجد أن زيادة درجة الحرارة عن
40 درجة مئوية يؤدي هبوط النشاط الإنزيمي بسبب أن التركيب المميز للإنزيم يبدأ
بالتغير بسبب ارتفاع درجة الحرارة وبذلك يفقده القدرة على الإمساك بالجزيئات
المتفاعلة. ولكل إنزيم من الإنزيمات درجة حرارة مثلى يكون عندها نشاط الإنزيم أعلى ما يكون والدرجات المثلى للإنزيمات الموجودة في جسم الإنسان
تتراوح بين 35 و 40 درجة مئوية. أما العامل الثاني فهو
الرقم الهيدروجيني (PH) حيث أن كل إنزيم يعمل بطريقة مثلى في وسط له رقم هيدروجيني محدد فعلى سبيل المثال
فإن إنزيم الببسين الذي تفرزه المعدة لا يعمل إلا في وسط شديدة الحموضة حيث يبلغ
الرقم الهيدروجيني إثنان بينما لا يعمل إنزيم التربسين إلا في وسط قاعدي برقم
هيدروجيني يبلغ الثمانية. أما العامل الثالث فهو تركيز الإنزيم حيث تزداد سرعة
التفاعلات الكيميائية مع زيادة تركيز الإنزيم طالما أن تركيز الجزيئات المتفاعلة
عاليا أما إذا انخفض تركيزها فإن زيادة تركيز الإنزيم لا يجدي نفعا حيث أن الفائض
منها لا يجد ما يعمله.
ويتم التحكم بالنشاط الإنزيمي من خلال آليتين
رئيسيتين وهما التحكم من خلال الشريط الوراثي (Genetic
Regulation) والتحكم من
خلال منع الإنزيمات الموجودة في الخلية من القيام بمهمتها (Inhibition
regulation). ففي النوع
الأول من التحكم يقوم الشريط الوراثي بإعطاء الأوامر لإنتاج الكمية المطلوبة من
الإنزيمات بدون زيادة أو نقصان ولذلك يسمى أيضا التحكم بتركيز الإنزيمات (enzyme concentration control).
وينتج الشريط الوراثي الإنزيمات إما ذاتيا وذلك عندما يقوم بتنفيذ برنامج تصنيع
معين وإما بعد أن يستلم إشارات تحثه على إنتاج نوع معين من الإنزيمات كالإشارات
التي تحملها الهرمونات أو تلك التي تطلقها الخلايا المناعية. أما النوع الثاني
فيشمل عدة أنواع فرعية وهي المنع التنافسي (competitive
inhibition)
والمنع أو التحفيز غير التنافسي ( Noncompetitive Inhibition or activation) والمنع بالتغذية الراجعة (Feedback Inhibition). ففي المنع التنافسي تقوم جزيئات غير الجزيئات المراد تفاعلها
والتي تسمى الجزيئات الدخيلة والتي لها نفس شكل الجزيئات الأصيلة باحتلال الموقع
النشط للإنزيم وبذلك فهي تمنع إرتباط الجزيئات المتفاعلة بجسم الإنزيم فتحول بذلك
دون تفاعلها. وتستخدم هذه الطريقة في المنع في كثير من الأدوية حيث يتم تصنيع
جزيئات دخيلة لها نفس شكل الجزيئات الأصيلة فتنافسها على الارتباط بالإنزيمات
فتقلل من نشاطها. أما في المنع أو التحفيز غير التنافسي فيتم استخدام إنزيمات ذات
بنية خاصة وتسمى الإنزيمات المحكومة (allosteric enzymes) واتي
تحتوي أجسامها على موقع تحكم إلى جانب الموقع النشط. وعندما ترتبط جزيئات التحكم
بموقع التحكم فإنها تعمل على تغيير شكل
الموقع النشط بحيث إما أن تحفزه أو تمنعه من الارتباط بالجزيئات المتفاعلة. فعلى سبيل المثال فإن جزي البنسلين يقوم
بالارتباط بجسم الإنزيم الذي يقوم بتصنيع
جدار خلية البكتيريا فيبطل عمله وبذلك يمنع تكاثر البكتيريا. أما المنع بالتغذية الراجعة فيتم من خلال قيام
أحد الجزيئات التي تنتجها المسارات الأيضية بالإرتباط بجسم الإنزيم الأول فيثبط عمله ليمنعه من إنتاج
مزيد من هذه الجزيئات أي أنه يستخدم التغذية الراجعة السلبية (negative feedback). ويستخدم المنع بالتغذية الراجعة للتحكم في النشاط الإنزيمي في
كثير من عمليات الأيض في الخلايا الحية حيث يتم ضبط معدلات الأيض فيها حول قيم
محددة مسبقا.
مرافقات الإنزيمات
مرافقات الإنزيمات (coenzymes) هي
نوع من أنواع العوامل المساعدة (cofactor) التي
تقوم بمساعدة الإنزيمات على القيام بوظائفها المختلفة في أجسام الكائنات الحية.
وتنقسم العوامل المساعدة من حيث نوع المواد المستخدمة فيها إلى عضوية وغير عضوية
ومن حيث درجة ارتباطها بهذه البروتينات إلى ضعيفة الارتباط (loosely-bound
cofactors) أو قوية
الارتباط (tightly-bound cofactors). وتصنف العوامل المساعدة إلى ثلاثة أصناف وهي مرافقات الإنزيمات
(coenzymes)
والفيتامينات (Vitamins) وأيونات المعادن (Metal ions). وعلى العكس من الإنزيمات التي يصل عددها أنواعها إلى 50 ألف نوع فإن عدد مرافقات الإنزيمات أقل من
ذلك بكثير ولذا فإن الواحد منها يقوم بمساعدة أنواع كثيرة من الإنزيمات وذلك حسب
نوع التفاعل الكيميائي. وإذا كانت مهمة الإنزيمات هو الإمساك بجزيئات المواد
المتفاعلة ووضعها بجانب بعضها البعض في موقعها النشط فإن مهمة المرافقات هو توفير
الطاقة اللازمة لإحداث التفاعل بين الجزيئات التي أمسك بها الإنزيم. ولذلك تتميز
مرافقات الإنزيمات بأن جزيئاتها غنية جدا بالطاقة وبعد أن تقوم هذه المرافقات بتفريغ
طاقتها في المواد المتفاعلة فإنه يلزم إعادة شحنها بالطاقة من جديد من خلال مسارات
الطاقة المختلفة. ويتم تصنيف مرافقات
الإنزيمات من حيث مصادر تصنيعها إلى تلك المشتقة من النيوكليتدات (nucleotides)
وتسمى مرافقات الإنزيمات الأيضية (Metabolite coenzymes) وتلك المشتقة من الفيتامينات (Vitamin-derived
coenzymes).
ويعتبر ثلاثي فوسفات الأدينوسين أو الأتب (adenosine triphosphate
(ATP)) أهم وأشهر مرافقات الإنزيمات التي تستخدمها
الخلايا في جميع عملياتها الحيوية سواء كانت في عمليات الهدم أو في عمليات البناء.
ويقوم هذا الجزيء الصغير الحجم بتوفير الطاقة اللازمة لأي تفاعل كيميائي يجري في داخل الخلايا ولذلك أطلق عليه اسم
الجزيء الناقل للطاقة (energy-transfer molecule)
أو الوحدة الجزيئية للطاقة (molecular
unit of energy) أو عملة الطاقة (energy currency). ويستهلك جسم الإنسان على سبيل المثال ما يعادل وزنه من هذا
الجزيء في اليوم الواحد رغم أن الموجود منه فعليا في الجسم لا يتجاوز وزنه 250
غرام ولكن يتم إعادة تدويره (recycled) بما معدله ألف مرة في اليوم. ويتكون جزيء الطاقة هذا من اتحاد
ثلاثة جزيئات وهي نيوكليتيد الأدينين (adenine nucleotide) أو الأدينوسين (adenosine) وسكر الرايبوز (ribose) وثلاثة مجموعات من الفوسفات (phosphate
groups) والتي
ترتبط ببعضها على شكل سلسلة. ويتم تصنيع هذا الجزيء من جزيء آخر وهو ثنائي فوسفات الأدينوسين أو الأدب (adenosine
diphosphate (ADP))
وذلك من خلال إضافة مجموعة فوسفات واحدة له وهذا الأخير بدوره يتم الحصول عليه من
جزيء أبسط وهو أحادي فوسفات
الأدينوسين (adenosine monophosphate (AMP)) وذلك بإضافة مجموعات فوسفات واحدة له. إن
جزيء الأتب (ATP) سريع الذوبان في الماء وهو في
حالة مستقرة في المحاليل التي يتراوح رقمها الهيدروجيني بين 6,8 و 7,4 ولكنه يبدأ
بالتحلل في الأوساط التي يقع رقمها الهيدروجيني خارج هذا المدى. ويتم تخزين الطاقة
في جزيء الطاقة هذا في الرابطتين الموجودتين بين
مجموعات الفوسفات الثلاث وهي روابط عالية الطاقة (high
energy bonds) وهي من نوع روابط الفوسفوانهيدرايد (phosphoanhydride bonds). ويعطي جزيء الطاقة ما يحمله
من طاقة إلى المواد المتفاعلة من خلال فقده أولا للمجموعة الأخيرة من الفوسفات
ليتحول بذلك إلى ثنائي فوسفات
الأدينوسين (ADP) ومطلقا طاقة تبلغ قيمتها 7300 كالوري لكل مول وعندما يفقد هذا
الأخير المجموعة الثانية من الفوسفات فإنه يعطي كمية أخرى من الطاقة ويتحول إلى
أحادي فوسفات الأدينوسين (AMP).
ومن مرافقات الإنزيمات الحاملة للهيدروجين (hydrogen carrier) والغنية بالطاقة الجزيء المسمى ثنائي نيوكلوتيد النيكوتيناميد
الأدنين أو الناد (Nicotinamide adenine dinucleotide (NAD)) وكذلك الجزيء المسمى ثنائي نيوكلوتيد الفلافين الأدنين أو الفاد
(flavin adenine dinucleotide (FAD)). ويتكون جزي الناد من مجموعتين من الفوسفات (phosphate groups)
يرتبط بهما نيوكلوتيدان وهما النيكوتيناميد (nicotinamide)
والأدنين (adenine) وأما
جزيء الفاد فله نفس تركيب جزيء الناد ولكن مع
استبدال النيكوتيناميد بالفلافين. إن الوظيفة الرئيسية لجزيئات الناد والفاد هو
نقل الإلكترونات فيما بين تفاعلات الأكسدة
والاختزال (REDOX) حيث تعمل هذه الجزيئات كعوامل مؤكسدة (oxidizing agents) تقوم
بأخذ الإلكترونات العالية الطاقة من جزيئات أحد التفاعلات فتتحول إلى جزيي الناده
(NADH) أو جزيء الفاده (FADH) بعد
اتحادها بأيونات الهيدروجين. ومن ثم تعمل جزيئات الناده أو الفاده كعوامل مختزلة (reducing agents) تقوم
بإعطاء الإلكترونات التي اكتسبتها إلى جزيئات تفاعل آخر وتتحول ثانية إلى جزيئات
الناد والفاد ليعاد استخدامها في تفاعلات جديدة. ونظرا لحاجة الخلايا المستمرة
لجزيئات الناد والفاد فإنه يتم تصنيعها من مواد عضوية بسيطة مختلفة ومن خلال
مسارات أيضية مختلفة حيث يتم تصنيع الناد من بعض الأحماض الأمينية كالترايبتوفان (tryptophan) وحامض الأسباراتيك (asparatic acid)
وكذلك من بعض الفيتامينات كالنايسين (niacin) وأما الفاد
فيتم تصنيعه من فيتامين الريبوفلافين (B2 (Riboflavin)). إن
أهم التفاعلات التي تستخدم جزيئات الناد والفاد هي تلك التي تقوم بنقل الطاقة من
المواد العضوية المختلفة إلى جزيء الطاقة المسمى الأتب (ATP) من
خلال المسار الأيضي المسمى السلسلة الناقلة للإلكترونات والتي تتم في
الميتوكندريون كما سنشرح ذلك لاحقا.
ومن مرافقات الإنزيمات البالغة الأهمية مرافق
الإنزيم ألف (Coenzyme A) والذي يلعب دورا كبيرا في المسار الأيضي المسمى دورة كريبس (Krebs cycle) حيث يقوم بأكسدة جزيء االبايروفيت (pyruvate)
الناتج من تحلل سكر الجلوكوز وتحويله إلى جزيء الأسيتيل (acetyl) ثم يتحد معه ليكون جزي الأسيتيل- (acetyl-
CoA) وينقله إلى
الميتوكندريون حيث تتم دورة كريبس.
ويستخدم هذا المرافق أيضا في مسارات تصنيع الدهون كناقل لمجموعة الأسيل (acyl group carrier)
وكذلك في عملية تصنيع الإنزيمات. ويتم
تصنيع هذا المرافق من فيتامين البانتوثينيت
(B5 (Pantothenate)) من خلال مسار أيضي مكون من خمسة خطوات. أما مرافق الإنزيم (Coenzyme Q10) فهو أحد أهم إنزيمات الميتوكندريا ويلعب دورا مهما في توليد الطاقة في مسار
السلسلة الناقلة للإلكترونات ويتم تصنيعه من حامض أميني وهو التيروسين (tyrosine).
وأما الفيتامينات التي تستخدم كمرافقات إنزيمات
فهي فيتامين الثايمين (B1 (thiamine)) والذي يلعب دورا في تكوين ثاني أكسيد الكربون في مسار التنفس
الخلوي وكذلك في مسار تصنيع السكريات الخماسية (pentose
sugars). أما
فيتامينات حامض الفوليك (Folacin (folic acid)) والبيوتين (Biotin) فتستخدم في المسارات الأيضية الخاصة ببناء وهدم الدهون والأحماض
الأمينية والنووية وكذلك الأجسام المضادة. أما فيتامين البايردوكسين (B6 (pyridoxine))
فيتحول إلى مرافق الإنزيم Pyridoxal-phosphate (PLP)) ) والذي يلعب دورا مهما في نقل الأحماض الأمينية (amino acids groups transfer). أما فيتامين سي (C (ascorbic acid)) فيستخدم كمضاد للأكسدة (antioxidant) ولنقل أيونات الهيدروجين وتصنيع الكولاجين (collagen).
التفاعلات الكيميائية
التفاعلات الكيميائية (chemical reaction) هي عمليات يتم فيها تكسير بعض روابط المواد المتفاعلة وإنتاج روابط جديدة بين عناصر هذه المواد مما يؤدي إلى تكوين مواد جديدة مختلفة في صفاتها الكيميائية والفيزيائية. ويوجد أنواع مختلفة من التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الخلايا من أهمها التفاعل التركيبي (synthesis reaction) وفيه يتم اتحاد مركبين أو أكثر لتكوين مركب جديد وهو ما يسمى بالبناء. أما النوع الثاني فهو التفاعل التحللي (decomposition reaction) وفيه يتم تحليل مركبات معقدة إلى مركبين أو أكثر أقل تعقيدا وهو ما يسمى بالهدم أو التحطيم. إن معظم التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الخلايا فيما بين المواد العضوية المختلفة هي تفاعلات يتم فيها أكسدة (Oxidation) بعض المواد المتفاعلة وإختزال (Reduction) البعض الآخر ولذا يطلق عليها اسم تفاعلات الأكسدة والإختزال (oxidation-reduction reactions) والتي يتم اختصرها بالإنكليزية بكلمة (Redox). ففي الأكسدة تفقد بعض المواد المتفاعلة إلكتروناتها لصالح المواد الأخرى بينما في الاختزال تكسب بعض المواد إلكترونات من المواد المتفاعلة معها. ومن الواضح أن التفاعلات من هذا النوع يتم فيها كلتا العمليتين وهما الأكسدة والإختزال في نفس الوقت ويطلق اسم المؤكسدات (Oxidizers) على المواد التي تسحب الإلكترونات من المواد الأخرى واسم المختزلات (Reducers) على المواد التي تعطي إلكتروناتها للمواد الأخرى.
ومن هذه
التفاعلات ما يسمى بالتحليل المائي (hydrolysis)
وهو تفاعل كيميائي يتم فيه انقسام جزيء كبير إلى جزيئين أصغر حجما ويلزم فيه إضافة
جزيئ من الماء إلى الجزيئين الناتجين وذلك من خلال تحلل الماء إلى أيون الهيدروجين
(hydrogen ion (H+))
الذي يرتبط بأحد الجزيئين ومجموعة الهيدروكسايل (hydroxyl group (OH−))
التي ترتبط بالجزيء الآخر. ويستخدم هذا التفاعل في مسارات أيضية مختلفة من أهمها
عمليات الهضم التي تجري في الجهاز الهضمي حيث يتم تحويل المواد العضوية المعقدة
كالبروتينات والدهون والكربوهيدرات إلى مواد عضوية بسيطة يسهل امتصاصها من قبل
الخلايا المبطنة للأمعاء بمساعدة الإنزيمات المائية (hydrolytic
enzymes). أما التركيب بإزالة الماء (dehydration synthesis) فهو تفاعل كيميائي يعمل بعكس
التحليل المائي (hydrolysis)
حيث يتم اتحاد جزيئين صغيرين لإنتاج جزي أكبر وذلك بعد أن يقوم أحدهما بالتخلص من
أيون الهيدروجين والأخر بالتخلص من مجموعة الهيدروكسيل ليكونا جزي الماء. ويستخدم
هذا التفاعل لبناء جزيئات عضوية معقدة من جزيئات عضوية بسيطة.
المسارات الأيضية
إن
عملية بناء جزيئات عضوية معقدة من جزيئات عضوية بسيطة أو العكس في عملية الهدم لا
تتم في الغالب في خطوة واحدة وباستخدام إنزيم واحد فقط بل تتم في عدة خطوات (sequences)
وباستخدام عدد من الإنزيمات يساوي عدد هذه الخطوات على الأغلب. وتتم عمليات الأيض المختلفة من خلال المرور
بمسارات محددة تسمى المسارات الأيضية (metabolic
pathways) وفي هذه
المسارات يتم تحويل الجزيء الإبتدائي (initial
molecule) إلى جزيئات
عضوية وسيطة (Intermediate molecules)
بشكل متسلسل إلى أن يتم إنتاج الجزيء النهائي (Final molecule).
إن كل تفاعل من سلسلة التفاعلات التي تتم في المسار الأيضي يحتاج إلى إنزيم خاص به
يقوم بتحويل إحدى المواد الوسيطة والتي تسمى الركيزة (substrate)
إلى مادة وسيطة جديدة وهكذا دواليك. وتتفاوت المسارات الأيضية في عدد الإنزيمات
التي تلزمها فمنها القصيرة التي تتم بإنزيم واحد ومنها الطويلة التي يصل عدد
الإنزيمات فيها إلى عشرين. ويستخدم الجزيء
النهائي إما كمنتج نهائي (end-product) يستخدم في مختلف وظائف الخلية أو كجزيء
ابتدائي لمسار أيضي آخر أو يتم تخزينه في الجسم لحين الحاجة إليه. إن معظم
المسارات الأيضية من النوع غير المنعكس (Irreversible) والذي يعني أن المسار الأيضي الذي يقوم
بتحويل أحد الجزيئات الابتدائية إلى جزيء نهائي لا يمكنه أن يقوم بالعملية العكسية وهي تحوبل الجزيء النهائي إلى
الجزيء الأولي بل يلزم استخدام مسار أيضي آخر للقيام بهذه المهمة العكسية وباستخدام
إنزيمات مختلفة وكذلك جزيئات وسيطة مختلفة.
والمسارات
الأيضية إما أن تكون مسارات خطية (linear
pathways) أو مسارات
حلقية (cyclic pathways).
ففي المسار الخطي يتم استخدام الجزيئات الناتجة في كل خطوة من خطوات المسار الأيضي
لإنتاج الجزيئات في الخطوة التالية وهكذا دواليك إلى أن يتم إنتاج المنتج النهائي.
أما في المسار الحلقي فيتم استخدام بعض جزيئات التفاعلات الكيميائية في الخطوات
اللاحقة في إنتاج جزيئات الخطوات السابقة
أو بمعنى آخر يتم إعادة تغذية المسار الأيضي ببعض نواتجه إلى جانب تغذيته
بالجزيئات الأولية. وتتضح طريقة عمل المسار الحلقي من المثال الموضح في الشكل
المرفق حيث أن جزي A هو الجزيء الابتدائي وجزيء E هو
الجزيء النهائي. ولا يمكن لهذا المسار الأيضي الحلقي أن يعمل بشكل متواصل إلا إذا
تم تغذيته بأحد نواتجه وهو الجزيء F. ومن الواضح أنه يلزم لبدء عمل هذا المسار
الحلقي وجود جزيء واحد على الأقل من النوع F وإذا ما دارت عجلة هذا المسار فإنه يقوم
بإنتاج ما يلزمه من هذا الجزيئات. إن أحد ألغاز ظاهرة الحياة على الأرض هو من أين
جاءت هذه الجزيئات الوسيطة التي قامت بتدوير عجلات هذه المسارات الأيضية الحلقية
والتي من أهمها دورة حامض الستريك والتي تنتج سكر الجلوكوز من الماء ومن ثاني
أكسيد الكربون كما سنشرح ذلك فيما بعد.
إن عملية تحويل مركب عضوي ما إلى مركب عضوي آخر
من خلال المسار الأيضي الخاص بذلك تتم من خلال إزالة أو نقل أو إضافة (removal,
transfer, or addition)
أحد الذرات أو الجزيئات أو مجموعة وظيفية (functional
group). ويوجد عدد
كبير من المجموعات الوظيفية التي عندما ترتبط بالهيكل الكربوني تعطي الجزيئات
الناتجة خصائص فريدة تقوم بالوظائف التي صممت من أجلها هذه الجزيئات. وتصنف
المجموعات الوظيفية حسب نوع الذرات المكونة لجزيء المجموعة فالهيدروكربايلات (hydrocarbyls)
تتكون من ذرات الهيدروجين والكربون وتتكون بدورها من عدة أنواع وهي الألكايل(Alkyl)
والألكينايل(Alkenyl)
والالكاينايل (Alkynyl)
والفينايل (Phenyl).
ومجموعة الهالوالكينات (Haloalkanes) تتكون من
ذرات العناصر الهالوجينية مع الكربون وهي الكلوروالكين (chloroalkane) والفلوروالكين (fluoroalkane) والبروموالكين(bromoalkane) واليودوالكين (iodoalkane). والمجموعات الأوكسجينية تحتوي على الأوكسجين مع ذرات الهيدروجين
والكربون كالهيدروكسايل (Hydroxyl) والكربونايل (Carbonyl) والالدهايد (Aldehyde) والكربوكسيل (Carboxyl) وغيرها الكثير. والمجموعات النيتروجينية تحتوي على ذرات
النيتروجين مع ذرات مختلفة كالأميدات (Amides) والأمينات (Amines) والأماينات (Imines) والأمايدات (Imides) وغيرها. والمجموعات الكبريتية تحتوي على ذرات الكبريت مع ذرات
مختلفة (Sulfide) (Sulfinyl) (Sulfonyl) (Sulfino) وغيرها.
والمجموعات الفوسفورية تحتوي على ذرات الفوسفور مع ذرات مختلفة كالفوسفينوات(Phosphinos) والفوسفونوات (Phosphonos)
والفوسفاتات (Phosphates) وغيرها.
مسارات الهدم
يعرف الهدم Catabolism)) على أنه عملية تحطيم لجزيئات المواد
العضوية المعقدة للحصول على جزيئات مواد عضوية أبسط تركيبا وذلك لأغراض
مختلفة كاستخدام هذه المواد العضوية
البسيطة لبناء مواد عضوية معقدة جديدة أو الحصول على الطاقة الكيميائية المخزنة في
روابطها لاستخدامها في عمليات الأيض
المختلفة. وتمر عمليات الهدم بثلاثة مراحل فالمرحلة الأولى هي مرحلة الهضم وفيها
يتم تحويل المواد العضوية المعقدة إلى الوحدات الأساسية المكونة لها وتتم تلك
العملية خارج الخلايا وذلك في الجهاز الهضمي. أماالمرحلتان الثانية والثالثة من
عمليات الهدم فتتمان في داخل الخلايا ففي المرحلة الثانية تتحول جميع أنواع المواد
البسيطة الناتجة من المرحلة الأولى إلى جزيء يسمى الأستيل - المرافق لإنزيم ألف acetyl coenzym A)).
وفي هذه المرحلة من عمليات الهدم ينطلق نحو ثلث الطاقة الكامنة في المادة العضوية.
أما المرحلة الثالثة فيتم فيها تحرير
الثلثين الباقيين من الطاقة الكامنة في المواد العضوية حيث يتم هدم جزيء الأستيل - المرافق لإنزيم ألف ليتحول إلى الماء و ثاني أكسيد الكربون وذلك في المسار الأيضي المسمى دورة كريبس (Krebs cycle).
ويقدر العلماء كمية الطاقة المخزنة في المواد
العضوية الموجودة في جسم إنسان يبلغ وزنه 75 كيلوغرام بما مجموعه خمسمائة مليون
جول تقريبا منها 400 مليون جول في الدهون و 100 مليون جول في البروتينات و 2.5
مليون جول في الكربوهيدرات معظمها في النشا الحيواني أو الجلاكوجين (Glycogen).
إن كمية الطاقة التي يجب أن تتوفر باستمرار في سكر الجلوكوز الموجود في الدم تبلغ
160 كيلوجول وذلك لتزويد خلايا الجسم بالطاقة اللازمة لتشغيل عملياتها الأيضية
المختلفة. وإذا ما علمنا أن معدل إستهلاك الجسم من الطاقة في الثانية الواحدة هو
مائة جول أي ما يعادل استهلاك مصباح كهربائي بقدرة مائة شمعة أو واط فإن كمية
الطاقة الموجودة في سكر الدم لا تكفي الجسم إلا لمدة نصف ساعة تقريبا. إن المصدر
الأول الذي يزود الدم بما يلزمه من سكر الجلوكوز هو الجلاكوجين والذي يتم تخزينه
في الكبد وفي عضلات الجسم حيث يتم تحويله إلى سكر الجلوكوز من خلال المسار الأيضي
المسمى تحلل الجلايكوجين (Glycogenolysis). وعند نفاذ الجلايكوجين فإن الجسم يلجأ إلى
الدهون ليستمد منها الطاقة حيث يتم هدم هذه الدهون المخزنة على شكل جليسيريدات ثلاثية (triglycerides)
أو دهون فوسفاتية (phospholipid) إلى سكر الجلوكوز من خلال مسار الأكسدة
البائية (Beta oxidation).
أما الطاقة المخزنة في البروتينات فلا يلجأ إليها الجسم إلا عند نفاذ طاقة جميع
المصادر الآنفة الذكر ولا يحدث هذا إلا في المجاعات.
الهضم
الهضم (digestion) هو المرحلة الأولى من مراحل الهدم ويتم
فيها تحويل المواد العضوية المعقدة وهي البروتينات والدهون والكربوهيدرات والأحماض
النووية إلى مواد عضوية بسيطة وهي الوحدات الأساسية التي تبنى منها هذه المواد. فالبروتينات يتم تحويلها إلى الأحماض الأمينية (amino
acids) العشرين
باستخدام مجموعة إنزيمات البروتيزات والبيبتيديسات (proteases and peptidases). وأما الدهون فيتم تحويلها إلى الجليسرول (glycerol)
والأحماض الدهنية (fatty acids) باستخدام مجموعة إنزيمات الليبيزات (lipases).
وأما الكربوهيدرات فيتم تحويلها إلى السكريات البسيطة كالجلوكوز والفركتوز
وغيرها باستخدام إنزيمات الكربوهيدريزات (carbohydrases). وأما الأحماض النووية فيتم تحويلها إلى
النيوكليتدات (nucleotides)
باستخدام إنزيمات النيوكليزات (nucleases).
إن الهدف من عملية الهضم هو تمكين المواد العضوية المختلفة من الدخول إلى الخلايا
فجزيئات المواد العضوية المعقدة بسبب كبر
حجمها لا يمكنها من عبور الغشاء الخلوي بينما تدخل جزيئات المواد العضوية البسيطة
بكل سهولة بسبب صغر حجمها. وتتم عملية تحطيم الجزيئات العضوية المعقدة إلى
مكوناتها الأساسية من خلال تفاعل كيميائي
يسمى التحليل المائي (hydrolysis) حيث يلزم إضافة جزيئ من الماء إلى المواد
الناتجة وذلك بعد تحلله إلى أيون الهيدروجين (hydrogen ion (H+)) ومجموعة الهيدروكسايل (hydroxyl group (OH−))
وتسمى مجموعة الإنزيمات التي تحفز هذا التفاعل بالإنزيمات المائية (hydrolytic enzymes).
ويتم تحويل الوحدات الأساسية لجميع أنواع المواد العضوية من خلال مسارات أيضية
مختلفة إلى جزيء بالغ الأهمية وهو الأسيتيل- مرافق الإنزيم ألف (acetyl-CoA) ومن هذا الجزيء يمكن إنتاج ما تحتاجه الخلية من طاقة من خلال أحد
أهم المسارات الأيضية وهو دورة حامض الستريك (Citric acid cycle) أو ما يسمى
دورة كريبس (Krebs cycle).
التنفس الخلوي
التنفس الخلوي (Cellular respiration) هو مجموعة التفاعلات الكيميائية التي تحدث
داخل الخلايا الحية لغرض استخلاص الطاقة الموجودة في روابط المواد العضوية
المختلفة أو ما يسمى بالطاقة البيوكيميائية (biochemical energy)
وإيداعها في جزيء صغير يسمى ثلاثي فوسفات الأدينوسين (adenosine
triphosphate (ATP)). ويتكون التنفس الخلوي من أربعة مسارات أيضية
والتي تتم بالتتابع وهي أولا مسار الانحلال السكري (Glycolysis)
ثم مسار تحلل البايروفيت (Oxidative decarboxylation of pyruvate) وهذان المساران يتمان في سيتوبلازم الخلية.
أما مسار دورة حامض الستريك (Citric acid cycle) ومسار السلسلة الناقلة للإلكترون (electron transport chain) فيتمان في الميتوكندريون. إن المواد العضوية
التي تستخدمها الخلايا للحصول على الطاقة هي أولا السكريات الأحادية وخاصة
سكر الجلوكوز فهو الوقود الرئيسي لجميع مسارات التنفس الخلوي وعند نفاذ كمياته في
الخلايا فإن مسارات أيضية أخرى تقوم بتحويل الجلايكوجين والأحماض الدهنية إلى هذا السكر لكي لا تتوقف
محطات إنتاج الطاقة في الخلايا. وينتج الجزيء الواحد من سكر الجلوكوز بعد مروره في
مسارات التنفس الخلوي المختلفة 38 جزيئا من جزيئات الطاقة وهو الأتب (ATP)
وستة جزيئات من ثاني أكسيد الكربون وستة جزيئات من الماء مع العلم أنه يلزم دخول
ستة جزيئات من الأوكسجين إلى هذه المسارات.
الإنحلال السكري
إن أول
مسارات التنفس الخلوي هو الإنحلال السكري (Glycolysis) وهو مسار أيضي يتم فيه تحويل جزيء واحد من
سكر الجلوكوز (glucose
C6H12O6)
إلى جزيئين من سكر ثلاثي يسمى البايروفيت (pyruvate CH3COCOO− + H+) مع تحرير جزيئين من جزيئات الطاقة (ATP)
وجزيئين من الماء وأكسدة جزيئين من الناده (NADH). وهذا المسار موجود
في خلايا جميع الكائنات الحية ولا يحتاج إلى الأوكسجين لإنتاج الطاقة وكذلك تتم
تفاعلاته في داخل سايتوبلازم الخلية إلا أن كمية الطاقة المنتجة من خلاله قليلة
نسبيا. وهذا المسار ضروري لإتمام بقية مسارات التنفس الخلوي فمحطة توليد الطاقة
الموجودة في الخلايا وهي الميتوكندريون لا يمكنها التعامل مع سكر الجلوكوز مباشرة
بسبب كبر حجمه ولذلك يتم تحطيمه إلى جزيئي البايروفيت الأصغر حجما والتي يمكنها
الدخول في الميتوكندريون. وهذا المسار
يتكون من سلسلة طويلة من التفاعلات الكيميائية حيث يمر بعشرة محطات ينتج خلالها
عشرة أنواع من الجزيئات الوسيطة
بمساعدة عدد مماثل من الإنزيمات. ويحتاج هذا المسار في كل دورة لكي يعمل بشكل
متواصل إلى جزيئين من الناد(NAD+)
وإلى جزيئين من الأتب (ATP) ولذا فإنه يقوم بإنتاج جزيئين من الناده (NADH)
ويقوم كذلك بإنتاج أربعة جزيئات من (ATP) يستخدم منهما إثنان في تغذية الدورة
ويستخدم الأخران لتزويد الخلية بالطاقة.
وينتج في المحطة الثالثة من محطات هذا المسار سكر الفركتوز وهذا يعنى أنه
يمكن بدء هذا المسار من هذه المحطة من خلال تزويده بجزيئات من سكر الفركتوز من
مصدر خارجي بدلا من جزيئات سكر الجلوكوز. إن البايروفيت الناتج من تحلل السكر
يستخدم لأغراض كثيرة أهمها إنتاج جزيئات الطاقة من خلال مسارات أيضية أخرى وذلك
إما بوجود الأوكسجين وهو التنفس الهوائي (Aerobic respiration)
والذي يتم في المسار المسمى دورة كريبس (Krebs
Cycle) أو بدون
الأوكسجين وهو التنفس اللاهوائي (anaerobic) والذي يتم من خلال المسار المسمى بالتخمر (fermentation).
أما الغرض الثاني فهو استخدامه لإنتاج مواد عضوية أخرى يحتاجها الجسم كالأحماض
الدهنية والأحماض الأمينية وفوسفات السكر وذلك من خلال مسارات أيضية بنائية خاصة
بذلك.
ويوجد
مسار بديل للانحلال السكري (Glycolysis) وهو مسار فوسفات البنتوز (pentose phosphate pathway) ويتم فيه تحويل سكر الجلوكوز السداسي إلى
سكر البنتوز الخماسي أي أنه يحتوي على خمسة ذرات من الكربون. إن مهمة هذا المسار
ليس للحصول على الطاقة كما هو الحال في الانحلال السكري بل للحصول على جزيئات
معينة تستخدم لبناء جزيئات بعض المواد العضوية المعقدة كالأحماض النووية
والأمينية. وينتج هذا المسار جزيئين مهمين وهما فوسفات الرايبوز (ribose-5-phosphate
(R5P)) والذي يستخدم في بناء النيوكليوتيدات (nucleotides)
ومن ثم الأحماض النووية (nucleic acids).
أما الجزيء الثاني فهو فوسفات الإريثروز (erythrose-4-phosphate) والذي يستخدم في بناء بعض الأحماض الأمينية
(amino acids).
وينتج هذا المسار أيضا وبكميات كبيرة مرافق الأنزيم النادبه (NADPH)
والذي يقوم بمهام كبيرة في خلايا الجسم منها اختزال بعض الجزيئات الضارة
كالجلوتاثيون (glutathione) .
تحلل البايروفيت
أما المسار الأيضي الثاني من مسارات التنفس
الخلوي فهو تحلل البايروفيت (Oxidative decarboxylation of pyruvate) والذي يتم في داخل الميتوكندريا (mitochondria).
وفي هذا المسار القصير نسبيا تقوم مجموعة من ثلاثة إنزيمات (Pyruvate dehydrogenase complex) بوجود الأوكسجين
بتحويل جزيء البايروفيت إلى مجموعة
الأسيتيل (acetyl group) وجزيء ثاني أكسيد الكربون (CO2). ومن ثم تتحد مجموعة الأسيتيل مع مرافق الإنزيم ألف (coenzyme A) ليكون جزيء الأسيتيل- مرافق الإنزيم ألف (acetyl-CoA) بالإضافة إلى جزيء الناده (NADH) والذي تم الحصول عليه من خلال إضافة أيون هيدروجين وإلكترونين
إلى جزيء الناد (NAD+).
دورة حامض الستريك أو
دورة كريبس
أما المسار الثالث من مسارات التنفس الخلوي فهو ما يسمى بدورة حامض الستريك (Citric acid cycle) أو دورة كريبس (Krebs cycle) نسبة لمكتشفها وهو مسار دوري يتم أيضا في داخل شبكة الميتوكندريا. وتتكون دورة كريبس من ثمانية خطوات تبدأ بدخول جزيء الأسيتيل- مرافق الإنزيم ألف (acetyl-CoA) واتحاده بجزيء الأوكسالو أسيتيت (oxaloacetate) الذي يتم إنتاجه في آخر خطوة من خطوات الدورة ومن ثم يتم تغذيته لمدخلها وذلك لضمان استمراريتها. وفي أول خطوة من خطوات الدورة يتم تحرير مرافق الإنزيم ألف ليعاد استخدامه من جديد بينما يتم أكسدة جزيء الأسيتيل ليتحول إلى حامض الستريك (citric acid) والذي ينسب إليه اسم الدورة مع خروج جزيء من ثاني أكسيد الكربون. وتنتج هذه الدورة من جزي واحد من الأسيتيل (acetyl) ثلاثة جزيئات من الناده (NADH) وجزيء واحد من الفاده (FADH2) وجزيء واحد من الأتب (ATP) وجزيئين من ثاني أكسيد الكربون (CO2). إن جزيئات الناده (NADH) والفاده (FADH2) تحمل في روابطها الهيدروجينية إلكترونات عالية الطاقة وهذه الجزيئات تنتج من إتحاد أيونات الهيدروجين مع مرافقات الإنزيمات وهي الناد (NAD+) والفاد (FAD).
ويتم استخلاص الطاقة من جزيئات الناده والفاده وإيداعها في جزيئات الأتب باستخدام المسار الأيضي الأخير من مسارات التنفس الخلوي وهو مسار السلسلة الناقلة للإلكترون حيث ينتج جزي الناده الواحد ثلاثة جزيئات من الأتب بينما ينتج جزيء الفادة جزيئين فقط أي أن جزيء الأسيتيل ينتج ما مجموعه 12 جزيء من الأتب. إن الدور الذي تلعبه دورة كريبس في عمليات الأيض لا يقتصر على التنفس الخلوي بل تقوم بأدوار بالغة الأهمية في مسارات البناء (anabolism) المختلفة حيث أن كل جزيء من الجزيئات الوسيطة الثمانية التي يتم إنتاجها في الدورة يستخدم كنقطة إنطلاق (starting point) لواحد أو أكثر من مسارات بناء الأحماض الدهنية والجليسرول والأحماض الأمينية والأحماض النووية وغيرها كما سنشرح ذلك في مسارات البناء. وتلعب هذه الدورة أيضا دورا مهما في عمليات هدم الدهون والبروتينات والأحماض النووية حيث يمكن توليد الطاقة من هذه المواد العضوية من خلال دخول الدورة عند أحد الجزيئات الوسيطة الثمانية وذلك حسب نوع المادة العضوية.
أما المسار الرابع من مسارات التنفس الخلوي فهو السلسلة الناقلة للإلكترون
(electron transport chain) وفيه يتم تحويل الطاقة العالية للإلكترونات التي تحملها جزيئات
الناده (NADH) والفاده (FADH2) والتي تم أنتاجها في دورة كريبس إلى طاقة يتم
تخزينها في جزيئات (ATP) . وتتم هذه العملية من خلال استخدام طاقة هذه الإلكترونات في
بناء فرق جهد بين السطح الداخلي والخارجي للغشاء الداخلي للميتوكندريون. ويتم بناء
فرق الجهد هذا من خلال تخلص جزيئات الناده (NADH) وجزيئات الفاده (FADH) من أيونات الهيدروجين لتتحول إلى جزيئات الناد (NAD+) والفاد (FAD) ومن ثم يتم ضخ أيون الهيدروجين (proton) من خلال بوابات خاصة موجودة في الغشاء الداخلي للمتوكندريون إلى
خارج هذا الغشاء لينتج ما يسمى بالتدرج
البروتوني الكهروكيميائي (electrochemical
proton gradient).
إن طاقة الإلكترون
العالية لا يتم نقلها دفعة واحدة من جزيء الناده إلى الأوكسجين بل يتم نقلها
تدريجيا من خلال سلسلة من الجزيئات باستخدام تفاعلات الأكسدة والإختزال بين الجزيئات المتبرعة للإلكترونات (donors)
والجزيئات المستقبلة (acceptors). ويعتبر الأوكسجين المستقبل الأخير
للإلكترونات في هذه السلسلة ولذا فإن هذا المسار الأيضي لا يمكن أن يتم إلا بوجود
الأوكسجين. وتنتمي المركبات المستخدمة في هذا المسار إلى مجموعة
السيتوكرومات (cytochromes)
والتي تبني من حلقة بورفيرين (porphyrin
ring) وهو جزيء شبيه
بالكلوروفيل (chlorophyll) إلا أنه يحتوي على ذرة من الحديد بدلا من ذرة المغنيسيوم. أما الخطوة الأخيرة في هذا المسار فهو استغلال فرق
التركيز لأيونات الهيدروجين بين سطحي الغشاء لتحويل جزيء الأدب (ADP) إلى جزيء
الأتب (ATP) وذلك من
خلال ما يسمى بتفاعل الفسفرة المصاحبة للأكسدة (Oxidative phosphorylation reaction). وتتم هذه
العملية من خلال انتقال أيونات الهيدروجين من خارج الغشاء إلى الداخل عبر بوابات
خاصة وهي منظومة تركيب الأتب (ATP
synthase complex) والتي
يتم خلالها إضافة مجموعة الفوسفات (phosphate group) إلى جزيء (ADP).
إن عدد الجزيئات
الحاملة للطاقة (ATP) التي يتم
إنتاجها في هذه السلسلة الناقلة للإلكترون يبلغ في المعدل 12 جزيء وذلك لكل جزيء
أسيتيل يدخل دورة كريبس ومن ثم هذه السلسلة مما يعني أن الجزيء الواحد من سكر
الجلوكوز ينتج ما معدله 24 جزيء طاقة من خلال هذه السلسلة بالإضافة إلى 14 جزيء قد تم إنتاجها في مسار الانحلال السكري ومسار
تحلل البايروفيت. إن الناتج النهائي من مساري دورة كريبس والسلسلة الناقلة
للإلكترونات بالإضافة إلى الطاقة هو أربعة جزيئات من الماء والذي ينتج من اتحاد
أيونات الهيدروجين المحررة مع أيونات الأوكسجين. إن تسرب بعض الإلكترونات العالية
الطاقة من جزيئات الناده والفاده واتحادها مباشرة بالأوكسجين ينتج جزيئات فائقة التأكسد ذات جذور حرة (free-radical superoxide) وهي جزيئات عالية التفاعل (highly reactive molecules) وقد تتفاعل مع الجزيئات المفيدة التي تنتشر في الخلية مسببة
كثيرا من الأمراض للجسم وخاصة الهرم المبكر.
التخمر
التخمر (fermentation) هو أحد
المسارات المساندة لمسارات التنفس الخلوي وفيه يتم تحويل جزيء البايروفيت الذي تم
إنتاجه في مسار الانحلال السكري إما إلى حامض اللاكتيك أو حامض اللبن (lactic acid) كما يحدث في خلايا الجسم وخاصة الخلايا العضلية أو إلى الإيثانول
أو الكحول (ethanol) وثاني أكسيد الكربون كما
يحدث في خلايا الخميرة (yeast). ويتم
استخلاص الطاقة من جزيء حامض اللاكتيك من خلال نزع أيون الهيدروجين وارتباطه
بمرافق الإنزيم المسمى (NAD+) الذي يتحول إلى جزيء الناده (NADH) الغني بالطاقة وذلك بمساعدة إنزيم يسمى نازع هيدروجين اللاكتيك
lactate dehydrogenase)). ويمكن تحويل جزيء اللاكتيك إلى جزيء سكر الجلوكوز في
الكبد من خلال ما يسمى بدورة كوري (Cori
cycle). ويتم التخمر في سيتوبلازم الخلايا وبدون وجود الأوكسجين ولذا
فهو نوع من أنواع التنفس اللاهوائي (Anaerobic respiration).
وينتج الجزيء الواحد من البايروفيت جزيء واحد فقط من (ATP)
مما يعني أن جزيء الواحد من سكر الجلوكوز ينتج فقط جزيئين من (ATP) مقابل 38 جزيء في التنفس الهوائي (aerobic respiration).
وتستخدم الخلايا مسار التخمر لتحقيق أهداف مختلفة أولها إنتاج الطاقة للخلايا عند
نقص كمية الأوكسجين الذي يغذيها رغم كفاءتها المتدنية كما يحدث في خلايا العضلات
عند قيامها بجهد كبير. أما الهدف الثاني فهو للتخلص من الكميات الزائدة من
البايروفيت الموجودة في الخلايا والزائدة عن حاجتها وذلك من خلال تحللها وطرح
مخلفات التخمر خارج هذه الخلايا.
هدم الأحماض الدهنية والجليسيرول
تخزن الدهون في الجسم على شكل جليسيريدات ثلاثية (triglycerides)
أو دهون فوسفاتية (phospholipid) ويتم هدم الجليسيريدات الثلاثية بمساعدة
إنزيم الليبيز (lipase)
إلى الأحماض الدهنية (fatty acids) والجليسيرول (glycerol)
بينما يتم هدم الدهون الفوسفاتية بمساعدة إنزيم الليبيز الفوسفاتي (phospholipase)
إلى الأحماض الدهنية وحامض الفوسفاتيدك (phosphatidic
acid). ويتم استغلال
الطاقة الموجودة في جزيء الجليسيرول من خلال تحويله إلى جزيء سكر الجلوكوز من خلال
المسار الأيضي البنائي المسمى التركيب السكري (Gluconeogenesis).
أما الطاقة الموجودة في الأحماض الدهنية فيتم إستغلالها من خلال المسار الأيضي
الهدمي المسمى الأكسدة البائية (Beta
oxidation) وهو مسار يقوم
بتحويل جزيء الحامض الدهني إلى جزيء الأسيتيل- مرافق الإنزيم ألف (acetyl-CoA) والذي يتم تغذيته إلى دورة كريبس للحصول على الطاقة. ويسبق هذا
المسار سلسلة من العمليات على الحامض الدهني والتي تتم في سيتوبلازم الخلية تبدأ
باتحاد الحامض الدهني بجزيء الأتب (ATP) ليتحول إلى جزيء الأدينيليت أسيل الدهني (fatty acyl adenylate) ومجموعة فوسفاتية وذلك بمساعدة مرافق الإنزيم ( acyl CoA synthetase). ومن ثم يتحد جزيء الأدينيليت أسيل الدهني مع مرافق إنزيم
ألف (coenzyme A) لينتج جزي أسيل-مرافق إنزيم ألف الدهني (fatty acyl-CoA) إلى جانب جزيء الأمب (AMP). ومن ثم يتحد جزيء الأسيل مع جزيء الكارنيتين (carnitine) ليكون جزيء الأسيل كارنيتين (acylcarnitine) والذي يتم نقله إلى داخل الميتوكندريون باستخدام ناقل خاص يسمى
الجلوتاميت أحادي الصوديوم (monosodium
glutamate). وفي داخل شبكة الميتوكندريون تبدأ سلسلة عمليات مسار الأكسدة
البائية والتي يتم خلالها تحويل جزي أسيل-مرافق إنزيم ألف الدهني (fatty acyl-CoA) إلى جزيئين من الأسيتيل- مرافق الإنزيم ألف (acetyl-CoA) وهو الوقود الرئيسي لدورة كريبس أي ضعف ما ينتجه جزي سكر
الجلوكوز.
هدم الأحماض الأمينية
تبدأ عملية هدم
الأحماض الأمينية بما يسمى التجريد الأميني (deamination) لجزيئات هذه الأحماض حيث يتم فصل المجموعات الأمينية (amino group) المرتبطة بها مخلفة وراءها ما يسمى بالهيكل الكربوني (carbon skeleton) أو ما يسمى بالأحماض الكيتونية الألفية (-keto
acids) وذلك باستخدام أنواع مختلفة من الإنزيمات تبعا لنوع الحامض
الأميني. ويتم تغذية نواتج هذا التجريد إلى مسارين منفصلين فالمجموعات الأمينية
يتم تغذيتها لدورة اليوريا والتي يتم فيها تحويل الأمونيا إلى اليوريا وكمية قليلة
نسبيا من الطاقة. أما الأحماض الكيتونية فيتم تحويلها إلى جزيئات يمكنها دخول دورة
كريبس كالبايروفيت (pyruvate) والأسيتيل- مرافق الإنزيم ألف
(acetyl-CoA) وذلك تبعا لنوع الحامض الأميني. وينتج جزيء الحامض الأميني كمية
من الطاقة عند هدمه من خلال دورة كريبس تعادل كمية الطاقة التي ينتجها جزي سكر
الجلوكوز مع العلم أن الجسم لا يلجأ إلى استغلال طاقة البروتينات إلا عند نفاذ
مصادرها من الكربوهيدرات أولا والدهون ثانيا وهذا لا يحدث إلا في المجاعات (starvations).
هدم الأحماض النووية
يتم هدم الأحماض
النووية من خلال تفكيكها أولا إلى وحداتها
الأساسية وهي النيوكليوديدات (nucleotides) من خلال
إنزيمات الهضم. أما الخطوة الثانية فهي فصل القواعد النيتروجينية (Bases) عن سكر
الرايبوز (ribose) ومجموعة
الفوسفات (Phosphate) باستخدام
إنزيمات خاصة بذلك. وأما الخطوة الأخيرة فهي هدم القواعد النيتروجينية وذلك حسب
نوعها فالقواعد البيورانية (purine nucleotides) وهي الأدينين والجوانين فيتم تحويلها إلى حامض البوليك (uric acid) من خلال مسارات خاصة بها. أما القواعد البايراميدية (pyrimidines) وهي السايتوسين والثايمين
واليوراسيل فيتم تحويلها إلى جزيء (glutamate) ومن ثم إلى
جزيء الصكسينايل مرافق الإنزيم ألف (succinyl-CoA) الذي يمكنه
دخول دورة كريبس وتحويله إلى طاقة.
دورة اليوريا
تقوم دورة اليوريا (urea cycle) بتحويل جزيئات الأمونيا (ammonia (NH3)) الناتجة من تحلل الأحماض الأمينية (amino acids) إلى جزيئات اليوريا (urea ((NH2)2CO)). وتلزم هذه الدورة
لتخليص الخلايا من الأمونيا ذات السمية العالية من خلال تحويلها إلى مادة
أقل سمية يتم التخلص منها مع البول. وتتكون هذه الدورة من خمسة خطوات اثنتين منهما
في الميتكوندريون والثلاثة الباقية في السيتوبلازم ويتم خلالها تحويل جزيئين من
الأمونيا بوجود جزيء من الماء وجزي من ثاني أكسيد الكربون إلى جزيء من اليوريا.
وتستهلك هذه الدورة ثلاثة جزيئات من الأتب (ATP) ولكنها في المقابل تنتج جزيئين من الناده (NADH) يمكنهما إنتاج ستة
جزيئات من الأتب عند دخولهما في السلسلة الناقلة للإلكترونات مما يعني أن دورة
اليوريا تساهم في إنتاج الطاقة للخلية.
تحلل الجلايكوجين
تحلل الجلايكوجين (Glycogenolysis) هو مسار أيضي يتم فيه تحويل الجلايكوجين (Glycogen) إلى سكر الجلوكوز. ويستخدم هذا المسار لتزويد الجسم بسكر
الجلوكوز عند انخفاض مستواه في الدم. فعند انخفاض مستوى السكر في الدم تقوم خلايا
ألفا في البنكرياس بإفراز هرمون الجلوكاجين (Glucagen) والذي يقوم بتحويل الجلايكوجين المخزن في الكبد إلى سكر الجلوكوز
من خلال مسار أيضي يتكون من ثلاثة خطوات.
وعند ارتفاع مستوى السكر في الدم تقوم خلايا بيتا في البنكرياس بإفراز
هرمون الأنسولين والذي يقوم بتحويل السكر الزائد إلى الجلايكوجين وذلك في خلايا
الكبد والعضلات من خلال المسار الأيضي
المسمى التركيب الجلايكوجيني (Glycogenesis).
مسارات البناء
يعرف البناء (Anabolism)
على أنه العملية التي يتم من خلالها إنتاج
جزيئات المواد العضوية المعقدة من جزيئات مواد عضوية بسيطة أو من مواد غير عضوية
وهو بذلك عكس ما تقوم به عملية الهدم Catabolism)). ويتكون البناء من نوعين رئيسين
أولهما بناء المواد العضوية البسيطة كالسكريات الأحادية من المواد غير العضوية
كثاني أكسيد الكربون والماء ولا يتم هذه النوع إلا في خلايا النباتات والطحالب (Autotrophs)
من خلال مسار التركيب الضوئي (Photosynthesis). وأما النوع الثاني فهو بناء المواد
العضوية المعقدة من المواد العضوية التي تم إنتاجها من خلال التركيب الضوئي ويتم
هذا النوع في خلايا جميع أنواع الكائنات الحية سواء كانت من النباتات والطحالب أو
من الحيوانات (Heterotrophs).
وتعتمد معظم مسارات البناء على الجزيئات
العضوية الوسيطة (intermediates molecules)
التي ينتجها كل من مسار الإنحلال السكري (Glycolysis)
ومسار فوسفات البنتوز (Pentose phosphate) ومسار دورة حامض الستريك (Citric acid cycle). فالجزيئات الوسيطة
الستة الناتجة من الإنحلال السكري تستخدم
على النحو التالي: فالجلوكوز السداسي الفوسفاتي (glucose 6-phosphate) لبناء
النيوكليدات (nucleotides) بعد
معالجته في مسار فوسفات البنتوز والفركتوز السداسي الفوسفاتي (fructose-phosphate) لبناء
السكريات الأمينية (amino sugars) والدهون السكرية (glycolipids) والبروتينات السكرية (glycoproteins) والهيدروكسي أسيتون الفوسفاتي (dihydroxyacetone phosphate) لبناء
الدهون (lipids) والجليسيريت الفوسفاتي (phosphoglycerate) لبناء
الحامض الأميني السيرين (Serine) والبيروفيت الفوسفاتي(phosphoenolpyruvate) لبناء مجموعة من الأحماض الأمينية والبايراميداينزات (pyramidines)
والبايروفيت (pyruvate) لبناء
الحامض الأميني الألانين (alanine). أما الجزيئات الوسيطة الناتجة من دورة كريبس فتستخدم على النحو
التالي: فحامض السيتريك (citric acid) لبناء الكوليسترول والأحماض الدهنية وحامض الكيتوجلوتارك (a-ketoglutaric acid) لبناء الجلوتاميت (glutamate) ومجموعة من الأحماض الأمينية
وحامض الساكسينك (succinic
acid) لبناء الكلوروفيل وحامض الأوكسالوأسيتك (oxaloacetic acid) لبناء أنواع مختلفة من الأحماض الأمينية.
التركيب الضوئي
يعتبر التركيب الضوئي (Photosynthesis) أهم مسارات الأيض على الإطلاق فعلى ما ينتجه هذا المسار من مواد عضوية بسيطة تعتمد جميع بقية مسارات الأيض المختلفة. ويقوم مسار التركيب الضوئي بتحويل ثاني أكسيد الكربون المأخوذ من الجو والماء المأخوذ من التراب أو من البحر إلى مواد كربوهيدراتية بسيطة بوجود الطاقة الضوئية المستمدة من الشمس والتي تقوم بتزويد الدورة بالطاقة اللازمة لتشغيلها وتخزين الفائض في الروابط الكيميائية للمواد المنتجة. وتتكون دورة التركيب الضوئي من مرحلتين فالمرحلة الأولى والتي تسمى مرحلة التفاعلات الضوئية (light reactions) فتتم تفاعلاتها بوجود الضوء (light-dependent reactions) بينما تتم تفاعلات المرحلة الثانية وهي دورة كالفن (Calvin cycle) في غياب الضوء (light-independent reactions) ولذا تسمى التفاعلات المظلمة (dark reactions). ويطلق على المرحلة الثانية من التركيب الضوئي أيضا اسم آخر وهو تثبيت الكربون (Carbon fixation) والذي يوجد منه ثلاثة أنواع وهي تثبيت الكربون الثلاثي (C3 carbon fixation) وتثبيت الكربون الرباعي (C4 carbon fixation) والتركيب الضوئي (CAM photosynthesis). إن مهمة مرحلة التفاعلات الضوئية هو شحن الجزيئات الحاملة للطاقة (energy-carrying molecules) وهي جزيئات الأتب (ATP) وجزيئات الناده الفوسفورية (NADPH) بالطاقة التي تستمدها من الطاقة الضوئية القادمة من الشمس. وتتم تفاعلات هذه المرحلة في الغشاء الثايلاكويدي (thylakoid membrane) الموجودة في الكلوروبلاست (chloroplast) والذي يحتوي على عدة مجموعات من الجزيئات البروتينية التي تقوم بامتصاص الضوء ولذلك تسمى المنظومات الحاصدة للضوء (light-harvesting complexes).
ويوجد عدة أنواع من هذه الجزيئات أشهرها الكلوروفيل (chlorophyll) وتمتص هذه الجزيئات
الترددات الضوئية التي تقع في النطاق الأزرق والنطاق الأحمر بينما تعكس ترددات النطاق الأخضر والذي يعطي النباتات لونها الأخضر.
وعندما تمتص هذه الجزيئات فوتونات الضوء فإن بعض الإلكترونات فيها تثار وتزداد
طاقتها وترتفع إلى المدارات العليا. وقد صممت جزيئات الكلوروفيل بحيث لا تسمح لهذه
الإلكترونات بفقدان طاقتها والرجوع إلى المدارات الدنيا بل تقوم بنقلها من خلال
السلسلة الناقلة للإلكترونات (electron transfer
chain) إلى أن تقوم بضخ طاقتها إلى الجزيئات الحاملة للطاقة وهي الأتب (ATP) والناده
الفوسفاتي (NADPH). وفي التفاعل المعتمد على الضوء يتم تحويل
جزيئين من الماء وجزيئين من الناد الفوسفاتي (NADP+) وثلاثة جزيئات من الأدب (ADP) وثلاتة
جزيئات من الفوسفات إلى جزيئين من الأوكسجين وجزيئين من الناده الفوسفاتي (NADPH) وثلاثة جزيئات من الأتب (ATP). وخلال هذا التفاعل يتم تحليل الماء إلى مركباته
وهي أيونات الهيدروجين وأيونات الأوكسجين (photolysis) فأيونات الأوكسجين تتحد مع بعضها لتكون جزيئات
الأوكسجين التي يتم إطلاقها إلى الجو أما أيونات الهيدروجين فيتم استخدامها في
التفاعلات الضوئية. إن كمية الأوكسجين الذي يطلق من خلال هذا المسار يجب أن يعادل
كمية الأوكسجين الذي يستهلك من خلال مسار التنفس الخلوي وذلك للحفاظ على مستوى
ثابت للأوكسجين في الجو وذلك ما يسمى بدورة الأوكسجين (oxygen cycle).
دورة كالفن
وأما في المرحلة
الثانية من التركيب الضوئي وهي دورة كالفن
(Calvin cycle) فيتم تصنيع مواد عضوية بسيطة من مواد غير عضوية وهي ثاني أكسيد الكربون والماء وذلك
بمساعدة جزيئات الطاقة التي تم شحنها في المرحلة الأولى حيث يتم تفريغ طاقتها في
الروابط الهيدروكربونية لجزيئات المواد العضوية المنتجة. ويدخل إلى هذه الدورة ستة
جزيئات من ثاني أكسيد الكربون وستة جزيئات من الماء والتي تتحد مع جزيء من سكر
خماسي الكربون يسمى الرايبيولوز ثنائي الفوسفات (ribulose biphosphate (RuBP)) بمساعدة
إنزيم الريبوسكو (RuBisCo) لينتج 12 جزيء من حامض الفوسفوجليسريك (phosphoglyceric acid (3PGA)). وفي الخطوة الثانية من هذه الدورة يتم تحويل
جزيئات حامض الفوسفوجليسريك الإثتي عشر إلى 12 جزيء من سكر بثلاثة ذرات كربون يسمى الجليسيرالديهايد الفوسفاتي
(glyceraladehyde-3-phosphate (G3P)) مع استهلاك
طاقة 12جزيئ من الأتب (ATP) و 12 جزيئ من الناده الفوسفوري
(NADPH). ويستخدم
جزيئان من الجليسيرالديهايد الفوسفاتي لتصنيع
جزيء من سكر الفركتوز ثنائي
الفوسفات (fructose diphosphate) والذي يستخدم لتصنيع سكر الجلوكوز أو سكر السكروز. أما العشرة
جزيئات المتبقية من الجليسيرالديهايد الفوسفاتي فيتم استخدامها لتصنيع جزيء الرايبيولوز ثنائي الفوسفات الذي يدخل
الدورة من جديد مع ثاني أكسيد الكربون والماء وذلك بعد استهلاك 12 جزيء من الأتب.
التصنيع السكري والتركيب الجلايكوجيني
التصنيع
السكري (Gluconeogenesis)
هو مسار يستخدم لإنتاج سكر الجلوكوز من جزيئات غير كربوهيدراتية كالبايروفيت (pyruvate) واللاكتيك (lactate) والجليسرول (glycerol) والأحماض الأمينية السكرية (glucogenic amino acids). وهذا المسار هو أحد مسارين يستخدمان للحفاظ على مستوى ثابت لسكر الجلوكوز في خلايا
الجسم وذلك عند نقص إمداد الجسم بالسكر من الغذاء والمسار الثاني هو ((glycogenolysis). ولا
يعمل هذا المسار إلا في خلايا خاصة موجودة
بشكل رئيسي في الكبد وبشكل أقل في قشرة
الكلية وذلك عند انخفاض مستوى السكر في الجسم أثناء الصيام والمجاعات أو نقص كمية
الكربوهيدرات في الطعام. ويتكون هذا المسار من أحد عشر خطوة ويبدأ إما في
السيتوبلازم أو في الميتوكندريون وذلك حسب نوع الجزيء المراد تحويله إلى سكر
الجلوكوز. إن معظم خطوات هذا المسار هي نفس خطوات مسار الانحلال السكري (glycolysis) ولكنها تعمل بشكل عكسي.
أما التركيب
الجلايكوجيني (Glycogenesis) فهو مسار أيضي بنائي يستخدم لتحويل سكر الجلوكوز الفائض عن حاجة
الجسم إلى الجلايكوجين (glycogen).
والجلايكوجين جزيء كبير مكون من سلاسل متعددة وطويلة مبنية من جزيئات الجلوكوز وهو
أشبه ما يكون في تركيبه بالنشا (starch) الموجود في النباتات ولذا يطلق عليه اسم النشا الحيواني. ويتم
تصنيع معظم الجلايكوجين في خلايا الكبد وبكميات أقل في العضلات حيث تقوم هذه
الخلايا بعد أخذ الجسم وجبة غذائية غنية بالكربوهيدرات بتحويل سكر الجلوكوز الفائض عن حاجة الجسم إلى الجلايكوجين والذي
يتم تخزينه في سيتوبلازم الخلايا على شكل حبيبات (granules). ويعتبر الجلايكوجين المخزن الثاني للطاقة بعد الدهون والذي يتم
استهلاكه من قبل الجسم في الفترات فيما بين الوجبات الغذائية باستخدام مسار تحلل
الجلايكوجين (Glycogenolysis) وتحت سيطرة الأنسولين (insulin).
تصنيع الدهون
يتم تصنيع الدهون (Lipogenesis) من جزيئات الأسيتيل- مرافق الإنزيم ألف (acetyl-CoA) والتي تنتج من تحلل سكر
الجلوكوز حيث يبدأ تصنيع مختلف أنواع الدهون بتصنيع وحداتها الأساسية وهي الأحماض الدهنية والجليسيرول. وتتكون جزيئات
الأحماض ادهنية من سلاسل طويلة من ذرات الكربون والهيدروجين بينما يتكون
الجليسيرول من ثلاثة ذرات كربون يرتبط بها ثلاثة مجموعات من الهيدروكسايل (hydroxyl groups). ويتكون مسار تصنيع الأحماض الدهنية (Fatty acids synthesis) من ستة خطوات تبدأ من
جزيء الأسيتيل- مرافق الإنزيم ألف وتتم في الستوبلازم بوجود مجموعة من الإنزيمات
الخاصة بها وهي سينيثيزات الأحماض الدهنية (fatty acid synthase). أما الجليسيرول (glycerol) فيتم
تصنيعه من جزيء الهيدروكسي أسيتون الثنائي (Dihydroxyacetone phosphate (DHAP)) والذي يتم الحصول عليه من سكر الجلوكوز من خلال مسار الإنحلال
السكري (glycolysis). ويتم
تصنيع الجليسيردات الثلاثية (Triglycerides) والدهون الفوسفاتية (Phospholipids) من خلال
ربط الأحماض الدهنية بالجليسيرول بمساعدة مجموعة من الإنزيمات الخاصة بهذه
المسارات.
تصنيع الأحماض
الأمينية
يعتبر تصنيع الأحماض
الأمينية (Amino acid synthesis) أحد المسارات الأيضية المهمة في أجسام الكائنات الحية حيث أن
الأحماض الأمينية هي اللبنات الأساسية لتصنيع مختلف أنواع البروتينات. وليس بإمكان
جميع أنواع الكائنات الحية تصنيع جميع أنواع الأحماض الأمينية البالغ عددها عشرين
نوعا فجسم الإنسان لا يمكنه أن يصنع إلا 12 نوعا منها وعليه أن يحصل على البقية من
الغذاء. وتكمن المشكلة في قدرة الخلايا على الحصول على النيتروجين بصيغة مناسبة
وبكميات كافية حيث أن النيتروجين يدخل في تركيب هذه الأحماض الأمينية بينما لا
يدخل في تركيب الكربوهيدرات والدهون. إن المصدر الرئيسي للنيتروجين هو الجو ولكن
جزيء النيتروجين الخامل (N2) المأخوذ من الجو لا يمكن للخلايا أن تتعامل معه إلا بعد تحويله
إلى صيغة مناسبة وهي الأمونيا (ammonia (NH3)). ولكن
عملية التحويل هذه لا يمكن لمعظم الكائنات الحية أن تقوم بها ولذلك سخر الله
سبحانه وتعالى أنواع معينة من البكتيريا التي تعيش على جذور بعض النباتات للقيام بهذه العملية المعقدة وهي ما
يسمى بتثبيت النيتروجين (Nitrogen fixation). وبعد أن يتم تثبيت النيتروجين في التربة تقوم النباتات المختلفة
بامتصاص الأمونيا الناتجة وتستخدمها لإنتاج جميع أنواع الأحماض الأمينية والتي
تستفيد منها بقية الكائنات الحية وهي الحيوانات. ولكي لا تستهلك الكائنات الحية
النيتروجين من الجو سخر الله سبحانه وتعالى أنواع أخري من البكتيريا تقوم بتحليل
المركبات النيتروجينة الموجودة في أجسام الكائنات الحية الهالكة وتحرير النيتروجين
إلى الجو بما يسمى تحرير النيتروجين (denitrification) وبذلك
تكتمل دورة النيتروجين (Nitrogen cycle).
وتتكون جميع الأحماض
الأمينية من وحدة أساسية (NH3 - C - COOH) وسلسلة
جانبية فالوحدة الأساسية تتكون من ذرة كربون يرتبط بها ثلاثة مجموعات وظيفية وهي
الهيدروجين ومجموعة أمينية (Amino group(NH3)) ومجموعة
الكربوكسايل (Carboxyl (COO)). أما
السلسلة الجانبية (Side chain) فيعتمد نوعها على نوع الحامض الأميني وهي التي تحدد خصائصه كأن يكون محبا للماء (hydrophilic) أو كارها له (hydrophobic) وهذه
الخصائص تلعب دورا كبيرا في عملية طي البروتينات. إن تصنيع الأحماض الأمينية
العشرين باستثناء واحدا منها وهو الجلايسين (glycine) عملية معقدة ودقيقة وتحتاج لما يسمى التحكم الستيريوكيميائي (stereochemical control). ويتم تصنيع الأحماض
الأمينية غير الأساسية من خلال مسار أيضي يسمى الأمينة العابرة (transamination) وفيه تتفاعل الأحماض الكيتوية (α-ketoacids) مع أنواع معينة من
الأحماض الأمينية في الغالب الجلوتاميت (Glutamate). وينتج من التفاعل
الحامض الأميني المطلوب إلى جانب الكيتوجلوتاريت (α-ketoglutarate) والذي
يتحول بعد تفاعله مع الأمونيا إلى جزيء الجلوتاميت ليعاد استخدامه من جديد. والأحماض الكيتوية يتم الحصول عليها من
الجزيئات الوسيطة (intermediates) التي
تنتجها بعض المسارت الأيضية كتحلل السكر ودورة كريبس فالبايروفيت (Pyruvate) الذي ينتج
من تحلل السكر يستخدم لتصنيع الألانين (alanine) والأوكزالوسيتيت (Oxaloacetate) وكذلك
الكيتوجلوتاريت (ketoglutarate) اللذان ينتجان من دورة كريبس يستخدمان لتصنيع الأسبارتيت (aspartate) والجلوتاميت (glutamate) وهكذا
لبقية الأنواع. ومن هذه الأحماض الأمينية يتم تصنيع البروتينات في الرايسومات وذلك
تحت سيطرة الشريط الوراثي كما سنشرح ذلك في باب منفصل.
تصنيع الأحماض النووية
يتم تصنيع الأحماض
النووية (Nucleic acids) بنوعيها الحامض النووي الديكسورايبوزي الدنا (deoxyribonucleic
acid (DNA)) والحامض النووي الرايبوزي الرنا (ribonucleic acid (RNA)) من سلاسل طويلة من جزيئات النيوكلوتيدات (nucleotides). ويتكون جزيء النيوكلوتيد من ثلاثة وحدات وهي جزيء من سكر خماسي (pentose sugar) وهو الرايبوز (ribose) في حالة الرنا والديكسورايبوز (deoxyribose) في حالة الدنا وجزيء من مجموعة الفوسفات (phosphate) وجزيء واحد من خمسة
أنواع من القواعد النووية (nucleobases) وهي
الأدينين (adenine) والسايتوسين (cytosine) والجوانين (guanine) والثايمين (thymine) واليوراسيل (uracil). فالأدينين والجوانين وهي جزيئات تنتمي لعائلة البيورينات (purines) والتي تتكون من حلقتين
يتم تصنيعهما من أحادي فوسفات الأنوسين (inosine monophosphate (IMP) وهذه الأخير يتم تصنيعه من خلال مسار معقد مكون من إحدى عشر خطوة
ويبدأ من جزيء الرايبوز الفوسفاتي (ribose phosphate). وأما
السايتوسين والثايمين واليوراسيل وهي
جزبئات بايراميدية (pyrimidines) والتي
تتكون من حلقة واحدة فيتم تصنيعها من الكربامويل الفوسفاتي (carbamoyl phosphate) من خلال مسار أيضي قصير نسبيا يتكون من خمسة خطوات. ويتم بناء
مختلف أنواع الأحماض الأمينية من خلال ربط النيوكلوتيدات على شكل سلاسل طويلة بحيث
تكون كل ثلاثة منها أحد أحرف الشيفرة الوراثية كما سنشرح ذلك في باب الشيفرة
الوراثية.