2015-06-23

حكم البوصيري في البردة وحكم شوقي في نهج البردة


حكم البوصيري في قصيدة البردة

شرف الدين البوصيري (مصر 1212 – 1296م)

 
نعم سرى طيف من أهوى فأرقنـــــــي
 والحب يعترض اللذات بالألــــــــمِ
 
محضتني النصح لكن لست أســـــمعهُ
 إن المحب عن العذال في صــــــممِ
 
إنى اتهمت نصيح الشيب في عـــــذلي
 والشيب أبعد في نصح عن التهـــمِ
 
 
من لي برِّد جماح من غوايتهـــــــــــــــا
 كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجـــــــــُم
 
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتهــــــــــا
 إن الطعام يقوي شهوة النهـــــــــم
 
والنفس كالطفل إن تهملهُ شب علــــى
 حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطــــم
 
فاصرف هواها وحاذر أن توليــــــــــه
 إن الهوى ما تولى يصم أو يصـــــم
 
وراعها وهي في الأعمالِ ســــــــائمة
 وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
 
كم حسنت لذة للمرءِ قاتلــــــــــــــــــة
 من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
 
واخش الدسائس من جوع ومن شبع
 فرب مخمصة شر من التخـــــــــــم
 
واستفرغ الدمع من عين قد امتـــلأت
 من المحارم والزم حمية النـــــــدمِ
 
وخالف النفس والشيطان واعصهمــا
 وإن هما محضاك النصح فاتهِـــــم
 
ولا تطع منهما خصما ولا حكمـــــــــا
 فأنت تعرف كيد الخصم والحكـــــم
 
أستغفر الله من قول بلا عمـــــــــــــل
 لقد نسبتُ به نسلا لذي عُقــــــــــُم
 
أمرتُك الخير لكن ما ائتمرت بــــــــــه
 وما اســـــتقمت فما قولى لك استقمِ
 
محمد ســـــــــــــــيد الكونين والثقليـن
 والفريقين من عرب ومن عجـــــمِ
 
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحـــــــــــــــــد
 أبر في قولِ لا منه ولا نعـــــــــــــــــم
 
منزه عن شريك في محاســـــــــــنه
 فجوهر الحسن فيه غير منقســـــــــم
 
دع ما ادعثه النصارى في نبيهـــــم
 واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكــــــم
 
أعيا الورى فهم معناه فليس يـــــرى
 في القرب والبعد فيه غير منفحـــــم
 
كالشمس تظهر للعينين من بعُـــــــد
 صغيرة وتكل الطرف من أمـــــــــــم
 
فمبلغ العلم فيه أنه بشـــــــــــــــــــر
 وأنه خير خلق الله كلهــــــــــــــــــمِ
 
كالزهر في ترف والبدر في شــــرف
 والبحر في كرم والدهر في همــــــم
 
كانه وهو فرد من جلالتـــــــــــــــــه
 في عسكر حين تلقاه وفي حشــــــم
 
وقاية الله أغنت عن مضاعفـــــــــة
 من الدروع وعن عال من الأطـــــُم
 
تبارك الله ما وحي بمكتســــــــــــب
 ولا نبي على غيب بمتهـــــــــــــــم
فالدُّرُّ يزداد حسنا وهو منتظــــــــــم
 وليس ينقص قدرا غير منتظــــــم
 
 
 
 
 
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
 وينكر الفم طعم الماءِ من ســــــقم
 
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجــــــــــزة
 في الجاهلية والتأديب في اليتـــــم
 
فيا خسارة نفس في تجارتهــــــــــــا
 لم تشتر الدين بالدنيا ولم تســـــــم
 
ومن يبع آجلا منه بعاجلـــــــــــــــهِ
 يبِن له الغبنُ في بيع وفي ســــــلمِ
 
يا نفس لا تقنطي من زلة عظمـــــت
 إن الكبائر في الغفران كاللمـــــــــم
 
لعل رحمة ربي حين يقســـــــــــمها
 تأتي على حسب العصيان في القسم

 

حكم شوقي في قصيدة نهج البردة

أحمد شوقي (مصر  1868-1932م)

جحدتُها وكتمتُ السهم في كبِدي
جُرحُ الأحِبّةِ عِندي غيرُ ذي ألمِ
لقد أنلتُك أُذنا غير واعِية
ورُبّ مُنتصِت والقلبُ في صممِ
القاتِلاتُ بِأجفان بِها سقم
ولِلمنِيّةِ أسباب مِن السقمِ
يا نفسُ دُنياكِ تُخفى كُلّ مُبكِية
وإِن بدا لكِ مِنها حُسنُ مُبتسمِ
فُضّي بِتقواكِ فاها كُلّما ضحِكت
كما يفُضُّ أذى الرقشاءِ بِالثرمِ
مخطوبة مُنذُ كان الناسُ خاطِبة
مِن أوّلِ الدهرِ لم تُرمِل ولم تئمِ
يفنى الزمانُ ويبقى مِن إِساءتِها
جُرح بِآدم يبكي مِنهُ في الأدمِ
لا تحفلي بِجناها أو جِنايتِها
الموتُ بِالزهرِ مِثلُ الموتِ بِالفحمِ
كم نائِم لا يراها وهي ساهِرة
لولا الأمانِيُّ والأحلامُ لم ينمِ
طورا تمُدُّك في نُعمى وعافِية
وتارة في قرارِ البُؤسِ والوصمِ
كم ضلّلتك ومن تُحجب بصيرتُهُ
إِن يلق صابا يرِد أو علقما يسُمُ
هامت على أثرِ اللذّاتِ تطلُبُها
والنفسُ إِن يدعُها داعي الصِبا تهِمِ
صلاحُ أمرِك لِلأخلاقِ مرجِعُهُ
فقوِّمِ النفس بِالأخلاقِ تستقِمِ
والنفسُ مِن خيرِها في خيرِ عافِية
والنفسُ مِن شرِّها في مرتع وخِمِ
تطغى إِذا مُكِّنت مِن لذّة وهوى
طغي الجِيادِ إِذا عضّت على الشُكُمِ
إِنّ الشمائِل إِن رقّت يكادُ بِها
يُغرى الجمادُ ويُغرى كُلُّ ذي نسمِ
لقّبتُموهُ أمين القومِ في صِغر
وما الأمينُ على قول بِمُتّهمِ
أتيت والناسُ فوضى لا تمُرُّ بِهِم
إِلا على صنم قد هام في صنمِ
والخلقُ يفتِكُ أقواهُم بِأضعفِهِم
كالليثِ بِالبهمِ أو كالحوتِ بِالبلمِ
تواريا بِجناحِ اللهِ واستترا
ومن يضُمُّ جناحُ اللهِ لا يُضمِ
يا أحمد الخيرِ لي جاه بِتسمِيتي
وكيف لا يتسامى بِالرسولِ سمي
إِن قُلت في الأمرِ لا أو قُلت فيهِ نعم
   فخيرةُ اللهِ في لا مِنك أو نعمِ
أخوك عيسى دعا ميتا فقام لهُ
وأنت أحييت أجيالا مِن الزّممِ
والجهلُ موت فإِن أوتيت مُعجِزة
فابعث مِن الجهلِ أو فابعث مِن الرجمِ
قالوا غزوت ورُسلُ اللهِ ما بُعِثوا
لِقتلِ نفس ولا جاؤوا لِسفكِ دمِ
جهل وتضليلُ أحلام وسفسطة
فتحت بِالسيفِ بعد الفتحِ بِالقلمِ
لمّا أتى لك عفوا كُلُّ ذي حسب
تكفّل السيفُ بِالجُهّالِ والعممِ
والشرُّ إِن تلقهُ بِالخيرِ ضِقت بِهِ
ذرعا وإِن تلقهُ بِالشرِّ ينحسِمِ
سلِ المسيحِيّة الغرّاء كم شرِبت
بِالصابِ مِن شهواتِ الظالِمِ الغلِمِ
جلّ المسيحُ وذاق الصلب شانِئُهُ
إِنّ العِقاب بِقدرِ الذنبِ والجُرُمِ
أخو النبِيِّ وروحُ اللهِ في نُزُل
فوق السماءِ ودون العرشِ مُحترمِ
لولا مواهِبُ في بعضِ الأنامِ لما
تفاوت الناسُ في الأقدارِ والقِيمِ
شريعة لك فجّرت العُقول بِها
عن زاخِر بِصُنوفِ العِلمِ مُلتطِمِ
يلوحُ حول سنا التوحيدِ جوهرُها
كالحليِ لِلسيفِ أو كالوشيِ لِلعلمِ
غرّاءُ حامت عليها أنفُس ونُهى
ومن يجِد سلسلا مِن حِكمة يحُمِ
لا يهدِمُ الدهرُ رُكنا شاد عدلهُمُ
وحائِطُ البغيِ إِن تلمسهُ ينهدِمِ