أحمد شوقي
(مصر 1868 – 1932م)
بِسيفِك يعلو الحقُّ والحقُّ أغلبُ
|
ويُنصرُ دينُ اللهِ أيّان تضرِبُ
|
وما السيفُ إِلّا آيةُ المُلكِ في
|
الورى ولا الأمرُ إِلّا لِلّذي يتغلّبُ
|
فأدِّب بِهِ القوم الطُغاة فإِنّهُ
|
لنِعم المربي لِلطُغاةِ المُؤدِّبُ
|
وداوبِهِ الدولاتِ مِن كُلِّ دائِها
|
فنِعم الحُسامُ الطِبُّ والمُتطبِّبُ
|
تنامُ خُطوبُ المُلكِ إِن بات ساهِرا
|
وإِن هُونام اِستيقظت تتألّبُ
|
أمِنّا الليالي أن نُراع بِحادِث
|
وأرمينيا ثكلى وحوران أشيبُ
|
ومملكةُ اليونانِ محلولةُ العُرى
|
رجاؤُك يُعطيها وخوفُك يُسلبُ
|
هددت أمير المُؤمِنين كيانها
|
بِأسطع مِثلِ الصُبحِ لا يتكذّبُ
|
ومازال فجرا سيفُ عُثمان صادِقا
|
يُساريهِ مِن عالي ذكائِك كوكبُ
|
إِذا ما صدعت الحادِثاتِ بِحدِّهِ
|
تكشّف داجي الخطبِ واِنجاب غيهبُ
|
وهاب العِدا فيهِ خِلافتك الّتي
|
لهُم مأرب فيها ولِلّهِ مأربُ
|
سما بِك يا عبد الحميدِ أُبُوّة
|
ثلاثون خُضّارُ الجلالةِ غُيّبُ
|
قياصِرُ أحيانا خلائِفُ تارة
|
خواقينُ طورا والفخارُ المُقلّبُ
|
نُجومُ سُعودِ الملكِ أقمارُ زُهرِهِ
|
لوانّ النُجوم الزُهر يجمعُها أبُ
|
تواصوا بِهِ عصرا فعصرا فزادهُ
|
مُعمّمُهُم مِن هيبة والمُعصّبُ
|
هُمُ الشمسُ لم تبرح سماواتِ عِزِّها
|
وفينا ضُحاها والشُعاعُ المُحبّبُ
|
نهضت بِعرش ينهضُ الدهرُ بِهِ
|
خُشوعا وتخشاهُ الليالي وترهبُ
|
مكين على متنِ الوُجودِ مُؤيّد
|
بِشمسِ اِستِواء مالها الدهر مغرِبُ
|
ترقّت لهُ الأسواءُ حتّى اِرتقيتهُ
|
فقُمت بِها في بعضِ ما تتنكّبُ
|
فكُنت كعين ذاتِ جري كمينة
|
تفيضُ على مرِّ الزمانِ وتعذُبُ
|
مُوكّلة بِالأرضِ تنسابُ في الثرى
|
فيحيا وتجري في البِلادِ فتُخضِبُ
|
فأحييت ميتا دارِس الرسمِ غابِرا
|
كأنّك فيما جِئت عيسى المُقرّبُ
|
وشِدت منارا لِلخِلافةِ في الورى
|
تُشرِّقُ فيهِم شمسُهُ وتُغرِّبُ
|
سهِرت ونام المُسلِمون بِغبطة
|
وما يُزعِجُ النُوّام والساهِرُ الأبُ
|
فنبّهنا الفتحُ الّذي ما بِفجرِهِ
|
ولا بِك يا فجر السلامِ مُكذِّبُ
|
حُسامُك مِن سُقراط في الخطبِ أخطبُ
|
وعودُك مِن عودِ المنابِرِ أصلبُ
|
وعزمُك مِن هومير أمضى بديهة
|
وأجلى بيانا في القُلوبِ وأعذبُ
|
وإِن يذكُروا إِسكندرا وفُتوحهُ
|
فعهدُك بِالفتحِ المُحجّلِ أقربُ
|
ومُلكُك أرقى بِالدليلِ حُكومة
|
وأنفذُ سهما في الأُمورِ وأصوبُ
|
ظهرت أمير المُؤمِنين على العِدا
|
ظُهورا يسوءُ الحاسِدين ويُتعِبُ
|
سلِ العصر والأيّام والناس هل نبا
|
لِرأيِك فيهِم أولِسيفِك مضرِبُ
|
هُمُ ملئوا الدُنيا جهاما وراءهُ
|
جهام مِن الأعوانِ أهذى وأكذبُ
|
فلمّا اِستللت السيف أخلب برقُهُم
|
وما كُنت يا برق المنِيّةِ تُخلِبُ
|
أخذتهُمُ لا مالِكين لِحوضِهِم
|
مِن الذودِ إِلّا ما أطالوا وأسهبوا
|
ولم يتكلّف قومُك الأُسدُ أُهبة
|
ولكِنّ خُلقا في السِباعِ التأهُّبُ
|
كذا الناسُ بِالأخلاقِ يبقى صلاحُهُم
|
ويذهبُ عنهُم أمرُهُم حين تذهبُ
|
ومِن شرفِ الأوطانِ ألّا يفوتها
|
حُسام مُعِزّ أويراع مُهذّبُ
|
ملكت سبيليهِم ففي الشرقِ مضرِب
|
لِجيشِك ممدود وفي الغربِ مضرِبُ
|
ثمانون ألفا أُسدُ غاب ضراغِم
|
لها مِخلب فيهِم ولِلموتِ مخلِبُ
|
إِذا حلِمت فالشرُّ وسنانُ حالِم
|
وإِن غضِبت فالشرُّ يقظانُ مُغضِبُ
|
فيالِقُ أفشى في البِلادِ مِن الضُحى
|
وأبعدُ مِن شمسِ النهارِ وأقربُ
|
وتُصبِحُ تلقاهُم وتُمسي تصُدُّهُم
|
وتظهرُ في جِدِّ القِتالِ وتلعبُ
|
تلوحُ لهُم في كُلِّ أُفق وتعتلي
|
وتطلُعُ فيهِم مِن مكان وتغرُبُ
|
وتُقدِمُ إِقدام اللُيوثِ وتنثني
|
وتُدبِرُ عِلما بِالوغى وتُعقِّبُ
|
وتملِكُ أطراف الشِعابِ وتلتقي
|
وتأخُذُ عفوا كُلّ عال وتغصِبُ
|
وتغشى أبِيّاتِ المعاقِلِ والذُرا
|
فثيِّبُهُنّ البِكرُ والبِكرُ ثيِّبُ
|
يقودُ سراياها ويحمي لِواءها
|
سديدُ المرائي في الحُروبِ مُجرِّبُ
|
يجيءُ بِها حينا ويرجِعُ مرّة
|
كما تدفعُ اللجّ البِحارُ وتجذِبُ
|
ويرمي بِها كالبحرِ مِن كُلِّ جانِب
|
فكُلُّ خميس لُجّة تتضرّبُ
|
ويُنفِذُها مِن كُلِّ شِعب فتلتقي
|
كما يتلاقى العارِضُ المُتشعِّبُ
|
ويجعلُ ميقاتا لها تنبري لهُ
|
كما دار يلقى عقرب السيرِ عقربُ
|
فظلّت عُيونُ الحربِ حيرى لِما ترى
|
نواظِر ما تأتي اللُيوثُ وتُغرِبُ
|
تُبالِغُ بِالرامي وتزهوبِما رمى
|
وتُعجبُ بِالقُوّادِ والجُندُ أعجبُ
|
وتُثني على مُزجي الجُيوشِ بِيلدِز
|
ومُلهِمِها فيما تنالُ وتكسِبُ
|
وما المُلكُ إِلّا الجيشُ شأنا ومظهرا
|
ولا الجيشُ إِلّا ربُّهُ حين يُنسبُ
|
تُحذِّرُني مِن قومِها التُركِ زينبُ
|
وتُعجِمُ في وصفِ اللُيوثِ وتُعرِبُ
|
وتُكثِرُ ذِكر الباسِلين وتنثني
|
بِعِزّ على عِزِّ الجمالِ وتُعجبُ
|
وتسحبُ ذيل الكِبرِياءِ وهكذا
|
يتيهُ ويختالُ القوِيُّ المُغلِّبُ
|
وزينبُ إِن تاهت وإِن هِي فاخرت
|
فما قومُها إِلّا العشيرُ المُحبّبُ
|
يُؤلِّفُ إيلامُ الحوادِثِ بيننا
|
ويجمعُنا في اللهِ دين ومذهبُ
|
نما الوُدُّ حتّى مهّد السُبل لِلهوى
|
فما في سبيلِ الوصلِ ما يُتصعّبُ
|
ودانى الهوى ما شاء بيني وبينها
|
فلم يبق إِلّا الأرضُ والأرضُ تقرُبُ
|
ركِبتُ إِليها البحر وهومصيدة
|
تُمدُّ بِها سُفنُ الحديدِ وتُنصبُ
|
تروحُ المنايا الزُرقُ فيهِ وتغتدي
|
وما هِي إِلّا الموجُ يأتي ويذهبُ
|
وتبدوعليهِ الفُلكُ شتّى كأنّها
|
بُؤوز تُراعيها على البُعدِ أعقُبُ
|
حوامِلُ أعلامِ القياصِرِ حُضر
|
عليها سلاطينُ البرِيّةِ غُيّبُ
|
تُجاري خُطاها الحادِثاتِ وتقتفي
|
وتطفوحواليها الخُطوبُ وترسُبُ
|
ويوشِكُ يجري الماءُ مِن تحتِها دما
|
إِذا جمعت أثقالها تترقّبُ
|
فقُلتُ أأشراطُ القِيامةِ ما أرى
|
أمِ الحربُ أدنى مِن وريد وأقربُ
|
أمانا أمانا لُجّة الرومِ لِلورى
|
لوانّ أمانا عِند دأماء يُطلبُ
|
كأنّي بِأحداثِ الزمانِ مُلِمّة
|
وقد فاض مِنها حوضُكِ المُتضرِّبُ
|
فأُزعِج مغبوط ورُوِّع آمِن
|
وغال سلام العالمين التعصُّبُ
|
فقالت أطلت الهمّ لِلخلقِ ملجأ
|
أبرُّ بِهِم مِن كُلِّ برّ وأحدبُ
|
سلامُ البرايا في كلاءةِ فرقد
|
بِيلدِز لا يغفوولا يتغيّبُ
|
وإِنّ أمير المُؤمِنين لوابِل
|
مِن الغوثِ مُنهل على الخلقِ صيِّبُ
|
رأى الفِتنة الكُبرى فوالى اِنهِمالهُ
|
فبادت وكانت جمرة تتلهّبُ
|
فما زِلتُ بِالأهوالِ حتّى اِقتحمتُها
|
وقد تُركِبُ الحاجاتُ ما ليس يُركبُ
|
أخوضُ الليالي مِن عُباب ومِن دُجى
|
إِلى أُفق فيهِ الخليفةُ كوكبُ
|
إِلى مُلكِ عُثمان الّذي دون حوضِهِ
|
بِناءُ العوالي المُشمخِرُّ المُطنّبُ
|
فلاح يُناغي النجم صرح مُثقّب
|
على الماءِ قد حاذاهُ صرح مُثقبُ
|
بُروج أعارتها المنونُ عُيونها
|
لها في الجواري نظرة لا تُخيّبُ
|
رواسي اِبتِداع في رواسي طبيعة
|
تكادُ ذُراها في السحابِ تُغيّبُ
|
فقُمتُ أُجيلُ الطرف حيران قائِلا
|
أهذى ثُغورُ التُركِ أم أنا أحسبُ
|
فمِثل بِناءِ التُركِ لم يبنِ مُشرِق
|
ومِثل بِناءِ التُركِ لم يبنِ مغرِبُ
|
تظلُّ مهولاتُ البوارِجِ دونهُ
|
حوائِر ما يدرين ماذا تُخرِّبُ
|
إِذا طاش بين الماءِ والصخرِ سهمُها
|
أتاها حديد ما يطيشُ وأسربُ
|
يُسدِّدُهُ عِزريلُ في زِيِّ قاذِف
|
وأيدي المنايا والقضاءُ المُدرّبُ
|
قذائِفُ تخشى مُهجةُ الشمسِ كُلّما
|
علت مُصعِدات أنّها لا تُصوّبُ
|
إِذا صُبّ حاميها على السُفنِ اِنثنت
|
وغانِمُها الناجي فكيف المُخيّبُ
|
سلِ الروم هل فيهِنّ لِلفُلكِ حيلة
|
وهل عاصِم مِنهُنّ إِلّا التنكُّبُ
|
تذبذب أُسطولاهُمُ فدعتهُما
|
إِلى الرُشدِ نار ثمّ لا تتذبذبُ
|
فلا الشرقُ في أُسطولِهِ مُتقى الحِمى
|
ولا الغربُ في أُسطولِهِ مُتهيّبُ
|
وما راعني إِلّا لِواء مُخضّب
|
هُنالِك يحميهِ بنان مُخضّبُ
|
فقُلتُ منِ الحامي أليث غضنفر
|
مِن التُركِ ضار أم غزال مُربّبُ
|
أمِ الملِكُ الغازي المُجاهِدُ قد بدا
|
أمِ النجمُ في الآرامِ أم أنتِ زينبُ
|
رفعتِ بنات التُركِ قالت وهل بِنا
|
بناتِ الضواري أن نصول تعجُّبُ
|
إِذا ما الدِيارُ اِستصرخت بدرت لها
|
كرائِمُ مِنّا بِالقنا تتنقّبُ
|
تُقرِّبُ ربّاتُ البُعولِ بُعولها
|
فإِن لم يكُن بعل فنفسا تُقرِّبُ
|
ولاحت بِآفاقِ العدُوسرِيّة
|
فوارِسُ تبدوتارة وتُحجّبُ
|
نواهِضُ في حُزن كما تنهضُ القطا
|
رواكِضُ في سهل كما اِنساب ثعلبُ
|
قليلون مِن بُعد كثيرون إِن دنوا
|
لهُم سكن آنا وآنا تهيُّبُ
|
فقالت شهِدت الحرب أوأنت موشِك
|
فصِفنا فأنت الباسِلُ المُتأدِّبُ
|
ونادت فلبّى الخيلُ مِن كُلِّ جانِب
|
ولبّى عليها القسورُ المُترقِّبُ
|
خِفافا إِلى الداعي سِراعا كأنّما
|
مِن الحربِ داع لِلصلاةِ مُثوِّبُ
|
مُنيفين مِن حولِ اللِواءِ كأنّهُم
|
لهُ معقِل فوق المعاقِلِ أغلبُ
|
وما هِي إِلّا دعوة وإِجابة
|
أنِ اِلتحمت والحربُ بكر وتغلِبُ
|
فأبصرتُ ما لم تُبصِرا مِن مشاهِد
|
ولا شهِدت يوما معدّ ويعرُبُ
|
جِبال ملونا لا تخوري وتجزعي
|
إِذا مال رأس أوتضعضع منكِبُ
|
فما كُنتِ إِلّا السيف والنار مركبا
|
وما كان يستعصي على التُركِ مركبُ
|
علوا فوق علياءِ العدُوودونهُ
|
مضيق كحلقِ الليثِ أوهُوأصعبُ
|
فكان صِراطُ الحشرِ ما ثمّ ريبة
|
وكانوا فريق اللهِ ما ثمّ مُذنِبُ
|
يمُرّون مرّ البرقِ تحت دُجُنّة
|
دُخانا بِهِ أشباحُهُم تتجلببُ
|
حثيثين مِن فوقِ الجِبالِ وتحتِها
|
كما اِنهار طود أوكما اِنهال مِذنبُ
|
تُمِدُّهُمُ قُذّافُهُم ورُماتُهُم
|
بِنار كنيرانِ البراكينِ تدأبُ
|
تُذرّى بِها شُمُّ الذُرا حين تعتلي
|
ويسفحُ مِنها السفحُ إِذ تتصبّبُ
|
تُسمّرُ في رأسِ القِلاعِ كُراتُها
|
ويسكُنُ أعجاز الحُصونِ المُذنّبُ
|
فلمّا دجى داجي العوانِ وأطبقت
|
تبلّج والنصر الهِلالُ المُحجّبُ
|
ورُدّت على أعقابِها الرومُ بعدما
|
تناثر مِنها الجيشُ أوكاد يذهبُ
|
جناحينِ في شِبهِ الشِباكينِ مِن قنا
|
وقلبا على حُرِّ الوغى يتقلّبُ
|
على قُللِ الأجبالِ حيرى جُموعُهُم
|
شواخِصُ ما إِن تهتدي أين تذهبُ
|
إِذا صعدت فالسيفُ أبيضُ خاطِف
|
وإِن نزلت فالنارُ حمراءُ تلهبُ
|
تطوّع أسرا مِنهُمُ ذلِك الّذي
|
تطوّع حربا والزمانُ تقلُّبُ
|
وتمّ لنا النصرُ المُبينُ على العِدا
|
وفتحُ المعالي والنهارُ المُذهّبُ
|
فجِئتُ فتاة التُركِ أجزي دِفاعها
|
عنِ المُلكِ والأوطانِ ما الحقُّ يوجِبُ
|
فقبّلتُ كفّا كان بِالسيفِ ضارِبا
|
وقبّلتُ سيفا كان بِالكفِّ يضرِبُ
|
وقُلتُ أفي الدُنيا لِقومِكِ غالِب
|
وفي مِثلِ هذا الحِجرِ رُبّوا وهُذِّبوا
|
رُويدا بني عُثمان في طلبِ العُلا
|
وهيهات لم يُستبق شيء فيُطلبُ
|
أفي كُلِّ آن تغرِسون ونجتني
|
وفي كُلِّ يوم تفتحون ونكتُبُ
|
وما زِلتُمُ يسقيكُمُ النصرُ حُمرهُ
|
وتسقونهُ والكُلُّ نشوان مُصأبُ
|
إِلى أن أحلّ السُكر من لا يُحِلُّهُ
|
ومدّ بِساط الشُربِ من ليس يشربُ
|
وأشمط سوّاسِ الفوارِسِ أشيبُ
|
يسيرُ بِهِ في الشعبِ أشمطُ أشيبُ
|
رفيقا ذهاب في الحُروبِ وجيئة
|
قدِ اِصطحبا والحُرُّ لِلحُرِّ يصحبُ
|
إِذا شهِداها جدّدا هِزّة الصِبا
|
كما يتصابى ذوثمانين يطرُبُ
|
فيهتزُّ هذا كالحُسامِ وينثني
|
وينفُرُ هذا كالغزالِ ويلعبُ
|
توالى رصاصُ المُطلِقين عليهِما
|
يُخضِّلُ مِن شيبِهِما ويُخضِّبُ
|
فقيل أنِل أقدامك الأرض إِنّها
|
أبرُّ جوادا إِن فعلت وأنجبُ
|
فقال أيرضى واهِبُ النصرِ أنّنا
|
نموتُ كموتِ الغانِياتِ ونُعطبُ
|
ذروني وشأني والوغى لا مُبالِيا
|
إِلى الموتِ أمشي أم إِلى الموتِ أركبُ
|
أيحمِلُني عُمرا ويحمي شبيبتي
|
وأخذُلُهُ في وهنِهِ وأُخيِّبُ
|
إِذا نحنُ مِتنا فاِدفِنونا بِبُقعة
|
يظلُّ بِذِكرانا ثراها يُطيِّبُ
|
ولا تعجبوا أن تبسُل الخيلُ إِنّها
|
لها مِثلُ ما لِلناسِ في الموتِ مشربُ
|
فماتا أمام اللهِ موت بسالة
|
كأنّهُما فيهِ مِثال مُنصّبُ
|
وما شُهداءُ الحربِ إِلّا عِمادُها
|
وإِن شيّد الأحياءُ فيها وطنّبوا
|
مِدادُ سِجِلِّ النصرِ فيها دِماؤُهُم
|
وبِالتِبرِ مِن غالي ثراهُم يُترّبُ
|
فهل مِن ملونا موقِف ومسامِع
|
ومِن جبليها مِنبر لي فأخطُبُ
|
فأسألُ حِصنيها العجيبينِ في الورى
|
ومدخلُها الأعصى الّذي هُوأعجبُ
|
وأستشهِدُ الأطواد شمّاء والذُرا
|
بواذِخ تُلوي بِالنُجومِ وتُجذبُ
|
هلِ البأسُ إِلّا بأسُهُم وثباتُهُم
|
أوالعزمُ إِلّا عزمُهُم والتلبُّبُ
|
أوالدينُ إِلّا ما رأت مِن جِهادِهِم
|
أوالمُلكُ إِلّا ما أعزّوا وهيّبوا
|
وأيُّ فضاء في الوغى لم يُضيِّقوا
|
وأيُّ مضيق في الورى لم يُرحِّبوا
|
وهل قبلهُم من عانق النار راغِبا
|
ولوأنّهُ عُبّادُها المُترهِّبُ
|
وهل نال ما نالوا مِن الفخرِ حاضِر
|
وهل حُبِي الخالون مِنهُ الّذي حُبوا
|
سلاما ملونا واِحتِفاظا وعِصمة
|
لِمن بات في عالي الرِضى يتقلّبُ
|
وضِنّي بِعظم في ثراكِ مُعظّم
|
يُقرِبُهُ الرحمنُ فيما يُقرِّبُ
|
وطِرناوإِذ طار الذُهولُ بِجيشِها
|
وبِالشعبِ فوضى في المذاهِبِ يذهبُ
|
عشِيّة ضاقت أرضُها وسماؤُها
|
وضاق فضاء بين ذاك مُرحِّبُ
|
خلت مِن بني الجيشِ الحُصونُ وأقفرت
|
مساكِنُ أهليها وعمّ التخرُّبُ
|
ونادى مُناد لِلهزيمةِ في الملا
|
وإِنّ مُنادي التُركِ يدنوويقرُبُ
|
فأعرض عن قُوّادِهِ الجُندُ شارِدا
|
وعلّمهُ قُوّادُهُ كيف يهرُبُ
|
وطار الأهالي نافِرين إِلى الفلا
|
مِئين وآلافا تهيمُ وتسرُبُ
|
نجوا بِالنُفوسِ الذاهِلاتِ وما نجوا
|
بِغيرِ يد صِفر وأُخرى تُقلِّبُ
|
وطالت يد لِلجمعِ في الجمعِ بِالخنا
|
وبِالسلبِ لم يمدُد بِها فيهِ أجنبُ
|
يسيرُ على أشلاءِ والِدِهِ الفتى
|
وينسى هُناك المُرضع الأُمُّ والأبُ
|
وتمضي السرايا واطِئات بِخيلِها
|
أرامِل تبكي أوثواكِل تندُبُ
|
فمِن راجِل تهوي السِنونُ بِرِجلِهِ
|
ومِن فارِس تمشي النِساءُ ويركبُ
|
وماض بِمال قد مضى عنهُ وألُهُ
|
ومُزج أثاثا بين عينيهِ يُنهبُ
|
يكادون مِن ذُعر تفُرُّ دِيارُهُم
|
وتنجوالرواسي لوحواهُنّ مشعبُ
|
يكادُ الثرى مِن تحتِهِم يلِجُ الثرى
|
ويقضِمُ بعضُ الأرضِ بعضا ويُقضِبُ
|
تكادُ خُطاهُم تسبِقُ البرق سُرعة
|
وتذهبُ بِالأبصارِ أيّان تذهبُ
|
تكادُ على أبصارِهِم تقطعُ المدى
|
وتنفُذُ مرماها البعيد وتحجُبُ
|
تكادُ تمُسُّ الأرض مسّا نِعالُهُم
|
ولووجدوا سُبلا إِلى الجونكّبوا
|
هزيمةُ من لا هازِم يستحِثُّهُ
|
ولا طارِد يدعولِذاك ويوجِبُ
|
قعدنا فلم يعدم فتى الرومِ فيلقا
|
مِن الرُعبِ يغزوهُ وآخر يسلُبُ
|
ظفِرنا بِهِ وجها فظنّ تعقُّبا
|
وماذا يزيدُ الظافِرين التعقُّبُ
|
فولّى وما ولّى نِظامُ جُنودِهِ
|
ويا شُؤم جيش لِلفرارِ يُرتِّبُ
|
يسوقُ ويحدولِلنجاةِ كتائِبا
|
لهُ موكِب مِنها ولِلعارِ موكِبُ
|
مُنظّمة مِن حولِهِ بيد أنّها
|
تودُّ لواِنشقّ الثرى فتُغيّبُ
|
مُؤزّرة بِالرُعبِ ملدوغة بِهِ
|
ففي كُلِّ ثوب عقرب مِنهُ تلسِبُ
|
ترى الخيل مِن كُلِّ الجِهاتِ تخيُّلا
|
فيأخُذُ مِنها وهمُها والتهيُّبُ
|
فمِن خلفِها طورا وحينا أمامها
|
وآوِنة مِن كُلِّ أوب تألّبُ
|
فوارِسُ في طولِ الجِبالِ وعرضِها
|
إِذا غاب مِنهُم مِقنب لاح مِقنبُ
|
فمهما تهِم يسنح لها ذومُهنّد
|
ويخرُج لها مِن باطِنِ الأرضِ مِحربُ
|
وتنزِل عليها مِن سماءِ خيالِها
|
صواعِق فيهِنّ الردى المُتصبِّبُ
|
رُؤى إِن تكُن حقّا يكُن مِن ورائِها
|
ملائِكةُ اللهِ الّذي ليس يُغلبُ
|
وفِرسالُ إِذ باتوا وبِتنا أعادِيا
|
على السهلِ لُدّا يرقُبون ونرقُبُ
|
وقام فتانا الليل يحمي لِواءهُ
|
وقام فتاهُم ليلهُ يتلعّبُ
|
توسّد هذا قائِم السيفِ يتّقي
|
وهذا على أحلامِهِ يتحسّبُ
|
وهل يستوي القِرنانُ هذا مُنعّم
|
غرير وهذا ذوتجاريب قُلّبُ
|
حمينا كِلانا أرض فِرسال والسما
|
فكُلُّ سبيل بين ذلِك معطبُ
|
ورُحنا يهُبُّ الشرُّ فينا وفيهِمُ
|
وتشمُلُ أرواحُ القِتالِ وتجنُبُ
|
كأنّا أُسود رابِضات كأنّهُم
|
قطيع بِأقصى السهلِ حيران مُذئِبُ
|
كأنّ خِيام الجيشِ في السهلِ أينقُ
|
نواشِزُ فوضى في دُجى الليلِ شُزّبُ
|
كأنّ السرايا ساكِنات موائِجا
|
قطائِعُ تُعطى الأمن طورا وتُسلبُ
|
كأنّ القنا دون الخِيامِ نوازِلا
|
جداوِلُ يُجريها الظلامُ ويُسكبُ
|
كأنّ الدُجى بحر إِلى النجمِ صاعِد
|
كأنّ السرايا موجُهُ المُتضرِّبُ
|
كأنّ المنايا في ضميرِ ظلامِهِ
|
هُموم بِها فاض الضميرُ المُحجّبُ
|
كأنّ صهيل الخيلِ ناع مُبشِّر
|
تراهُنّ فيها ضُحّكا وهي نُحّبُ
|
كأنّ وُجوه الخيلِ غُرّا وسيمة
|
درارِيُّ ليل طُلّع فيهِ ثُقّبُ
|
كأنّ أُنوف الخيلِ حرّى مِن الوغى
|
مجامِرُ في الظلماءِ تهدا وتلهُبُ
|
كأنّ صُدور الخيلِ غُدر على الدُجى
|
كأنّ بقايا النضحِ فيهِنّ طُحلُبُ
|
كأنّ سنى الأبواقِ في الليلِ برقُهُ
|
كأنّ صداها الرعدُ لِلبرقِ يصحبُ
|
كأنّ نِداء الجيشِ مِن كُلِّ جانِب
|
دوِيُّ رِياح في الدُجى تتذأّبُ
|
كأنّ عُيون الجيشِ مِن كُلِّ مذهب
|
مِن السهلِ جُنّ جُوّل فيهِ جُوّبُ
|
كأنّ الوغى نار كأنّ جُنودنا
|
مجوس إِذا ما يمّموا النار قرّبوا
|
كأنّ الوغى نار كأنّ الردى قِرى
|
كأنّ وراء النارِ حاتِم يأدِبُ
|
كأنّ الوغى نار كأنّ بني الوغى
|
فراش لهُ ملمسُ النارِ مأربُ
|
وثبنا يضيقُ السهلُ عن وثباتِنا
|
وتقدُمُنا نار إِلى الرومِ أوثبُ
|
مشت في سراياهُم فحلّت نِظامها
|
فلمّا مشينا أدبرت لا تُعقِّبُ
|
رأى السهلُ مِنهُم ما رأى الوعرُ قبلهُ
|
فيا قومُ حتّى السهلُ في الحربِ يصعُبُ
|
وحِصن تسامى مِن دُموقوكأنّهُ
|
مُعشِّشُ نسر أوبِهذا يُلقّبُ
|
أشُمُّ على طود أشمّ كِلاهُما
|
منونُ المُفاجي والحِمامُ المُرحِّبُ
|
تكادُ تقادُ الغادِياتُ لِربِّهِ
|
فيُزجي وتنزُمُّ الرِياحُ فيركبُ
|
حمتهُ لُيوث مِن حديد تركّزت
|
على عجل واِستجمعت تترقّبُ
|
تثورُ وتستأني وتنأى وتدّني
|
وتغدوبِما تغدي وترمي وتنشُبُ
|
تأبّى فظنّ العالِمون اِستحالة
|
وأعيا على أوهامِهِم فتريّبوا
|
فما في القِوى أنّ السماواتِ تُرتقى
|
بِجيش وأنّ النجم يُغشى فيُغضِبُ
|
سموتُم إِليهِ والقنابِلُ دونهُ
|
وشُهبُ المنايا والرصاصُ المُصوّبُ
|
فكُنتُم يواقيت الحُروبِ كرامة
|
على النارِ أوأنتُم أشدُّ وأصلبُ
|
صعدتُم وما غيرُ القنا ثمّ مصعد
|
ولا سُلّم إِلّا الحديدُ المُذرّبُ
|
كما اِزدحمت بيزانُ جوبِمورِد
|
أواِرتفعت تلقى الفريسة أعقبُ
|
فما زِلتُمُ حتّى نزلتُم بُروجهُ
|
ولم تحتضِر شمسُ النهارِ فتغرُبُ
|
هُنالِك غالى في الأماديحِ مشرِق
|
وبالغ فيكُم آل عُثمان مغرِبُ
|
وزيد حمى الإِسلام عِزّا ومنعة
|
ورُدّ جِماحُ العصرِ فالعصرُ هيِّبُ
|
رفعنا إِلى النجمِ الرُؤوسِ بِنصرِكُم
|
وكُنّا بِحُكمِ الحادِثاتِ نُصوِّبُ
|
ومن كان منسوبا إِلى دولةِ القنا
|
فليس إِلى شيء سِوى العِزِّ يُنسبُ
|
فيا قومُ أين الجيشُ فيما زعمتُمُ
|
وأين الجواري والدِفاعُ المُركّبُ
|
وأين أميرُ البأسِ والعزمِ والحِجى
|
وأين رجاء في الأميرِ مُخيّبُ
|
وأين تُخوم تستبيحون دوسها
|
وأين عِصابات لكُم تتوثّبُ
|
وأين الّذي قالت لنا الصُحفُ عنكُمُ
|
وأسند أهلوها إِليكُم فأطنبوا
|
وما قد روى برق مِن القولِ كاذِب
|
وآخرُ مِن فِعلِ المُحِبّين أكذبُ
|
وما شِدتُمُ مِن دولة عرضُها الثرى
|
يدينُ لها الجِنسانِ تُرك وصقلبُ
|
لها علم فوق الهِلالِ وسُدّة
|
تُنصُّ على هامِ النُجومِ وتُنصبُ
|
أهذا هُوالذودُ الّذي تدّعونهُ
|
ونصرُ كريد والولا والتحبُّبُ
|
أهذا الّذي لِلمُلكِ والعِرضِ عِندكُم
|
ولِلجارِ إِن أعيا على الجارِ مطلبُ
|
أهذا سِلاحُ الفتحِ والنصرِ والعُلا
|
أهذا مطايا من إِلى المجدِ يركبُ
|
أهذا الّذي لِلذِكرِ خُلّبُ معشر
|
على ذِكرِهِم يأتي الزمانُ ويذهبُ
|
أسأتُم وكان السوءُ مِنكُم إِليكُمُ
|
إِلى خيرِ جار عِندهُ الخيرُ يُطلبُ
|
إِلى ذي اِنتِقام لا ينامُ غريمُهُ
|
ولوأنّهُ شخصُ المنامِ المُحجّبُ
|
شقيتُم بِها مِن حيلة مُستحيلة
|
وأين مِن المُحتالِ عنقاءُ مُغرِبُ
|
فلولا سُيوفُ التُركِ جرّب غيرُكُم
|
ولكِن مِن الأشياءِ ما لا يُجرّبُ
|
فعفوا أمير المُؤمِنين لِأُمّة
|
دعت قادِرا مازال في العفويرغبُ
|
ضربت على آمالِها ومآلِها
|
وأنت على اِستِقلالِها اليوم تضرِبُ
|
إِذا خان عبدُ السوءِ مولاهُ مُعتقا
|
فما يفعلُ الكريمُ المُهذّبُ
|
ولا تضرِبن بِالرأيِ مُنحلّ مُلكِهِم
|
فما يفعلُ المولى الكريمُ المُهذّبُ
|
لقد فنِيت أرزاقُهُم ورِجالُهُم
|
وليس بِفان طيشُهُم والتقلُّبُ
|
فإِن يجِدوا لِلنفسِ بِالعودِ راحة
|
فقد يشتهي الموت المريضُ المُعذّبُ
|
وإِن همّ بِالعفوالكريمِ رجاؤُهُم
|
فمِن كرمِ الأخلاقِ أن لا يُخيّبوا
|
فما زِلت جار البِرِّ والسيِّد الّذي
|
إِلى فضلِهِ مِن عدلِهِ الجارُ يهرُبُ
|
يُلاقي بعيدُ الأهلِ عِندك أهلهُ
|
ويمرحُ في أوطانِهِ المُتغرِّبُ
|
أمولاي غنّتك السُيوفُ فأطربت
|
فهل لِيراعي أن يُغنّي فيُطرِبُ
|
فعِندي كما عِند الظُبا لك نغمة
|
ومُختلِفُ الأنغامِ لِلأُنسِ أجلبُ
|
أُعرِّبُ ما تُنشي عُلاك وإِنّهُ
|
لفي لُطفِهِ ما لا ينالُ المُعرِّبُ
|
مدحتُك والدُنيا لِسان وأهلُها
|
جميعا لِسان يُملِيانِ وأكتُبُ
|
أُناوِلُ مِن شِعرِ الخِلافةِ ربّها
|
وأكسوالقوافي ما يدومُ فيُقشِبُ
|
وهل أنت إِلّا الشمسُ في كُلِّ أُمّة
|
فكُلُّ لِسان في مديحِك طيِّبُ
|
فإِن لم يلِق شِعري لِبابِك مِدحة
|
فمُر ينفتِح باب مِن العُذرِ أرحبُ
|
وإِنّي لطيرُ النيلِ لا طير غيرُهُ
|
وما النيلُ إِلّا مِن رِياضِك يُحسبُ
|
إِذا قُلتُ شِعرا فالقوافي حواضِر
|
وبغدادُ بغداد ويثرِبُ يثرِبُ
|
ولم أعدمِ الظِلّ الخصيب وإِنّما
|
أُجاذِبُك الظِلّ الّذي هُوأخصبُ
|
فلا زِلت كهف الدينِ والهادِي الّذي
|
إِلى اللهِ بِالزُلفى لهُ نتقرّبُ
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق