2024-10-17

ميل محور دوران الأرض كشرط أساسي لظهور الحياة

 

ميل محور دوران الأرض كشرط أساسي لظهور الحياة

الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 



إن الحياة على هذه الأرض لم يكن لها لتظهر لو لم يتم خلق جميع مكونات هذا الكون  بتقدير بالغ  في جميع مراحل خلقه حيث أن خللا بسيطا في خلق مرحلة ما من هذه المراحل قد يحول دون أن تكون الأرض بالشكل والمواصفات التي هي عليها الآن. وممّا يدل على أن هذا القرآن قد أنزل من لدن عليم خبير سبحانه وتعالى هو كثرة الأيات التي تدعو البشر للتفكير في أوجه هذا التقدير البالغ في عمليات خلق الأشياء من حولهم. فلا يمكن لمثل هذه الدعوة أن تصدر عن رجل أمي عاش في وسط أمة أمية بل إنها لا بد أنها صدرت عن من أحاط علمه سبحانه بكامل تفصيلات هذه المخلوقات ويعلم أن كل ما في هذا الكون من مخلوقات قد تم خلقها وفق تقدير بالغ مصداقا لقوله تعالى " وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)" الفرقان وقوله تعالى " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)" القمر  وقوله تعالى " وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)" الرعد  وقوله تعالى " صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)" النمل.   فعلى سبيل المثال يلزم عند تصميم الأرض لتكون مهيأة لظهور الحياة عليها  توفر شروط لا حصر لعددها  ولكن يوجد شروط أساسية إذا غاب أحدها فإن الحياة على الأرض لا يمكن لها أن تظهر أو أن تكون بالصورة التي هي عليها الآن. فالشرط الأول والرئيسي هو ضرورة وجود الأرض بالقرب من مصدر لإنتاج الطاقة يمد الأرض بالطاقة اللازمة لحفظ درجة حرارة سطحها ضمن حدود بالغة التقدير  تضمن حياة الكائنات الحية. وتعتبر الشمس المصدر الرئيسي الذي  يمد الأرض بالطاقة اللازمة لها من خلال إشعاع الأمواج الكهرومغناطيسية التي تسقط على سطح وغلاف الأرض فيقومان بإمتصاص ما تحمله من طاقة  وترفع بذلك درجة حرارة سطح الأرض وجوها. ولضمان بقاء الأرض على بعد ثابت من الشمس فقد قدّر الله عز وجل أن تدور الأرض حول الشمس في مدار شبه دائري  يبلغ متوسط نصف قطره مائة وخمسين مليون كيلومتر.



أما الشرط الثاني فهو ضرورة دوران الأرض حول محور متعامد تقريبا  مع الخط الواصل بين الشمس والأرض وذلك لكي يتم تعريض جميع سطحها لضوء الشمس من خلال تعاقب الليل والنهار عليها. فلو  توقفت الأرض عن الدوران أو كان محور دورانها موازيا لهذا الخط كما هو في بعض الكواكب لكان أحد نصفي الأرض معرض للشمس باستمرار بينما لن يصل ضوء الشمس للنصف الآخر وبذلك يكون أحد نصفيها نهارا دائما شديد الحرارة والنصف الآخر ليلا دائما شديد البرودة وصدق الله العظيم القائل "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)" القصص. إن شرط دوران الأرض حول محورها قد لا يكفي لظهور الحياة عليها إن لم يتم اختيار سرعة دورانها بشكل دقيق فلو كانت هذه السرعة أبطأ ممّا هي عليه لزاد طول كل من الليل والنهار ولارتفعت درجة حرارتها بشكل كبير أثناء النهار بسبب طول فترة تعرضها للشمس ولانخفضت درجة حرارتها أثناء الليل بسبب طول فترة إشعاع الحرارة منها. ولو كان دورانها أسرع ممّا هو عليه لقصر طول كل من الليل والنهار ولما تمكنت الأرض من أخذ كمية كافية من طاقة الشمس أثناء النهار وبذلك ينخفض معدل درجة حرارتها عما هو عليه الآن. 

أما الشرط الثالث فهو ضرورة حمايةالكائنات الحية  من الإشعاعات الضارة التي تنطلق من الشمس ومن بقية النجوم في هذا الكون وقد اكتشف العلماء أن الأرض تتفرد بوجود مجال مغناطيسي قوي حيث يقوم بصد هذه الإشعاعات وتغيير مسارها نحو الفضاء الخارجي ونحو قطبي الأرض الشمالي والجنوبي. وبما أن المجال المغناطيسي للأرض لا يتفاعل إلا مع الإشعاعات التي تحمل شحنات كهربائية فهو غير قادر على صد الجسيمات المتعادلة كهربائية كالنيوترونات والقادمة من الشمس ولذلك لا بد من وجود وسيلة أخرى لمنع وصولها لسطح الأرض فكان من لطف الله أن أحاط الأرض بدرع ثان لحمايتها من هذه الإشعاعات وهو طبقة الأوزون الموجود في أعالي الغلاف الجوي حيث يقوم الأوزون بامتصاص طاقة هذه الإشعاعات ويمنع وصولها إلى سطح الأرض.



أما الشرط الرابع فهو حماية الأرض من النيازك والتي قد تسبب دمارا هائلا على سطح الأرض على الرغم من صغر حجمها وذلك بسبب سرعتها الهائلة التي قد تصل إلى مئات الآلاف من الكيلومترات في الساعة. ومن لطف الله بالبشر أنه حمى الأرض من هذه النيازك بعدة آليات أهمها وجود عدد كاف من الكواكب الخارجية التي تقوم بجذب النيازك إليها قبل وصولها إلى الأرض أما ما تبقى من النيازك فإن الغلاف الجوي يتكفل بحرق معظم كتلتها قبل وصولها إلى سطح الأرض بسبب الاحتكاك الشديد بينها وبين الهواء. أما الشرط الخامس فهو ضرورة توفر عدد كبير من العناصر اللازمة لبناء الكائنات الحية حيث تحتوي قشرة الأرض على اثنين وتسعين عنصر طبيعي من بين ما يزيد عن مائة عنصر يمكن أن تكون موجودة في هذا الكون. وأما الشرط السادس فهو ضرورة توفر الماء بكميات كافية على سطح الأرض مع وجود آليات محددة  لتوزيعه على سطح اليابسة وقد تفردت الأرض من بين جميع كواكب المجموعة الشمسية بوجود هذه الكميات الضخمة من الماء الذي يغطي ما يقرب من سبعين بالمائة من سطح الأرض. أما الشرط السابع فهو توفر غلاف جوي  سميك للأرض والذي قد تم تقدير محتوياته بشكل بالغ الدقة بحيث لو اختلت نسب هذه المحتويات ولو بمقدار بسيط لما ظهرت الحياة على الأرض. أما الشرط الثامن فهو وجود قمر بحجم كبير يدور حول الأرض يلعب دورا كبيرا في استقرار سرعة دوران الأرض حول محورها وكذلك ثبات  ميل محورها. ويعمل القمر كذلك على إحداث ظاهرة المد والجزر في البحار والمحيطات وتحديد طبيعة المناخ وتشكيل السواحل البحرية واستمرار الحياة البحرية. ويعتقد العلماء كذلك أن جاذبية القمر تعمل على تحريك المادة شبه السائلة الموجودة في وشاح الأرض ممّا يؤدي إلى حدوث بعض العمليات الجيولوجية في قشرة الأرض كالزلازل والبراكين والتي ساعدت في الماضي على تشكيل تضاريس الأرض وإخراج الماء والعناصر الطبيعية اللازمة للحياة من باطن الأرض إلى سطحها وقشرتها.



أما الشرط التاسع وهو موضوع هذه المقالة  فهو ضرورة إمالة اتجاه محور دوران الأرض عن الاتجاه العمودي على الخط الواصل بين الشمس والأرض بزاوية كافية أثناء دورانها حول الشمس وذلك لأسباب عديدة تلزم لظهور واستمرار الحياة على الأرض. وقد وجد العلماء أن هذا المحور يميل بزاوية مقدارها 23.44 درجة عن الاتجاه العمودي ويبقى اتجاه المحور ثابت في الفضاء أثناء دوران الأرض حول الشمس . إن هذه الميل في محور الأرض يلزم  لتعريض قطبي الأرض الشمالي والجنوبي لضوء الشمس الذي لا يمكنه الوصول إليهما فيما لو بقي محور الدوران ثابتا على الاتجاه العمودي. إن وصول ضوء الشمس للمناطق القطبية  ضروري جدا لإذابة الجليد الموجود عليهما وإلا فإن المطر الذي يسقط لهذه المناطق سيتجمد ولن يعود مرة ثانية إلى المحيطات وبذلك ستنضب المحيطات من مياها مع مرور الزمن. ويلزم ميل محور الأرض كذلك لتغيير درجات حرارة سطحها بشكل دوري وبالتالي تغيير اتجاه حركة الرياح التي توزع الأمطار على معظم أجزاء سطح اليابسة. وتنشأ الرياح بسبب التفاوت الكبير في درجة حرارة سطح الأرض فهو أشد حرارة عند خط الاستواء وتقل تدريجيا كلما تحركنا باتجاه القطبين. وبما أن كثافة الهواء تقل مع ارتفاع درجة الحرارة فإن الضغط  الجوي عند خط الاستواء أقل منه عند القطبين مما  يعمل على تحريك الرياح من القطبين باتجاه خط الاستواء. ولكن وبسبب اختلاف الحرارة النوعية بين البر والبحر وبسبب وجود تضاريس معقدة على البر  وبسبب ميل محور دوران الأرض فإن حركة الرياح عند سطح الأرض تشذ عن هذه الحركة العامة في كل مناطق الأرض منتجة أنماط لا حصر لها من حركة الرياح تتحدد حسب موقع المنطقة وفي أي وقت من السنة.  


ويعمل ميل محور الأرض  كذلك على نشوء ظاهرة الفصول الأربعة والتي من خلالها يتم ضبط دورة حياة كثير من النباتات والحيوانات وكذلك تم توفير أنواع متعددة من الظروف المناخية تساعد على  ظهور طيف واسع من أشكال الكائنات الحية على الأرض. وظاهرة الفصول نشأت بسبب أن اتجاه محور دوران الأرض في الفضاء لا يتغير أثناء دوران الأرض حول الشمس ونتيجة لذلك فإن الزاوية بين اتجاه أشعة الشمس ومحور الدوران على مكان ما على سطح الأرض ستتغير في كل يوم من أيام السنة . ويوجد أربع مواقع مميزة في مدار الأرض حول الشمس يفصل بين كل منها 90 درجة وعليها تتحدد بداية الفصول الأربعة. ففي الموقع الأول يكون القطب الشمالى مائلا نحو الشمس تماما بحيث تكون أشعة الشمس عمودية على مدار السرطان ( 23.4درجة عرض شمال) ويكون النهار أطول من الليل شمال خط الاستواء والعكس في الجنوب وهو بداية الانقلاب الصيفي (Summer solstice) أي بداية الصيف بتاريخ  21 حزيران. أما الموقع المقابل للموقع الأول فيكون ميل المحور بحيث يكون القطب الجنوبي مائلا نحو الشمس تماما وتكون أشعتها عمودية على مدار الجدي (  23.4 درجة عرض جنوب) ويكون النهار أطول من الليل جنوب خط الاستواء والعكس في الشمال ويسمى هذا الانقلاب الشتوي (Winter solstice) أي بداية الشتاء بتاريخ  21 كانون الثاني. أما في الموقع الثالث والرابع فلا يوجد ميل للمحور نحو الشمس ويكون القطبان على نفس البعد من الشمس أي أن أشعة الشمس عمودية على خط الاستواء وعندهما يتساوى طول الليل والنهار في جميع مناطق الأرض. ويسمى أحد هذين الموقعين بالاعتدال الربيعي (spring equinox) أي بداية الربيع في 21 آذار ويسمى الآخر بالاعتدال الخريفي (Autumn equinox) أي بداية الخريف في 21 أيلول للنصف الشمالي من الكرة الأرضية والعكس لجنوبها.



إن ثبات إتجاه محور دوران الأرض في الفضاء يعود إلى ظاهرة فيزيائية تسمى التأثير الجايروسكوبي (gyroscopic effect) ومفاده أن الأجسام الدوارة تقاوم تغيير اتجاه محور دورانها نتيجة لعزمها الزاوي أو الدوراني (Angular momentum ). وتستخدم الجايروسكوبات في تحديد الاتجاهات في السفن والطائرات والأقمار الصناعية وتتكون من ثلاث مجموعات متعامدة من العجلات المعدنية الدوارة (rotating flywheels) التي يتم تدويرها بسرعات عالية لزيادة عزمها الزاوي .  لقد وجد العلماء  أن محور دوران الأرض وهو الخط الواصل بين قطبيها يميل بزاوية مقدارها 23,44 درجة عن العمود القائم على مستوى دورانها حول الشمس وأن هذا المحور يتجه باستمرار نحو  نجوم محددة في السماء. إن اتجاه محور دوران الأرض يتغير مع الزمن نتيجة ظاهرة المبادرة (precession)  لهذا المحور بشكل دائري حول العمود القائم على مدار الأرض حول الشمس. ومحور دوران الأرض يشير في الوقت الحالى الى النجم القطبي ولكنه يبتعد عنه تدريجيا ليشير إلى نجوم أخرى ويكمل هذا المحور دورته كل ستة وعشرين ألف سنة مسببا تغير مواعد الاعتدال الربيعي والخريفي فيما يسمى بمبادرة الاعتدالين (precession of equinox). 



قد لاحظ علماء الفلك القدامى أن مستوى خط الإستواء للأرض ( equatorial plane) يميل بزاوية محددة وثابتة عن المستوى الذي تدور فيه الشمس ظاهريا حول الأرض (orbital plane) وهو ما يسمى مستوى البروج ( ecliptic plane). إن زاوية الميلان هذه تساوي وتناظر هندسيا الزاوية بين محور الأرض  وبين الخط العامودي على مستوى الدوران الظاهري للشمس حول الأرض أي مستوى  فلك البروج ولذلك أطلق عليه اسم الميلان المحوري(Axial tilt or obliquity). وقد تمكن الفلكي والرياضي اليوناني أوينوبيدس (Oenopides) (490-420 قبل الميلاد) من قياس زاوية الميلان المحوري للأرض من خلال قياس زاوية ظل الأشياء عند الانقلابين الصيفي والشتوي فوجدها تساوي 24 درجة مقارنة بالقيمة الفعلية التي تبلغ 23.44 درجة. وقد ذكر بطليموس في كتابه المجسطي أن الفلكي والرياضي اليوناني الشهير هيبارخوس (Hipparchus) (190 - 120 قبل الميلاد) قام بقياس زاوية الميل فوجدها تبلغ 23.85 درجة. أما الفلكي المسلم محمد بن جابر البتاني الملقب ببطليموس العرب فقد قام في القرن الثالث الهجري بقياس زاوية الميل فوجدها  تبلغ 23.58 درجة كما ذكر ذلك في كتابه زيج الصابي فقال (فوضح لنا بذلك أن مقدار القوس التي بين المنقلبين على الحقيقة يكون سبعة وأربعين جزءاً وعشر دقائق وأن ميل فلك البروج عن فلك معدل النهار إنما يكون نصف هذه الأجزاء وهو ثلثة وعشرون جزءاً وخمس وثلثون دقيقة وهو بعد ما بين قطبي الفلكين). وفي عام 1438 م تمكن السلطان التيموري  (نسبة الى تيمورلنك مؤسس الدولة التيمورية ) والفلكي المسلم میرزا محمد طارق بن شاهرخ المشهور بألغ بيك من قياس زاوية ميل محور الأرض في المرصد الذي بناه في سمرقند فوجدها تلبغ  23.5047 درجة.  وقد تمكن علماء الفلك الأوربيون في القرن السابع عشر الميلادي من قياس القيمة الدقيقة لهذا الميل والتي تبلغ 23.439 درجة وتبين لهم أيضا أن ميل المحور يتناقص مع الزمن بمعدل 47 ثانية في كل مائة سنة شمسية. 



وقد لاحظ علماء الفلك القدامي أيضا  أن نقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي تنزاحان ببطء  إلى الغرب على دائرة الكسوف  وذلك بالنسبة للنجوم الثابتة بما يسمى مبادرة الاعتدالين (precession of the equinoxes) والتي سميت فيما بعد  بالمبادرة المحورية Axial precession)) وهي التغير البطيء والمستمر في تغيير إتجاه محور دوران  ألأرض.  ففي هذا الزمن يتجه محور دوران الأرض من جهة الشمال إلى النجم القطبي  (polaris)  وكان قبل 5000 سنة يتجه نحو نجم ألفا (Alpha)  في كوكبة التنين  (Dragon) وبعد 13000 سنة سيكون الاتجاه نحو النسر الواقع  (Vega).  وينسب اكتشاف ظاهرة مبادرة  الاعتدالين إلى  الفلكي والرياضي اليوناني الشهير هيبارخوس أو أبرخش (Hipparchus) (190 - 120 قبل الميلاد) فقد ورد في كتاب المجسطي لبطليموس  أن هيبارخوس قام بقياس خط طول نجم السماك الأعزل وقارن قياساته مع قياسات علماء  الفلك الذين سبقوه أمثال تيموخاريس (320 - 260 قبل الميلاد) وأريستليوس (280 قبل الميلاد) فوجد أن النجم قد تحرك درجتين بالنسبة للاعتدال الخريفي خلال قرنين من الزمن أي بواقع درجة لكل مائة سنة. وقد قام الفلكي والرياضي الاسكندراني كلوديوس بطليموس  (Claudius Ptolemy) (100- 170 ميلادي) بحسابات وقياسات مماثلة ووجد أن النجوم قد تحركت درجتين وأربعين دقيقة في الفترة بين عصره وعصر هيبارخوس (نحو 265) أي أنها تتحرك بمعدل درجة واحدة في كل مئة سنة وهي كما قاسها هيبارخوس ولكن بطليموس أكد على أن المبادرة  تشمل جميع النجوم الثابتة وليس فقط النجوم الواقعة على دائرة الكسوف وأن دورة المبادرة تبلغ 36 ألف سنة.  وقد تم تصحيح طول دورة المبادرة من قبل علماء الفلك المسلمين أمثال  الفلكي المسلم محمد بن جابر البتاني الملقب ببطليموس العرب في القرن الثالث الهجري فوجد أن النجوم تنزاح بمعدل درجة واحدة كل 66 سنة أي أن طول دورة المبادرة  يبلغ 23760 سنة   كما ذكر ذلك في كتابه زيج الصابيء (وكانت هذه السنة التي رصدنا فيها هذا الرصد سنة ألف وستمائة وسبع وعشرين من ملك بختنصر الأول المذكور فإذا قسمنا هذه الأحد عشر جزءاً والخمسين دقيقة التي بين مواضعها الأولة والمواضع التي انتهت إليها في وقت رصدنا على السبعمائة والاثنتين والثمانين السنة التي بين الرصدين وجدنا حركتها في كل ست وستين سنة شمسية درجة واحدة).  وقد قام الفلكي المسلم نصير الدين الطوسي في القرن  السابع الهجري بإعادة حساب  إنزياح النجوم فوجده كما جاء في كتابه زيج الإيلخاني 51 ثانية قوسية في كل سنة أي  درجة واحدة كل 70.588 سنة وطول الدورة 25412 سنة وهي قريبة من القيمة الحالية التي تبلغ 25772 سنة.

إن هذا الإنزياح في نقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي يجعل طول السنة الشمسية أقصر من طول السنة النجمية بما يناظر مقدار هذا الانزياح حيث أن  الأرض لا تكمل دورة كاملة (360 درجة) حول الشمس عند قياسها بين نقطتين متتاليتين من الاعتدال الربيعي أو الخريفي. وعلى هذا فإنه يمكن حساب طول السنة النجمية من معرفة طول السنة الشمسية ومقدار الإنزياح في نقطة الاعتدال  أو العكس.  إن طول اليوم الأرضي وكذلك طول السنة الأرضية يعتمد على المرجع الذي يتم قياس هذه الظواهر بالنسبة له. فعند قياس  طول اليوم والسنة بالنسبة إلى الشمس كمرجع فإن الناتج هو يوم شمسي (Solar day) وسنة شمسية (Solar or tropical year).  فاليوم الشمسي  تم تعريفه على طول الفترة الزمنية بين طلوعين أو زوالين أو غروبين متتالين للشمس عند قياسهما من نفس المكان على سطح الأرض وقد تعارف البشر على أن طول هذا اليوم يبلغ 24 ساعة. وأما طول السنة الشمسية فهي فهو طول الفترة الزمنية بين وقت حدوث اعتدالين ربيعيين  أو اعتدالين خريفيين متتاليين  ويبلغ طولها طبقا للقياسات الحديثة  365.242199  يوم وهذا يساوي 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية.  أما اليوم النجمي (sidereal day) فيقاس بالنسبة لأحد نجوم السماء بدلا من الشمس ويقاس طوله بين بين طلوعين أو غروبين متتالين لأحد نجوم السماء حيث يبعد أقرب النجوم للأرض وهو النجم قنطورس 4.2 سنة ضوئية والذي يعادل 40 ترليون كيلومتر وهو أكبر بكثير من بعد الشمس عن الأرض البالغ 150 مليون كيلومتر. ويبلغ طول اليوم النجمي  23.9344696  ساعة أو 86164.0905 ثانية وهذا يعادل 23 ساعة و 56 دقيقة و 4 ثانية وهو يقل بأربع دقائق تقريبا عن طول اليوم الشمسي البالغ 24 ساعة أو 86400 ثانية . وللتأكيد فإن الأرض تكمل دورة واحدة (360 درجة) حول محورها في يوم نجمي  وليس في يوم شمسي حيث تدور الأرض في اليوم الشمسي 361 درجة أي أنها تزيد عن الدورة الكاملة بدرجة زاوية واحدة.  أما السنة النجمية (sidereal year) فتعرف على أنها الفترة الزمنية التي تكمل بها الأرض دورة كاملة حول الشمس ولكن بإتخاذ أحد نجوم السماء مرجعا للقياس وليس الفترة الزمنية بين اعتدالين ربيعيين أو خريفيين كما هو الحال مع السنة الشمسية. والسنة النجمية أطول من السنة الشمسية  بما مقداره 20 دقيقة و 25 ثانية تقريبا حيث يبلغ طولها 365.256363 يوما أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثواني بينما يبلغ طول السنة الشمسية  365.242199  يوم وهذا يساوي 365 يوما و 5 ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية.  لقد قام هيبارخوس بحساب طول السنة النجمية بعد أن قام بقياس طول السنة الشمسية  وقياس مقدار الانزياح  فوجدها تبلغ   365.2569444 يوم  أي 365 يوما و 6 ساعات و 10 دقائق   وهذا على اعتبار أن طول السنة الشمسية حسب قياسه  365.2466667 يوم أي  365 يوما و 5 ساعات و 55 دقيقة و 12 ثانية وأن مقدار إنزياح نقطة الاعتدال يبلغ درجة واحدة لكل مائة سنة حسب قياسه.  ولقد قام  الرياضي والفلكي المشهور  ثابت ابن قرة في القرن  الثالث الهجري بحساب طول السنة النجمية باستخدام قيمة أدق لمبادرة الاعتدالين فوجدها تبلغ   365.2563889 يوم  أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق   و 12 ثانية مقارنة بالقيمة الحالية وهي 365.256363 يوما أي 365 يوما و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثواني أي بفارق ثانيتين فقط. وتستخدم السنة النجمية  في بعض التقاويم المعتمدة على السنة النجمية (Sidereal solar calendars) كما في التقاويم الهندية والتاميلية حيث يعتمدون على مراقبة موقع الشمس في الأبراج الإثني عشر.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق