يوسف القرضاوي
(مصر 1926-؟)
1- ثارَ القريضُ بخاطري فدعوني
|
أفضي لكمْ بفجائعي وشجوني
|
2- فالشعرُ دمعي حينَ يعصرني الأسى
|
والشعرُ عودي يومَ عزفِ لحوني
|
3- كم قال صحبي: أين غرُّ قصائدٍ
|
تشجي القلوبَ بلحنها المحزونِ؟
|
4- وتخلّد الذكرى الأليمةَ للورَى
|
تُتلى على الأجيالِ بعدَ قرونِ
|
5- ما حيلتي والشعرُ فيضُ خواطرٍ
|
ما
دمتُ أبغيهِ ولا يبغيني
|
6- واليوم عاودني الملاكُ فهزني
|
طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ
|
7- أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي
|
ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني
|
8- نونية والنونُ تحلو في فمي
|
أبدًا فكدتُ يُقال لي ذو النونِ
|
9- صَوَّرتُ فيها ما استطعتُ بريشتي
|
وتركتُ للأيامِ ما يعييني
|
10- ما هِمْتُ فيها بالخيالِ فإنَّ لي
|
بغرائبِ الأحداثِ ما يُغنيني
|
11- أحداثِ عهدِ عصابةٍ حكموا بني
|
مصرٍ بلا خُلق ولا قانونِ
|
12- أنستْ مظالِمُهُمْ مظالمَ مَن خلَوْا
|
حتّى ترحمَنا على نيرونِ
|
13- حَسِبوا الزمانَ أصمَّ أعمى عنهمُ
|
قد
نوَّموه بخُطبة وطنينِ
|
14- ويراعةُ التاريخِ تَسْخَرُ مِنهمو
|
وتقومُ بالتسجيلِ والتدوينِ
|
15- وكفى بربكَ للخليقةِ مُحْصِيًا
|
في
لوحِهِ وكتابِهِ المكنونِ
|
16- يا سائلي عن قصتي اسمعْ إنها
|
قَصصٌ مِن الأهوالِ ذاتُ شجونِ
|
17- أَمْسِكْ بِقَلْبِكَ أنْ يطيرَ
مُفَزَّعًا
|
وتولَّ عن دُنياكَ حتى حينِ
|
18- فالهولُ عاتٍ والحقائقُ مُرةٌ
|
تسمو على التصويرِ والتبيينِ
|
19- والخطبُ ليس بخطبِ مصرٍ وحدَها
|
بلْ خَطْبُ هذا المشرقِ المسكينِ
|
20- في ليلةٍ ليلاءَ مِن نوفمبرٍ
|
فُزِّعْتُ مِن نومي لصوتِ رنينِ
|
21- فإذا كلابُ الصيدِ تَهجمُ بغتةً
|
وتحوطُني عن يسرةٍ ويمينِ
|
22- فَتَخَطَّفوني عن ذَوِيَّ وأقبلوا
|
فرحًا بصيدٍ للطُّغاةِ سمينِ
|
23- وعُزِلتُ عن بصرِ الحياةِ وسمعِها
|
وقُذفتُ في قفصِ العذابِ الهونِ
|
24- في ساحة "الحربي" حَسْبُكَ
باسمِه
|
مِن باعثٍ للرعبِ قدْ طرحوني
|
25- ما كدتُ أدخلُ بابَه حتى رأتْ
|
عيناي ما لم تحتسبْه ظنوني
|
26- في كلِّ شبرٍ للعذابِ مناظرٌ
|
يَندى لها -واللهِ- كلُّ جَبينِ
|
27- فترى العساكرَ والكلابَ مُعَدَّةً
|
للنهشِ طوعَ القائدِ المفتونِ
|
28- هذي تَعَضُّ بِنابِها وزميلُها
|
يَعْدُو عليكَ بِسَوْطِه المسنونِ
|
29- ومضتْ عليَّ دقائقٌ وكأنَّها
|
مما لقيتُ بِهِنَّ بِضْعُ سِنينِ
|
30- يا ليت شعري ما دهانِ؟! وما جرى؟
|
لا
زلتُ حيًّا أم لقيتُ منونِ؟
|
31- عجبًا! أسجن ذاك أم هو غابةٌ
|
برزت كواسرُها جياعِ بطون؟
|
32- أأرى بناءً أم أرى شقَّيْ رحًى
|
جبارةٍ للمؤمنين طحونِ؟
|
33- واهًا! أفي حُلْمٍ أنا أم يقْظةٍ
|
أم
تلك دارُ خيالة وفتونِ؟!
|
34- لا.. لا أشك.. هي الحقيقة حية
|
أأشُكُّ
في ذاتي وعينِ يقيني؟!
|
35- هذي مقدمة الكتاب فكيف ما
|
تحوي الفصولُ السودُ مِن مضمونِ؟!
|
36- هذا هو الحربي معقل ثورةٍ
|
تدعو إلى التحرير والتكوينِ
|
37- فيه زبانيةٌ أُعِدُّوا لِلْأَذَى
|
وتَخصصوا في فنِّه الملعونِ
|
38- متبلّدون عقولُهم بِأَكُفِّهِمْ
|
وَأَكُفُّهُم
للشرِ ذاتُ حنينِ
|
39- لا فرقَ بينهمو وبين سِياطِهم
|
كلٌّ أداةٌ في يدي مأفونِ
|
40- يتلقفون القادمين كأنهم
|
عثروا على كَنزٍ لديك ثمينِ
|
41- بالرِّجل بالكرباج باليد بالعصا
|
وبكل أسلوب خسيس دُونِ
|
42- لا يقدرون مفكرًا ولو انه
|
في
عقل سقراط وأفلاطونِ
|
43- لا يعبأون بصالح ولو انه
|
في
زهد عيسى أو تقى هارونِ
|
44- لا يرحمون الشيخ وهو محطم
|
والظهر منه تراه كالعرجونِ
|
45- لا يشفقون على المريض وطالما
|
زادوا أذاه بقسوة وجنونِ
|
46- كم عالم ذي هيبة وعمامةٍ
|
وطئوا عمامته بكل مجونِ
|
47- لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها
|
لكنها هانت هوان الدينِ
|
48- وكبيرُ قومٍ زيَّنتْه لحيةٌ
|
أغرتهمو بالسب والتلعينِ
|
49- قالوا له انتفها بكل وقاحة
|
لم
يعبأوا بسنينه الستينِ
|
50- فإذا تقاعس أو أبى يا ويله
|
مما يلاقي من أذى وفتونِ
|
51- أترى أولئك ينتمون لآدمٍ
|
أم
هم ملاعين بنو ملعونِ؟
|
52- تالله أين الآدمية منهمو
|
من
مثل محمود ومن ياسينِ
|
53- من جودة أو من دياب ومصطفى
|
وحمادة وعطية وأمينِ
|
54- لا تحسبوهم مسلمين من اسمهم
|
لا
دين فيهم غير سب الدينِ
|
55- لا دين يردع لا ضمير محاسِب
|
لا
خوف شعب لا حمى قانونِ
|
56- من ظن قانونًا هناك فإنما
|
قانوننا هو حمزة البسيوني
|
57- جلاد ثورتهم وسوط عذابهم
|
سموه زورًا قائدًا لسجونِ
|
58- وجه عبوس قمطرير حاقد
|
مستكبر القسمات والعرنينِ
|
59
|
في
خده شجٌّ ترى مِن خلفه
|
60- متعطش للسوء، في الدم والغ
|
في
الشر منقوع به معجونِ
|
61- هذا هو الحربي معقل ثورة
|
تدعو إلى التطوير والتحسينِ!
|
62- هو صورة صغرى استُعيرتْ مِن لظى
|
فى
ضيقها وعذابها الملعونِ
|
63- هو مصنع للهول كم أهدى لنا
|
صورًا تذكرنا بيوم الدين!
|
64- هو فتنة في الدين لولا نفحة
|
من
فيض إيمان وبرد يقينِ
|
65- قل للعواذل: إن رميتم مصرنا
|
بتخلف التصنيع والتعدين
|
66- مصر الحديثة قد علت وتقدمت
|
في
صنعة التعذيب والتقرينِ!
|
67- وتفننتْ -كي لا يمل معذب-
|
في
العرض والإخراج والتلوينِ!
|
68- أسمعتَ بالإنسان يُنفخ بطنه
|
حتى يرى في هيئة البالونِ؟!
|
69- أسمعتَ بالإنسان يُضغط رأسُه
|
بالطوق حتى ينتهي لجنونِ؟!
|
70- أسمعتَ بالإنسان يُشعل جسمه
|
نارًا وقد صبغوه بالفزلينِ؟!
|
71- أسمعتَ ما يَلقى البريء ويصطلي
|
حتى يقول أنا المسيء خذوني؟!
|
72- أسمعتَ بالآهاتِ تخترق الدُّجى
|
رباه عدلك إنهم قتلوني؟!
|
73- إن كنتَ لم تسمع فَسَلْ عما جرى
|
مثلي.. ولا ينبيك مثل سجينِ
|
74- واسأل ثرى الحربي أو جدرانه
|
كم
من كسير فيه أو مطعونِ
|
75- وسلِ السياطَ السود كم شربتْ دمًا
|
حتى غدت حمرًا بلا تلوينِ
|
76- وسلِ العروسة قُبَّحَتْ من عاهر
|
كم
من جريح عندها وطعينِ
|
77- كم فتية زُفوا إليها عنوة
|
سقطوا من التعذيب والتوهينِ
|
78- واسألْ زنازينَ الجليدِ تُجبْك عن
|
فن
العذاب وصنعة التلقينِ
|
79- بالنار أو بالزمهرير..فتلك في
|
حين ، وهذا الزمهرير بحينِ
|
80- يُلقى الفتى فيه ليالي عاريًا
|
أو
شبه عارٍ في شتا كانونِ
|
81- وهناك يُملى الاعتراف كما اشتهوا
|
أَوْ لا..فويل مخالفٍ وحرونِ
|
82- وسل المقطم وهو أعدل شاهد
|
كم
من شهيد في التلال دفينِ
|
83- قتلته طُغمةُ مصرَ أبشع قِتلةٍ
|
لا
بالرصاص ولا القنا المسنونِ
|
84- بل علقوه كالذبيحة هُيئتْ
|
للقطع والتمزيق بالسكينِ
|
85- وتهجدوا فيه ليالي كلُّها
|
جلدٌ، وهم في الجلد أهل فنونِ!
|
86- فإذا السياط عجزن عن إنطاقه
|
فالكي بالنيران خير ضمينِ!
|
87- ومضت ليالي والعذاب مسجر
|
لفتى بأيدي المجرمين رهينِ
|
88- لم يعبأوا بجراحه وصديدها
|
لم
يسمعوا لتأوه وأنينِ
|
89- قالوا: اعترف أو مت فأنت مخير
|
فأبى الفتى إلا اختيار منونِ
|
90- وجرى الدم الدفاق يسطر في الثرى
|
يا
إخوتي استُشهدتُ فاحتسبوني
|
91- لا تحزنوا إني لربي ذاهب
|
أحيا حياة الحر لا المسجونِ
|
92- وامضوا على درب الهدى لا تيأسوا
|
فاليأس أصل الضعف والتوهينِ
|
93- قولوا لأمي:لا تنوحي واصبري
|
أنا عند خالقيَ الذي يهديني
|
94- أنا إن حُرمت وداعكم لجنازتي
|
فملائك الرحمن لم يَدَعوني
|
95- إن لم يصلِّ عليَّ في الأرض امرؤٌ
|
حسبي صلاتهمو بعليينِ
|
96- أنا في جوار المصطفى وصحابه
|
أحظى بأجر ليس بالممنونِ
|
97- أنا في رُبا الفردوس أقفز شاديًا
|
جذلان كالعصفور بين غصونِ
|
98- ولدانها في خدمتي، وثمارها
|
في
قبضتي، ونعيمها يدعوني
|
99- وإذا حُرمت العُرسَ في الدنيا فلي
|
ما
شئت فيها من حسان عِينِ
|
100- أماه حَسْبُكِ أن أموت معذبًا
|
في
الله لا في شهوة ومجونِ
|
101- ما خُنتُ ديني أو حماي ولم أكن
|
يومًا على حرماته بظنينِ
|
102- فليسألوا عني القناة ويسألوا
|
عني اليهود فطالما خبروني
|
103- سحقًا لجزارين كم ذبحوا فتى
|
مستهترين كأنه ابن لبونِ!
|
104- فإذا قضى ذهبوا بجثته إلى
|
تل
المقطم وهو غير بطينِ
|
105- لفوه في ثوب الدجى وتسللوا
|
سارين بين مَغاورٍ وحزونِ
|
106- واروه ثم محوا معالم رَمْسِه
|
فغدا كسرٍّ في الثرى مكنونِ
|
107- أخفوه عن عين الأنام وما دروا
|
أن
الإله يحوطهم بعيونِ
|
108- والليل يشهد والكواكب والثرى
|
وكفى بهم شهداء يوم الدينِ
|
109- قالوا: محاكمة، فقلت: رواية
|
أعطوا لمخرجها وسام فنونِ!
|
110- هي شر مهزلة ومأساة معًا
|
قد
أضحكتني مثل ما تبكيني!
|
111- أَوَعَتْ سجلات القضاء قضية
|
كقضية الإخوان؟أين؟ أروني
|
112- الخَصم فيها مدَّعٍ ومحققٌ
|
وهو الذي يقضي بلا قانونِ!
|
113- إلا هواه وما يدور برأسه
|
من
خلط سكير ورأي أفينِ
|
114- أرأيت محكمة ترأَّسَها امرؤٌ
|
يدعوه مَن عرفوه بالمجنونِ؟!
|
115- أرأيتَ أحرارًا رَمَوْا بهمو لدى
|
قاضٍ عديمٌ دينُه مأبونِ؟!
|
116- أرأيتَ إنسانًا يُدان لقوله:
|
الله ربي، والحنيفة ديني!
|
117- أو قال: يا قومِ ارجعوا لكتابكم
|
طوقِ النجاة لكم بكل يقينِ؟!
|
118- يا سوء حظ فتى رأوا بسجله
|
شرف الجهاد لعصبة الصهيونِ!
|
119- أو كان يومًا في كتيبة فتية
|
شهرت بنادقها على السكسونِ!
|
120- أو كان حافظ آل عمران فقد
|
ظفروا ببرهان عليه مبينِ!
|
121- هذي الجرائم عند محكمة الردى
|
هي
غرة تزهو بأي جبينِ
|
122- والويل لامرئ استباح لنفسه
|
إظهار تعذيب ودفع ظنونِ
|
123- سيعود للحربي يأخذ حظه
|
وجزاءه الأوفى من البسيوني
|
124- أنا إن نسيت فلست أنسى ليلة
|
في
ساحة الحربي ذات شجونِ
|
125- عُدنا المساءَ مِن المحاكمة التي
|
كانت فصول فكاهة ومجونِ
|
126- ما كاد يعرونا الكَرَى حتى دعا
|
داعي الردى ..وكفاك صوت أمينِ
|
127- فتجمع الإخوان ممن حوكموا
|
ذا
اليوم من طنطا إلى بسيونِ
|
128- أنما الأولى سيحاكمون فأُحضروا
|
لِيَرَوا يقينًا ليس بالمظنونِ
|
129- وإذا بقائدنا المظفر حمزة!
|
في
عسكر شاكي السلاح حصينِ
|
130- حشد الجنود وصفَّها بمهارة
|
وكأنه عمرو بأجنادينِ!
|
131- وأحاطنا ببنادق ومدافع
|
فغرت لنا فاها كَفِي التنينِ!
|
132-طابور "تكدير" ثقيل مرهق
|
في
وقت أحلام وآن سكونِ
|
133- نعدو كما تعدو الظباء يسوقنا
|
لهب السياط شكت من التسخينِ
|
134- ومضت علينا ساعتان وكلنا
|
عرق تصبب مثل فيض عيونِ
|
135- من خر إغماءً يفق عجلًا على
|
ضربات صوت للعذاب مهينِ
|
136- ومن ارتمى في الأرض من شيخوخة
|
أو
علة.. داسوه دوس الطينِ
|
137- لم يكفِ حمزة كل ما نُؤْنا به
|
من
فرط إعياء ومن توهينِ
|
138- فأتى يوزع بالمفرَّق دفعه
|
بالسوط من عشرين للخمسينِ
|
139-كل ينال نصيبه بنزاهة
|
في
العد والإتقان والتحسينِ!
|
140- وإذا نسيت فلست أنسى خطبة
|
ما
زال صوت خطيبها يشجيني
|
141- إذ قال حمزة -وهو منتفخ- فلم
|
يترك لفرعون ولا قارونِ:
|
142- أين الألى اصطنعوا البطولة وادّعوا
|
أني أعذبهم هنا بسجوني؟!
|
143- أظننتمو هذا يخفف عنكمو
|
كلا، فأمركم انتهى، وسلوني
|
144- أم تحسبون كلام ألف منكمو
|
عنكم وعن تعذيبكم يثنيني؟!
|
145- إني هنا القانون، أعلى سلطة
|
من
ذا يحاسب سلطة القانون؟!
|
146- متفرد في الحكم دون معقب
|
من
ذا يخالفني ومن يعصيني؟!
|
147- فإذا أردتُ وهبتُكم حرية
|
أو
شئتُ ذقتم من عذابي الهونِ
|
148- من منكمو سامحتُه فبرحمتي
|
وإذا أبيتُ فذاك طوع يميني
|
149- ومن ابتغى موتًا فها عندي له
|
موت بلا غسل ولا تكفينِ!
|
150- يا فارسَ الوادي وقائدَ سجنِه
|
أبنو الكنانة أم بنو صهيون؟!
|
151- هلا ذهبتَ إلى الحدودِ حميتَها
|
وأريتَنا أفكار نابليون؟!
|
152- اذهبْ لغزة يا هُمام وأنسنا
|
بجهادك الدامي صلاح الدين!
|
153- أفعندنا كبش النِّطاح.. ونعجة
|
في
الحرب جماءٌ بغير قرون؟!
|
154- أعرفت ما قاسيت في زنزانة
|
كانت هي القبر الذي يئويني؟!
|
155- لا بل ظلمتُ القبر، فهو لذي التُّقى
|
روض، وتلك جحيم أهل الدينِ!
|
156- هي في الشتاء وبرده ثلاجة
|
هي
في هجير الصيف مثل أتونِ
|
157- نُلقى ثمانيةً بها أو سبعة
|
متداخلين كعلبة السردينِ
|
158- هي منتدانا وهي غرفة نومنا
|
وهي البوفيه وحجرة الصالونِ
|
159- هي مسجد لصلاتنا ودعائنا
|
هي
ساحة للعب والتمرينِ
|
160- وهي الكنيف وللضرورة حكمها
|
ما
الذنب إلا ذنب من سجنوني
|
161- هي كل ما لي في الحياة فلم يعد
|
في
الكون ما أرجوه أو يرجوني
|
162- الأرض كل الأرض عندي أرضها
|
أما السماء فسقفها يعلوني
|
163- فيها انقطعتُ عن الوجود فلم أعد
|
أعنيه في شيء ولا يعنيني
|
164-لا أعرف الأنباء عن دنيا الورى
|
إلا من الأحلام لو تأتيني!
|
165- يبكي الأقارب غيبة حسبوا لها
|
شهرين فامتدت إلى عشرينِ
|
166- ولَكَمْ وَفَيٌّ زار أهلي سائلًا
|
عني برفق علهم عرفوني!
|
167- والأهل لا يدرون: هل أنا ميت
|
فقدوه أم حي فيرتقبوني!
|
168- كم شاعر فقد الرجاء بعودتي
|
فأعد فيّ قصيدة التأبينِ
|
169- هذا نصيبي يا أخي من ثورة
|
قد
كنت أحسبها أتتْ تحميني
|
170- حظي بها زنزانة صخرية
|
سوداء مثل قلوب من أسروني
|
171- كم من ليالٍ بتُّها أشكو الطوى
|
والبرد، لكن أين من يُشكيني؟
|
172- هم كدروني لا طعام أذوقه
|
لاشيء من برد الشتاء يقيني
|
173- فإذا انقضى التكدير جاء طعامهم
|
دكنًا كأفكار الألى اعتقلوني
|
174- ضرب من التعذيب إلا أنه
|
لابد منه لسد جوع بطونِ
|
175- ففطورنا عدس مزين بالحصى
|
إن
الحصى فرضٌ على التعيينِ
|
176- قد عِفتُه حتى اسمه وحروفه
|
من
عينه أو داله والسِّينِ!
|
177- وغداؤنا فاصوليةٌ ضاقتْ بها
|
نفسي فرؤية ُصَحْنِها تؤذيني
|
178- وعشاؤنا شيء يحيرك اسمه
|
فكأنما صنعوه من غسلينِ
|
179- لا طعم فيه ولا غذاء وإنما
|
يحلو لنا من قلة التموينِ
|
180- طبق يُكال لسبعة أو نصفه
|
وعليَّ أن أرضى وقد ظلموني
|
181- لو أن لي في جوفها حرية
|
لرضيت.. لكن أين ما يرضيني؟
|
182- من أجل ضبط وُرَيقة أو إبرة
|
ولغير شيء..طالما استاقوني
|
183- وتجمعوا حولي ضواري هَمُّها
|
نهشي .. وما لي حيلة تنجيني
|
184- إن نمت توقظني السياط سريعة
|
فالنوم
ليس يباح للمسجونِ
|
185- وإذا تحدثنا لنذهب بالكرى
|
حظروا الحديث عليَّ كالأفيونِ!
|
186- وإذا شَغلنا بالقراءة وقتنا
|
أخذوا جميع الكتب للتخزينِ !
|
187- وإذا تلونا في المصاحف حرموا
|
حمل المصاحف وهي خير قرينِ
|
188- وإذا تسلينا بصنع مسابح
|
جمعوا المسابح من نوى الزيتونِ
|
189- هذي سياستهم وتلك عقولهم:
|
عيشوا بغير تحرك وسكونِ!
|
190- إياكمو أن تشتكوا أو تتألموا
|
موتوا بغير توجع وأنينِ!
|
191- يا ويل من قد مسه لهب الظما
|
فدعا بلطف للجنود:اسقوني
|
192- فهناك يُسقى المر من أيديهمو
|
كم
كل مسعور عليك حرونِ
|
193- فالسوط حلال المشاكل، لم يضق
|
يومًا بطول مآرب وشئونِ
|
194- من راح يشكو الجوع فهو غذاؤه
|
ومن ابتغى رِيًّا فأيُّ مَعينِ!
|
195- ومن اشتكى الإسهال يجلد عشرة
|
هي
وصفة الثوار للمبطونِ
|
196- ومن اشتكى وجع الصداع فمثلها
|
أو
ضعفها بمكان الاسبرينِ
|
197- ومن اشتكى من سكِّر فبنحوها
|
يجد العليل أعزَّ أنسولينِ
|
198- هذا اكتشاف الثورة الفذ الذي
|
فخرت به مصر على برلينِ!
|
199- يا عصبة الباستيل دونكمو، فلن
|
آسى على الإغلاق والتأمينِ
|
200- سدوا عليَّ الباب كي أخلو إلى
|
كتبي، فلي في الكتب خير خَدينِ
|
201- وخذوا الكتاب، فإنَّ أنسي مصحفٌ
|
أتلوه بالترتيل والتلحينِ
|
202- وخذوا المصاحف، إنَّ بين جوانحي
|
قلبًا بنور يقينه يهديني
|
203- اللهُ أسعدني بظل عقيدتي
|
أفيستطيع الخلق أن يشقوني؟!
|
204- لحساب من هذا الأتون مسجر
|
يلقى له بالفحم والبنزينِ؟
|
205- لحساب من بطشوا بأطهر ثلة
|
روَّت دماها أرض فلسطينِ؟
|
206- لحساب من ضربوا بطولةَ فتيةٍ
|
بَعثوا صلاح الدين في حطينِ؟
|
207- لحساب من مكروا بإخوة غانم
|
وابن المنيسي والفتى شاهينِ؟
|
208- لحساب من شنقوا المجاهد يوسفًا
|
والفرغليّ محاربَ السكسونِ؟
|
209- لحساب من غدروا بعودة جهرة
|
من
غير سلطان عليه مبينِ؟
|
210- لحساب من قتلوا وما قد شوهوا
|
من
أوجه أو أظهر وبطونِ
|
211- من عذبوا، من شردوا، من جوعوا
|
ومن استذلوا من ليوث عرينِ؟
|
212- ألمصر؟ كيف ونحن صفوة جندها
|
في
يوم حرب للعدو زَبونِ
|
213- أم للعروبة في قضيتها التي
|
أغنى بها الشهداء عن تبييني
|
214- أم يا تُرى لقضية الإسلام في
|
أوطانه من طنجة لبكينِ؟
|
215- ألمسلمي الأحباش أم لأرتريا
|
من
كل مرتقب لعون معينِ
|
216- أم للألى يُفنَون في القوقاز أو
|
من
ذُبِّحوا في الهند أو في الصينِ؟
|
217- لا لا وربي، إنني لَأقولها
|
بالجزم لا بالخرص والتخمينِ:
|
218- لحساب من هذا أتدري يا أخي؟
|
لحساب الاستعمار الصهيوني
|
219- أرضى بنا الطاغوتُ سادتَه لكي
|
يَعِدوه بالتثبيت والتأمينِ
|
220- فالقوم يخشون انتفاضة ديننا
|
بعد الجمود وبعد نوم قرونِ
|
221- يخشون يعرُب أن تجود بخالد
|
وبكل سعد فاتح ميمونِ
|
222- يخشون أفريقيا تجود بطارق
|
يخشون تركيّا كنور الدينِ
|
223- يخشون دين الله يرجع مصدرًا
|
للفكر والتوجيه والتقنينِ
|
224- ويرون كل تكتل يدعو له
|
خطرًا وخصمًا ليس بالمأمونِ
|
225- وهنا بدا البطل الهمام منفذًا
|
لمخطط التبشير والماسونِ
|
226- ليسدد الضربات في عنف إلى
|
أقوى بناء للدعاة متينِ
|
227- ليقول للرقباء: قروا أعينا
|
أنا باقتلاع الأس جد قمينِ
|
228- وكذاك قام كمالهم في تركيا
|
ليطارد الإسلام كالمجنونِ
|
229- واليوم سار جمالهم في خطه
|
بتدرج وتخابث ملعونِ
|
230- ذاك امرؤ عار ، وهذا ماكر
|
متلون يحكي أبا قلمونِ
|
231- يا مصر حظك مثل حظي عاثر
|
كم
قد نكبت بغاشم وخئونِ
|
232- قلنا انقضى عهد الظلام وأقبلت
|
مصر على عهد أغر مكينِ
|
233- يمضي بأمتنا على سنن الهدى
|
ويردها لتراثها الميمونِ
|
234-ويعيد عهد الراشدين يمده
|
عز
الرشيد ونهضة المأمونِ
|
235- أمل أضاء -كلمحة- في ثورة
|
كنا لها في الروع خير معينِ
|
236- فإذا الذي ثرنا عليه تعيده
|
كالثور حين يدور في الطاحونِ
|
237- ثرنا على ملك، فجاءوا عشرة
|
كل
يريد الملك غير رزينِ
|
238- وإذا رئيسهمو يرى في نفسه
|
ملك الملوك ووارث الفرعونِ
|
239- في نفسه ودمائه:أنا ربكم
|
لا
تجعلوا ربًّا لكم من دوني
|
240- ثرنا على الأحزاب في تضليلها
|
للشعب.. في توجيهها اللا ديني
|
241- ما بالها رجعت لنا حزبية
|
عمياء ذات دعاية وطنينِ؟
|
242- تدع البناء يكاد يهوي ركنه
|
وتهيم بالتزويق والتزيينِ!
|
243- صحف ومذياع وسيل دعاية
|
متدفق النشرات جدُّ هَتُونِ
|
244- خطب توزع للعراة ليكتسوا
|
وصحافة تُهدى إلى المسكينِ
|
245- أكداس أرقام ولست ترى لها
|
أثرًا سوى عري وجوع بطونِ
|
246- برق ولا مطر، وأوراق ولا
|
ثمر، وجعجعة بغير طحينِ
|
247- ثورية هدامة شريرة
|
باسم البناء تهدُّ كل حصينِ
|
248- كانت على الإسلام في أوطانه
|
شرًّا من السكسون واللاتينِ
|
249- نصبت مشانقها لقتل دعاته
|
بغيًا، بلا شرع ولا قانونِ
|
250- ومضت تصب على الألوف عذابها
|
من
كل ذي ثقة بهذا الدينِ
|
251- ساءت لعمري ثورة مشئومة
|
لم
نجنِ منها غير تل ديونِ
|
252- يجري الخراب وراءها أنى جرت
|
وتقول بالتطوير والتحسينِ!
|
253- يا ثورة كنا حماة ظهورها
|
صرنا وقود وطيسها المجنونِ
|
254- قالوا: مباركة.. وما كانت سوى
|
حُمَّى على الأحرارِ أو طاعونِ
|
255- يا هرة أكلت بنيها غدرة
|
قبحت أُمًّا كنتِ غيرَ حنونِ!
|
256- أفهكذا يُجزى الجميل بضده؟
|
أين الوفاء وأهله؟ دلوني
|
257- واهًا لهم، كم أسرفوا وتحيروا
|
في
وصفنا من يسرة ليمينِ
|
258- قالوا ويا لضلال ما قالوا فكم
|
كالوا لنا تهمًا بمحض ظنونِ!
|
259- وعزاؤنا أن النبي فديته
|
بأبي وأمي كم رُمي بطعونِ!
|
260- من ساحر حينًا، لباغٍ، مفترٍ
|
أو
كاهنٍ، أو شاعر مجنونِ!
|
261- قالوا كذابًا: دعوة رجعية
|
معزولة عن قرنها العشرين!
|
262- الناس تنظر للأمام، فما لهم
|
يدعوننا لنعود قبل قرون؟
|
263- رجعية أنا نغار لديننا
|
ونقوم بالمفروض والمسنون؟!
|
264- رجعية أنا نصون حريمنا؟!
|
بئس الحريم يكون غير مصونِ
|
265- رجعية أنا نذرنا أنفسًا
|
لله تحيا، لا لعيش دون؟!
|
266- رجعية أنا نربي جندنا
|
للحق، لا لتفاهة ومجونِ؟!
|
267- رجعية أن الرسول زعيمنا
|
لسنا الذيول لماركس ولنين؟!
|
268- رجعية أن الجهاد سبيلنا؟!
|
نعم، الجهاد ذريعة التمكينِ
|
269- رجعية أن يحكم الإسلام في
|
شعب يرى الإسلام أعظم دينِ!
|
270- أوليس شرع الله -شرع محمد-
|
أولى بنا من شرع نابليونِ؟!
|
271- يارب إن تك هذه رجعية
|
فاحشرنِ رجعيًّا بيوم الدينِ!
|
272- قل للذي جعل الكنانة كلها
|
سجنًا وبات الشعب شر سجينِ:
|
273- يا أيها المغرور في سلطانه
|
أمن النضار خلقت أم من طينِ؟!
|
274- يا من أسأت لكل من قد أحسنوا
|
لك
دائنين فكنت شر مدينِ
|
275- يا ذئب غدر نصَّبوه راعيًا
|
والذئب لم يك ساعة بأمينِ
|
276- يا من زرعتَ الشر لن تجني سوى
|
شر
وحقد في الصدور دفينِ
|
277- سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت
|
دول أولات عساكر وحصونِ
|
278- ستهب عاصفة تدك بناءه
|
دكا .. وركن الظلم غير ركينِ
|
279- ماذا كسبت وقد بذلت من القوى
|
والمال بالآلاف والمليونِ؟
|
280- أرهقت أعصاب البلاد ومالها
|
ورجالها في الهدم لا التكوينِ
|
281- وأدرتَ معركة تأجَّجَ نارُها
|
مع
غير جون بول ولا كوهينِ
|
282- هل عدت إلا بالهزيمة مرة
|
وربحت غير خسارة المغبونِ؟!
|
283- وحفرت في كل القلوب مغاورًا
|
تهوي بها سُفْلًا إلى سجينِ
|
284- وبنيت من أشلائنا وعظامنا
|
جسرًا به نرقى لعليينِ
|
285- وصنعتَ باليد نعش عهدك طائعًا
|
ودققت إسفينًا إلى إسفينِ
|
286- أظننت دعوتنا تموت بضربة؟
|
خابت ظنونك، فهي شر ظنونِ!
|
287- بَلِيَتْ سياطُك، والعزائم لم تزل
|
منا كحد الصارم المسنونِ
|
288- إنا لعمري إن صمتنا برهةً
|
فالنار في البركان ذات كمونِ!
|
289- تالله ما الطغيان يهزم دعوة
|
يومًا، وفي التاريخ بِرُّ يميني
|
290- ضع في يدي القيد، أَلْهِبْ أضلُعي
|
بالسوط، ضع عنقي على السكين
|
291- لن تستطيعَ حصار فكري ساعة
|
أو
نزع إيماني ونور يقيني
|
292- - فالنور في قلبي، وقلبي في يَدَي
|
ربي، وربي ناصري ومعيني
|
293- سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي
|
وأموت مبتسمًا ليحيا ديني
|
294- صبرًا أخي في محنتي وعقيدتي
|
لا
بد بعد الصبر من تمكينِ
|
295- ولنا بيوسف أسوة في صبره
|
وقد ارتمى في السجن بضع سنينِ
|
296- هوَّن عليك الأمر لا تعبأ به
|
إن
الصعاب تهون بالتهوينِ
|
297- أمس مضى، واليوم يسهل بالرضا
|
وغدٌ ببطن الغيب شبه جنينِ
|
298- لا تيأسن من الزمان وأهله
|
وتقل مقالة قانط وحزينِ
|
299- شاة أسمنها لذئب غادر
|
يا
ضيعة الإعداد والتسمينِ
|
300- فعليك بَذْرُ الحَبِّ لا قطف الجنى
|
والله للساعين خير معينِ
|
301- سنعود للدنيا نطب جراحها
|
سنعود للتكبير والتأذينِ
|
302- ستسير فُلْكُ الحق تحمل جنده
|
وستنتهي للشاطئ المأمونِ
|
303- بالله مجراها ومرساها فهل
|
تخشى الردى والله خير ضمينِ؟!
|
304- يا رب خلِّص مصر من أعدائها
|
وأعن على طاغوتاها الملعونِ
|
305- يا رب إن السيل قد بلغ الزبى
|
والأمر في كاف لديك ونونِ
|
306- باسم الفراخ الزُغْبِ هيضَ جناحُهم
|
فقدوا الأَبَ الحاني بغير منونِ
|
307- بدموع أم روَّعوها في ابنها
|
وبكل دمع في العيون سخينِ
|
308- بدعاء شيخ شردوا أبناءه
|
ما
بين معتقل وبين سجينِ
|
309- بسهاد زوج غاب عنها زوجها
|
فدعت لفرط جوىً وفرط حنينِ:
|
310- رباه رُدَّ عليَّ مؤنِسَ وحشتي
|
وأغثْ بعودته جياع بنيني
|
311- يامن أجبت دعاء نوح فانتصر
|
وحَمَلْتَه في فلكك المشحونِ
|
312- يا من أحال النار حول خليله
|
رَوْحًا وريحانًا بقولك كونِ
|
313- يا من أمرت الحوت يَلْفِظُ يونسًا
|
وسترتَه بشُجيرة اليقطينِ
|
314- يا رب إنا مِثله في كُربة
|
فارحم عبادًا كلهم ذو النون.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق