2025-03-03

وفي أنفسكم أفلا تبصرون - الجهاز العصـبي

  • وفي أنفسكم أفلا تبصرون - الجهاز العصـبي

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

يعتبر الجهاز العصبي أهم جهاز من أجهزة الجسم على الإطلاق فبدونه لا يمكن لبقية الأجهزة أن تقوم بوظائفها على الوجه المطلوب وهو يعمل في أبسط أشكاله كجهاز للتحكم  يحدد الطريقة التي يعمل بها كل عضو من أعضاء الجسم بالتنسيق مع بقية الأعضاء. وكما هو الحال في أنظمة التحكم المستخدمة في الأجهزة الحديثة فإن الجهاز العصبي يقوم باستقبال إشارات حسية محملة بالمعلومات من مختلف أعضاء الجسم ومن المحيط الخارجي ثم يقوم بمعالجتها ومن ثم يقوم بإصدار الأوامر التي تتحكم بعمل هذه الأعضاء من خلال الإشارات التي يرسلها إليها ولما فيه مصلحة هذا الجسم. وتعمل البرامج المخزنة مسبقا في الجهاز العصبي على دفع الكائن الحي بشكل غريزي للبحث عن طعامه وشرابه وذلك  لتأمين الطاقة اللازمة لعمل أجهزة جسمه وكذلك دفعه للتزاوج مع شريكه لإنتاج كائنات جديدة للحفاظ على جنسه إلى جانب دفعه إلى أخذ التدابير اللازمة للحفاظ على جسمه من المخاطر التي يتعرض إليها من المحيط الذي يعيش فيه. ويتميز الجهاز العصبي في الإنسان على تلك التي في بقية الكائنات الحية بوجود وظائف أخرى كثيرة إلى جانب الوظائف السابقة كقدرته على الكلام والقراءة والكتابة والتذكر والتفكير والوعي والإحساس بالعواطف والمشاعر وغير ذلك الكثير.

ولقد اعترف العلماء بأن التعقيد الموجود في تركيب الدماغ لا يوجد ولن يوجد في أعقد الأجهزة الإلكترونية التي اخترعها الإنسان بل إن أحدهم قد قال أنه لو تم جمع جميع الحواسيب في العالم وتم ضغطها لتكون بحجم دماغ الإنسان فلن يصل تعقيد مكوناتها تعقيد مكونات الدماغ. وسنبين أن التعقيد الموجود في دوائره العصبية لا يضاهيه التعقيد الموجود  في دوائر أضخم الحواسيب الجبارة والتعقيد الموجود في أليافه العصبية لا يضاهيه التعقيد الموجود  في أسلاك أضخم الشبكات الهاتفية. أما الوظائف التي يقوم بها الدماغ فإن البشر لا زالوا يقفون عاجزين عن اختراع أجهزة تقوم بمثل هذه الوظائف وعلى القارئ أن يقارن بين الحركات التي يمكن أن يقوم بها جسم الإنسان مع تلك التي يقوم بها الإنسان الآلي أو الروبوت وبين قدرة الدماغ على التعرف على ملايين الأشياء التي شاهدها لمرة واحدة وبين فشل الحواسيب الجبارة على التعرف على أبسط الأشياء. أما قدرة الدماغ على تمكين الإنسان من الإحساس بوجوده وبمشاعره وعواطفه فلا أعتقد أن العلماء سيفكرون يوما من الأيام في تصنيع أجهزة تقلده في فعل ذلك.

 ومن معجزات الدماغ أنه يحتاج لبرمجة كل خلية عصبية من خلاياه البالغ عددها مائة بليون حيث تتطلب البرمجة تحديد أوزان الزوائد الشجرية لكل خلية والتي قد يصل عددها إلى عشرة آلاف وزن في الخلية الواحدة. ويتم برمجة خلايا بعض المراكز العصبية بشكل دائم منذ خلق الإنسان كالمراكز المسؤولة عن وظائف الجسم الحيوية أما المراكز الأخرى فقد صممت بحيث يتم برمجة خلاياها من خلال التعلم كما في مراكز اللغة والذاكرة وغيرها. ومن معجزات الدماغ أنه على الرغم من أنه يفقد من خلاياه العصبية سنويا ما يزيد عن ثلاثين مليون عصبون وذلك ابتداء من سن العشرين إلا أن قدراته ووظائفه لا تتأثر بهذا الفقد كثيرا ويعود السبب في ذلك إلى الطريقة الفريدة التي تعمل من خلالها الدوائر العصبية والتي تختلف تماما عن طريقة عمل الدوائر الإلكترونية المستخدمة في الحواسيب فتعطل ترانزستور واحد في الحاسوب كفيل بتعطل الحاسوب أو تعطل بعض أجزائه.   

إن الإنسان لتعتريه رجفة وتصيبه قشعريرة عندما يدرس تركيب الأعصاب والطرق التي استخدمت لتمديدها بين الدماغ وبين أعضاء الجسم المختلفة. فهل يمكن لأي إنسان عاقل أن يصدق أن  عشرات الملايين من الألياف العصبية يمكنها أن تحدد مساراتها من تلقاء نفسها لتنقل إشارات عصبية بالغة الأهمية من مراكز الدماغ إلى ما يرتبط بها من أعضاء!   بل إن الأعجب من هذا أن كل ليف من هذه الألياف قد نما من خلية واحدة في الدماغ أو في الحبل الشوكي وبدأ يشق طريقه بين آلاف البلايين من خلايا الجسم  ليصل إلى هدفه المنشود في أحد الأعضاء ولمسافة قد تزيد عن المتر. ومن العجائب في هذا النظام أن الألياف التي تذهب إلى عضو معين أو مجموعة من الأعضاء المتجاورة تتجمع مع بعضها البعض لتكون حزم يتم تغليفها بعدة عوازل لتخرج على شكل كيبلات يحتوي بعضها على ما يزيد عن مليون ليف عصبي. وعندما يصل أحد هذه الكوابل إلى أحد الأعضاء تتفرع منه الألياف الخاصة به فقط بينما تكمل بقية الألياف مسيرها حتى تصل إلى الأعضاء التي تخصها. 

إن عملية تمديد الأعصاب تتم بعدد ما يخلق الله سبحانه وتعالى من كائنات حية في كل يوم والتي تعد بمئات البلايين ولو أن الأمر قد ترك للصدفة لتقوم بمهمة التمديد شبه المستحيلة لما رأينا بلايين الطيور تطير بكل اتزان في جو السماء ولما رأينا بلايين الأسماك وهي تسبح بكل رشاقة في مياه البحار ولما رأينا بلايين الدواب التي تسير على بر الأرض بكل طمأنينة منها ما يزحف على بطنه ومنها من يمشي على رجلين ومنها من يمشي على أربعة أرجل أو أكثر من ذلك!  وليتخيل القارئ معي  عواقب الأخطاء في عملية تمديد الأعصاب في الجسم فلو تم ربط الأعصاب التي تتحكم باليد بمركز تحكم اللسان في الدماغ وذلك على سبيل المثال فإن الشخص عندما ينوي تحريك لسانه فإن لسانه لن يتحرك بل تتحرك يده بدلا من ذلك.  وأعتقد أن الشخص الذي يتفكر بعمق في عملية تمديد الأعصاب سيصاب بالصداع إذا ما تابع رحلة أحد الأعصاب وهو يشق طريقه من الدماغ إلى أن يصل إلى مكان عمله في أحد أعضاء الجسم. إن هذا اللغز الكبير قد أعيا العلماء وقد كان آخر تفسيراتهم أو قل تكهناتهم أنه عند خلق الإنسان يخصص لكل ليف عصبي  شيفرة محددة تنتج بروتين محدد ويقوم هذا البروتين كمرشد لرأس الليف العصبي فيسير حيث سار البروتين إلى أن يصل إلى مكانه المحددة حيث يوجد بروتين مكمل له. وللقارئ أن يتخيل منظر هذه الملايين من الألياف العصبية وهي تنمو تدريجيا وتنتشر من الدماغ والحبل الشوكي إلى جميع خلايا الجسم فتصلها بدقة متناهية فخطأ بسيط كفيل بإصابة الإنسان بعاهة مستديمة في أحد أعضائه. وللقارئ أن يكمل بنفسه رحلة هذه الأعصاب حتى تصل إلى أهدافها على ضوء الشرح التالي ليكتشف معجزات لا تعد ولا تحصى يعجز الإنسان مهما أوتي من بيان عن شرحها وصدق الله العظيم القائل "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)" لقمان.   


مكونات الجهاز العصبي

يتكون الجهاز العصبي في الإنسان و في كثير من الكائنات الحية من جزئيين رئيسيين أولهما الجهاز العصبي المركزي والذي يتكون من الدماغ الموجود في الجمجمة والحبل الشوكي الموجود في العامود الفقري. أما الجزء الثاني فهو الجهاز العصبي المحيطي وهو كل ما يقع خارج الجمجمة والحبل الشوكي من مكونات عصبية وهي الألياف والعقد  والضفائر العصبية والمستقبلات الحسية والمحركات العصبية. ويعتبر الدماغ أهم مكونات الجهاز العصبي ويعتمد تعقيد تركيبه في الكائنات الحية على عدد وحجم الوظائف  التي يقوم بها لخدمة جسم الكائن وبشكل عام فهو يزداد حجما وتعقيدا كلما ازداد حجم جسم الكائن باستثناء الإنسان . ويتراوح وزن الدماغ بين عدة غرامات في الحشرات والأسماك وعدة مئات من الغرامات في الحيوانات الكبيرة كالثدييات أما الإنسان فيصل وزن دماغه إلى ما يقرب من ألف وخمسمائة غرام وقد يصل في بعض الحيوانات الكبيرة الحجم كالفيلة والحيتان والدلافين إلى عدة كيلوغرامات. إن قدرات الدماغ لا تعتمد فقط على حجمه بل على مساحة سطحه لأسباب سنبينها فيما بعد ولذلك نجد أن أدمعة الحيوانات الكبيرة لها أسطح كثيرة التلافيف والاخاديد وهي أكثر وأعمق ما تكون في دماغ الإنسان كما هو مبين في الصورة المرفقة.  إن زيادة حجم دماغ الإنسان بحيث أصبح يساوي  ثلاثة أضعاف حجم  أدمغة حيوانات مساوية له في الوزن ليدل دلالة قاطعة على أن الإنسان له مكانة خاصة في هذا الكون وأن خلقه قد تم من قبل العليم الخبير سبحانه وتعالى.  ومما يؤكد أيضا على تميز الإنسان على غيره من الكائنات هو  أن زيادة قدرات دماغه قد رافقها تعديل قدرات أعضاء أخرى مكنته من الاستفادة من قدرات هذا الدماغ الجبار كالأيدي الماهرة التي تحول الأفكار إلى أفعال واللسان الطلق الذي ينقل المعلومات التي يختزنها العقل إلى الآخرين والحواس المتطورة التي تجمع المعلومات من المحيط الذي يعيش فيه.

ويقدر العلماء عدد الخلايا العصبية في دماغ الإنسان بمائة بليون خلية موزعة على مراكز الدماغ المختلفة وترتبط كل خلية من هذه الخلايا بما يتراوح بين عشرة خلايا وعشرة آلاف خلية مجاورة وذلك لبناء الشبكات العصبية في مراكز الدماغ المختلفة. وإذا ما اعتبرنا أن متوسط عدد الوصلات مع الخلايا المجاورة هو ألف وصلة فإن العلماء قد قدروا عدد الوصلات بين الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ بمائة ألف بليون وصلة يبلغ مجموع أطوالها قريبا من مائتي ألف كيلومتر. ويقدر العلماء عدد الألياف أو الشعيرات العصبية التي تربط مراكز الدماغ  بجميع أعضاء الجسم بأكثر من عشرة ملايين ليف عصبي حيث يربط كل واحد من هذه الألياف خلية عصبية محددة في أحد مراكز الدماغ أو في العقد العصبية مع خلية عصبية مناظرة لها في أحد أعضاء الجسم. ويجب أن تتم عملية الربط هذه بدقة متناهية لا مجال للخطأ فيها وإلا سيترتب على هذه الأخطاء عواقب وخيمة تؤدي إلى فشل العضو في القيام بوظيفته. وبما أن معظم المراكز العصبية موجودة في القشرة المخية والمخيخ فإن الألياف العصبية المنبثقة منهما تنزل هابطة إلى الأسفل باتجاه الحبل الشوكي. 

وتمر هذه الأعصاب قبل ذهابها إلى أعضاء الجسم المختلفة بمراكز تحكم مختلفة موجودة في المخ البيني وجذع المخ ومن أهمها المهاد الذي يعتبر البوابة الرئيسية التي تمر من خلالها معظم الألياف العصبية إلى القشرة المخية.  وتقوم هذه المراكز بوظائف متعددة أهما ترتيب الألياف العصبية ووضعها في حزم أو مسارات (Tracks) مختلفة كل حزمة منها تحتوي على ألياف عصبية من نفس النوع أو أنها تخدم نفس المنطقة من الجسم. بينما تقوم مراكز تحكم أخرى بتنظيم حركة الإشارات العصبية الخارجة والقادمة من وإلى المخ وذلك حسب المعطيات القادمة من مختلف مراكز الدماغ فتقوم بحجب بعضها والسماح للبعض الآخر بالمرور حسب ما يتطلبه الموقف. وتعمل بعض المراكز كمحطات ترحيل أو تقوية حيث يتم ربط الخلية العصبية القادمة من القشرة المخية بخلية عصبية جديدة لها محور عصبي طويل تمكنه من الوصول للأعضاء البعيدة في الجسم. وفي النخاع المستطيل يتم نقل معظم الألياف العصبية القادمة من الشق الأيمن للمخ إلى الشق الأيسر لتذهب إلى أعضاء الجسم في اليسار وكذلك العكس بينما يبقي على بعض الألياف دون تبديل.

تي يستخدمها في معالجة المعلومات فإن تركيبه العام لا يختلف من حيث المبدأ عن تركيب أجهزة التحكم الكهربائية التي تستخدم الحواسيب والمتحكمات الدقيقة في عملية التحكم في مختلف أنواع الأجهزة والروبوتات. ففي مقابل الترانزستورات في الأجهزة الإلكترونية  يستخدم الدماغ الخلايا العصبية كوحدة أساسية لمعالجة المعلومات والتي تتميز على الترانزستورات بقدرتها الفائقة على معالجة المعلومات حيث تقوم الخلية الواحدة مقام معالج دقيق كامل يحتوي على ملايين الترانزستورات. وفي مقابل الأسلاك المعدنية في الأجهزة الإلكترونية يستخدم الجهاز العصبي الألياف العصبية والتي تتميز بصغر قطرها البالغ الذي يقاس بالميكرومترات. وفي مقابل الحساسات والمحركات الكهربائية يوجد المستقبلات الحسية والمحركات العضلية. وكما أن أنظمة التحكم المعقدة التي تستخدم الحواسيب تستخدم طرق المعالجة المتوازية والموزعة بدلا من المعالجة المتسلسلة والمركزية لزيادة سرعة معالجتها المعلومات فإن الجهاز العصبي يقوم بمعالجة المعلومات المختلفة التي يستلمها من الجسم  في أماكن مختلفة من الدماغ والحبل الشوكي بل حتى في داخل الأعضاء المتحكم بها. إن مثل هذه المعالجة المتوازية والموزعة المستخدمة في الجهاز العصبي تضمن عمل النظام حتى في حالة تعطل بعض أجزائه إلى جانب سرعة تنفيذ الأوامر في أعضاء الجسم المختلفة. 

الجهاز العصبي المركزي

يتكون الجهاز العصبي المركزي (central nervous system) من الدماغ (brain) الموجود في الجمجمة  (cranial cavity) والحبل الشوكي (spinal cord) الموجود في العامود الفقري. ونظرا للدور البالغ الأهمية الذي يلعبه الجهاز العصبي المركزي  في ضبط عمل جميع أعضاء أجسام الكائنات الحية وكذلك نظرا لطبيعته الهشة فقد تم حمايته بشكل بالغ الإحكام. فالدماغ محمي بعظام الجمجمة (skull) البالغة الصلابة وقد تم تغليفه بثلاث أغشية متينة يطلق عليها اسم السحايا (meninges) وهي  الأم الجافية (dura mater) وهي غشاء ليفي سميك ومتين يبطن عظام الجمجمة مباشرة  والأم العنكبوتية (arachnoid mater)  وهي تبطن الأم الجافية وهي شبكة كثيفة من الخيوط تشبه خيوط بيت العنكبوت  والأم الحنون (pia mater) وهي غشاء  رقيق يغلف الدماغ ويتخلل جميع تجاعيده. 

ويملأ الحيز بين الأم الحنون والأم العنكبوتية سائل يسمى السائل المخي الشوكي (cerebrospinal fluid)  وهو سائل شفاف يتم إنتاجه في بطينات أربع تقع في مركز الدماغ وتسمى البطينات المخية (cerebral  ventricles) حيث تقوم شبكة من الشعيرات الدموية تسمى الضفيرة المشيمية   بإفراز هذا السائل. وتبلغ كمية هذا السائل في دماغ الإنسان ما يقرب من 150 ملليلتر ويتم تغيير هذا السائل أربع مرات في اليوم للحفاظ على خصائصه المميزة التي تمكنه من القيام بوظائفه المختلفة. إن أحد أهم وظائف هذا السائل هو عمله كوسادة من السائل تحمي الدماغ من الارتطام بجدار الجمجمة حيث يمتص الصدمات التي تتعرض لها الجمجمة. أما الوظيفة الأهم من ذلك لهذا السائل فهي ليبقى الدماغ طافيا فيه فبدونه ستضغط كتلة الدماغ على أجزائه السفلية وتدمرها وذلك بسبب الطراوة البالغة لأنسجة الدماغ. ولا تقتصر حماية الدماغ على الأخطار الميكانيكية الخارجية بل تتعدى إلى حمايته من المواد الضارة التي تأتيه من داخل الجسم من خلال الدم فالخلايا العصبية شديدة التأثر بالمواد السامة والذي يموت منها لا يمكن أن يعوض. ولذلك فقد حماه الله سبحانه وتعالى بما يسمى حاجز الدم-الدماغ  (blood-brain barrier) وذلك من خلال اختيار نوع الشعيرات الدموية التي تغذي خلاياه فهذه الشعيرات لها أقل نفاذية ممكنة بين جميع الشعيرات الموجودة في الجسم ولذلك فهي لا تسمح إلا لما هو ضروري لحياة الخلايا العصبية من غذاء وتطرد سوى ذلك من مواد ضارة وبكتيريا وفيروسات ولذلك فإن التهاب أنسجة الدماغ نادر الحدوث وإذا ما حدث فإن آثاره بالغة الضرر.  

الدماغ 

يتكون الدماغ (Brain) من مادة هلامية القوام لون سطحها رمادي يميل إلى القرنفلي ولون داخلها يميل إلى الأبيض ويبلغ معدل وزنه عند الإنسان البالغ ألف وأربعمائة غرام أما معدل أبعاده فهي 16.7 سم من الأمام إلى الخلف و 14 سم من الجانب إلى الجانب و 9 سم من الأعلى إلى الأسفل. وعلى الرغم من أن وزن الدماغ لا يشكل إلا اثنان بالمائة من وزن الجسم إلا أنه يستهلك عشرين بالمائة من الطاقة التي يولدها الجسم حيث يصله ما بين 15 و 20 بالمائة من كمية الدم التي يضخها القلب إلى الجسم. ومن عجائب الدماغ التي أدهشت العلماء أنه يستهلك من الطاقة ما يبلغ متوسطه 25 واط فقط أي ما يكفي لتشغيل مصباح كهربائي صغير الحجم. ولو أن الخلية العصبية تستهلك من الطاقة ما يستهلكه الترانزستور الموجود في أحدث المعالجات الدقيقة لبلغت كمية الطاقة التي يحتاجها الدماغ لتشغيله ما يقرب من مائتي كيلواط وهي طاقة تكفي لتشغيل سيارة كبيرة الحجم.  ويتكون الدماغ  (brain) من أربعة أجزاء رئيسية وهي المخ (Cerebrum) والدماغ البيني (Diencephalon) وجذع الدماغ (Brain stem) والمخيخ (Cerebellum). 

المخ

المخ (Cerebrum)  أو ما يسمى (Forebrain) هو الجزء الأعلى من الدماغ وهو أكبر الأقسام حجما إذ يشكل 85 % من حجم الدماغ في الإنسان. والمخ له شكل شبه كروي مكون من نصفين (hemispheres) يفصل بينهما شق طولي كبير يسمى الشق الطولاني الداخلي (Medial Longitudinal Fissure). ويرتبط النصفان ببعضهما عند المنتصف بحزمة ضخمة من الألياف العصبية تسمى الجسم الثفني (Corpus Callosum) والتي يقدر عددها بمائتين وخمسين مليون ليف تقوم بنقل الإشارات العصبية فيما بين نصفي المخ. ويتكون كل من نصفي المخ من أربعة فصوص (lobes) وهي الفص الجبهي (frontal lobe)  ويشكل 41 بالمائة من حجم المخ  والفص الصدغي (temporal lobe) بنسبة 22 بالمائة والفص الجداري (parletal lobe) بنسبة 19 بالمائة  والفص القحفي أو القذالي (occipital lobe) بنسبة 18 بالمائة. ويوجد بين الفص الجبهي والفص الجداري شق يسمى الأخدود المركزي (central sulcus) بينما ويوجد بين الفص الصدغي وفيما بين الفصين الجبهي والجداري شق يسمى الأخدود الجانبي (lateral sulcus). 

 ويتكون المخ من طبقتين رئيسيتين وهما القشرة المخية (Cerebral Cortex)  ولب المخ (cerebral medulla). فالقشرة المخية هي الطبقة السطحية للمخ وتتراوح سماكتها بين 1.5 و 4.5 ملم وتتركز فيها أجسام العصبونات ولذلك فإن لها لون رمادي ولذا تسمى المادة الرمادية (Grey matter). والقشرة المخية لها سطح كثير التجاعيد يحتوي على أخاديد (sulcus) وتلافيف (gyrus) كثيرة تعمل على زيادة  مساحة سطحها إلى عدة أضعاف مساحتها فيما لو بقيت بدون هذه الأخاديد وذلك لحكمة بالغة تتضح من خلال الشرح التالي. إن زيادة عدد الخلايا العصبية في الدماغ لا يمكن أن يتم من خلال زيادة حجمه فقط وذلك لأن ربط الألياف العصبية القادمة من مختلف أجزاء الجسم بالخلايا العصبية في طبقات الدماغ الداخلية ستزيد من تعقيد تصميمه ولذلك كان من الأسهل أن يتم توزيع أجسام الخلايا العصبية على سطح الدماغ وترك داخله لمرور حزم الألياف العصبية التي تربط بين مناطق الدماغ المختلفة وبين أعضاء الجسم. وهذه المشكلة هي نفسها التي واجهها مهندسو الإلكترونيات عند تصميمهم لمعالجات وذاكرات الحواسيب التي تحتوي على ملايين الترانزستورات فكان الحل من خلال بناء الدوائر الإلكترونية على أسطح شذرات المواد شبه الموصلة في طبقة واحدة في بداية الأمر وعلى عدة طبقات في الأنواع الحديثة. 

ولو تطلب الأمر بناء مكونات الدماغ على شكل دوائر إلكترونية بحيث يقوم الترانزستور مقام الخلية العصبية لبلغت مساحة السطح الذي تحتله على الرقائق الإلكترونية أكثر من ألف متر مربع ولكن بما أن الخلية العصبية تحتل حيزا أقل من الترانزستور وتقوم بوظائف أكثر تعقيداﹰ من الوظيفة الوحيدة التي يقوم بها الترانزستور فإن المساحة التي يتطلبها بناء الدماغ باستخدام الخلايا العصبية قد تم تقليصها إلى أقل من متر مربع وذلك من خلال طريقتين فريدتين. ففي الطريقة الأولى تم توزيع العصبونات على ستة طبقات في القشرة المخية بدلا من طبقة واحدة وبهذا تم تخفيض المساحة إلى السدس. أما الطريقة الثانية فهي من خلال عمل أخاديد وتلافيف كثيرة وعميقة في القشرة المخية وكذلك في المخيخ بحيث بقى حجم الدماغ ثابتا مع زيادة مساحة سطحه عدة مرات عن حاله فيما لو كان على شكل كرة ملساء. إن نصف قطر جمجمة الإنسان لا يتجاوز العشرة سنتيمترات وعليه فإن المساحة السطحية  للدماغ فيما لو كان على شكل كرة  ملساء لن يتجاوز الألف سنتيمتر مربع وهذا أقل بكثير من المساحة المطلوبة. 

والقشرة المخية مقسمة إلى وحدات على شكل مخاريط تمتد عموديا بالنسبة لسطحها وتسمى هذه الوحدات الأعمدة القشرية (Cortical Columns) ويبلغ متوسط قطر الوحدة نصف ملليمتر على سطح القشرة. وتقوم كل وحدة من هذه الوحدات بوظيفة محددة وذلك بما يخدم الوظيفة العامة التي يقوم بها المركز التي توجد فيه. وقد قدر العلماء عدد الأعمدة القشرية في القشرة المخية بما يقرب من مليوني وحدة تحتوي الواحدة منها على خمسين ألف عصبون في المتوسط. وقد تم تقسيم القشرة المخية من حيث الوظائف العامة إلى مناطق حسية (Sensory areas) ومناطق حركية(Motor areas) ومناطق الترابطية (Association areas). فالمناطق الحسية تستلم إشارات المعلومات من الحواس الخمسة وتسمى المناطق التي تستلم هذه المعلومات من خلال المهاد بالمناطق الحسية الابتدائية (primary sensory areas). أما المناطق الحركية فترسل إشارات التحكم من خلال المهاد إلى العضلات الإرادية في الجسم وهي تتكون من من مناطق حركية ابتدائية (Primary motor areas) ومن مناطق حركية مساندة (Supplementary motor areas). وأما المناطق الترابطية فهي المناطق التي يتم فيها ظواهر الإدراك (perception) والتفكير (thinking) واللغة (language) وغير ذلك. ومن الجدير بالذكر أن المناطق الحسية والحركية الموجودة في أحد نصفي الدماغ مسؤولة عن النصف المعاكس من الجسم. أما لب المخ فيحتوي على محاور العصبونات  الموجودة في القشرة المخية وكذلك المحاور القادمة من أجزاء الدماغ الأخرى إلى القشرة المخية وهي ذات لون أبيض بسبب أن معظم هذه المحاور مغلفة بطبقة المايلين ذات اللون الأبيض ولذلك تسمى المادة البيضاء (white matter). 

الدماغ البيني 

أما الدماغ البيني (Diencephalon or interbrain) أو ما يسمى أيضا (Limbic System) والذي يعتبره البعض جزء من المخ  فيقع في مركز الدماغ بين المخ وجذع الدماغ وهو مكون من ثلاثة مناطق رئيسية وهي المهاد (Thalamus) وتحت المهاد (Hypothalamus) والمهيد (subthalamus). فالمهاد يعتبر البوابة الرئيسية التي تمر من  خلالها معظم الألياف العصبية إلى القشرة المخية حيث تقوم بإعادة ترتيبها لتوجيهها إلى المناطق الخاصة بها وهي أشبه ما تكون بمقسم الهواتف. أما تحت المهاد فيحتوي على كثير من مراكز التحكم المتعلقة بوظائف الجسم الحيوية كالتحكم بدرجة حرارة الجسم والشعور بالجوع والشبع والرغبة الجنسية والنوم واليقظة وضغط الدم وتركيز المواد في الدم وتركيز الماء في الجسم  والاستجابات العاطفية. ويرتبط تحت المهاد أيضا بالغدة النخامية بشكل مباشر وهي أكبر غدد الجهاز الهرموني وتسيطر على بقية غدد الجسم وبذلك فإن تحت المهاد هو همزة الوصل  بين الجهاز العصبي والجهاز الهرموني في الجسم من خلال إفرازه لما يسمى بالهرمونات العصبية (neurohormones). وأما المهيد فيتكون بشكل رئيسي من النواة المهيدية (Subthalamic nucleus) التي تقع على جانب المهاد وترتبط  بشكل رئيسي بالأنوية القاعدية (basal nuclei) وتعمل على تنظيم حركة المعلومات. 

ويوجد في الدماغ البيني عدد من العقد العصبية (Ganglion) أو الأنوية (Nucleus) التي ترتبط بالقشرة المخية وببقية أجزاء الدماغ وهي عبارة عن كتل رمادية اللون وبأحجام مختلفة.  ومن أهم هذه الأنوية الحصين (hippocampus) أو قرن أمون (Ammon's horn)  والذي يقع تحت قشرة الفص الصدغي وهو مسؤول عن الربط بين الذاكرة القصيرة والذاكرة الطويلة وبالذات الذاكرة المكانية. وأما النواة الثانية فهي اللوزة المخية (amygdalae) فتقع أمام الحصين في الفص الصدغي وهي مسؤولة عن الذاكرة  العاطفية. وأما الثالثة فهي الأنوية القاعدية (basal nuclei) وهي مجموعة مكونة من  أربعة أنوية موزعة في الدماغ البيني وهي المذيلة (caudate)  والمخططة (striatum) وبوتامين (putamen) والكرة  الشاحبة(globus pallidus). وتعمل هذه المراكز الأربعة كبوابات لكثير من وظائف القشرة الدماغية كالتحكم بالحركات الارادية والتعبير عن العواطف والتعلم وحركة العينين وغير ذلك.  ويحتوي الدماغ البيني كذلك على الغدة النخامية (Pituitary Gland) والغدة الصنوبرية  (pineal gland) ويمر من خلاله أيضا التصالب البصري (Optic Chiasm) وهي حزمة الأعصاب القادمة من العينين والذاهبة إلى مركز البصري في الفصين القحفيين. ويحتوي كذلك على المكونات المسؤولة عن إنتاج السائل المخي الشوكي وهي البطينات المخية (cerebral  ventricles) والضفيرة المشيمية  (choroid plexus) التي تنتج هذا السائل. 


جذع المخ

أما جذع الدماغ (Brain stem) فيقع تحت المخ البيني  وهو صغير الحجم على شكل الإصبع ويصل بين المخ والحبل الشوكي ويتكون بدوره من ثلاثة أجزاء وهي من الأسفل إلى الأعلى النخاع المستطيل (Medulla Oblongata) ثم الجسر (Pons)  ثم الدماغ الأوسط (Midbrain). فالنخاع المستطيل يحتوي إلى جانب الألياف العصبية التي تربط بين المخ والحبل الشوكي مراكز عصبية تتحكم ببعض  عمليات الجسم الحيوية كالتحكم بضربات القلب ومعدل وعمق التنفس وتقلص وتمدد الشرايين. وتتفرع منه أيضا الأعصاب القحفية التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر.  وأما الجسر فيحتوي على القنطرة التي تربط بين نصفي المخيخ والألياف العصبية التي تربط المخ بالمخيخ وكذلك بالحبل الشوكي وتتفرع منه الأعصاب القحفية الخامس والسادس والسابع والثامن. وأما الدماغ الأوسط  فيحتوي على بعض مراكز رد الفعل اللاإرادي أو ما يسمى بالمنعكسات (Reflexes) كالمنعكسات البصرية والسمعية ومنعكسات الجفل والعطاس والسعال والتقيؤ والشهاق والبلع ويحتوي كذلك على محطة ترحيل للإشارات السمعية وتتفرع منه الأعصاب القحفية الثالث والرابع.

المخيخ

 أما المخيخ (Cerebellum) وهو أكبر حجما من جذع المخ  حيث يبلغ وزنه 150 غرام فيقع أسفل الجزء الخلفي من المخ ويتصل بجذع الدماغ عن طريق السويقة المُخيخية العلوية (Superior Cerebellar Peduncle)  والسويقة المُخيخية السفلية (Inferior Cerebellar Peduncle). ويتكون المخيخ أيضا من نصفين بينهما شق ويرتبطان ببعضهما بحزمة من الألياف العصبية تسمى الدودة  (vermis) وهو كالمخ ذي سطح كثير التجاعيد إلا أن تجاعيده أكثر عمقا وأقل عرضا بحيث أن مساحة قشرته تساوي تقريبا مساحة قشرة المخ رغم الفارق الكبير بين وزنيهما. ويحتوي المخيخ على عدد من العصبونات تساوي مجموع ما تحتويه بقية مكونات الدماغ على الرغم من أن حجمه لا يتجاوز 10 % من حجم الدماغ. ويبلغ عدد الألياف العصبية التي تربط المخيخ ببقية الجهاز العصبي ما يزيد عن 200 مليون ليف عصبي. وتتكون القشرة المخيخية (cerebellar cortex) من ثلاثة طبقات مقابل ستة طبقات في القشرة المخية وتحتوي مادته البيضاء على أربعة عقد عصبية. إن وظيفة المخيخ الرئيسية هي معرفة وضعية الجسم من خلال الإشارات القادمة من المستقبلات الحسية الموزعة في الجسم وبالتحديد من القنوات الهلالية في الأذن والمراكز البصرية في المخ.  ويقوم المخيخ أيضا بحفظ توازن الجسم عند قيامه بمختلف أنواع الحركات ويتم تنفيذ الحركات الإرادية لأعضاء الجسم المختلفة وتنسيق حركة هذه الأعضاء من خلاله.

الخلايا العصبية

يحتوي دماغ الإنسان على نوعين رئيسين من الخلايا فالنوع الأول هي الخلايا العصبية (nerve cells) أو العصبونات (neurons) وتشكل عشرة بالمائة من عدد خلايا الدماغ وهي التي تقوم بمعالجة المعلومات. وأما النوع الثاني هي الخلايا الدبقية أو الصمغية (glia cells)  وتشكل 90 بالمائة منه وهي تعمل كمادة داعمة للعصبونات وتقوم بتزويدها بالغذاء والأوكسجين وتخليصها من الفضلات. وعلى الرغم من أن عدد الخلايا الدبقية  يبلغ عشرة أضعاف الخلايا العصبية إلا أنها تحتل نفس الحيز الذي تحتله الخلايا العصبية في الدماغ وذلك لأن حجمها يبلغ عشر حجم الأخرى تقريبا. ويقدر العلماء عدد العصبونات في الدماغ بمائة بليون عصبون. 

ويعتبر العصبون وحدة البناء الأساسية للدماغ وهو يناظر الترانزستور الذي هو وحدة البناء الأساسية للدوائر الإلكترونية المستخدمة في بناء أجهزة الحواسيب وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. وتتكون الخلية العصبية بشكل عام من ثلاثة أجزاء رئيسية وهي جسم الخلية (cell body) والتفرعات الشجرية أو الزوائد العصبية (dendrites)  والمحور (axon). فجسم الخلية يحتوي جميع المكونات التي تحتويها بقية خلايا الجسم. وأما التفرعات الشجرية فهي زوائد تخرج من جسم الخلية ثم تتفرع إلى غصينات كثيرة قد تصل إلى عدة آلاف في بعض العصبونات وهي قصيرة الطول نسبيا لا تتجاوز عدة ملليمترات ويوجد على أطرافها مستقبلات للنواقل العصبية.  أما المحور فلا يوجد منه إلا واحد  في كل خلية عصبية ويتراوح طوله بين عدة ملليمترات وقد يزيد عن المتر وتخرج منه عند طرفه البعيد تفرعات معدودة تنتهي بنهايات (terminals) على شكل أزرار (synaptic knobs) تقوم بإفراز الناقلات العصبية عند إثارتها وتكون هذه الأزرار مع المستقبلات الموجودة على التفرعات الشجرية ما يسمى بالمشابك العصبية (synapses).  وكما أن للدوائر الإلكترونية مداخل لاستقبال الإشارات ومخارج تسلم الإشارات لبقية الدوائر فإن للعصبونات مداخل ومخارج فمداخلها هي التفرعات الشجرية حيث تنقل الإشارات التي تبعثها المستقبلات  بعد إثارتها من الخلايا الأخرى إلى جسم الخلية والتي تقوم بمعالجتها وإرسال الناتج من خلال المحور إلى المشابك والتي تقوم بنقلها إلى بقية الخلايا العصبية. والمشبك العصبي هو عبارة عن الجهاز الذي يقوم بنقل الإشارات العصبية من خلية عصبية إلى أخرى وهو يتكون من التقاء أحد أزرار المشبك (synaptic button)  وأحد مستقبلات التفرعات الشجرية في خلية أخرى دون أن يتلامسا حيث يوجد بينهما فجوة لا يتجاوز عرضها ثلاثين نانومترات ومن خلالها تنتقل النواقل العصبية (neurotransmitter) التي تفرزها الأزرار إلى المستقبلات الموجودة على التفرعات الشجرية. 

ويوجد أنواع مختلفة من العصبونات يتراوح قطرها ما بين عدة مايكرومترات ومائة مايكرومتر أما طولها فيتراوح ما بين عدة ميلليمترات وقد يتجاوز المتر. وعلى الرغم من أن عدد أنواع العصبونات المتخصصة قد يزيد عن عشرة آلاف نوع إلا أنه يمكن تقسيمها من حيث الوظيفة إلى  ثلاثة أنواع رئيسية وهي العصبونات الحسية  (sensory neurons) والعصبونات المحركة  (motor neurons) والعصبونات الرابطة (interneurons). فالعصبونات الحسية تقوم باستقبال الإشارات من خلايا المستقبلات الحسية في الجسم ومعالجتها ثم إرسال نتائج المعالجة إلى العصبونات الأخرى وهي في الغالب طويلة الزوائد الشجرية قصيرة المحور. أما العصبونات المحركة فتقوم بنقل الأوامر إلى أعضاء الاستجابة في الجسم كالعضلات والغدد وهي في الغالب طويلة المحور قصيرة الزوائد الشجرية. وأما العصبونات الرابطة فتستخدم كوسيلة لربط  مختلف أنواع العصبونات وغالبا ما تتركز في مراكز المعالجة في داخل الدماغ والحبل الشوكي وفي العقد العصبية. وأما من حيث عدد البروزات (processes) التي تخرج من جسم الخلية العصبية فقد تم تقسيمها إلى ثلاثة أنواع وهي العصبونات أحادي القطبية (Unipolar) والتي يخرج منها بروز واحد فقط يتفرع منه المحور والزوائد الشجرية  والعصبونات ثنائية القطبية (Bipolar)  والتي يتفرع منها بروزان أحدهما المحور والثاني تتفرع منه الزوائد الشجرية والعصبونات متعدد القطبية (mulipolar) والتي يتفرع منها أكثر من بروزين أحدها المحور والبقية زوائد شجرية.

لقد تمكن العلماء إلى حد ما من فهم الطريقة التي تعمل من خلالها الخلية العصبية في نقل ومعالجة الإشارات العصبية. فعندما تثار الشجيرات العصبية لعصبون ما من قبل العصبونات المتصلة بها من جهة الشجيرات يقوم العصبون بمعالجة هذه الإشارات فضائيا وزمنيا (spatially and temporally summated)  لتنتج إشارة واحدة فقط لها شدة ثابتة بغض النظر عن مقدار الإثارة أو عدد الزوائد المثارة وهذا ما يسمى بظاهرة الكل أو العدم (all-or-none phenomenon). وإذا ما تجاوزت شدة هذه الإشارة عتبة محددة  (action threshold) تحدد من قبل جهاز يقع عند نقطة التقاء المحور مع جسم الخلية يسمى قفل المحور (axon hillock)  فإن الخلية تقوم بتوليد نبضة كهربائية ذات شدة محددة تسمى جهد الفعل (action potential). ويتم توليد جهد الفعل هذا من خلال فتح قنوات الصوديوم والبوتاسيوم الموجودة في غشاء المحور وهذه القنوات تفتح وتغلق تبعا لمقدار فرق الجهد الموجود بين سطحي الغشاء ولذلك سميت بالبوابات المحكومة بالجهد (voltage-gated channels). ففي وضع السكون تكون هذه القنوات مغلقة ويكون فرق الجهد سالبا ومقداره في المتوسط -70 ملليفولت ويسمى جهد السكون أو الراحة  (rest potential). وعند إثارة طرف المحور عند عتبته بمؤثر خارجي  تنفتح قنوات الصوديوم  (Na+ channels) إذا زاد فرق الجهد عن -40 ملليفولت وتبدأ أيونات الصوديوم بالدخول من خارج الخلية إلى داخلها فتزيد بذلك الأيونات الموجبة عن الأيونات السالبة في الداخل فيتحول فرق الجهد في ذلك الموضع من المحور من السالب إلى الموجب وبمقدار +50 ملليفولت وتسمى هذه العملية بإزالة الاستقطاب (depolarization). وعند هذا الجهد الموجب تنغلق قنوات الصوديوم وتنفتح قنوات البوتاسيوم  (K+ channels) فتبدأ أيونات البوتاسيوم الموجبة بالخروج من داخل الخلية إلى خارجها فتعيد فرق الجهد إلى وضعه الطبيعي. وعلى الفور تبدأ مضخات الصوديوم والبوتاسيوم بالعمل لإخراج ما دخل من أيونات الصوديوم إلى داخل الخلية وإدخال ما خرج من أيونات البوتاسيوم إليها لكي تحافظ على الفرق في تركيزهما بين داخل وخارج الخلية. إن هذا التغير الموضعي في فرق الجهد لن يتوقف عند هذا المكان بل سيبدأ بالانتشار ويقوم بفتح وإغلاق القنوات المجاورة ويسري التغيير في فرق الجهد على شكل نبضة عصبية (nerve impulse) أو موجة كهربائية في المحور بعيدا عن جسم الخلية. وتسمى الفترة الزمنية التي تعقب فترة توليد النبضة الكهربائية والتي يتم فيها إعادة تركيز الأيونات لوضعها الطبيعي بفترة الممانعة (refractory period) حيث تمتنع عتبة المحور عن توليد نبضة كهربائية جديدة مع وجود المؤثر عليها. إن وجود فترة الممانعة هذه ضرورية جدا لعمل العصبون فهي أولا تمنع النبضات الكهربائية من الانتشار باتجاه جسم العصبون بل تنتشر بعيدا عنه باتجاه نهاية المحور وثانيا فهي تحدد أعلى معدل ممكن لتوليد النبضات الكهربائية والذي يبلغ مائة نبضة في الثانية. مع العلم أن المعلومات المتبادلة بين العصبونات يتم تمثيلها بمقدار عدد نبضات جهد الفعل (frequency of the action potential) وليس بشدتها وهذه الطريقة هي إحدى الطرق المستخدمة في تمثيل المعلومات في أنظمة الاتصالات الكهربائية والتي تسمى بتعديل أو تضمين التردد (frequency modulation). 

إن سرعة انتشار النبضة الكهربائية في المحور غير المعزول (unmyelinated axons) لا تتجاوز عدة أمتار في الثانية وذلك تبعا لقطر المحور حيث تزيد السرعة مع زيادة القطر. وهذه السرعة قد تكون كافية لتبادل المعلومات بين الخلايا العصبية المتجاورة ولكنها غير كافية بين الخلايا المتباعدة والتي قد تصل المسافة بينها عشرات السنتيمترات. وهنا تتجلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى في إبداع طريقة عجيبة تزيد من سرعة الانتشار لتصل إلى ما يزيد عن مائة متر في الثانية دون زيادة قطر المحور وهي من خلال تغليف المحور (myelinated axons) بعازل دهني يسمى غمد المايلين أو النخاعين (myelin sheath) ولكن ليس بالكامل بل تترك مناطق ضيقة غير معزولة بين المناطق المعزولة تسمى عقد رانفير والتي تكثر فيها قنوات الصوديوم والبوتاسيوم. إن عزل المحور يمنع من دخول أيونات الصوديوم من خلال القنوات الواقعة تحت العازل وهي قليلة جدا وبذلك فإن جهد الفعل أو النبضة الكهربائية لن يتولد إلا عند عقد رانفير (nodes of Ranvier). وإذا ما تم توليد نبضة كهربائية عند عقدة ما فإن نبضة أخرى ستتولد عند العقدة المجاورة التي تليها بمجرد وصول أيونات الصوديوم من العقد السابقة وذلك من خلال ظاهرة الانتشار السريعة نسبيا. وبهذه الطريقة تنتشر النبضات العصبية على شكل قفزات بين العقد وهي بالطبع أسرع من انتشارها بشكل متواصل على المحاور غير المعزولة ويسمى هذا النوع من الانتشار  بالتوصيل القفزي (Saltatory or leaping conduction). ويتم عزل المحاور من قبل خلايا متخصصة تسمى خلايا شوان (Schwann cells) حيث تأخذ كل خلية موقعها على طول المحور وعلى مسافات منتظمة ثم تبدأ بإفراز المادة الدهنية العازلة وتقوم بلفها عدد معين من اللفات حول المحور شريطة أن تترك الخلايا المتجاورة على المحور منطقة بينهما غير معزولة وهي عقد رانفير وهذا من عجائب تقدير العزيز العليم سبحانه وتعالى. ويبلغ عرض عقد رانفير ميكرومتر واحد بينما يتراوح عرض المنطقة المعزولة بين ملليمتر واحد وملليمترين أما عدد لفات المادة العازلة فتتراوح بين 20 و 300 لفة.   

يتم تبادل المعلومات  بين الخلايا العصبية من خلال ما يسمى بالمشابك العصبية والمكونة كما ذكرنا سابقا من الأزرار الموجودة على نهاية محور الخلية المرسلة والمستقبلات الموجودة على الزوائد الشجرية للخلية المستقبلة حيث يفصل بينهما فجوة لا يتجاوز سمكها 30 نانومتر تسمى فجوة المشبك (synaptic gap or cleft). فعند وصول النبضة الكهربائية إلى نهاية المحور حيث توجد الأزرار فإنها تعمل على فتح  قنوات الكالسيوم الموجودة في غشائه  والتي تدخل من خلالها أيونات الكالسيوم إلى داخل الزر والتي تقوم بدورها بفتح أكياس أو حويصلات (vesicle) مملوءة بالنواقل العصبية (Neurotransmitters) فتصبها في فجوة المشبك. ويتم التقاط هذه النواقل العصبية من قبل مستقبلات (receptors) الموجودة على سطح الخلية المستقبلة حيث يوجد أنواع مختلفة من المستقبلات التي يستجيب كل نوع منها إلى نوع محدد من النواقل العصبية فقط ولا تستجيب للبقية وهي أشبه ما تكون بالمفتاح والقفل فلكل قفل مفتاحه الخاص به. 

وعندما يستجيب أحد المستقبلات فإنه يقوم بفتح قنوات في غشاء الخلية المستقبلة لتدخل من خلالها الأيونات فتغير من فرق الجهد في ذلك الموضع والذي ينتشر تأثيره ليصل إلى عتبة المحور في تلك الخلية. ويوجد نوعان رئيسيان من المستقبلات من حيث التأثير على عتبة المحور أحدهما مثيرة والأخرى مثبطة فالمثيرة تقوم بفتح قنوات الصوديوم والتي تعمل على دفع العتبة لإطلاق النبضة العصبية بينما تقوم المثبطة بفتح قنوات البوتاسيوم أو الكلور والتي تعمل على منعها من فعل ذلك. ويوجد في جسم الإنسان ما يزيد عن خمسين نوعا من النواقل العصبية ومن أهمها  الأسيتيلكولين (Acetylcholine) ويؤثر في نقل النبضات العصبية للعضلات وكذلك انقباضها والإبنيفرين (Epinephrine) والنوريبنيفرين (Norepinephrine) ويؤثران في الجسم عند تعرضه للمواقف الصعبة والدوبامين (Dopamine) ويعمل على الإفاقة من السبات والسيروتونين (Serotonin) ويعمل في النوم والانتباه والتعلم والإندورفين (Endorphins) والذي يخفف من الألم ويبعث على السعادة.


وبما أن الخلية العصبية تحتوي على آلاف المستقبلات المثبتة على زوائدها الشجرية فإن الإشارات القادمة منها سيتم جمع تأثيراتها عند عتبة المحور وإذا ما تجاوزت  المحصلة قيمة حدية معينة فإن عتبة المحور ستولد نبضة عصبية لها نفس الشدة بغض النظر عن قيمة المحصلة وهذا هو المبدأ الرئيسي التي تعمل على أساسه الشبكات العصبية. إن التأثير الذي يحدثه كل مستقبل على عتبة المحور يعتمد على نوع الناقل العصبي وبعد المستقبل عن جسم الخلية وعادة ما يتم تمثيل شدة التأثير بقيمة عددية تسمى الوزن وهذه الأوزان تكون موجبة في المستقبلات المثيرة وسالبة في المستقبلات المثبطة. وعندما يتم إثارة الخلية العصبية من قبل ما يرتبط بها من خلايا عصبية فإن محصلة التأثير عن عتبة المحور هو حاصل جمع جميع أوزان المستقبلات المثارة وإذا ما تجاوز الوزن المحصل قيمة حدية معينة فإنها ستقوم بإطلاق نبضة عصبية واحدة. وعلى العكس من الترانزستور الذي لا يمكنه إرسال إلا نوعين من الإشارات إلى الترانزستورات المرتبطة به وهي فصل أو وصل التيار الكهربائي فإن الخلية العصبية تستطيع إرسال أكثر من خمسين نوعا من الإشارات العصبية وذلك حسب نوع الناقل العصبي. وتتميز الخلية العصبية بإمكانية ربطها بعدد كبير جدا من الخلايا العصبية المجاورة  قد يصل إلى عشرة آلاف خلية عصبية في مقابل عدة عشرات في حالة الترانزستورات. وعلى هذا فإن الخلية العصبية الواحدة تناظر في عملها المعالج الدقيق الذي يحتوي على ملايين الترانزستورات والذي يستخدم في كثير من الأجهزة الإلكترونية الحديثة حيث يتم برمجته للقيام بوظائف محددة. إن هذه الطريقة الفريدة في معالجة المعلومات من قبل الخلية العصبية هي التي مكنت الدماغ من القيام بهذه الوظائف المعقدة والتي عجزت أضخم الحواسيب الرقمية من القيام بأبسطها. ولذلك لجأ العلماء إلى استخدام نفس طريقة المعالجة المستخدمة في العصبون لبناء أجهزة ذكية أو ما سموه بالذكاء الاصطناعي. ويعتبر علم الشبكات أو الدوائر العصبية أحد العلوم الحديثة التي استخدمها علماء الحاسوب لزيادة قدرات الحواسيب بحيث تحاكي بعض قدرات الدماغ البشري كالتعرف على الأشياء واتخاذ القرارات السريعة. 

الحبل الشوكي

 أما الحبل الشوكي (spinal cord) وهو القسم الثاني من الجهاز العصبي المركزي فهو عبارة عن جسم أسطواني طويل يمتد في داخل القناة الفقارية (Vertebral Canal) ويبدأ من جذع المخ (Brain stem) عند العظمة القذالية (occipital bone) وينتهي عند الفقرة القطنية الثانية (second lumbar vertebrae) حيث يتفرع إلى حزمة من الأعصاب على شكل ذيل الفرس (Cauda Equina). ويبلغ معدل طوله في الإنسان 45 سم وذلك عند الرجال و43 سم عند النساء بينما يبلغ قطره ما يقرب من السنتيمتر الواحد أي بحجم الإصبع أما وزنه الكامل فهو 35 غرام تقريبا. ويقوم الحبل الشوكي بربط مراكز الدماغ بالجهاز العصبي المحيطي (peripheral nervous system) وكذلك يحتوي على مراكز الأقواس الانعكاسية  (Reflex arcs).  ويحتوي الحبل الشوكي إلى جانب ما يزيد عن ستة ملايين ليف عصبي على ما يقرب من ألف مليون عصبون. وهو مغلف بنفس الأغشية الثلاث التي تغلف المخ وهي  (spinal meninges) ومحاط أيضا بنفس السائل الذي يحيط بالدماغ وهو السائل الشوكي (Cerebrospinal fluid) ولذلك تم اعتباره جزءا من الجهاز العصبي المركزي. 

 ولقد تم حماية الحبل الشوكي بفقرات العمود الفقري (Vertebral Column) بشكل بالغ الإتقان فهو موجود في داخل عظام متحركة وذلك على العكس من الدماغ المحمي بعظام الجمجمة الثابتة. وفي هذا الحال يتطلب تصميم فقرات العمود الفقري بشكل بالغ الدقة لكي لا تقطع الحبل الشوكي أو تضغط على الأعصاب الخارجة منه عند تحرك هذه الفقرات أو عند تعرضها للضربات والصدمات والحركات العنيفة. وكما هو واضح من الشكل المرفق فإن الحبل الشوكي محمي من جهة الظهر بالأشواك العظمية الموجودة في كل فقرة  ومحمي من الجهة البطنية بجسم عظمة الفقرة وكذلك بالقرص (Disk) الموجود بين الفقرات والذي يستخدم لتسهيل حركة الفقرات وكذلك لامتصاص الصدمات بسبب مرونته.   

وإذا ما تفحصنا مقطع النخاع الشوكي نجد أنه يتكون من مادة رمادية (gray matter) على شكل حرف الهاء بالانكليزية محاطة بالمادة البيضاء (white matter) مما يعني وجود عصبونات في المادة الرمادية ومحاور عصبونات في المادة البيضاء. إن المادة الرمادية لها قرنان ظهريان (Dorsal horns) ترتبط بهما الأعصاب الشوكية الحسية وقرنان بطنيان (ventral horns) ترتبط بهما الأعصاب الشوكية الحركية. والمادة البيضاء في الحبل الشوكي هي حزم أو مسارات الألياف العصبية  التي تربط الدماغ مع بقية أعضاء الجسم وقد تم تقسيمها إلى نوعين النوع الأول حزم الألياف الصاعدة (Ascending tracts) وهي تنقل المعلومات الحسية من أعضاء الجسم إلى الدماغ والنوع الثاني حزم الألياف النازلة (Descending tracts) والتي تنقل الأوامر الحركية من الدماغ إلى أعضاء الجسم. 

وقد تمكن العلماء من رسم خرائط مفصلة لمقطع النخاع الشوكي تحدد أماكن الألياف العصبية التي تذهب إلى مختلف أجزاء الجسم. ولكن بما أن أجزاء الجسم البعيدة لا يمكن إيصال النبضات العصبية إليها من خلال محور يمتد من الدماغ إلى تلك الأجزاء فإنه يلزم إعادة توليد النبضات الكهربائية بما يسمى المرحلات العصبية (repeater) وهي خلايا عصبية تستلم النبضات من الدماغ وتعيد إرسالها من جديد. ولذلك نجد أن مساحة المادة الرمادية تكون قليلة في مناطق النخاع القريبة من الدماغ وتزداد تدريجيا كلما ابتعدت عن الدماغ وذلك على عكس المادة البيضاء. وإلى جانب المرحلات العصبية يوجد في النخاع الشوكي كما في الدماغ عصبونات مسؤولة عن رد الفعل المنعكس أو ما يسمى الأقواس الانعكاسية حيث تربط هذه العصبونات المستقبلات الحسية في الجلد وغيره من الأعضاء بالعصبونات المحركة في العضلات المختلفة وذلك بدون مرورها على الدماغ وذلك لتسريع رد الفعل لتجنيب الجسم مصادر الخطأ كتعرض الجلد للحرارة أو الأشياء الحادة وكإعادة توازن الجسم عند الإنزلاق أو غير ذلك. وإلى جانب العصبونات الموجودة في داخل النخاع الشوكي والبالغ عددها بليون عصبون يوجد عقد عصبية كثيرة تقع على السطح الخارجي لفقرات العمود الفقري وذلك لخدمة الجهاز العصبي المحيطي. 

 وقد تم تقسيم الحبل الشوكي على مدى طوله إلى واحد وثلاثين منطقة بحيث توجد منطقة واحدة في داخل كل فقرة من فقرات العمود الفقري ويتفرع من كل منطقة عصبان شوكيان يخدمان منطقة الجسم المجاورة لها. وتتفرع حزم الألياف العصبية من الحبل الشوكي إلى أعضاء الجسم من بين الفقرات على شكل أزواج أحدهما يذهب إلى يمين الجسم والآخر إلى يساره حيث يوجد واحد وثلاثين زوجا من هذه الألياف كما سنبين تفصيل ذلك لاحقا. وعندما قام العلماء بدراسة تركيب الحبل الشوكي وجدوا أن له نصفان متناظران كما هو الحال مع الدماغ حيث يخدم كل نصف منها الأعضاء الموجدة في أحد نصفي الجسم.  وقد تمكنوا  من رسم خرائط مفصلة لمقطع الحبل الشوكي تحدد مسارات الألياف العصبية الصاعدة والنازلة وكذلك المراكز العصبية الموجودة فيه.

 ويوجد في المادة البيضاء ستة أزواج من المسارات العصبية النازلة وهي أعصاب حركية بالكامل حيث يوجد في كل نصف ستة مسارات كما هي موضحة باللون الأحمر في الشكل المرفق. ويوجد كذلك في المادة البيضاء سبعة أزواج من المسارات العصبية الصاعدة وهي أعصاب حسية بالكامل حيث يوجد في كل نصف سبعة مسارات كما هي موضحة باللون الأزرق في الشكل المرفق. ويحتوي كل مسار من هذه المسارات الصاعدة والنازلة على ألياف عصبية تحمل نفس النوع من الإشارات العصبية وترتبط بنفس المركز العصبي في الدماغ. فمن المسارات الحسية الصاعدة على سبيل المثال  المسار الشوكي المخيخي ( Spinocerebellar Tract)     والذي يحمل معلومات حسية عن وضعية الجسم إلى المخيخ لضبط توازن الجسم وكذلك المسار الشوكي المهادي (Spinothalamic Tract)  والذي يحمل معلومات عن درجة حرارة الجسم إلى المهاد لتنظيم حرارة الجسم. ومن أمثلة المسارات  الحركية الهابطة  المسار القشري الشوكيCorticospinal Tract)) والذي يحمل الأوامر الحركية من القشرة الحركية إلى عضلات الجسم.

 وقد تم ترتيب الألياف العصبية في كل مسار على شكل طبقات بحيث يسهل إخراج الأعصاب الشوكية من الحبل الشوكي عند كل فقرة فأعصاب الفقرات العنقية تكون في الطبقة الأقرب من المادة الرمادية تليها الأعصاب الصدرية ثم القطنية وأخيرا العجزية. وقد يتساءل القارئ عن سبب وضع الأعصاب التي تخرج أولا في عمق الحبل الشوكي وكان الأولى أن توضع أقرب للسطح والجواب على ذلك أن الأعصاب لا بد أن تدخل المادة الرمادية قبل خروجها من الحبل الشوكي كما سنشرح ذلك بعد قليل. وكما أن المادة البيضاء مقسمة إلى مناطق فكذلك هو الحال مع المادة الرمادية فهي مقسمة إلى مناطق متعددة وهي عبارة عن مراكز عصبية  تقوم بمهام مختلفة. والمراكز العصبية تنقسم إلى نوعين رئيسين نوع حركي ترتبط به الألياف الحركية القادمة من الدماغ ونوع حسي ترتبط بها الألياف الحسية القادمة من الجسم. وكذلك يوجد في المادة الرمادية مركزان متماثلان واحد في كل نصف منها يخدمان نصفي الجسم. ومن أهم هذه المراكز المركز الحركي (Motor Nuclei) والذي يحتوي على أجسام الخلايا العصبية للألياف الحركية التي تخرج من الحبل الشوكي لتحرك العضلات والغدد. ومنها المركز الذي يربط الألياف العصبية القادمة من الدماغ  بالعقد العصبية الذاتية (Autonomic preganglionic). أما المراكز الحسية الموجودة في المادية الرمادية فهي مقسمة إلى مراكز بعضها يرتبط بالألياف الناقلة لإشارات الألم وبعضها لإشارات اللمس وكذلك الضغط والحرارة وغيرها كما هو مبين في الشكل المرفق. 

 أما المعجزة الكبرى في النظام العصبي الطرفي فهي الطريقة التي يتم من خلالها توزيع هذه الملايين من الألياف العصبية الموجودة في الحبل الشوكي على جميع أنحاء الجسم بحيث يصل كل ليف عصبي إلى هدفه المنشود. وبما أن معظم أعضاء الجسم تحتاج لمعظم أنواع الأعصاب القادمة أو الذاهبة إلى الدماغ فإنه يلزم توجيه ألياف عصبية بأعداد محددة من جميع المسارات الحركية والحسية الموجودة في الحبل الشوكي إلى مخارجها. وتتم عملية التوزيع عند كل فقرة من فقرات العمود الفقري  حيث يخرج من القرنين الظهريين جذران من الأعصاب الحسية أحدهما يذهب إلى يمين الجسم والأخر إلى يساره ويخرج كذلك من القرنين البطنيين جذران من الأعصاب الحركية. وبمجرد خروج هذه الجذور من الحبل الشوكي يتحد الجذر الحسي مع الجذر الحركي في كل جانب ليكونا زوجين من الأعصاب الشوكية المختلطة أحدهما يذهب إلى يمين الجسم والأخر إلى يساره.  وتوجد أجسام عصبونات الألياف الحركية في داخل المادة الرمادية للحبل الشوكي وترتبط زوائدها المرتبطة بجسمها بنهايات الألياف القادمة من الدماغ بينما ترتبط زوائدها الشجرية الموجودة عند نهاية الليف العصبي الحركي بالعضلات والغدد أي أن عصبوناتها من النوع متعدد القطبية (mulipolar). أما أجسام عصبونات الألياف الحسية فهي موجودة في عقد خارج الحبل الشوكي تسمى عقد الجذر الظهري (Dorsal root ganglion)  وترتبط زوائدها الشجرية القريبة بنهايات الألياف القادمة من الدماغ  بينما ترتبط زوائدها الشجرية البعيدة بالمستقبلات الحسية المنتشرة في الجسم وعصبوناتها من النوع أحادي القطبية (Unipolar).

 وإلى جانب هذه المرحلات العصبية يوجد في الحبل الشوكي عصبونات متعددة القطبية أو ثنائية القطبية (Bipolar) تسمى العصبونات البينية (Interneurons) تستخدم لأغراض متعددة كربط بعض الأعصاب الموجودة في مسارات الحبل الشوكي مع الأعصاب الخارجة منه وربط عصبونات المستقبلات الحسية في الجلد وغيره من الأعضاء بالعصبونات الحركية في العضلات والغدد وذلك بدون مرورها على الدماغ أو ما يسمى الأقواس الانعكاسية  (Reflex arcs) وذلك لتسريع رد فعل الجسم على المثيرات الخارجية أو الداخلية وذلك لتجنيب الجسم من مصادر الخطر المختلفة كتعرض الجلد للحرارة أو الأشياء الحادة وكإعادة توازن الجسم عند الإنزلاق أو غير ذلك. ويوجد نوعان من  هذه الأقواس وهي الأقواس الانعكاسية  الجسدية (somatic reflex arc) والأقواس الانعكاسية الذاتية (autonomic reflex arc) فالنوع الأول بسيط التركيب حيث ترتبط عصبونات المستقبلات الحسية مع العصبونات الحركية من خلال عصبون بيني موجود في داخل المادة الرمادية للحبل الشوكي وعندما يتعرض المستقبل الحسي لمؤثر خارجي فإن إشارته تذهب مباشرة للعصبون الحركي فيحرك عضلة أو أكثر في منطقة المستقبل الحسي. فعلى سبيل المثال عندما يتعرض الجلد في بعض أعضاء الجسم لحرارة عالية أو وخز مفاجئ فإن عضلات تلك المنطقة تنقبض بحيث تبعد ذلك العضو عن مصدر الخطر. أما النوع الثاني فهو أشد تعقيدا ويستخدم في النظام العصبي الذاتي حيث يلزم معالجة الإشارات القادمة من المستقبلات الحسية في عقد النظام الذاتي وليس في الدماغ ثم تخرج إشارات التحكم من هذه العقد لتحرك العضلات أو الغدد في العضو المعني ومن أمثلة ذلك المنعكسات الموجودة في العين كالمنعكس الضيائي (Light reflex)  ومنعكس التكيف (Accommodation Reflex)  أو غير ذلك  من المنعكسات.  

  

وبعد تفرع الجذرين الحركي والحسي من الحبل الشوكي واتحادهما خارجه ليكونا عصبا شوكيا مختلطا واحدا فإنه يخرج من فتحة جانبية في الفقرة وتبدأ عمليات توزيع الألياف العصبية لتصل إلى أماكن عملها. إن أول عمليات التوزيع تتم بربط الأعصاب الشوكية بالنظام العصبي الذاتي حيث يخرج من العصب الشوكي بعد خروجه مباشرة من الفقرة فرعان صغيران يرتبطان بالعقدة العصبية الودية المجاورة. فالفرع الأول هو الفرع الأبيض (White ramus) والذي سمي بذلك لأن الأعصاب فيه مغطاة بطبقة المايلين البيضاء وهو يحتوي على ألياف عصبية قادمة من الدماغ عبر الحبل الشوكي خاصة بالنظام العصبي الذاتي. وأما الفرع الثاني فهو الفرع الرمادي(Gray ramus ) وأعصابه غير مغطاة فتبدو رمادية اللون ويحتوي على ألياف عصبية تخرج من العقدة العصبية الذاتية وتذهب إلى أعضاء الجسم من خلال العصب الشوكي. ويتضح من الشكل المرفق أن هناك سبعة أنواع من الأعصاب من حيث مساراتها اثنان منها فقط جسدية (Somatic) أحدهما حسي وآخر حركي أما الخمسة المتبقية فهي أعصاب ذاتية (Autonomous) منها اثنان حسيان وثلاثة حركية. فالعصبان الحسيان اللذان يخرجان من الجذر الحسي للحبل الشوكي يمران على العقدة العصبية الودية فيعود أحدهما إلى العصب الشوكي عبر الفرع الرمادي بينما يبقى الآخر داخل النظام الذاتي وأما الأعصاب الحركية الثلاث فتمر على نفس العقدة فيعود واحد منها إلى العصب الشوكي عبر الفرع الرمادي ويبقى الآخران داخل النظام الذاتي. إن العصب الشوكي الواحد يحتوي على عشرات الآلاف من الألياف العصبية من جميع هذه الأنواع السبعة وللقارئ أن يتخيل مدى الدقة اللازمة لتوزيع هذا العدد الكبير من الألياف بحيث يذهب كل ليف في مساره الصحيح ثم يرتبط بمكون محدد كمستقبل حسي أو ليف عضلي أو غدة.

الجهاز العصبي المحيطي

أما القسم الثاني من الجهاز العصبي فهو الجهاز العصبي المحيطي (Peripheral Nervous System) وهو كل ما يقع خارج الجمجمة والحبل الشوكي من مكونات عصبية وهي الألياف العصبية (Nerves) والعقد العصبية (Ganglia) والظفائر العصبية (plexuses) والمستقبلات الحسية (Sensory receptors) والمحركات العصبية (Motors). وينقسم الجهاز العصبي المحيطي إلى قسمين رئيسين وهما الجهاز العصبي الجسدي (somatic nervous system) والجهاز العصبي الذاتي (autonomic nervous system). فالجهاز العصبي الجسدي يقوم بنقل الإشارات الحسية (sensation signals) من الحواس الخمس ومن بقية أعضاء الجسم إلى الدماغ وكذلك نقل إشارات التحكم من الدماغ إلى العضلات  الإرادية (voluntary actions). وأما الجهاز العصبي الذاتي فيقوم بضبط عمل معظم أجهزة الجسم بطريقة ذاتية أي أتوماتيكية (automatic) ولا يمكن للإنسان أن يتدخل أو أن يتحكم بخطوات عمل هذه الأجهزة إلا في حالات معينة وبشكل جزئي كإيقاف التنفس لفترة محددة. وينقسم الجهاز العصبي الذاتي بدوره إلى قسمين وهما الجهاز العصبي الودي (sympathetic nervous system) والذي يعمل فقط عند تعرض الجسم لحالات الخطر والجهاز العصبي اللاودي (parasympathetic nervous system) والذي يعمل في الوضع الطبيعي للجسم. ويتحكم الجهاز العصبي الذاتي بالجهاز الدوراني فيحدد معدل دقات القلب وضغط الدم من خلال العضلات الملساء المبطنة للأوردة والشرايين وفي الجهاز التنفسي يحدد معدل التنفس واتساع القصبات الهوائية. ويقوم بالتحكم بحركة العضلات الملساء وإفرازات الغدد في  الجهاز الهضمي والتحكم بدرجة حرارة الجسم ومعدل الماء والسكر والأملاح في الدم والتحكم بإفرازات الهرمونات وغير ذلك الكثير.  

الألياف العصبية 

إن مما يدل على أن هذا النظام العصبي قد صمم من قبل خالق عليم قدير سبحانه وتعالى هو في عبقرية الطريقة المستخدمة في تمديد الألياف العصبية من مراكز التحكم في الدماغ إلى أماكن تأثيرها في جميع أنحاء الجسم. فعندما تخرج هذه الألياف من المراكز العصبية يتم تجميعها على شكل حزم وبدون تغليف طالما هي في داخل الدماغ والحبل الشوكي وذلك لكي لا يزداد الحيز الذي تحتله فيهما. وقد تم تحديد مسارات خاصة لكل حزمة في الحبل الشوكي لكي لا تختلط الأنواع المختلفة من الألياف ببعضها كما شرحنا ذلك آنفا. ولكن بمجرد خروج هذه الألياف من الحبل الشوكي فإنه يتم تغليفها على شكل كيبلات يسهل تمديدها بين أعضاء الجسم المختلفة لكي تصل إلى أهدافها بسهولة ولحماية الألياف العصبية من التلف. وغالبا ما يحتوي الكيبل الرئيسي على كيبلات أصغر حجما يحتوي كل منها على ألياف عصبية من نفس النوع مما يسهل من عملية توزيع الألياف على أعضاء الجسم. ويوجد أربع مستويات من التغليف أولها تغليف المحور العصبي  أو الليف العصبي (axons) بطبقة المايلين الدهنية (Myelin sheath) والتي تزيد من سرعة انتشار النبضات الكهربائية في الليف.  أما المستوى الثاني فهو تغليف الليف بنسيج ضام (Endoneurium)  ومن ثم يتم تجميع الألياف على شكل حزم (Fascicles) كل حزمة تحتوي في الغالب على نفس النوع من الألياف ويتم تغليفها ثالثا بنسيج ضام آخر (Perineurium) ومن ثم أخيرا يتم تغليف جميع الحزم بنسيج ضام رئيسي (Epineurium).  ويحتوي الكيبل العصبي إلى جانب الألياف العصبية على شرايين وأوردة لتغذية المحاور والزوائد الشجرية بما تحتاجه من غذاء. 

وقد صنف العلماء الألياف العصبية من حيث وظيفتها وقطرها وسرعة انتشار النبضات فيها إلى أنواع متعددة مع العلم أن سرعة الانتشار تزداد مع زيادة قطر الليف العصبي. فمن حيث الوظيفة يوجد ألياف حركية وألياف حسية وألياف ذاتية  فالألياف الحركية لها نوعان وهما نوع ألفا  (α) الذي يتراوح قطره بين 13 و 20 ميكرومتر وسرعة انتشاره تتراوح بين 80 و 120 متر في الثانية ونوع جاما (α) الذي يتراوح قطره بين 5 و 8 ميكرومتر وسرعة انتشاره تتراوح بين 4 و 24 متر في الثانية. أما الألياف الحسية فهي أربعة أنواع فالنوع الأول هو نوع ألفا  (Aα) الذي يتراوح قطره بين 13 و 20 ميكرومتر وتتراوح  سرعة انتشاره بين 80 و 120 متر في الثانية ويستخدم بشكل رئيسي لنقل الإشارات الحسية من المغازل العضلية (muscle spindle). أما النوع بيتا (Aβ)  فيتراوح قطره بين 6 و 12 ميكرومتر وتتراوح  سرعة انتشاره  بين 30 و 80 متر في الثانية ويستخدم لنقل الإشارات الحسية في معظم المستقبلات الميكانيكية (mechanoreceptors).  وأما النوع دلتا (Aδ) فيتراوح قطره بين 1 و 5 ميكرومتر وتتراوح  سرعة انتشاره بين 5 و 30 متر في الثانية ويستخدم لنقل الإشارات الحسية في مستقبلات اللمس والحرارة.  أما النوع سي (C) فيتراوح قطره بين 0.2 و 1.5 ميكرومتر وتتراوح  سرعة انتشاره  بين 0.5 و 2  متر في الثانية بسبب أنه غير معزول بطبقة المايلين الدهنية كما في الأنواع الأخرى ويستخدم في الألياف القصيرة. أما الألياف الذاتية فمنها نوعان وهما نوع بي (B)  الذي يتراوح قطره بين 1 و 5 ميكرومتر وسرعة انتشاره تتراوح بين 3 و 15 متر في الثانية ويستخدم في ألياف ما قبل العقدة (Preganglionic fibers)  ونوع سي (C) فيتراوح قطره بين 0.2 و 1.5 ميكرومتر وتتراوح  سرعة انتشاره بين 0.5 و 2  متر في الثانية ويستخدم في ألياف ما بعد العقدة (Postganglionic fibers). 

وهناك نوعان رئيسيان من الألياف العصبية من حيث الوظيفة  فالنوع الأول هي الألياف الحسية التي تنقل الإشارات العصبية التي تنتجها المستقبلات الحسية المختلفة  الموجودة في الجسم إلى الجهاز العصبي المركزي أما النوع الثاني فهي الألياف الحركية والتي تنقل الإشارات العصبية من الجهاز العصبي المركزي إلى العضلات والغدد. وقد تم تقسيم الألياف العصبية من حيث مكان خروجها أيضا إلى قسمين  فالقسم الأول يخرج من الجمجمة وهي ترتبط بالدماغ وعددها اثنا عشر زوجا  وتسمى الأعصاب الجمجمية أو الدماغية ويذهب أغلبها إلى الحواس والعضلات الموجودة في الرأس والرقبة والقسم الثاني يخرج من الحبل الشوكي وعددها واحد وثلاثين زوجا وتسمى الأعصاب الشوكية وتذهب إلى بقية أعضاء الجسم.

الأعصاب القحفية

تخرج الأعصاب الدماغية أو القحفية (Cranial Nerves)  على شكل أزواج من جذع الدماغ حيث يخرج من النخاع المستطيل ستة منها ومن الجسر أربعة ومن الدماغ الأوسط اثنان وهما الشمي والبصري. وتتكون الأعصاب الدماغية الأثنا عشر من عصبين حسيين وخمسة أعصاب حركية وأربعة أعصاب مختلطة تحتوي على أعصاب حسية وحركية. فالعصبان الحسيان هما العصب الأول  (الشمي Olfactory Nerve) وهو المسؤول بالكامل عن حاسة الشم حيث يقوم بنقل الإشارات العصبية من عشرة ملايين خلية شمية موزعة على رقعتين من النسيج الشمي موجودتين في سقف التجويف الأنفي ويوجد ما يقرب من ألف نوع من خلايا الشم الحساسة لمختلف أنواع المواد الكيميائية قادرة على تمييز ما يزيد عن عشرة آلاف رائحة مختلفة.  أما العصب الحسي الثاني  فهو البصري (Optic Nerve) وهو المسؤول عن حاسة البصر حيث يبلغ عدد الخلايا الحساسة للضوء في شبكية كل عين ما يقرب من 130 مليون خلية منها خمسة ملايين من المخاريط الحساسة للألوان الأساسية الثلاث والبقية من العصي الحساسة لشدة الضوء. وتجتمع الألياف الخارجة من الشبكية بعد مرورها بالعقدة العصبية الشبكية لتخرج على شكل كيبل يتكون من مليون ومائتي ألف ليف عصبي وهو أكبر الألياف العصبية في الجسم.  وأما الأعصاب الحركية فهي العصب الثالث (البصري الحركي Oculomotor Nerve) وهو المسؤول عن حركة عضلات العين الداخلية والعضلة الرافعة للجفن العلوي وحدقة وعدسة العين والغدد الدمعية وهو يتكون من ثلاثين ألف ليف والعصب الرابع (البكري Trochlear Nerve) وهو المسؤول عن حركة العضلة المائلة العلوية لكرة العين ويتكون من ثلاثة آلاف ليف والعصب السادس )المبعد Abducent Nerve)  وهو المسؤول عن حركة عضلة العين الوحشية المستقيمة ويتكون من أربعة آلاف ليف والعصب الحادي عشر (العصب الشوكي الإضافي  Spinal Accessory Nerve) وهو المسؤول عن حركة بعض عضلات الرقبة والعصب الثاني عشر (تحت اللساني Hypoglossal Nerve) وهو المسؤول عن حركة اللسان.  وأما الأعصاب المختلطة فهي العصب الخامس (ثلاثي التواؤم Trigeminal Nerve )  وهو المسؤول عن حركة العضلات الماضغة  والغشاء المخاطي للفم والأنف وفيه جذر حسي ينقل أحاسيس الوجه والأسنان ويتكون من ثمانية آلاف ليف والعصب السابع (العصب الوجهي Facial Nerve) وهو المسؤول عن حركات عضلات الوجه وفروة جبهة الرأس والغدة اللعابية وفيه جذر حسي لحاسة التذوق في مقدمة اللسان ويتكون من عشرة آلاف ليف. وفي حاسة التذوق يوجد عشرة آلاف برعم تذوق غالبيتها موجودة على سطح اللسان والبقية في اللهاة وجوانب الفم ويوجد ما بين 50 و 150 مستقبل تذوق على كل برعم وهي مقسمة إلى أربعة أنواع تستجيب للحلاوة والملوحة والحموضة والمرارة.  والعصب الثامن (السمعي  Vestibulocochlear Nerve ) وهو المسؤول عن كل من حاستي السمع ونظام توازن الجسم حيث يبلغ عدد الخلايا الشعرية الحساسة لحركة سائل القوقعة ما يقرب من 20 ألف تمر الألياف الخارجة منها على عقدة عصبية تقع بجوار القوقعة ثم تخرج في كيبل يحتوي على 30 ألف ليف عصبي.  والعصب التاسع (اللساني البلعومي Glossopharyngeal Nerve) وهو المسؤول عن حركة إحدى عضلات البلعوم وحاسة التذوق في الثلث الأخير من اللسان. والعصب العاشر (الحائر Vagus Nerve) وهو العصب الجمجمي الوحيد الذي يخدم منطقة تقع خارج الرأس والرقبة فهو يذهب إلى القلب والرئتين والحنجرة وبقية الأحشاء الداخلية وهو أحد الأعصاب اللاودية. 

الأعصاب الشوكية

أما الأعصاب الشوكية (Spinal nerves) فيبلغ عددها 31 زوجا وهي تتفرع من جانبي الحبل الشوكي من بين فقرات العمود الفقري حيث يخرج من جانبي كل فقرة عصب يخدم منطقة الجسم المجاورة لها وهي ثمانية أزواج عنقية واثنا عشر زوجا صدريا وخمسة أزواج قطنية وخمسة أزواج عجزية وزوج واحد عصعصي. وجميع الأعصاب الشوكية من النوع المختلط حيث يتفرع من الحبل الشوكي جذران أحدهما حسي وهو الجذر الظهري أي من جهة الظهر وآخر حركي وهو الجذر البطني ثم يتحدان بعد خروجهما ليكونا عصبا واحدا يخرج من بين فقرات العمود الفقري ثم يتفرقان عند وصولهما إلى العضو أو الأعضاء التي تخدمها. وتصنف الأعصاب الشوكية إلى نوعين فالنوع الأول هي الأعصاب الجسدية  وهي مكونة من أعصاب حركية مسؤولة عن حركة العضلات الإرادية  والتي تنتشر في عضلات هيكل الجسم ومن أعصاب حسية والتي تنتشر في جميع أنحاء الجلد. أما النوع الثاني فهي أعصاب النظام العصبي الذاتي أو اللاإرادي وهي مسؤولة عن العمليات اللاإرادية في أعضاء الجسم الداخلية كتحريك عضلات القلب والرئتين والحجاب الحاجز والمعدة والأمعاء والأوعية الدموية والأعضاء التناسلية والتحكم بإفرازات الغدد بمختلف أنواعها. 

والنظام العصبي الذاتي  ينقسم بدوره إلى نوعين وهما النظام العصبي الودي (Sympathetic Nervous System) وهو الذي يستثير الأعضاء لتعمل بأقصى جهد ممكن عند مواجهة الأخطار كزيادة دقات القلب وزيادة إفراز السكر من الكبد والأنسولين من البنكرياس وبعض أنواع الهرمونات وتوسيع شرايين القلب والرئة والدماغ وتضييق شرايين الجلد وبقية الأعضاء  وتوسيع حدقة العين والشعب الهوائية وتقليل إفرازات اللعاب والمعدة وزيادة الانتباه.  وأما النوع الثاني فهو النظام العصبي غير الودي (Parasympathetic Nervous System) وهو على عكس النوع الأول  يعمل على تهدئة الأعضاء المثارة لتعود لتعمل بشكل طبيعي فتقل دقات القلب ويزيد إفراز الغدد اللعابية وتزداد حركة الأمعاء و توسع الأوعية الدموية في الجلد ويرتخي صمام المثانة البولية وتضيق حدقة العين. وتخرج الأعصاب الودية أو ما يسمى بأعصاب ما قبل العُقدة الودية (Preganglionic Sympathetic Nerves)   من القرن الجانبي للحبل الشوكي ابتداء من الفقرة الصدرية الأولى وينتهي خروجها عند الفقرة القطنية الثانية.  وبعد خروج الأعصاب الودية من الحبل الشوكي فإنها ترتبط بعُقد عصبية متصلة ببعضها البعض على شكل سلسلتين تقعان على جانبي العمود الفقاري تسميان السلاسل الودية (Sympathetic Chains)  ومن هاتين السلسلتين تنشأ  أعصاب ما بعد العقدة الودية (Postganglionic Sympathetic Nerves) والتي تغذي كامل أعضاء الجسم. ويبلغ عدد عقد السلسلة الودية الواحدة 22 عقدة منها ثلاثة عنقية وإحدى عشرة عُقدة صدرية وأربعة قطنية وأربعة عجزية. وتتحد السلسلتان مع بعضهما عند أسفلهما أمام العصعص مكونتان عقدة مشتركة تسمى العقدة (ganglion impar). إن اختيار هذا الموقع للعقد اللاودية لم يأتي اعتباطا فإلى جانب حمايتها بعظام الفقرات فإن الألياف الخارجة منها والداخلة إليها يتم دمجها داخل الأعصاب الشوكية وذلك لتقليل عدد الأعصاب الذاهبة والقادمة من أعضاء الجسم كما هو واضح في الشكل المرفق.

 أما الأعصاب اللاودية فتخرج من الحبل الشوكي عند الفقرات العجزية الثانية والثالثة والرابعة و كذلك توجد في الأعصاب القحفية الثالث و السابع و التاسع و العاشر كما هو واضح في الشكل المرفق. وتحتوي العقد الموجودة في الجهاز العصبي الذاتي على برامج عصبية تعمل بشكل مستقل ومتواصل دون الحاجة لأوامر من الدماغ في الوضع الطبيعي. فعلى سبيل المثال فإن القلب يتم التحكم به بشكل رئيسي من إشارات تصدر من عدة عقد موجودة  في جدرانه (Heart Ganglia) ولكن يتم ربطه بالنظام العصبي المركزي من خلال النظام العصبي الذاتي وذلك لكي ينم التحكم به جزئيا بما يتماشى مع حالة أجهزة الجسم الأخرى من خلال الأعصاب الودية وغير الودية. وكذلك هو الحال مع الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي فهي تعمل تحت سيطرة البرامج المخزنة في العقد العصبية المزروعة في جدرانها ولا يتدخل النظام العصبي المركزي إلا في الحالات الطارئة فقد يوقف النظام العصبي الودي حركة المعدة وإفرازاتها في حالة تعرض الإنسان للخطر ويوجه الطاقة إلى عضلات الجسم والدماغ وذلك لمواجهة الخطر.

العقد العصبية 

أما العقد العصبية (Ganglia) فتعمل في الجهاز المحيطي كمراكز عصبية تقوم بمعالجة الإشارات العصبية الذاهبة أو القادمة من مختلف أعضاء الجسم وقد تم توزيعها في أنحاء الجسم لسببين أولهما تقليل حجم الدماغ وتخفيف العبء عليه وثانيها لتكون قريبة من الأعضاء التي تعالج معلوماتها فتصل الإشارات إليها بأسرع مما لو أنها كانت في الدماغ وكذلك لتقليل عدد الألياف الذاهبة إلى الدماغ. وهناك أنواعا مختلفة من العقد العصبية فالعقد الموجودة في الحواس الخمس تقوم باستلام الإشارات العصبية من المستقبلات الحسية وتقوم بمعالجتها معالجة مبدئية قبل إرسالها إلى الدماغ وذلك لتقليل عدد الألياف الذاهبة إلى الدماغ. وتقع عقد حواس البصر والسمع والشم والذوق بالقرب من مستقبلاتها الحسية بينما تقع عقد حاسة اللمس على الجذور الظهرية للأعصاب الشوكية أي بجوار العمود الفقري. والعقد المستخدمة في حركة العضلات الإرادية تحتوي على برامج تحدد سلسلة حركة العضلات عند القيام بوظيفة معينة وكل ما تحتاجه من الدماغ إشارة البدء لتنفيذ المهمة. أما العقد الموجودة في الجهاز العصبي اللإرادي أو الذاتي فتحتوي على برامج تعمل بشكل مستقل ومتواصل دون الحاجة لأوامر من الدماغ وهي نوعان فالنوع اللاودي توجد عقده العصبية في جدار العضو المتحكم به أو قريبا منه أما النوع الودي فتوجد عقده على سطح الجدار الخارجي للعمود الفقري وهي على شكل انتفاخات في الحبلان العصبيان اللذان يمتدان على طول الحبل الشوكي حيث يوجد عقدتين على جانبي كل فقرة. إن اختيار هذا الموقع للعقد اللاودية لم يأتي اعتباطا فإلى جانب حمايتها بعظام الفقرات فإن الألياف الخارجة منها والداخلة إليها يتم دمجها داخل الأعصاب الشوكية  وذلك لتقليل عدد الأعصاب الذاهبة والقادمة من أعضاء الجسم كما هو واضح في الشكل المرفق.  

الظفائر العصبية 

 أما الضفائر العصبية (plexuses) فتقوم  بإعادة ترتيب الألياف العصبية الموجودة في عدد من الأعصاب الشوكية لتخرج في عدد آخر من الأعصاب قد تحمل نفس النوع من الأعصاب أو أنها تحمل أعصابا ذاهبة إلى نفس المنطقة في الجسم كالأيدي والأرجل. ويوجد في الجسم عدد كبير من هذه الضفائر إلا أن خمسة أزواج منها هي الأكبر  وهي الضفيرة العنقية (Cervical plexuses) والضفيرة العضدية (Brachial plexuses)  والضفيرة القطنية (Lumbar plexuses) والضفيرة العجزية (Sacral plexuses) والضفيرة العصعصية (Coccygeal plexuses).  وكل ظفيرة من هذه الضفائر تخدم منطقة الجسم المجاورة لها فعلى سبيل المثال فإن كل ظفيرة من الضفيرتين العضديتين تخدم إحدى الأيدي حيث يدخل إليها خمسة أعصاب شوكية أربعة منها تخرج من بين فقرات العنق الأخيرة والخامس من الفقرة الصدرية الأولى ويتم إعادة ترتيب الألياف ألعصبية الموجودة في هذه  الأعصاب الخمسة لتخرج في خمسة أعصاب وهي  العصب الأبطي (Axillary nerve)  والعصب الكعبري (Radial nerve)   والعصب الوسطي ( (Median nerve والعصب العضلي الجلدي (( Musculo cutaneous nerve والعصب الإنسي الجلدي (Medial cutaneous nerve). 

أما المرحلة الأخيرة من عملية التوزيع فهي توزيع  الألياف العصبية الموجودة في الأعصاب على المناطق التي تخدمها. فعلى سبيل المثال فإن عضلات العين تحتاج لتحريكها ثلاثة أعصاب وهي العصب الثالث (محرك العين) والذي يحرك عضلات العين الداخلية والعضلة الرافعة للجفن العلوي وحدقة وعدسة العين وهو يتكون من ثلاثين ألف ليف والعصب الرابع (البكري) والذي يحرك العضلة المائلة العلوية لكرة العين ويتكون من ثلاثة آلاف ليف والعصب السادس )المبعد)  والذي يحرك عضلة العين الوحشية المستقيمة ويتكون من أربعة آلاف ليف. إن عملية توزيع ما يقرب من أربعين ألف ليف عصبي على عضلات العين المختلفة يجب أن تتم بمنتهى الدقة فأخطاء بسيطة في عملية التمديد قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. ويزداد الأمر تعقيدا عندما نعلم أن هذه الألياف يجب أن يمر بعضها على عقدة عصبية (Ciliary Ganglion) ترتبط بأحد ظفائر النظام العصبي الودي كما هو واضح في الشكل المرفق. ومن المؤسف أن الإنسان لا يقدر نعمة تحريك عينيه في كل اتجاه بكل سهولة ويسر وبمجرد أن نعطيها الأمر لفعل ذلك بينما يقف وراء عملية التحريك هذه أنظمة بالغة التعقيد أقل ما فيها تعقيدا هو تمديد هذه الآلاف من الألياف العصبية أما البرامج المسؤولة عن توليد وإرسال الإشارات العصبية لهذه العضلات والموجودة في مراكز التحكم في الدماغ وفي العقد العصبية فإن فيها من التعقيد ما فيها ولا زال العلماء يجهلون كثيرا من أسرار عملها. 

المستقبلات الحسية

وأما المستقبلات الحسية (Sensory receptors) فهي خلايا عصبية حسية (sensory (afferent) neurons) يوجد على زوائدها الشجرية مستقبلات تستجيب لأنواع مختلفة من المؤثرات (stimulus) وتقوم بتوليد نبضات عصبية يتناسب ترددها مع شدة المؤثر. فالمستقبلات الضوئية (photoreceptors) تستجيب لشدة الضوء وكذلك ألوانه وتستخدم في حاسة البصر والمستقبلات الميكانيكية (mechanoreceptors) تستجيب للاهتزازات الميكانيكية وتستخدم في حاسة السمع ونظام حفظ توازن الجسم وفي العضلات. والمستقبلات الحرارية  (Thermoreceptors) تستجيب لدرجة الحرارة وتستخدم في تنظيم درجة حرارة الجسم والمستقبلات الكيميائية (Chemoreceptors) تستجيب لأنواع مختلفة من الجزيئات وتستخدم في حاستي الذوق والشم وفي تنظيم العمليات الحيوية في داخل الجسم. ومستقبلات الضغط (Baroreceptors) تستجيب للضغط الواقع عليها وتستخدم في حاسة اللمس والمستقبلات الأسموزية (Osmoreceptors) تستجيب للضغط الأسموزي لسوائل الجسم وتستخدم في تنظيم مستوى السوائل في الجسم. ومستقبلات الألم (Nociceptors) تستجيب لأي تخريب يصيب خلايا الجسم ومستقبلات الاندفاع (Proprioceptors) تستجيب لسرعة حركة الجسم. 

 إن محاور خلايا المستقبلات الحسية لا تذهب مباشرة إلى الدماغ بل تمر على عقد عصبية في الجهاز العصبي المحيطي تقوم بمعالجة الإشارات التي تصلها معالجة مبدئية وذلك لتقليل عدد الألياف العصبية الذاهبة إلى الدماغ وكذلك لتخفيف العبء عليه. ففي حاسة البصر يبلغ عدد الخلايا الحساسة للضوء في شبكية كل عين ما يقرب من 130 مليون خلية منها خمسة ملايين من المخاريط بأنواعها الثلاثة والحساسة للألوان الأساسية الثلاث والبقية من العصي الحساسة لشدة الضوء. وتجتمع الألياف الخارجة من الشبكية عند العقدة العصبية الشبكية والتي تحتوي على ما يقرب من مليون عصبون ومن ثم تنقل إلى القشرة البصرية في المخ والتي تحتوي على 550 مليون عصبون باستخدام العصب البصري الذي يحتوي على ما يزيد عن مليون ليف عصبي. وفي حاسة السمع يبلغ عدد الخلايا الشعرية الحساسة لحركة سائل القوقعة ما يقرب من 20 ألف تمر الألياف الخارجة منها والبالغ عددها 30 ألف ليف على عقدة عصبية تقع بجوار القوقعة وتحتوي على ما يقرب من 10 آلاف عصبون ومن ثم تنقل إلى القشرة السمعية في المخ والتي تحتوي على 100 مليون عصبون.  وفي حاسة الشم يوجد عشرة ملايين خلية شم موزعة على رقعتين من النسيج الشمي موجودتين في سقف التجويف الأنفي والتي لا تتجاوز مساحة كل منهما سنتيمتر مربع واحد. ويوجد ما يقرب من ألف نوع من خلايا الشم الحساسة لمختلف أنواع المواد الكيميائية وهي قادرة على تمييز ما يزيد عن عشرة آلاف رائحة مختلفة. وفي حاسة الذوق يوجد عشرة آلاف برعم تذوق غالبيتها موجودة على سطح اللسان والبقية في اللهاة وجوانب الفم ويوجد ما بين 50 و 150 مستقبل تذوق على كل برعم وهي مقسمة إلى أربعة أنواع تستجيب للحلاوة والملوحة والحموضة والمرارة. وفي حاسة اللمس يوجد ما يقرب من عشرين نوعا من الخلايا الحسية مدفونة على أعماق مختلفة من الجلد تستجيب لأنواع مختلفة من المؤثرات كالسخونة والبرودة والخشونة والنعومة والصلابة والطراوة والرطوبة والجفاف والضغط المتقطع والمتواصل ومعدل التغير في درجة الحرارة والضغط والألم. وقد قدر العلماء عدد المستقبلات الحسية في الجلد بخمسة ملايين ثلاثة أرباعها من حساسات الألم. وإلى جانب المستقبلات الحسية الموجودة في الحواس الخمس يوجد في الجسم أنواع أخرى من الحساسات كالحساسات الكيميائية الموزعة في مختلف أجهزة الجسم تعمل على ثبات تركيز مختلف أنواع المواد الكيميائية ضمن حدود معينة وكالحساسات الميكانيكية الموجودة في المفاصل والعضلات التي تذهب إشاراتها إلى نظام حفظ توازن الجسم وغالبا ما تستخدم هذه الحساسات في تشغيل أنظمة التغذية الراجعة المستخدمة في كثير من أجهزة الجسم.

   

العصبونات المحركة

تقوم العصبونات المحركة أو الخارجة (Motor or efferent Neurons)  بنقل إشارات التحكم (control signals) من الجهاز العصبي المركزي وكذلك من العقد العصبية في الجهاز العصبي الطرفي إلى خلايا الجسم المتحكم بها (effector cells). وتوجد الخلايا المتحكم بها في جميع أجهزة الجسم وخاصة الجهاز العضلي والدوري والهرموني والهضمي والتنفسي والبولي. ويوجد نوعان من الخلايا المتحكم بها  وهي الخلايا أو الألياف العضلية (muscle fiber)  في العضلات والخلايا الإفرازية (secretion cells) في  الغدد (glands). ففي الخلايا العضلية ترتبط الزوائد الشجرية للعصبون المحرك بأماكن مختلفة من الليف العضلي والذي ينقبض عند وصول النبضة العصبية كما شرحنا ذلك في الجهاز العضلي. وتوجد معظم أجسام العصبونات المحركة في الحبل الشوكي وفي النخاع المستطيل وذلك لتقليل طول المحور الذي يربطها بالخلايا المتحكم بها وهي ترتبط بالعصبون الذي يوجد جسمه في المراكز العصبية الحركية الموجودة في الدماغ. 

المراكز العصبية في الدماغ

يقوم الدماغ بوظائفه من خلال مراكز عصبية موزعة على أجزائه المختلفة ويعتمد عدد الخلايا العصبية الموجودة في كل مركز من هذه المراكز وطريقة توصيلها ببعضها البعض على طبيعة الوظيفة المنوطة بكل منها . ولقد تمكن العلماء من تحديد معظم الأماكن التي تحتلها هذه المراكز باستخدام طرق مختلفة كإجراء التجارب على الحيوانات أو على الأشخاص الذين أصيبوا بضرر في بعض أجزاء أدمغتهم أو من خلال مراقبة النشاط الكهربائي للدماغ بأجهزة تصوير مختلفة لأشخاص سليمين عند قيامهم بمهام مختلفة. وبما أن أكبر أجزاء الدماغ وهما المخ والمخيخ مكونان من نصفين متماثلين  فقد وجد العلماء أن المراكز العصبية فيهما تتكرر في كل نصف وتحتل نفس المواقع وكل نصف من الدماغ مسؤول عن الإحساس أو التحكم في أعضاء نصف الجسم المعاكس له أي أن نصف الدماغ الأيمن يتحكم أو يحس بنصف أعضاء الجسم الأيسر والعكس للنصف الثاني باستثناء بعض الحالات. ولقد قسم العلماء الدماغ إلى قسمين من حيث طبيعة الوظيفة التي يقوم بها وهو الدماغ اللاوعي والذي يتكون من المخ البيني وجذع المخ والمخيخ  والدماغ الواعي والذي يتكون من المخ فقط. 

وبما أن أحد أهم وظائف الدماغ اللاوعي هو تنظيم عمل أجهزة جسم الإنسان فقد وجد العلماء أن المراكز المسؤولة عن ذلك لا تختلف من حيث تركيبها ومن حيث الأماكن التي تحتلها عن تلك الموجودة في أدمغة بقية الحيوانات وخاصة الثدييات وذلك للتشابه الكبير في تركيب أجسامها مع تركيب جسم الإنسان. فهذا الجزء اللاواعي أو الغريزي  من الدماغ مسؤول عن الحركات اللاإرادية وتنظيم العمليات الحيوية لمختلف أعضاء الجسم  باستخدام أنظمة التغذية الراجعة من خلال ملايين الأعصاب التي ترتبط بمختلف أجزاء هذه الأعضاء. إن المراكز العصبية الخاصة بالدماغ اللاواعي موجودة في كتلة لا يتجاوز وزنها المائتي غرام وهي المخ البيني وجذع المخ والمخيخ. ويعود السبب في ذلك إلى أن البرامج المخزنة في الدماغ اللاوعي هي برامج مبيتة (embeded) بلغة علماء الحاسوب أي أن التوصيلات بين الخلايا العصبية في كل مركز ثابتة لا تتغير وهي موجودة منذ ولادة الإنسان أي أنها تعمل كأنظمة تحكم فقط. 

 أما الوظائف التي يقوم بها الدماغ الواعي أي المخ فهي تنقسم إلى قسمين قسم يشترك بها الإنسان مع بقية الحيوانات وهي التي تتعلق بالحواس الخمس والحركات الإرادية والقسم الثاني هي التي يتميز بها الإنسان على بقية الحيوانات كالإحساس بالذات وقدرته على التفكير والتعلم والتكلم والتذكر والتخيل وكامتلاكه لمختلف أنواع العواطف والأحاسيس والمشاعر. وعلى الرغم من أن الحيوانات وخاصة الثدييات منها تمتلك حواسا خمسة كما في الإنسان إلا أن حواس الإنسان قد تم زيادة قدراتها بشكل كبير واحتلت مساحات في القشرة المخية  أكبر من تلك التي للحيوانات باستثناء بعض الحالات.  ففي حاسة البصر تم نقل العينين من جانبي الرأس إلى مقدمة الرأس بحيث يتم رؤية الأشياء  بالعينين معا ومن ثم يقوم المخ ببناء صورة مجسمة للشيء المرئي من الصورتين المسطحتين اللتين تلتقطهما كل من العينين. أما عدد الخلايا الحساسة للضوء الموجودة في شبكية العين فقد تم زيادتها بشكل كبير جدا لكي تنتج صور عالية الوضوح ومتعددة الألوان للأشياء التي تراها العين. إن هذه التعديلات في تركيب عين الإنسان لا تكاد تذكر مع تعقيد البرمجيات الموجودة في دماغ الإنسان والتي تمكن الإنسان من الإحساس بصور الأشياء الموجودة في محيطه. وتحتل هذه البرمجيات البصرية أكبر مساحة من القشرة المخية حيث تغطي معظم مساحة الفص الخلفي ففي أقصى الفص توجد القشرة البصرية المرتبطة بشبكية العين من خلال العصب البصري أما بقية الفص فيحتوي على الذاكرة البصرية. 

 أما حاسة السمع فلا تختلف من حيث التركيب العام عن تلك التي لبقية الحيوانات الرئيسية إلا أن البرمجيات المستخدمة في الدماغ البشري قادرة على تمييز طيف واسع من الترددات الصوتية ومزج تلك الترددات للإحساس بمختلف أنواع الأصوات الصادرة عن المحيط الخارجي لكي يستمتع الإنسان بسماع مختلف أنواع الأصوات الجميلة. وقد تم استخدام برمجيات في الدماغ لمزج الصوت القادم من الأذنين بحيث يمكن للمستمع تحديد الاتجاه القادم منه الصوت وكذلك تحديد بعد مصدر الصوت مما يساعد  المستمع بالشعور بما يسمى التأثير المجسم للصوت. أما أكثر ما يميز النظام السمعي لدى الإنسان فهو قدرته على تمييز الكلام الصادر عن أجهزة الكلام في الإنسان والتي يمكنها إصدار عدد كبير من الأصوات التي تمثل الأحرف الهجائية والتي يتم دمجها للفظ الكلمات التي تحمل معاني مختلفة تم تدريب العقل البشري للتعرف عليها. وتقع القشرة السمعية في أعلى الفص الصدغي بينما توجد الذاكرة السمعية أسفل منها في نفس الفص ومن خلال هذه الذاكرة يمكن التعرف على آلاف الأصوات الخاصة بالأشخاص والحيوانات وغيرها.

 وأما حاسة اللمس لدى الإنسان فقد تم تطويرها بشكل كبير بالمقارنة مع بقية الحيوانات وتعتبر من أكثر الحواس الخمس تعقيدا حيث يتوجب على هذه الحاسة إبلاغ الدماغ عن أي شيء يلامس جلد الإنسان وتحديد طبيعة هذا الشيء. وهذا يتطلب زرع حساسات مختلفة الأنواع على مسافات متقاربة على جميع أنحاء الجسم بحيث يمكن للإنسان تحديد الموضع الذي تمت عنده الملامسة بدقة عالية. وكما هو الحال مع حاستي السمع والبصر فإن التعقيد الموجود في ملايين الخلايا الحسية المزروعة في الجلد وملايين الأعصاب التي تنقل النبضات الحسية إلى الدماغ لا يكاد يذكر مع التعقيد الموجود في مراكز الإحساس والبرامج المخزنة فيها. ويستخدم الإنسان حاسة اللمس كغيره من الكائنات الحية للتعرف على درجة حرارة الجو المحيط بجسمه لكي يتخذ التدابير اللازمة لحماية جسمه من الحرارة أو البرودة الزائدة وكذلك التعرف على الأشياء التي تلامس أو تضغط على جسمه لكي يتخذ الإجراءات المناسبة. ويتميز الإنسان على بقية الكائنات الحية باستخدامه لحاسة اللمس للتعرف على خصائص الأجسام الملموسة كالصلابة والليونة والخشونة والنعومة والطراوة والقساوة والرطوبة والجفاف وخاصة من خلال خلايا الحس الموجودة في أصابع اليد. وتقع حاسة اللمس الابتدائية في مقدمة الفص الأوسط من القشرة المخية بينما تقع وحدات المعالجة الحسية خلفها على نفس الفص وتحتل أعصاب أصابع اليد والشفتان والوجه واللسان   أكبر مساحة من المساحة الكلية لحاسة اللمس كما هو مبين في الشكل المرفق. 

أما حاسة الذوق عند الإنسان فيمكنها التفريق بين أربعة أنواع من الأحاسيس وهي الإحساس بالحلاوة والملوحة والحموضة والمرارة وذلك من خلال وجود ما يقرب من عشرة آلاف برعم تذوق على سطح اللسان  ويحتوي كل من هذه البراعم على ما يزيد عن عشرة مستقبلات تذوق لها القدرة على قياس مستويات عديدة لكل واحدة من هذه الأحاسيس الأربعة. ويقوم الدماغ بمعالجة المعلومات التي ترسلها مستقبلات التذوق المختلفة عبر الأعصاب المتصلة بها ليعطي عدد لا يحصى من المذاقات والنكهات التي نتذوقها عند أكل وشرب مختلف أنواع الأطعمة والأشربة. ولهذا السبب نجد أن الإنسان يستطيع التفريق بين طعم آلاف الأنواع من الفواكه والخضراوات وبذور وزيوت النباتات ولحوم وألبان الحيوانات بل له القدرة على التميز بين طعم ثمار النوع الواحد من النباتات. 

وأما حاسة الشم عند الإنسان فقد لا تكون أكثر حساسية من تلك التي لبقية الحيوانات إلا أنه قد تم تعديلها بحيث يمكنها التمييز بين ما يزيد عن عشرة آلاف نوع من الروائح المختلفة وذلك من خلال وجود عشرة ملايين خلية شم مختلفة موزعة على رقعتين من النسيج الشمي موجودتين في سقف التجويف الأنفي والتي لا تتجاوز مساحة كل منهما سنتيمتر مربع واحد. وقد وجد العلماء أن هناك سبعة أنواع من مستقبلات الشم تستجيب لسبعة أنواع من الروائح الأولية ويمكن لحاسة الشم من خلال مزج هذه الروائح الإحساس بعدد كبير جدا من الروائح المختلفة كما هو الحال مع حاسة البصر التي يمكنها إدراك عدد هائل من الألوان من خلال مزج ثلاثة ألوان أساسية فقط. وبهذه القدرة الفائقة لحاسة الشم في التفريق بين مختلف أنواع الروائح تمكن الإنسان من الاستمتاع بمختلف أنواع الروائح العطرية التي تصدرها أزهار وثمار آلاف الأنواع من النباتات وكذلك الاستمتاع بأطايب الطعام من خلال تعاون حاستي الذوق والشم. وكذلك تساعد حاسة الشم الإنسان على تجنب مواقع المواد المتعفنة والتي تحتوي على أنواع كثيرة من الجراثيم الضارة بصحته وذلك من خلال إحساس الإنسان بروائح كريهة تنبعث من هذه المواقع. إن إحساس الإنسان برائحة محددة يتم من خلال تنفيذ برامج محددة مخزنة في مراكز الشم في الدماغ فالنبضات العصبية المنبعثة من مستقبلات الشم الموجودة في الأنف لا تختلف عن بعضها البعض من حيث الشكل ولكنها تثير عند وصولها لمراكز الشم الخاصة بها أحاسيس مختلفة في الدماغ.

أما بخصوص المراكز العصبية المتعلقة بالحركات الإرادية لدى الإنسان فهي تحتل مساحة أكبر بكثير في القشرة المخية من تلك التي لبقية الحيوانات. وقد جاءت هذه الزيادة لتلبي القدرات الحركية الهائلة لكل من يدي الإنسان ولسانه وشفتيه فاليدان هما آلة العمل والكتابة واللسان والشفتان هما آلة الكلام وهاتان القدرتان إلى جانب القدرة العقلية هي ما ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان على غيره من الكائنات الحية. وتقع المراكز العصبية المسؤولة عن الحركات الإرادية في الجزء الخلفي من فص المخ الأمامي وهي تغطي مساحة واسعة منه. ويتبين لنا من الشكل المرفق كيف أن اليد بأصابعها الخمس والشفتان واللسان يحتلان مساحة كبيرة من المساحة الكلية المخصصة للحركات الإرادية في الجسم. 

ومن القدرات البالغة الأهمية لدماغ الإنسان تلك المتعلقة بقدرته على استخدام الكلام كوسيلة لتبادل مختلف أنواع المعلومات والمشاعر المخزنة في أدمغتهم. وعلى الرغم من أن مكونات آلة الكلام موجودة في كثير من الثدييات التي لها فم يحتوي على لسان وأسنان وشفتين إلا أنها لا تستطيع استخدامها في إصدار الأصوات اللازمة لإجراء عملية التكلم. ولكي يتمكن الإنسان من الكلام فقد تم ربط عضلات فكيه ولسانه وشفتيه بعدد كبير من الأعصاب المرتبطة  بمركز الكلام في الدماغ مما أعطاها مزيدا من حرية الحركة كما نلاحظ ذلك عند تحريك اللسان ليلامس مواضع كثيرة في تجويف الفم وكذلك هو الحال عند تحريك الشفتان. وعلى العكس من حركة الأيدي والأرجل التي تتم وفق برامج  جاهزة مخزنة في مراكز الحركة منذ ولادة الإنسان فإن حركة مكونات آلة الكلام تتم وفق برامج يتم تخزينها في مركز الكلام في الدماغ في وقت لاحق بعد ولادة الإنسان وذلك من خلال تدريب عضلات آلة الكلام على لفظ الأحرف والكلمات وصدق الله العظيم القائل "الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)" الرحمن. 

ويفهم أكثر الناس الحركات الإرادية بشكل خاطئ فهم يعتقدون أن جميع خطوات عملية تحريك أيديهم وأرجلهم وألسنتهم تتم بشكل كامل تحت سيطرتهم وهي ليست كذلك حيث أن جميع الخطوات تتم بشكل غير إرادي ما عدا الخطوة الأولى وهي خطوة تحديد نوع الحركة ووقت ابتدائها. فعندما ينوي الإنسان تحريك يده أو لسانه أو شفتيه في وضعية ما فإن هنالك برنامجا ضخما مخزنا في مركز الحركة والمراكز المساعدة يتم تشغيله ليحدد سلسلة النبضات العصبية التي يجب أن ترسل لمختلف عضلات اليد أو الفم وبتزامن منقطع النظير. فعلى سيبل المثال فلو أن شخصا أراد أن يضع رأس سبابته على أرنبة أنفه أو أي جزء من جسمه وهو مغلق عينيه فما عليه إلا أن يعطى الأمر لدماغه بفعل ذلك  ومن ثم تقوم المراكز المسؤولة بتنفيذ برامج معقدة لتنفيذ هذه الحركة التي تبدو بسيطة لمن لا يدرك أبعادها. فعلى الدماغ أولا أن يحدد وضعية اليد الابتدائية ويتم الحصول على هذه المعلومات من المخيخ والذي سبق له أن حصل عليها من المستقبلات الحسية الموجودة في اليد ومن ثم يحدد الوضعية النهائية لليد وهي أرنبة الأنف وعلى ضوء هذه المعلومات يقوم الدماغ بتحديد سلسلة النبضات العصبية المرسلة إلى مختلف عضلات اليد المختلفة لتحركها بتسلسل محدد لكي تصل إلى هدفها المحدد. إن حجم العمليات العصبية التي يجريها الدماغ لمثل هذه المهمة التي قد تبدو بسيطة لا يدرك تعقيدها إلا المهندسون الذين يعملون في برمجة الروبوتات أو الأطباء الذين يعالجون مرضى أصيبوا بعاهات في المراكز المسؤولة عن الحركة.  وكذلك هو الحال عندما ينوي الشخص التلفظ بالحروف والكلمات والجمل فإن عملية التكلم تتم بشكل لاإرادي حيث تتولى برامج محددة مخزنة في مركز الكلام تحديد سلسلة النبضات العصبية التي ترسل بتزامن معين إلى مختلف مكونات آلة الكلام ابتداء من الحجاب الحاجز مرورا بالرئة والأوتار الصوتية واللسان والفكين وعضلات الوجه وانتهاء بالشفتين.  

 أما الدماغ الواعي فهو المسؤول عن الوظائف التي لا توجد في أدمغة بقية الثدييات كوظائف الوعي والتفكير والحساب والمنطق والتعلم والتذكر والتعرف والكلام واتخاذ القرارات. إن بإمكان العلماء فهم الآليات التي تعمل على أساسها المراكز العصبية الموجودة في الدماغ اللاواعي المسؤول عن التحكم في أعضاء الجسم فهي من حيث المبدأ لا تختلف عن تلك المستخدمة في أنظمة التحكم الإلكترونية مع فارق التعقيد والأداء بينهما ولكن لا زال أمامهم شوطا طويلا لفهم الآليات التي يستخدمها الدماغ الواعي للقيام بوظائفه المختلفة. وقد وجد العلماء أن الفص الأمامي من المخ  يحتوي على مراكز الدماغ المسوؤلة عن التفكير والمنطق والحساب  واتخاذ القرارات وقد يكون دوره كدور وحدة المعالجة المركزية في الحاسوب ولذا فهو مرتبط بمعظم أقسام الدماغ حيث تجلب له المعلومات من المراكز المختلفة ليقوم بمعالجتها واتخاذ القرارات المناسبة. 

إن أكثر وظائف الدماغ  إبهاما هي وظيفة الإدراك أو الوعي وهي إحساس الإنسان بوجوده وبوجود الأشياء من حوله ويمكن أن نستوعب أبعاد هذه المسألة لو تصورنا أن العلماء قد تمكنوا من تصنيع حاسوب عملاق  قادر على القيام بكامل وظائف الدماغ البشري فهل يمكن لهذا الحاسوب أن يحس بنفس الأحاسيس التي يشعر بها الإنسان من خلال دماغه. ومن الوظائف المهمة التي تميز الإنسان بها على بقية الحيوانات هي قدرته على التعرف على الأشياء من حوله من خلال حاسة الإبصار فعندما تقع عين الإنسان على شيء ما فإنه يستطيع التعرف على هذا الشيء في لمح البصر بمجرد مشاهدته مرة أخرى. وبهذه الوظيفة المهمة  يتمكن الإنسان من التعرف على مئات الآلاف من الأشياء التي يحتاجها لتسهيل سبل عيشه كالتعرف على وجوه الأشخاص وأشكال الثمار والحبوب والأدوات وأشكال التضاريس الأرضية والمباني والبيوت والشوارع وأشكال النباتات والحيوانات. ولقد حاول العلماء باستخدام الحواسيب الرقمية العملاقة  تقليد الدماغ البشري للتعرف على الأشياء ففشلوا فشلا ذريعا حيث احتاج الحاسوب العملاق عدة ساعات للتعرف على شكل تفاحة من بين عدة أنواع من أشكال الثمار.

 ومن الوظائف المهمة للدماغ البشري هي التفكير حيث يقوم بناءا على مقدمات منطقية بالحصول على نتائج منطقية جديدة وبهذه القدرة العقلية تمكن الإنسان من كشف كثير من أسرار وقوانين الكون الذي يعيش فيه واستطاع كذلك أن يسخر كثير من قوى وموارد الطبيعية لصالحه. ويتميز دماغ الإنسان كذلك بامتلاكه لذاكرة قوية يخزن فيها الكلمات والجمل وأسماء الأشياء المحسوسة وغير المحسوسة وصور الأشياء التي يراها والأصوات التي يسمعها وكذلك كم هائل من الأحداث والذكريات التي مر بها في ماضيه. ولا زال العلماء على جهل تام بالطريقة التي يستخدمها الدماغ في تخزين ما تراه العين وما تسمعه الأذن فمن الواضح أن الدماغ مهما بلغت سعة ذاكرته لا يمكنه أن يستوعب كل ما يصل إليه من معلومات سمعية ومرئية تلتقطها الأذن والعين. وفي هذا الحال لا بد أن الدماغ يستعمل آليات معقدة لاختيار المعلومات المهمة ويقوم بتخزينها في أماكن مختلفة من الدماغ كالذاكرة البصرية والذاكرة السمعية والذاكرة اللغوية وغيرها. فعلى سبيل المثال فعندما تقابل شخصا لأول مرة ولمدة محددة من الزمن فإن كم هائل من المعلومات سترسلها العين والأذن إلى الدماغ ولكن بعد إنتهاء المقابلة لا يبقى في الذاكرة إلا الأشياء المهمة كصورة وجهه وشكل جسمه ونوع ملابسه وبعض الجمل التي تلفظ بها. ومن ميزات الدماغ أن الإنسان يستطيع أن يستذكر المعلومات المخزنة في ذاكرته ويخرجها على شكل كلام من خلال الفم أو على شكل كتابة أو صور باستخدام اليد أو على شكل حركات عضلية تمكنه من إنجاز مختلف الأعمال التي تدرب عليها. ولا يمكن لأقوى الحواسيب العملاقة أن يقلد دماغ الإنسان في الطريقة التي يستخدمها لتأليف وإخراج الكلام فعندما يقوم شخص ما بالحديث عن موضوع معين فإنه بمجرد استحضاره لمعنى من المعاني يقوم الدماغ بشكل تلقائي بالبحث عن الكلمات المناسبة التي تؤلف الجمل المفيدة التي تعبر عن ذلك المعنى. 

إن باستطاعة العلماء المهتمين بدراسة الدماغ أن يبرهنوا على أن الطرق التي يعمل بها الدماغ لأداء بعض وظائفه تقوم على أسس مادية يمكن استخدامها لبناء حواسيب تقوم بنفس الوظائف إذا ما توفرت التقنيات المناسبة لذلك ولكنهم لا أظنهم يتجرؤون فيقولوا أن مثل هذه الحواسيب  قادرة على القيام بوظائف أخرى يقوم بها الدماغ البشري كالإحساس بوجوده والإحساس بالمشاعر والعواطف الإنسانية المختلفة كالحب والكره والفرح والحزن وإلى غير ذلك من المشاعر. إن القضية المتعلقة فيما إذا كانت المادة بشتى صورها قادرة على الإحساس بوجودها حيرت ولا زالت تحير الفلاسفة والعلماء ولم يتمكنوا  حتى الآن من الوصول إلى إجابة شافية تستند إلى أسس علمية واضحة. ولهذا برزت فكرة وجود قوة عاقلة ذات طبيعة غير مادية تسكن في جسم الإنسان أطلقوا عليها اسم الروح وهي المسؤولة عن الوعي وحرية الإرادة والاختيار والمشاعر والعواطف الإنسانية المختلفة والتمييز بين الخير والشر وكبح جماح الغرائز الحيوانية. ومما زاد من يقين البشر بوجود هذه الروح هو قدرة بعض أفراد البشر بالقيام بأعمال لا يمكن للمادة أن تقوم بها كاستشراف الغيب من خلال التنبؤ بالأحداث المستقبلية على يد الأنبياء والرسل ومن خلال الأحلام الصادقة التي يراها البشر في مناماتهم وإلى غير ذلك من الظواهر الخارقة للعادة. ولطالما تساءل البشر عن طبيعة هذه الروح التي نقلت الإنسان من الحياة الحيوانية التي تحكمها الغرائز إلى الحياة الإنسانية التي يحكمها العقل والمثل العليا والتي تجعل هذا الإنسان يتصرف في كثير من الأحيان على عكس ما تمليه عليه غرائزه كما تفعل بقية الحيوانات.  ولقد رد القرآن الكريم على الذين سألوا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن طبيعة الروح بجواب مفحم وذلك في قوله تعالى "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)" الإسراء 85. ولقد تبين للبشر في هذا العصر أبعاد هذا الرد القرآني فهاهم العلماء بما أوتوا من علم في مختلف التخصصات العلمية وبما توفر لهم من أجهزة ومعدات معقدة استخدموها في دراسة الدماغ البشري وحواسيب جبارة لتقليد طريقة عمل بعض وظائفه يقفون عاجزين عن كشف أسرار الجانب المادي للدماغ فأنى لهم معرفة طبيعة الروح التي تسكن جسم هذا الإنسان! إن من الجهل أن لا يعترف الإنسان العاقل بوجود أشياء لا يمكن لحواسه أن تدركها أو أن عقله لا يستطيع أن يستوعبها وخاصة في هذا العصر الذي تمكن البشر فيه من التعامل مع أشياء لا يدركونها بحواسهم ولا يمكن لعقولهم أن تتخيلها كما هو الحال مع الموجات الكهرومغناطيسية التي استخدموها لنقل مختلف أشكال المعلومات وصدق الله العظيم القائل "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)" يونس  39.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق