في مدح صلاح الدين الأيوبي بعد فتح
القدس
عماد الدين الأصبهاني (العراق
1125-1201م)
أطيب بأنفاس تطيب لكم نفسا
|
وتعتاض من ذكراكم وحشتي أنسا
|
وأسأل عنكم عافيات دوارس
|
غدت بلسان الحال ناطقة خرسا
|
معاهدكم ما بالها كعهودكم
|
وقد كررت من درس آثارها درسا
|
وقد كان في حدسي لكم كل طارق
|
وما جئتم من هجركم خالف الحدسا
|
أرى حدثان الدهر ينسى حديثه
|
وأما حديث الغدر منكم فلا ينسى
|
تزول الجبال الراسبات وثابت
|
رسيس غرام في فؤادي لكم أرسى
|
حسبت حبيبي قاسي القلب وحده
|
وقلب الذي يهوى بحمل الهوى أقسى
|
أما لكم يا مالكي الرق رقة
|
يطيب بها مملوككم منكم نفسا
|
وإن سروري كنت أسمع حسه
|
فمذ سرت عنكم ما سمعت له حسا
|
وإن نهاري صار ليلا لبعدكم
|
فما أبصرت عيني صباحا ولا شمسا
|
بكيت على مستودعات قلوبكم
|
كما قد بكت قدما على صخرها الخنسا
|
فلا تحبسوا عني الجميل فإنني
|
جعلت على حبي لكم مهجتي حبسا
|
رأيت صلاح الدين أفضل من غدا
|
وأشرف من أضحى وأكرم من أمسى
|
وقيل لنا في الأرض سبعة أبحر
|
ولسنا نرى إلا أنامله الخمسا
|
سجيته الحسنى وشيمته الرضا
|
وبطشته الكبرى وعزمته القعسا
|
فلا عدمت أيامنا منه مشرقا
|
ينير بما يولي ليالينا الدمسا
|
جنودك أملاك السماء وظنهم
|
عداتك جن الأرض في الفتك لا الإنسا
|
فلا يستحق القدس غيرك في الورى
|
فأنت الذي من دونهم فتح القدسا
|
ومن قبل فتح القدس كنت مقدسا
|
فلا عدمت أخلاقك الطهر والقدسا
|
وطهرته من رجسهم بدمائهم
|
فأذهبت بالرجس الذي ذهب الرجسا
|
نزعت لباس الكفر عن قدس أرضها
|
وألبستها الدين الذي كشف اللبسا
|
وعادت ببيت الله أحكام دينه
|
فلا بطركا أبقيت فيها ولا قسا
|
وقد شاع في الآفاق عنك بشارة
|
بأن أذان القدس قد أبطل النقسا
|
جرى بالذي تهوى القضاء وظاهرت
|
ملائكة الرحمن أجنادك الحمسا
|
وكم لبني أيوب عبد كعنتر
|
فإن ذكروا بالبأس لا يذكروا عبسا
|
وقد طاب ريانا على طبرية
|
فيا طيبها مغنى ويا حسنها مرسى
|
وعكا وما عكا فقد كان فتحها
|
لإجلائهم عن مدن ساحلهم كنسا
|
وصيدا وبيروت وتبنين كلها
|
بسيفك ألفى أنفه الرغم والتعسا
|
ويافا وأرسوف وتبنى وغزة
|
تخذت بها بين الطلى والظبى عرسا
|
وفي عسقلان الكفر ذل بملككم
|
فمنظره بل أمره اربد وارجسا
|
وصار بصور عصبة يرقبونكم
|
فلا تبطئوا عنها وحسوهم حسا
|
توكل على الله الذي لك أصبحت
|
كلاءته درعا وعصمته ترسا
|
ودمر على الباقين واجتث أصلهم
|
فإنك قد صيرت دينارهم فلسا
|
ولا تنس شرك الشرق غربك مرويا
|
بماء الطلى من صاديات الظبى الخمسا
|
وإن بلاد الشرق مظلمة فخذ
|
خراسان والنهرين والترك والفرسا
|
وبعد الفرنج الكرك فاقصد بلادهم
|
بعزمك واملأ من دمائهم الرمسا
|
أقامت بغاب الساحلين جنودكم
|
وقد طردت عنه ذئابهم الطلسا
|
سحبت على الأردن ردنا من القنا
|
ردينية ملدا وخطية ملسا
|
حططت على حطين قدر ملوكهم
|
ولم تبق من أجناس كفرهم جنسا
|
ونعم مجال الخيل حطين لم تكن
|
معاركها للجرد ضرسا ولا دهسا
|
غداة أسود الحرب معتقلوا القنا
|
أساود تبغي من نحور العدا نهسا
|
أتوا شكس الأخلاق خشنا فلينت
|
حدود الرقاق الخشن أخلاقها الشكسا
|
طردتهم في الملتقى وعكستهم
|
مجيدا بحكم العزم طردك والعكسا
|
فكيف مكست المشركين رؤوسهم
|
ودأبك في الإحسان أن تطلق المكسا
|
كسرتهم إذ صح عزمك فيهم
|
ونكستهم إذ صار سهمهم نكسا
|
بواقعة رجت بها الأرض جيشهم
|
دمارا كما بست جبالهم بسا
|
بطون ذئاب الأرض صارت قبورهم
|
ولم ترض أرض أن تكون لهم رمسا
|
وطارت على نار المواضي فراشهم
|
صلاء فزادت من خمودهم قبسا
|
وقد خشعت أصوات أبطالها فما
|
يعي السمع إلا من صليل الظبى همسا
|
تقاد بدأ ماء الدماء ملوكهم
|
أسارى كسفن اليم نطت بها القلسا
|
سبايا بلاد الله مملوءة بها
|
وقد شريت بخسا وقد عرضت نخسا
|
يطاف بها الأسواق لا راغب لها
|
لكثرتها كم كثرة توجب الوكسا
|
شكا يبسا رأس البرنس الذي به
|
تندى حسام حاسم ذلك اليبسا
|
حسا دمه ماضي الغرار لقدره
|
وما كان لولا غدره دمه يحسى
|
فلله ما أهدى فتكت به
|
وأطهر سيفا معدما رجسه النجسا
|
نسفت به رأس البرنس بضربة
|
فاشبه رأسي رأسه العهن والبرسا
|
تبوغ في أوداجه دم بغيه
|
فصال عليه السيف يلحسه لحسا
|
من
كتاب (خمسون
ألف بيت من الشعر) للدكتور
منصور أبوشريعة العبادي
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق