2020-07-27

وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس

وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس

الدكتور منصور ابوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية


                لقد أشار القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا إلى أهمية عنصر الحديد في حياة البشر وسميت سورة من سوره باسمه وذلك في قوله تعالى في سورة الحديد "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)". وقد تبين للبشر في هذا العصر أن الحديد يتفرد بميزات عديدة على بقية العناصر الطبيعية بشكل عام وعلى المعادن بشكل خاص وأنه أكثرها فائدة للكائنات الحية وللبشر على وجه الخصوص. فالحديد أكثر المعادن وفرة في الكون وفي كوكب الأرض وفي أجسام الكائنات الحية حيث تبلغ كمية الحديد في الأرض ثلث كتلتها معظمه موجود في قلبها وبدونه لم يكن لللحياة أن تظهر على الأرض. ويعتبر الحديد وسبائكه المختلفة كالفولاذ مثلا من أشد المعادن متانة وقساوة ومن بين أعلاها لدرجة حرارة ذوبانه ومن أكثرها طواعية للسحب والطرق والتشكيل عند تسخينه ومن أكثرها قابلية للمزج مع المعادن المختلفة لإنتاج سبائك بخصائص غاية في التنوع تناسب التطبيقات الصناعية المختلفة. ويمتلك الحديد أعلى طاقة ربط نووية بين جميع عناصر الطبيعة وهذا جعله أثقل عنصر طبيعي يمكن تصنيعه في داخل النجوم والتي لا يمكن لها أن تحرقه مهما بلغ حجمها وهذا جعله أكثر المعادن وفرة في الكون. ويمتلك الحديد أعلى قابلية للمغنطة من بين جميع العناصر وهذه الخاصية هي التي أنتجت الغلاف المغناطيسي القوي الذي يحيط بالأرض والذي يحمي الكائانات الحية من الإشعاعات القاتلة التي تصل إلى الأرض من الشمس وبقية النجوم. ولولا خاصية المغنطة هذه  لما تمكن البشر من توليد ونقل واستغلال الطاقة الكهربائية باستخدام المولدات والمحولات والمحركات الكهربائية ذات القلوب الحديدية. ويعتبر الحديد أكثر العناصر الطبيعية استخداما في بنية عشرات البروتينات والأنزيمات والهرمونات التي تقوم بوظائف حيوية مختلفة في أجسام الكائنات الحية كما في هيموجلوبين الدم الناقل للأوكسجين وثاني أكسيد الكربون.


ولقد تبين للبشر منذ بداية ما يسمى بالعصر الحديدي قبل ثلاثة آلاف سنه تقريبا الخصائص المميزة للحديد والدور البالغ الأهمية الذي يلعبه الحديد في تسهيل حياة البشر فصنعوا منه معداتهم الزراعية والصناعية وأدواتهم المنزلية وأسلحتهم وأدوات صيدهم وغير ذلك. ومن فضل الله عز وجل على البشر أنه علم نبيه داود عليه السلام صناعة الدروع الحديدية لحمايتهم من بأس السيوف الحديدية عند اقتتالهم كما جاء في قوله تعالى "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْـرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)" سبأ وقوله تعالى "وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)" الأنبياء. ولقد أشار القرآن الكريم كذلك إلى تقنية السبائك بين المعادن التي استخدمها ذو القرنين حيث استخدم الحديد مع النحاس لبناء سد يأجوج ومأجوج وذلك في قوله تعالى "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) " الكهف. وفي القرنين الماضين ظهرت استخدامات لا حصر لها لا يمكن لغير الحديد من عناصر الطبيعة أن يقوم بها كما في بناء المنازل والمباني وناطحات السحاب والسكك الحديدية وأنابيب نقل المياه والبترول والغاز وتصنيع المعدات والأدوات الزراعية والمحركات والمكائن والسيارات والقطارات والطائرات والسفن والمركبات والأسلحة العسكرية والمولدات والمحركات والمحولات الكهربائية وغير ذلك الكثير.


إن من أعظم النعم التي أنعم الله بها على  الإنسان هو وجود ما يزيد عن  92 عنصرا طبيعيا في هذه الأرض  ينتج عن تفاعلها ملايين المركبات الكيميائية التي يبنى منها أعداد لا حصر لها من المواد التي تدخل في تركيب أجسام الكائنات الحية. وتتباين هذه العناصر والمركبات  تباينا كبيرا في خصائصها الفيزيائية والكيميائية بحيث قلما يجد الإنسان صعوبة في الحصول على عنصر أو مركب ما بخصائص تفي بالمتطلبات التي تقتضي الحاجة لاستخدامه في التطبيقات الكثيرة وخاصة تلك التي ظهرت في القرنين الماضيين. لم يتمكن البشر قبل ما يقدر ما بين خمسة وستة آلاف سنة من الاستفادة من أي من هذه العناصر في تسهيل أمور حياته وقام باستخدام أنواع مختلفة من الحجارة كأدوات لقطع وطحن الأشياء وكأواني لطعامه وشرابه ولذلك سمي هذا العصر بالعصر الحجري (stone age). وعلى الرغم من جهل الإنسان القديم بمعظم العناصر الطبيعية إلا أنه قد استفاد بشكل كبير من مركباتها المتوفرة بشكل طبيعي في القشرة الأرضية  إما على شكل مركبات غير عضوية كالماء والطين والأحجار والأملاح والزجاج أو مركبات عضوية تنتجها النباتات والحيوانات المختلفة  كالثمار والحبوب والزيوت واللحوم والألبان والدهون  والأخشاب  والألياف  وكذلك الصوف والحرير  والقطن والكتان.  لقد كان النحاس والقصدير أول المعادن التي تمكن البشر من استخراجها من خاماتها واستخدامها وسبائكها كسبيكة البرونز المتينة والمكونة من النحاس والقصدير في تصنيع أدواته وأوانيه ولذلك سمي بالعصر البرونزي (Bronze age). وقبل 3200 سنة بدأ ما يسمى العصر الحديدي (iron age) حيث تمكن البشر من استخلاص الحديد من خاماته واستخدامه في صناعة أسلحته وأدواته الزراعية إلى جانب استخدام الذهب والفضة لأغراض الزينة والنقود والنحاس لأواني الطعام والشراب. ولم يكتشف البشر قبل القرن الثامن عشر  إلا اثني عشر عنصرا من هذه العناصر ثم ارتفع هذا العدد إلى أربعة وعشرين عنصرا مع نهاية القرن الثامن عشر ومع نهاية القرن التاسع عشر وصل العدد إلى 65 عنصرا وخلال  القرن العشرين تم اكتشاف بقية العناصر الطبيعية. ويعود السبب في حاجة الإنسان لهذا العدد الكبير من العناصر هو التفاوت الكبير في خصائصها فهنالك الخصائص الفيزيائية والتي تشمل الخصائص الكهربائية والمغناطيسية والضوئية والحرارية والميكانيكية وهنالك الخصائص الكيميائية التي تحدد طبيعة التفاعلات بين مختلف العناصر والتي ينتج عنها مركبات لا حصر لها بخصائص جديدة تختلف عن خصائص العناصر المكونة لها. وقد تبين للإنسان  في هذا العصر فقط أهمية وجود مثل هذا العدد الكبير من العناصر الطبيعية حيث أن  أجسام الكائنات الحية النباتية منها والحيوانية تحتاج لأكثر من عشرين عنصرا لتقوم بوظائفها الحيوية المختلفة  وكذلك فإن كل صناعة من الصناعات الحديثة تحتاج لعناصر معينة وبخصائص محددة لا يمكن لبقية العناصر القيام بالدور الذي تقوم به. 


توجد العناصر الطبيعية في الكون وكذلك في الأرض بنسب متفاوتة فالهيدروجين يشكل من حيث الكتلة ما نسبته 74 بالمائة من مادة الكون يليه الهيليوم بنسبة 24 بالمائة بينما تشكل بقية العناصر المستقرة التسعين اثنين بالمائة فقط . ويأتي الأوكسجين في المرتبة الثالثة من حيث الوفرة في الكون يليه الكربون ثم النيون ثم الحديد ثم النيتروجين ثم السيلكون ثم المغنيسيوم ثم الكبريت ومن الواضح أن وجود الحديد الثقيل ضمن هذه العناصر الخفيفة ملفت للنظر كما سنبين ذلك في طريقة تصنيع العناصر في باطن النجوم. أما ترتيبها في الأرض ككل فإن الحديد يأتي أولا بنسبة 32 بالمائة يليه الأوكسجين بنسبة 30 بالمائة ثم السيليكون بنسبة 15 بالمائة ثم المغنيسيوم بنسبة 14 بالمائة ثم الكبريت بنسبة 3 بالمائة ثم النيكل بنسبة 2 بالمائة ثم بقية العناصر.  أما ترتيب العناصر في القشرة الأرضية فتختلف عن نسبها في الأرض ككل حيث يشكل الأوكسجين  47 بالمائة من مكونات القشرة الأرضية  ثم يليه السيليكون بنسبة  28 بالمائة ثم الألمنيوم بنسبة 8 بالمائة ثم الحديد بنسبة 6 بالمائة ثم يليها الكالسيوم  والصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم والتيتانيوم. وتشكل أربعة من العناصر الطبيعية أكثر من 95 % من بنية معظم أجسام الكائنات الحية وهي الأوكسجين والكربون والهيدروجين والنيتروجين ففي الإنسان يشكل الأوكسجين 61% من وزنه والكربون 23% والهيدروجين 10% والنيتروجين 3% بينما تشكل بقية العناصر والتي يزيد عددها عن 20 عنصرا  3 % فقط. وعلى الرغم من أن وزن بعض العناصر في أجسام الكائنات لا يتجاوز أجزاء قليلة من الميليغرام إلا أن غيابها أو نقصانها عن حد معين يسبب هلاك الكائن الحي وذلك لأن هذه العناصر تدخل في تركيب البروتينات وكذلك الأنزيمات والهرمونات المسؤولة عن إجراء العمليات الحيوية في جسم الكائن.


        والحديد (iron) هو عنصر طبيعي رمزه (Fe) وعدد الذري 26 ووزنه الذري 56 وكثافته 7.874 غرام لكل سنتيمتر مكعب ودرجة ذوبانه 1535 درجة مئوية ودرجة غليانه 2750 درجة مئوية وهو معدن لامع له لون فضي أو رمادي ولكن سطحه سريع التفاعل مع الهواءالرطب فيكتسي بطبقة من الصدأ البنية اللون وهو أكسيد الحديديك. ويتميز الحديد بامتلاكه معظم الخصائص الميكانيكية التي تسهل من استخدامه في تطبيقات لا حصر لها في التصنيع ومن هذه الخصائص المرونة (elasticity) وهي قدرة المعدن على تغيير شكله عند تعرضه للاجهاد الخارجي ومن ثم الرجوع لوضعه الطبيعي  واللدونه (plasticity) هي قابليته للطرق والتشكيل والليونه (ductility) هي قابليته للسحب عند تسخينه والصلادة (hardness) هي مقاومته  للخدش والتآكل  وقوة الشد (tensile strength) هي مقاومته للاجهادات دون أن ينقطع أو يتشوه شكله وقوة الانضغاط (Compressive strength) هي مقاومته للضغط الواقع عليه وقوة اللي (Yield strength) هي قدرة القضبان لللي والكسر. ومن ميزات الحديد هو إمكانية تغيير خصائصه الميكانيكية والكيميائية من خلال إضافة بعض العناصر الطبيعية إليه بنسب متفاوتة فالحديد الصب (cast iron) الذي يحتوي على نسبة من الكربون تتراوح بين 3 و 5 بالمائة يستخدم في صناعة الأنابيب والأدوات المنزلية والزراعية. أما الفولاذ (steel) الذي يحتوي على نسبة من الكربون لا تتجاوز 2 بالمائة ونسب متفاوتة من معادن مختلفة فله قوة شد عالية جدا ويستخدم في قضبان تسليح المباني والسكك الحديدية وهياكل المركبات والقطارات والسفن والطائرات. أما الفولاذ المقاوم للصدأ (stainless steel) فيتم تصنيعه بإضافة الكروم والنيكل بنسب تصل إلى 10 بالمائة ويستخدم في أواني المطابخ وأدوات الجراحة وغيرها. 

   

يمتلك الحديد خاصية بالغة الأهمية لولاها لما قامت الحياة على الأرض ولما تمكن البشر من توليد الكهرباء ونقلها بهذه الكفاءة العالية وهي قابليته للمغنطة. فالحديد هو أحد ثلاث عناصر طبيعية فقط تمتلك خاصية التمغنط والتي تسمى بالعناصر الفيرومغناطيسية (ferromagnetism) وهي الحديد والنيكل والكوبلت. ويمتلك الحديد نفاذية مغناطيسية نسبية غاية في الضخامة حيث تبلغ ما يقرب من مائتي ألف للحديد خالص النقاء بينما تبلغ ستمائة للنيكل ومائتين وخمسين للكوبلت. إن زيادة النفاذية المغناطيسة يقلل من كمية التيار الكهربائي اللازم لانتاج فيض مغناطيسي محدد ولذلك فإن الحديد وبعض سبائكه يستخدم بلا استثناء في بناء المولدات والمحركات والمحولات الكهربائية.  ولقد وجد العلماء أن الأرض تتفرد بوجود مجال أو غلاف مغناطيسي (magetosphere) تفوق شدته مائة مرة شدة أقوى المجالات المغناطيسية في بقية كواكب المجموعة الشمسية رغم أن الأرض ليست بأكبرها حجما. وقد تبين للعلماء أن هذا المجال المغناطيسي العالي قد نتج عن وجود قلب كبير من الحديد والنيكل في باطن الأرض والذي لا يوجد ما يشابه في بقية الكواكب.  وينشأ المجال المغناطيسي نتيجة لحركة تيارات ضخمة من الحديد السائل في الجزء الخارجي للقلب الحديدي. ويمتد نأثير  المجال المغناطيسي لعشرات الآلاف من الكيلومترات حول الأرض  وتبلغ أعلى شدة له على سطح الأرض حيث تبلغ  25 مايكروتسلا عن خط الإستواء و65 مايكروتسلا عند القطبين. وقد تبين للعلماء  أن هذا المجال المغناطيسي الشديد نسبيا لم يخلق عبثا بل هو الدرع الذي يحمي الأرض من الجسيمات المشحونة الصادرة عن الرياح الشمسية وكذلك تلك القادمة من الفضاء الخارجي.   إن هذا الدرع المغناطيسي هو الذي حافظ على وجود الغلاف الجوي للأرض لبلايين السنين بينما تلاشت الأغلفة الجوية للكواكب التي لا تمتلك مثل هذا المجال المغناطيسي القوي.  فالجسيمات المشحونة كالبروتونات والالكترونات القادمة من الشمس تمتلك طاقة حركية عالية وعندما تصطدم بجزيئات الغلاف الجوي فإنها تقذف بها إلى الفضاء الخارجي مسببة في تلاشي هذا الغلاف مع مرور الزمن في غياب الدرع المغناطيسي. ويقوم المجال المغناطيسي  بحماية الأرض من الجسيمات المشحونة من خلال تفاعل هذه الجسيمات مع المجال المغناطيسي الذي يدفعها بشكل موازي لسطح الأرض إلى أن تخرج إلى الفضاء الخارجي دون أن تصل إلى الغلاف الجوي أو باتجاه قطبي الأرض الشمالي والجنوبي.


ويلعب الحديد بالغ الأهمية  في أجسام الكائنات الحية النباتية منها والحيوانية حيث يدخل في تركيب كثير من البروتينات والأنزيمات التي تقوم بوظائف حيوية مختلفة لا يمكن للكائنات أن تعيش بدونها. ففي الحيوانات يقوم جزيء الهيموجلوبين (hemoglobin) الموجود في كريات الدم الحمراء بنقل الأكسجين من الرئة إلى خلايا الجسم لإتمام عملية الاحتراق فيها ومن ثم نقل ثاني أكسيد الكربون من الخلايا إلى الرئة في طريق العودة. وهذه المهمة المزدوجة للهيموجلوبين من أعجب عجائب تصميم الأشياء ففي النسيج الرئوي الملامس للهواء تكون درجة الحرارة منخفضة والأس الهيدروجيني وتركيز الأوكسجين مرتفعان ولذلك يرتبط الأوكسجين بالهيموجلوبين بشدة.  أما في أنسجة الجسم فينعكس الوضع حيث تزداد درجة الحرارة وينخفض الأس الهيدروجيني وتركيز الأوكسجين فيقل الارتباط بينهما ويبدأ الأوكسجين بالانتشار من الدم إلى الأنسجة. وفي حالة ثاني أكسيد الكربون فإن تركيزه في أنسجة الجسم أعلى منه في النسيج الرئوي ولذا فإنه يرتبط بالهيموجلوبين بعد إفراغ حمولته من الأوكسجين ويحمله الدم إلى الرئتين حيث تتم عملية التبادل بين الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون. ويتم تصنيع كريات الدم الحمراء في نخاع العظام ويبلغ متوسط عمرها 120 يوما ويتم تدمير الهرمة منها في الطحال والكبد من قبل بعض الخلايا الملتهمة التي تقوم باستخلاص الحديد الموجود في الهيموجلوبين  من الخلايا الميتة وإعادته إلى الجسم ليعاد استخدامه في خلايا جديدة. أما في النباتات فيدخل الحديد في تركيب كثير من الأنزيمات من أهمها تلك التي تساعد في تصنيع جزيء الكلوروفيل وعمليات التركيب الضوئي.


ويمتلك الحديد أعلى طاقة ربط نووية في جميع العناصر الطبيعية ولذلك وجد العلماء أنه آخر عنصر يمكن تصنيعه داخل النجوم مهما بلغ حجمها. وقد تبين للعلماء أن عملية تصنيع العناصر باستثناء الهيدروجين تحتاج لدرجات حرارة وضغوط غاية في الضخامة. وتعتبر عملية  تصنيع الهيدروجين من  أبسط العمليات حيث تتكون ذرته من بروتون واحد وإلكترون واحد ولهذا فبمجرد وضع البروتونات والإلكترونات في حيز واحد فإن الإلكترونات السالبة نحو البروتونات الموجبة وتبدأ بالدوران حولها مكونة  ذرات الهيدروجين. وقد وجد العلماء أن عملية دمج ذرتي هيدروجين لإنتاج الهيليوم تحتاج لدرجة حرارة تزيد عن ثلاثة ملايين درجة وتحت ضغط يصل لملايين الضغوط الجوية. وتعتبر عملية الاندماج النووي بين ذرات الهيدروجين لإنتاج الهيليوم المصدر الرئيسي  الذي يمد  معظم النجوم بما فيها الشمس بالطاقة التي تشعها. وعندما تنفذ كمية الهيدروجين في باطن النجم ينهار النجم بشكل مفاجيء ويتقلص حجمه وتزداد درجة حرارته إلى ما يزيد عن مائة مليون درجة وهو الحد اللازم لبدء عملية الإندماج النووي للهيليوم لينتج بذلك الكربون. وعندما ينفد مخزون النجوم من الهيدروجين والهيليوم تنهار وترتفع درجة حرارة باطنها إلى ما يزيد عن 700 مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق الكربون لينتج النيون والأوكسجين والصوديوم والمغنيسيوم. وعند نفاد قلب النجم من الكربون ينهار وترتفع درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ألف ومائتي مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق النيون لينتج المغنيسيوم والأوكسجين. وعند نفاد قلب النجم من النيون ينهار وترتفع درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ألف وخمسمائة مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق الأوكسجين الذي ينتج السيليكون والفوسفور والكبريت. وعند نفاد قلب النجم من الأوكسجين ينهار وترتفع درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق السيليكون لينتج الحديد والنيكل والكوبلت والكروم والكالسيوم والزنك والتيتانيوم. إن الحرق النووي للعناصر الآنفة الذكر ينتج في النهاية عنصر الحديد وهو عنصر في غاية الإستقرار ولا يمكن أن يحرق نوويا رغم أن درجة حرارة باطن النجم قد تصل إلى عشرة بلايين درجة ولهذا فهو أعلى عنصر يمكن تصنيعه من خلال الإندماج النووي. ومن الجدير بالذكر أن العناصر الأثقل من الحديد يتم تصنيعها في خارج النجوم من خلال ما يسمى بالإمساك النيوتروني (neutron capture) وفيه تقوم العناصر الخفيفة بالإمساك بالنيوترونات المتوفرة بكثرة في الكون فتتحول إلى نظائر (isotopes) وعند تحلل هذه النظائر تتحول إلى العناصر الثقيلة المختلفة. إن الحديد الناتج عن الإندماجات النووية يبدأ بالتراكم في باطن النجوم بسبب كثافته العالية وعندما ينهار النجم بعد نفاذ وقوده من جميع العناصر غير الحديد فإنه ينفجر ثم يتحول إلى نجم نيوتروني أو ثقب أسود وذلك حسب حجم النجم.


إن من معجزات خلق الأرض هو توفر اثنان وتسعون عنصرا من العناصر الطبيعية التي تم تصنيعها في مختلف أنواع نجوم هذا الكون وبكميات تتناسب وحاجة الكائنات الحية إليها وكذلك حاجة الإنسان إليها في صناعاته المختلفة. وبما أنه لا يمكن لنجم واحد مهما بلغ حجمه أن يصنع جميع هذه العناصر فإن العلماء لا زالوا في حيرة من امرهم في الطريقة التي اجتمعت بها جميع عناصر الطبيعة في كوكب الأرض. ولكن الرأي الغالب في طريقة وصول هذه العناصر هو من خلال سقوط نيازك ضخمة وبأعداد كبيرة على الأرض عند بداية تكونها مع تكون المجموعة الشمسية. ويقول العلماء أن الأرض في بداية تكونها كانت عبارة عن كرة سائلة من جميع عناصرها ومركباتها فرسبت العناصر الثقليلة كالحديد والنيكل إلى باطنها بين طفت العناصر والمركبات الخفيفة على سطحها وتطايرت الغازات في غلافها الجوي. ولقد أكد القرآن الكريم على أن خلق الأرض الأولية تم في يومين من أيام الله عز وجل بينما استغرق تشكيل تضاريسها وغلافها الجوي وتأهليها لظهور الحياة عليها أربعة أيام وذلك في قوله تعالى "قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)" فصلت.  

      

تعتبر المعادن من أكثر العناصر الطبيعية استخداما في الصناعات الحديثة وعلى الرغم من وجود ما يزيد عن 60 عنصرا معدنيا إلا أن لكل منها خصائص مميزة وفريدة تجعل من الصعب أن يقوم عنصر ما مقام عنصر أخر في أي تطبيق من التطبيقات الحديثة.  ويعتبر الحديد من أهم وأشهر المعادن  التي استخدمها الإنسان منذ اكتشافه قبل ثلاثة آلاف سنة حيث يتميز بخصائص  عديدة أهلته لهذه المكانة كوفرة خاماته وسهولة استخراجه ومتانته وسهولة تشكيله بالتسخين والطرق. ويستخدم الحديد بأشكاله المختلفة في صناعة السيارات والقطارات والسفن والآليات الزراعية  والمعدات العسكرية وفي بناء المنازل والمصانع  والجسور والسدود وسكك القطارات وأنابيب نقل الماء والبترول والغاز. وقد تبين إن إضافة عناصر معينة للحديد تكسبه خصائص مميزة فإضافة الكربون بنسبة 2 % إلى الحديد تزيد من صلابة السبيكة الناتجة وهي الفولاذ بشكل يفوق صلابة الحديد الخالص وعند إضافة الكروم والنيكل للحديد بنسب قد تصل إلى ثمانية عشر بالمائة نحصل على فولاذ غير قابل للصدأ وعند إضافة المنغنيز يتم إنتاج الفولاذ عالي المتانة. ويستخدم الزنك في طلاء قضبان الفولاذ لوقايتها من الصدأ أو ما يطلق عليها بعملية الغلفنة.  ويبلغ الإنتاج العالمي السنوي  من الحديد ما يقرب من  الفي مليون طن وهو ما يزيد عن عشرة أضعاف من مجموع ما ينتج من بقية المعادن.


ويأتي الألمنيوم في المرتبة الثانية بعد الحديد من حيث تبلغ كمية الإنتاج تسعين مليون طن ويستخدم في صناعة هياكل وقطع  الطائرات الحديثة والمركبات الفضائية والأقمار الصناعية وفي كثير من الصناعات الكهربائية وفي أواني الطبخ. ويبلغ إنتاج الكروم  30 مليون طن ويستخدم لإنتاج الفولاذ الغير قابل للصدأ. ويبلغ إنتاجه النحاس 18 مليون طن ويستخدم بسبب موصليته العالية للكهرباء في الصناعات الكهربائية المختلفة كصناعة المولدات والمحركات والمحولات وخطوط نقل وتوزيع الكهرباء. وينتج من المنغنيز 16 مليون طن تستخدم في صناعة الفولاذ عالي المتانة وفي صناعة البطاريات الجافة وفي تصنيع الأسمدة النباتية. وأما إنتاج الزنك فيبلغ 13 مليون طن سنويا  ويستعمل بشكل رئيسي في طلاء قضبان الفولاذ لوقايتها من الصدأ أو ما يطلق عليها بعملية الغلفنة وفي صناعة سبائك الألمنيوم والمعادن الأخرى. ويبلغ إنتاج الرصاص 13 مليون طن تستخدم في صناعة بطاريات المركبات وفي معدات الوقاية من الإشعاعات الضارة الناتجة عن المفاعلات الذرية ومعدات الأشعة السينية وفي صناعة الزجاج والبلاستيك وفي حاويات المواد الكيمائية والمواد المشعة. وينتج من البورون  مليوني طن  تستخدم في صناعة الزجاج والصابون والمواد المنظفة والمطهرة. ويبلغ إنتاج النيكل مليون طن ويستخدم مع الكروم في صناعة الفولاذ الغير قابل للصدأ وفي طلاء مختلف المعادن لمنعها من التآكل والصدأ وإعطاءها الشكل الجذاب واللامع الذي يتميز به هذا المعدن. وينتج من المغنيسيوم ثلاثمائة ألف طن تستخدم في صناعة سبائك خفيفة الوزن ومتينة وفي صناعة الألعاب النارية. وينتج من اليورانيوم مائتي ألف طن تستهلك في صناعة القنابل الذرية وكوقود للمفاعلات الذرية  ولإنتاج عنصر البلوتونيوم الصناعي الذي يصل إنتاجه السنوي إلى عشرين طن تستخدم بكاملها لصناعة القنابل الذرية. وينتج من الزركونيوم ما يزيد عن مائة ألف طن سنويا تستخدم بشكل رئيسي لتغليف قضبان اليورانيوم حيث أنه من أقل العناصر امتصاصا للنيوترونات مما يزيد من كفاءة عمل المفاعلات الذرية.  وينتج من القصدير مائتي ألف طن تستهلك في صناعة علب المشروبات ولفائف تغليف وطهو الأطعمة ومن الأنتيمون  مائة وخمسون ألف طن تستهلك في صناعة المواد المقاومة للحريق المستخدمة في الملابس والسجاد وأثاث المكاتب والمنازل. وينتج من التيتانيوم الذي يتميز بخفة وزنه ومتانته خمسون ألف طن  تستهلك في صناعة الطائرات والمركبات الفضائية والصواريخ. وينتج من الزرنيخ أربعون ألف طن تستهلك في صناعة بعض المواد السامة مثل المبيدات الحشرية وفي بعض الأدوية والمنظفات والقطع الإلكترونية. وينتج من التنجستون الذي يتميز بارتفاع درجة انصهاره وقساوته ثلاثين ألف طن تستهلك في صناعة فتائل المصابيح الكهربائية ونقاط التماس في المفاتيح الكهربائية ومعدات اللحام. وينتج من الكوبالت ثلاثون ألف طن سنويا تستهلك في السبائك المغناطيسية وفي السبائك شديدة القساوة والتي تستخدم في المحركات النفاثة والتوربينات. وينتج من الكادميوم  عشرون  ألف طن سنويا تستهلك في صناعة البطاريات الصغيرة  والقابلة للشحن وفي إنتاج بعض السبائك وفي قضبان التحكم في المفاعلات الذرية. وينتج من التنتاليوم الذي يتميز بمقاومته العالية للصدأ أربعة وعشرون ألف طن تستخدم في صناعة الأدوات الجراحية وكبديل عن العظام التالف في جسم الإنسان وفي وصل الأعصاب. وينتج من الزئبق عدة آلاف من الأطنان تستهلك في صناعة حشوات الأسنان والبطاريات والمفاتيح والقواطع والمصابيح الكهربائية وموازين درجة الحرارة والضغط. وينتج من الذهب ألفين وخمسمائة طن ومن الفضة ستة عشر ألف طن ومن البلاتين مائة وخمسون طن تستهلك في صناعة الحلي وأدوات الزينة. وينتج من السيليكون  والجرمانيوم  والسيزيوم والجاليوم بضع عشرات من الأطنان  سنويا تستهلك في صناعة القطع الإلكترونية والخلايا الضوئية والألياف الضوئية.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق