2013-09-03

المحارم من النساء في التوراة والقرآن


 


 

المحارم من النساء في التوراة والقرآن

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

يتهم بعض المبطلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه كتب هذا القرآن بالاعتماد على كتب أهل الكتاب وخاصة التوراة فقال عز من قائل على لسانهم "وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" الفرقان 5. وعندما تقرأ بعض هذه الافتراءات على مواقع الإنترنت تجد جهلا بالغا لمن يقوم بإثبات هذه الفرية فبمجرد أن يجد هؤلاء المفترون بعض التشابه  بين نصوص التوراة والقرآن الكريم  يقولون أن نصوص القرآن قد أخذت من التوراة. إن هؤلاء الجهلة يتناسون أن الذي أنزل القرآن هو الذي أنزل التوراة ولا بد من هذه التشابه بين قصص وتشريعات الكتابين طالما أن المصدر واحد والحق واحد. ولكن الحقيقة الكبرى هي أنه من السهل على الذي يقارن نص القرآن مع نص التوراة إثبات أن النص القرآني هو كلام الله لا تبديل فيه ولا تحريف بينما نص التوراة قد أصابه كثير من التحريف ويمكن حتى للإنسان العادي أن يكتشف مثل هذا التحريف بسبب الأخطاء الواردة فيه. وسنقارن في هذه المقالة نص التوراة ونص القرآن المتعلقة بالمحارم من النساء وسيتبين للقارئ مدى التحريف الذي أصاب نص التوراة.         

جاء ذكر المحرمات من النساء  في الإصحاح الثامن عشر من سفر اللاويين  «لاَ يَقْتَرِبْ إِنْسَانٌ إِلَى قَرِيبِ جَسَدِهِ لِيَكْشِفَ الْعَوْرَةَ. أَنَا الرَّبُّ. 7عَوْرَةَ أَبِيكَ وَعَوْرَةَ أُمِّكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا أُمُّكَ لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. 8عَوْرَةَ امْرَأَةِ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا عَوْرَةُ أَبِيكَ. 9عَوْرَةَ أُخْتِكَ بِنْتِ أَبِيكَ أَوْ بِنْتِ أُمِّكَ، الْمَوْلُودَةِ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْمَوْلُودَةِ خَارِجًا، لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. 10عَوْرَةَ ابْنَةِ ابْنِكَ، أَوِ ابْنَةِ ابْنَتِكَ لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. إِنَّهَا عَوْرَتُكَ. 11عَوْرَةَ بِنْتِ امْرَأَةِ أَبِيكَ الْمَوْلُودَةِ مِنْ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. إِنَّهَا أُخْتُكَ. 12عَوْرَةَ أُخْتِ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا قَرِيبَةُ أَبِيكَ. 13عَوْرَةَ أُخْتِ أُمِّكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا قَرِيبَةُ أُمِّكَ. 14عَوْرَةَ أَخِي أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِلَى امْرَأَتِهِ لاَ تَقْتَرِبْ. إِنَّهَا عَمَّتُكَ. 15عَوْرَةَ كَنَّتِكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِكَ. لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. 16عَوْرَةَ امْرَأَةِ أَخِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا عَوْرَةُ أَخِيكَ. 17عَوْرَةَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِهَا لاَ تَكْشِفْ. وَلاَ تَأْخُذِ ابْنَةَ ابْنِهَا، أَوِ ابْنَةَ بِنْتِهَا لِتَكْشِفَ عَوْرَتَهَا. إِنَّهُمَا قَرِيبَتَاهَا. إِنَّهُ رَذِيلَةٌ. 18وَلاَ تَأْخُذِ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا لِلضِّرِّ لِتَكْشِفَ عَوْرَتَهَا مَعَهَا فِي حَيَاتِهَا. «وَلاَ تَقْتَرِبْ إِلَى امْرَأَةٍ فِي نَجَاسَةِ طَمْثِهَا لِتَكْشِفَ عَوْرَتَهَا. 20وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ امْرَأَةِ صَاحِبِكَ مَضْجَعَكَ لِزَرْعٍ، فَتَتَنَجَّسَ بِهَا. 21وَلاَ تُعْطِ مِنْ زَرْعِكَ لِلإِجَازَةِ لِمُولَكَ لِئَلاَّ تُدَنِّسَ اسْمَ إِلهِكَ. أَنَا الرَّبُّ. 22وَلاَ تُضَاجِعْ ذَكَرًا مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ. 23وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ بَهِيمَةٍ مَضْجَعَكَ فَتَتَنَجَّسَ بِهَا. وَلاَ تَقِفِ امْرَأَةٌ أَمَامَ بَهِيمَةٍ لِنِزَائِهَا. إِنَّهُ فَاحِشَةٌ.

إن الذي يقرأ نص التوراة يجد أن فيه خلطا كثيرا وأخطاء شنيعة وركاكة واضحة مما يؤكد على أن الذي كتب هذا النص بشر اعتمد على ذاكرته البشرية لكتابة ما أنزله الله على سيدنا موسى عليه السلام بخصوص المحرمات من النساء. ومن الأخطاء الواضحة في نص التوراة أنه لم يذكر أن بنات الرجل من المحرمات عليه وكان الأولى لو كان الأمر بديهيا أن لا يذكر الأم من المحرمات. وكذلك لم يذكر النص أن بنات الأخ وبنات الأخت من المحرمات على الرجل بينما ذكر مقابل ذلك أن امرأة الأخ من المحرمات. أما الخلط والحشو والركاكة فهي موجود في كل فقرة من فقرات النص فعلى سبيل المثال ففي قوله "وَعَوْرَةَ أُمِّكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا أُمُّكَ لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا." تكرار شنيع لا تغفره لأي كاتب. وفي قوله "11عَوْرَةَ بِنْتِ امْرَأَةِ أَبِيكَ الْمَوْلُودَةِ مِنْ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. إِنَّهَا أُخْتُكَ." تكرار لنفس المعنى الوارد في قوله "9عَوْرَةَ أُخْتِكَ بِنْتِ أَبِيكَ أَوْ بِنْتِ أُمِّكَ، الْمَوْلُودَةِ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْمَوْلُودَةِ خَارِجًا، لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا." وقد أتعب كاتب النص نفسه عندما عرف الأخت من الأب على أنها بنت امرأة أبيك المولودة من أبيك. وفي قوله "12عَوْرَةَ أُخْتِ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا قَرِيبَةُ أَبِيكَ. 13عَوْرَةَ أُخْتِ أُمِّكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا قَرِيبَةُ أُمِّكَ." حاول  كاتب النص أن يعرف بأخت الأب وأخت الأم  فقال إنهما قريبات الأب والأم فكان حاله كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء. وكذلك الحال في قوله "15عَوْرَةَ كَنَّتِكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِكَ. لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. 16عَوْرَةَ امْرَأَةِ أَخِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا عَوْرَةُ أَخِيكَ.". لقد تكررت كلمة عورة في هذا النص أربعة وعشرون مرة وكلمة لا تكشف سبعة عشر مرة.   

أما المحرمات من النساء على الرجال في القرآن فقد وردت في سورة النساء في قوله تعالى "وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ  وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)"  النساء

وعندما يقارن القارئ النص القرآني مع النص التوراتي لا بد أن يتيقن من أن النص القرآني لا يمكن أن يكون من كلام البشر لما فيه من إحكام في التشريع وبلاغة في اللغة. لقد كانت العرب تحرم الزواج من معظم النساء المحارم التي ذكرتها الآيات القرآنية فكان من اللازم الدخول في الموضوع ببراعة فبدأت الآيات بالتشنيع بالزواج من امرأة الأب بعد موته والتي كانت عادة سائدة في بعض قبائل العرب. ثم بدأت الآيات بذكر بقية المحرمات من النساء على الرجل بشكل واضح لا لف فيه ولا دوران كما هو الحال في نص التوراة وابتدأ بالأشد حرمة ثم الأقل فالأقل فالأم أشد حرمة من البنت والبنت أشد حرمة من الأخت وهكذا لبقية المحارم. ومقابل سبعة عشر مرة لكلمة لا تكشف في النص التوراتي نجد أن النص القرآني اكتفي بكلمة لا تنكحوا في الآية الأولى وكلمة حرمت عليكم في الآية الثانية.  لقد حرم الله سبحانه وتعالى على الرجال في هذه الآيات الزواج من بعض النساء تحريما مؤبدا  وبعضها تحريما مؤقتا وذلك إما بسبب القرابة  أو الرضاعة أو المصاهرة. والمحرمات بسبب القرابة هن أصول الرجل مهما علت "أمهاتكم" كالتزوج من أمه وجداته من جهة أبيه أو من جهة أمه، وفروعه مهما نزلت "وبناتكم" كالتزوج من بناته وبنات ذريته ذكورهم وإناثهم، وفروع أبويه مهما نزلت "وأخواتكم"  وكذلك "وبنات الأخ وبنات الأخت"  كالتزوج من أخته وبنات إخوته وأخواته وبنات أولاد إخوته وأخواته، والفروع المباشرة لأجداده "وعماتكم وخالاتكم" كالتزوج من عمته وخالته وعمة أبيه وعمة جده لأبيه أو أمه وعمة أمه وعمة جدته لأبيه أو أمه أما الفروع غير المباشرة للأجداد فيحل الزواج بهم كالتزاوج بين أولاد الأعمام والعمات وأولاد الأخوال والخالات. والمحرمات بسبب المصاهرة هن أصول الزوجة مهما علت "وأمهات نسائكم" كالتزوج بأم زوجته وجداتها من جهة أبيها أو من جهة أمها وفروع الزوجة مهما نزلت "وربائبكم" كالتزوج ببنت زوجته وبنات أولادها ذكورا كانوا أم إناثا ولا يسري هذا التحريم إلا بعد الدخول بالزوجة. وزوجات الأب والأجداد من الجهتين مهما علت "ما نكح أباؤكم من النساء" كالزواج من زوجة أبيه وزوجة أحد أجداده لأبيه أو أمه. وزوجات الابناء وأبناء الأولاد مهما نزلوا "حلائل أبنائكم"  كالزواج بامرأة ابنه من صلبه وامرأة ابن ابنه أو ابن بنته.  وأخت الزوجة ما دامت الزوجة حية وفي عصمة الرجل "وأن تجمعوا بين الأختين". ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب والصهر كالأم من الرضاع وأصولها مهما علون والبنت من الرضاع وبناتها مهما نزلن والأخت من الرضاع وبناتها مهما نزلن والعمة والخالة من الرضاع وأم الزوجة من الرضاع وأصول هذه الأم مهما علون.                 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق