محمود سامي البارودي
(مصر 1839 – 1904م)
بقوة ِ العلمِ تقوى شوكة
ُ الأممِ
|
فالحُكمُ في الدّهرِ منسُوب إِلى القلمِ
|
كم بين ما تلفظُ
الأسيافُ من علق
|
وبين ما تنفُثُ الأقلامُ مِن حِكمِ
|
لو أنصف النّاسُ كان الفضلُ بينهُمُ
|
بِقطرة مِن مِداد، لا بِسفكِ
دمِ
|
فاعكف على العلمِ ، تبلغ شأو منزلة
|
في الفضلِ محفوفة بالعز و الكرمِ
|
فليس يجنى ثمار الفوزِ
يانعة
|
من جنة ِ العلمِ إلاّ
صادقُ الهممِ
|
لو لم يكُن فِي المساعِي ما يبِينُ بِهِ
|
سبقُ الرِّجالِ، تساوى النّاسُ في القِيمِ
|
ولِلفتى مُهلة فِي الدّهرِ،
إِن ذهبت
|
أوقاتُها عبثا، لم يخلُ مِن ندمِ
|
لولا مُداولة ُ الأفكارِ ما ظهرت
|
خزائِنُ الأرضِ بين السّهلِ والعلمِ
|
كم أمة درست أشباحها ، و سرت
|
أرواحها بيننا في
عالمِ الكلمِ
|
فانظُر إِلى الهرمينِ الماثِلينِ تجِد
|
غرائِبا لا تراها النّفسُ فِي الحُلُمِ
|
صرحانِ ، ما دارتِ
الأفلاكُ منذُ جرت
|
على نظيرهما في الشكلِ والعظمِ
|
تضمّنا حِكما بادت مصادِرُها
|
لكِنّها بقِيت نقشا على رضمِ
|
قوم طوتهم يدُ الأيامِ
؛ فاتقرضوا
|
و ذكرهمُ لم يزل حيا
على القدمِ
|
فكم بها صور كادت تخاطبنا
|
جهرا بغيرِ لسان ناطق
و فمِ
|
تتلُو لِـ«هِرمِس» آيات تدُلُّ على
|
فضل عمِيم، ومجد باذِخِ القدمِ
|
آياتُ فخر ، تجلى
نورها ؛ فغدت
|
مذكُورة بِلِسانِ العُربِ
والعجمِ
|
و لاح بينهما بلهيبُ متجها
|
للشرقِ ، يلحظ مجرى
النيلِ من أممِ
|
كأنّهُ رابِض لِلوثبِ، مُنتظِر
|
فريسة ؛ فهو يرعاها ، و لم ينمِ
|
رمز يدلُّ على أنّ
العلوم إذا
|
عمّت بِمِصر نزت مِن وهدة ِ العدمِ
|
فاستيقِظُوا يا بني الأوطانِ، وانتصِبُوا
|
للعلمِ ؛ فهو مدارُ
العدلِ في الأممِ
|
ولا تظُنُّوا نماء المالِ، وانتسِبُوا
|
فالعِلمُ أفضلُ ما يحوِيهِ ذُو نسمِ
|
فرُبّ ذِي ثروة بِالجهلِ مُحتقر
|
و ربّ ذي خلة بالعلمِ محترمِ
|
شيدوا المدارس ؛ فهي
الغرسُ إن بسقت
|
أفنانُهُ أثمرت غضّا مِن النِّعمِ
|
مغنى عُلُوم، ترى الأبناء عاكِفة
|
على الدُّرُوسِ بِهِ، كالطّيرِ في الحرمِ
|
مِن كُلِّ كهلِ الحِجا
في سِنِّ عاشِرة
|
يكادُ منطِقُهُ ينهلُّ بِالحِكمِ
|
كأنها فلك لاحت بهِ شهب
|
تُغنِي بِرونقِها عن أنجُمِ الظُّلمِ
|
يجنُون مِن كُلِّ عِلم زهرة عبِقت
|
بنفحة تبعثُ الأرواح في الرممِ
|
فكم ترى بينهُم مِن شاعِر لسِن
|
أو كاتِب فطِن، أو حاسِب فهِمِ
|
و نابغ نال من علمِ
الحقوقِ بها
|
مزِيّة ألبستهُ خِلعة الحكمِ
|
ولُجِّ هندسة تجرِي بِحِكمتِهِ
|
جداوِلُ الماءِ في هال مِن الأكُمِ
|
بل، كم خطِيب شفى نفسا بِموعِظة
|
و كم طبيب شفى جسما من السقمِ
|
مُؤدّبُون بآدابِ المُلُوكِ، فلا
|
تلقى بِهِم غير عالِي القدرِ مُحتشِمِ
|
قوم بِهِم تصلُحُ الدُّنيا إِذا فسدت
|
ويفرُقُ العدلُ بين الذِّئبِ والغنمِ
|
و كيف يثبتُ ركنُ
العدلِ في بلد
|
لم ينتصِب بينها لِلعِلمِ مِن علمِ
|
ما صور اللهُ للأبدانِ
أفئدة
|
إِلاّ لِيرفع أهل الجِدِّ والفهمِ
|
وأسعدُ النّاسِ من أفضى إِلى أمد
|
في الفضلِ ، و امتاز
بالعالي من الشيمِ
|
لولا الفضِيلة ُ لم يخلُد لِذِي أدب
|
ذِكر على الدّهرِ بعد الموتِ والعدمِ
|
فلينظرِ المرءُ فيما
قدمت يده
|
قبل المعادِ، فإِنّ العُمر لم يدُمِ
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق