2013-06-12

الأصبهاني في مدح صلاح الدين الأيوبي بعد فتح القدس


في مدح صلاح الدين الأيوبي بعد فتح القدس

عماد الدين الأصبهاني (العراق 1125-1201م)

 





أطيب بأنفاس تطيب لكم نفسا

وتعتاض من ذكراكم وحشتي أنسا

وأسأل عنكم عافيات دوارس

غدت بلسان الحال ناطقة خرسا

معاهدكم ما بالها كعهودكم

وقد كررت من درس آثارها درسا

وقد كان في حدسي لكم كل طارق

وما جئتم من هجركم خالف الحدسا

أرى حدثان الدهر ينسى حديثه

وأما حديث الغدر منكم فلا ينسى

تزول الجبال الراسبات وثابت

رسيس غرام في فؤادي لكم أرسى

حسبت حبيبي قاسي القلب وحده

وقلب الذي يهوى بحمل الهوى أقسى

أما لكم يا مالكي الرق رقة

يطيب بها مملوككم منكم نفسا

وإن سروري كنت أسمع حسه

فمذ سرت عنكم ما سمعت له حسا

وإن نهاري صار ليلا لبعدكم

فما أبصرت عيني صباحا ولا شمسا

بكيت على مستودعات قلوبكم

كما قد بكت قدما على صخرها الخنسا

فلا تحبسوا عني الجميل فإنني

جعلت على حبي لكم مهجتي حبسا

رأيت صلاح الدين أفضل من غدا

وأشرف من أضحى وأكرم من أمسى

وقيل لنا في الأرض سبعة أبحر

ولسنا نرى إلا أنامله الخمسا

سجيته الحسنى وشيمته الرضا

وبطشته الكبرى وعزمته القعسا

فلا عدمت أيامنا منه مشرقا

ينير بما يولي ليالينا الدمسا

جنودك أملاك السماء وظنهم

عداتك جن الأرض في الفتك لا الإنسا

فلا يستحق القدس غيرك في الورى

فأنت الذي من دونهم فتح القدسا

ومن قبل فتح القدس كنت مقدسا

فلا عدمت أخلاقك الطهر والقدسا

وطهرته من رجسهم بدمائهم

فأذهبت بالرجس الذي ذهب الرجسا

نزعت لباس الكفر عن قدس أرضها

وألبستها الدين الذي كشف اللبسا

وعادت ببيت الله أحكام دينه

فلا بطركا أبقيت فيها ولا قسا

وقد شاع في الآفاق عنك بشارة

بأن أذان القدس قد أبطل النقسا

جرى بالذي تهوى القضاء وظاهرت

ملائكة الرحمن أجنادك الحمسا

وكم لبني أيوب عبد كعنتر

فإن ذكروا بالبأس لا يذكروا عبسا

وقد طاب ريانا على طبرية

فيا طيبها مغنى ويا حسنها مرسى

وعكا وما عكا فقد كان فتحها

لإجلائهم عن مدن ساحلهم كنسا

وصيدا وبيروت وتبنين كلها

بسيفك ألفى أنفه الرغم والتعسا

ويافا وأرسوف وتبنى وغزة

تخذت بها بين الطلى والظبى عرسا

وفي عسقلان الكفر ذل بملككم

فمنظره بل أمره اربد وارجسا

وصار بصور عصبة يرقبونكم

فلا تبطئوا عنها وحسوهم حسا

توكل على الله الذي لك أصبحت

كلاءته درعا وعصمته ترسا

ودمر على الباقين واجتث أصلهم

فإنك قد صيرت دينارهم فلسا

ولا تنس شرك الشرق غربك مرويا

بماء الطلى من صاديات الظبى الخمسا

وإن بلاد الشرق مظلمة فخذ

خراسان والنهرين والترك والفرسا

وبعد الفرنج الكرك فاقصد بلادهم

بعزمك واملأ من دمائهم الرمسا

أقامت بغاب الساحلين جنودكم

وقد طردت عنه ذئابهم الطلسا

سحبت على الأردن ردنا من القنا

ردينية ملدا وخطية ملسا

حططت على حطين قدر ملوكهم

ولم تبق من أجناس كفرهم جنسا

ونعم مجال الخيل حطين لم تكن

معاركها للجرد ضرسا ولا دهسا

غداة أسود الحرب معتقلوا القنا

أساود تبغي من نحور العدا نهسا

أتوا شكس الأخلاق خشنا فلينت

حدود الرقاق الخشن أخلاقها الشكسا

طردتهم في الملتقى وعكستهم

مجيدا بحكم العزم طردك والعكسا

فكيف مكست المشركين رؤوسهم

ودأبك في الإحسان أن تطلق المكسا

كسرتهم إذ صح عزمك فيهم

ونكستهم إذ صار سهمهم نكسا

بواقعة رجت بها الأرض جيشهم

دمارا كما بست جبالهم بسا

بطون ذئاب الأرض صارت قبورهم

ولم ترض أرض أن تكون لهم رمسا

وطارت على نار المواضي فراشهم

صلاء فزادت من خمودهم قبسا

وقد خشعت أصوات أبطالها فما

يعي السمع إلا من صليل الظبى همسا

تقاد بدأ ماء الدماء ملوكهم

أسارى كسفن اليم نطت بها القلسا

سبايا بلاد الله مملوءة بها

وقد شريت بخسا وقد عرضت نخسا

يطاف بها الأسواق لا راغب لها

لكثرتها كم كثرة توجب الوكسا

شكا يبسا رأس البرنس الذي به

تندى حسام حاسم ذلك اليبسا

حسا دمه ماضي الغرار لقدره

وما كان لولا غدره دمه يحسى

فلله ما أهدى فتكت به

وأطهر سيفا معدما رجسه النجسا

نسفت به رأس البرنس بضربة

فاشبه رأسي رأسه العهن والبرسا

تبوغ في أوداجه دم بغيه

فصال عليه السيف يلحسه لحسا


 

من كتاب (خمسون  ألف بيت من الشعر) للدكتور منصور أبوشريعة العبادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق