2014-07-30

حكم شعراء الجاهلية-2



حكم شعراء الجاهلية-2

من كتاب (خمسون ألف بيت من الشعر)

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي

الكتاب متوفر على الموقع التالي

 



عروة بن الورد العبسي(نجد ؟-593م)

أليس ورائي أن أدب على العصا
فيشمت أعدائي ويسأمني أهلي
رهينة  قعرِ البيتِ كلّ عشيّة
يُطيف بي الولدانُ أهدجُ كالرأل

 

دعِيني للغنى أسعى  فإنّي
رأيتُ الناس شرُّهمُ الفقيرُ
وأبعدُهم وأهونُهم عليهم
وإن أمسى له حسب وخير
ويُقصِيهِ النّدِيُّ وتزدرِيهِ
حليلته وينهره الصغير
ويلقى ذا الغنى وله جلال
يكاد فؤاد صاحبه يطير
قليل ذنبُهُ والذنبُ جمّ
ولكن للغِنى ربّ غفورُ

 

إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه
شكا الفقر أو لام الصّديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلاّ وأوشكت
صلات ذوي القربى له أن تنكرا
وما طالب الحاجات من كل وجهة
من الناس إلا من أجد وشمرا
فسر  في بلاد الله والتمس الغنى
تعِش ذا يسار أو تموت فتُعذرا

 

عبيد بن الأبرص الأسدي (نجد ؟-598م)

فكُـلُّ ذي نِعمـة مخلـوس
وكُـلُّ ذي أمـل مكـذوبُ
فكُـلُّ ذي إبِـل مـوروث
وكُـلُّ ذي سـلب مسـلوبُ
فكُـلُّ ذي غيبـة يـؤوبُ
وغـائِبُ المـوتِ لا يغـيبُ
من يسـألِ النّاس يحرِمُوهُ
وســــائِلُ اللهِ لا يخـيبُ
باللهِ يُـدركُ كُـلُّ خـير
والقـولُ في بعضِـهِ تلغـيبُ
واللهُ ليس لهُ شــريك
عـلاّمُ مـا أخفـتِ القُلُـوبُ
أفلِح بِما شِئت قد يبلُغُ
 بالضّعف وقد يُخـدعُ الأرِيبُ
يعِـظُ النّاسُ من لا يعِـظُ
الدهـرُ ولا ينفـعُ التّلبِيبُ
إلاّ ســجِيّـاتُ ما في القُلُـوب
وكم يُصـيِّرن شائنا حبِيبُ
سـاعِد بِأرض إن كُنت فيها
ولا تقُـل إنّنـي غـريبُ

 

ما حية ميتة أحيت بميتها
 درداء ما أنبتت سنا وأضراسا
ما السود والبيض والأسماء واحدة
 لا يستطيع لهن الناس تمساسا
ما مرتجات على هول مراكبها
 يقطعن طول المدى سيرا وأمراسا
ما القاطعات لأرض لا أنيس بها
 تأتي سراعا وما يرجعن أنكاسا
ما الفاجعات جهارا في علانية
 أشد من فيلق مملوءة باسا
ما السابقات سراع الطير في مهل
 لا تستكين ولو ألجمتها فاسا
ما القاطعات لأرض الجو في طلق
 قبل الصباح وما يسرين قرطاسا
ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر
 ولا لسان فصيح يعجب الناسا

 

يا صاح مهلا أقل العذل يا صاح
 ولا تكونن لي باللائم اللاحي
حلفت بالله إن الله ذو نعم
 لمن يشاء وذو عفو  وتصفاح
ما الطرف مني إلى ما لست أملكه
 مما بدا لي بباغي اللحظ طماح
ولا أجالس صباحا أحادثه
 حديث لغو  فما جدي بصباح
إني لأخشى الجهول الشكس شيمته
 وأتقي ذا التقى والحلم بالراح
ولا يفارقني ما عشت ذو حقب
 نهد القذال جواد غير ملواح
إني وجدك لو أصلحت ما بيدي
 لم يحمد الناس بعد الموت إصلاحي
أشري التلاد بحمد الجار أبذله
 حتى أصير رميما تحت ألواح
بعد انتقال إذا وسدت حثحثة
 في قعر مظلمة الأرجاء مكلاح
أو صرت ذا بومة في رأس رابية
 أو في قرار من الأرضين قرواح
هل نحن إلا كأجساد تمر  بها
 تحت التراب وأرواح كأرواح

 

لعمرك ما يخشى الخليط تفحشي
 عليه ولا أنأى على المتودد
ولا أبتغي ود امرئ قل خيره
 ولا أنا عن وصل الصديق بأصيد
وإني لأطفي الحرب بعد شبوبها
 وقد أقدت للغي في كل موقد
فأوقدتها للظالم المصطلي بها
 إذا لم يزعه رأيه عن تردد
وأغفر للمولى هناة تريبني
 فأظلمه ما لم ينلني بمحقدي
ومن رام ظلمي منهم فكأنما
 توقص حينا من شواهق صندد
وإني لذو رأي يعاش بفضله
 وما أنا من علم الأمور بمبتدي
إذا أنت حملت الخؤون أمانة
 فإنك قد أسندتها شر مسند
وجدت خؤون القوم كالعر يتقى
 وما خلت غم الجار إلا بمعهدي
ولا تظهرن حب امرئ قبل خبره
 وبعد بلاء المرء فاذمم أو احمد
ولا تتبعن رأي من لم تقصه
 ولكن برأي المرء ذي اللب فاقتد
ولا تزهدن في وصل أهل قرابة
 لذخر  وفي وصل الأباعد فازهد
وإن أنت في مجد أصبت غنيمة
 فعد للذي صادفت من ذاك وازدد
تزود من الدنيا متاعا فإنه
 على كل حال خير زاد المزود
تمنى مريء القيس موتي وإن أمت
 فتلك سبيل لست فيها بأوحد
لعل الذي يرجو رداي وميتتي
 سفاها وجبنا أن يكون هو الردي
فما عيش من يرجو هلاكي بضائري
 ولا موت من قد مات قبلي بمخلدي
وللمرء أيام تعد وقد رعت
 حبال المنايا للفتى كل مرصد
منيته تجري لوقت وقصره
 ملاقاتها يوما على غير موعد
فمن لم يمت في اليوم لا بد أنه
 سيعلقه حبل المنية في غد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
 تهيء لأخرى مثلها فكأن قد
فإنا ومن قد باد منا فكالذي
 يروح وكالقاضي البتات ليغتدي

 

يا عمرو ما راح من قوم ولا ابتكروا
 إلا وللموت في آثارهم حادي
يا عمرو ما طلعت شمس ولا غربت
 إلا تقرب آجال لميعاد
هل نحن إلا كأرواح تمر بها
 تحت التراب وأجساد كأجساد
فإن رأيت بواد حية ذكرا
 فامض ودعني أمارس حية الوادي
لأعرفنك بعد الموت تندبني
 وفي حياتي ما زودتني زادي
فإن حييت فلا أحسبك في بلدي
 وإن مرضت فلا أحسبك عوادي
إن أمامك يوما أنت مدركه
 لا حاضر مفلت منه ولا بادي
فانظر إلى فيء ملك أنت تاركه
 هل ترسين أواخيه بأوتاد
الخير يبقى وإن طال الزمان به
 والشر أخبث ما أوعيت من زاد

 

قس بن ساعدة الإيادي (اليمن ؟ - 600م)

في الذاهِبينَ الأَوَّلينَ
مِنَ القُرونِ لَنا بَصائِر
لَمّا رَأَيتُ مَوارِداً لِلمَوتِ
لَيسَ لَها مَصادِر
وَرَأَيتُ قَومي نَحوَها
 تَمضي الأَصاغِرُ  وَالأَكابِر
لا يَرجِعُ الماضي وَلا
 يَبقى مِنَ الباقينَ غابِر
أَيقَنتُ أَنّي لا مَحا لَةَ
حَيثُ صارَ القَومُ صائِر

 

يا ناعِيَ المَوتِ وَالمَلحودُ في جَدَثٍ
 عَلَيهِمِ مِن بَقايا خَزِّهِم خِرَقُ
دَعهُم فَإِنَّ لَهُم يَوماً يُصاحُ بِهِم
 فَهُم إِذا اِنتَبَهوا مِن نَومِهِم فُرُقُ
حَتّى يَعودوا بِحالٍ غَيرِ حالِهِم خَلقاً
 جَديداً كَما مِن قَبلِها خُلِقوا
مِنهُم عُراةٌ وَمِنهُم في ثِيابِهِم
مِنها الجَديدُ وِمِنها المَنهَجُ الخَلَقُ

 

هاجَ لِلقَلبِ مِن هَواهُ اِدِّكارُ
وَلَيالٍ خِلالَهُنَّ نَهارُ
وَجِبالٌ شَوامِخٌ راسِياتٌ
وَبِحارٌ مِياهُهُنَّ غِزارُ
وَنُجومٌ يَحُثُّها قَمَرُ اللَيلِ
 وَشَمسٌ في كُلِّ يَومٍ تُدارُ
وَضَوؤُها يِطمُسُ العُيون
وَإِرعا دٌ شَديدٌ في الخافِقينِ مُثارُ
وَغُلامٌ وَأَشمَطٌ وَرَضيعٌ
كُلُّهُم في التُرابِ يَوماً يُزارُ
وَقُصورٌ مَشيدَةٌ حَوَتِ الخَيرَ
وَأُخرى خَوَت فَهُنَّ قِفارُ
وَكَثيرٌ مِمَّ تُقَصِّرُ عَنهُ
حَدسَةُ الناظِرِ الَّذي لا يَحارُ
وَالَّذي قَد ذَكَرتُ دَلَّ عَلى اللَهِ
نُفوساً لَها هُدىً وَاِعتِبارُ

 

ذو الإصبع حرثان بن حارث العدواني (الحجاز ؟ - 600م)

يا من لقلب شديد الهم محزون
 أمسى تذكر ريا أم هارون
 أمسى تذكرها من بعد ما شحطت
 والدهر ذو غلظة حينا وذو لين
فإن يكن حبها أمسى لنا شجنا
 وأصبح الوأي منها لا يؤاتيني
 فقد غنينا وشمل الدهر يجمعنا
 أطيع ريا وريا لا تعاصيني
 ترمي الوشاة فلا تخطي مقاتلهم
 بصادق من صفاء الود مكنون
 ولي ابن عم على ما كان من خلق
 مختلفان فأقليه ويقليني
 أزرى بنا أننا شالت نعامتنا
 فخالني دونه بل خلته دوني
 لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب
 عني ولا أنت دياني فتخزوني
 ولا تقوت عيالي يوم مسغبة
 ولا بنفسك في العزاء تكفيني
 فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي
 فإن ذلك مما ليس يشجيني
 ولا يرى في غير الصبر منقصة
 وما سواه فإن الله يكفيني
 لولا أياصر قربى لست تحفظها
 ورهبة الله فيمن لا يعاديني
 إذا بريتك بريا لا انجبار له
 إني رأيتك لا تنفك تبريني
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها
 إن كان أغناك عني سوف يغنيني
 الله يعلمني والله يعلمكم
 والله يجزيكم عني ويجزيني
 ماذا علي وإن كنتم ذوي رحمي
 أن لا أحبكم إذ لم تحبوني
لو تشربون دمي لم يرو شاربكم
 ولا دماؤكم جمعا ترويني
 ولي ابن عم لو أن الناس في كبد
 لظل محتجزا بالنبل يرميني
 يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي
 أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
 درم سلاحي فما أمي براعية
 ترعى المخاض وما رأيي بمغبون
 إني أبي أبي ذو محافظة
 وابن أبي أبي من أبيين
لا يخرج القسر مني غير مأبية
 ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
عف ندود إذا ما خفت من بلد
 هونا فلست بوقاف على الهون
 كل امرئ صائر يوما لشيمته
 وإن تخلق أخلاقا إلى حين
 إني لعمرك ما بابي بذي غلق
 عن الصديق ولا خيري بممنون
 وما لساني على الأدنى بمنطلق
 بالمنكرات وما فتكي بمأمون
 عندي خلائق أقوام ذوي حسب
 وآخرون كثير كلهم دوني
 وأنتم معشر زيد على مائة
 فأجمعوا أمركم شتى فكيدوني
 فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا
 وإن جهلتم سبيل الرشد فأتوني
 يا رب ثوب حواشيه كأوسطه
 لا عيب في الثوب من حسن ومن لين
 يوما شددت على فرغاء فاهقة
 يوما من الدهر تارات تماريني
قد كنت أعطيكم مالي وأمنحكم
 ودي على مثبت في الصدر مكنون
 بل رب حي شديد الشغب ذي لجب
 دعوتهم راهن منهم ومرهون
 رددت باطلهم في رأس قائلهم
 حتى يظلوا خصوما ذا أفانين
ياعمرو لو لنت لي ألفيتني بشرا
 سمحا كريما أجازي من يجازيني
والله لو كرهت كفي مصاحبتي
 لقلت إذ كرهت قربي لها بيني

 

عنترة بن شداد (نجد ؟-601م)

يا عَبلُ أينَ من المَنيَّة ِ مَهْربي
إن كانَ ربي في السَّماءِ قَضاها
وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي
حتى يُواري جارتي مأْواها
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ِ ماجدٌ
لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها

 

لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ
ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ
إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها
عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ

 

خَدَمْتُ أُناساً وَاتَّخَذْتُ أقارباً
لِعَوْنِي وَلَكِنْ أصْبَحُوا كالعَقارِبِ
يُنادُونني في السِّلم يا بْنَ زَبيبة ٍ
وعندَ صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ
ولولا الهوى ما ذلَّ مثلي لمثلهم
ولا خَضعتْ أُسدُ الفَلا للثَّعالبِ
ستذكرني قومي إذا الخيلُ أصبحتْ
تجولُ بها الفرسانُ بينَ المضاربِ

 

إذا قنعَ الفتى بذميمِ عيشِ
وَكانَ وَراءَ سَجْفٍ كالبَنات
وَلمْ يَهْجُمْ على أُسْدِ المنَايا
وَلمْ يَطْعَنْ صُدُورَ الصَّافِنات
ولم يقرِ الضيوفَ إذا أتوهُ
وَلَمْ يُرْوِ السُّيُوفَ منَ الكُماة ِ
ولمْ يبلغْ بضربِ الهامِ مجداً
ولمْ يكُ صابراً في النائباتِ
فَقُلْ للنَّاعياتِ إذا بكَتهُ
أَلا فاقْصِرْنَ نَدْبَ النَّادِباتِ

 

إذا كشف الزّمانُ لك القِناعا
ومدّ إليك صرفُ الدّهر باعا
فلا تخش المنية  وإقتحمها
ودافع ما استطعت لها دفاعا
ولا تختر فراشا من حرير
ولا تبكِ المنازل والبقاعا
وحولك نِسوة  يندُبن حزنا
ويهتكن البراقع واللقاعا
يقولُ لك الطبيبُ دواك عندي
إذا ما جسّ كفك والذراعا
ولو عرف الطّبيبُ دواء داء
يرُدّ الموت ما قاسى النّزاعا
وفي يوم المصانع قد تركنا
لنا بفعالنا خبرا مشاعا
أقمنا بالذوابل سُوق حرب
وصيّرنا النفوس لها متاعا
حصاني كان دلاّل المنايا
فخاض غُبارها وشرى وباعا
وسيفي كان في الهيجا طبيبا
يداوي رأس من يشكو الصداعا
أنا العبدُ الّذي خُبّرت عنهُ
وقد عاينتني فدعِ السّماعا
ولوأرسلتُ رُمحي مع جبان
لكان بهيبتي يلقى السِّباعا
ملأتُ الأرض خوفا من حُسامِي
وخصمي لم يجد فيها اتساعا
إذا الأبطالُ فرّت خوف بأسي
ترى الأقطار باعا أوذراعا

 

إذا كان أمرُ الله أمرا يُقدّر
فكيف يفرُّ المرءُ منه ويحذرُ
ومن ذا يردُّ الموت أو يدفعُ القضا
وضربتُهُ محتُومة  ليس تعثرُ
لقد هان عِندي الدّهرُ لمّا عرفتُهُ
وإني بما تأتي المُلمّاتُ أخبرُ
وليس سباعُ البرّ مثل ضِباعِهِ
ولا كلُّ من خاض العجاجة  عنترُ

 

علقمة بن عبدة بن قيس (الفحل)(العراق ؟ - 603م)

والجودُ نافِية  لِلمالِ مُهلِكة
والبُخلُ مبق لأهليه ومذمومُ
والمالُ صوفُ قرار يلعبون بهِ
على نِقادتهِ واف ومجلومُ
والحمدُ لا يُشترى إلاّ لهُ ثمن
مِمّا تضِنُّ بهِ النُّفوسُ معلومُ
والجهلُ ذوعرض لا يُسترادُ لهُ
والحِلمُ آونة  في النّاسِ معدومُ
ومُطعمُ الغُنمِ يوم الغُنم مُطعمُه
أنّى توجّه والمحرومُ محرومُ
ومن تعرّض لِلغربانِ يزجُرُها
على سلامتهِ لابُدّ مشؤومُ
وكلُّ بيت وإن طالت إقامتُه
على دعائِمِه لا بُدّ مهدُومُ

 

فإن تسألوني بالنِّساء فإنّني
بصير بأدواءِ النِّساء طبيبُ
إذا شاب رأسُ المرءِ أو قلّ مالهُ
فليس له من وُدِّهِنّ نصيبُ
يُرِدن ثراء المالِ حيثُ علِمنهُ
وشرخُ الشّباب عندهُنّ عجيبُ

 

زهير بن أبي سلمى المزني (نجد ؟-609م)

ثمانِين حولا لا أبا لكِ يسأمِ
سئِمتُ تكالِيف الحياةِ ومن يعِش
ولكِنّني عن عِلمِ ما فِي غد عمِ
وأعلمُ ما فِي اليومِ والأمسِ قبلهُ
تُمِتهُ ومِن تُخطِئ يُعمّر فيهرمِ
رأيتُ المنايا خبط عشواء من تُصِب
يُضرّس بِأنياب ويُوطأ بِمنسِمِ
ومن لم يُصانِع في أمُور كثِيرة
يفِرهُ ومن لا يتّقِ الشّتم يُشتمِ
ومن يجعلِ المعروف مِن دُونِ عِرضِهِ
على قومِهِ يُستعن عنهُ ويُذممِ
ومن يكُ ذا فضل فيبخل بفضلِهِ
إِلى مُطمئِنِّ البِرِّ لا يتجمجمِ
ومن يُوفِ لا يُذمم ومن يُهد قلبُهُ
وإِن يرق أسباب السّماءِ بِسُلّمِ
ومن هاب أسباب المنايا ينلنهُ
يكُن حمدُهُ ذمّا عليهِ ويندمِ
ومن يجعلِ المعرُوف في غيرِ أهلِهِ
يُطيعُ العواِلي رُكِّبت كلّ لهذمِ
ومن يعضِ أطراف الزِّجاج فإِنّهُ
يُهدّم ومن لا يظلمِ النّاس يُظلمِ
و‍من لم يذُد عن حوضِهِ بِسِلاِحهِ
ومن لم يُكرِّم نفسهُ لم يكرّمِ
ومن يغترِب يحسِب عدُوّا صدِيقهُ
وإِن خالها تخفى على النّاسِ تُعلمِ
ومهما تكُن عِند امرِىءِ مِن خلِيقة
زِيادتُهُ أو نقصُهُ فِي التّكلّمِ
وكائن ترى من صامِت لك مُعجِب
فلم يبق إِلا صورةُ اللّحمِ والدّمِ
لسانُ الفتى نِصف ونِصف فؤادُهُ
وإِنّ الفتى بعد السّفاهةِ يحلُمِ
وإِنّ سفاه الشّيخِ لا حِلم بعدهُ
ومن أكثر التّسآل يوما سيُحرمِ
سألنا فأعطيتُم وعُدنا فعُدتُم

 

ألا ليت شعري هل يرى الناسُ ما أرى
من الأمرِ أو يبدو لهم ما بدا لِيا
بدا لي أن النّاس تفنى نُفُوسُهُم
وأموالهم ولا أرى الدهر فانيا
وإنِّي متى أهبط من الأرضِ تلعة
أجد أثرا قبلي جديدا وعافيا
أراني إذا ما بتُّ بتُّ على هوى
فثمّ إذا أصبحتُ أصبحتُ غاديا
إلى حُفرة  أُهدى إليها مُقِيمة
يحُثّ إليها سائِق من ورائِيا
كأني وقد خلفتُ تسعين حجة
خلعتُ بها عن منكبيّ ردائيا
بدا لي أنّ اللّه حقّ فزادني
إلى الحقّ تقوى اللّهِ ما كان بادِيا
بدا لي أني لستُ مُدرِك ما مضى
ولا سابِقا شيئا إذا كان جائِيا
وما إن أرى نفسي تقيها كريمتي
وما إن تقي نفسي كريمة  ماليا
ألا لا أرى على الحوادثِ باقِيا
ولا خالِدا إلاّ الجِبال الرّواسِيا
وإلاّ السّماء والبِلاد وربّنا
وأيّامنا معدُودة  واللّيالِيا
أراني إذا ما شئتُ لاقيتُ آية
تذكرني بعض الذي كنتُ ناسيا
ألم تر أنّ الله أهلك تبعا
وأهلك لقمان بن عاد وعاديا
وأهلك ذا القرنينِ من قبلِ ما ترى
وفرعون أردى جندهُ والنجاشيا
ألا لا أرى ذا إمّة  أصبحت بِهِ
فتترُكُهُ الأيّامُ وهي كما هيا
مِن الشّرّ لو أنّ امرأ كان ناجِيا
من العيشِ لوأنّ أمرأ كان ناجيا

 

الحصين بن حمام الفزاري(نجد ؟ - 612م)

لعمرُك ما لام اِمرءا مِثلُ نفسِهِ
كفى لاِمرِئ إِن زلّ بِالنفسِ لائِما
تأخّرتُ أستبقي الحياة فلم أجِد
لِنفسي حياة مِثل أن أتقدّما
فلستُ بِمُبتاعِ الحياةِ بِسُبّة
ولا مُبتغ مِن رهبةِ الموتِ سُلّما
ولكِن خُذوني أيّ يوم قدرتُمُ
عليّ فحُزّوا الرأس أن أتكلّما

 

فلم يبق مِن ذاك إِلا التُقى
 ونفس تُعالِجُ أبطالها
أُمور مِن اللهِ فوق السماءِ
مقاديرُ تنزِلُ أنزالها
أعوذُ بِربّي مِن المُخزِيات
يوم ترى النفسُ أعمالها
وخفّ الموازينُ بِالكافِرين
 وزُلزِلتِ الأرضُ زِلزالها
ونادى مُناد بِأهلِ القُبورِ
فهبّوا لِتُبرِز أثقالها
وسُعِّرتِ النارُ فيها العذابُ
 وكان السلاسِلُ أغلالها

 

أبوطالب بن عبد المطلب (الحجاز  540-619م)

وأن سبيل الرُّشدِ يُعلمُ في غد
وأن نعيم الدِّهرِ ليس بدائمِ
فلا تسفهن أحلامُكم في محمّد
ولا تتبعوا أمر الغُواة ِ الأشائمِ
تمنِّيتُمُ أن تقتلوهُ وإنّما
أمانِيُّكم هذي كأحلامِ نائمِ
فإنّكم واللهِ لا تقتلونهُ
ولمّا تروا قطف اللّحى والغلاصِمِ
ولم تُبصروا الأحياءُ منكُم ملاحما
تحومُ عليها الطّيرُ بعد ملاحمِ
وتدّعوا بأرحام أواصر بيننا
وقد قطع الأرحام وقعُ الصّوارمِ
وتسموبخيل بعد خيل يحثُّها
إلى الرّوعِ أبناءُ الكُهولِ القماقمِ
من البيضِ مفضال أبيّ على العدا
تمكّن في الفرعينِ في حيِّ هاشمِ
أمين محبّ في العبادِ مسوّم
بخاتمِ ربّ قاهر للخواتمِ
يرى الناسُ بُرهانا عليهِ وهيبة
وما جاهلُ أمرا كآخر عالِمِ
نبيّ أناهُ الوحيُ من عند رِّبهِ
ومن قال: لا  يقرع بها سِنّ نادم
تُطيفُ به جُرثومة  هاشمية
تُذبِّبُ عنهُ كلّ عات وظالمِ

 

إنّ الأمين محمدا في قومهِ
عِندي يفوق منازل الأولادِ
لمّا تعلّق بالزِّمامِ ضممتُهُ
والعِيسُ قد قلّصن بالأزوادِ
فارفضّ مِن عينيّ دمع ذارف
مثلُ الجُمانِ مُفرّق ببدادِ
راعيتُ فيهِ قرابة  موصولة
وحفظتُ فيهِ وصيّة  الأجدادِ
ودعوتُهُ للسّيرِ بين عُمومة
بِيضِ الوجوهِ مصالت أمجادِ
ساروا لأبعدِ طيّة  معلومة
فلقد تُباعدُ طيّة ُ المُرتادِ
حتى إذا ما القومُ بصرى عاينوا
لاقوا على شرف من المِرصادِ
حبرا فأخبرهُم حديثا صادقا
عنهُ وردّ معاشر الحُسّادِ
قوم يهود قد رأوا ما قد رأوا
ظِلّ الغمامة ِ ثاغِري الأكبادِ
ثاروا لقتلِ محمد فنهاهُمُو
عنهُ وجاهد أحسن التّجهادِ
وثنى بحِيراء ذريرا فانثنى
في القومِ بعد تجادُل وتعادي
ونهى دريسا فانتهى لمّا نُهي
عن قولِ حِبر ناطق بِسدادِ

 

سقى الله رهطا هُمو بالحُجونِ
قِيام وقد هجع النُّوّمُ
قضوا ما قضوا في دُجى ليلهم
ومُستوسِنُ الناسِ لا يعلمُ
بهاليلُ غُرّ لهمُ سورة
يُداوى بها الأبلحُ المُجرِمُ
كشِبهِ المقاولِ عند الحُجون
بل هُم أعزُّ وهُم أعظمُ
لدى رجُل مُرشِد أمرُهُ
إلى الحقِّ يدعو ويستعصِمُ
فلولا حِذاري نثا سُبّة
يشيدُ بها الحاسِدُ المُفعمُ
ورهبة  عار على أسرتي
إذا ما أتى أرضنا الموسِمُ
لتابعتُه غير ذي مِرية
ولو سِيء ذُو الرّأيِ والمحرمُ
كقولِ قُصيِّ ألا أقصروا
ولا تركبوا ما بهِ المأثمُ
فإنّا بمكة  قِدما لنا
بها العزُّ والخطرُ الأعظمُ
ومن يكُ فيها له عزّة
حديثا فعزّتُنا الأقدمُ
ونحنُ ببطحائها الراسبون
والقائدون ومن يحكمُ
نشأنا وكنّا قليلا بها
نُجيرُ وكنّا بها نُطعمُ
إذا عضّ أزمُ السنينِ الأنام
وحبّ القُتار بها المُعدِمُ
نماني شيبة ُ ساقي الحجيجِ
ومجدُ منيفُ الذُّرى مُعلمُ

 

أوس بن حجر التميمي (نجد 530-620م)

فإنّي رأيتُ النّاس إلاّ أقلّهُم
خِفاف العُهودِ يُكثِرُون التنقّلا
بني أُمِّ ذي المالِ الكثيرِ يرونهُ
وإن كان عبدا سيّد الأمرِ جحفلا
وهُم لمقلّ المالِ أولادُ علّة وإن
كان محضا في العُمومة ِ مُخولا
وليس أخوك الدائمُ العهدِ بالذي
يذمُّك إن ولّى ويُرضيك مقبلا
ولكنه النّائي ما دمت آمِنا
وصاحبُك الأدنى إذا الأمرُ أعضلا

 

قيس بن الخطيم الأوسي(الحجاز ؟ -620م)

إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّهُ
بِنشر وتكثيرِ الحدِيثِ قمِينُ
وإن ضيّع الإخوانُ سِرّا فإنّني
كتُوم لأسرارِ العشِيرِ أمينُ
فذلك ما قد تعلمِين وإنّني
مقرّ بِسوداء الفُؤادِ كنِينُ
سلي من نديمي في النّدامى ومألفي
ومن هو لي عند الصّفاء خدينُ
وأيّ أخي حرب إذا هي شمرت
ومدرهِ خصم بعد ذاك أكونُ
وهل يحذرُ الجارُ الغريبُ فجيعتي
وخوني وبعضُ المُقرِفين خؤونُ
وما لمعت عيني لِغِرّة ِ جارة
ولا ودّعت بالذّمّ حين تبينُ
أبى الذّمّ نمتني جدودهم
لجلد على ريبِ الخُطوبِ متِينُ
أمرُّ على الباغي ويغلظُ جانبي
وذو القصدِ أحلو لهُ وألينُ
وإنّي لأعتامُ الرّجال بِخُلّتي
أُولي الرّأيِ في الأحداثِ حِين تحِينُ

 

من يكُ غافلا لم يلق بؤسا
يُنِخ يوما بساحتهِ القضاءُ
تناولُهُ بناتُ الدّهرِ حتّى
تثلِّمهُ كما انثلم الإناء
وكلُّ شديدة  نزلت بحيّ
سيأتي بعد شدّتها رخاء
فقُل للمُتّقي عرض المنايا
توقّ وليس ينفعُك اتّقاء
فلا يعطى الحريصُ غنى  لحرص
وقد ينمي لذي العجزِ الثّراء
غنيُّ النّفسِ ما استغنى  غنيّ
وفقرُ النّفسِ ما عمِرت شقاء

 

بعضُ القولِ ليس لهُ عِياج
كمخضِ الماء ليس له إتاءُ
يصُوغُ لك اللّسانُ على هواهُ
ويفضحُ أكثر القِيلِ البلاء
وما بعضُ الإقامة ِ في دِيار
يكونُ بها الفتى إلاّ عناء
ولم أر كامرِىء  يدنو لِخسف
لهُ في الأرضِ سير وانتواء
وبعضُ خلائقِ الأقوامِ داء
كداء الكشحِ ليس لهُ شفاء
ألا من مبلغُ الشّعراء عنّي
فلا ظُلم لديّ ولا ابتِداء
ولستُ بعابطِ الأكفاء ظلما
وعندي للملمّاتِ اجتزاء
يحبُّ المرءُ أن يلقى مناهُ
وبأبى الله إلاّ ما يشاء

 

وليس بنافع ذا البخلِ مال
ولا مُزر بِصاحِبهِ السّخاءُ
وبعضُ الدّاء مُلتمس شِفاهُ
وداءُ النُّوكِ ليس لهُ شفاءُ
يودُّ المرءُ ما تعدُ الليّالي
وكان فناؤهن له فناءُ
كذاك الدّهرُ يصرِفُ حالتيهِ
ويعقبُ طلعة  الصُّبحِ المساءُ
فإنّ الضّغط قد يحوِي وِعاء
ويترُكُهُ إذا فرغ الوِعاءُ





أمية بن أبي الصلت الثقفي (الحجاز ؟ - 626م)

غذوتك مولودا وعُلتُك يافعا
 تُعلُّ بما أُحني عليك وتنهلُ
اذا ليلة نابتك بالشكو لم أبِت
 لشكواك إلاّ ساهرا أتململُ
كأنيّ أنا المطروق دونك بالذي
 طُرقت به دوني فعيناي تهمُلُ
تخاف الردى نفسي عليك وإنني
 لأعلمُ إن الموت حتم مؤجلُ
فلمّا بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنتُ فيك أُؤملُ
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنّك أنت المنعمُ المتفضلُ
فليتك إذ لم ترع حقّ أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعلُ
زعمت بأني قد كبرت وعبتني
و لم يمضِ لي في السن ستون كُمّلُ
وسميتني باسم المفنّدِ رأيُه
وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقلُ
تراقب مني عثرة أو تنالـها
هبِلت وهذا منك رأي مضللُ
وإنّك إذ تبقي لجامي موائلا
برأيك شابّا مرة لمغفّلُ
وما صولة الحِقِّ الضئيل وخطرُهُ
 إذا خطرت يوما قساورُ بُزّلُ
تراه مُعِدّا للخلاف كأنه
بِردّ على أهل الصواب موكلُ
ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه
 بِعُدّتِهِ ينزِل به وهو أعزلُ

 

جزى اللـهُ الأجلُّ المرء نوحا
جزاء البِرّ ليس لـه كِذابُ
بما حملت سفينتُهُ وأنجت
غداة أتاهمُ الموتُ القُلابُ
وفيها من أرومته عيال
لديه لا الظِّماءُ ولا السّغابُ
وإذ هم لا لبوس لـهم تقيهم
 وإذ صمُّ السِّلام لـهم رِطابُ
عشية أرسل الطوفان تجري
 وفاض الماءُ ليس لـه جِرابُ
على أمواجِ أخضر ذي حبيك
كأنّ سُعار زاخره الـهضابُ
وأُرسلت الحمامة بعد سبع
تدُلُّ على المهالك لا تهابُ
تلمّسُ هل ترى في الأرض عينا
 وغايته بها الماء العبابُ
فجاءت بعدما ركضت بِقِطف
عليه الثأطُ والطينُ الكُثابُ
فلمّا فرّشوا الآيات صاغوا
لـها طوقا كم عُقِد السِّخابُ
إذا ماتت تورِّثُه بنيها
وإن تُقتل فليس لـها استلابُ
بآيةِ قام ينطق كل شيء
 وخان أمانة الديك الغرابُ
كذي الأفعى يربيها لديه
وذي الجنيّ أرسلـها تُسابُ
فلا رب المنية يأمننها
ولا الجنيُّ أصبح يُستتابُ
بإذن اللـه فاشتدت قواهم
 على ملكين وهي لـهم وثابُ
وفيها من عباد اللـه قوم
ملائكُ ذُلِّلوا وهُمُ صِعابُ
سراةُ صلابة خلقاء صيغت
 تُزِلّ الشمس ليس لـها إيابُ
وأعلاق الكواكب مرسلات
تردّدُ والرياحُ لـها ركابُ
واعلاط النجوم معلقات
كحبل القِرقِ غايتها النِّصابُ
غيوث تلتقي الأرحامُ فيها
تُحِلُّ بها الطّروقةُ واللِّجابُ
وترذى الناب والجمعاء فيه
 بوحش الأصمتينِ لـه ذبابُ
 




ميمون بن قيس الوائلي (الأعشى) (نجد ؟-628م)

فآليتُ لا أرثي لها مِن كلالة
ولا من حفى  حتى تزور محمّدا
متى ما تُناخي عند بابِ ابنِ هاشِم
تريحي ويلقي من فواصلهِ يدا
نبي يرى ما لاترون وذكرهُ
أغار لعمرِي في البِلادِ وأنجدا
لهُ صدقات ما تغبّ ونائل
وليس عطاءُ اليومِ مانعهُ غدا
أجِدِّك لم تسمع وصاة  مُحمّد
نبيِّ الإلهِ حِين أوصى وأشهدا
إذا أنت لم ترحل بِزاد مِن التّقى
ولاقيت بعد الموتِ من قد تزوّدا
ندِمت على أن لا تكُون كمِثلِهِ
وأنك لم ترصد لما كان أرصدا
فإيّاك والميتاتِ لا تأكُلنّها
ولا تأخُذن سهما حديدا لتفصِدا
وذا النُّصُب المنصُوب لا تنسُكنّهُ
ولا تعبُدِ الأوثان والله فاعبُدا
وصلّ حينِ العشيّاتِ والضّحى
ولا تحمدِ الشّيطان والله فاحمدا
ولا السّائِلِ المحرُوم لا تترُكنّهُ
لعاقبة  ولا الأسير المقيّدا
ولا تسخرن من بائِس ذي ضرارة
ولا تحسبنّ المرء يوما مخلّدا
ولا تقربنّ جارة  إنّ سِرّها
عليك حرام فانكِحن أو تأبّدا

 

لبيد بن ربيعة العامري (نجد ؟ - 661م)

ومُغذمِر لِحُقُوقِها هضّامُها
وُمقسِّم يُعطِي العشِيرة حقّها
سمح كسُوبُ رغائِب غنّامُها
فضلا وذُو كرم يُعِينُ على النّدى
ولِكُلِّ قوم سُنّة وإِمامُها
مِن معشر سنّت لهُم آباؤهُم
إِذ لا يميل مع الهوى أحلامُها
لا يطبعُون ولا يبُورُ فعالُهُم
قسم الخلائِق بيننا علاُمها
فاقنع بما قسم الملِيكُ فإِنّما
أوفى بِأوفرِ حظّنا قسّامُها
وإِذا الأمانةُ قُسِّمت في معشر
فسما إِليهِ كهلُها وغُلامُها
فبني لنا بيتا رفِيعا سمكُهُ
وهُمُ فوارِسُها وهُم حُكّامُها
وهُمُ السّعادةُ اذا العشيرةُ أُفظِعت
والُمرمِلاتِ إِذا تطاول عامُها
وهُمُ ربيع للمُجاوِرِ فِيهِمُ
أو أن يميل مع العدُو لِئامُها
وهُمُ العشِيرةُ أن يُبطِّىء حاسِد

 

إنّ تقوى ربِّنا خيرُ نفل
وبإذنِ اللّهِ ريثي وعجل
أحمدُ الله فلا نِدّ لهُ
بيديهِ الخيرُ ما شاء فعل
من هداهُ سُبُل الخيرِ اهتدى
ناعِم البالِ ومن شاء أضلّ
فإذا جُوزيت قرضا فاجزِهِ
إنّما يجزي الفتى ليس الجمل
أعمِلِ العِيس على عِلاّتِها
إنّما يُنجِحُ أصحابُ العمل
وإذا رُمت رحِيلا فارتحِل
واعصِ ما يأمُرُ  توصِيمُ الكسل
واكذِبِ النّفس إذا حدّثتها
إنّ صدق النّفسِ يُزري بالأمل
غير أن لا تكذبِنها في التُّقى
واخزُها بالبرِّ  للّهِ الأجلّ

 

ألا تسألانِ المرء ماذا يُحاوِلُ
أنحب فيُقضى أم ضلال وباطِلُ
حبائِلُهُ مبثُوثة  بسبيلهِ
ويفنى إذا ما أخطأتهُ الحبائِلُ
إذا المرءُ أسرى ليلة  ظنّ أنهُ
قضى عملا والمرء ما عاش عامِلُ
فقُولا لهُ إن كان يقسِمُ أمرهُ
ألمّا يعِظك الدّهرُ أُمُّك هابلُ
فتعلم أن لا أنت مُدرِكُ ما مضى
ولا أنت ممّا تحذرُ النّفسُ وائِلُ
فإن أنت لم تصدُقك نفسُك فانتسب
لعلّك تهديك القُرُونُ الأوائِلُ
فإن لم تجِد مِن دونِ عدنان باقيا
ودون معدّ فلتزعك العواذِلُ
أرى الناس لا يدرُون ما قدرُ أمرِهم
بلى  كلُّ ذي لُبّ إلى اللّهِ واسِلُ
ألا كُلُّ شيء ما خلا اللّهُ باطِلُ
وكلُّ نعيم لا محالة  زائِلُ
وكلُّ أُناس سوف تدخُلُ بينهُم
دُويهة  تصفرُّ مِنها الأنامِلُ
وكلُّ امرىء  يوما سيعلمُ سعيهُ
إذا كُشِّفت عند الإلهِ المحاصِلُ

 

بلينا وما تبلى النجومُ الطّوالِعُ
وتبقى الجِبالُ بعدنا والمصانِعُ
وقد كنتُ في أكنافِ جارِ مضنّة
ففارقني جار بأربد نافِعُ
فلا جزِع إن فرّق الدّهرُ بيننا
وكُلُّ فتى  يوما بهِ الدّهرُ فاجِعُ
فلا أنا يأتيني طريف بِفرحة
ولا أنا مِمّا أحدث الدّهرُ جازِعُ
وما النّاسُ إلاّ كالدّيارِ وأهلها
بِها يوم حلُّوها وغدوا بلاقِعُ
وما المرءُ إلاّ كالشِّهابِ وضوئِهِ
يحورُ رمادا بعد إذ هُو ساطِعُ
وما البِرُّ إلاّ مُضمرات من التُّقى
وما المالُ إلاّ مُعمرات ودائِعُ
وما المالُ والأهلُون إلاّ وديعة
ولابُدّ يوما أن تُردّ الودائِعُ
ويمضُون أرسالا ونخلُفُ بعدهم
كما ضمّ أُخرى التّالياتِ المُشايِعُ
وما الناسُ إلاّ عاملانِ فعامِل
يتبِّرُ ما يبني وآخرُ  رافِعُ
فمِنهُم سعيد آخِذ لنصِيبِهِ
ومِنهُم شقيّ بالمعيشة ِ قانِعُ
أليس ورائي إن تراخت منيّتي
لُزُومُ العصا تُحنى عليها الأصابعُ
أخبّرُ أخبار القرونِ التي مضت
أدب كأنّي كُلّما قمتُ راكعُ
فأصبحتُ مثل السيفِ غير جفنهُ
تقادُمُ عهدِ القينِ والنّصلُ قاطعُ
فلا تبعدن إنّ المنية  موعد
عليك فدان للطُّلُوعِ وطالِعُ
أعاذل ما يُدريكِ إلاّ تظنيّا
إذا ارتحل الفتيانُ من هو راجعُ
تُبكِّي على إثرِ الشّبابِ الذي مضى
ألا إنّ أخدان الشّبابِ الرّعارِعُ
أتجزعُ مِمّا أحدث الدّهرُ بالفتى
وأيُّ كريم لم تُصِبهُ القوارِعُ
لعمرُك ما تدري الضّوارِبُ بالحصى
ولا زاجِراتُ الطّيرِ ما اللّهُ صانِعُ
سلُوهُنّ إن كذّبتموني متى الفتى
يذوقُ المنايا أو متى الغيثُ واقِعُ