2014-07-30

حكم شعراء الجاهلية-1

 
حكم شعراء الجاهلية-1
من كتاب (خمسون ألف بيت من الشعر)

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي

الكتاب متوفر على الموقع التالي

 


 

مالك بن فهم الأزدي  (اليمن ؟ - 321م)

فيا عجبا لمن ربّيتُ طِفلا
أُلقِّمُه بأطرافِ البنانِ
جزاهُ الله من ولد جزاء
سُليمة إِنّهُ شرا جزاني
أُعلِّمُه الرماية كُلّ يوم
فلمّا اشتدّ ساعِدهُ رماني
وكم علمتُه نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
أعلّمه الفُتُوّة كل وقت
فلمّا طرّ شارِبُه جفاني
رمى عيني بِسهم أشقذيّ
حديد شفرتاهُ لهذمانِ
توخّاني بِقدح شكّ قلبي
دقيق قد برته الراحتان
فأهوى سهمه كالبرقِ حتىّ
أصاب به الفؤاد وما أتّقاني
فلا ظفرتِ يداهُ حين يرمي
وشُلّت منه حامِلةُ البنانِ
فبكوا يا بنيّ عليّ حولا
ورثُّوني وجازوا من رماني

 

لقيط بن يعمر الإيادي (العراق ؟-380م)

أبلغ إيادا وخلّل في سراتهم
إني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا
لا الحرثُ يشغلُهم بل لا يرون لهم
من دون بيضتِكم رِيّا ولا شِبعا
وأنتمُ تحرثون الأرض عن سفه
في كل معتمل تبغون مزدرعا
يا لهف نفسي إن كانت أموركم
شتى ّوأُحكِم أمر الناس فاجتمعا
اشروا تلادكم في حرز أنفسكم
وحِرز نسوتكم لا تهلكوا هلعا
ولا يدع بعضُكم بعضا لنائبة
كما تركتم بأعلى بيشة  النخعا
وتُلقحون حِيال الشّول آونة
وتنتجون بدار القلعة ِ الرُّبعا
اذكوا العيون وراء السرحِ واحترسوا
حتى ترى الخيل من تعدائها رُجُعا
فإن غُلبتم على ضنّ بداركم
فقد لقيتم بأمرِ حازم فزعا
لا تلهكم إبلُ ليست لكم إبلُ
إن العدو بعظم منكم قرعا
هيهات لا مال من زرع ولا إبل
يُرجى لغابركم إن أنفكم جُدِعا
لا تثمروا المال للأعداء إنهم
إن يظفروا يحتووكم والتّلاد معا
والله ما انفكت الأموال مذ أبدُ
لأهلها أن أصيبوا مرة  تبعا
يا قومُ إنّ لكم من عزّ  أوّلكم
إرثا قد أشفقت أن يُودي فينقطعا
ومايرُدُّ عليكم عزُّ أوّلكم
أن ضاع آخره أو ذلّ فاتضعا
فلا تغرنكم دنيا ولا طمعُ
لن تنعشوا بزماع ذلك الطمعا
يا قومُ بيضتكم لا تفجعنّ بها
إني أخافُ عليها الأزلم الجذعا
يا قومُ لا تأمنوا إن كنتمُ غُيُرا
على نسائكم كسرى وما جمعا
هو الجلاء الذي يجتثُّ أصلكم
فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا
قوموا قياما على أمشاط أرجلكم
ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا
فقلدوا أمركم لله دركم
رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفا إن رخاءُ العيش ساعده
ولا إذا عضّ مكروهُ به خشعا
مُسهّدُ النوم تعنيه ثغوركم
يروم منها إلى الأعداء مُطّلعا
ما انفك يحلب درّ الدهر أشطره
يكون مُتّبعا طورا ومُتبِعا
وليس يشغله مال يثمّرُهُ
عنكم ولا ولد يبغى له الرفعا
حتى استمرت على شزر مريرته
مستحكم السنِ لا قمحا ولا ضرعا

 

أحيحة بن الجلاح الأوسي (الحجاز ؟- 498م)

صحوتُ عنِ الصِبا والدهرُ غولُ
ونفسُ المرءِ آمِنة قتولُ
ولو أنّي أشاءُ نعِمتُ حالا
وباكرني صبوح أو نشيلُ
ولاعبني على الأنماطِ لُعس
على أفواهِهِنّ الزنجبيلُ
ولكِنّي جعلتُ إِزاء مالي
فأقلل بعد ذلك أو أنيل
فهل مِن كاهِن أوذي إِله
إِذا ما حان مِن ربّ أُفولُ
يُراهِنُني فيُرهِنُني بنيهِ
وأُرهِنُهُ بنِيّ بِما أقولُ
وما يدري الفقيرُ متى غِناهُ
وما يدري الغنِيُّ متى يُعيلُ
وما تدري وإِن ألقحت شولا
أتُلقحُ بعد ذلِك أم تحيلُ
وما تدري إِذا ذمّرت سقبا
لِغيرِك أم يكونُ لك الفصيلُ
وما تدري وإِن أجمعت أمرا
بِأيِّ الأرضِ يُدرِكُك المقيلُ
لعمرُ أبيك ما يُغني مقامي
مِن الفِتيانِ أنجيهِ حُفولُ
يرومُ ولا يُعلِّصُ مُشمعِلّا
عنِ العوراءِ مضجعُهُ ثقيلُ
تبوع لِلحليلةِ حيثُ كانت
كما يعتادُ لقحتهُ الفصيلُ
وقد علِمت بنو عمرو بِأنّي
مِن السرواتِ أعدلُ ما يميلُ
وما مِن أُخوة كثُروا وطابوا
بِناشِئة لِأمّهمُ الهبولُ
ستُشكِلُ أو يُفارِقُها بِنوها
سريعا أو يهِمُّ بِهِم قبيلُ
تفهّم أيُّها الرجُلُ الجهولُ
ولا يذهب بِك الرأيُ الوبيلُ
فإِنّ الجهل محمِلُهُ خفيف
وإِنّ الحِلم محمِلُهُ ثقيلُ

 

وإِنّي لصرّام ولم يُخلِقِ الهوى
جميل فِراقي حين تبدو الشرايِعُ
وإِنّي لأستبقي إِذا العُسرُ مسّني
بشاشة نفسي حين تُبلى المنافِعُ
وأعفي عن قومي ولو شِئتُ نوّلوا
إِذا ما تشكّى المُلحِفُ المُتضارِعُ
مخافة أن أقلى إِذا شِئتُ سائِلا
وتُرجِعني نحو الرِجالِ المطامِعُ
فأسمع مِنّا أو أُشرِّف مُنعِما
وكُلُّ مُصادي نِعمة مُتواضِعُ
وأُعرِضُ عن أشياء لو شِئتُ نِلتُها
حياء إِذا ماكان فيها مقاذِعُ
ولا أدفعُ اِبن العمِّ يمشي على شفا
ولو بلغتني مِن أذاهُ الجنادِعُ
ولكِن أُواسيهِ وأنسى ذُنوبهُ
لِتُرجِعهُ يوما إِليّ الرواجِعُ
وأُفرِشُهُ مالي وأحفظُ عيبهُ
لِيسمع إِنّي لا أُجازِهِ سامِعُ
وحسبُك مِن جهل وسورِ صنيعة
مُعاداة ذي القُربى وإِن قيل قاطِعُ
فأسلِم عناك الأهل تسلم صُدورُهُم
ولا بُدّ يوما أن يروعك رايِعُ
فتبلوهُ ما سلّفت حتّى يرُدّهُ
إِليك الجوازي وافِرا  والصنايِعُ
فإِن تُبلِ عفوا يُعف عنك وإِن تكُن
تُقارِعُ بِالأُخرى تُصِبك القوارِعُ
ولا تبتدِع حربا تُطيقُ اِجتِنابها
فيلحمك الناس الحُروبُ البدايِعُ

 

المهلهل بن ربيعة التغلبي (نجد ؟-531م)

لِكُلِّ أُناس مِن معدّ عِمارة
عروض إِليها يلجؤون وجانِبُ
لُكيز  لها البحرانِ والسيفُ كُلُّهُ
وإِن يأتِها بأس مِن الهِندِ كارِبُ
تطاير عن أعجازِ حوش كأنّها
جهام أراق ماءهُ فهو آئِبُ
وبكر لها ظهر العِراقِ وإِن تشأ
يحُل دونها مِن اليمامةِ حاجِبُ
وصارت تميم بين قُفّ ورملة
لها مِن حِبال مُنتأى ومذاهِبُ
وكلب لها خبت فرملةُ عالِج
إِلى الحرّةِ الرجلاءِ حيثُ تُحارِبُ
وغسّانُ حيّ عِزُّهُم في سِواهُمُ
يُجالِدُ عنهُم مِقنب وكتائِبُ
وبهراءُ حيّ قد علِمنا مكانهُم
لهُم شرك حول الرُصافةِ لاحِبُ
وغارت إِياد في السوادِ ودونها
برازيقُ عُجم تبتغي من تُضارِبُ
ولخم مُلوكُ الناسِ يُجبى إِليهِمُ
إِذا قال مِنهُم قائِل فهو واجِبُ
ونحنُ أُناس لا حِجاز بِأرضِنا
مع الغيثِ ما نُلقى ومن هُو غالِبُ
ترى رائِداتِ الخيلِ حول بُيوتِنا
كمِعزى الحِجازِ أعجزتها الزرائِبُ

 

 

أمرؤ القيس الكندي (نجد 496-544م)

 

اجارتنا إن الخطوب تنوب
وإني مقيم ما أقام عسيب
اجارتنا انا غريبان ها هنا
وكل غريب للغريب نسيب
فأن تصلينا فالقرابة بيننا
وان تصرمينا فالغريب غريب
اجارتنا مافات ليس يؤؤب
وما هو آت في الزمان قريب
وليس غريبا من تناءت دياره
ولكن من وارى التراب غريب

 

أراهُنّ لا يُحبِبن من قلّ مالُهُ
ولا من رأين الشيب فيه وقوّسا
وما خفتُ تبريح الحياة كما أرى
تضِيقُ ذِرِاعي أن أقوم فألبسا
فلو أنها نفس تموتُ جميعة
ولكِنّها نفس تساقطُ أنفُسا
وبدلت قرحا داميا بعد صحة
فيا لك من نعمى تحوّلن أبؤسا
لقد طمح الطّمّاحُ من بُعد أرضِهِ
ليلبسني من دائه ما تلبسا
ألا إن بعد العُدم للمرء قنوة
وبعد المشيبِ طول عُمر  وملبسا

 

 

 

أقبلتُ مُقتصِدا وراجعني
حلمي وسدد للتقى فعلي
والله أنجحُ ما طلبتُ بِهِ
والبرّ خير حقيبة ِ الرحل
ومِن الطّرِيقة ِ جائِر  وهُدى
قصدُ السبيل ومنه ذو دخل
إني لأصرمُ من يصارمني
وأجد وصل من ابتغى وصلي
وأخِي إخاء ذِي مُحافظة
سهل الخليقة ِ ماجدِ الأصل
حلو إذا ما جئتُ قال ألا
في الرحبِ أنت ومنزل السهل

 

ثابت بن أوس الأزدي (الشنفرى) (اليمن ؟-554م)

 

وفي الأرض منأى  للكريم  عن الأذى
وفيها  لمن خاف القِلى  مُتعزّلُ
لعمرُك  ما بالأرض ضيق على أمرئ
سرى راغبا أو راهبا  وهو يعقلُ
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم  إذ أجشعُ القومِ أعجل
وما ذاك إلا بسطة عن تفضل
عليهِم  وكان الأفضل المتفضِّلُ
وإني كفاني فقدُ من ليس جازيا
بِحُسنى  ولا في قربه مُتعلّلُ
ولستُ بمهيافِ  يُعشِّى سوامهُ
مُجدعة سُقبانها  وهي بُهّلُ
ولا جبأ أكهى مُرِبِّ بعرسِهِ
يُطالعها في شأنه كيف يفعلُ
ولا خرِق هيق  كأن فُؤادهُ
يظلُّ به المكّاءُ يعلو ويسفُلُ
ولا خالفِ داريّة  مُتغزِّل
يروحُ ويغدو داهنا  يتكحلُ
ولستُ بِعلّ شرُّهُ دُون خيرهِ
ألفّ  إذا ما رُعته اهتاج  أعزلُ
أُدِيمُ مِطال الجوعِ حتى أُمِيتهُ
وأضربُ عنه الذِّكر صفحا  فأذهلُ
وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى لهُ
عليّ  من الطّولِ  امرُؤ مُتطوِّلُ
ولولا اجتناب الذأم  لم يُلف مشرب
يُعاش به  إلا لديِّ  ومأكلُ
ولكنّ نفسا مُرة لا تقيمُ بي
على الضيم  إلا ريثما أتحولُ
وأطوِي على الخُمص الحوايا كما
انطوت خُيُوطةُ ماريّ تُغارُ  وتفتلُ
وأغدو على القوتِ الزهيدِ كما غدا
أزلُّ تهاداه التّنائِفُ  أطحلُ
فإني لمولى الصبر  أجتابُ بزّه
على مِثل قلب السِّمع  والحزم أنعلُ
وأُعدمُ أحيانا  وأُغنى  وإنما
ينالُ الغِنى ذو البُعدةِ المتبذِّلُ
فلا جزع من خِلة مُتكشِّف
ولا مرِح تحت الغِنى أتخيلُ
ولا تزدهي الأجهال حِلمي  ولا أُرى
سؤولا بأعقاب الأقاويلِ أُنمِلُ

 

السموأل بن عاديا (الحجاز ؟-560م)

إذا المرءُ لم يُدنس مِن اللُؤمِ عِرضُهُ
فكُلُّ رِداء يرتديهِ جميلُ
وإِن هُو لم يحمِل على النفسِ ضيمها
فليس إِلى حُسنِ الثناءِ سبيلُ
تُعيِّرُنا أنّا قليل عديدُنا
فقُلتُ لها إِنّ الكِرام قليلُ
وما قلّ من كانت بقاياهُ مِثلنا
شباب تسامى لِلعُلى وكُهولُ
وما ضرّنا أنّا قليل وجارُنا
عزيز وجارُ الأكثرين ذليلُ
لنا جبل يحتلُّهُ من نُجيرُهُ
منيع يرُدُّ الطرف وهُو كليلُ
رسا أصلُهُ تحت الثرى وسما بِهِ
إِلى النجمِ فرع لا يُنالُ طويلُ
هُو الأبلقُ الفردُ الّذي شاع ذِكرُهُ
يعِزُّ على من رامهُ ويطولُ
وإِنّا لقوم لا نرى القتل سُبّة
إِذا ما رأتهُ عامِر وسلولُ
يُقرِّبُ حُبُّ الموتِ آجالنا لنا
وتكرهُهُ آجالُهُم فتطولُ
وما مات مِنّا سيِّد حتف أنفِهِ
ولا طُلّ مِنّا حيثُ كان قتيلُ
تسيلُ على حدِّ الظُباتِ نُفوسُنا
وليست على غيرِ الظُباتِ تسيلُ
صفونا فلم نكدُر وأخلص سِرّنا
إِناث أطابت حملنا وفُحولُ
علونا إِلى خيرِ الظُهورِ وحطّنا
لِوقت إِلى خيرِ البُطونِ نُزولُ
فنحنُ كماءِ المُزنِ ما في نِصابِنا
كهام ولا فينا يُعدُّ بخيلُ
ونُنكِرُ إِن شِئنا على الناسِ قولهُم
ولا يُنكِرون القول حين نقولُ
إِذا سيِّد مِنّا خلا قام سيِّد
قؤُول لِما قال الكِرامُ فعُولُ
وما أُخمِدت نار لنا دون طارِق
ولا ذمّنا في النازِلين نزيلُ
وأيّامُنا مشهورة في عدُوِّنا
لها غُرر معلومة وحُجولُ
وأسيافُنا في كُلِّ شرق ومغرِب
بِها مِن قِراعِ الدارِعين فُلولُ
مُعوّدة ألّا تُسلّ نِصالُها
فتُغمد حتّى يُستباح قبيلُ
سلي إِن جهِلتِ الناس عنّا وعنهُمُ
فليس سواء عالِم وجهولُ
فإِنّ بني الريّانِ قطب لِقومِهِم
تدورُ رحاهُم حولهُم وتجولُ

 

نطفة ما منيتُ يوم منيتُ
أمرت أمرها وفيها بريتُ
كنّها الله في مكان خفِيّ
وخفِيّ مكانُها لوخفِيتُ
ميت دهر قد كنتُ ثم حيِيتُ
وحياتي رهنُ بأن سأموتُ
إنّ حلمي إذا تغيب عني
فاعلمي أنني كبيرا رزيتُ
ضيقُ الصدرِ بالأمانة  لا
ينـقُصُ فقرِي أمانتِي ما بقِيتُ
رُبّ شتم سمِعتُه فتصاممـتُ
وغيّ تركتُه فكُفِيتُ
ليت شِعرِي وأشعُرنّ إذا ما
قربوها منشورة ودعيت
ألِي الفضلُ أم عليّ إذا حُوسبتُ
أنيّ على الحسابِ مقيتُ
وأتاني اليقينُ أني إذا متُّ
مِتُّ أو رمّ أعظُمِي مبعُوتُ
هل أقولنّ إذ تدارك ذنبي
وتذكى عليّ إني نهيتُ؟
أبِفضل من الملِيكِ ونُعمى
أم بذنبِ قدمتهُ فجزيتُ
ينفعُ الطيبُ القليلُ من الرزقِ
ولا ينفعُ الكثِيرُ الخبِيتُ
فاجعلن رِزقِي الحلال من الكسـبِ
وبِرّا سرِيرتِي ما حيِيتُ
وأتتنِي الأنباءُ عن مُلكِ داودُ
فقرت عيني بهِ ورضيتُ
ليس يعطى القويُّ فضلا من الرزق
ولا يحرمُ الضعيفُ الشخيتُ
بل لكلِّ من رزقهِ ما قضى اللهُ
وإن حّز أّنفه ا لمستميتُ

 

طرفة بن العبد البكري (البحرين 539-564م)

أرى قبر نحّام بخيل بِماله
كقبرِ غوِيِّ في البطالةِ مُفسِدِ
ترى جشوتينِ من تُراب عليهما
صفائحُ صُمِّ من صفيح مُنضّدِ
أرى الموت يعتامُ الكِرام ويصطفي
عقِيلة مالِ الفاِحشِ اُلمتشدِّدِ
أرى العيش كنزا ناقصا كلّ ليلة
وما تنقُصِ الأيّامُ والدّهرُ ينفدِ
لعمرُك إِنّ الموت ما أخطأ الفتى
لكالطّولِ اُلمرخى وثِنياهُ بِاليدِ
وظُلمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضة
على المرءِ مِن وقعِ الُحسامِ الُمهنّدِ
ستُبدِي لك الأيّامُ ما كُنت جاهِلا
ويأتِيك بالأخبارِ من لم تُزوِّدِ
ويأتِيك بالأخبارِ من لم تبع لهُ
بتاتا ولم تضرِب لهُ وقت موعدِ


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

ما تنظُرون بِحقّ وردة  فيكُمُ
صغُر البنون ورهطُ وردة  غُيّبُ
قد يبعثُ الأمر العظِيم صغيرُهُ
حتى تظلّ له الدماءُ تصبّبُ
والظُّلمُ فرّق بين حبّي وائِل
بكر تُساقيها المنايا تغلبُ
قد يُوردُ الظُّلمُ المبيِّنُ آجنا
مِلحا يُخالطُ بالذعافِ ويُقشبُ
وقِرافُ من لا يستفيقُ دعارة
يُعدي كما يُعدي الصّحيح الأجربُ
والإثُم داء ليس يُرجى بُرؤُهُ
والبُّر بُرء ليس فيه معطبُ
والصّدقُ يألفُهُ الكريمُ المرتجى
والكذبُ يألفه الدّنئُ الأخيبُ
ولقد بدا لي أنّه سيغُولُني
ما غال"عادا"والقُرون فاشعبوا
أدُّوا الحُقوق تفِر لكم أعراضُكم
إِنّ الكريم إذا يُحرّبُ يغضبُ

 

إذا كنت في حاجة  مرسلا
فأرسِل حكِيما ولا تُوصِهِ
وإن ناصح منك يوما دنا
فلا تنأ عنه ولا تُقصهِ
وإن بابُ أمر عليك التوى
فشاوِر لبيبا ولاتعصهِ
وذو الحقِّ لا تنتقِص حقّهُ
فإِنّ القطيعة في نقصِهِ
ولا تذكُرِ الدّهر في مجلِس
حديثا إذا أنت لم تُحصهِ
ونُصّ الحديث إلى أهلِهِ
فإن الوثيقة  في نصهِ
ولاتحرصنّ فرُبّ امرئ
حريص مُضاع على حِرصِهِ
وكم مِن فتى  ساقِط عقلُهُ
وقد يُعجبُ الناسُ من شخصِهِ
وآخر تحسبهُ أنوكا
ويأتِيك بالأمرِ مِن فصّهِ
لبِستُ اللّيالي فأفنينني
وسربلني الدهرُ في قُمصهِ

 

وأعلمُ علما ليس بالظنِّ أنّهُ
إذا ذلّ مولى المرءِ فهو ذليلُ
وإنّ لِسان المرء ما لم تكُن لهُ
حصاة  على عوراتِهِ لدلِيلُ
وإنّ امرأ لم يعفُ يوما فُكاهة
لمن لم يرد سوءا بها لجهولُ
تعارفُ أرواحُ الرّجالِ إذا التقوا
فمنهُم عدُو يُتّقى وخليلُ

 

الأفوه الأودي(اليمن ؟ - 570م)

فينا معاشِرُ لم يبنوا لِقِومِهِمُ
 وإِنّ بني قومِهِم ما أفسدوا عادوا
لا يرشُدون ولن يرعوا لِمُرشِدِهم
 فالغيُّ مِنهُم معا والجهلُ ميعادُ
كانوا كمِثلِ لُقيم في عشيرتِهِ
 إذ أُهلِكت بِالّذي قد قدّمت عادُ
أو بعده كِقُدار حين تابعهُ
 على الغِوايةِ أقوام فقد بادوا
والبيتُ لا يُبتنى إِلّا لهُ عمد
 ولا عِماد إِذا لم تُرس أوتادُ
فإِن تجمّع أوتاد وأعمِدة
 وساكِن بلغوا الأمر الّذي كادوا
وإِن تجمّع أقوام ذوو حسب
 اِصطاد أمرهُمُ بِالرُشدِ مُصطادُ
لا يصلُحُ الناسُ فوضى لا سراة  
 لهم ولا سراة إِذا جُهّالُهُم سادوا
تُلفى الأُمورُ بِأهلِ الرُشدِ ما
صلحت فإِن تولّوا فبِالأشرارِ تنقادُ
إِذا تولّى سراةُ القومِ أمرهُمُ
 نما على ذاك أمرُ القومِ فاِزدادوا
أمارةُ الغيِّ أن تلقى الجميع لدى ال
 إِبرامِ لِلأمرِ والأذنابُ أكتادُ
كيف الرشادُ إِذا ما كُنت في نفر
 لهُم عنِ الرُشدِ أغلال وأقيادُ
أعطوا غُواتهمُ جهلا مقادتهُم
 فكُلُّهُم في حِبالِ الغيِّ مُنقادُ
حان الرحيلُ إِلى قوم وإِن بعُدوا
 فيهِم صلاح لِمُرتاد وإِرشادُ
فسوف أجعلُ بُعد الأرضِ دونكُمُ
 وإِن دنت رحِم مِنكُم وميلادُ
إِنّ النجاة إِذا ما كُنت ذا بصر
 مِن أجّةِ الغيِّ إِبعاد فإِبعادُ
والخيرُ تزدادُ مِنهُ ما لقيت بِهِ
 والشرُّ يكفيك مِنهُ قلّ ما زادُ

 

 

أَلا عَلِّلاني وَاِعلَما أَنَّني غَرَر
وَما خِلتُ يُجديني الشَفاقُ وَلا الحَذَر
وَما خِلتُ يُجديني أَساتي وَقَد بَدَت
مَفاصِلُ أَوصالي وَقَد شَخَصَ البَصَر
وَجاءَ نِساءُ الحَيِّ مِن غَيرِ أَمرَةٍ
زَفيفاً كَما زَفَّت إِلى العَطَنِ البَقَر
وَجاؤوا بِماءٍ بارِدٍ وَبِغِسلَةٍ
فَيا لَكَ مِن غُسلٍ سَيتبَعُهُ عِبَر
فَنائِحَةٌ تَبكي وَلِلنَوحِ دَرسَةٌ
وأَمرٌ لَها يَبدو وَأَمرٌ لَها يُسَر
وَمِنهُنَّ مَن قَد شَقَّقَ الخَمشُ وَجهَها
مُسَلِّبَةً قَد مَسَّ أَحشاءَها العِبَر
فَرَمّوا لَهُ أَثوابَهُ وَتفَجَّعوا
ورَنَّ مُرِنّاتٌ وَثارَ بِه النَفَر
إِلى حُفرَةٍ يَأوي إِلَيها بِسَعيِهِ
فَذَلِكَ بَيتُ الحَقِّ لا الصوفُ وَالشَعَر
وَهالوا عَلَيه التُربَ رَطباً وَيابِساً
أَلا كُلُّ شَيءٍ ما سِوى تِلكَ يُجتَبَر
وَقالَ الَّذينَ قَد شَجَوتُ وَساءَهُم
مَكاني وَما يُغني التَأَمُّلُ وَالنَظَر
قِفوا ساعَةً فَاِسَتمتِعوا مِن أَخيكُمُ
بِقُربٍ وَذِكرٍ صالِحٍ حينَ يُدَّكَر

 

هدبة بن الخشرم (الحجاز ؟-574م)

طرِبت وأنت أحيانا طروبُ
وكيف وقد تعلّاك المشيبُ
يُجِدّ النأيُ ذِكركِ في فؤادي
إِذا ذهِلت عنِ النأي القُلوبُ
يؤرِّقُني اكتِئابُ أبي نُمير
فقلبي مِن كآبتِهِ كئيبُ
فقُلتُ لهُ هداك اللهُ مهلا
وخيرُ القولِ ذو اللُّبِّ المُصيبُ
عسى الكربُ الّذي أمسيتُ فيهِ
يكونُ وراءهُ فرج قريبُ
فيأمن خائِف ويُفكّ عان
ويأتي أهلهُ النائي الغريبُ
ألا ليت الرياح مُسخّرات
بِحاجتِنا تُباكِرُ أوتؤوبُ
فتُخبِرنا الشمالُ إِذا أتتنا
وتُخبِر أهلنا عنّا الجنُوبُ
فإِنّا قد حللنا دار بلوى
فتُخطِئُنا المنايا أوتُصِيبُ
فإِن يكُ صدرُ  هذا اليومِ  ولّى
فإِنّ غدا لِناظِرِهِ قريبُ
وقد علِمت سُليمى أنّ عودي
على الحدثانِ ذو أيد صليبُ
وأنّ خليقتي كرم وأنّي
إِذا أبدت نواجِذها الحروبُ
أُعينُ على مكارِمها وأغشى
مكارِهها إِذا كعّ الهيوبُ
وأنّي في العظائِمِ ذو غناء
وأُدعى لِلفعالِ فأستجيبُ
وأنّي لا يخافُ الغدر جاري
ولا يخشى غوائِلي الغريبُ
وكم مِن صاحِب قد بان عنّي
رُميتُ بِفقدِهِ وهو الحبيبُ
فلم أُبدِ الّذي تحنوا ضُلوعي
عليهِ وإِنّني لأنا الكئيبُ
مخافة أن يراني مُستكينا
عدو أو يُساء بِهِ قريبُ
ويشمت كاشِح ويظُنّ أنّي
جزوع عِند نائِبة تنوبُ
على أنّ المنيّة قد توافي
لِوقت والنوائِبُ قد تنوبُ

 

 

ألا علِّلاني قبل نوحِ النوائِحِ
وقبل اطِّلاعِ النفسِ بين الجوانِحِ
وقبل غد يا لهف نفسي على غد
إِذا راح أصحابي ولستُ بِرائِحِ
إِذا راح أصحابي بِفيضِ دُموعِهِم
وغُودِرتُ في لحد عليّ صفائِحي
يقولون هل أصلحتُمُ لأخيكُمُ
وما الرمسُ في الأرضِ القِواءِ بِصالِحِ
يقولون لا تبعُد وهُم يدفِنونني
وليس مكانُ البُعدِ إِلا ضرائِحي

 

 

ولِلدّهرِ في أهلِ الفتى وتِلادِهِ
نصيب كقسمِ اللحمِ أو هو أبرحُ
وحِبّ إِلى الإِنسانِ ما طال عُمرهُ
وإِن كان يُشقى في الحياةِ  ويُقبحُ
تغُرُّهُم الدُنيا وتأميلُ عيشها
ألا إِنّما الدُنيا غُرور مُترِّحُ
وآخِرُ ما شيء يعولُك والّذي
تقادم تنساهُ وإِن كان يُفرِحُ
وفيما مضى مِن سالِفِ الدهرِ لِلفتى
بلاء وفيما بعدهُ مُتمنّحُ
قليل مِن الفِتيانِ من هو صابِر
مُثيب بِحقِّ الدهرِ فيما يُروِّحُ
على أنّ عِرفانا إِذا لم يكُن لهُم
يدانِ بِما لم يملِكوا أن يُزحزحوا

 

حاتم بن عبدالله الطائي (نجد ؟-577م)

أماوي! قد طال التجنب والهجر
وقد عذرتني من طلابكم العذرُ
أماوي! إن المال غاد ورائح
ويبقى  من المال الآحاديث والذكرُ
أماوي! إني لا أقول لسائل
إذا جاء يوما حلّ في مالِنا نزرُ
أماوي! إما مانع فمبين
وإما عطاء لا ينهنهه الزجرُ
أماوي! ما يغني الثراءُ عن الفتى
إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدرُ
إذا أنا دلاني الذين أحبهم
لِملحُودة  زُلج جوانبُها غُبرُ
وراحوا عجلا ينفصون أكفهم
يقولون قد دمّى أنامِلنا الحفرُ
أماوي! إن يصبح صداي بقفرة
من الأرض لا ماء هناك ولا خمرُ
ترى  أن ما أهلكت لم يك ضرني
وأنّ يدي ممّا بخِلتُ بهِ صفرُ
أماوي! إني رب واحد أمه
أجرت فلا قتل عليه ولا أسرُ
وقد علِم الأقوامُ لو أنّ حاتِما
أراد ثراء المال كان له وفرُ
وإني لا آلو بكال ضيعة
فأوّلُهُ زاد وآخِرُهُ ذُخرُ
يُفكّ بهِ العاني ويُؤكلُ طيّبا
وما إن تعريه القداح ولا الخمرُ
ولا أظلِمُ ابن العمّ إن كان إخوتي
شهودا وقد أودى  بإخوته الدهرُ
عُنينا زمانا بالتّصعلُكِ والغِنى
كما الدهر في أيامه العسر واليسرُ
كسينا صرُوف الدّهرِ لِينا وغِلظة
وكلا سقاناه بكأسيهما الدهرُ
فما زادنا بأوا على ذي قرابة
غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا الفقرُ
فقِدما عصيتُ العاذِلاتِ وسُلّطت
على مُصطفى مالي أنامِلِي العشرُ
وما ضرّ جارا يا ابنة  القومِ
فاعلمي يُجاوِرُني ألا يكون لهُ سِترُ
بعينيّ عن جاراتِ قومي غفلة
وفي السّمعِ مني عن حديثِهِمِ وقرُ

 

وعاذلة هبت بليل تلومني
وقد غاب عيوق الثريا فعردا
تلومُ على إعطائي المال ضِلّة
إذا ضنّ بالمالِ البخيلُ وصرّدا
تقولُ ألا أمسِك عليك فإنّني
أرى المال عند الممسكين معبّدا
ذريني وحالي إنّ مالكِ وافِر
وكل امرئ جار على ما تعودا
أعاذل! لا آلوك إلا خليقني
فلا تجعلي فوقي لِسانكِ مِبردا
ذرِيني يكُن مالي لعِرضِي جُنّة
يقي المالُ عِرضِي قبل أن يتبدّدا
أرِيني جوادا مات هزلا لعلّني
أرى ما ترين أو بخيلا مُخلّدا
وإلاّ فكُفّي بعض لومكِ واجعلي
إلى رأي من تلحين رأيك مسندا
ألم تعلمي أني إذا الضيف نابني
وعزّ القِرى  أقري السديف المُسرهدا
أسودُ سادات العشيرة  عارفا
ومن دونِ قومي في الشدائد مِذودا
وألفى  لأعراض العشيرة  حافظا
وحقِّهِمِ حتى أكون المُسوّدا
يقولون لي: أهلكت مالك فاقتصد
وما كنتُ لولا ما تقولون سيّدا
كلوا الآن من رزق الإله وأيسروا
فإنّ على الرّحمانِ رِزقكُمُ غدا
سأذخرُ من مالي دلاصا وسابحا
وأسمر خطيا وعضبا مهندا
وذالك يكفيني من المال كله
مصوفا إذا ما كان عندي متلدا

 

هل الدهرُ إلا اليوم أو أمسِ أو غدُ
كذاك الزّمانُ بيننا يتردّدُ
يردُ علينا ليلة بعد يومها
فلا نحنُ ما نبقى  ولا الدّهرُ ينفدُ
لنا أجل إما تناهى إمامه
فنحن على آثاره نتوردُ
فأقسمت لا أمشي إلى سر جارة
مدى الدهر ما دام الحمام يغردُ
ولا أشتري مالا بِغدر علِمتُهُ
ألا كلّ مال خالط الغدرُ أنكدُ
إذا كان بعضُ المالِ ربّا لأهلِهِ
فإنّي بحمدِ اللّهِ مالي مُعبّدُ
يُفّكّ بهِ العاني ويُؤكلُ طيّبا
ويُعطى  إذا منّ البخيلُ المُطرّدُ
إذا ما البخيل الخب أخمد ناره
أقولُ لمن يصلى بناري أوقِدوا
توسّع قليلا أو يكُن ثمّ حسبُنا
وموقدها الباري أعف وأحمدُ
كذاك أُمورُ النّاسِ راض دنِيّة
وسام إلى فرعِ العُلا مُتورِّدُ
فمِنهُم جواد قد تلفّتُّ حولهُ
ومنهُم لئيم دائمُ الطّرفِ أقودُ
وداع دعاني دعوة  فأجبته
وهل يدع الداعين إلا المبلّدُ؟

 

مهلا نوار اقلي اللوم والعذلا
ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه مهلا
وإن كنت أعطي الجن والخبلا
يرى البخيل سيل المال واحدة
إن الجواد يرى  في ماله سيلا
إن البخيل إذا ما مات يتبعه
سُوءُ الثّناءِ ويحوي الوارِثُ الإبِلا
فاصدق حديثك إن المرء يتبعه
ما كان يبني إذا ما نعشُهُ حُمِلا
ليت البخيل يراهُ النّاسُ كُلُّهُمُ
كما يراهم فلا يقرى  إذا نزلا
لا تعذليني على مال وصلت بهِ
رحما وخير سبيل المال ما وصلا
يسعى الفتى  وحِمامُ الموتِ يُدرِكُهُ
وكلُّ يوم يُدنّي للفتى  الأجلا
إني لأعلم أني سوف يدركني
يومي وأصبح عن دنياي مشتغلا

 

وما مِن شيمتي شتمُ ابنِ عمّي
وما أنا مُخلِف من يرتجيني
سأمنحُهُ على العِلاّتِ حتى
أرى  ماوِيّ أن لا يشتكيني
وكلمةِ حاسد من غير جرم
سمِعتُ وقلتُ مرّي فانقِذيني
وعابُوها عليّ فلم تعِبني
ولم يعرق لها يوما جبيني
وذي وجهين يلقاني طلقا
وليس إذا تغيّب يأتسيني
نظرتُ بعينه فكففت عنهُ
محافظة على حسبي وديني
فلُوميني إذا لم أقرِ ضيفا
وأُكرِم مُكرِمي وأُهِن مُهيني

 

أما والذي لا يعلم الغيب غيرهُ
ويحيي العظام البيض وهي رميمُ
لقد كنتُ أطوي البطن والزاد يشتهى
مخافة  يوما أن يقال لئيمُ
وما كان بي ما كان والليل ملبس
رواق له فوق الإكام بهيمُ
ألُفّ بحِلسِي الزّاد من دونِ صُحبتي
وقد آب نجم واستقلّ نُجُومُ

 

ألا لا تلُوماني على ما تقدّما
كفى بصُرُوفِ الدّهرِ للمرءِ مُحكِما
فإنّكُما لا ما مضى تُدرِكانِهِ
ولستُ على ما فاتني مُتندّما
فنفسك أكرِمها فإنّك إن تهُن
عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما
أهِن للّذي تهوى التّلاد فإنّهُ
إذا مُتّ كان المالُ نهبا مُقسّما
ولا تشقين فيه فيسعد وارث
بهِ حين تخشى أغبر اللّونِ مُظلِما
يُقسّمُهُ غُنما ويشري كرامة
وقد صِرت في خط من الأرض أعظُما
قليل بهِ ما يحمدنّك وارِث
إذا ساق مما كنت تجمع مغنما
تحمل عن الذنين واستبق ودهمُ
ولن تستطع الحلم حتى تحلما
متى ترقِ أضغان العشيرة ِ بالأنا
وكفّ الأذى يُحسم لك الداء محسما
وما ابتعثتني في هواي لجاجة
إذا لم أجِد فيها إمامي مُقدّما
إذا شِئت ناويت امرأ السّوءِ ما نزا
إليك ولاطمت اللّئيم المُلطّما
وذو اللب والتقوى حقيق إذا رأى
ذو طبع الأخلاق أن يتكرّما
فجاور كريما واقتدح من زنادهِ
وأسنِد إليهِ إن تطاول سُلّما
وعوراء قد أعرضت عنها فلم
يضر وذي أود قومته فتقوما
وأغفِرُ عوراء الكريمِ ادّخارهُ
وأصفح عن شتم اللئيم تكرّما
ولا أخذِلُ المولى  وإن كان خاذِلا
ولا أشتمُ ابن العمّ إن كان مُفحما
ولا زادني عنهُ غِنائي تباعُدا
وإن كان ذا نقص من المال مصرما

 

وإني لأقري الضّيف قبل سؤالِهِ
وأطعن قدما والأسنة ترعفُ
وإني لأخزى أن ترى بي بطنة
وجارات بيتي طاويات ونحفُ
وإني لأُغشِي أبعد الحيّ جفنتي
إذا حرك الأطناب نكباء حرجفُ
وإني أرمي بالعداوة أهلها
وإنّي بالأعداءِ لا أتنكّفُ
وإنّي لأُعطي سائلي ولرُبّما
أُكلّفُ ما لا أستطيعُ فأكلفُ
وإنّي لمذموم إذا قيل حاتِم
نبا نبوة  إن الكريم يعنفُ
سآبى  وتأبى بي أُصُول كريمة
وآباء صدق بالمودة  شرِّفوا
وأجعل مالي دون عرضي إنني
كذلِكُمُ مِمّا أُفيدُ وأُتلِفُ
وأغفِرُ إن زلّت بمولاي نعلة
ولا خير في المولى  وإذا كان يقرفُ
سأنصره إن كان للحق نابعا
وإن جار لم يكثُر عليّ التّعطّفُ
وإن ظلموه قمت بالسيف دونه
لأنصره إن الضيف الضعيف يؤنّفُ
وإنّي وإن طال الثّواءُ لميّت
ويعطِمُني ماوِيّ بيت مُسقّفُ
وإنّي لمجزِيّ بِما أنا كاسِب
وكل امرئ رهن بما هو متلفُ

 

وإنا نهين المال في غير ظنة
وما يشتكينا في السنين ضريرها
إذا ما بخيل الناس هرت كلابه
وشق على الضيف الضعيف عقورها
فإنّي جبانُ الكلبِ بيتي مُوطّأ
أجود إذا مالالنفس شح ضميرها
وإن كلابي قد أهرت وعودت
قليل على من يعتريني هريرُها
وما تستكى قدري إذا الناس امحلت
أوثقها طورا وطورا اميرها
وأبرزُ قدري بالفضاء قليلها
يرى غير مضمون به وكثيرها
وإبلي رهن أن يكون كريمها
عقِيرا أمام البيتِ حين أُثِيرُها
أُشاوِرُ نفس الجُودِ حتى تُطيعني
وأترُكُ نفس البُخلِ لا أستشيرُها
وليس على ناري حجاب يكنها
لمستوبص ليلا ولكن أنيرها
فلا وأبيك ما يظلّ ابن جارتي
يطوفُ حوالي قِدرِنا ما يطورُها
وما تشتكيني جارتي غير أنها
إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها
إليها ولم يقصر عليّ ستورها

 

المتلمس الضبعي (البحرين ؟-580م)

إِنّ الهوان حِمارُ القومِ يعرِفُهُ
والحُرُّ يُنكِرُهُ والرّسلةُ الأُجُدُ
كونوا كبكر كما قد كان أوّلُكُم
ولا تكونوا كعبدِ القيسِ إِذ قعدوا
يُعطون ما سُئِلوا والخطُّ منزِلُهُم
كما أكبّ على ذِي بطنِهِ الفهدُ
ولن يُقيم على خسف يُسامُ بِهِ
إِلاّ الأذلاّنِ عيرُ الأهلِ والوتِدُ
هذا على الخسفِ مربوط بِرُمّتهِ
وذا يُشجُّ فما يرثي لهُ أحدُ
فإِن أقمتُم على ضيم يُرادُ بِكُم
فإِنّ رحلي لكُم وال ومُعتمدُ
كونوا كسامة إِذا شعف منازِلُهُ
إِذ قِيل جيش وجيش حافِظ رصدُ
شدّ المطيّة بِالأنساعِ فاِنحرفت
عُرض التنوفةِ حتّى مسّها النجدُ
وفي البِلادِ إِذا ما خِفت نائِرة
مشهورة عن وُلاةِ السوءِ مُبتعدُ

 

وأعلمُ عِلم حقّ غير  ظنّ
وتقوى اللهِ مِن خيرِ العتادِ
لحِفظُ المالِ أيسرُ مِن بُغاهُ
وسير في البِلادِ بِغيرِ زادِ
وإِصلاحُ القليلِ يزيدُ فيهِ
ولا يبقى الكثيرُ مع الفسادِ

 

العائذ بن محصن العبدي (المثقب)(البحرين 553-587م)

أفاطمُ! قبل بينكِ متِّعينى
ومنعكِ ما سألتكِ أن تبينى
فلا تعِدي مواعِد كاذِبات
تمر بها رياحُ الصيفِ دوني
فإنِّى لو تخالفني شمالى
خلافكِ ما وصلتُ بها يميني
إذا لقطعتُها ولقُلتُ: بِيني
كذلك أجتوى من يجتويني
إلى عمرو ومن عمرو أتتني
أخى النّجداتِ والحلمِ الرّصينِ
فإمّا أن تكون أخى بحقِّ
فأعرِف منك غثِّي من سميني
وإلاّ فاطّرحني واتخذنى
عدُوّا أتّقيك وتتّقيني
وما أدري إذا يمّمتُ وجها
أُريدُ الخير أيُّهُما يليني
أألخيرُ الذي أنا أبتغيهِ
أمِ الشّرُّ الذي هو يبتغيني

 

لا تقولنّ إِذا ما لم تُرِد
أن تُتِمّ الوعد في شيء نعم
حسن قولُ نعم مِن بعدِ لا
وقبيح قولُ لا بعد نعم
إِنّ لا بعد نعم فاحِشة
فبِلا فاِبدأ إِذا خِفت الندم
فإِذا قُلت نعم فاِصبِر لها
بِنجاحِ الوعدِ إِنّ الخُلف ذم
واِعلم أنّ الذمّ نقص لِلفتى
ومتى لا يتّقِ الذمّ يُذم
أُكرِمُ الجار وأرعى حقّهُ
إِنّ عِرفان الفتى الحقّ كرم
أنا بيتي مِن معدّ في الذُرى
ولِي الهامةُ والفرعُ الأشم
لا تراني راتِعا في مجلِس
في لُحومِ الناسِ كالسبعِ الضرِم
إِنّ شرّ الناسِ من يكشِرُ  لي
حين يلقاني وإِن غِبتُ شتم
وكلام سيِّئ قد وقرت
عنهُ أُذُناي وما بي مِن صمم
فتعزّيتُ خشاة أن يرى
جاهِل أنّي كما كان زعم
ولبعضُ الصفحِ والإِعراضِ عن
ذي الخنا أبقى وإِن كان ظلم
أجعلُ المال لِعِرضي جُنّة
إِنّ خير المالِ ما أدّى الذِّمم

 

شأس بن نهار العبدي (الممزق) (البحرين ؟ - ؟)

هَل لِلفَتى مِن بَناتِ الدَّهرِ مِن واقِ
أَم هَل لَهُ مِن حِمَامِ المَوتِ مِن رَاقِ
قَد رَجَّلُونِيَ وَما رُجِّلتُ مِن شَعَثٍ
وأَلبَسُونِي ثِياباً غَيرَ أَخلاقِ
ورَفَعوني وَقالوا أَيُّما رَجُلٍ
وأَدرَجوني كَأَنِّي طَيُّ مِخراقِ
وَأَرسَلوا فِتيَةً مِن خَيرِهِم حَسَباً
لِيُسنِدوا في ضَريحِ التُّربِ أَطبَاقي
هَوِّن عَلَيكَ وَلا تَولَع بِإِشفاق
فَإِنَّما مالُنا لِلوارِثِ الباقي
كَأَنَّني قَد رَماني الدَّهرُ عَن عُرُض
 بِنافِذاتٍ بِلا ريشٍ وَأَفواقِ

 

عدي بن زيد العبادي التميمي (العراق ؟-587م)

أتعرِفُ رسم الدارِ مِن أُمِّ معبدِ
نعم ورماك الشوقُ قبل التجلُّدِ
أعاذِل ما أدنى الرشاد مِن الفتى
وأبعدهُ مِنهُ إِذا لم يُسدّدِ
أعاذِل قد لاقيت ما يزعُ الفتى
وطابقت في الحِجلينِ مشي المُقيّدِ
أعاذِل ما يُدريكِ أنّ منِيّتي إلى
 ساعة في اليومِ أو في ضُحى غدِ
أعاذِل من يُكتب لِهُ الموتُ يلقهُ
كِفاحا ومن يُكتب لهُ الفوزُ يسعدِ
أعاذِل إِنّ الجهل مِن لذّةِ الفتى
وإِنّ المنايا لِلرِجالِ بِمرصدِ
فذرني فمالي غير ما أُمضِ إِن مضى
أمامِي مِن مالي إِذا خفّ عُوّدي
وحُمّت لِميقات إِليّ منِيّتي
وغودِرتُ قد وُسِّدتُ أو لم أُوسِّدِ
ولِلوارِثِ الباقي مِن المالِ فاِترُكي
عِتابي فإِنّي مُصلِح غيرُ مُفسِدِ
أعاذِل من لا يُصلِحِ النفس خالِيا
عنِ اللُبِّ لا يُرشد لِقولِ المُفنِّدِ
كفى زاجِرا لِلمرءِ أيّامُ دهرِهِ
تروحُ لهُ بِالواعِظاتِ وتغتدي
بليتُ وأبليتُ الرِجال وأصبحت
سِنون طِوال قد أتت دون مولِدي
فلستُ بِمن يخشى حوادِث تعتري
رِجالا فبادوا بعد بُؤس وأسعُدِ
فنفسك فاِحفظها عنِ الغيِّ والردى
متى تُغوِها يغو الّذي بِك يهتدي
وإِن كانتِ النعماءُ عِندك لِاِمرِئ
فمثِّل بِها واِجزِ المُطالِب واِردُدِ
إِذا ما اِمرُؤ لم يرج منك مودّة
فلا ترجُها مِنهُ ولا دفع مشهدِ
وعدِّ سواء القولِ واِعلم بِأنّهُ إذا
 لم يبِن في اليومِ يصرِمك في الغدِ
وإِن أنت فاكهت الرِجال فلا تجِم
وقُل مِثل ما قالوا ولا تترددِ
إِذا أنت نازعت الرِجال نوالهُم
فعِفّ ولا تطلُب بِجهد فتنكدِ
عسى سائِل ذو حاجة إِن منعتهُ
مِن اليومِ سُؤلا أن يسُرّك في غدِ
ستُدرِكُ مِن ذي الفُحشِ حقّك كُلّهُ
بِحِلمِك في رِفق ولم تتشدّدِ
وساِسِ أمر لم يسُسهُ آب لهُ
ورائِمِ أسبابِ الّتي لم تُعوّدِ
وراجي أُمور جمّة لا ينالُها
ستشعبُهُ عنها شعوب لِمُلحِدِ
ووارِثِ مجد لم ينلهُ وماجِد
أصاب بِمجد طارِف غيرِ مُتلِدِ
فلا تقعُدن عن سعيِ ما قد ورِثتهُ
وما اِسطعت مِن خير لِنفسِك فاِزددِ
إِذا ما رأيت الشرّ يبعثُ أهلهُ
وقام جُناةُ الشرِّ  بِالشرِّ  فاِقعُدِ
وبِالعدلِ فاِنطِق إِن نطقت ولا تجُر
وذا الذمِّ فاِذمُمهُ وذا الحمدِ فاِحمدِ
ولا تلحُ إِلّا من ألام ولا تلُم
وبِالبذلِ مِن شكوى صديقك فاقتدِ
عنِ المرءِ لا تسأل وسل عن قرينِهِ
فكُلُّ قرين بِالمُقارِنِ مُقتدِ
وفي الخلقِ إِذلال لِمن كان باخِلا
ضنينا ومن يبخل يذِلّ ويُزهدِ
أفادتني الأيّامُ والدهرُ إِنّهُ
ودادي لِمن لا يحفظُ الوِدِّ مُفسِدي
ولاقيتُ لذّاتِ الغِنى وأصابني
قوارِعُ من يصبِر عليها يُخلّدِ
إِذا ما كرِهت الخلّة السوء لِاِمرِئ
فلا تغشها واِخلِد سِواها بِمِخلدِ
إِذا أنت لم تنفع بِوُدِّك أهلهُ
ولم تنكِ بِالهيجا عدُوّك فاِبعُدِ
ومن لا يكُن ذا ناصِر عِند حقِّهِ
يُغلّب عليهِ ذو النصيرِ ويعتدِ
وفي كثرةِ الأيدي عنِ الظُلمِ زاجِر
إِذا خطرت أيدي الرِجالِ بِمشهدِ
ولِلمرءِ ذي الميسورِ خيرُ مغبّة
مِن المرءِ ذي المعسورةِ المُتردِّدِ
سأكسِبُ مجدا أوتقوم نوائِح
عليّ بِليل مُبدِياتِ التبلُّدِ
ينُحن على ميت وأعلنّ رنّة
تُؤرِّقُ عيني كُلِّ باك ومُسعدِ

 

أين أهلُ الدِيارِ من قومِ نوح
ثُمّ عاد مِن بعدِهِم وثمودُ
بينما هُم على الأسِرّةِ والأنماط
 أفضت إِلى التُرابِ الجُلودُ
والأطِبّاءُ بعدهُم لحِقوهُم
ضلّ عنهُم سعوطُهُم واللدودُ
وصحيح أضحى يعودُ مريضا
وهو أدنى لِلموتِ مِمّن يعودُ
ثُمّ لم ينقضِ الحديثُ ولكِن
بعد ذا كُلِّهِ وذاك الوعيدُ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق