2013-08-24

الملحمة النونية \ يوسف القرضاوي

يوسف القرضاوي
(مصر 1926-؟)

1- ثارَ القريضُ بخاطري فدعوني
 أفضي لكمْ بفجائعي وشجوني
2- فالشعرُ دمعي حينَ يعصرني الأسى
 والشعرُ عودي يومَ عزفِ لحوني
3- كم قال صحبي: أين غرُّ قصائدٍ
 تشجي القلوبَ بلحنها المحزونِ؟
4- وتخلّد الذكرى الأليمةَ للورَى
 تُتلى على الأجيالِ بعدَ قرونِ
5- ما حيلتي والشعرُ فيضُ خواطرٍ
 ما دمتُ أبغيهِ ولا يبغيني
6- واليوم عاودني الملاكُ فهزني
 طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ
7- أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي
 ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني
8- نونية والنونُ تحلو في فمي
 أبدًا فكدتُ يُقال لي ذو النونِ
9- صَوَّرتُ فيها ما استطعتُ بريشتي
 وتركتُ للأيامِ ما يعييني
10- ما هِمْتُ فيها بالخيالِ فإنَّ لي
 بغرائبِ الأحداثِ ما يُغنيني
11- أحداثِ عهدِ عصابةٍ حكموا بني
 مصرٍ بلا خُلق ولا قانونِ
12- أنستْ مظالِمُهُمْ مظالمَ مَن خلَوْا
 حتّى ترحمَنا على نيرونِ
13- حَسِبوا الزمانَ أصمَّ أعمى عنهمُ
 قد نوَّموه بخُطبة وطنينِ
14- ويراعةُ التاريخِ تَسْخَرُ مِنهمو
 وتقومُ بالتسجيلِ والتدوينِ
15- وكفى بربكَ للخليقةِ مُحْصِيًا
 في لوحِهِ وكتابِهِ المكنونِ
16- يا سائلي عن قصتي اسمعْ إنها
 قَصصٌ مِن الأهوالِ ذاتُ شجونِ
17- أَمْسِكْ بِقَلْبِكَ أنْ يطيرَ مُفَزَّعًا
 وتولَّ عن دُنياكَ حتى حينِ
18- فالهولُ عاتٍ والحقائقُ مُرةٌ
 تسمو على التصويرِ والتبيينِ
19- والخطبُ ليس بخطبِ مصرٍ وحدَها
 بلْ خَطْبُ هذا المشرقِ المسكينِ
20- في ليلةٍ ليلاءَ مِن نوفمبرٍ
 فُزِّعْتُ مِن نومي لصوتِ رنينِ
21- فإذا كلابُ الصيدِ تَهجمُ بغتةً
 وتحوطُني عن يسرةٍ ويمينِ
22- فَتَخَطَّفوني عن ذَوِيَّ وأقبلوا
 فرحًا بصيدٍ للطُّغاةِ سمينِ
23- وعُزِلتُ عن بصرِ الحياةِ وسمعِها
 وقُذفتُ في قفصِ العذابِ الهونِ
24- في ساحة "الحربي" حَسْبُكَ باسمِه
 مِن باعثٍ للرعبِ قدْ طرحوني
25- ما كدتُ أدخلُ بابَه حتى رأتْ
 عيناي ما لم تحتسبْه ظنوني
26- في كلِّ شبرٍ للعذابِ مناظرٌ
 يَندى لها -واللهِ- كلُّ جَبينِ
27- فترى العساكرَ والكلابَ مُعَدَّةً
 للنهشِ طوعَ القائدِ المفتونِ
28- هذي تَعَضُّ بِنابِها وزميلُها
 يَعْدُو عليكَ بِسَوْطِه المسنونِ
29- ومضتْ عليَّ دقائقٌ وكأنَّها
 مما لقيتُ بِهِنَّ بِضْعُ سِنينِ
30- يا ليت شعري ما دهانِ؟! وما جرى؟
 لا زلتُ حيًّا أم لقيتُ منونِ؟
31- عجبًا! أسجن ذاك أم هو غابةٌ
 برزت كواسرُها جياعِ بطون؟
32- أأرى بناءً أم أرى شقَّيْ رحًى
 جبارةٍ للمؤمنين طحونِ؟
33- واهًا! أفي حُلْمٍ أنا أم يقْظةٍ
 أم تلك دارُ خيالة وفتونِ؟!
34- لا.. لا أشك.. هي الحقيقة حية
 أأشُكُّ في ذاتي وعينِ يقيني؟!
35- هذي مقدمة الكتاب فكيف ما
 تحوي الفصولُ السودُ مِن مضمونِ؟!
36- هذا هو الحربي معقل ثورةٍ
 تدعو إلى التحرير والتكوينِ
37- فيه زبانيةٌ أُعِدُّوا لِلْأَذَى
 وتَخصصوا في فنِّه الملعونِ
38- متبلّدون عقولُهم بِأَكُفِّهِمْ
 وَأَكُفُّهُم للشرِ ذاتُ حنينِ
39- لا فرقَ بينهمو وبين سِياطِهم
 كلٌّ أداةٌ في يدي مأفونِ
40- يتلقفون القادمين كأنهم
 عثروا على كَنزٍ لديك ثمينِ
41- بالرِّجل بالكرباج باليد بالعصا
 وبكل أسلوب خسيس دُونِ
42- لا يقدرون مفكرًا ولو انه
 في عقل سقراط وأفلاطونِ
43- لا يعبأون بصالح ولو انه
 في زهد عيسى أو تقى هارونِ
44- لا يرحمون الشيخ وهو محطم
 والظهر منه تراه كالعرجونِ
45- لا يشفقون على المريض وطالما
 زادوا أذاه بقسوة وجنونِ
46- كم عالم ذي هيبة وعمامةٍ
 وطئوا عمامته بكل مجونِ
47- لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها
 لكنها هانت هوان الدينِ
48- وكبيرُ قومٍ زيَّنتْه لحيةٌ
 أغرتهمو بالسب والتلعينِ
49- قالوا له انتفها بكل وقاحة
 لم يعبأوا بسنينه الستينِ
50- فإذا تقاعس أو أبى يا ويله
 مما يلاقي من أذى وفتونِ
51- أترى أولئك ينتمون لآدمٍ
 أم هم ملاعين بنو ملعونِ؟
52- تالله أين الآدمية منهمو
 من مثل محمود ومن ياسينِ
53- من جودة أو من دياب ومصطفى
 وحمادة وعطية وأمينِ
54- لا تحسبوهم مسلمين من اسمهم
 لا دين فيهم غير سب الدينِ
55- لا دين يردع لا ضمير محاسِب
 لا خوف شعب لا حمى قانونِ
56- من ظن قانونًا هناك فإنما
 قانوننا هو حمزة البسيوني
57- جلاد ثورتهم وسوط عذابهم
 سموه زورًا قائدًا لسجونِ
58- وجه عبوس قمطرير حاقد
 مستكبر القسمات والعرنينِ
59
 في خده شجٌّ ترى مِن خلفه
60- متعطش للسوء، في الدم والغ
 في الشر منقوع به معجونِ
61- هذا هو الحربي معقل ثورة
 تدعو إلى التطوير والتحسينِ!
62- هو صورة صغرى استُعيرتْ مِن لظى
 فى ضيقها وعذابها الملعونِ
63- هو مصنع للهول كم أهدى لنا
 صورًا تذكرنا بيوم الدين!
64- هو فتنة في الدين لولا نفحة
 من فيض إيمان وبرد يقينِ
65- قل للعواذل: إن رميتم مصرنا
 بتخلف التصنيع والتعدين
66- مصر الحديثة قد علت وتقدمت
 في صنعة التعذيب والتقرينِ!
67- وتفننتْ -كي لا يمل معذب-
 في العرض والإخراج والتلوينِ!
68- أسمعتَ بالإنسان يُنفخ بطنه
 حتى يرى في هيئة البالونِ؟!
69- أسمعتَ بالإنسان يُضغط رأسُه
 بالطوق حتى ينتهي لجنونِ؟!
70- أسمعتَ بالإنسان يُشعل جسمه
 نارًا وقد صبغوه بالفزلينِ؟!
71- أسمعتَ ما يَلقى البريء ويصطلي
 حتى يقول أنا المسيء خذوني؟!
72- أسمعتَ بالآهاتِ تخترق الدُّجى
 رباه عدلك إنهم قتلوني؟!
73- إن كنتَ لم تسمع فَسَلْ عما جرى
 مثلي.. ولا ينبيك مثل سجينِ
74- واسأل ثرى الحربي أو جدرانه
 كم من كسير فيه أو مطعونِ
75- وسلِ السياطَ السود كم شربتْ دمًا
 حتى غدت حمرًا بلا تلوينِ
76- وسلِ العروسة قُبَّحَتْ من عاهر
 كم من جريح عندها وطعينِ
77- كم فتية زُفوا إليها عنوة
 سقطوا من التعذيب والتوهينِ
78- واسألْ زنازينَ الجليدِ تُجبْك عن
 فن العذاب وصنعة التلقينِ
79- بالنار أو بالزمهرير..فتلك في
 حين ، وهذا الزمهرير بحينِ
80- يُلقى الفتى فيه ليالي عاريًا
 أو شبه عارٍ في شتا كانونِ
81- وهناك يُملى الاعتراف كما اشتهوا
 أَوْ لا..فويل مخالفٍ وحرونِ
82- وسل المقطم وهو أعدل شاهد
 كم من شهيد في التلال دفينِ
83- قتلته طُغمةُ مصرَ أبشع قِتلةٍ
 لا بالرصاص ولا القنا المسنونِ
84- بل علقوه كالذبيحة هُيئتْ
 للقطع والتمزيق بالسكينِ
85- وتهجدوا فيه ليالي كلُّها
 جلدٌ، وهم في الجلد أهل فنونِ!
86- فإذا السياط عجزن عن إنطاقه
 فالكي بالنيران خير ضمينِ!
87- ومضت ليالي والعذاب مسجر
 لفتى بأيدي المجرمين رهينِ
88- لم يعبأوا بجراحه وصديدها
 لم يسمعوا لتأوه وأنينِ
89- قالوا: اعترف أو مت فأنت مخير
 فأبى الفتى إلا اختيار منونِ
90- وجرى الدم الدفاق يسطر في الثرى
 يا إخوتي استُشهدتُ فاحتسبوني
91- لا تحزنوا إني لربي ذاهب
 أحيا حياة الحر لا المسجونِ
92- وامضوا على درب الهدى لا تيأسوا
 فاليأس أصل الضعف والتوهينِ
93- قولوا لأمي:لا تنوحي واصبري
 أنا عند خالقيَ الذي يهديني
94- أنا إن حُرمت وداعكم لجنازتي
 فملائك الرحمن لم يَدَعوني
95- إن لم يصلِّ عليَّ في الأرض امرؤٌ
 حسبي صلاتهمو بعليينِ
96- أنا في جوار المصطفى وصحابه
 أحظى بأجر ليس بالممنونِ
97- أنا في رُبا الفردوس أقفز شاديًا
 جذلان كالعصفور بين غصونِ
98- ولدانها في خدمتي، وثمارها
 في قبضتي، ونعيمها يدعوني
99- وإذا حُرمت العُرسَ في الدنيا فلي
 ما شئت فيها من حسان عِينِ
100- أماه حَسْبُكِ أن أموت معذبًا
 في الله لا في شهوة ومجونِ
101- ما خُنتُ ديني أو حماي ولم أكن
 يومًا على حرماته بظنينِ
102- فليسألوا عني القناة ويسألوا
 عني اليهود فطالما خبروني
103- سحقًا لجزارين كم ذبحوا فتى
 مستهترين كأنه ابن لبونِ!
104- فإذا قضى ذهبوا بجثته إلى
 تل المقطم وهو غير بطينِ
105- لفوه في ثوب الدجى وتسللوا
 سارين بين مَغاورٍ وحزونِ
106- واروه ثم محوا معالم رَمْسِه
 فغدا كسرٍّ في الثرى مكنونِ
107- أخفوه عن عين الأنام وما دروا
 أن الإله يحوطهم بعيونِ
108- والليل يشهد والكواكب والثرى
 وكفى بهم شهداء يوم الدينِ
109- قالوا: محاكمة، فقلت: رواية
 أعطوا لمخرجها وسام فنونِ!
110- هي شر مهزلة ومأساة معًا
 قد أضحكتني مثل ما تبكيني!
111- أَوَعَتْ سجلات القضاء قضية
 كقضية الإخوان؟أين؟ أروني
112- الخَصم فيها مدَّعٍ ومحققٌ
 وهو الذي يقضي بلا قانونِ!
113- إلا هواه وما يدور برأسه
 من خلط سكير ورأي أفينِ
114- أرأيت محكمة ترأَّسَها امرؤٌ
 يدعوه مَن عرفوه بالمجنونِ؟!
115- أرأيتَ أحرارًا رَمَوْا بهمو لدى
 قاضٍ عديمٌ دينُه مأبونِ؟!
116- أرأيتَ إنسانًا يُدان لقوله:
 الله ربي، والحنيفة ديني!
117- أو قال: يا قومِ ارجعوا لكتابكم
 طوقِ النجاة لكم بكل يقينِ؟!
118- يا سوء حظ فتى رأوا بسجله
 شرف الجهاد لعصبة الصهيونِ!
119- أو كان يومًا في كتيبة فتية
 شهرت بنادقها على السكسونِ!
120- أو كان حافظ آل عمران فقد
 ظفروا ببرهان عليه مبينِ!
121- هذي الجرائم عند محكمة الردى
 هي غرة تزهو بأي جبينِ
122- والويل لامرئ استباح لنفسه
 إظهار تعذيب ودفع ظنونِ
123- سيعود للحربي يأخذ حظه
 وجزاءه الأوفى من البسيوني
124- أنا إن نسيت فلست أنسى ليلة
 في ساحة الحربي ذات شجونِ
125- عُدنا المساءَ مِن المحاكمة التي
 كانت فصول فكاهة ومجونِ
126- ما كاد يعرونا الكَرَى حتى دعا
 داعي الردى ..وكفاك صوت أمينِ
127- فتجمع الإخوان ممن حوكموا
 ذا اليوم من طنطا إلى بسيونِ
128- أنما الأولى سيحاكمون فأُحضروا
 لِيَرَوا يقينًا ليس بالمظنونِ
129- وإذا بقائدنا المظفر حمزة!
 في عسكر شاكي السلاح حصينِ
130- حشد الجنود وصفَّها بمهارة
 وكأنه عمرو بأجنادينِ!
131- وأحاطنا ببنادق ومدافع
 فغرت لنا فاها كَفِي التنينِ!
132-طابور "تكدير" ثقيل مرهق
 في وقت أحلام وآن سكونِ
133- نعدو كما تعدو الظباء يسوقنا
 لهب السياط شكت من التسخينِ
134- ومضت علينا ساعتان وكلنا
 عرق تصبب مثل فيض عيونِ
135- من خر إغماءً يفق عجلًا على
 ضربات صوت للعذاب مهينِ
136- ومن ارتمى في الأرض من شيخوخة
 أو علة.. داسوه دوس الطينِ
137- لم يكفِ حمزة كل ما نُؤْنا به
 من فرط إعياء ومن توهينِ
138- فأتى يوزع بالمفرَّق دفعه
 بالسوط من عشرين للخمسينِ
139-كل ينال نصيبه بنزاهة
 في العد والإتقان والتحسينِ!
140- وإذا نسيت فلست أنسى خطبة
 ما زال صوت خطيبها يشجيني
141- إذ قال حمزة -وهو منتفخ- فلم
 يترك لفرعون ولا قارونِ:
142- أين الألى اصطنعوا البطولة وادّعوا
 أني أعذبهم هنا بسجوني؟!
143- أظننتمو هذا يخفف عنكمو
 كلا، فأمركم انتهى، وسلوني
144- أم تحسبون كلام ألف منكمو
 عنكم وعن تعذيبكم يثنيني؟!
145- إني هنا القانون، أعلى سلطة
 من ذا يحاسب سلطة القانون؟!
146- متفرد في الحكم دون معقب
 من ذا يخالفني ومن يعصيني؟!
147- فإذا أردتُ وهبتُكم حرية
 أو شئتُ ذقتم من عذابي الهونِ
148- من منكمو سامحتُه فبرحمتي
 وإذا أبيتُ فذاك طوع يميني
149- ومن ابتغى موتًا فها عندي له
 موت بلا غسل ولا تكفينِ!
150- يا فارسَ الوادي وقائدَ سجنِه
 أبنو الكنانة أم بنو صهيون؟!
151- هلا ذهبتَ إلى الحدودِ حميتَها
 وأريتَنا أفكار نابليون؟!
152- اذهبْ لغزة يا هُمام وأنسنا
 بجهادك الدامي صلاح الدين!
153- أفعندنا كبش النِّطاح.. ونعجة
 في الحرب جماءٌ بغير قرون؟!
154- أعرفت ما قاسيت في زنزانة
 كانت هي القبر الذي يئويني؟!
155- لا بل ظلمتُ القبر، فهو لذي التُّقى
 روض، وتلك جحيم أهل الدينِ!
156- هي في الشتاء وبرده ثلاجة
 هي في هجير الصيف مثل أتونِ
157- نُلقى ثمانيةً بها أو سبعة
 متداخلين كعلبة السردينِ
158- هي منتدانا وهي غرفة نومنا
 وهي البوفيه وحجرة الصالونِ
159- هي مسجد لصلاتنا ودعائنا
 هي ساحة للعب والتمرينِ
160- وهي الكنيف وللضرورة حكمها
 ما الذنب إلا ذنب من سجنوني
161- هي كل ما لي في الحياة فلم يعد
 في الكون ما أرجوه أو يرجوني
162- الأرض كل الأرض عندي أرضها
 أما السماء فسقفها يعلوني
163- فيها انقطعتُ عن الوجود فلم أعد
 أعنيه في شيء ولا يعنيني
164-لا أعرف الأنباء عن دنيا الورى
 إلا من الأحلام لو تأتيني!
165- يبكي الأقارب غيبة حسبوا لها
 شهرين فامتدت إلى عشرينِ
166- ولَكَمْ وَفَيٌّ زار أهلي سائلًا
 عني برفق علهم عرفوني!
167- والأهل لا يدرون: هل أنا ميت
 فقدوه أم حي فيرتقبوني!
168- كم شاعر فقد الرجاء بعودتي
 فأعد فيّ قصيدة التأبينِ
169- هذا نصيبي يا أخي من ثورة
 قد كنت أحسبها أتتْ تحميني
170- حظي بها زنزانة صخرية
 سوداء مثل قلوب من أسروني
171- كم من ليالٍ بتُّها أشكو الطوى
 والبرد، لكن أين من يُشكيني؟
172- هم كدروني لا طعام أذوقه
 لاشيء من برد الشتاء يقيني
173- فإذا انقضى التكدير جاء طعامهم
 دكنًا كأفكار الألى اعتقلوني
174- ضرب من التعذيب إلا أنه
لابد منه لسد جوع بطونِ
175- ففطورنا عدس مزين بالحصى
 إن الحصى فرضٌ على التعيينِ
176- قد عِفتُه حتى اسمه وحروفه
 من عينه أو داله والسِّينِ!
177- وغداؤنا فاصوليةٌ ضاقتْ بها
 نفسي فرؤية ُصَحْنِها تؤذيني
178- وعشاؤنا شيء يحيرك اسمه
 فكأنما صنعوه من غسلينِ
179- لا طعم فيه ولا غذاء وإنما
 يحلو لنا من قلة التموينِ
180- طبق يُكال لسبعة أو نصفه
 وعليَّ أن أرضى وقد ظلموني
181- لو أن لي في جوفها حرية
 لرضيت.. لكن أين ما يرضيني؟
182- من أجل ضبط وُرَيقة أو إبرة
 ولغير شيء..طالما استاقوني
183- وتجمعوا حولي ضواري هَمُّها
 نهشي .. وما لي حيلة تنجيني
184- إن نمت توقظني السياط سريعة
 فالنوم ليس يباح للمسجونِ
185- وإذا تحدثنا لنذهب بالكرى
 حظروا الحديث عليَّ كالأفيونِ!
186- وإذا شَغلنا بالقراءة وقتنا
 أخذوا جميع الكتب للتخزينِ !
187- وإذا تلونا في المصاحف حرموا
 حمل المصاحف وهي خير قرينِ
188- وإذا تسلينا بصنع مسابح
 جمعوا المسابح من نوى الزيتونِ
189- هذي سياستهم وتلك عقولهم:
 عيشوا بغير تحرك وسكونِ!
190- إياكمو أن تشتكوا أو تتألموا
 موتوا بغير توجع وأنينِ!
191- يا ويل من قد مسه لهب الظما
 فدعا بلطف للجنود:اسقوني
192- فهناك يُسقى المر من أيديهمو
 كم كل مسعور عليك حرونِ
193- فالسوط حلال المشاكل، لم يضق
 يومًا بطول مآرب وشئونِ
194- من راح يشكو الجوع فهو غذاؤه
 ومن ابتغى رِيًّا فأيُّ مَعينِ!
195- ومن اشتكى الإسهال يجلد عشرة
 هي وصفة الثوار للمبطونِ
196- ومن اشتكى وجع الصداع فمثلها
 أو ضعفها بمكان الاسبرينِ
197- ومن اشتكى من سكِّر فبنحوها
 يجد العليل أعزَّ أنسولينِ
198- هذا اكتشاف الثورة الفذ الذي
 فخرت به مصر على برلينِ!
199- يا عصبة الباستيل دونكمو، فلن
 آسى على الإغلاق والتأمينِ
200- سدوا عليَّ الباب كي أخلو إلى
 كتبي، فلي في الكتب خير خَدينِ
201- وخذوا الكتاب، فإنَّ أنسي مصحفٌ
 أتلوه بالترتيل والتلحينِ
202- وخذوا المصاحف، إنَّ بين جوانحي
 قلبًا بنور يقينه يهديني
203- اللهُ أسعدني بظل عقيدتي
 أفيستطيع الخلق أن يشقوني؟!
204- لحساب من هذا الأتون مسجر
 يلقى له بالفحم والبنزينِ؟
205- لحساب من بطشوا بأطهر ثلة
 روَّت دماها أرض فلسطينِ؟
206- لحساب من ضربوا بطولةَ فتيةٍ
 بَعثوا صلاح الدين في حطينِ؟
207- لحساب من مكروا بإخوة غانم
 وابن المنيسي والفتى شاهينِ؟
208- لحساب من شنقوا المجاهد يوسفًا
 والفرغليّ محاربَ السكسونِ؟
209- لحساب من غدروا بعودة جهرة
 من غير سلطان عليه مبينِ؟
210- لحساب من قتلوا وما قد شوهوا
 من أوجه أو أظهر وبطونِ
211- من عذبوا، من شردوا، من جوعوا
 ومن استذلوا من ليوث عرينِ؟
212- ألمصر؟ كيف ونحن صفوة جندها
 في يوم حرب للعدو زَبونِ
213- أم للعروبة في قضيتها التي
 أغنى بها الشهداء عن تبييني
214- أم يا تُرى لقضية الإسلام في
 أوطانه من طنجة لبكينِ؟
215- ألمسلمي الأحباش أم لأرتريا
 من كل مرتقب لعون معينِ
216- أم للألى يُفنَون في القوقاز أو
 من ذُبِّحوا في الهند أو في الصينِ؟
217- لا لا وربي، إنني لَأقولها
 بالجزم لا بالخرص والتخمينِ:
218- لحساب من هذا أتدري يا أخي؟
 لحساب الاستعمار الصهيوني
219- أرضى بنا الطاغوتُ سادتَه لكي
 يَعِدوه بالتثبيت والتأمينِ
220- فالقوم يخشون انتفاضة ديننا
 بعد الجمود وبعد نوم قرونِ
221- يخشون يعرُب أن تجود بخالد
 وبكل سعد فاتح ميمونِ
222- يخشون أفريقيا تجود بطارق
 يخشون تركيّا كنور الدينِ
223- يخشون دين الله يرجع مصدرًا
 للفكر والتوجيه والتقنينِ
224- ويرون كل تكتل يدعو له
 خطرًا وخصمًا ليس بالمأمونِ
225- وهنا بدا البطل الهمام منفذًا
 لمخطط التبشير والماسونِ
226- ليسدد الضربات في عنف إلى
 أقوى بناء للدعاة متينِ
227- ليقول للرقباء: قروا أعينا
 أنا باقتلاع الأس جد قمينِ
228- وكذاك قام كمالهم في تركيا
 ليطارد الإسلام كالمجنونِ
229- واليوم سار جمالهم في خطه
 بتدرج وتخابث ملعونِ
230- ذاك امرؤ عار ، وهذا ماكر
 متلون يحكي أبا قلمونِ
231- يا مصر حظك مثل حظي عاثر
 كم قد نكبت بغاشم وخئونِ
232- قلنا انقضى عهد الظلام وأقبلت
 مصر على عهد أغر مكينِ
233- يمضي بأمتنا على سنن الهدى
 ويردها لتراثها الميمونِ
234-ويعيد عهد الراشدين يمده
 عز الرشيد ونهضة المأمونِ
235- أمل أضاء -كلمحة- في ثورة
 كنا لها في الروع خير معينِ
236- فإذا الذي ثرنا عليه تعيده
 كالثور حين يدور في الطاحونِ
237- ثرنا على ملك، فجاءوا عشرة
 كل يريد الملك غير رزينِ
238- وإذا رئيسهمو يرى في نفسه
 ملك الملوك ووارث الفرعونِ
239- في نفسه ودمائه:أنا ربكم
 لا تجعلوا ربًّا لكم من دوني
240- ثرنا على الأحزاب في تضليلها
 للشعب.. في توجيهها اللا ديني
241- ما بالها رجعت لنا حزبية
 عمياء ذات دعاية وطنينِ؟
242- تدع البناء يكاد يهوي ركنه
 وتهيم بالتزويق والتزيينِ!
243- صحف ومذياع وسيل دعاية
 متدفق النشرات جدُّ هَتُونِ
244- خطب توزع للعراة ليكتسوا
 وصحافة تُهدى إلى المسكينِ
245- أكداس أرقام ولست ترى لها
 أثرًا سوى عري وجوع بطونِ
246- برق ولا مطر، وأوراق ولا
 ثمر، وجعجعة بغير طحينِ
247- ثورية هدامة شريرة
 باسم البناء تهدُّ كل حصينِ
248- كانت على الإسلام في أوطانه
 شرًّا من السكسون واللاتينِ
249- نصبت مشانقها لقتل دعاته
 بغيًا، بلا شرع ولا قانونِ
250- ومضت تصب على الألوف عذابها
 من كل ذي ثقة بهذا الدينِ
251- ساءت لعمري ثورة مشئومة
 لم نجنِ منها غير تل ديونِ
252- يجري الخراب وراءها أنى جرت
 وتقول بالتطوير والتحسينِ!
253- يا ثورة كنا حماة ظهورها
 صرنا وقود وطيسها المجنونِ
254- قالوا: مباركة.. وما كانت سوى
 حُمَّى على الأحرارِ أو طاعونِ
255- يا هرة أكلت بنيها غدرة
 قبحت أُمًّا كنتِ غيرَ حنونِ!
256- أفهكذا يُجزى الجميل بضده؟
 أين الوفاء وأهله؟ دلوني
257- واهًا لهم، كم أسرفوا وتحيروا
 في وصفنا من يسرة ليمينِ
258- قالوا ويا لضلال ما قالوا فكم
 كالوا لنا تهمًا بمحض ظنونِ!
259- وعزاؤنا أن النبي فديته
 بأبي وأمي كم رُمي بطعونِ!
260- من ساحر حينًا، لباغٍ، مفترٍ
 أو كاهنٍ، أو شاعر مجنونِ!
261- قالوا كذابًا: دعوة رجعية
 معزولة عن قرنها العشرين!
262- الناس تنظر للأمام، فما لهم
 يدعوننا لنعود قبل قرون؟
263- رجعية أنا نغار لديننا
 ونقوم بالمفروض والمسنون؟!
264- رجعية أنا نصون حريمنا؟!
 بئس الحريم يكون غير مصونِ
265- رجعية أنا نذرنا أنفسًا
 لله تحيا، لا لعيش دون؟!
266- رجعية أنا نربي جندنا
 للحق، لا لتفاهة ومجونِ؟!
267- رجعية أن الرسول زعيمنا
 لسنا الذيول لماركس ولنين؟!
268- رجعية أن الجهاد سبيلنا؟!
 نعم، الجهاد ذريعة التمكينِ
269- رجعية أن يحكم الإسلام في
 شعب يرى الإسلام أعظم دينِ!
270- أوليس شرع الله -شرع محمد-
 أولى بنا من شرع نابليونِ؟!
271- يارب إن تك هذه رجعية
 فاحشرنِ رجعيًّا بيوم الدينِ!
272- قل للذي جعل الكنانة كلها
 سجنًا وبات الشعب شر سجينِ:
273- يا أيها المغرور في سلطانه
 أمن النضار خلقت أم من طينِ؟!
274- يا من أسأت لكل من قد أحسنوا
 لك دائنين فكنت شر مدينِ
275- يا ذئب غدر نصَّبوه راعيًا
 والذئب لم يك ساعة بأمينِ
276- يا من زرعتَ الشر لن تجني سوى
 شر وحقد في الصدور دفينِ
277- سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت
 دول أولات عساكر وحصونِ
278- ستهب عاصفة تدك بناءه
 دكا .. وركن الظلم غير ركينِ
279- ماذا كسبت وقد بذلت من القوى
 والمال بالآلاف والمليونِ؟
280- أرهقت أعصاب البلاد ومالها
 ورجالها في الهدم لا التكوينِ
281- وأدرتَ معركة تأجَّجَ نارُها
 مع غير جون بول ولا كوهينِ
282- هل عدت إلا بالهزيمة مرة
 وربحت غير خسارة المغبونِ؟!
283- وحفرت في كل القلوب مغاورًا
 تهوي بها سُفْلًا إلى سجينِ
284- وبنيت من أشلائنا وعظامنا
 جسرًا به نرقى لعليينِ
285- وصنعتَ باليد نعش عهدك طائعًا
 ودققت إسفينًا إلى إسفينِ
286- أظننت دعوتنا تموت بضربة؟
 خابت ظنونك، فهي شر ظنونِ!
287- بَلِيَتْ سياطُك، والعزائم لم تزل
 منا كحد الصارم المسنونِ
288- إنا لعمري إن صمتنا برهةً
 فالنار في البركان ذات كمونِ!
289- تالله ما الطغيان يهزم دعوة
 يومًا، وفي التاريخ بِرُّ يميني
290- ضع في يدي القيد، أَلْهِبْ أضلُعي
 بالسوط، ضع عنقي على السكين
291- لن تستطيعَ حصار فكري ساعة
 أو نزع إيماني ونور يقيني
292- - فالنور في قلبي، وقلبي في يَدَي
 ربي، وربي ناصري ومعيني
293- سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي
 وأموت مبتسمًا ليحيا ديني
294- صبرًا أخي في محنتي وعقيدتي
 لا بد بعد الصبر من تمكينِ
295- ولنا بيوسف أسوة في صبره
 وقد ارتمى في السجن بضع سنينِ
296- هوَّن عليك الأمر لا تعبأ به
 إن الصعاب تهون بالتهوينِ
297- أمس مضى، واليوم يسهل بالرضا
 وغدٌ ببطن الغيب شبه جنينِ
298- لا تيأسن من الزمان وأهله
 وتقل مقالة قانط وحزينِ
299- شاة أسمنها لذئب غادر
 يا ضيعة الإعداد والتسمينِ
300- فعليك بَذْرُ الحَبِّ لا قطف الجنى
 والله للساعين خير معينِ
301- سنعود للدنيا نطب جراحها
 سنعود للتكبير والتأذينِ
302- ستسير فُلْكُ الحق تحمل جنده
 وستنتهي للشاطئ المأمونِ
303- بالله مجراها ومرساها فهل
 تخشى الردى والله خير ضمينِ؟!
304- يا رب خلِّص مصر من أعدائها
 وأعن على طاغوتاها الملعونِ
305- يا رب إن السيل قد بلغ الزبى
 والأمر في كاف لديك ونونِ
306- باسم الفراخ الزُغْبِ هيضَ جناحُهم
 فقدوا الأَبَ الحاني بغير منونِ
307- بدموع أم روَّعوها في ابنها
 وبكل دمع في العيون سخينِ
308- بدعاء شيخ شردوا أبناءه
 ما بين معتقل وبين سجينِ
309- بسهاد زوج غاب عنها زوجها
 فدعت لفرط جوىً وفرط حنينِ:
310- رباه رُدَّ عليَّ مؤنِسَ وحشتي
 وأغثْ بعودته جياع بنيني
311- يامن أجبت دعاء نوح فانتصر
 وحَمَلْتَه في فلكك المشحونِ
312- يا من أحال النار حول خليله
 رَوْحًا وريحانًا بقولك كونِ
313- يا من أمرت الحوت يَلْفِظُ يونسًا
 وسترتَه بشُجيرة اليقطينِ
314- يا رب إنا مِثله في كُربة
 فارحم عبادًا كلهم ذو النون.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق