2015-05-30

الكعبة المشرفة


الكعبة المشرفة

الدكتور منصور أبو شريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
 
                من فضل الله عز وجل على البشر  أن أقام لهم على الأرض رموزا محسوسة كالمساجد يعبدون الله فيها وتذكرهم بوجوده سبحانه وتعالى كلما شاهدوها.  فالله عز وجل لا تدركه الأبصار  ولكن البشر يستدلون على وجوده سبحانه من خلال معجزاته في هذا الكون أو من خلال الرسل الذين أيدهم الله عز وجل بالمعجزات التي تؤكد على صدق دعواهم. وبما أن الرسل لا ييعثون إلا كل حين من الزمن فكان لزاما عليهم أن يتركوا في أقوامهم ما يذكرهم بالله عز وجل كالكتب المقدسة والمساجد وأشكال محددة من العبادة. إن أول مسجد أذن الله عز وجل بإقامته على الأرض هو الكعبة المشرفة مصداقا لقوله تعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)) آل عمران وقوله تعالى (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)) المائدة.  

بناء الكعبة المشرفة

تفيد الروايات التاريخية على أن الكعبة قد بنيت احدى عشرة مرة على مر التاريخ بدأت ببناء الملائكة لها قبل خلق آدم عليه السلام ثم بناء آدم عليه السلام ومن ثم بناء إبنه شيث  وبناء إبراهيم وابنه إسماعيل وبناء العمالقة وبناء جرهم وبناء قصي بن كلاب وبناء قريش في السنة الخامسة قبل البعثة  وبناء عبد الله بن الزبير في عام 65 هـ، وبناء الحجاج بن يوسف  الثقفي في عام 74 هـ وأخيرا بناء السلطان مراد الرابع العثماني في عام 1040 هـ.. ومن الأبنية المؤكدة بناء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام  فبعد أن هدمت الكعبة بفعل طوفان نبي الله نوح عليه السلام وإختفاء مكانها أمر الله عز  وجل إبراهيم ببناء الكعبة بعد أن حدد الله عز وجل له مكانها وموقع قواعدها وهي حجارة ضخمة قد تكون الملائكة قد بنتها مصداقا لقوله تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)) الحج وقوله تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)) البقرة. ويقال أن الكعبة التي بناها إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام كانت تشمل جزء من حجر اسماعيل وكان ارتفاعها أربعة أمتار  وثلث المتر  وكانت غير مسقوفة ولها بابان شرقي وغربي على مستوى المطاف.

أما البناء المؤكد الثاني فهو بناء قريش وذلك في عام خمسة وثلاثين من عام الفيل أو  قبل خمسة أعوام من بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي شارك فيه وهو في سن الخامسة والثلاثين وقام بوضع الحجر الأسود في مكانه من جدار الكعبة بعد أن اختلفت قبائل قريش في من يضعه في هذا المكان فكان الاتفاق أن يضعه أول  قادم إليهم فكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد جاء بناء قريش للكعبة بعد تعرضها لحريق كبير  دمر أخشاب سقفها ومن ثم داهمها سيل حطم جدرانها. وقد أخرجت قريش حجر إسماعيل من الكعبة وذلك لقلة الإمكانيات وقامت بزيادة ارتفاع الكعبة إلى الضعف ليصبح ثمانية أمتار وثلثي المتر بعد أن كان أربعة أمتار وثلث المتر وقد قاموا بسقف الكعبة وجعلوا لها ميزابا يسكب مياه الأمطار في الحطيم وكذلك قاموا برفع باب الكعبة الشرقي عن مستوى المطاف بما يقرب من مترين وأغلقوا الباب الغربي.   

أما البناء المؤكد الثالث فهو بناء عبدالله بن الزبير  وذلك بعد أن تحطمت جدران الكعبة نتيجة رميها بحجارة المنجنيق من قبل جيش يزيد بن معاوية الذي حاصر مكة المكرمة لمحاربة عبد الله بن الزبير والذي رفض مبايعة يزيد وأعلن خلافته على الحجاز وذلك في سنة 64 للهجرة.  وقد قرر ابن الزبير بعد مشاورة المسلمين هدم الكعبة بالكامل وإعادة بنائها على قواعد  إبراهيم عليه السلام ليدخل بذلك ما يقرب  من ثلاثة أمتار من حجر إسماعيل فيها وذلك اعتمادا على الحديث الشريف الذي سمعه من خالته عائشة أم المؤمنين  رضي الله عنها  فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ لِعَائِشَةَ : " إِذَا فَتَحَ اللَّهُ لِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، رَدَدْتُ الْكَعْبَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ ، فَأَدْخَلْتُ مِنَ الْحِجْرِ فِيهَا ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا بِالأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا آخَرَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا إِنَّمَا جَعَلُوا الدَّرَجَةَ ؛ لأَنْ لا يَدْخُلَهَا النَّاسُ إِلا بِإِذْنٍ "). وقد زاد ابن الزبير في ارتفاع الكعبة بمقدار ما زادته قريش أي أربعة أمتار وثلث المتر  ليصبح ارتفاعها ثلاثة عشر مترا وهو ارتفاعها الحالي تقريبا. وقد قام ابن الزبير بفتح الباب الغربي للكعبة وجعل مستوى الدخول للبابين على مستوى المطاف فكان الناس يدخلون من الباب الشرقي ويخرجون من الباب الغربي. وقد جاء في كتاب أخبار مكة للأزرقي  ما نصه(فَلَمَّا هَدَمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْكَعْبَةَ ، وَسَوَّاهَا بِالأَرْضِ ، كَشَفَ عَنْ أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ ، فَوَجَدُوهُ دَاخِلا فِي الْحِجْرِ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ ، كَأَنَّهَا أَعْنَاقُ الإِبِلِ ، آخِذٌ بَعْضُهَا بَعْضًا ، كَتَشْبِيكِ الأَصَابِعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ، يُحَرَّكُ الْحَجَرُ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَتَحَرَّكُ الأَرْكَانُ كُلُّهَا ، فَدَعَا ابْنُ الزُّبَيْرِ خَمْسِينَ رَجُلا مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ وَأَشْرَافِهِمْ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الأَسَاسِ ، قَالَ : فَأَدْخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ كَانَ أَيِّدًا ، يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ الْعَدَوِيُّ ، عَتَلَةً كَانَتْ فِي يَدِهِ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ ، فَتَزَعْزَعَتِ الأَرْكَانُ جَمِيعًا . وَيُقَالُ : إِنَّ مَكَّةَ كُلَّهَا رَجَفَتْ رَجْفَةً شَدِيدَةً حِينَ زُعْزِعَ الأَسَاسُ ، وَخَافَ النَّاسُ خَوْفًا شَدِيدًا ، حَتَّى نَدِمَ كُلُّ مَنْ كَانَ أَشَارَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ بِهَدْمِهَا ، وَأَعْظَمُوا ذَلِكَ إِعْظَامًا شَدِيدًا ، وَأُسْقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ، فَقَالَ لَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ : اشْهَدُوا ، ثُمَّ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى ذَلِكَ الأَسَاسِ ، وَوَضَعَ جِدَارَ الْبَابِ بَابِ الْكَعْبَةِ عَلَى مِدْمَاكٍ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ اللاصِقِ بِالأَرْضِ).

أما البناء المؤكد الرابع فهو بناء الحجاج بن يوسف الثقفي بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي استلم الخلافة بعد يزيد بن معاوية. وقد جاء هذا البناء بعد تحطم جزء من جدران الكعبة من حجارة المنجنيق التي كان يرميها جيش ابن مروان بقيادة الحجاج على جيش ابن الزبير الذي كان متحصنا في المسجد الحرام. وبعد أن سيطر الحجاج على مكة بعد مقتل ابن الزبير وذلك في عام 74 هجري كتب الحجاج إلى الخليفة عبد الملك بن مروان أن ابن الزبير قد زاد في البيت ما ليس فيه وقد أحدث فيه بابا آخر فكتب إليه عبد الملك أن سد بابها الغربي وأهدم ما زاد فيها من حجر اسماعيل.  لم يقم الحجاج بإعادة بناء الكعبة من جديد بل أبقى على بناء ابن الزبير وبنفس الارتفاع ولكنه قام بهدم الجزء الزائد جهة حجر اسماعيل بطول ستة أذرع أي ما يقرب من ثلاثة أمتار وبناه على أساس قريش وقام بسد الباب الغربي وسد ما تحت عتبة الباب الشرقي لارتفاع أربعة اذرع ووضع مصراعان يغلقان هذا الباب.  أما البناء الأخير فهو بناء السلطان العثماني مراد الرابع وذلك بعد أن تهدمت جدران الكعبة نتيجة أمطار غزيرة شهدتها مكة المكرمة يوم الأربعاء 19 شعبان 1039 هـ الموافق أبريل 1630م وقد تحول هذا المطر إلى سيل عظيم  دخل المسجد الحرام والكعبة وسقط جدار الكعبةالشامي وجزء من الجدارين الشرقي والغربي. وقد أمر السلطان العثماني مراد الرابع بتجديد بناء الكعبة في سنة 1040 هـ/1630مـ، على ما كان عليه بناء الحجاج وهو البناء الأخير والحالي للكعبة،

وفي عام 1417هـ أمر الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود بترميم الكعبة المشرفة ترميما شاملا شمل جدرانها الخارجية والداخلية وسقفها وأرضيتها وأعمدتها. فبالنسبة للجدران الخارجية والتي أصاب النخر كثير من حجارتها فقد تم أُخذ صخور مجانسة لصخور الكعبة من جبال مكة ثم صُنِع من كسارتها عجينة تم معالجتها كيميائيا وكسيت بها الأسطح الخارجية للحجارة. أما بخصوص الفواصل بين الحجارة فقد تم إزالة الكحلة القديمة ومن ثم تم حقنها بمعجون ماسك شديد الصلابة ومن ثم تم تكحيل الفواصل بملاط خاص بذلك.  وأما الجدران الداخلية للكعبة فقد تم فك الحجارة الداخلية للجدران وإزالة المونة القديمة المحيطة بها  ومن ثم تم إعادة بنائها بمواد أسمنتية عالية الجودة بعد أن تم غرس مسامير معدنية تربط بين أحجار الواجهة الخارجية و أحجار البطانة الداخلية. وأما بخصوص أرضية الكعبة فقد تم حفرها بالكامل من منسوبها الذي هو عليه إلى عمق منسوب المطاف أي بعمق 2.2 متر وتم ترميم جدران الكعبة في هذه المنطقة بنفس طريقة جدرانها العليا . ومن باب الاحتياط فقد تم حفر أرضية الكعبة إلى أسفل منسوب المطاف بما يتراوح بين نصف المتر و ثلاث أرباع المتر  ووصل الحفر إلى قواعد الكعبة وهي الحجارة الضخمة التي بنى عليها إبراهيم عليه السلام الكعبة ومن ثم عبدالله بن الزبير والتي وصفها بأنها أحجار ضخمة كأعناق الإبل رصفت بطريقة متشابكة. أما سقف الكعبة وأعمدتها المصنوعة من الخشب فقد تم إعادة بنائها بخشب جديد وهو خشب التيك المعروف بمتانته وطول عمره والذي تم إحضاره من بورما وقد تم كذلك وضع قواعد إسمنتيه للأعمدة بدلا من الحجارة. وقد تم وضع طبقة من مواد العزل فوق السقف الخشبي و فوقها طبقة من الخرسانة الخفيفة لحمايتها وتأمين الميل اللازم لتصريف المياه عن السطح ثم تمت تغطية السطح بالرخام على كامل مساحته و جوانبه.



 

إتجاه الكعبة


يعتقد بعض الناس أن أركان الكعبة الأربعة تشير إلى الاتجاهات الجغرافية الأربعة وقد تبين من القياسات الحديثة خطأ هذا الاعتقاد. وتشير القياسات الحديثة إلى أن الخط القطري الواصل من الركن اليماني إلى الركن العراقي يشير إلى الشمال الجغرافي بشكل تقريبي فهو ينحرف عنه بمقدار تسع درجات إلى الشرق. وعلى الأغلب فإن الكعبة قد بنيت بحيث أن رأس حجر إسماعيل يشير إلى بيت المقدس فالذي يصلى خلف الجدار الجنوبي للكعبة فهو يصلي باتجاه بيت المقدس كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مكة قبل الهجرة ليصلي باتجاه القبلتين. ومن المعروف أن الخط الواصل من بيت المقدس إلى الكعبة ينحرف إلى الشرق بمقدار 25 درجة بينما ينحرف الخط الواصل بين رأس حجر إسماعيل ومنتصف الجدار الجنوبي قريبا من 30 درجة إلى الشرق.
 
 

 

 

 

 

أبعاد الكعبة

الكعبة المشرفة هي غرفة مكعبة الشكل تقريبا يبلغ طول جدارها الشرقي والذي فيه بابها 11,68 مترا وطول جدارها الغربي 12,04 مترا  وأما طول جدارها الجنوبي فيبلغ 10,18 مترا وطول جدارها الشمالي 9,93 مترا وأما ارتفاعها من مستوى المطاف فيبلغ 13 مترا. أما أبعادها الداخلية فهي 9,9 مترا للشرقي و 10,15 مترا للغربي و 8,24 مترا للجنوبي و  8 مترا للشمالي وبهذا يكون عرض جدرانها 95 سنتيمترا أي قريبا من المتر. وترتفع الأرضية الداخلية للكعبة عن مستوى المطاف بمقدار 2,25  مترا أي عند نهاية المدماك الثالث ولهذا فقد تم  رفع الباب لهذا المستوى ويبلغ عرض الباب 1,9 مترا وارتفاعه 3,1 مترا . ويبلغ عدد مداميك بناء الكعبة 27 مدماكا أحدها مخفي  وهو المبني على قواعد البيت ويقع تحت مستوى المطاف وأما  الستة وعشرون الباقية فهي ظاهرة إلا أن الشاذروان يغطي معظم المدماك الأول منها. وجدير بالذكر أن ارتفاعات مداميك الكعبة غير متساوية فأكبرها وهو المدماك الثاني يبلغ ارتفاعه 80 سم وأصغرها وهو المدماك رقم عشرين يبلغ ارتفاعه 30 سم  وتتفاوت أطوال حجارة المداميك بشك كبير حيث يصل أطولها إلى المتر وتسعين سنتيمتر أما سمكها فيصل إلى ثلاثين سنتيمتر. ولقد تم قطع حجارة الكعبة من عدة جبال من جبال مكة والتي أهمها جبل الكعبةفي محلة الشبيكة  وهي حجارة غرانيتية سوداء مشوبة بالزرقة. أما الحجر الأسود فقد تم وضعه بين المدماك الثاني والثالث على ارتفاع 1,1 متر من منسوب المطاف في الركن الجنوبي الشرقي. 


 

 
 

الشاذروان


يحيط بجدران الكعبة عند قاعدتها باستثناء ما تحت بابها وجدارها الشمالي المقابل لحجر اسماعيل حجارة كبيرة من رخام المرمر  الأبيض يبلغ عددها 71 حجرا وهي مسنمة الشكل يبلغ طول قاعدتها وكذلك ارتفاعها  65 سم بحيث تغطي المدماك الأول من جدرانها أطلق عليه اسم الشاذروان أو الإزار. ويعتبر الشاذروان على الأصح جزء من الكعبة حيث أنه مبني على قواعد الكعبة ويقال أن أول من بناه عبد الله بن الزبير  لعدة أغراض وهي تقوية بناء الكعبة ومنع تسرب الماء إليها وربط كسوة الكعبة بالحلقات المثبتة فيه وكذلك منع الطائفين من الاحتكاك بكسوة الكعبة لتجنب تآكلها. وبدلا من الشاذروان تم وضع عتبة حجرية تلاصق كامل الجدار الشمالي عرضها أربعين سنتيمتر وبارتفاع أحد عشر سنتيمتر يقف عليها الطائفين للدعاء. وكذلك يوجد بدلا من الشاذروان عتبة تقع تحت باب الكعبة وهو الملتزم بطول ثلاثة أمتار ونصف ويقف عليها الزائرون للتضرع والدعاء. 

الكعبة من الداخل


            الكعبة من الداخل هي عبارة عن غرفة مكعبة الشكل تقريبا تبلغ أبعادأرضيتها   9,9 مترا للشرقي و 10,15 مترا للغربي و 8,24 مترا للجنوبي و  8 مترا للشمالي ويبلغ ارتفاعها تسعة أمتار حيث أن أرضيتها ترتفع عن مستوى المطاف بمترين وخمسة وعشرين سنتيمتر. ويغطى وسط أرضية الكعبة الرخام الأبيض محاط بشريط من الرخام الأسود ثم برخام الروزا الوردي الذي يرتفع إلى جدران الكعبة مسافة 4 أمتار دون أن يلاصق جدارها الأصلي. أما المسافة المتبقية من الجدار حتى السقف فمغطى بقماش الكعبة الأخضر المكتوب عليه بالفضة آيات قرآنية كريمة. وتوجد أمام الحجر الأسود بلاطة رخامية بلون غامق تحدد موضع سجود الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجد علامة أخرى من نفس الرخام في مقابل الملتزم. أما سقف الكعبة السفلي فهو مثبت بثلاثة أعمدة خشبية أسطوانية الشكل لها قواعد مربعة الشكل وهي بنية اللون ومحلاة بزخارف ذهبية.  وتمتد الأعمدة بموازاة الجدارين الشرقي والغربي في منتصف المسافة بينهما وتبلغ المسافة بين كل عمودين 235 سم والمسافة بين العمودين الخارجيين والجدارين الشمالي والجنوبي 175 سم.  ويبلغ قطر العمود الخشبي الواحد  44 سم وهي من وضع عبد الله بن الزبير في عام 64ه وقد تم استبدالها بأعمدة بنفس المواصفات في الترميم الشامل للكعبة المشرفة في عام 1417هـ.  أي بعد مرور 1350 سنة.  وهذه الأعمدة تحمل السقف السفلي و لا تنفذ إلى السقف العلوي و لكن تم وضع عدة طبقات من الأخشاب على رؤوس هذه الأعمدة الثلاثة لتحمل السقف العلوي المصنوع من الخشب أيضا وتبلغ المسافة بين السقفين متر وعشرين سنتيمتر.

 
 
 
ويمكن الصعود إلى سطح الكعبة باستخدام الدرج الموجود في زاوية الركن الشمالي الشرقي للكعبة أو الركن العراقي على يمين الداخل إلى الكعبة المشرفة وهو مصنوع من الألمنيوم والكريستال. والدرج موجود داخل غرفة مغلقة مستطيلة الشكل ضلعاها الشرقي والشمالي من أصل جدار الكعبة المشرفة ويبلغ عرض الجدار الجنوبي 225سم  وعرض الجدار الغربي 150سم.    ويوجد لغرفة الدرج  باب في جدارها الجنوبي وهو ما يسمى بباب التوبة بعرض 70 سم  وللباب مصراع مغطى بستارة حريرية مكتوب عليها آيات قرآنية منقوشة بالذهب والفضة. ويفتح الدرج على السطح من خلال منور مغطى بغطاء محكم من الكريستال ويتم رفع الغطاء إلى الأعلى عند الصعود إلى سطح الكعبة. ويمكن الدخول من الدرج إلى ما بين سقفي السطح  لأغراض الصيانة من خلال فتحتين أمامية وجانبية. وكان يوجد في أرضية الكعبة على يمين الداخل إليها  حفرة عمقها متر ونصف تسمى بئر الكعبة توضع فيها كنوز الكعبة ومقتنياتها وهداياها وقد تم ردمها واستبدالها بصندوق كبير تحفظ فيه هذه المقتنيات. ويوجد في الكعبة عدد من القناديل المصنوعة من النحاس والفضة والزجاج المنقوش بآيات قرآنية معلقة على حبال مربوطة فيما بين الأعمدة الخشبية الثلاث. وتحتوي الكعبة كذلك على مجموعة من بلاطات الرخام التي تؤرخ لمن قاموا ببناء الكعبة وترميمها ومن قاموا كذلك بتوسعة الحرم المكي الشريف.  وعادة ما يتم دهن جدران الكعبة ورش ستائرها بخليط من المسك والعود والعنبر  لينبعث منها رائحة جميلة في غياب التهوية فيها.  

باب الكعبة


كان للكعبة في بناء إبراهيم عليه السلام بابين أحدهما في الجدار الشرقي والأخر مقابله تماما في الجدار الغربي وكان الطائفون بعد إنتهاء طوافهم يدخلون من الباب الشرقي ويخرجون من الباب الغربي. ولما بنت قريش الكعبة أغلقت الباب الغربي ورفعت مستوى الباب الشرقي إلى مستوى عالي ووضعت له بابا بحيث لا يدخل الكعبة إلا من أرادوا.  وقد قام عبدالله ابن الزبير عندما هدم بناء قريش وأعاد بناء الكعبة فتح الباب الغربي للكعبة وجعل مستوى الدخول للبابين على مستوى المطاف فكان الناس يدخلون من الباب الشرقي ويخرجون من الباب الغربي.   أما الحجاج فقد أبقى على بناء ابن الزبير ولكنه قام بهدم الجزء الزائد جهة حجر اسماعيل بطول ستة أذرع أي ما يقرب من ثلاثة أمتار وبناه على أساس قريش وقام بسد الباب الغربي وسد ما تحت عتبة الباب الشرقي لارتفاع أربعة اذرع ووضع مصراعان يغلقان هذا الباب.  وأما السلطان العثماني مراد الرابع فقد أعاد بناء الكعبة بعد أن تهدمت نتيجة السيول على هيئة بناء الحجاج وهو البناء الحالي وفيه باب واحد للكعبة وهو الباب الشرقي.

يقع باب الكعبة الشرقي في الجدار الشرقي للكعبة على بعد مترين تقريبا من الحجر الأسود وهو على ارتفاع 225 سم من مستوى المطاف ويبلغ طوله  310 سم وعرضه 190 سم.  والباب مكون من مصراعين وهو مصنوع من خشب التيك ومغلف ب 280 كيلوغرام من الذهب الصافي . وقد كتب على الباب من الخارج سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن الكريم  وخمسة عشر إسما من أسماء الله الحسنى.  وللكعبة مفتاح طوله 40 سم موضوع في حقيبة حريرية مطرزة بالذهب ومكتوب عليها ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) , ومفتاح الكعبة عهدة حتى اليوم عند بني شيبة إبن طلحة  وقد كان المفتاح عندهم في الجاهلية وعندما فتح النبي صلي الله عليه وسلم مكة ودخل الكعبة وصلى فيها أرجع لهم المفتاح وقرأ قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) ثم قال لهم خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة فيكم لا ينزعها منكم إلا ظالم.  

ومن الجدير بالذكر أن حدود الباب الغربي الذي قام الحجاج بسده لا زالت ظاهرة إلى اليوم فمداميك الحجارة التي سد بها الباب أقل ارتفاعا من مداميك الحجارة المحيطة بها كما هو واضح في الصورة المرفقة. وهذا يدل على أن بناة الكعبة في عهد السلطان مراد إما أنهم قد تقيدوا تقيدا تاما بإعادة البناء الذي قام به الحجاج وإما أن الجدار الغربي الذي فيه هذا الباب لم يتهدم وأبقوه على حاله. ولكن ما يثير التساؤل أن حدود الباب الغربي المسدود هي نفس حدود الباب الشرقي المرتفع عن مستوى المطاف وهو ما يتعارض مع رواية أن ابن الزبير سوى أبواب الكعبة بمستوى المطاف. ونذكر هنا ما رواه الأزرقي  في كتابه أخبار مكة عن الباب الغربي قَالَ : " لَمَّا جَرَّدَ حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ الطَّالِبِيُّ الْكَعْبَةَ ، فِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ فِي الْفِتْنَةِ، لَمْ يُبْقِ عَلَيْهَا شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَيْهَا مِنَ الْكِسْوَةِ، فَجِئْتُ فَاسْتَدَرْتُ بِجَوَانِبِهَا، وَعَدَدْتُ مَدَامِيكَهَا، فَوَجَدْتُهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ مِدْمَاكًا ، وَرَأَيْتُ مَوْضِعَ الصِّلَةِ - الَّتِي بَنَى الْحَجَّاجُ - مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ ، أَثَرُ لَحْمِ الْبِنَاءِ فِيهَا، بَيْنَ بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْقَدِيمِ ، وَبَيْنَ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ ، شِبْهُ الصَّدْعِ ، وَهُوَ مِنْهُ كَالْمُتَبَرِّي بِأَقَلَّ مِنَ الأُصْبُعِ مِنْ أَعْلاهَا بَيْنَ ذَلِكَ لِمَنْ رَآهُ ، وَرَأَيْتُ مَوْضِعَ الْبَابِ الَّذِي سَدَّهُ الْحَجَّاجُ فِي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، عَلَى الْحَجَرِ الأَخْضَرِ الَّذِي فِي الشَّاذَرْوَانِ، تَبِينُ حِدَاتُهُ مِنْ أَعْلاهُ إِلَى أَسْفَلِهِ، وَرَأَيْتُ السَّدَّ الَّذِي فِي الْبَابِ الشَّرْقِيِّ ، الَّذِي يُدْخَلُ مِنْهُ الْيَوْمَ، مِنَ الْعَتَبَةِ إِلَى الأَرْضِ، وَحِجَارَةُ سَدِّ الْبَابِ الَّذِي فِي ظَهْرِهَا، وَمَا بُنِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الشَّرْقِيِّ ، أَلْطَفُ مِنْ حِجَارَةِ مَدَامِيكِ جُدْرَانِ الْكَعْبَةِ بِكَثِيرٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِالْمَنْقُوشِ ).


حجر إسماعيل أو الحطيم

حجر إسماعيل أو ما يسمى بالحطيم هو جدار على شكل نصف دائرة  يقع أمام الجدار الشمالي للكعبة وقد كان إبراهيم قد بناه بجانب الكعبة ليسكن فيه ابنه إسماعيل وأمه هاجر عليه السلام وقد دفن إسماعيل فيه. ويبلغ قطره الداخلي الموازي لهذا الجدار تسعة أمتار  وقطره المتعامد معها إثني عشر مترا تقريبا  ومحيطه الخارجي  21.57متر وإرتفاعه  1.32 متر  وعرضه 1,6 متر ويبعد رأس الحجر الخارجي عن جدار الكعبة الشمالي عشرة أمتار تقريبا. ويدخل إلى الحجر من خلال فتحتين أحدهما بجانب الركن العراقي بعرض 2,29 متر والأخرى بجانب الركن الشامي بعرض 2,23 متر.  وتمتد القواعد التي بنى عليها إبراهيم عليه السلام الكعبة ومن بعده عبدالله بن الزبير  في داخل الحجر ثلاثة أمتار تقريبا ولذا يتم الطواف حول الكعبة خارج الحجر. وجدران الحجر قد تم تلبيسها بالرخام الأبيض من جميع الجهات. ويستحب الصلاة والدعاء في داخل الحجر وخاصة المنطقة المجاورة للكعبة بحدود ثلاثة أمتار  فهي من أصل الكعبة.

الحجر الأسود

الحجر الأسود هو حجر بيضاوي الشكل أسود اللون مائل إلى الحمرة يبلغ طوله 50 سم وقطره 30 سم  وقد تم وضعه بين حجرين من حجارة المدماك الثاني والثالث للكعبة بعد حفرهما بما يناسب حجم الحجر الأسود على ارتفاع 1,1 متر من منسوب المطاف في الركن الجنوبي الشرقي .  وركن الحجر الأسود هو  الركن الذي يبدأ عنده الطواف وعنده ينتهي ويستحب للطائف بالبيت تقبيله أو استلامه أو الإشارة إليه عند المرور به أثناء الطواف.  وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: «إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك». وروى الحافظ ابن حجر عن الطبري أنه قال: (إنما قال ذلك عمر  لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر تعظيم بعض الأحجار  كما كانت العرب تفعل في الجاهلية). وقد اخرج الحاكم عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الركن و المقام ياقوتتان من الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق و المغرب».
 

 

 

 

 

 


 

 

 


 

 
 
 
 
وعبد الله بن الزبير هو أول من شد الحجر الأسود بالفضة بعد أن تصدع من حريق الكعبة بعد رميها بالمنجنيق من قبل جيش يزيد بن معاوية.  ففي حديث موقوف رواه الأزرقي  قال حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ  عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ : " كَانَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ قَبْلَ الْحَرِيقِ مِثْلَ لَوْنِ الْمَقَامِ، فَلَمَّا احْتَرَقَ اسْوَدَّ. قَالَ : فَلَمَّا احْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ تَصَدَّعَ بِثَلاثِ فِرَقٍ، فَشَدَّهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالْفِضَّةِ " و في سنة 1331هـ أهدى السلطان العثماني محمد رشاد إطارا من الفضة الخالصة للحجر الأسود وفي عام 1375 هـ وضع الملك سعود بن عبد العزيز طوقا جديدا من الفضة على الحجر وقد تم ترميمه في عهد الملك فهد بن عبد العزيز في عام 1422 هـ..  وقد تعرض الحجر الأسود لحوادث سرقة عديدة أشهرها سرقة القرامطة ففي يوم التروية من عام 317 هـ قام أبو طاهر القرمطي ملك البحرين وزعيم القرامطة بغارة على مكة والناس محرمون فاقتلع الحجر الأسود وأرسله إلى هَجَر وقتل عدد كبير من الحجاج.  ويقول ابن كثير عن إسترجاع الحجر إلى مكانه الأصلي «وفي سنة تسع وثلاثين وثلثمائة في هذه السنة المباركة في ذي القعدة منها رد الحجر الأسود المكي إلى مكانه في البيت  وقد بذل لهم ( أي القرامطة ) الأمير بجكم التركي خمسين ألف دينار على أن يردوه إلى موضعه فلم يفعلوا، ثم أرسلوه إلى مكة بغير شيء على قعود فوصل في ذي القعدة من هذه السنة ولله الحمد والمنة وكان مدة مغايبته عندهم ثنتين وعشرين سنة ففرح المسلمون لذلك فرحا شديدا.)»

مقام إبراهيم

مقام إبراهيم هو الحجر  الذي كان إبراهيم عليه السلام يقف عليه وهو يبني الكعبة المشرفة وكان إسماعيل عليه السلام يناوله الحجارة. والحجر من نوع حجر الماء الرخو وهو علي شكل مكعب يبلغ عرضه وطوله وارتفاعه 50 سم تقريبا ولونه بين البياض والسواد والصفرة  وفي وسطه أثر قدمي النبي إبراهيم عليه السلام وهما حفرتان على شكل بيضوي مستطيل.  ويقال أن هذا الحجر كان يرتفع بإبراهيم في الهواء كلما ارتفع البناء كمعجزة من الله عز وجل لعبده المخلص إبراهيم عليه السلام مصداقا لقوله تعالى(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)) البقرة. وكمعجزة أخرى من الله عز وجل ألان الله عز وجل هذا الحجر  فغاصت قدمي إبراهيم عليه السلام فيه ليعطيه مزيدا من الثبات وليكون لمن خلفه آية من آيات الله مصداقا  لقوله تعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)) آل عمران . وتكريما لإبراهيم عليه السلام أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بأن يتخذوه مصلى حيث يصلى الطائفون خلفه ركعتي الطواف امتثالا لقوله تعالى(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)) البقرة. وكذلك فقد وقف إبراهيم عليه السلام على هذا الحجر عندما أمره الله عز وجل بأن ينادي الناس للحج إلى البيت الحرام فقد روي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لما فرغ إبراهيم من بناء البيت أمره الله عز وجل أن ينادي في الحج فقام على المقام  فقال : يا أيها الناس إن ربكم قد بنى بيتًا فحجوه، وأجيبوا الله عز وجل، فأجابوه في أصلاب الرجال وأرحام النساء : أجبناك ، أجبناك ، أجبناك ، اللهم لبيك ، قال : فكل من حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم على قدر ما لبى» كتاب أخبار مكة للأزرقي.
ويعتبر الخليفة المهدي العباسي أول من حلَّى المقام لما خشي عليه أن يتفتت فهو من حجر رخو فأحاطوا المقام بطوق من الذهب والفضة من أسفله إلى أعلاه ولم تزل حلية المهدي على المقام حتى قلعت عنه في سنة 256هـ لأجل إصلاحه فجدد وصب عليه حتى يشتد وزيد في الذهب والفضة على حليته الأولى. وفي عام  1384هـ أمر الملك فيصل بن عبد العزيز بناء على اقتراح هيئة رابطة العالم الإسلامي بإزالة جميع الزوائد الموجـودة حول المقام وإبقـاء المقام في مكانه على أن يُجعل عليه صندوق من بلور سميك قوي وبارتفاع مناسب يمنع تعثر الطائفين به ويتسنى معه رؤية المقام. وقد عمل للمقام غطاء من البلور الممتاز وأحيط بحاجز حديدي وعملت له قاعدة من الرخام بطول  180سم وعرض 130 سم وبارتفاع 75 سنتمترا. ويقع المقام إلى الشرق من الجدار الشرقي للكعبة بموازاة منتصفه على بعد 14,5 متر من ركن  الحجر الأسود و 14 متر من الركن العراقي.
الملتزم

الملتزم هو  جزء من جدار الكعبة الشرقي يقع  بين الحجر الأسود و باب الكعبة وعرضه أربعة أذرع أي متران تقريبا.  ويسن للمسلم الدعاء عنده مع إلصاق الخدين والصدر والذراعين والكفين به وكان ابن عباس يفعله ويقول: «لا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه».  كما ورد أن عبد الله بن عمرو بن العاص طاف وصلى ثم استلم الركن ثم قام بين الحجر والباب فالصق صدره ويديه وخده اليه ثم قال: «هكذا رأيت رسول الله يفعل».

 
الميزاب

ميزاب الكعبة هو الأنبوب المستخدم لتصريف مياه الأمطار من سطح الكعبة وهو مثبت في أعلى الجدار الشمالي للكعبة عند مستوى سطحها ويصب في حجر إسماعيل. ويقال أن قريش هي أول من وضع ميزابا للكعبة المشرفة حين بنتها وسقفتها في عام 35 من ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.  والميزاب الموجود حاليا في الكعبة المشرفة هو الميزاب الذي أمر بصنعه السلطان عبد المجيد في عام  1276 هـ،. ويبلغ طول الميزاب الكلي  253 سم يبرز منه إلى الحجر  195 سم  وهو على شكل أنبوبة مستطيلة مفتوحة من الأعلى ويبلغ عرضها 26 سم وارتفاعها 23 سم وهو مصنوع من الفضة المطلية بالذهب.
كسوة الكعبة

يقال أن ملك اليمن تُبّع الحميري هو أول من كسى الكعبة ثم كساها من بعده الكثيرون في الجاهلية كأبو ربيعة بن عبد الله المخزومي ومن ثم كساها رسول الله صلى الله عليه و سلّم بالثياب اليمانية ومن ثم تبعه الخلفاء الراشدون و عبد الله ابن الزبير والخلفاء الأمويون والعباسيون والمماليك والعثمانيون.  وكانت الكعبة قبل الإسلام تُكسى في أي وقت إلا أنه بعد الإسلام تم تحديد الكسوة في أيام معينة كيوم عاشوراء وأول رجب وفي  27 رمضان ويوم التروية و يوم النحر وتتم مرة واحدة أو مرتين في العام.  و منذ عهد محمد علي باشا تولت الحكومة المصرية  صناعة الكسوة في مصر ويتم نقلها بموكب مهيب إلى مكة المكرمة لكساء الكعبة بها. وفي عام  1336 هـ أمر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بإنشاء مصنع خاص لعمل كسوة الكعبة في مكة المكرمة ومن ثم قام الملك فيصل بن عبدالعزيز في عام 1397 هـ بتطوير مصنع كسوة الكعبة لينتج أفضل نوعية لثوب الكعبة. ويقوم المصنع بصناعة كسوة الكعبة الخارجية وستائرها الداخلية وستارة الباب الخارجي وتبلغ مساحة قماش الكسوة  658 متر مربع وهو من الحرير الطبيعي المصبوغ باللون الأسود والمزين بآيات قرآنيه مكتوبة بالأسلاك الفضية ومطلية بالذهب. وفي العصر الحالي يتم كساء الكعبة بكسوة جديدة في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام وذلك بعد غسلها بماء زمزم.