2013-08-25

جرح على جرح حنانكِ جِلّقُ \ أحمد شوقي



أحمد شوقي
(مصر 1868 – 1932م)

جرح على جرح حنانكِ جِلّقُ
حمِّلتِ ما يوهي الجبال ويزهقُ
صبرا لباة الشرقِ  كلُّ مصيبة
تبلى على الصبر الجميلِ وتخلق
أنسيتِ نار الباطشين  وهزّة
عرتِ الزمان  كأن روما تحرقُ
رعناء أرسلها ودسّ شواظها
في حجرة ِ التاريخِ أرعنُ أحمقُ
فمشت تحطِّمُ باليمينِ ذخيرة
وتلُصُّ أُخرى بالشمال وتسرِق
جُنّت فضعضعها وراض جِماحها
من نشئك الحمسُ الجنونُ المطبقُ
لقي الحديدُ حميّة  أمويّة
لا تكتسي صدأ  ولا هي تطرقُ
يا واضع الدّستورِ أمسِ كخُلقِه
ما فيه من عِوج ولا هُوضيِّق
نظم من الشورى  وحكم راشد
أدبُ الحضارة ِ فيهما والمنطقُ
لا تخش ممّا ألحقوا بكتابه
يبقى الكتابُ وليس يبقى المُلحق
ميت الجلالِ من القوافي زفرة
تجري ومنها عبرة  تترقرق
ولقد بعثتهما إليك قصيدة
أفأنت مُنتظِر كعهدك شيِّق
أبكي ليالِينا القِصار وصحبة
أخذت مخيلتها تجيشُ وتبرقُ
لا أذكرُ الدنيا إليك؛ فربّما
كره الحديث عن الأجاجِ المغرقُ
طبعت من السمّ الحياة  طعامها
وشرابُها وهواؤها المتنشّق
والناسُ بين بطيئها وذعافها
لا يعلمون بأيِّ سمِّيها سقوا
أما الوليُّ فقد شقاك بسمِّه
ما ليس يسقيك العدوالأزرق
طلبوك والأجلُ الوشِيكُ يحُثُّهم
ولكلِّ نفس مُدّة  لا تُسبق
لمّا أعان الموتُ كيد حبالهم
علقت  وأسبابُ المنية ِ تعلقُ
طرقت مِهادك حية  بشرية
كفرت بما تنتابُ منه وتطرُق
يا فوز  تلك دمشقُ خلف سوادها
ترمي مكانك بالعيون وترمقُ
ذكرت ليالي بدرها  فتلفّتت
فعساك تطلُع أولعلّك تُشرِق
بردى وراء ضِفافِه مُستعبِر
والحورُ محلولُ الضفائر مطرقُ
والطيرُ في جنباتِ دُمّر نُوّح
يجدُ الهوم خليُّهن ويأرقُ
ويقول كلُّ محدِّث لسميره
أبذاتِ طوق بعد ذلك يوثق
عشقت تهاويل الجمالِ  ولم تجد
في العبقرية ما يحبُّ ويعشقُ
فمشت كأنّ بنانها يدُ مدمن
وكأن ظلّ السمِّ فيها زِئبق
ولوأنّ مقدورا يردُّ لردِّها
بحياته الوطنُ المرُوعُ المُشفِق
أشقى القضاءُ الأرض بعدك أُسرة
لولا القضاء من السماءِ لما شقوا
قستِ القلوبُ عليهمُ وتحجّرت
فانظر فؤادك هل يلينُ ويرفُق
إن الذين نزلت في أكنافهم
صفحوا فما منهم مغِيظ مُحنق
سخِروا من الدنيا كما سخِرت بهم
وانبتّ من أسبابها المُتعلّق
يا مأتما من عبدِ شمس مثله
للشمس يصنعُ في الممات وينشق
إن ضاق ظهرُ الأرضِ عنك فبطنها
عمّا وراءك من رُفات أضيق
لما جمعت الشام من أطرافِه
وافى يعزِّي الشام فيك المشرقُ
يبكي لواء من شبابِ أميّة
يحمي حِمى الحق المبينِ ويخفق
ركنُ الزعامة ِ حين تطلب رأيه
فيرى  وتسألُه الخطاب فينطِق
ويكاد من سحرِ البلاغة ِ تحته
عودُ المنابرِ يستخف فيورق
فيحاءُ أين على جِنانِك وردة
كانت بها الدنيا ترفُّ وتعبقُ
علويّة تجد المسامع طيها
وتُحِسُّ ريّاها العقولُ وتنشق
وأرائكُ الزّهر الغصون  وعرشها
يدُ أمة  وجبينها والمفرق
من مبلغ عني شبولة جلّق
قولا يبرُّ على الزمان ويصدُق
بالله جلّ جلالُه بمحمد
بيسوع  بالغزِّيِّ لا تتفرقوا
قد تُفسِدُ المرعى على أخواتها
شاة  تندُّ من القطيعِ وتمرقُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق