2024-10-17

ميل محور دوران الأرض كشرط أساسي لظهور الحياة

 

ميل محور دوران الأرض كشرط أساسي لظهور الحياة

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 



إن الحياة على هذه الأرض لم يكن لها لتظهر لو لم يتم خلق جميع مكونات هذا الكون  بتقدير بالغ  في جميع مراحل خلقه حيث أن خللا بسيطا في خلق مرحلة ما من هذه المراحل قد يحول دون أن تكون الأرض بالشكل والمواصفات التي هي عليها الآن. وممّا يدل على أن هذا القرآن قد أنزل من لدن عليم خبير سبحانه وتعالى هو كثرة الأيات التي تدعو البشر للتفكير في أوجه هذا التقدير البالغ في عمليات خلق الأشياء من حولهم. فلا يمكن لمثل هذه الدعوة أن تصدر عن رجل أمي عاش في وسط أمة أمية بل إنها لا بد أنها صدرت عن من أحاط علمه سبحانه بكامل تفصيلات هذه المخلوقات ويعلم أن كل ما في هذا الكون من مخلوقات قد تم خلقها وفق تقدير بالغ مصداقا لقوله تعالى " وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)" الفرقان وقوله تعالى " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)" القمر  وقوله تعالى " وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)" الرعد  وقوله تعالى " صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)" النمل.   فعلى سبيل المثال يلزم عند تصميم الأرض لتكون مهيأة لظهور الحياة عليها  توفر شروط لا حصر لعددها  ولكن يوجد شروط أساسية إذا غاب أحدها فإن الحياة على الأرض لا يمكن لها أن تظهر أو أن تكون بالصورة التي هي عليها الآن. فالشرط الأول والرئيسي هو ضرورة وجود الأرض بالقرب من مصدر لإنتاج الطاقة يمد الأرض بالطاقة اللازمة لحفظ درجة حرارة سطحها ضمن حدود بالغة التقدير  تضمن حياة الكائنات الحية. وتعتبر الشمس المصدر الرئيسي الذي  يمد الأرض بالطاقة اللازمة لها من خلال إشعاع الأمواج الكهرومغناطيسية التي تسقط على سطح وغلاف الأرض فيقومان بإمتصاص ما تحمله من طاقة  وترفع بذلك درجة حرارة سطح الأرض وجوها. ولضمان بقاء الأرض على بعد ثابت من الشمس فقد قدّر الله عز وجل أن تدور الأرض حول الشمس في مدار شبه دائري  يبلغ متوسط نصف قطره مائة وخمسين مليون كيلومتر.



أما الشرط الثاني فهو ضرورة دوران الأرض حول محور متعامد تقريبا  مع الخط الواصل بين الشمس والأرض وذلك لكي يتم تعريض جميع سطحها لضوء الشمس من خلال تعاقب الليل والنهار عليها. فلو  توقفت الأرض عن الدوران أو كان محور دورانها موازيا لهذا الخط كما هو في بعض الكواكب لكان أحد نصفي الأرض معرض للشمس باستمرار بينما لن يصل ضوء الشمس للنصف الآخر وبذلك يكون أحد نصفيها نهارا دائما شديد الحرارة والنصف الآخر ليلا دائما شديد البرودة وصدق الله العظيم القائل "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)" القصص. إن شرط دوران الأرض حول محورها قد لا يكفي لظهور الحياة عليها إن لم يتم اختيار سرعة دورانها بشكل دقيق فلو كانت هذه السرعة أبطأ ممّا هي عليه لزاد طول كل من الليل والنهار ولارتفعت درجة حرارتها بشكل كبير أثناء النهار بسبب طول فترة تعرضها للشمس ولانخفضت درجة حرارتها أثناء الليل بسبب طول فترة إشعاع الحرارة منها. ولو كان دورانها أسرع ممّا هو عليه لقصر طول كل من الليل والنهار ولما تمكنت الأرض من أخذ كمية كافية من طاقة الشمس أثناء النهار وبذلك ينخفض معدل درجة حرارتها عما هو عليه الآن. 

أما الشرط الثالث فهو ضرورة حمايةالكائنات الحية  من الإشعاعات الضارة التي تنطلق من الشمس ومن بقية النجوم في هذا الكون وقد اكتشف العلماء أن الأرض تتفرد بوجود مجال مغناطيسي قوي حيث يقوم بصد هذه الإشعاعات وتغيير مسارها نحو الفضاء الخارجي ونحو قطبي الأرض الشمالي والجنوبي. وبما أن المجال المغناطيسي للأرض لا يتفاعل إلا مع الإشعاعات التي تحمل شحنات كهربائية فهو غير قادر على صد الجسيمات المتعادلة كهربائية كالنيوترونات والقادمة من الشمس ولذلك لا بد من وجود وسيلة أخرى لمنع وصولها لسطح الأرض فكان من لطف الله أن أحاط الأرض بدرع ثان لحمايتها من هذه الإشعاعات وهو طبقة الأوزون الموجود في أعالي الغلاف الجوي حيث يقوم الأوزون بامتصاص طاقة هذه الإشعاعات ويمنع وصولها إلى سطح الأرض.



أما الشرط الرابع فهو حماية الأرض من النيازك والتي قد تسبب دمارا هائلا على سطح الأرض على الرغم من صغر حجمها وذلك بسبب سرعتها الهائلة التي قد تصل إلى مئات الآلاف من الكيلومترات في الساعة. ومن لطف الله بالبشر أنه حمى الأرض من هذه النيازك بعدة آليات أهمها وجود عدد كاف من الكواكب الخارجية التي تقوم بجذب النيازك إليها قبل وصولها إلى الأرض أما ما تبقى من النيازك فإن الغلاف الجوي يتكفل بحرق معظم كتلتها قبل وصولها إلى سطح الأرض بسبب الاحتكاك الشديد بينها وبين الهواء. أما الشرط الخامس فهو ضرورة توفر عدد كبير من العناصر اللازمة لبناء الكائنات الحية حيث تحتوي قشرة الأرض على اثنين وتسعين عنصر طبيعي من بين ما يزيد عن مائة عنصر يمكن أن تكون موجودة في هذا الكون. وأما الشرط السادس فهو ضرورة توفر الماء بكميات كافية على سطح الأرض مع وجود آليات محددة  لتوزيعه على سطح اليابسة وقد تفردت الأرض من بين جميع كواكب المجموعة الشمسية بوجود هذه الكميات الضخمة من الماء الذي يغطي ما يقرب من سبعين بالمائة من سطح الأرض. أما الشرط السابع فهو توفر غلاف جوي  سميك للأرض والذي قد تم تقدير محتوياته بشكل بالغ الدقة بحيث لو اختلت نسب هذه المحتويات ولو بمقدار بسيط لما ظهرت الحياة على الأرض. أما الشرط الثامن فهو وجود قمر بحجم كبير يدور حول الأرض يلعب دورا كبيرا في استقرار سرعة دوران الأرض حول محورها وكذلك ثبات  ميل محورها. ويعمل القمر كذلك على إحداث ظاهرة المد والجزر في البحار والمحيطات وتحديد طبيعة المناخ وتشكيل السواحل البحرية واستمرار الحياة البحرية. ويعتقد العلماء كذلك أن جاذبية القمر تعمل على تحريك المادة شبه السائلة الموجودة في وشاح الأرض ممّا يؤدي إلى حدوث بعض العمليات الجيولوجية في قشرة الأرض كالزلازل والبراكين والتي ساعدت في الماضي على تشكيل تضاريس الأرض وإخراج الماء والعناصر الطبيعية اللازمة للحياة من باطن الأرض إلى سطحها وقشرتها.



أما الشرط التاسع وهو موضوع هذه المقالة  فهو ضرورة إمالة اتجاه محور دوران الأرض عن الاتجاه العمودي على الخط الواصل بين الشمس والأرض بزاوية كافية أثناء دورانها حول الشمس وذلك لأسباب عديدة تلزم لظهور واستمرار الحياة على الأرض. وقد وجد العلماء أن هذا المحور يميل بزاوية مقدارها 23.44 درجة عن الاتجاه العمودي ويبقى اتجاه المحور ثابت في الفضاء أثناء دوران الأرض حول الشمس . إن هذه الميل في محور الأرض يلزم  لتعريض قطبي الأرض الشمالي والجنوبي لضوء الشمس الذي لا يمكنه الوصول إليهما فيما لو بقي محور الدوران ثابتا على الاتجاه العمودي. إن وصول ضوء الشمس للمناطق القطبية  ضروري جدا لإذابة الجليد الموجود عليهما وإلا فإن المطر الذي يسقط لهذه المناطق سيتجمد ولن يعود مرة ثانية إلى المحيطات وبذلك ستنضب المحيطات من مياها مع مرور الزمن. ويلزم ميل محور الأرض كذلك لتغيير درجات حرارة سطحها بشكل دوري وبالتالي تغيير اتجاه حركة الرياح التي توزع الأمطار على معظم أجزاء سطح اليابسة. وتنشأ الرياح بسبب التفاوت الكبير في درجة حرارة سطح الأرض فهو أشد حرارة عند خط الاستواء وتقل تدريجيا كلما تحركنا باتجاه القطبين. وبما أن كثافة الهواء تقل مع ارتفاع درجة الحرارة فإن الضغط  الجوي عند خط الاستواء أقل منه عند القطبين مما  يعمل على تحريك الرياح من القطبين باتجاه خط الاستواء. ولكن وبسبب اختلاف الحرارة النوعية بين البر والبحر وبسبب وجود تضاريس معقدة على البر  وبسبب ميل محور دوران الأرض فإن حركة الرياح عند سطح الأرض تشذ عن هذه الحركة العامة في كل مناطق الأرض منتجة أنماط لا حصر لها من حركة الرياح تتحدد حسب موقع المنطقة وفي أي وقت من السنة.  


ويعمل ميل محور الأرض  كذلك على نشوء ظاهرة الفصول الأربعة والتي من خلالها يتم ضبط دورة حياة كثير من النباتات والحيوانات وكذلك تم توفير أنواع متعددة من الظروف المناخية تساعد على  ظهور طيف واسع من أشكال الكائنات الحية على الأرض. وظاهرة الفصول نشأت بسبب أن اتجاه محور دوران الأرض في الفضاء لا يتغير أثناء دوران الأرض حول الشمس ونتيجة لذلك فإن الزاوية بين اتجاه أشعة الشمس ومحور الدوران على مكان ما على سطح الأرض ستتغير في كل يوم من أيام السنة . ويوجد أربع مواقع مميزة في مدار الأرض حول الشمس يفصل بين كل منها 90 درجة وعليها تتحدد بداية الفصول الأربعة. ففي الموقع الأول يكون القطب الشمالى مائلا نحو الشمس تماما بحيث تكون أشعة الشمس عمودية على مدار السرطان ( 23.4درجة عرض شمال) ويكون النهار أطول من الليل شمال خط الاستواء والعكس في الجنوب وهو بداية الانقلاب الصيفي (Summer solstice) أي بداية الصيف بتاريخ  21 حزيران. أما الموقع المقابل للموقع الأول فيكون ميل المحور بحيث يكون القطب الجنوبي مائلا نحو الشمس تماما وتكون أشعتها عمودية على مدار الجدي (  23.4 درجة عرض جنوب) ويكون النهار أطول من الليل جنوب خط الاستواء والعكس في الشمال ويسمى هذا الانقلاب الشتوي (Winter solstice) أي بداية الشتاء بتاريخ  21 كانون الثاني. أما في الموقع الثالث والرابع فلا يوجد ميل للمحور نحو الشمس ويكون القطبان على نفس البعد من الشمس أي أن أشعة الشمس عمودية على خط الاستواء وعندهما يتساوى طول الليل والنهار في جميع مناطق الأرض. ويسمى أحد هذين الموقعين بالاعتدال الربيعي (spring equinox) أي بداية الربيع في 21 آذار ويسمى الآخر بالاعتدال الخريفي (Autumn equinox) أي بداية الخريف في 21 أيلول للنصف الشمالي من الكرة الأرضية والعكس لجنوبها.



إن ثبات إتجاه محور دوران الأرض في الفضاء يعود إلى ظاهرة فيزيائية تسمى التأثير الجايروسكوبي (gyroscopic effect) ومفاده أن الأجسام الدوارة تقاوم تغيير اتجاه محور دورانها نتيجة لعزمها الزاوي أو الدوراني (Angular momentum ). وتستخدم الجايروسكوبات في تحديد الاتجاهات في السفن والطائرات والأقمار الصناعية وتتكون من ثلاث مجموعات متعامدة من العجلات المعدنية الدوارة (rotating flywheels) التي يتم تدويرها بسرعات عالية لزيادة عزمها الزاوي .  لقد وجد العلماء  أن محور دوران الأرض وهو الخط الواصل بين قطبيها يميل بزاوية مقدارها 23,44 درجة عن العمود القائم على مستوى دورانها حول الشمس وأن هذا المحور يتجه باستمرار نحو  نجوم محددة في السماء. إن اتجاه محور دوران الأرض يتغير مع الزمن نتيجة ظاهرة المبادرة (precession)  لهذا المحور بشكل دائري حول العمود القائم على مدار الأرض حول الشمس. ومحور دوران الأرض يشير في الوقت الحالى الى النجم القطبي ولكنه يبتعد عنه تدريجيا ليشير إلى نجوم أخرى ويكمل هذا المحور دورته كل ستة وعشرين ألف سنة مسببا تغير مواعد الاعتدال الربيعي والخريفي فيما يسمى بمبادرة الاعتدالين (precession of equinox). 



قد لاحظ علماء الفلك القدامى أن مستوى خط الإستواء للأرض ( equatorial plane) يميل بزاوية محددة وثابتة عن المستوى الذي تدور فيه الشمس ظاهريا حول الأرض (orbital plane) وهو ما يسمى مستوى البروج ( ecliptic plane). إن زاوية الميلان هذه تساوي وتناظر هندسيا الزاوية بين محور الأرض  وبين الخط العامودي على مستوى الدوران الظاهري للشمس حول الأرض أي مستوى  فلك البروج ولذلك أطلق عليه اسم الميلان المحوري(Axial tilt or obliquity). وقد تمكن الفلكي والرياضي اليوناني أوينوبيدس (Oenopides) (490-420 قبل الميلاد) من قياس زاوية الميلان المحوري للأرض من خلال قياس زاوية ظل الأشياء عند الانقلابين الصيفي والشتوي فوجدها تساوي 24 درجة مقارنة بالقيمة الفعلية التي تبلغ 23.44 درجة. وقد ذكر بطليموس في كتابه المجسطي أن الفلكي والرياضي اليوناني الشهير هيبارخوس (Hipparchus) (190 - 120 قبل الميلاد) قام بقياس زاوية الميل فوجدها تبلغ 23.85 درجة. أما الفلكي المسلم محمد بن جابر البتاني الملقب ببطليموس العرب فقد قام في القرن الثالث الهجري بقياس زاوية الميل فوجدها  تبلغ 23.58 درجة كما ذكر ذلك في كتابه زيج الصابي فقال (فوضح لنا بذلك أن مقدار القوس التي بين المنقلبين على الحقيقة يكون سبعة وأربعين جزءاً وعشر دقائق وأن ميل فلك البروج عن فلك معدل النهار إنما يكون نصف هذه الأجزاء وهو ثلثة وعشرون جزءاً وخمس وثلثون دقيقة وهو بعد ما بين قطبي الفلكين). وفي عام 1438 م تمكن السلطان التيموري  (نسبة الى تيمورلنك مؤسس الدولة التيمورية ) والفلكي المسلم میرزا محمد طارق بن شاهرخ المشهور بألغ بيك من قياس زاوية ميل محور الأرض في المرصد الذي بناه في سمرقند فوجدها تلبغ  23.5047 درجة.  وقد تمكن علماء الفلك الأوربيون في القرن السابع عشر الميلادي من قياس القيمة الدقيقة لهذا الميل والتي تبلغ 23.439 درجة وتبين لهم أيضا أن ميل المحور يتناقص مع الزمن بمعدل 47 ثانية في كل مائة سنة شمسية. 



وقد لاحظ علماء الفلك القدامي أيضا  أن نقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي تنزاحان ببطء  إلى الغرب على دائرة الكسوف  وذلك بالنسبة للنجوم الثابتة بما يسمى مبادرة الاعتدالين (precession of the equinoxes) والتي سميت فيما بعد  بالمبادرة المحورية Axial precession)) وهي التغير البطيء والمستمر في تغيير إتجاه محور دوران  ألأرض.  ففي هذا الزمن يتجه محور دوران الأرض من جهة الشمال إلى النجم القطبي  (polaris)  وكان قبل 5000 سنة يتجه نحو نجم ألفا (Alpha)  في كوكبة التنين  (Dragon) وبعد 13000 سنة سيكون الاتجاه نحو النسر الواقع  (Vega).  وينسب اكتشاف ظاهرة مبادرة  الاعتدالين إلى  الفلكي والرياضي اليوناني الشهير هيبارخوس أو أبرخش (Hipparchus) (190 - 120 قبل الميلاد) فقد ورد في كتاب المجسطي لبطليموس  أن هيبارخوس قام بقياس خط طول نجم السماك الأعزل وقارن قياساته مع قياسات علماء  الفلك الذين سبقوه أمثال تيموخاريس (320 - 260 قبل الميلاد) وأريستليوس (280 قبل الميلاد) فوجد أن النجم قد تحرك درجتين بالنسبة للاعتدال الخريفي خلال قرنين من الزمن أي بواقع درجة لكل مائة سنة. وقد قام الفلكي والرياضي الاسكندراني كلوديوس بطليموس  (Claudius Ptolemy) (100- 170 ميلادي) بحسابات وقياسات مماثلة ووجد أن النجوم قد تحركت درجتين وأربعين دقيقة في الفترة بين عصره وعصر هيبارخوس (نحو 265) أي أنها تتحرك بمعدل درجة واحدة في كل مئة سنة وهي كما قاسها هيبارخوس ولكن بطليموس أكد على أن المبادرة  تشمل جميع النجوم الثابتة وليس فقط النجوم الواقعة على دائرة الكسوف وأن دورة المبادرة تبلغ 36 ألف سنة.  وقد تم تصحيح طول دورة المبادرة من قبل علماء الفلك المسلمين أمثال  الفلكي المسلم محمد بن جابر البتاني الملقب ببطليموس العرب في القرن الثالث الهجري فوجد أن النجوم تنزاح بمعدل درجة واحدة كل 66 سنة أي أن طول دورة المبادرة  يبلغ 23760 سنة   كما ذكر ذلك في كتابه زيج الصابيء (وكانت هذه السنة التي رصدنا فيها هذا الرصد سنة ألف وستمائة وسبع وعشرين من ملك بختنصر الأول المذكور فإذا قسمنا هذه الأحد عشر جزءاً والخمسين دقيقة التي بين مواضعها الأولة والمواضع التي انتهت إليها في وقت رصدنا على السبعمائة والاثنتين والثمانين السنة التي بين الرصدين وجدنا حركتها في كل ست وستين سنة شمسية درجة واحدة).  وقد قام الفلكي المسلم نصير الدين الطوسي في القرن  السابع الهجري بإعادة حساب  إنزياح النجوم فوجده كما جاء في كتابه زيج الإيلخاني 51 ثانية قوسية في كل سنة أي  درجة واحدة كل 70.588 سنة وطول الدورة 25412 سنة وهي قريبة من القيمة الحالية التي تبلغ 25772 سنة.

إن هذا الإنزياح في نقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي يجعل طول السنة الشمسية أقصر من طول السنة النجمية بما يناظر مقدار هذا الانزياح حيث أن  الأرض لا تكمل دورة كاملة (360 درجة) حول الشمس عند قياسها بين نقطتين متتاليتين من الاعتدال الربيعي أو الخريفي. وعلى هذا فإنه يمكن حساب طول السنة النجمية من معرفة طول السنة الشمسية ومقدار الإنزياح في نقطة الاعتدال  أو العكس.  إن طول اليوم الأرضي وكذلك طول السنة الأرضية يعتمد على المرجع الذي يتم قياس هذه الظواهر بالنسبة له. فعند قياس  طول اليوم والسنة بالنسبة إلى الشمس كمرجع فإن الناتج هو يوم شمسي (Solar day) وسنة شمسية (Solar or tropical year).  فاليوم الشمسي  تم تعريفه على طول الفترة الزمنية بين طلوعين أو زوالين أو غروبين متتالين للشمس عند قياسهما من نفس المكان على سطح الأرض وقد تعارف البشر على أن طول هذا اليوم يبلغ 24 ساعة. وأما طول السنة الشمسية فهي فهو طول الفترة الزمنية بين وقت حدوث اعتدالين ربيعيين  أو اعتدالين خريفيين متتاليين  ويبلغ طولها طبقا للقياسات الحديثة  365.242199  يوم وهذا يساوي 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية.  أما اليوم النجمي (sidereal day) فيقاس بالنسبة لأحد نجوم السماء بدلا من الشمس ويقاس طوله بين بين طلوعين أو غروبين متتالين لأحد نجوم السماء حيث يبعد أقرب النجوم للأرض وهو النجم قنطورس 4.2 سنة ضوئية والذي يعادل 40 ترليون كيلومتر وهو أكبر بكثير من بعد الشمس عن الأرض البالغ 150 مليون كيلومتر. ويبلغ طول اليوم النجمي  23.9344696  ساعة أو 86164.0905 ثانية وهذا يعادل 23 ساعة و 56 دقيقة و 4 ثانية وهو يقل بأربع دقائق تقريبا عن طول اليوم الشمسي البالغ 24 ساعة أو 86400 ثانية . وللتأكيد فإن الأرض تكمل دورة واحدة (360 درجة) حول محورها في يوم نجمي  وليس في يوم شمسي حيث تدور الأرض في اليوم الشمسي 361 درجة أي أنها تزيد عن الدورة الكاملة بدرجة زاوية واحدة.  أما السنة النجمية (sidereal year) فتعرف على أنها الفترة الزمنية التي تكمل بها الأرض دورة كاملة حول الشمس ولكن بإتخاذ أحد نجوم السماء مرجعا للقياس وليس الفترة الزمنية بين اعتدالين ربيعيين أو خريفيين كما هو الحال مع السنة الشمسية. والسنة النجمية أطول من السنة الشمسية  بما مقداره 20 دقيقة و 25 ثانية تقريبا حيث يبلغ طولها 365.256363 يوما أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثواني بينما يبلغ طول السنة الشمسية  365.242199  يوم وهذا يساوي 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية.  لقد قام هيبارخوس بحساب طول السنة النجمية بعد أن قام بقياس طول السنة الشمسية  وقياس مقدار الانزياح  فوجدها تبلغ   365.2569444 يوم  أي 365 يوما و 6 ساعات و 10 دقائق   وهذا على اعتبار أن طول السنة الشمسية حسب قياسه  365.2466667 يوم أي  365 يوما و 5 ساعات و 55 دقيقة و 12 ثانية وأن مقدار إنزياح نقطة الاعتدال يبلغ درجة واحدة لكل مائة سنة حسب قياسه.  ولقد قام  الرياضي والفلكي المشهور  ثابت ابن قرة في القرن  الثالث الهجري بحساب طول السنة النجمية باستخدام قيمة أدق لمبادرة الاعتدالين فوجدها تبلغ   365.2563889 يوم  أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق   و 12 ثانية مقارنة بالقيمة الحالية وهي 365.256363 يوما أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثواني أي بفارق ثانيتين فقط. وتستخدم السنة النجمية  في بعض التقاويم المعتمدة على السنة النجمية (Sidereal solar calendars) كما في التقاويم الهندية والتاميلية حيث يعتمدون على مراقبة موقع الشمس في الأبراج الإثني عشر.





2024-09-17

التقاويم القمرية والشمسية والنجمية

 

التقاويم القمرية  والشمسية  والنجمية

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية



إحتاج البشر  على مر العصور  إلى أنظمة  لحساب  الزمن  من خلال رصد  الظواهر الطبيعية كالشمس والقمر والنجوم وذلك بهدف تنظيم شؤون حياتهم وتحديد مواعيد زراعة وحصاد مزروعاتهم ومواعيد تزاوج وتوالد أنعامهم ودوابهم وطيورهم وأسماكهم ومواعيد صيدهم وقنصهم ومواعيد نزول المطر  والثلج ومواعيد الرياح الموسمية لأسفارهم البحرية  وكذلك تأريخ أحداثهم وعقودهم وشعائرهم وغير ذلك من النشاطات الإنسانية.  ولقد قسم البشر  الزمن إلى سنين وشهور وأسابيع وأيام وساعات ودقائق وثواني وما دون ذلك من الفترات الزمنية والتي قد يحتاجها البشر في مختلف التطبيقات وخاصة في العصر الحديث. ولا يوجد أي اختلاف بين  جميع الأمم على التقسيم العام للزمن  كعدد الأشهر  في السنة والأيام  في الأسبوع  والساعات في اليوم والدقائق في الساعة منذ أن تم تحديدها  في عهد الحضارة السومرية  في العراق وذلك قبل ما يزيد عن خمسة الاف سنة. وقد أجمعت كثير من الروايات على أن إدريس عليه السلام هو أول من علم البشر  كثير من الأشياء التي تساعدهم في تسهيل أمور حياتهم كالكتابة وطرق الزراعة والصناعة وكذلك نظام تقسيم الزمن والذي لا زال موجودا  في الصحف المنسوبة إلى إدريس عليه السلام. ولقد حث القرءان الكريم في آيات كثيرة المسلمين على تعلم حساب عدد  الأشهر والسنين والتفكر في الظواهر المتعلقة بتحديد بداياتها ونهاياتها  كالشمس والقمر والنجوم كما جاء في قوله تعالى "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)" يونس وقوله تعالى "وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)" يس وقوله تعالى " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً "  الإسراء  وقوله تعالى "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ"  الرحمن.  ولقد أكد  القرءان الكريم على أن  عدد الشهور  هو 12 شهرا كي يلتزم المسلمون بهذا النظام الزمني المتعارف عليه بين جميع البشر كما جاء في قوله الله تعالى "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " التوبة 36 . وامتثالا  لهذه التعليمات القرءانية  المتعلقة بتعلم حساب  السنين انبرى فريق من علماء المسلمين لتعلم علوم الفلك وترجمة علوم الأمم السابقة كالبابليين والمصريين والإغريق ثم قدموا إسهامات عظيمة في مختلف علوم الفلك وخاصة المتعلقة بتحديد  الأزمان والتواريخ والاتجاهات ومواعيد الصلوات ومواعيد الخسوف والكسوف. وقد تمكن عدد من علماء الفلك المسلمين من تحديد طول السنوات القمرية والشمسية والنجمية بدقة عالية وقاموا باختراع عدد من الآلات الفلكية التي تحدد اتجاه القبلة وكذلك تحدد الوقت من موقع الشمس في النهار  ومن مواقع القمر  والنجوم في الليل.


حساب طول السنة الشمسية  والنجمية والقمرية

إن أحد أهم المسائل التي اهتم  ببحثها علماء الفلك هو قياس طول السنة الشمسية أو المدارية (Solar or tropical year) بشكل دقيق حتى لا يحصل خطأ في حساب عدد السنين في أنظمة التقويم المختلفة وخاصة التقاويم الشمسية. ومن حيث المبدأ يمكن قياس طول السنة الشمسية من خلال قياس الفترة الزمنية بين وقت حدوث اعتدالين ربيعيين  أو خريفيين أو انقلابين صيفيين أو شتويين متتاليين.  ولكن  قياس وقت حدوث الاعتدال وذلك عندما تكون الشمس عمودية تماما على خط الاستواء لا يمكن أن يتم بدقة عالية بسبب بطء حركة الشمس عند مرورها فوق خط الاستواء وكذلك الحال مع الانقلابات. ولذلك لجأ علماء الفلك إلى حيلة ذكية وهي قياس زمن الاعتدال في تاريخ ما ثم قياسه بعد مرور عدد كبير من السنين ثم يتم حساب طول السنة الشمسية من خلال تقسيم فرق الزمن بين التاريخين على عدد السنين بينهما  وذلك لتقليل نسبة خطأ القياس.  لقد عرف البابليون والمصريون منذ القدم أن طول السنة الشمسية يبلغ 365 يوما وربع اليوم إلا أنهم لاحظوا إنزياحا في مواعيد الإعتدالات والانقلابات الشمسية.  لقد كانت أولى المحاولات لتحديد طول السنة الشمسية من قبل  الفلكي والرياضي اليوناتي ميتون ( Meton) في القرن الخامس قبل الميلاد باستخدام  الدورة  الميتونية ( Metonic cycle) التي نسبت إليه حيث وجد أن تسعة عشر سنة شمسية تقابل 235 شهر قمري أو 6940 يوم وبتقسيم عدد الأيام على 19 سنة شمسية حصل على طول السنة الشمسية فكانت  365.263 يوم أي 365 يوما و 6 ساعات و 18 دقيقة و 57 ثانية.  وقد قام الفلكي والرياضي اليوناني كالبيوس (Callippus)  في القرن الرابع قبل الميلاد بإجراء تعديل على الدورة الميتونية من خلال استخدام الدورة  الكلبكية (Callippic cycle) التي بلغ طولها 76 سنة شمسية وبلغ عدد الأيام فيها أربعة أضعاف عدد الأيام في الدورة الميتونية مع طرح يوم واحد منها أي 27759 يوم وبتقسيمها على 76 سنة حصل على طول 365.25 يوم للسنة الشمسية.  وفي القرن الثاني قبل الميلاد قام الفلكي والرياضي اليوناني الشهير هيبارخوس (Hipparchus) بإجراء تعديل على الدورة  الكلبكية (Callippic cycle) بما يسمى بالدورة الأبرخشية (Hipparchic cycle) حيث لاحظ من خلال رصد الزمن بين الاعتدالات أو الانقلابات الشمسية  أن طول السنة أقل من 365.25 يوما فقام بطرح يوم واحد من كل أربع دورات كلبكية أي كل 304 سنة  وحصل على طول 365.246667 يوم للسنة الشمسية. أما الفلكي الشهير بطليموس فقد قام في القرن الثاني الميلادي بحساب طول السنة الشمسية بالاعتماد على الرصد الذي قام به الفلكي والرياضي اليوناني الشهير هيبارخوس (Hipparchus) الذي وجد أن الشمس قد جازت  نقطة الاعتدال الخريفي في سنة مائة وثمان وسبعين من ممات الإسكندر.  وعليه قام بطليموس بالرصد  بعد مرور مائتين وخمس وثمانين سنة مصرية التي يبلغ طولها 365.25 يوم فوجد أن الشمس جازت  نقطة الاعتدال الخريفي سنة أربعمائة وثلث وستين من ممات الإسكندر.  ثم قام  بطليموس بحساب الزمن بين الرصدين فوجده مائتين وخمساً وثمانين سنة مصرية وسبعين يوماً وربع يوم وجزءاً من عشرين من يوم مقابل  الواحد والسبعين والربع يوم التي كانت تجب أن تجتمع من الأرباع التامة في هذه المائتين وخمس وثمانين سنة. وقد وجد بطليموس أن الفرق  بين الزمن الحقيقي المقاس بين الاعتدالين والزمن المقاس بالسنة المصرية يبلغ 0.95 يوم وبتقسيم هذا الرقم على 285 سنة  وطرح الناتج من 365.25 يوم حصل على طول السنة الشمسية وهو   365.2466667 يوم وهذا يساوي  365 يوما و 5 ساعات  و55  دقيقة و 12 ثانية بفارق سبع دقائق تقريبا عن الطول الحقيقي وهو نفس الطول الذي حصل عليه هيبارخوس في الدورة  الأبرخشية.



وقد قام الفلكي المسلم محمد بن جابر البتاني الملقب ببطليموس العرب في القرن الثالث الهجري برصد زمن الاعتدال الخريفي في مدينة الرقة السورية بعد مرور 743 سنة تقريبا من رصد بطليموس فوجده كما ذكر ذلك في كتابة زيج الصابيء (أن الزمن بين الرصدين يبلغ  سبعمائة وثلث وأربعون سنة مصرية ومائة وثمانية وسبعون يوماً ونصف وربع غير خمسي ساعة بالتقريب مكان مائة وخمس وثمانين يوماً ونصف وربع يوم كان يجب أن تجتمع من الأرباع في هذه السنين لو كانت الأرباع تامة). وقد وجد البتاني أن الفرق  بين الزمن الحقيقي المقاس بين الاعتدالين والزمن المقاس بالسنين المصرية يبلغ سبعة أيام وبتقسيم هذا الرقم على 743 سنة  وطرح الناتج من 365.25 حصل على طول السنة الشمسية وهو   365.240556 يوم وهذا يساوي  365 يوما و 5 ساعات  و46    دقيقة و 24 ثانية. وقد بلغ الخطأ في حساب البتاني لطول السنة الشمسية  98 ثانية فقط حيث يبلغ طولها الصحيح طبقا للقياسات الحديثة  365.242199  يوم وهذا يساوي 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية.  وفي عام 1438 م تمكن السلطان التيموري  (نسبة الى تيمورلنك مؤسس الدولة التيمورية ) والفلكي المسلم میرزا محمد طارق بن شاهرخ المشهور بألغ بيك من قياس طول السنة الشمسية فوجدها تبلغ 365.2425   وهذا يساوي 365 يوما و 5 ساعات و 49 دقيقة و 15 ثانية وبفارق  25 ثانية عن القيمة الصحيحة.



إن طول اليوم الأرضي وكذلك طول السنة الأرضية يعتمد على المرجع الذي يتم قياس هذه الظواهر بالنسبة له. فعند قياس  طول اليوم والسنة بالنسبة إلى الشمس كمرجع فإن الناتج هو يوم شمسي (Solar day) وسنة شمسية أو مدارية (Solar or tropical year).  فاليوم الشمسي  تم تعريفه على طول الفترة الزمنية بين طلوعين أو زوالين أو غروبين متتالين للشمس عند قياسهما من نفس المكان على سطح الأرض وقد تعارف البشر على أن طول هذا اليوم يبلغ 24 ساعة. وأما طول السنة الشمسية فهي كما سبق تعريفه فهو طول الفترة الزمنية بين وقت حدوث اعتدالين ربيعيين  أو اعتدالين خريفيين متتاليين  ويبلغ طولها طبقا للقياسات الحديثة  365.242199  يوم وهذا يساوي 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية.  أما اليوم النجمي (sidereal day) فيقاس بالنسبة لأحد نجوم السماء بدلا من الشمس ويقاس طوله بين طلوعين أو غروبين متتالين لأحد نجوم السماء حيث يبعد أقرب النجوم للأرض وهو النجم قنطورس 4.2 سنة ضوئية والذي يعادل 40 ترليون كيلومتر وهو أكبر بكثير من بعد الشمس عن الأرض البالغ 150 مليون كيلومتر. ويبلغ طول اليوم النجمي  23.9344696  ساعة أو 86164.0905 ثانية وهذا يعادل 23 ساعة و 56 دقيقة و 4 ثانية وهو يقل بأربع دقائق تقريبا عن طول اليوم الشمسي البالغ 24 ساعة أو 86400 ثانية . وللتأكيد فإن الأرض تكمل دورة واحدة (360 درجة) حول محورها في يوم نجمي  وليس في يوم شمسي حيث تدور الأرض في اليوم الشمسي 361 درجة أي أنها تزيد عن الدورة الكاملة بدرجة زاوية واحدة.  أما السنة النجمية (sidereal year) فتعرف على أنها الفترة الزمنية التي تكمل بها الأرض دورة كاملة حول الشمس ولكن بإتخاذ أحد نجوم السماء مرجعا للقياس وليس الفترة الزمنية بين اعتدالين ربيعيين أو خريفيين كما هو الحال مع السنة الشمسية. والسنة النجمية أطول من السنة الشمسية  بما مقداره 20 دقيقة و 25 ثانية تقريبا حيث يبلغ طولها 365.256363 يوما أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثواني بينما يبلغ طول السنة الشمسية  365.242199  يوم وهذا يساوي 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية.



إن أول من اكتشف الفرق بين طولي السنة الشمسية  والسنة النجمية هو الفلكي والرياضي اليوناني الشهير هيبارخوس (Hipparchus) (190 - 120 قبل الميلاد) وذلك بعد أن اكتشف أيضا أن  نقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي تنزحان ببطء  إلى الغرب على دائرة الكسوف  وذلك بالنسبة للنجوم الثابتة بما يسمى مبادرة الاعتدالين (precession of the equinoxes). إن هذا الإنزياح في نقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي يجعل طول السنة الشمسية أقصر من طول السنة النجمية بما يناظر مقدار هذا الانزياح حيث أن  الأرض لا تكمل دورة كاملة (360 درجة) حول الشمس عند قياسها بين نقطتين متتاليتين من الاعتدال الربيعي أو الخريفي. وعلى هذا فإنه يمكن حساب طول السنة النجمية من معرفة طول السنة الشمسية ومقدار الإنزياح في نقطة الاعتدال  أو العكس. لقد قام هيبارخوس بحساب طول السنة النجمية بعد أن قام بقياس طول السنة الشمسية  وقياس مقدار الانزياح  فوجدها تبلغ   365.2569444 يوم  أي 365 يوما و 6 ساعات و 10 دقائق   وهذا على اعتبار أن طول السنة الشمسية حسب قياسه  365.2466667 يوم أي  365 يوما و 5 ساعات و 55 دقيقة و 12 ثانية وأن مقدار إنزياح نقطة الاعتدال يبلغ درجة واحدة لكل مائة سنة حسب قياسه.  ولقد قام  الرياضي والفلكي المشهور  ثابت ابن قرة في القرن  الثالث الهجري بحساب طول السنة النجمية باستخدام قيمة أدق لمبادرة الاعتدالين فوجدها تبلغ   365.2563889 يوم  أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق   و 12 ثانية مقارنة بالقيمة الحالية وهي 365.256363 يوما أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثواني أي بفارق ثانيتين فقط. وتستخدم السنة النجمية  في بعض التقاويم المعتمدة على السنة النجمية (Sidereal solar calendars) كما في التقاويم الهندية والتاميلية حيث يعتمدون على مراقبة موقع الشمس في الأبراج الإثني عشر.

أما السنة القمرية (lunar year) فيتحدد طولها من ضرب طول الشهر القمري (Lunar or synodic month) في عدد أشهر السنة الاثني عشر كما تعارف على ذلك البشر منذ القدم. فالقمر  يكمل دورة كاملة في مداره حول الأرض في 27.3216 يوما وهو ما يسمى بالشهر النجمي (sidereal month ) حيث يتم قياس موقع القمر بالنسبة لأحد النجوم. وعند قياس موقع القمر بالنسبة للشمس فإن طول الشهر القمري بالنسبة للراصد الأرضي يبلغ 29.530589 يوما  (29 يوم و 12 ساعة و 44 دقيقة و 2.9 ثانية).  ويتم قياس طول الشهر القمري بين طورين متماثليين ومتتالين من أطوار القمر ( lunar phases) كطور الهلال  أو القمر الجديد (  lunar crescent  new moon or) أو البدر (full moon).  وعلى هذا يبلغ طول السنة القمرية المكونة من 12 شهرا 354.367068 يوما  (354 يوم و 8 ساعات و 48 دقيقة و 34 ثانية) بينما يبلغ طول السنة الشمسية 365.2422 يوما أي بفارق 10.875 يوما.  ويدور القمر حول الأرض في مدار بيضاوي الشكل  (elliptical) متوسط قطره 384 ألف كيلومتر  بسرعة متوسطة تبلغ  3679 كم\ساعة. ويبلغ أقصى بعد له عن الأرض وهي نقطة الأوج (apogee)  405 ألف كيلومتر  بينما يبلغ أدنى بعد له عن الأرض وهي نقطة الحضيض (perigee)  362 ألف كيلومتر حيث تبلغ اللامركزية (eccentricity) في المدار  0,0549. ويميل مستوى مدار القمر   عن مستوى مدار الأرض حول الشمس بمقدار 5,145 درجة ولهذا فإن كسوف الشمس وخسوف القمر لا يحدثان إلا إذا وقعا بالقرب من العقد  المدارية (orbital nodes.) وهي النقطتين التي يتقاطع عندهما مدار القمر مع مدار الشمس الظاهري حول الأرض. إن العقد المدارية ليست ثابتة بل تدور دورة كاملة حول فلك البروج في كل 18.6 سنة مما يعني تغيير موقعي الأوج والحضيض للقمر بالنسبة للشمس .

 


التقويم القمري

لقد كان أشهر التقاويم المستخدمة في العالم قبل ظهور التقويم الشمسي في القرن الأول قبل الميلاد هي التقويم القمري (Lunar Calendar)  والتقويم القمري الشمسي ( lunisolar calendar).  ويتميز التقويم القمري بدقته في تحديد الأشهر والسنين القمرية وببساطته البالغة حيث يمكن لعامة الناس حساب عدد السنين القمرية دون أي خطأ من خلال عد الأشهر القمرية التي لا يمكن أن يخفى مرورها على أي راصد.  وبما أن طول السنة القمرية  يبلغ  354.367068 يوما   وأن عدد الأشهر في السنة إثنا عشر شهرا فإن طول الأشهر القمرية سيكون إما  29  يوما أو 30 يوما بمعدل 29.530589 يوما.  ولو اعتبرنا أن طول السنة القمرية يبلغ  354 يوما  بدون الكسر فإن السنة القمرية ستتكون من ستة أشهر بطول 29 يوما وستة أشهر بطول 30 يوما بحيث يكون شهرا بطول 29 يوما يليه شهر بطول 30 يوما. وقد تم التغلب على وجود الكسر البالغ 0.367068 يوما في السنة القمرية باستخدام أكثر من طريقة حسابية أحدها أن يتم استخدام دورة بطول ثلاث سنوات مكونة من سنتين بسيطتين (normal year) بطول 354 يوما (ستة أشهر بطول 29 يوم و ستة أشهر بطول 30 يوم)  وسنة كبيسة (leap year) بطول 355 يوما (خمس أشهر بطول 29 يوم و سبعة أشهر بطول 30 يوم).  ويبلغ معدل طول السنة القمرية  في هذه الدورة الثلاثية  354.3333 يوما وهو أقل بمقدار 00.033735 يوم عن طول السنة القمرية الصحيح ولهذا يلزم إضافة يوم واحد لسنة بسيطة في آخر دورة ثلاثية في كل ثلاثين سنة  ليصبح معدل طول السنة القمرية 354.3666667 يوم وبخطأ يبلغ يوما واحد كل 2500 عام.    وقد تم استخدام طريقة حسابية مماثلة للطريقة السابقة من قبل الفلكيين المسلمين ابتداءا من القرن الثاني الهجري سميت بالتقويم الهجري المجدول (Tabular Islamic calendar) حيث تستخدم دورة بطول 30 سنة  (30-year cycle) فيها 19 سنة بسيطة بطول 354 يوما  و 11 سنة كبيسة بطول 355 يوما  ويتم توزيع السنوات الكبيسة على مدى ثلاثين سنة بفاصل عامين أو ثلاثة أعوام بينها.  ويبلغ معدل طول السنة القمرية  في هذه الدورة الثلاثينية   354.3666667 يوم وبخطأ يبلغ يوما واحد كل 2500 عام كما هو الحال مع الدورة الثلاثية. واستخدم العثمانيون دورة بطول ثماني سنوات (8-year cycle) فيها خمس سنوات بسيطة وثلاث سنوات كبيسة وهي السنوات 2 و 5 و8 ويبلغ معدل طول السنة القمرية فيها 354.375 يوما وبخطأ يبلغ يوما واحدا كل 126 سنة. ورغم أن الدورة الثمانية أقل دقة من الدورة الثلاثينية إلا أنها تمتاز بأن أيام الأسبوع  تقع في نفس التواريخ للدورات المتعاقبة.  ويستخدم المسلمون التقويم القمري في التقويم الهجري حيث اتفق صحابة رسول الله في زمن الخليفة عمر ابن الخطاب على أن بداية التقويم الهجري هي السنة التي هاجر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. وقد اختار الصحابة شهر محرم كبداية للسنة الهجرية رغم أن الهجرة قد  حدثت في في شهر ربيع الأول وهو الشهر الثالث من شهور السنة القمرية عند العرب. ويوافق اليوم الأول من محرم من السنة الأولى من الهجرة  اليوم السادس عشر  من الشهر السابع (تموز  يوليو) من سنة 622 ميلادي حسب التقويم اليولياني (Julian calendar).



التقويم القمري الشمسي

إن العيب الرئيسي في التقويم القمري هو أن طول السنة القمرية يقل 11 يوما تقريبا عن طول السنة الشمسية مما يؤدي إلى إزاحة في التواريخ المرتبطة ببدايات الفصول ومواعيد الزراعة والحصاد.  ولذلك استخدمت كثير من الأمم في الماضي والحاضر التقويم القمري الشمسي  ( lunisolar calendar) بصيغ مختلفة وذلك لتثبيت تواريخ الظواهر المرتبطة بالشمس كفصول السنة ومواعيد الزراعة وغيرها. وتستخدم جميع التقاويم القمرية الشمسية ما يعرف بعملية الإقحام أو الإلحاق (Intercalation or embolism)  وهي إضافة أيام أو أشهر إلى السنة القمرية لكي تتزامن مع السنة الشمسية. وقد تم استخدام هذا التقويم من قبل البابليون ومن قبلهم من حضارات ما بين النهرين والصينيون والهنود ومن جاورهما من الأمم  واليهود بأشكال مختلفة. فالتقويم اليهودي وكذلك التقويم الصيني الحالي غير الرسمي تتألف السنوات فيه من سنوات قمرية خالصة فيها 12 شهر بطول 29 أو 30 يوم على التعاقب وسنوات كبيسة مكونة من 13 شهر  قمري. ويتم تحديد السنوات الكبيسة بناءا على الدورة  الميتونية ( Metonic cycle) حيث يتم إقحام سبع سنوات كبيسة بمعدل سنة أو ثلاث سنوات في دورة مكونة من 19 سنة.  وفي التقويم الهندي تتكون السنة من 12 شهرا قمريا بطول 29 أو 30 يوم بالتعاقب ويتم إضافة شهر قمري بعد مرور 32 شهر قمري أي في منتصف السنة القمرية الثالثة ومن ثم بعد مرور 33 شهر قمري ثم تعاد هذه الدورة.  وفي التقويم الروماني القديم تم استخدام التقويم القمري الشمسي  ابتداءا من القرن الثامن قبل الميلاد حيث تتكون السنة فيه من 12 شهرا قمريا بطول 29 أو 30 يوما على التعاقب ويضاف شهر ثالث عشر كل سنتين بطول 22 يوما في أول سنتين و23  يوما في السنتين التاليتين  وبهذا يصبح طول السنة في هذا التقويم 365.25 يوما وهو طول السنة الشمسية. 



التقويم الشمسي

نظرا لوجود الكسر في طول السنة الشمسية والبالغ ربع يوم تقريبا كان لزاما على علماء الفلك إيجاد طريقة تضمن صحة حساب عدد السنين وثبات تواريخ الاعتدالات والانقلابات الشمسية وبقية الظواهر الطبيعية المتعلقة بالشمس وكذلك ثبات تواريخ الفصول ومواعيد الزراعة وبقية النشاطات الإنسانية. ولقد تم استخدام أول تقويم شمسي (solar calendar)  بأمر من الامبراطور الروماني يوليوس قيصر( Julius Caesar) في القرن الأول قبل الميلاد  وسمي التقويم اليولياني (Julian calendar). وفي هذا التقويم اليولياني يبلغ طول السنة الشمسية 365 يوم وربع اليوم  وهذا يستلزم استخدام دورة بطول أربع سنوات يكون طول السنة 365 يوم في السنوات الثلاثة الأولى والتي تسمى السنوات البسيطة (normal year)  وإضافة يوم واحد لطول السنة الرابعة ليبلغ 366 يوم والتي تسمى بالسنة الكبيسة (leap year). وبما أن طول السنة الشمسية  الحقيقي يقل عن 365 يوم وربع اليوم بكسر قليل فإن التقويم اليولياني يؤدي إلى إزاحة تقويمية (calendar's drift) تبلغ ثلاثة أيام تقريبا كل  400 سنة.  وقد تم استبدال التقويم اليولياني بالتقويم الغريغوري (Gregorian calendar)  بأمر من البابا غريغوريوس الثالث عشر في عام 1582 م بعد حذف عشرة أيام من التقويم اليولياني وهي الأيام الزائدة التي تراكمت من الخطأ في طول السنة الشمسية اليوليانية. ويبلغ طول السنة الشمسية في التقويم الغريغوري 365.2425 يوما وبمقارنتها بالقيمة الصحيحة البالغة  365.242199  يوما فإنه ستحدث زيادة بمقدار  يوما واحد بعد مرور  3322 سنة من بدء استخدام التاريخ الغريغوري.  ويعمل التقويم الغريغوري على شاكلة التقويم اليولياني حيث تم استخدام دورة بطول أربع سنوات يكون طول السنة 365 يوم في السنوات الثلاثة الأولى والتي تسمى السنوات البسيطة وإضافة يوم واحد لطول السنة الرابعة ليبلغ 366 يوم والتي تسمى بالسنة الكبيسة. ولتفادي الإزاحة الناتجة عن الفرق بين ربع اليوم في التقويم اليولياني وبين  0.2425 يوم في التقويم الغريغوري يتم حذف ثلاثة أيام كل أربعمائة سنة ليصبح متوسط طول السنة 365.2425 يوم تماما على مدى 400 سنة. ويتم حذف الثلاثة أيام الزائدة في كل 400 سنة في التقويم الغريغوري على النحو التالي فأولا يتم إضافة يوم واحد لشهر شباط كل أربع سنوات في السنوات الميلادية الكبيسة التي تقبل القسمة على أربع باستثناء السنوات التي تقبل القسمة على مائة فلا يضاف يوم لشهر شباط وتعتبر هذه السنوات سنوات بسيطة ويستثنى من السنوات المئوية السنوات التي تقبل القسمة على 400 فتعتبر سنوات كبيسة.

 

التحويل بين التاريخ الهجري القمري  والتاريخ الميلادي الشمسي

إن نقطة الضعف الرئيسية في  التاريخ الهجري القمري هي أنه لا يتزامن مع فصول السنة وعليه فإنه  من غير الممكن تحديد بدايات فصول السنة ومواعيد زراعة وحصاد المزروعات ومواعيد تزاوج وتوالد الأنعام والدواب والطيور والأسماك ومواعيد الصيد والقنص ومواعيد نزول المطر  والثلج ومواعيد تغير اتجاه الرياح وغيرها. وبما أن معظم الأحداث في التاريخ الاسلامي قد تم تدوينها باستخدام التاريخ الهجري القمري فإنه من الصعب من خلاله معرفة الفصول السنوية التي تمت فيها هذه الأحداث والتي تلزم لمعرفة الظروف الجوية والمناخية التي حصلت فيها هذه الأحداث. إن معرفة التاريخ الميلادي الشمسي المناظر للتاريخ الهجري القمري الذي دونت به الأحداث  الإسلامية يعطي صورة أوضح عن الظروف والملابسات والقرارات المتعلقة بتلك الأحداث. وعليه فإنه من الضروري  معرفة التواريخ الميلادية التي تم فيها هجرة رسولنا الكريم  ومعاركه وغزواته ومعاهداته وميلاده وفاته صلى الله عليه وسلم وكذلك بقية الأحداث التي تمت في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين وما تلى من عصور. فعلى سبيل المثال فإن معركة بدر قد حدثت في 17 رمضان من العام الثاني الهجري  الموافق  15  آذار  من عام 624م  ومعركة أحد حدثت في 7 شوال من العام الثالث الهجري الموافق  25 آذار من عام 625م ومعركة الخندق حدثت في  شوال من العام الخامس الهجري  الموافق  لآذار  من عام 627م  وجميعها حدثت في فصل الربيع.  أما فتح مكة فقد حدث في 20 رمضان من العام الثامن الهجري الموافق 12 كانون ثاني من عام 630م  أي في فصل الشتاء وغزوة تبوك فقد حدثت في شهر رجب من العام التاسع الهجري الموافق لشهر  تشرين أول من عام 630 م أي في فصل الخريف. وتوفي رسولنا الكريم يوم الاثنين في 12 ربيع اول من عام 11 هجري الموافق 8 حزيران  من عام 632 م أي في فصل الصيف وقد ولد صلى الله عليه وسلم في 12 ربيع الأول من عام 53 قبل الهجرة الموافق    22 نيسان من عام 571م أي في الربيع.

  يمكن تحويل التاريخ الهجري القمري إلى التاريخ الميلادي الشمسي الغريغوري وكذلك العكس  بدقة عالية  إذا ما تم استخدام قيم دقيقة لطول السنوات والأشهر القمرية والشمسية وكذلك معرفة التاريخ الميلادي الموافق لبداية التاريخ الهجري أي اليوم الأول من الشهر الأول وهو محرم من العام الأول الهجري. ويبلغ طول السنة الشمسة كما تم قياسه من قبل علماء الفلك 365.242199  يوم وبتقسيم هذا الرقم على 12 شهر يكون معدل طول الشهر الشمسي  30.43685 يوم بينما يبلغ طول الشهر القمري كما تم قياسه  29.530589 يوم  وبضرب هذا الرقم في  12 شهر يكون طول السنة القمرية   354.367068 يوم .  ويمكن تحديد  التاريخ الميلادي الموافق لبداية التاريخ الهجري من خلال معرفة التاريخ الهجري المناظر للتاريخ الميلادي في  الوقت الحاضر أو في أي وقت وذلك بطرح السنوات الهجرية بعد تحويلها إلى سنوات ميلادية من سنوات  التاريخ الميلادي. فعلى سبيل المثال فإن 29 صفر (شهر 2) من عام 1446 هجري يوافق  3 أيلول (شهر 9) من عام 2024 ميلادي ومنها نجد أن عدد السنوات الهجرية  مصاغة بالسنوات هو 1445.166494 وهي تساوي 1402.136485 سنة شمسية وبعد طرحها من عدد السنوات الشمسية للتاريخ الميلادي المذكور وهو 2023.676264  نحصل على 621.539778 سنة (السادس عشر من تموز من عام 622 ميلادي) وهو التاريخ الميلادي الموافق لبداية التاريخ الهجري.  ويلزم لعملية التحويل بين التاريخ الهجري والتاريخ الميلادي تحويل السنوات الهجرية والميلادية المعطاة بالأيام والأشهر والسنوات إلى سنوات مصاغة كعدد صحيح يمثل عدد السنوات التي تسبق السنة الأخيرة وكسر  يمثل عدد الأيام في السنة الأخيرة مقسوما على عدد أيام السنة سواءا كانت هجرية أو ميلادية. ويتم تحويل كسر السنة إلى أيام وأشهر من خلال ضرب الكسر في عدد أيام السنة لنحصل على عدد الأيام في السنة الأخيرة وبتقسيم عدد الأيام على معدل طول الشهر نحصل على الأشهر والباقي هو عدد الأيام في الشهر الأخير. فعلى سبيل المثال فإن عدد الأيام في السنة الأخيرة من التاريخ الميلادي الموافق لبداية التاريخ الهجري وهو  621.539778 سنة يبلغ  197.15 يوما وبتقسيمها على  30.43685 يوم نحصل على 6.47734  وبطرح عدد الأيام في الأشهر الستة من عام 622 م والتي تبلغ 181 يوم من 197 نحصل على عدد الأيام في الشهر السابع  وهي 16 يوم وبهذا يكون التاريخ المذكور هو السادس عشر من تموز من عام 622 ميلادي.



 يتم حساب التاريخ الهجري من التاريخ الميلادي من خلال معادلة بسيطة وهي طرح الرقم  621.539778 من التاريخ الميلادي مصاغا بالسنوات وضرب الناتج  في الرقم 1.03068889 وهو حاصل قسمة طول السنة الشمسية على طول السنة القمرية (365.242199\354.367068).  ويتم تحويل تاريخ السنة  الهجرية الناتجة  والمصاغة بالسنوات إلى تاريخ هجري مصاغ بالأيام والأشهر والسنوات على النحو التالي: يتم تحديد عدد السنوات في هذا التاريخ من خلال إضافة الرقم واحد إلى العدد الصحيح  الناتج من عملية التحويل  وأما كسر السنة فيتم تحويله إلى أيام وأشهر من خلال ضرب الكسر في عدد أيام السنة القمرية وهو    354.367068 يوم  لنحصل على عدد الأيام في السنة الأخيرة وبتقسيم عدد الأيام على معدل طول الشهر القمري  29.530589 يوما  نحصل على عدد الأشهر والباقي هو عدد الأيام في الشهر الأخير من السنة الأخيرة.  وأما التاريخ الميلادي فيتم الحصول عليه من التاريخ الهجري من خلال ضرب التاريخ الهجري مصاغا بالسنوات في الرقم   0.970224878  وهو حاصل قسمة طول السنة القمرية على طول السنة الشمسية (354.367068 \365.242199) وإضافة الرقم 621.539778  سنة إلى الناتج. ويتم تحويل تاريخ السنة  الميلادية الناتجة المصاغة بالسنوات إلى تاريخ ميلادي مصاغ بالأيام والأشهر والسنوات على النحو التالي: يتم تحديد عدد السنوات من خلال إضافة الرقم واحد إلى العدد الصحيح  الناتج من عملية التحويل  ويتم تحويل كسر السنة إلى أيام وأشهر من خلال ضرب الكسر في عدد أيام السنة الشمسية وهو   365.242199 يوما   لنحصل على عدد الأيام في السنة الأخيرة وبتقسيم عدد الأيام على معدل طول الشهر الشمسي 30.43685 يوما  نحصل على عدد الأشهر والباقي هو عدد الأيام في الشهر الأخير من السنة الأخيرة.

فعلى سبيل المثال سنقوم بحساب التاريخ الهجري المناظر  للأول من آذار لعام 2025 ميلادي على النحو التالي: يتم أولا تحويل السنة الميلادية المعطاة بالسنوات والأشهر والأيام إلى سنة مصاغة بالسنوات وذلك بتقسيم عدد الأيام في الأشهر المعطاة في سنة 2025 وهي شهر 1 و 2 و 3 (31+28 +1= 60 يوم) على عدد الأيام في السنة الميلادية   وهو  365.242199  يوم فنحصل على الكسر 0.164274 سنة ونضيفه على 2024 سنة وهي السنة الشمسية السابقة ليكون الناتج 2024.16153665 سنة ثم نطرح  منه الرقم  621.539778 سنة فنحصل على 1402.621758 ثم نضرب هذا الناتج بالرقم  1.03068889 فنحصل على الرقم  1445.666663 وهي السنة الهجرية المراد حسابها مصاغة بالسنوات.  ومن هذا الرقم نعرف أن تاريخ السنة الهجرية هو 1446 حيث أن الكسر يمثل السنة التي تلي سنة 1445 وأما الشهر فنحصل عليه بضرب الكسر 0.666663  في  طول السنة القمرية 354.367068 يوم ونقسمه على طول الشهر القمري  29.530589 يوم فيكون الناتج 7.99995  وهذا هو الشهر الثامن من السنة الهجرية وهو شعبان. وأما تاريخ اليوم في شهر شعبان فنحصل عليه من ضرب الكسر 0.99995 في  29.530589 فيكون الناتج 29.529 يوم وهو إما يوم 30 من شعبان أو الأول من رمضان لسنة 1446 هجري.  وللتأكد من صحة هذا التحويل نعيد الحساب لنفس المسألة  فنحسب تاريخ السنة الميلادية من السنة الهجرية وهي الأول من رمضان (الشهر التاسع) من سنة 1446 هجري على النحو التالي: يتم أولا تحويل السنة الهجرية من سنوات وأشهر وأيام إلى سنة مصاغة بالسنوات وذلك بتقسيم عدد الأيام في الأشهر المعطاة في سنة 1446 وهي الأشهر الثمانية الأولى  مع زيادة يوم من رمضان ( 237.2447يوم) على عدد الأيام في السنة الهجرية  وهو  354.367068 يوم فنحصل على الكسر 0.6694886 سنة ونضيفه على 1445 وهو رقم السن القمرية السابقة ليكون الناتج 1445.669489 سنة قمرية ثم نضرب هذا الناتج بالرقم   0.970224878 فنحصل على الرقم    1402.6245 سنة شمسية ثم نضيف له الرقم  621.539778 سنة فنحصل على الرقم  2024.16428 وهي السنة الميلادية المراد حسابها مصاغة بالسنوات.  ومن هذا الرقم نعرف أن تاريخ السنة الميلادية هو 2025 حيث أن الكسر يمثل السنة التي تلي سنة 2024م.  وأما الشهر فنحصل عليه بضرب الكسر   0.16428 في   365.242199 لنحصل على 60 يوم تماما وهو عدد الأيام في سنة 2025  وهي عدد أيام شهر كانون ثاني وشباط ويوم واحد من آذار  وبذلك يكون التاريخ الميلادي المناظر للأول من رمضان (الشهر التاسع) من سنة 1446 هجري هو الأول من آذار من سنة 2025 ميلادي وهذا يتطابق تماما مع التحويل السابق لنفس التاريخ.

وباستخدام طريقة التحويل التي شرحناها آنفا  فستكون بداية السنة الهجرية لعام 1446ه في  8 آب من عام 2024م  وبداية رمضان في الأول من آذار من عام 2025م  وعيد الفطر وهو الأول من شوال في  31 آذار من عام 2025م  وعيد الأضحى وهو العاشر من ذي الحجة في  7 حزيران من عام 2025م.   وستكون بداية السنة الهجرية لعام 1447ه  في 27 حزيران من عام 2025م   وبداية رمضان 18 شباط من عام 2026م   وعيد الفطر  في 20 آذار من عام 2026م وعيد الأضحى في 27 أيار من عام 2026م. وستكون بداية السنة الهجرية لعام 1448ه  في 16 حزيران من عام 2026م   وبداية رمضان في 7 شباط من عام 2027م   وعيد الفطر  في 9 آذار من عام 2027م  وعيد الأضحى في 16 أيار من عام 2027م . وستكون بداية السنة الهجرية لعام 1449ه في  6 حزيران  من عام 2027م  وبداية رمضان في  27 كانون ثاني من عام 2028م  وعيد الفطر في   26 شباط من عام 2028م وعيد الأضحى في    5 أيار من عام 2028م. وستكون بداية السنة الهجرية لعام 1450ه في 25 أيار  من عام 2028م  وبداية رمضان في 17 كانون ثاني من عام 2029م  وعيد الفطر في 15 شباط من عام 2029م  وعيد الأضحى في 24 نيسان من عام 2029م . وستكون بداية السنة الهجرية لعام 1451ه في  15 أيار من عام 2029م  وبداية رمضان في  6  كانون ثاني من عام 2030م وعيد الفطر في  5 شباط من عام 2030م وعيد الأضحى في  13 نيسان من عام 2030م..

التقويم النجمي

يعتمد التقويم النجمي  (Sidereal Calendar) على موقع الشمس بالنسبة للأبراج الإثني عشر (zodiac) الواقعة في فلك البروج (ecliptic)  وهو المدار الذي تتبعه الشمس في دورانها الظاهري حول الأرض. وتتألف السنة النجمية من إثني عشر شهرا سميت بأسماء البروج الإثني عشر حيث تبدأ بالشهر الأول وهو القوس أو الرامي   (Sagittarius) في تاريخ 19 من شهر كانون الأول بطول  29 يوم في السنوات البسيطة و 30 يوم في الكبيسة  (leap year) ثم الثاني وهو الجدي (Capricorn) بطول 30 يوم بتاريخ  17 كانون الثاني أو 18 في السنوات الكبيسة ثم الثالث وهو الدلو (Aquarius) بطول 30 يوم ويبدأ في 16 شباط أو 17 في السنوات الكبيسة ثم  الرابع وهو الحوت (Pisces) بطول 30 يوم بتاريخ  18 اذار ثم الخامس وهو الحمل (Aries) بطول 31 يوم بتاريخ 17 نيسان  والسادس وهو الثور (Taurus) بطول 31 يوم بتاريخ  18 أيار والسابع  وهو النوأمان (Gemini) بطول 31 يوم بتاريخ  18 حزيران والثامن وهو السرطان (Cancer) بطول 31 يوم بتاريخ 19 تموز والتاسع وهو الأسد (Leo) بطول 31 يوم بتاريخ  19 آب  والعاشر وهو العذراء أو السنبلة (Virgo) بطول 31 يوم بتاريخ  19 أيلول والحادي عشر وهو الميزان (Libra) بطول 30 يوم بتاريخ  20 تشرين أول والثاني عشر وهو العقرب (Scorpius) بطول 30 يوم بتاريخ 19 تشرين ثاني. ولضبط طول السنة النجمية على القيمة الصحيحة وهي 365.256363 يوما تم استخدام عدة دورات لزيادة دقة معدل طول السنة  فأولها دورة مكونة من أربع سنوات تكون فيها السنة الرابعة سنة كبيسة ويبلغ معدل طول السنة فيها 365.25 يوم.  أما الدوره الثانية فتتكون من 39 سنة نجمية فيها تسع دورات رباعية يضاف إليها ثلاث سنوات فيها سنة كبيسة وهي السنة 39  ويبلغ معدل طول السنة فيها 365.2564103 يوم.  أما الدورة الثالثة فتتكون من 160 سنة فيها أربع دورات من الدورة ذات 39 سنة يضاف إليها أربع سنوات في آخرها سنة كبيسة ويبلغ معدل طول السنة فيها 365.25625 يوم وهو قريب من القيمة الصحيحة وهي  365.256363 يوم. 



يتم تحديد بداية الشهر النجمي من دخول الشمس في منطقة برج ذلك الشهر ولكن بسبب ضوء الشمس الساطع  فإنه لا يمكن  رؤية البرج الذي يقع خلفها ولا حتى الأبراج التي قبله أو بعده  ويقال حينئذ أن الشمس قد نزلت في ذلك البرج. ويستدل على نزول الشمس في أحد البروج من خلال مراقبة البرج المقابل له تماما على فلك البروج (180 درجة) أو ما يسمى بالرقيب فرقيب الحمل هو الميزان وكذلك العكس ورقيب الثور هو العقرب وهكذا لبقية الأبراج. وعلى ذلك فإنه يمكن تحديد منزل  الشمس  في أي وقت من خلال معرفة البرج الرقيب الذي يطلع من جهة الشرق  عند غياب الشمس أو الذي يسقط في الغرب عند شروق الشمس. وعلى ذلك فإن تحديد بداية كل شهر من أشهر  السنة النجمية يتم من خلال مراقبة بداية طلوع الرقيب من الشرق عند غياب الشمس.  وتنزل الشمس في كل برج من فلك البروج مدة ثلاثين يوما تقريبا حيث تتحرك الشمس من الشرق إلى الغرب خلال منطقة البرج بمقدار درجة قوسية واحدة كل يوم. إن هذا التقويم الذي يعتمد على البروج فقط قد لا يكون دقيقا بسبب صعوبة تحديد الحدود الفاصلة بين مناطق البروج أو قلة عدد النجوم في البرج  بحيث لا تغطي كامل منطقة البرج. 



ويستدل على البروج الاثني عشر وبقية أبراج السماء من معرفة بعض النجوم اللامعة التي تشكلها ونستعرض فيما يلي خصائص بعض بروج السماء وأسماء بعض نجومها حيث تغلب اللغة العربيةعلى أسماء معظمها مما دفع أحد الغربيين للقول بأن السماء عربية.  إن أوضح البروج في فصل الشتاء هي بروج الجوزاء (الجبار) والثور  والكلب الأكبر  والكلب الأصغر والتوأمين. فبرج الجوزاء أو الجبار (Orion)  هو أجمل بروج السماء  من حيث كثرة النجوم اللامعة فيه وطريقة ترتيبها ووجود عدة سدم فيه.  ويقع هذا البرج  فوق خط الاستواء الأرضي بمحاذاة  برجي الثور والتوأمين من الجنوب من دائرة  البروج بحيث تقع بعض نجومه الشمالية داخل هذه الدائرة والتي تشكل أحد منازل القمر.  ويتكون البرج من عدد كبير من النجوم الساطعة على شكل صياد جبار يتكون رأسه من مجموعة من النجوم المتقاربة أهمها الميسان (meissa) ومنكبه من نجمتين لامعتين هما منكب الجوزاء  (betelgeuse)  والمرزم (belatrix)  وحزامه من ثلاثة نجوم متقاربة تقع على استقامة واحدة  هي المنطقة (mintaka) والنظام (alnilam) والنطاق (alnitak). ويوجد عند ركبتيه نجمان هما رجل الجبار (rigel) وهو ألمع نجوم البرج والسيف (saiph) ويحمل بيده قوسا مكون من عدة نجوم. ويوجد في البرج ثلاثة سدم وهي سديم الجبار وسديم رأس الحصان وسديم اللهب والتي تتميز بتنوع ألوانها كالأحمر والأصفر والزهري والأسود.  وإلى الجنوب الشرقي من برج الجوزاء يوجد برج الكلب الأكبر  الذي يوجد فيه ألمع نجوم السماء على الاطلاق وهو  نجم الشعرى اليمانية (sirius) والذي ذكره القرآن الكريم في قوله تعالى "وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)" النجم. وإلى الشمال من الكلب الأكبر يوجد برج الكلب الأصغر  وفيه يوجد الشعرى الشامية (procyon).  وإلى الشمال الغربي من برج الجبار يوجد برج الثور ضمن دائرة البروج ومن نجومه  نجم الدبران (aldebaran) ونجوم الثريا السبع (pleades). وإلى الشمال الشرقي من برج الجبار يوجد برج التوأمان ضمن دائرة البروج ومن نجومه نجم التوأم المقدم (castor) والتوأم المؤخر (pollux).  أما أهم البروج التي  يمكن مشاهدتها في فصل الربيع فهي  برج  السرطان والأسد والعذراء  والعواء والدب الأكبر والشجاع. وبرج  الأسد يقع في دائرة البروج بين برجي السرطان والعذراء وتشكل نجومه ما يشبه شكل الأسد ومن ألمع نجومه  قلب الأسد (regulus) والمنجل (the sickle). أما برج العذراء فيقع إلى الجنوب الغربي من برج الأسد وضمن دائرة البروج ومن أشهر نجومه السنبلة أو السماك الأعزل (spica). ويقع إلى الشمال من برج العذراء برج العواء  (bootes)  والنجم الرئيسي فيه هو السماك الرامح (arcturus) وهو نجم برتقالي ساطع جدا. وإلى الشمال من برج الأسد يوجد أجمل بروج فصل الربيع وهو  برج الدب الأكبر أو بنات نعش الكبرى (ursa major or big dipper) وهو من البروج دائمة الظهور بسبب قربها من القطب الشمالي.  ويتكون البرج من سبعة نجوم لامعة ثلاثة منها على شكل ذيل يسمى آخرها بالقائد (alkaid) بينما تشكل الأربعة الباقية شكلا مستطيلا يسمى النجمان الواقعان على الضلع المقابل للذيل بالدليلين وهما الدبة (dubbe) والمراق (merak). وإلى الشمال من الدب الأكبر يوجد الدب الأصغر  أو بنات نعش الصغرى الذي له نفس شكل الدب الأكبر  وفي ذيله يوجد النجم القطبي الشمالي وهو ألمع نجومها.  وإلى الجنوب من دائرة البروج بمحاذاة كل من بروج السرطان والأسد والعذراء يوجد أكبر وأطول بروج السماء وهو برج الشجاع (hydra) وهو على شكل ثعبان طويل ومن ألمع نجومة الفرد أو عنق الشجاع (a[phard).



 أما أهم البروج المشاهدة في فصل الصيف فهي  بروج الميزان والعقرب  والقوس والحواء  والعقاب أو النسر الطائر والقيثارة أو النسر الواقع  والأوزة أو الدجاجة. فبرج العقرب والذي يقع في دائرة البروج بين برجي الميزان والقوس هو أجملها  ويتكون من تشكيلة كبيرة  من النجوم اللامعة على شكل عقرب  ونجومه الرئيسية هي قلب العقرب الأحمر (antares) والزباني(graffias)  والإكليل(Rho Scorpii)  والشولة (shaula). ويقع برج الميزان  إلى الغرب من العقرب ونجومة خافتة ومن أهمها الزبان الشمالي (zubeneschamali) والزبان الجنوبي (zubenelgenubi). ويقع برج القوس أو الرامي إلى الشرق من العقرب. ويقع برج الحواء (ophiuchus or the serpent bearer) بين برجي العقرب والقوس إلى الشمال من دائرة البروج ومن ألمع نجومها رأس الحواء (rasalhague).    ويقع برج العقاب (aquila) إلى الشمال من برج القوس ونجمه الرئيسي هو نجم النسر الطائر أو الطير (altair). وبرج القيثارة (lyra) يقع إلى الشمال من برج العقاب ونجمه الرئيسي هو النسر الواقع (vega) وهو من أكثر النجوم الشمالية لمعانا، ويقع  برج الأوزة (cygnus)  إلى الغرب من برج القيثارة وله شكل يشبه الأوزة برقبة طويلة وذنب قصير ونجمه الرئيسي هو الذنب (deneb).  وفي هذا الفصل يشكل كل من نجم النسر الطائر والنسر الواقع والذنب مثلثا جميلا يدعى مثلث الصيف،  وأما أهم البروج في فصل الخريف فهي بروج الجدي والدلو  والحوت والفرس والمرأة المسلسلة أو الأندروميدا. وتعد كوكبة الفرس الأعظم (pegasus) من أوضح بروج الخريف وتقع إلى الشمال من برج الدلو  ومن أشهر  نجومها الساعد (scheat) والمنكب (merkab) والجنب (algenib) وسرة الفرس (a[pheratz) والتي تشكل ما يسمى بمربع الخريف. ويقع برج الحوت في دائرة البروج بين برجي الحمل والدلو ومن نجومه الرشاء (alreshcha) وفم الحوت (fomalhaut) وإلى الشرق منه يقع برج الدلو وفيه نجوم سعد السعود وسعد الملك وسعد الأخبية.   أما برج الجدي فيقع في دائرة البروج إلى الشرق من برج الدلو ومن نجومه الجدي (algedi) وذنب الجدي وسعد الذابح وسعد الناشرة   وإلى الشمال من كوكبة الفرس تقع كوكبة المرأة المسلسلة  ومن نجومها المئزر (mirach) وعناق الأرض (almach).

التقويم النجمي القمري ومنازل القمر عند العرب

لقد استفاد البشر من المنازل التي ينزلها القمر في دائرة البروج أثناء دورانه حول الأرض في ايجاد توقيت نجمي قمري  لتحديد بداية الفصول وتغيرات أحوال الطقس أو ما يسمى بالأنواء (anwaa). وبما أن القمر يكمل دورته حول الأرض في  27,3 يوما  وهو ما يسمى بالشهر  القمري النجمي (lunar sidereal month) فقد قاموا بتقسيم دائرة البروج إلى 28 منزل قمري (lunar mansion, a lunar station or lunar house) يحل القمر في كل واحدة منها ليلة واحدة ثم ينتقل إلى المنزل الذي يليه حتى يكمل جميع منازله في السنة النجمية. والمدة التي يمكثها القمر في المنزلة تم تحديدها من تقسيم  360 درجة وهي الزاوية المركزية للدائرة على عدد المنازل الثمانية وعشرين ليصبح عرض المنزل في دائرة البروج هو 12,86 درجة أو 13 تقريبا والذي يناظر 13 يوما من أيام السنة النجمية أو الشمسية. وبما أن العرب في جاهليتهم وكذلك بعد إسلامهم كانوا من أكثر  من اشتغل في تحديد النجوم الموجودة  في كل منزل من منازل القمر  فقد شاع استخدام هذا التوقيت العربي في كثير من الأمم وخاصة الأوروبيين ولذلك نجد أن كثير من نجوم منازل القمر لا زالت تحمل الأسماء العربية. وعند تقسيم منازل القمر  الثمانية وعشرين على عدد البروج الاثني عشر  يكون نصيب كل برج  منزلين  وثلث أي سبعة منازل في كل ثلاثة أبراج ولكن في الغالب يوجد منزلين في الأبراج الصغيرة وثلاثة في الكبيرة. وعادة ما يتم تحديد تاريخ بداية المنزل من خلال مراقبة طلوع أول نجوم هذا المنزل من الشرق قبل شروق الشمس ولذلك تسمى المنازل بأسماء تلك النجوم.  ومن الجدير بالذكر أن بداية تاريخ منازل القمر باستخدام التقويم الشمسي الغريغوري يتغير مع مرور الزمن بسبب أن طول السنة الشمسية يقل بمقدار عشرين دقيقة عن طول السنة النجمية.



فمنازل القمر  عند العرب والتي تقع في برج الحمل هي الشرطان ( 17-24  مايو ) وهما نجمان والبطين  (25 مايو - 6 يونيو) وهو ثلاثة أنجم خفية والثريا (7  - 19 يونيو)  وهي سبعة أنجم صغار.  وأما منازل برج الثور فهي  الدبران ( من 20 يونيو - 2 يوليو)  وهي سبعة أنجم والهقعة (3 - 15 يوليو ) وهي ثلاثة أنجم.  وأما منازل برج التوأمان أو الجوزاء فهي الهنعة (16 - 28 يوليو ) وهي خمسة أنجم والذراع (29 يوليو - 10 اغسطس) وهو نجمان.  وأما منازل برج السرطان فهي  النثرة (11- 23 اغسطس ) وهي لطخة بين نجمين صغيرين  والطرفة (24 اغسطس - 5 سبتمبر ) وهي نجمان  والجبهة (6 - 19 سبتمبر ) وهي أربعة أنجم. وأما منازل برج الأسد فهي الزبرة (20 سبتمبر - 2 اكتوبر) وهي نجمان  والصرفة (3 اكتوبر - 15 اكتوبر ) وهي نجم نير.  وأما منازل برج العذراء  فهي العواء ( من 16 -28 اكتوبر) وهو خمسة أنجم والسماك (29 اكتوبر - 10 نوفمبر ) وهو نجم نير. وأما منازل برج الميزان فهي الغفر (11 -- 23 نوفمبر ) وهو ثلاثة أنجم والزبانا (24 نوفمبر- 6 ديسمبر)  وهي نجمان والإكليل (7 - 19 ديسمبر ) وهو أربعة أنجم. وأما منازل برج العقرب فهي القلب (20 ديسمبر - 1 يناير) وهو ثلاثة أنجم هي قلب العقرب والشولة (2 - 14 يناير ) وهي نجمان في شوكة العقرب.  وأما منازل برج القوس فهي النعايم (16 - 27 يناير ) وهي ثمانية أنجم والبلدة (28 يناير- 9 فبراير ) وهي مساحة خالية من النجوم بين النعائم وسعد الذابح. وأما منازل برج الجدي فهي سعد الذابح (10 - 22 فبراير ) وهو نجمان  وسعد بلع (23 فبراير - 7 مارس) وهو نجمان وسعد السعود (8 - 20 مارس) وهو نجمان. وأما منازل برج الدلو فهي سعد الاخبية (21 مارس - 2 ابريل) وهو ثلاثة أنجم  والفرع المقدم (3 -15 ابريل) وهو نجمان نيران. وأما منازل برج الحوت فهي الفرع المؤخر (16 - 28 ابريل ) وهو نجمان  والرشاء أو بطن الحوت أو السمكة(29 ابريل - 11 مايو) وهي ثمانية عشر نجما على شكل سمكة.