محمود سامي البارودي
(مصر 1839 – 1904م)
هوى كان لي أن ألبس
المجد معلما
|
فلما ملكتُ السبق عفتُ
التقدما
|
ومن عرف الدُّنيا رأى ما يسُرُّه
|
من العيشِ هما يتركُ
الشهد علقما
|
و أيُّ نعيم في حياة وراءها
|
مصائِبُ لو حلّت بِنجم لأظلما
|
إذا كان عقبى كل حي
منية
|
فسِيّانِ من حلّ الوِهاد، ومن سما
|
و من عجب أنا نرى
الحقّ جهرة
|
ونلهُو، كأنّا لا نُحاذِرُ مندما
|
يودُّ الفتى في كل يوم
لبانة
|
فإن نالها أنحى لأخرى
، وصمما
|
طماعة ُ نفس توردُ
المرء مشرعا
|
من البؤسِ لا يعدوهُ
أو يتحطما
|
أرى كُلّ حيّ غافِلا عن مصِيرِهِ
|
ولو رام عِرفان الحقِيقة ِ لانتمى
|
فأين الأُلى شادُوا، وبادُوا ألم نكُن
|
نحلُّ كما حلوا ، و
نرحلُ مثلما
|
مضوا، وعفت آثارُهُم غير ذُكرة
|
تُشِيدُ لنا مِنهُم حدِيثا مُرجّما
|
سلِ الأورق الغريد في عذباتهِ
|
أناح على أشجانِهِ، أم ترنّما
|
ترجّح فِي مهد مِن الأيكِ، لا ينِي
|
يميلُ عليهِ مائلا و
مقوا
|
ينوحُ على فقدِ الهديلِ ، و لم يكن
|
رآه ، فيا للهِ !
كيف تهكما
|
وشتّان من يبكِي على غيرِ عِرفة
|
جزافا ، و من يبكي
لعهد تجرما
|
لعمرِي لقد غال الرّدى من أُحِبُّهُ
|
و كان بودي أن أموت و يسلما
|
و أيُّ حياة بعد أم فقدتها
|
كما يفقِدُ المرءُ الزُّلال على الظّما
|
تولّت، فولّى الصّبرُ عنِّي، وعادنِي
|
غرام عليها ، شفّ جسمي
، وأسقما
|
ولم يبق إِلاّ ذُكرة تبعثُ الأسى
|
وطيف يُوافِيني إِذا الطّرفُ هوّما
|
و كانت لعيني قرة ، و لمهجتي
|
سرورا ، فخاب الطرفُ و القلبُ منهما
|
فلولا اعتِقادِي بِالقضاءِ وحُكمِهِ
|
لقطعتُ نفسي لهفة و تندما
|
فيا خبرا شفّ الفؤاد ؛ فأوشكت
|
سويداؤهُ أن تستحيل ،
فتسجما
|
إِليك؛ فقد ثلّمت عرشا مُمنّعا
|
و فللت صمصاما ، و
ذللت ضيغما
|
أشاد بهِ الناعي ، و
كنتُ محاربا
|
فألقيتُ من كفى الحسام المصمما
|
وطارت بِقلبِي لوعة لو أطعتُها
|
لأوشك رُكنُ المجدِ أن يتهدّما
|
ولكِنّنِي راجعتُ حِلمِي، لأنثنِي
|
عنِ الحربِ محمود
اللقاءِ مكرما
|
فلمّا استردّ الجُند صِبغ مِن الدُّجى
|
وعاد كِلا الجيشينِ يرتادُ مجثِما
|
صرفتُ عِنانِي راجِعا، ومدامِعِي
|
على الخد يفضحن الضمير المكتما
|
فيا أُمّتا؛ زال العزاءُ، وأقبلت
|
مصائِبُ تنهى القلب أن يتلوّما
|
وكُنتُ أرى الصّبر الجمِيل مثُوبة
|
فصِرتُ أراهُ بعد ذلِك مأثما
|
و كيف تلذُّ العيش نفس تدرعت
|
من الحزنِ ثوبا
بالدموعِ منمنما
|
تألمتُ فقدان الأحبة ِ جازعا
|
و من شفهُ فقدُ
الحبيبِ تألما
|
و قد كنتُ أخشى أن
أراكِ سقيمة
|
فكيف و قد أصبحتِ في
التربِ أعظما
|
بلغتِ مدى تِسعِين فِي خيرِ نِعمة
|
و من صحب الأيام دهرا تهدما
|
إِذا زاد عُمرُ المرءِ قلّ نصِيبُهُ
|
من العيش و النقصانُ
آفة ُ من نما
|
فيا ليتنا كنا ترابا ،
و لم نكن
|
خلقنا ، و لم نقدم إلى الدهرِ مقدما
|
أبى طبعُ هذا الدّهرِ أن يتكرّما
|
وكيف يدِي من كان بِالبُخلِ مُغرما
|
أصاب لدينا غِرّة ؛ فأصابنا
|
وأبصر فِينا ذِلّة ؛ فتحكّما
|
و كيف يصونُ الدهرُ
مهجة عاقل
|
و قد أهلك الحيينِ :
عادا ، و جرهما
|
هو الأزلمُ الخداعُ ،
يحفرُ إن رعى
|
ويغدِرُ إِن أوفى ، ويُصمِي إِذا رمى
|
فكم خان عهدا، واستباح أمانة
|
و أخلف وعدا ، و
استحلّ محرما
|
فإن تكنِ الأيامُ أخنت بصرفها
|
عليّ، فأيُّ النّاسِ يبقى مُسلّما
|
و إني لأدري أنّ عاقبة
الأسى
|
ـ وإِن طال ـ لا
يُروِي غلِيلا تضرّما
|
ولكِنّها نفس ترى الصّبر سُبّة
|
عليها، وترضى بِالتّلهُّفِ مغنما
|
وكيف أرانِي ناسِيا عهد خُلّة
|
ألفتُ هواها :
ناشئا ، و محكما
|
ولولا ألِيمُ الخطبِ لم أمرِ مُقلة
|
بِدمع، ولم أفغر بِقافِية فما
|
فيا ربة القبرِ الكريمِ بما حوى
|
وقتكِ الرّدى نفسِي وأين وقلّما
|
وهل يستطِيعُ المرءُ فِدية راحِل
|
تخرّمهُ المِقدارُ فِيمن تخرّما
|
سقتكِ يدُ الرضوانِ
كأس كرامة
|
من الكوثرِ الفياضِ
معسولة اللمى
|
و لا زال ريحانُ
التحية ِ ناضرا
|
عليكِ ، و هفافُ الرضا
متنسما
|
لِيبكِ عليكِ القلبُ، لا العينُ؛ إِنّنِي
|
أرى القلب أوفى
بالعهودِ و أكرما
|
فواللهِ لا أنساكِ ما
ذرّ شارق
|
وما حنّ طير بِالأراكِ مُهينِما
|
عليك سلام لا لِقاءة بعدهُ
|
إِلى الحشرِ إِذ يلقى الأخِيرُ المُقدّما
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق