2020-01-29

ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها


ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها


الدكتور منصور أبو شريعة العبادي\ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية



                لقد أشار القرآن الكريم في آيتين كريمتين إلى إحدى أهم منطقة من مناطق الدماغ وهي المسؤولة عن ما يسمى بالوظائف التنفيذية (Executive functions) والتي تقوم بالتحكم بحركة وتصرفات الكائنات الحية المتحركة أي الدواب. ولقد تمكن العلماء في بداية القرن العشرين من تحديد مكان هذه المنطقة ووجدوا أنها تقع في مقدمة الدماغ وبالتحديد في مقدمة الفصل الجبهي الأمامي (prefrontal lobe) والذي يقع تماما تحت أعلى الجبهة أو الناصية في رأس الدابة. فالآية الأولى هي قوله تعالى "كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)" العلق والتي تؤكد على أن الناصية هي منطقة في الدماغ وليس الناصية الخارجية للرأس وذلك لأن الله عز وجل وصفها بالكذب والخطأ وهما من الوظائف التنفيذية للدماغ.  أما الآية الثانية فهي قوله تعالى "إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)"هود والتي تؤكد على أن مركز التحكم في حركة الدواب يوجد في ناصية الدماغ أي مقدمته فالأخذ بالناصية هو قيادتها.

        إن من مقتضيات الإيمان الحق عند المسلم أن يوقن يقينا تاما بأنه لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن في هذا الكون صغر أم كبر إلا بأمر مباشر من الله عز وجل وأنه سبحانه وتعالى لا يغفل ولو للحظة واحدة عن تدبير شؤون كونه وإلا سيسوده الخراب. ومع علمنا التام بأن جميع مكونات الكون تحكم حركاتها وسكاناتها قوى وقوانين فيزيائية أودعها الله عز وجل مادة الكون إلا أن  جميع هذه القوى والقوانين هي بيد الله عز وجل وتعمل تحت سمعه وبصره سبحانه القائل "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)" يس والقائل سبحانه "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)" الأنعام والقائل عز من قائل "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)" سبأ. إن مثل هذه القناعة تترسخ لدى المسلم من تدبر آيات كثيرة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)" المؤمنون وقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)" فاطر وقوله تعالى "أَلَمْ يَـرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)" النحل  وقوله تعالى "إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)" فصلت. إن اسم الله (القيوم) يلخص هذه الصفة العظمى من صفاته سبحانه وهي القيومية والتي تعني أنه سبحانه تقوم به كل الأشياء وهو قائم عليها وغير غافل عنها كما جاء ذلك في آية الكرسي "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)" البقرة. ولقد جاء في صحيفة إدريس السلوفاكية ما يؤيد ذلك فقد جاء فيها (وعيوني ترى كل شيء وإن نظرت إلى كل الأشياء فإنها تقوم  ولكن إن أدرت بوجهي عنها فإنها جميعها تحتاج إلي ) (and My eyes see all things, * if I look to all things ^ they * stand fast ^. If I turn away My face, all are in need of Me.).

         وقد يبدو للبشر ظاهريا أن دواب الأرض بمختلف أنواعها تتحرك تبعا للأوامر التي يصدرها مركز القيادة والتحكم الموجود في أدمغتها وأن هذه الأوامر تحددها المعلومات التي تجمعها حواسها من البيئة المحيطة بها وذلك بعد معالجتها وموازنتها واتخاذ قرار الحركة المناسب. ولكن القرآن الكريم علم المؤمنين به أن الله عز وجل هو الذي قام بتصميم مراكز القيادة والتحكم في أدمغة جميع دواب الأرض وهو الذي أبدع البرمجيات الموجودة فيها وهي  تتحرك وفق هذه البرمجيات ولكن من يتخذ القرار النهائي في توجيه حركة هذه الكائنات هو خالقها سبحانه وتعالى. ولقد جاء تأكيد ذلك في قوله تعالى "إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)"هود. ومن الواضح أن الأخذ بناصية الدابة هو قدرة من يقودها على التحكم بحركتها وتصرفاتها كما يتحكم سائقي المركبات والطائرات والسفن بمسارات تحركها. وما ينطبق على جميع دواب الأرض ينطبق كذلك على الإنسان الذي أعطاه الله عز وجل حرية أوسع في إتخاذ قراراته إلا أنه سبحانه ربطها بمشيئته مصداقا لقوله تعالى "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)" الإنسان. 



يقدر العلماء عدد أنواع دواب الأرض أو ما يطلق عليها المملكة الحيوانية بسبعة ملايين نوع تم تصنيف ما يقرب من مليون ونصف منها وتتراوح أحجامها بين التي لا ترى بالعين المجردة كالبكتيريا والحيوانات الثدية. وتتميز الدواب على بقية الكائنات الحية بقدرتها على الحركة ولهذا فإنها تحتاج إلى مركز للقيادة والتحكم في أدمغتها يقوم بتوجيهها أثناء حركتها. ويعتمد تعقيد تركيب الدماغ في الكائنات الحية على عدد وحجم الوظائف  التي يقوم بها لخدمة جسم الكائن وبشكل عام فهو يزداد حجما وتعقيدا كلما ازداد حجم جسم الكائن باستثناء الإنسان . ويتراوح وزن الدماغ بين عدة غرامات في الحشرات والأسماك وعدة مئات من الغرامات في الحيوانات الكبيرة كالثدييات إلى عدة كيلوغرامات. وقد وجد العلماء أن مركز القيادة والتحكم في مختلف أنواع الدواب يوجد في مقدمة الدماغ والتي أطلقوا عليها اسم القشرة الجبهية الأمامية (prefrontal cortex) لأنها تقع تحت مقدمة الرأس أو الناصية. وسنشرح تركيب الدماغ لدى الإنسان كمثال على أدمغة الحيوانات مبينين أجزاءه المختلفة والوظائف التي تقوم بها وتحديد مركز القيادة والتحكم في الدماغ.







يتكون الدماغ (Brain) من مادة هلامية القوام لون سطحها رمادي وداخلها أبيض ويبلغ وزنه عند الإنسان البالغ ألف وأربعمائة غرام تقريبا. وعلى الرغم من أن وزنه يبلغ اثنين بالمائة من وزن الجسم إلا أنه يستهلك عشرين بالمائة من الطاقة التي يولدها الجسم أو كمية الدم التي يضخها القلب إلى الجسم. ويتكون الدماغ  من أربعة أجزاء رئيسية وهي المخ (Cerebrum) والدماغ البيني (Diencephalon) وجذع الدماغ (Brain stem) والمخيخ (Cerebellum). فالمخ هو الجزء الأعلى من الدماغ وهو أكبر الأقسام حجما إذ يشكل 85 % من حجم الدماغ في الإنسان. والمخ له شكل شبه كروي مكون من نصفين (hemispheres) يفصل بينهما شق طولي كبير يسمى الشق الطولاني الداخلي (Medial Longitudinal Fissure). ويرتبط النصفان ببعضهما عند المنتصف بحزمة ضخمة من الألياف العصبية تسمى الجسم الثفني (Corpus Callosum) والتي يقدر عددها بمائتين وخمسين مليون ليف تقوم بنقل الإشارات العصبية فيما بين نصفي المخ. ويقدر عدد الخلايا العصبية في دماغ الإنسان بمائة بليون خلية موزعة على مراكز الدماغ المختلفة وترتبط كل خلية من هذه الخلايا بما يتراوح بين عشرة خلايا وعشرة آلاف خلية مجاورة وذلك لبناء الشبكات العصبية في مراكز الدماغ المختلفة. وإذا ما اعتبرنا أن متوسط عدد الوصلات (synapses) مع الخلايا المجاورة هو ألف وصلة فإن عدد الوصلات بين الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ يقدر بمائة ألف بليون وصلة يبلغ مجموع أطوالها قريبا من مائتي ألف كيلومتر. ويقدر عدد الألياف أو الشعيرات العصبية التي تربط مراكز الدماغ  بجميع أعضاء الجسم بأكثر من عشرة ملايين ليف عصبي حيث يربط كل واحد من هذه الألياف خلية عصبية محددة في أحد مراكز الدماغ أو في العقد العصبية مع خلية عصبية مناظرة لها في أحد أعضاء الجسم.




ويتكون كل من نصفي المخ من أربعة فصوص (lobes) وهي الفص الجبهي أو الأمامي (frontal lobe)  ويشكل 41 بالمائة من حجم المخ  والفص الصدغي (temporal lobe) بنسبة 22 بالمائة والفص الجداري (parietal lobe) بنسبة 19 بالمائة  والفص القحفي أو القذالي (occipital lobe) بنسبة 18 بالمائة. ويتكون المخ من طبقتين رئيسيتين وهما القشرة المخية (Cerebral Cortex)  ولب المخ (cerebral medulla). فالقشرة المخية هي الطبقة السطحية للمخ وتتراوح سماكتها بين 1.5 و 4.5 ملم وتتركز فيها أجسام الخلايا العصبية أو العصبونات (neurons)  ولذلك فإن لها لون رمادي ولذا تسمى المادة الرمادية (Gray matter). والقشرة المخية لها سطح كثير التجاعيد يحتوي على أخاديد (sulcus) وتلافيف (gyrus) كثيرة تعمل على زيادة  مساحة سطحها إلى عدة أضعاف مساحتها فيما لو بقيت بدون هذه الأخاديد. إن زيادة عدد الخلايا العصبية في الدماغ لا يمكن أن يتم من خلال زيادة حجمه فقط وذلك لأن ربط الألياف العصبية القادمة من مختلف أجزاء الجسم بالخلايا العصبية في طبقات الدماغ الداخلية ستزيد من تعقيد تصميمه ولذلك كان من الأسهل أن يتم توزيع أجسام الخلايا العصبية على سطح الدماغ وترك داخله لمرور حزم الألياف العصبية التي تربط بين مناطق الدماغ المختلفة وبين أعضاء الجسم. ولو تطلب الأمر بناء مكونات الدماغ على شكل دوائر إلكترونية بحيث يقوم الترانزستور مقام الخلية العصبية لبلغت مساحة السطح الذي تحتله أكثر من ألف متر مربع ولكن بما أن الخلية العصبية تحتل حيزا أقل من الترانزستور وتقوم بوظائف أكثر تعقيداﹰ من الوظيفة الوحيدة التي يقوم بها الترانزستور فإن المساحة التي يتطلبها بناء الدماغ قد تم تقليصها إلى أقل من متر مربع. لقد تم تقليص حجم المخ من خلال توزيع العصبونات على ستة طبقات في القشرة المخية بدلا من طبقة واحدة وكئلك من خلال عمل أخاديد وتلافيف كثيرة وعميقة في القشرة المخية بحيث بقى حجم الدماغ ثابتا مع زيادة مساحة سطحه عدة مرات. 


أما الدماغ البيني (Diencephalon or interbrain) أو ما يسمى أيضا (Limbic System) والذي يعتبره البعض جزء من المخ  فيقع في مركز الدماغ بين المخ وجذع الدماغ وهو مكون من ثلاثة مناطق رئيسية وهي المهاد (Thalamus) وتحت المهاد (Hypothalamus) والمهيد (subthalamus). فالمهاد يعتبر البوابة الرئيسية التي تمر من  خلالها معظم الألياف العصبية إلى القشرة المخية حيث تقوم بإعادة ترتيبها لتوجيهها إلى المناطق الخاصة بها. أما تحت المهاد فيحتوي على كثير من مراكز التحكم المتعلقة بوظائف الجسم الحيوية كالتحكم بدرجة حرارة الجسم والشعور بالجوع والشبع والرغبة الجنسية والنوم واليقظة وضغط الدم وتركيز المواد في الدم وتركيز الماء في الجسم  والاستجابات العاطفية. ويرتبط تحت المهاد أيضا بالغدة النخامية بشكل مباشر وهي أكبر غدد الجهاز الهرموني وتسيطر على بقية غدد الجسم وبذلك فإن تحت المهاد هو همزة الوصل  بين الجهاز العصبي والجهاز الهرموني في الجسم من خلال إفرازه لما يسمى بالهرمونات العصبية (neurohormones). وأما المهيد فيتكون بشكل رئيسي من النواة المهيدية (Subthalamic nucleus) التي تقع على جانب المهاد وترتبط  بشكل رئيسي بالأنوية القاعدية (basal nuclei) وتعمل على تنظيم حركة المعلومات. ويوجد في الدماغ البيني عدد من العقد العصبية (Ganglion) أو الأنوية (Nucleus) التي ترتبط بالقشرة المخية وببقية أجزاء الدماغ وهي عبارة عن كتل رمادية اللون وبأحجام مختلفة.  ومن أهم هذه الأنوية الحصين (hippocampus) أو قرن أمون (Ammon's horn)  والذي يقع تحت قشرة الفص الصدغي وهو مسؤول عن الربط بين الذاكرة القصيرة والذاكرة الطويلة وبالذات الذاكرة المكانية. وأما النواة الثانية فهي اللوزة المخية (amygdalae) فتقع أمام الحصين في الفص الصدغي وهي مسؤولة عن الذاكرة  العاطفية. وأما الثالثة فهي الأنوية القاعدية (basal nuclei) وهي مجموعة مكونة من  أربعة أنوية موزعة في الدماغ البيني وهي المذيلة (caudate)  والمخططة (striatum) والبوتامين (putamen) والكرة  الشاحبة (globus pallidus). وتعمل هذه المراكز الأربعة كبوابات لكثير من وظائف القشرة الدماغية كالتحكم بالحركات الارادية والتعبير عن العواطف والتعلم وحركة العينين وغير ذلك.  ويحتوي الدماغ البيني كذلك على الغدة النخامية (Pituitary Gland) والغدة الصنوبرية  (pineal gland) ويمر من خلاله أيضا التصالب البصري (Optic Chiasm) وهي حزمة الأعصاب القادمة من العينين والذاهبة إلى مركز البصري في الفصين القحفيين. 




أما جذع الدماغ (Brain stem) فيقع تحت المخ البيني  وهو صغير الحجم على شكل الإصبع ويصل بين المخ والحبل الشوكي ويتكون بدوره من ثلاثة أجزاء وهي من الأسفل إلى الأعلى النخاع المستطيل (Medulla Oblongata) ثم الجسر (Pons)  ثم الدماغ الأوسط (Midbrain). فالنخاع المستطيل يحتوي إلى جانب الألياف العصبية التي تربط بين المخ والحبل الشوكي مراكز عصبية تتحكم ببعض  عمليات الجسم الحيوية كالتحكم بضربات القلب ومعدل وعمق التنفس وتقلص وتمدد الشرايين. وتتفرع منه أيضا الأعصاب القحفية التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر.  وأما الجسر فيحتوي على القنطرة التي تربط بين نصفي المخيخ والألياف العصبية التي تربط المخ بالمخيخ وكذلك بالحبل الشوكي وتتفرع منه الأعصاب القحفية الخامس والسادس والسابع والثامن. وأما الدماغ الأوسط  فيحتوي على بعض مراكز رد الفعل اللاإرادي أو ما يسمى بالمنعكسات (Reflexes) كالمنعكسات البصرية والسمعية ومنعكسات الجفل والعطاس والسعال والتقيؤ والشهاق والبلع ويحتوي كذلك على محطة ترحيل للإشارات السمعية وتتفرع منه الأعصاب القحفية الثالث والرابع. وأما المخيخ (Cerebellum) وهو أكبر حجما من جذع المخ  حيث يبلغ وزنه 150 غرام فيقع أسفل الجزء الخلفي من المخ ويتصل بجذع الدماغ عن طريق السويقة المُخيخية العلوية (Superior Cerebellar Peduncle)  والسويقة المُخيخية السفلية (Inferior Cerebellar Peduncle). ويتكون المخيخ أيضا من نصفين بينهما شق ويرتبطان ببعضهما بحزمة من الألياف العصبية تسمى الدودة  (vermis) وهو كالمخ ذي سطح كثير التجاعيد إلا أن تجاعيده أكثر عمقا وأقل عرضا بحيث أن مساحة قشرته تساوي تقريبا مساحة قشرة المخ رغم الفارق الكبير بين وزنيهما. ويحتوي المخيخ على عدد من العصبونات تساوي مجموع ما تحتويه بقية مكونات الدماغ على الرغم من أن حجمه لا يتجاوز 10 % من حجم الدماغ. ويبلغ عدد الألياف العصبية التي تربط المخيخ ببقية الجهاز العصبي ما يزيد عن 200 مليون ليف عصبي. وتتكون القشرة المخيخية (cerebellar cortex) من ثلاثة طبقات مقابل ستة طبقات في القشرة المخية وتحتوي مادته البيضاء على أربعة عقد عصبية. إن وظيفة المخيخ الرئيسية هي معرفة وضعية الجسم من خلال الإشارات القادمة من المستقبلات الحسية الموزعة في الجسم وبالتحديد من القنوات الهلالية في الأذن والمراكز البصرية في المخ.  ويقوم المخيخ أيضا بحفظ توازن الجسم عند قيامه بمختلف أنواع الحركات ويتم تنفيذ الحركات الإرادية لأعضاء الجسم المختلفة وتنسيق حركة هذه الأعضاء من خلاله.


يقوم الدماغ بوظائفه من خلال مراكز عصبية موزعة على أجزائه المختلفة ويعتمد عدد الخلايا العصبية الموجودة في كل مركز من هذه المراكز وطريقة توصيلها ببعضها البعض على طبيعة الوظيفة المنوطة بكل منها . ولقد تمكن العلماء من تحديد معظم الأماكن التي تحتلها هذه المراكز باستخدام طرق مختلفة كإجراء التجارب على الحيوانات أو على الأشخاص الذين أصيبوا بضرر في بعض أجزاء أدمغتهم أو من خلال مراقبة النشاط الكهربائي للدماغ بأجهزة تصوير مختلفة لأشخاص سليمين عند قيامهم بمهام مختلفة. وبما أن أكبر أجزاء الدماغ وهما المخ والمخيخ مكونان من نصفين متماثلين  فقد وجد العلماء أن المراكز العصبية فيهما تتكرر في كل نصف وتحتل نفس المواقع وكل نصف من الدماغ مسؤول عن الإحساس أو التحكم في أعضاء نصف الجسم المعاكس له أي أن نصف الدماغ الأيمن يتحكم أو يحس بنصف أعضاء الجسم الأيسر والعكس للنصف الثاني باستثناء بعض الحالات. لقد قسم العلماء الدماغ إلى قسمين من حيث طبيعة الوظيفة التي يقوم بها وهو الدماغ اللاوعي والذي يتكون من المخ البيني وجذع المخ والمخيخ  والدماغ الواعي والذي يتكون من المخ فقط. وقد وجد العلماء أن المراكز المسؤولة عن ذلك في دماغ الإنسان لا تختلف من حيث تركيبها ومن حيث الأماكن التي تحتلها عن تلك الموجودة في أدمغة بقية الحيوانات وخاصة الثدييات. وهذا الجزء اللاواعي أو الغريزي  من الدماغ مسؤول عن الحركات اللاإرادية وتنظيم العمليات الحيوية لمختلف أعضاء الجسم  باستخدام أنظمة التغذية الراجعة من خلال ملايين الأعصاب التي ترتبط بمختلف أجزاء هذه الأعضاء. إن المراكز العصبية الخاصة بالدماغ اللاواعي موجودة في كتلة لا يتجاوز وزنها المائتي غرام وهي المخ البيني وجذع المخ والمخيخ. ويعود السبب في ذلك إلى أن البرامج المخزنة في الدماغ اللاوعي هي برامج مبيتة (embeded) بلغة علماء الحاسوب أي أن التوصيلات بين الخلايا العصبية في كل مركز ثابتة لا تتغير وهي موجودة منذ ولادة الكائن أي أنها تعمل كأنظمة تحكم فقط. 



 أما وظائف الدماغ الواعي فتوجد في القشرة المخية (Cerebral Cortex) وهي تنقسم إلى قسمين قسم يشترك بها الإنسان مع بقية الحيوانات وهي التي تتعلق بالحواس الخمس والحركات الإرادية والقسم الثاني هي التي يتميز بها الإنسان على بقية الحيوانات كالإحساس بالذات وقدرته على التفكير والتعلم والتكلم والتذكر والتخيل وكامتلاكه لمختلف أنواع العواطف والأحاسيس والمشاعر. وقد تم تقسيم القشرة المخية من حيث الوظائف العامة إلى مناطق حسية (Sensory areas) ومناطق حركية (Motor areas) ومناطق ترابطية (Association areas). فالمناطق الحسية تستلم إشارات المعلومات من الحواس الخمسة وتسمى المناطق التي تستلم هذه المعلومات من خلال المهاد بالمناطق الحسية الابتدائية (primary sensory areas). أما المناطق الحركية فترسل إشارات التحكم من خلال المهاد إلى العضلات الإرادية في الجسم وهي تتكون من من مناطق حركية ابتدائية (Primary motor areas) ومن مناطق حركية مساندة (Supplementary motor areas). وأما المناطق الترابطية فهي المناطق التي يتم فيها ظواهر الإدراك (perception) والتفكير (thinking) واللغة (language) وغير ذلك. أما لب المخ فيحتوي على محاور العصبونات  الموجودة في القشرة المخية وكذلك المحاور القادمة من أجزاء الدماغ الأخرى إلى القشرة المخية وهي ذات لون أبيض بسبب أن معظم هذه المحاور مغلفة بطبقة المايلين ذات اللون الأبيض ولذلك تسمى المادة البيضاء (white matter). 




يعتبر الفص الجبهي (frontal lobe) أكبر فصوص المخ حيث يحتل 41 بالمائة من حجمه وذلك في الإنسان إلا أن حجمه يتقلص بشكل كبير في بقية الحيوانات وتوجد فيه معظم المناطق الترابطية. وتقع في مقدمة هذا الفص أو الناصية القشرة الجبهية الأمامية (prefrontal cortex) وفيها توجد الوظائف التنفيذية (executive function) والوظائف التعرفية (cognitive skills) كالتعابير العاطفية (emotional expression) وحل المشاكل (problem solving) والذاكرة قصيرة الأمد  (short-term memory) واتخاذ القرار أو الحكم (judgment or decision making)  والتخطيط (planning) والانتباه (attention) والتعليل (reasoning) والتصرفات الجنسية (sexual behaviors) والشعور بالشخصية أو الذات (personality). وتقع في الجزء العلوي الخلفي من هذا الفص المراكز العصبية المسؤولة عن الحركات الإرادية وهي القشرة الحركية الأولية (primary motor cortex) والقشرة الحركية الأمامية (premotor cortex) وهي تغطي مساحة واسعة منه وتحتل اليد بأصابعها الخمس والشفتان واللسان مساحة كبيرة من هذه المنطقة.  وعلى جانبي القشرة الجبهية الامامية من الجهة الخلفية تقع منطقة بروكا (Broca's area) وهي المسؤولة عن توليد واستيعاب الكلام (language production and comprehension). وتوجد في هذا الفص الجبهي قشرة التذوق الأولية (primary gustatory cortex) والتي ترتبط بمستقبلات التذوق (taste receptors) الموجودة على سطح اللسان ويتم الإحساس بالطعم في قشرة التذوق الثانوية (secondary gustatory cortex) الموجودة في نفس الفص. 



ويقع الفص الجداري (parietal lobe) خلف الفص الجبهي مباشرة وتوجد في مقدمته القشرة اللمسية البدنية (somatosensory cortex)  وكذلك وحدات المعالجة الحسية وتحتل أعصاب أصابع اليد والشفتان والوجه واللسان أكبر مساحة من المساحة الكلية لحاسة اللمس. وهذا الفص مسؤول عن تنسيق حركات الجسم (Movement Coordination) والاحساس بالمكان والزمان (temporal and spatial sensation) ووضعية الجسم (body orientation) والحساب الرياضي (Mathematical Computation) والقراءة والكتابة (Reading and Writing)  وتمييز الأحجام والأشكال. أما الفص القحفي أو القذالي (occipital lobe) فيقع في مؤخرة الرأس خلف الفص الجداري وهي مخصصة لكل ما يتعلق بالإبصار حيث يوجد فيها القشرة البصرية الأولية (primary visual cortex) والتي ترتبط بشبكية العين من خلال العصب البصري. أما بقية الفص فيحتوي على الذاكرة البصرية وكذلك وحدات معالجة المعلومات البصرية (perception and processing of visual information). أما الفص الصدغي (temporal lobe) فيقع على جانبي الدماغ وهو يتكون من القشرة السمعية الأولية (primary auditory cortex)  التي تقع في أعلاه  والتي ترتبط بقوقعة الأذن من خلال العصب السمعي وأسفل منها توجد وحدة المعالجة السمعية والذاكرة السمعية والتي تعمل على استيعاب الكلام (speech comprehension). ويوجد في هذا افص أيضا الذاكرة طويلة الأمد (long-term memory)  لكل من المعلومات السمعية وكذلك البصرية إلى جانب وحدات معالجة متقدمة للمعلومات البصرية لأغراض تخزينها في الذاكرة البصرية. ويوجد في أسفل هذا الفص القشرة الشمية الأولية (primary olfactory cortex).


تجدون مقالاتي الأخرى على مدونتي التالية:






هناك 3 تعليقات:

  1. هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه، بل الظالمون في ضلال مبين (لقمان: 11)
    سبحان الخلاق العليم.

    ردحذف
  2. احسنت، جزاك الله خيرا

    ردحذف
  3. If you're looking to lose fat then you need to start following this totally brand new custom keto plan.

    To create this service, certified nutritionists, fitness couches, and professional chefs have joined together to develop keto meal plans that are useful, decent, cost-efficient, and delightful.

    From their first launch in 2019, thousands of clients have already completely transformed their figure and health with the benefits a good keto plan can offer.

    Speaking of benefits; in this link, you'll discover eight scientifically-certified ones provided by the keto plan.

    ردحذف